مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

١
٢

٣
٤

كتاب مفاتيح الزكاة

قال الله تبارك وتعالى في عدّة مواضع (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (١) وقال عزوجل (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢).

وفي الصحيح : «إنّ الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة ، فقال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ، فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة ، فكأنّه لم يقم الصلاة» (٣).

وفيه : «ما فرض الله على هذه الامّة شيئا أشدّ عليهم من الزكاة ، وفيها تهلك عامّتهم» (٤).

وفيه : «إنّ الله عزوجل فرض للفقراء من أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ، وإنّما يؤتى الفقراء فيما اتوا من

__________________

(١) البقرة (٢) : ٤٣ و ٨٣ و ١١٠ ، النور (٢٤) : ٥٦ ، المجادلة (٥٨) : ١٣ ، المزمّل (٧٣) : ٢٠.

(٢) آل عمران (٣) : ١٨٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢ الحديث ١١٤٢١.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨ الحديث ١١٤٣٧.

٥

منع ، من منعهم حقوقهم لا من الفريضة» (١).

وفيه : «إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركتها» (٢).

وفيه : «ما من مؤمن يمنع درهما من حقّ إلّا أنفق اثنين في غير حقّه ، وما من رجل يمنع حقّا من ماله إلّا طوّقه الله عزوجل به حيّة من نار يوم القيامة» (٣).

وفيه : «ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر ، وسلّط الله عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنّه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها (٤) كما يقضم الفحل ، ثم يصير طوقا في عنقه ، وذلك قول الله عزوجل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٥) ، وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر تطأه كلّ ذات ظلف بظلفها ، وتنهشه كلّ ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاته إلّا طوّقه الله عزوجل ريعة (٦) أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة» (٧).

والنصوص في فضلها (٨) وعقاب تاركها (٩) أكثر من أن تحصى.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠ الحديث ١١٣٨٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦ الحديث ١١٤٣١.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٣ الحديث ١١٤٧٩.

(٤) قضم كسمع : أكل بأطراف أسنانه أو أكل يابسا ، لاحظ! مجمع البحرين : ٦ / ١٤٠.

(٥) آل عمران (٣) : ١٨٠.

(٦) الريع بالكسر : المرتفع من الأرض ، الواحد ريعة والجمع رياع ، لاحظ! مجمع البحرين : ٤ / ٣٤١.

(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠ و ٢١ الحديث ١١٤٢٠.

(٨) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦ ـ ٢٠ الباب ٢ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٩) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠ ـ ٣١ الباب ٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

٦

وهي قسمان : زكاة مال ، وزكاة فطرة. وزكاة المال واجبة ومستحبّة.

والخمس عوض عن الواجبة منها لبني هاشم ، يثبت في الغنائم بالأصالة والكلّ من ضروريّات مذهبنا.

٧
٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين.

ربّ وفّقني للإتمام على أحسن النظام بأبين الكلام ، على ما هو الرشد والصواب ، خاليا عن شائبة الشبهة والارتياب ، موجبا للوصول إلى أعلى درجات القرب إليك ، ومزيدا للثواب بعد النجاة عمّا يستحقّ من البعد عنك والعقاب ، فإنّا لا نجد الخير إلّا منك يا وهّاب ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا ربّ الأرباب! ويا مالك الرقاب! منك بدء الخلق وإليك المآب.

قوله : (والنصوص). إلى آخره.

هو كما قال ، ولم يتعرّض لذكر إجماع المسلمين والضرورة ، مع أنّ وجوبها من ضروري الدين.

قال في «التذكرة» : أجمع المسلمون كافّة على وجوبها في جميع الأعصار ، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة.

قال : فمن أنكر وجوبها ممّن ولد على الفطرة ، ونشأ بين المسلمين فهو المرتدّ ، يقتل من غير أن يستتاب.

وإن لم يكن عن فطرة ، بل أسلم عقيب كفر استتيب ـ مع علم وجوبها ـ

٩

ثلاثا ، فإن تاب وإلّا فهو مرتدّ وجب قتله.

وإن كان ممّن يخفى وجوبها عليه ، لأنّه نشأ بالبادية ، أو كان قريب العهد بالإسلام عرّف وجوبها ولم يحكم بكفره (١) ، انتهى.

أقول : الاستتابة ثلاث مرّات ، والقتل في الرابعة هو المشهور ، وقيل : الاستتابة أربع مرّات ، ثمّ القتل إن لم يتب (٢) ، وهو أحوط ، لما حقّق في محلّه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٧ و ٨.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٠

الباب الاوّل

في زكاة المال

قال الله سبحانه (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١).

القول فيما فيه الزكاة وشرائطها

٢١٥ ـ مفتاح

[من يجب عليه الزكاة وما يجب فيه]

إنّما تجب زكاة المال على مالكه البالغ العاقل الحرّ المتمكّن من التصرّف في الذهب والفضّة المسكوكين ، والإبل والبقر والغنم السائمة الغير العاملة ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، المملوكة بالزراعة ، أو المنتقلة إليه قبل انعقاد

__________________

(١) التوبة (٩) : ١٠٣.

١١

الحبّ وبدوّ الصلاح ، بشرط بلوغ كلّ من التسعة النصاب المعتبر فيه ، وحؤول (١) الحول على النصاب في الخمسة الاول ، كلّ ذلك بالإجماع والنصوص المستفيضة (٢).

واشتراط الديلمي الانوثة في الأنعام (٣) شاذّ ، واشتراط الأكثر وضع المؤن كلّها في الغلّات لا دليل عليه يعتدّ به ، إلّا حصّة مقاسمة السلطان خاصّة ، ونقل في «الخلاف» على خلافه الإجماع ، إلّا من عطاء (٤) ، ولا دليل عليه أيضا يصحّ الاعتماد عليه.

نعم ؛ يشهد له وجوب العشر فيما المئونة فيه أقلّ ، ونصفه فيما هي فيه أكثر ، فهو أحوط وأولى.

__________________

(١) حال عليه الحول حولا وحؤولا ، لاحظ! القاموس المحيط : ٣ / ٣٧٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٥٣ الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) المراسم : ١٢٩.

(٤) الخلاف : ٢ / ٦٧ المسألة ٧٨.

١٢

قوله : (إنّما تجب زكاة المال). إلى آخره.

تحقيق المقام امور.

الأوّل : لا شكّ في اشتراط الملكيّة وهو بديهي ، ويشترط تمام الملكيّة أيضا ، كما سيظهر لك في مبحث التمكّن من التصرّف.

الثاني : لا خلاف في اشتراط الكمال في وجوبها في النقدين ، فلا يجب على الصبي والمجنون.

نقل الإجماع على ذلك جماعة ، منهم الفاضلان والشهيدان وغيرهم (١).

ويدلّ عليه جميع ما دلّ على عدم كونهما مكلّفين ، كما مرّ في كتاب الصلاة (٢).

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ ، وعن المجنون حتّى يفيق» (٣).

ويدلّ عليه أيضا صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن مال اليتيم؟ فقال : «ليس فيه زكاة» (٤).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام مثله (٥).

وصحيحة زرارة [ومحمّد بن مسلم] عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّهما قالا : «مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء» (٦).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٨٦ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٢٩٨ ، البيان : ٢٧٦ ، الروضة البهيّة : ٢ / ١١ و ١٢ ، مدارك الأحكام : ٥ / ١٥ ، ذخيرة المعاد : ٤٢٠.

(٢) راجع! الصفحة : ٨٦ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٣) عوالي اللآلي : ٣ / ٥٢٨ الحديث ٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٦ الحديث ٦١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٥ الحديث ١١٥٨١.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٦ الحديث ٦٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٥ الحديث ١١٥٨٢.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٩ الحديث ٧٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٦.

١٣

وحسنتهما بإبراهيم بن هاشم عن عنهما عليهما‌السلام مثله (١) ، إلّا أنّه لفظ «الدين» موضع «العين».

وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في مال اليتيم زكاة؟ فقال : «إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة ، فإذا عملت به فأنت له ضامن والربح لليتيم» (٢).

وصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل أنّه كتب إلى الرضا عليه‌السلام يسأله عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب عليه‌السلام : «لا زكاة في مال يتيم» (٣).

رواها الكليني بإسناد آخر صحيح ، وفيها «لا زكاة على مال يتيم» (٤).

وحسنة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس على مال اليتيم زكاة ، وإن بلغ [اليتيم] فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتّى يدرك ، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من الناس» (٥).

وموثقة عمر بن أبي شعبة عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن مال اليتيم؟ فقال : «لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به» (٦).

وفي رواية مروان بن مسلم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام قال : «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة» (٧) إلى غير ذلك من الأخبار

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٤٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٥ الحديث ٤٩٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٤ الحديث ١١٥٧٨ مع اختلاف يسير.

(٤) لاحظ! الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٨.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٤ الحديث ١١٥٧٧ مع اختلاف يسير.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٤.

(٧) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٣.

١٤

الصحيحة والمعتبرة (١).

ويدلّ على حكم المجنون صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أنّه قال للصادق عليه‌السلام : امرأة من أهلنا مختلطة. عليها زكاة؟ قال : «إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن لم يعمل به فلا» (٢).

وقويّة موسى بن بكر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، فهل عليه زكاة؟ فقال : «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة» (٣).

فما نقل عن ابن حمزة من إيجابه الزكاة في مال الصبي (٤) ، إن كان مراده بعنوان الإطلاق ، ففي غاية الظهور من الفساد.

بل الظاهر ؛ أنّه منزّه من ذلك ، وأنّ مراده الإيجاب في الجملة ، كما هو الظاهر من تلك العبارة.

الثالث : المجنون المطبق حكمه واضح ، وأمّا الأدواري فمقتضى جعل الفقهاء الشرائط ، واستمرارها طول الحول شرطا في وجوب الزكاة ؛ كونه مثل المطبق.

واعترف في «الذخيرة» على الجعل المذكور ، ومع ذلك قال : في الأدواري خلاف.

قال في «التذكرة» : لو كان المجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول ، فلو جنّ في أثنائه سقط ، واستأنف من حين عوده (٥).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ ـ ٨٩ الباب ١ و ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ الحديث ٧٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٠ الحديث ١١٥٩٥.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٤٢ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ الحديث ٧٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٠ الحديث ١١٥٩٦.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ١٥٢ ، لاحظ! الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٢١.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٦.

١٥

ونحوه قال في «النهاية» معلّلا بسقوط التكليف به (١) ، وفي التعليل ضعف.

واستقرب بعض المتأخّرين تعلّق الوجوب به حال الإفاقة ، إذ لا مانع من توجّه الخطاب إليه في تلك الحال (٢) ، وهو حسن ، لعموم الأدلّة ، إلّا أن يصدق عليه المجنون عرفا حين الإفاقة ، كما إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.

وتأمّل أيضا! في اشتراط التكليف طول الحول بالنسبة إلى الصبي الذي بلغ وقت الوجوب ، مع اعترافه بأنّ الاشتراط المزبور ، وهو الظاهر من الفقهاء على نحو تأمّله في المجنون (٣) انتهى.

أقول : مجرّد ندرته بالنسبة إلى زمان الجنون لا يجعله مجنونا مطبقا حقيقيّا عرفا وحين الإفاقة لا يمنع من توجّه الخطاب إليه ، وعموم الأدلّة بحاله ، وخروجه منها من جهة دخوله فيما دلّ على سقوط الزكاة من المجنون محل نظر ، إذ لو جعل تلك الأدلّة خاصّة بالمطبق. فظاهر أنّ المطبق حقيقة فيمن أطبق جنونه ، وإن كان يطلق عرفا على الأدواري المذكور لفظ المطبق ، إذ ظاهر الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، وصحّة السلب إمارة المجاز ، كعدم التبادر من مجرّد اللفظ الخالي عن القرينة ، بل مطلق الأدواري يطلق عليه لفظ المجنون عرفا بلا تأمّل!

وبالجملة ؛ ثبوت كون الأدواري الذي ذكره من الأفراد الحقيقية المطبق عرفا محل نظر ، لو لم نقل بظهور خلافه كما عرفت.

وجعل ما في الأدلّة شاملا لخصوص ما ذكره من الأدواري دون غيره أيضا

__________________

(١) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٠٠.

(٢) مدارك الأحكام : ٥ / ١٦.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٢١.

١٦

ظاهر الفساد ، لعدم وجود المقتضي ، لو لم نقل بوجود المانع ، والدلالة فرع الثبوت ، وإدخاله من جهة ما ذكره الفقهاء ، من اشتراط الاستمرار طول الحول يقتضي إدخال الكلّ.

وكذلك الحال ؛ لو كان من مجرّد الإطلاق العرفي ، كما عرفت ، ومن غير الجهتين المذكورتين لا نجد دليلا وسببا أصلا ، سيّما بحيث يقتضي ما ذكره.

وبالجملة ، لو ثبت إجماع على اشتراط استمرار جميع الشرائط طول الحول ، فالأمر كما ذكره في «التذكرة» و «النهاية» (١) ، فيكون التعليل المذكور إشارة إلى اشتراط استمرار التكليف طول الحول لا ما فهمه في «الذخيرة» ، واستضعفه (٢) ، لبداهة الخروج من التكليف حال الجنون ، وكون التكليف والوجوب بعد تماميّة الحول لا في أثنائه.

فظهر أنّ مراده منافاته ذلك لاستمرار حالة التكليف طول الحول المسلّم عندهم ، وإن لم يثبت الإجماع المذكور ، فالأمر كما ذكره بعض المتأخّرين (٣).

ويمكن إثبات اشتراط التكليف طول الحول بدعوى التبادر ، ممّا دلّ على الحول ، فإنّ جميعه مع نهاية كثرته بلفظ الرجل الذي عليه الزكاة الصريح في البالغ.

نعم ، نادر منه لا تصريح فيه ، إلّا أنّ الظاهر ؛ أنّ من وجبت عليه هو الذي حال الحول في ماله من دون ظهور تفاوت ، وأنّه يمكنه التصرّف كيف شاء فتأمّل جدّا!

وبالجملة ؛ يمكن دعوى التبادر ممّا ذكر ، ومن ملاحظة سياق الأخبار ، في

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٢١.

(٣) مدارك الأحكام : ٥ / ١٦.

١٧

أنّ الحول المعتبر فيها معتبر بالنسبة إلى المكلّفين ، وفي زمان تكليفهم ، بحيث لو لم يكن معتبرا لجاز تكليفهم بها من الحين ، إلّا أنّه وسع عليهم ، وأخّر عنهم إلى أن يحول الحول.

هذا كلّه ؛ مع ما سنذكر من أنّه إذا انقضى مجموع الحول حال الصبا ، لا جرم يكون التكليف بالزكاة ساقطا. إلى آخره فلاحظ!

مع أنّه يمكن أن يقال : لم يثبت من الإجماع والأخبار حول معتبر سوى ما ذكر ، فلاحظ الأخبار وتأمّل فيها ، هل الأمر على ما ذكر أم لا؟

ويمكن الاستدلال أيضا بحسنة أبي بصير السابقة (١) ، وهي كصحيحته ، وموثّقته أيضا كصحيحته ، حيث قال عليه‌السلام : «ليس على مال اليتيم زكاة» (٢).

وفي نسخة «التهذيب» : «وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة ، وإن بلغ اليتيم» (٣). إلى آخر ما ذكرناه عن مجموع «التهذيب» و «الكافي» ، ما هو مشترك بينهما موضع الدلالة (٤).

قوله عليه‌السلام : «فليس عليه لما مضى زكاة» إذا لو كان بلوغه عند حول الحول لا يكون زكاة بمقتضى القول المذكور ، لأنّه يصدق على ما حال عليه الحول أنّه ممّا مضى ، إلّا أنّه يقال : لا يظهر منها حكم النقدين أصلا.

ويمكن أن يقال : قوله عليه‌السلام أوّلا : «ليس على مال اليتيم زكاة» عام يشمله البتّة.

ولا ينافي ما ذكره في نسخة «التهذيب» ، لأنّه تخصيص بعد تعميم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٤ الحديث ١١٥٧٧.

(٢) المعتبر : ٢ / ٤٨٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٥ الحديث ١١٥٨٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٩ الحديث ٧٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٥.

(٤) راجع! الصفحة : ١٤ من هذا الكتاب.

١٨

وقوله عليه‌السلام بعد ذلك : «حتّى يدرك» لعلّ المراد منه إدراك وقت تعلّق الخطاب ، فيكون في قوله : «ولا عليه» أيضا شهادة فتأمّل!

على أنّه : إذا انقضى مجموع الحول حال الصبا ، فلا جرم يكون التكليف بالزكاة ساقطا ، لأنّ وجوبها عند حول الحول ، وبمجرّده يجب ، وهو حينئذ صبي ، فيشمله ما دلّ على عدم تكليفه بها ، فلا بدّ عن بقاء شي‌ء من الحول ، ولو كان قليلا غاية القلّة قبل تحقّق بلوغه ، وخروجه عن الصبا حتّى يجوز تكليفه بها.

فإذا كان هذا القدر شرطا ، لكان الكلّ كذلك ، لعدم قائل بالفصل ، ولأنّ الظاهر من الأدلّة أنّ اعتبار الحول على نهج واحد ونسق متّحد ، لأنّ حول الحول في ملك من وجب عليه الزكاة شرط ، وإن لم يكن مكلّفا.

ومع ذلك : لا يكفى هذا الشرط للوجوب ، بل كونه مكلّفا في جزء من أجزاء ذلك الحول ، يكون داخلا في ذلك الحول ، ومتّصلا بوقت الخطاب شرط آخر ، لا يغني أحدهما عن الآخر.

ومن المعلوم ؛ أنّ الشرط الأوّل خلاف ظاهر الأخبار والإجماع والفتاوى.

والشرط الثاني ليس منه عين ولا أثر في الأخبار والإجماع ، لو لم نقل بكونه خلاف الضرورة من الدين ، والمعروف من المسلمين ، والمستأنس منهم ومن جميع الملّيين.

مع أنّ بيانه لازم من الشرع ، وأمر مهمّ لو كان الأمر على ما توهّم ، مع أنّ جميع ما ورد في عدم وجوب الزكاة على الصبي مطلق ، وكذا جميع ما ورد في اعتبار الحول ، وكذا الحال في عبارات الفقهاء.

على أنّه سيجي‌ء أنّ التمكّن من التصرّف شرط طول الحول ، والصبي غير متمكّن منه شرعا ، كما حقّق في محلّه ، وسيظهر لك الحال هناك له وللمقام ، وممّا ذكر ظهر الحال في المجنون أيضا.

١٩

على أنّا نقول : العمومات الدالّة على وجوب الزكاة مخصّصة ومقيّدة بحول الحول ، فيما يعتبر فيه الحول ، وظهر لك حال حول الحول فتأمّل!

وأيضا ؛ لو كان مجرّد التملّك في السنة كافيا في وجوب الزكاة ، لوجب على الصبي والمجنون حين كما لهما زكوات السنوات السابقة ، إلّا أن يشترط الشرط الزائد الأجنبي عن الأدلّة ، فهو مطالب بدليله ، وحيث لا يوجد يلزمه ما ذكرنا ، وإن جعل الدليل رواية أبي بصير السابقة (١) ، فمع أنّه لا يعمل بمثلها ، قد عرفت كونها دليل الفقهاء ، فتأمّل!

وبالجملة ؛ ما نحن فيه من الفروض النادرة غاية الندرة ، فشمول العمومات له محلّ تأمّل ، سيّما بعد ملاحظة جميع ما ذكرناه.

الرابع : الساهي والنائم والغافل والمغمى عليه يجب عليهم الزكاة مثل غيرهم ، وليسوا مثل الصبي والمجنون ، لعموم الأدلّة الدالّة على الوجوب.

وعن العلّامة في «النهاية» أنّه الحق المغمى عليه بذي الأدوار (٢).

وعن «التذكرة» أنّه قال : ويجب الزكاة على الساهي والمغفل دون المغمى عليه ، لأنّه تكليف وليس من أهله (٣).

وأورد عليه إن أراد أنّ المغمى عليه ليس أهلا للتكليف في حال الإغماء فمسلّم ، لكن النائم والساهي أيضا كذلك.

وإن أراد أنّ الإغماء موجب لانقطاع الحول واعتبار استينافه عند العود إلى الصحّة طولب بدليله.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٤ الحديث ١١٥٧٧.

(٢) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٠٠.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٦.

٢٠