مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

١٨٢ ـ مفتاح

[ما يشترط مراعاته في الجماعة]

ومن الشرائط أن لا يكون الإمام أعلى من المأموم بما يعتدّ به في مثل البناء دون الانحدار ، على المشهور ؛ للموثّق (١) ، وفي متنه ركاكة ، ولهذا تردّد المحقّق فيه (٢) ، وكرهه الشيخ (٣). ولا يخلو من قوّة ، وإن كان اعتباره أحوط.

أمّا إذا كان أسفل منهم فلا بأس به قولا واحدا ، كما في الموثّق (٤) ، وإن ورد رواية فيه أيضا بالمنع (٥).

وأن لا يقف المأموم قدّام الإمام بالإجماع (٦) ؛ للتأسّي والنصوص (٧) ، أمّا التساوي في الموقف فجوّزه الأكثر (٨) ، خلافا للحلّي فاعتبر التأخّر (٩) وهو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١١ الحديث ١١٠٤٢.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٢٣.

(٣) الخلاف : ١ / ٥٥٦ المسألة ٣٠١.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١١ الحديث ١١٠٤٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٢ الحديث ١١٠٤٤.

(٦) نقل الإجماع في مدارك الأحكام : ٤ / ٣٣٠.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الباب ٢٣ من أبواب صلاة الجماعة.

(٨) نهاية الإحكام : ٢ / ١١٧ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٢٩ ، روض الجنان : ٣١٧.

(٩) السرائر : ١ / ٢٧٧.

٣٠١

الأقوى ؛ للخبر : «يتقدّمهما ولا يقوم بينهما» (١) إلّا إذا كانا اثنين ، فيقف المأموم عن يمين الإمام ، كما في المعتبرين (٢).

وأن ينوي الائتمام ويعيّن الإمام ، كما مرّ في مباحث النيّة (٣).

وأن يتابعه في الأفعال إذا كان مرضيّا ، بمعنى عدم تقدّمه عليه ، بل إمّا يتأخّر عنه أو يقارنه بالإجماع. ولا يجب التأخّر ؛ للأصل ، خلافا للصدوق (٤) فاشترطه في ترتّب الثواب.

وفي الخبر : «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به ، فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا» (٥). وهو أحوط.

أمّا المتابعة في الأقوال فأوجبه الشهيد (٦) ، خلافا للأكثر (٧) ، ولا ريب أنّها أحوط. ولو رفع رأسه عن الركوع أو السجود ، أو أهوى إليهما قبل الإمام أعاد ، وفاقا لـ «المقنعة» (٨) للصحاح المستفيضة (٩). وحملها الأكثر على النسيان ، فأوجبوا مع العمد الاستمرار ، جمعا بينها وبين الموثّق (١٠) بحمله على

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٢ الحديث ١٠٨٥٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الحديث ١٠٨٤٨ ، ٢٩٦ الحديث ١٠٧٠٩.

(٣) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٢٤.

(٤) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٧٥.

(٥) صحيح البخاري : ١ / ٢٣٧ الحديث ٧٢٢ ، سنن الترمذي : ٢ / ١٩٤ الحديث ٣٦١ ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٤٢ مع اختلاف.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٢١.

(٧) روض الجنان : ٣٧٤ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٣٠٦.

(٨) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٧ ذيل الحديث ١٦٢.

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الباب ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة.

(١٠) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٧.

٣٠٢

العمد ، ولاستلزام الإعادة زيادة الركن (١).

الصواب : حمل الإعادة على الاستحباب ، أمّا التفصيل المذكور فلا وجه له ولا دليل عليه ، والزيادة مع تسليم إبطالها مغتفرة هنا بالنصّ (٢).

__________________

(١) لاحظ! المبسوط : ١ / ١٥٩ ، السرائر : ١ / ٢٨٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ٤٧ ، للتوسع لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٧ ـ ٣٢٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الباب ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٠٣
٣٠٤

قوله : (ومن الشرائط). إلى آخره.

الأصل في الأحكام التي ذكرها روايتان من العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواهما في «المنتهى» ، إحداهما عن عمّار وحذيفة ، والاخرى عن حذيفة وابن مسعود (١).

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «عن الرجل يصلّي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلّي فيه ، فقال : «إن كان الإمام على شبه الدكّان ، أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أقلّ أو أكثر إذا كان الارتفاع ببطن مسيل ـ وفي نسخة «الفقيه» : إذا كان الارتفاع بقطع سيل ـ وإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع ، وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدر فلا بأس» (٢).

وفي «الفقيه» : إلّا أنّها في موضع منحدر فلا بأس به (٣).

ثمّ قال : وسئل عليه‌السلام : فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه؟ قال : «لا بأس به ، وقال عليه‌السلام : إن كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك ، دكّانا كان أو غيره ، وكان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلّي خلفه ويقتدي بصلاته ، وإن كان أرفع منه بشي‌ء كثير» (٤).

وهذه الرواية وإن كانت موثّقة فهي حجّة ؛ لما حقّق في محلّه ، سيّما موثّقات

__________________

(١) منتهى المطلب : ٦ / ١٨٣ و ١٨٤ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٣ / ١٠٨ و ١٠٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٨٦ الحديث ٩ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٣ الحديث ١١٤٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٣ الحديث ١٨٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١١ الحديث ١١٠٤٢ مع اختلاف يسير.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) مرّ آنفا.

٣٠٥

عمّار ، لنقل الشيخ في «العدّة» إجماع الشيعة على العمل برواياته (١).

مع أنّ هذه الموثّقة لها جوابر اخر ، منها الاشتهار بين الأصحاب فتوى وعملا.

ومنها نقل «الكافي» إيّاها ، مع أنّه قال في صدره ما قال (٢).

ومنها نقل الصدوق في «الفقيه» ، مع أنّه ذكر في أوّله ما ذكره (٣).

ومنها أنّ الشيخ أيضا رواها مفتيا بها ، مرجّحا إيّاها على معارضها (٤).

وكذا (٥) من (٦) جوابرها أيضا الروايتان المذكورتان عن «المنتهى» (٧).

ومنها موافقتها للموثّقة الاخرى عنه في : «التهذيب» أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يصلّي بالقوم وخلفه دار فيها نساء ، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال : «نعم ، إن كان الإمام أسفل منهنّ» قلت : فإنّ بينهنّ وبينه حائطا أو طريقا ، فقال : «لا بأس به» (٨).

فلا يضرّ ما في متنها من ركاكة ؛ لأنّ رواياته لا تكاد توجد بغير ركاكة (٩) ، ومع ذلك لا يكاد يتحقّق غير معمول بها ، ونسخة «التهذيب» لا ركاكة فيها ؛ لأنّه ذكر فيها موضع «بطن مسيل» : «بقدر يسير» ، وفي نسخته الاخرى : «بقدر شبر».

__________________

(١) عدّة الاصول : ١ / ١٥٠.

(٢) الكافي : ١ / ٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

(٤) الخلاف : ١ / ٥٦٣ المسألة ٣١٤.

(٥) في (ز ٣) زيادة : غيره.

(٦) في (د ١) : وكذا غيره ومن.

(٧) منتهى المطلب : ٦ / ١٨٣ و ١٨٤.

(٨) تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٣ الحديث ١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٩ الحديث ١١٠٣٦.

(٩) انظر! الرسائل الاصوليّة : ١٣٧ و ١٣٨ ، تعليقات على منهج المقال : ٢٤٣.

٣٠٦

وجه عدم الركاكة أنّ المستفاد منها كون الأرض قسمين : مبسوطة وغير مبسوطة ، والمبسوطة على قسمين : مستوية وغيرها ، والمستوية أن لا يكون فيها انحدار ، وغيرها أن يكون فيها انحدار ، والفرق بينها وبين غير المبسوطة أنّ غير المبسوطة ما كان ارتفاعها دفعيّا لا تدريجيّا غير دفعي ، بخلاف المبسوطة التي فيها انحدار ، فإنّ الارتفاع فيها على سبيل التدريج الخالي عن الدفعيّة ، فمن جهة تساوي أجزائها في بادئ النظر وعدم المخالفة بينها كذلك فكأنّها مبسوطة مستوية ، صار حالها حال المبسوطة المستوية في جواز صلاة المأمومين خلف الإمام مطلقا ، فجعل الارتفاع الغير الدفعي بمنزلة عدم الارتفاع ، ولا مانع من كون الأمر كذلك شرعا.

وحكم عليه‌السلام بعدم جواز صلاة المأمومين في غير المبسوطة إذا كان الإمام قائما في المرتفع وهم في المنخفض ، أعمّ من أن يكون الارتفاع الدفعي كثيرا كالدكاكين العالية المتعارفة ، أو يسيرا بأن يكون قدر إصبع أو أقلّ أو أكثر.

فقوله عليه‌السلام : «إذا كان الارتفاع بقدر يسير» إنّما هو في مقابل شبه الدكّان الذي ارتفاعه غير يسير غالبا ، وكذلك قوله : بقدر شبر ؛ لأنّ الدكّان أزيد ارتفاعا من قدر شبر ، لكن نسخة «يسير» أنسب ، كما لا يخفى ، مضافا إلى ملاحظة قوله عليه‌السلام في آخر الرواية : «وإن كان أرفع بشي‌ء كثير».

فظهر أنّ ما سيذكر عن الشهيد توهّم منه ، وظهر أيضا عدم التهافت في نسخة «التهذيب» ، سيّما والرواية رواية عمّار.

وأمّا نسخة «الكافي» و «الفقيه» وهي التي ذكرناها ، فيمكن أن يقال : إنّ المعصوم عليه‌السلام جعل الارتفاع الدفعي الذي حكم بعدم جواز صلاة المأموم إذا قام إمامه فيه ، على قسمين :

أحدهما : شبه الدكّان ، وهو ما كان الارتفاع الدفعي فيه واحدا ، فإنّ الدكّان

٣٠٧

مرتفع واحد.

وثانيهما : ما كان متعدّدا ، بين كلّ ارتفاع دفعي أرض مبسوطة ـ مستوية أو غير مستوية ـ بالنحو الذي عرفت.

والارتفاعات الدفعيّة أعمّ من أن تكون بطول إصبع أو أكثر أو أقلّ ، كما هو الحال في بطن مسيل ، أو قطع سيل ؛ فإنّ سيلان ماء السيل في الأرض المنحدرة يجعلها كما ذكر غالبا.

فقوله عليه‌السلام : «إذا كان الارتفاع ببطن مسيل» معناه : إذا كان الارتفاع شبه الارتفاع ببطن مسيل في كونه دفعيّا متعدّدا ، بالنحو الذي ذكر.

أو يقال : إنّ الارتفاع المتعدّد المذكور في الغالب في بطن مسيل ، أو بقطع سيل ، والشرط وارد مورد الغالب ، أو يكون في نظر الراوي منحصرا في ذلك ، بأن لا يكون مدّ نظره غيره ، أو مدّ نظر المتعارف من الناس كذلك.

والحاصل ؛ أنّ مراد المعصوم عليه‌السلام أنّ الارتفاع الدفعي مضرّ إذا قام الإمام فيه ، وإن كان شبيها بالارتفاع الغير الدفعي الكائن في المبسوطة التي فيها الارتفاع والانخفاض (١) والانحدار.

مع أنّ في نسخة من «الفقيه» : «يقطع» بالمضارع المجهول موضع «بقطع» ، و «سئل» بالماضي المجهول موضع «سيل» ، وقال : «لا بأس به» موضع «فلا بأس به» ، فلا ركاكة أيضا أصلا ، كما هو ظاهر ، فتدبّر!

فيكون المراد أنّه لم تجز صلاتهم وإن كان الإمام أرفع بإصبع ، ولعلّ المراد طول الإصبع أو أكثر منه أو أقلّ ، إذا كان الارتفاع يقطع ، أي لا يكون على طريقة الانحدار ، أي يكون الارتفاع على سبيل القطع والإبانة والامتياز ، بأن يكون قطعة

__________________

(١) لم ترد في (د ١) : والانخفاض.

٣٠٨

خاصّة مرتفعة عن قطعة اخرى خاصّة ، بعنوان الإبانة والامتياز والظهور ، وهذا بخلاف الانحدار ، من جهة عدم ظهور امتياز ارتفاع موضع الإمام ، صحّ إمامته.

وممّا ذكر ظهر أنّ النسخة المشهورة المعروفة في قوله : «بقطع» حسنة أيضا ، بل ربّما كانت أحسن.

وارتفع ركاكتها أيضا على حسب ما نقل عن «المعتبر» و «الذكرى» ، من أنّهما ذكرا عبارتها هكذا : ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر ، فإن كان أرضا مبسوطة ، وكان في موضع فيه ارتفاع ، فقام الإمام في المرتفع ، وقام من خلفه أسفل منه ، إلّا أنّهم في موضع منحدر فلا بأس (١).

ثمّ قال في «الذكرى» ـ بعد ذكر هذه الرواية ـ : وهي تدلّ بمفهومها على أنّ الزائد عن الشبر ممنوع ، وأمّا الشبر فيبنى على دخول الغاية في المغيّى وعدمه (٢) ، انتهى.

قوله : (وإن ورد رواية). إلى آخره.

هي صحيحة صفوان ، عن محمّد بن عبد الله ، عن الرضا عليه‌السلام : عن الإمام يصلّي في موضع والذين خلفه يصلّون في موضع أسفل منه ، أو يصلّي في موضع والذين خلفه في موضع أرفع منه ، قال : «يكون مكانهم مستويا ...» (٣).

وهي معتبرة ؛ لأنّ صفوان ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلّا عن الثقة (٤) ، وكذا أحمد بن محمّد بن عيسى (٥) الذي روى هذه الرواية عن صفوان ، مع

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤١٩ و ٤٢٠.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٣٥ و ٤٣٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٢ الحديث ٨٣٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٢ الحديث ١١٠٤٤.

(٤) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٥) رجال الطوسي : ٣٦٦ الرقم ٣.

٣٠٩

أنّ محمّد بن عبد الله الظاهر أنّه ابن عبد الله بن زرارة ، وهو ثقة أو كالثقة.

إلّا أنّها معارضة للموثّقتين السابقتين ، مع ما عرفت من الحجّة سندا ، والصراحة متنا ، والظاهر لا يعارض الصريح ، سيّما إذا كان شاذّا والمعارض معمولا به ومتعدّدا ، أو معتضدا بما عرفت ، فالحمل على الاستحباب متعيّن.

قوله : (و [أن] لا يقف). إلى آخره.

لعلّ ما ذكره من ضروريّات المذهب يعرفه العوام بالضرورة ، مضافا إلى الأدلّة الواضحة من ثبوت هذا القدر في العبادة التوقيفيّة ، وأنّه المنقول من الرسول (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام (٢) ، وغير ذلك.

ويؤيّده كون الإمام شفيعا للمأمومين عند الله تعالى (٣) ، وأنّهم يحتاجون إلى استعلام حال الإمام (٤).

قوله : (والنصوص).

أقول : هي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فإن كانوا أكثر قاموا خلفه» (٥) وحسنة زرارة عن الصادق عليه‌السلام مثله (٦) ، إلى غير ذلك.

ومقتضى الأخبار المذكورة والأدلّة السابقة عدم جواز استدارة المأمومين

__________________

(١) انظر! السنن الكبرى للبيهقي : ٣ / ٩٩.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الحديث ١٠٨٤٨ ، ٣٤٢ الحديث ١٠٨٥٤ ، ٣٤٤ الحديث ١٠٨٦٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٤ الحديث ١٠٧٦٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٩ الباب ١٢ من أبواب صلاة الجماعة.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦ الحديث ٨٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الحديث ١٠٨٤٨ مع اختلاف يسير.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٧١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤ الحديث ٨٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٩٦ الحديث ١٠٧٠٩.

٣١٠

حول الكعبة ، كما هو المتعارف عند العامّة ، ووجوب وقوف المأموم خلف الإمام أو جانبه ، كما هو الحال في غير الكعبة.

وصرّح بذلك العلّامة في جملة من كتبه (١) ، لكن نقل عن ابن الجنيد جوازها ، بشرط أن لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة من الإمام (٢).

ووافقه في «الذكرى» محتجّا بالإجماع عملا في الأعصار السابقة (٣).

وفيه ؛ أنّه إن أراد عمل العامّة فمعلوم عدم العبرة به ، بل ربّما يظهر من الأخبار كون الرشد في خلافهم ، ولزوم الأخذ بالخلاف (٤). وإن أراد غيرهم من الشيعة ، ففيه أنّه لم يثبت.

ويمكن أن يقال : لو كان عمل العامّة فاسدا لاقتضى تشنيعا من إمام عليه‌السلام أو شيعة.

ومع ذلك معلوم أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى في المسجد الحرام جماعة ، ومن كان معه كان من الكثرة بحيث لا يحصى ، فكيف يتمشّى كون جميعهم خلفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير تجاوز عن محاذاة الكعبة مع قلّة مقدارها؟ ومع ذلك لو اتّفق وقوع الأمر كذلك ، وحرمان عامّة من كان معه عن الصلاة معه لاشتهر ذلك اشتهار الشمس ، لا أن يصير الأمر كما ذكرنا.

والأحوط موافقة العلّامة إن تيسّر الجماعة الصحيحة حولها. ومن البديهيّات عدم التيسّر إلى زمان ظهور القائم عليه‌السلام ، وفي ذلك الزمان يعرف الحال البتّة.

__________________

(١) نهاية الإحكام : ٢ / ١١٦ و ١١٧ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٤١ المسألة ٥٤٢.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٩٠.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦١.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

٣١١

قوله : (فجوّزه الأكثر). إلى آخره.

أقول : بل نقل عن «التذكرة» الإجماع عليه (١) ، ونقل عن ظاهر ابن إدريس أنّه لم يكتف بالتساوي ، واعتبر تأخّر المأموم (٢) وليس بشي‌ء ؛ لما عرفت من دلالة الصحيحين [على] أنّ الرجل الواحد يقوم عن يمين الإمام.

ويدلّ عليه أيضا بعض أخبار اخر ، بل ربّما لا يظهر منه التخصيص بواحد ، وهو رواية الحسين بن يسار المرويّة في «الكافي» و «التهذيب» بسندهما عن الرضا عليه‌السلام : عن رجل صلّى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ، كيف يصنع إذا علم وهو في الصلاة؟ قال : «يحوّله عن يمينه» (٣) ، فتأمّل!

فبطل رأي ابن إدريس وثبت المشهور ، وبضميمة عدم القول بالفصل ، وبما رواه في «الكافي» مرفوعا : أنّ الصادق عليه‌السلام صلّى بقوم وكلّهم عن يمينه وليس على يساره أحد (٤) ، والسند منجبر بالشهرة ، وكونه في «الكافي» ، وإطلاقات الأخبار.

فظهر فساد ما ذكره المصنّف من قوله : وهو الأقوى للخبر : «يتقدّمهما ولا يقوم بينهما» ، لأنّه ذكر فيه بلا فصل بينه وبين ما ذكره هكذا : وعن الرجلين يصلّيان جماعة ، قال : «نعم يجعله عن يمينه» (٥) ، وهذه الرواية أيضا عن ابن مسلم.

فظهر موافقتها للصحيحة ، بل ربّما كانت عين الصحيحة ، وقع تفاوت في العبارة من جهة النقل بالمعنى ، فلا وجه لترك الصحيح والتمسّك بالضعيف ، سيّما مع ما عرفت من تضمّنه أنّ الواحد يقف عن يمين الإمام ، كما اختاره ، وورد في الأخبار

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٤ / ٣٣١ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٤٠ المسألة ٥٤١.

(٢) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٣٩٤ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٢٧٧.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٨٧ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦ الحديث ٩٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٤ الحديث ١٠٨٦١.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٨٦ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٢ الحديث ١٠٨٥٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٢ الحديث ١١٣٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٢ الحديث ١٠٨٥٤.

٣١٢

الكثيرة ، فكيف صار مذهب ابن إدريس فقط أقوى؟

مع أنّ الباقي يجوز حمله على الاستحباب ، كما قالوا ، وستعرف بخلاف رأي ابن إدريس.

ومستند ابن إدريس ما ورد في الأخبار المتواترة ، أو ظهر من كون صلاة المأموم خلف الإمام وأنّ الإمام يتقدّم عليه (١).

ورواية ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : «أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز ، وأكثر ما يكون مربط فرس» (٢) ، فتأمّل جدّا! وهو أحوط ، كما سيجي‌ء عن المصنّف ، مع أنّ ما اختاره المصنّف هنا هو رأي الإسكافي بعينه.

والعجب أنّه لم يذكره هنا ، مع كونه أحد الأقوال هنا ، فالمناسب ذكره هنا البتّة ثمّ اختياره ، كما اختاره ، وإن كان جعله الأحوط فيما سيأتي.

قوله : (وأن ينوي الائتمام).

وجوب نيّته من جهة أنّه لو صلّى بغير قصده لم يجز له ترك القراءة والتزام أحكام الجماعة ؛ لأنّ ترك القراءة مثلا لا يجوز إلّا أن يكون مقتديا مؤتمّا ويكون مأموما.

فلو وقف في صفّ المأمومين ، ولم يرد المأموميّة والاقتداء أصلا ولم يبن أمره على أنّه مأموم ، فكيف يجوز له ترك ما يجب على المصلّين إلّا من هو مأموم ، أو يحرم عليه ما لا يحرم على المصلّين سوى المقتدي؟!

وكيف تصحّ صلاته مع تكراره الركوع مثلا في الصورة المعهودة ، مع بطلان ذلك إن لم يكن مأموما؟! وكيف يثاب بثواب الجماعة مع عدم اقتدائه أصلا؟! إلى

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٩ الحديث ١٠٧٥٠ ، ٣١٩ الحديث ١٠٧٧٨ ، ٣٤١ الحديث ١٠٨٤٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٣ الحديث ١١٤٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٠ الحديث ١١٠٤٠.

٣١٣

غير ذلك.

وبالجملة ؛ الامور المذكورة شرطها المأموميّة ، والفرق بين المأموم وغير المأموم ليس إلّا النيّة ، وإن وقعا في الصفّ وتبعا الإمام في الأفعال الواجبة عليهما.

وممّا ذكر ظهر أنّه لا يجب على الإمام قصد الإمامة حتّى تصح ، بل لو قصد عدم الإمامة قطعا واقتدى المأمومون به من غير إذنه ، بل من غير رضاه أصلا ، بل مع عدم رضاه تصحّ صلاته وصلاة المأمومين ، بعد اعتقادهم عدالته وعدم تضرّره به.

نعم ؛ في استحقاقه ثواب الجماعة يشترط قصد الإمامة والبناء عليها في صورة العلم باقتداء المأمومين به.

ولا يبعد أن يكون يثاب إذا وقع الاقتداء به من غير شعور منه ، بعد أن يكون راضيا بها طالبا لها.

ويحتمل نيل (١) الثواب بسببها وإن غفل عمّا ذكر أيضا ، من جهة استحقاقه للإمامة واستئهاله لها ، بأن يكون ترتّب الثواب من ثمرات هذا الاستئهال.

وهذا غير بعيد ، بل هو الظاهر من إطلاقات الأخبار ، فتأمّل جدّا.

نعم ؛ في إمامة الجمعة لا بدّ من نيّة لها ، واختياره إيّاها حتّى يجوز له الاقتصار بالركعتين ، والإتيان بخصائص صلاة الجمعة ، وقد مرّ في مبحث الجمعة ما يزيد عمّا ذكر (٢).

قوله : (ويعيّن الإمام).

بالاسم أو الصفة المختصّة به ، أو يكون هذا الحاضر وإن لم يعلم اسمه ولا صفته ، كلّ ذلك إذا علم استجماعه لشرائط الإمامة.

__________________

(١) في (د ١) : نيله.

(٢) راجع! الصفحة : ٣١٥ و ٣١٦ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

٣١٤

ولو نوى الاقتداء بهذا الحاضر على أنّه زيد وسمّاه به فبان أنّه عمرو ، فلو لم يكن عمرو عنده عادلا قابلا للإمامة ففي صحّة صلاته إشكال ؛ لظهور عدم الاقتداء بعادل ، وأنّ ترك القراءة الواجبة لم يقع في موقعه. ولما ورد من صحّة صلاة من اقتدى بيهودي باعتقاد عدالته ثمّ ظهر عليه فساده (١) ، فتأمّل فيه!

وكيف كان ؛ لا محيص عن الإعادة في الوقت والاحتياط في القضاء ، سيّما مع تقصيره في عدم تشخيصه ، بل يشكل حينئذ الاكتفاء بما فعل ، مع قطع النظر عن كشف الفساد ، والله يعلم.

هذا كلّه إذا وقع الكشف بعد الصلاة ، وأمّا لو وقع في أثناء الصلاة ، فإمّا أن يكون بعد تكبيرة افتتاحه قبل أن يصدر منه مضرّ للمنفرد ـ مثل ترك القراءة إلى أن يركع (٢) أو السكوت أو غير ذلك ـ فيتعيّن حينئذ العدول إلى الانفراد ؛ لعدم صدور ما يضرّ المنفرد أصلا ، ومجرّد قصد الاقتداء حال التكبير مع عدم تحقّق ما يضرّه لا يضرّه ، كمن قصد الإمامة ولم يكن من يقتدي به ، ولذا يصحّ صلاة كلّ واحد ممّن ادّعى أنّه إمام الآخر.

وعلل فساد صلاة كلّ واحد ممّن ادّعى أنّه مأموم الآخر تركه ما يجب على غير المأموم من المصلّين ، كما سيجي‌ء.

ولا يبعد كون الإعادة بعد الإتمام أحوط ، لكن هذا الاحتياط لا اهتمام فيه أصلا.

وأمّا لو وقع الانكشاف بعد صدور ما يضرّ المنفرد ، فحينئذ لا يتأتّى العدول

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٧٨ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٣ الحديث ١٢٠٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٠ الحديث ١٤١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٧٤ الحديث ١٠٩٤١ و ١٠٩٤٢.

(٢) في (د ١) : ركع.

٣١٥

إلى الانفراد ؛ لكونه خلاف الأصل والقاعدة ، ولم يثبت صحّته.

وأمّا إذا كان كلاهما عادلين عنده مستأهلين للإمامة ، فالظاهر صحّة صلاته ، لوقوع التعيين بالإشارة ، وعدم ثبوت ضرر فيما اعتقده خطأ ، فكما صحّ صلاته في الصورة التي تردّد بين كون إمامة زيد العادل عنده أو عمرو ، كذلك وعيّن بإشارته بكونه هذا الحاضر ، سواء كان زيدا أو عمروا ، صحّ أيضا بإشارته بكونه هذا الحاضر ، وإن كان اعتقد من بينهما أنّه زيد ، فظهر كونه عمروا ؛ لأنّ المناط والمصحّح هو تعيينه بإشارته.

ومرّ في مبحث الوضوء والصلاة أنّ دليل وجوب التعيين في النيّة هو تحقّق الامتثال العرفي ، وظهر ممّا ذكر كفاية هذا القدر من التعيين ، وعدم ضرر خطأ الاعتقاد في أمثال ما ذكر.

قال في «المدارك» : لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنّه زيد فبان أنّه عمرو ، ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصحّ ، أو العكس فيبطل ، نظر (١) ، انتهى.

أقول : على تقدير الثاني إنّما يكون إذا لم يكن زيد حاضرا عنده ، بحيث يمكنه الاقتداء به كما هو ظاهر عبارته ، أو مقتضاه أنّ زيدا لو كان حاضرا وقابلا لاقتدائه به يتعيّن اقتداؤه به وكونه إمامه ، وصحّة صلاته حينئذ على التقدير الثاني ، لكنّه مشكل ؛ لأنّه لو بنى على كفاية أحد التعيينين يتعيّن صحّة صلاته ، ولو بنى على لزوم التعيين في التعيينين لم تصحّ الصلاة على التقديرين ؛ إذ الترجيح لا بدّ أن يكون من مرجّح ، فإن كان لكلّ واحد منهما مرجّح اقتضى استشكاله وتوقّفه ـ كما هو مقتضى عبارته ـ لزم منه الحكم ببطلان صلاته ؛ لتوقّف صحّتها على تعيين الإمام ، وكون قصد التعيين واجبا وشرطا لها ، مع عدم تحقّق التعيين الذي هو واجب

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٣٣.

٣١٦

وشرط لبطلان الترجيح من غير مرجّح.

مع أنّ جعل التعيين الاسمي مصحّحا ومعتبرا فيه وكافيا من دون تعيين بالإشارة بيّن الفساد ؛ لدعوى كون إمامه خصوص زيد في أيّ موضع كان زيد ـ سواء كان هو الحاضر أو لم يكن ـ والبناء على أنّ التعيين الاسمي إنّما يكون مصحّحا في صورة التعيين بالإشارة لا غير لا يلائم جعل التعيين الاسمي في مقابل التعيين بالإشارة وقسيما له والقول بأنّه إن ظهرت الإشارة فكذا وإن رجّحنا الاسم فكذا.

والحاصل ؛ أنّ جعل التعيين بالإشارة لا بدّ من دليل مختصّ عنها في صحّة الاقتداء البتّة.

مع أنّ التعيين بالإشارة وقع صوابا وحقّا ، والتعيين بالاسم خطأ وباطلا ، فكيف يعارض الخطأ الصواب ، أو يقاوم الباطل الحقّ؟!

ومع ذلك عرفت أنّ البطلان في صورة خاصّة ، وعرفت أيضا أنّه لو وقع الكشف في الأثناء قبل عروض ما يضرّ المنفرد لا وجه للحكم بالبطلان البتّة ، بل الراجح العدول.

ففي المقام لو كان إشكال في صحّة الصلاة في صورة الكشف ـ كما اختاره في «المدارك» ـ لم يكن إشكال أصلا فيما لو وقع الكشف قبل عروض ما يضرّ المنفرد ؛ لتعيّن العدول إلى الانفراد أو الاقتداء بهذا الحاضر الذي اسمه عمرو ، ولكن عرفت عدم الإشكال أصلا ، وكذا لو وقع الكشف بعد الفراغ عن الصلاة ، سيّما بعد خروج الوقت ؛ فإنّ احتمال الصحّة حينئذ أقوى مما مضى ، كما لا يخفى.

ويؤيّده ما ذكرنا ، ويؤكّده ما في الأخبار وفتاوى الأخيار من استنابة الإمام الآخر إذا عرض الإمام الموت أو مانع عن الإتمام ، سيّما وكثيرا ما يحصل الاجتماع العظيم ، وغاية كثرة المأمومين ، كما يظهر من الأخبار وطريقة المسلمين في الأعصار.

٣١٧

مع أنّ الصلاة خلف من كشف كونه يهوديّا صحيحة ، فكيف إذا انكشف كونه عادلا آخر ، مع بقاء التعيين بالإشارة إلى عادل على حاله؟! فتأمّل جدّا.

ولو شكّ بعد النيّة في إمامه وجب الانفراد إن لم يصدر منه ما يضرّ المنفرد أو التعيين ، وإلّا يعيد.

قوله : (وأن يتابعه). إلى آخره.

وجوب المتابعة للإمام مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي «المعتبر» أسند إلى جميع العلماء وجوب متابعته في الأفعال (١) ، واستدلّ عليه بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به ، فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا» (٢).

قوله : (بمعنى عدم تقدّمه عليه). إلى آخره.

أقول : الذي يفهم من لفظ المتابعة ، ولفظ الاقتداء ، ولفظ الائتمام ، وأمثالها الواردة في الأخبار وفتاوى الأخيار ، والمذكور في مقام نقل الإجماع ، وأنّه المجمع عليه ، هو التأخّر بأيّ قدر يكون ، وإن كان أقلّ مسمّاه ، وما يصدق عليه في الجملة. والفعلان المتقارنان في الوجود من دون تقدّم من أحدهما بالنسبة إلى الآخر أصلا ورأسا بوجه من الوجوه كيف يستحقّ أحدهما المتبوعيّة والآخر التابعيّة ، مع أنّه لم يتحقّق الآخر تبعا للأوّل ، بل هما متساويان في التحقّق ، وكذا كون أحدهما مقتديا بالآخر ، والآخر مقتدى به وهكذا ، فلو صحّ كون أحدهما

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٢١.

(٢) سنن الدارمي : ١ / ٣٤٣ الحديث ١٣١١ ، صحيح مسلم : ١ / ٢٥٨ الحديث ٤١١ ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٤٢.

٣١٨

تابعا للآخر صحّ العكس أيضا!

وعلى فرض صحّة الأوّل دون الثاني ، كون ذلك متبادرا من الألفاظ المذكورة محلّ تأمّل ، سيّما الحديث الذي استدلّ به ، بل هو ينادي بما ذكرنا ، بل ظاهره إذا وقع منه الركوع فاركعوا بعده وعقيبه.

فإنّ «الفاء» تفيد التعقيب بلا شبهة ، مضافا إلى أنّ الشرط تحقّقه شرط في تحقّق الجزاء ، وأنّه ما لم يتحقّق الشرط ولم يوجد لم يجز أن يتحقّق الجزاء ، وتفريع قوله فإذا ركع. إلى آخره على قوله : ليؤتمّ به ، ينادي بما ذكرنا من أنّ الائتمام لا يتحقّق إلّا بالتأخّر ، والمتابعة بالنحو الذي ذكر في الركوع والسجود.

بل المتبادر من الإمام أيضا ما ذكرنا ، لأنّه المقدّم المساوي ، فالمأموم لا يتقدّم عليه ، كما يدلّ هذا الحديث.

فإن ثبت الإجماع على صحّة المقارنة المذكورة فهو ، وإلّا ففي الصحّة نظر واضح.

وما ذكره المصنّف من أنّ الأصل اقتضى الصحّة وعدم وجوب التأخّر أصلا لا يخفى فساده ؛ لما عرفت من عدم جريانه في ماهيّة العبادة بلا شبهة ، سيّما على القول بأنّ لفظ العبادة اسم للصحيحة منها ، مضافا إلى كونه أصحّ القولين.

ومع ذلك من البديهيّات أنّ الأصل لا يعارض دليلا أصلا ، فضلا أن يغلب عليه ؛ لأنّ معناه أنّه لو لم يكن دليل يقتضي كذا يكون الأصل فيه كذا.

وهذا ممّا لا يخفى على من له أدنى اطّلاع وفهم ، وعرفت دلالة الحديث الصريح (١) في لزوم التأخّر إليه ، مضافا إلى ما عرفت من تبادر التأخّر في الجملة من لفظ الاقتداء وغيره.

__________________

(١) في (د ١) : الصريحة.

٣١٩

وما ذكره الصدوق (١) مستنده رواية مذكورة في «جامع الأخبار» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رجل يرفع رأسه قبل الإمام ويضع قبل الإمام فلا صلاة له ، ورجل يضع رأسه مع الإمام ويرفع مع الإمام فله صلاة واحدة ولا حظّ له في الجماعة ، ورجل يضع رأسه بعد الإمام ويرفعه بعد الإمام فله أربع وعشرون صلاة ، ورجل دخل المسجد فرأى الصفوف مضيّقة فقام وحده وخرج رجل من الصفّ يمشي القهقرى وقام معه ، فله مع من معه خمسون صلاة» (٢).

والسند غير ظاهر ، وكذا الدلالة ؛ لجواز إرادة المعيّة العرفيّة ، وإن كان فيها تأخير ما ، بحيث يستحقّ اسم المتابعة والاقتداء بما فعله الإمام والائتمام به ، وأمثال هذه العبارة حتّى يدخل في مصداق المتابعة والاقتداء والائتمام بفعل الإمام ، بأنّه إذا ركع فيركع وإذا سجد فيسجد ، وبعد التسليم ، لا يقاوم ما ذكرناه ، بل لا يعارضه ، فضلا أن يقاومه ، فضلا أن يغلب على الحديث المذكور ، فضلا أن يغلب على جميع ما أشرنا.

إلّا أن يقال : ما في «الجامع» منجبر بعمل الأصحاب ، مع وضوح دلالته على صحّة المقارنة مطلقا ، لكنّه محلّ تأمّل ؛ لما عرفت من التبادر من كلام الأصحاب ومستندهم ، وغاية وضوح دلالته ، مع عدم توجيه منهم أصلا في مقام من مقامات استدلالهم (٣) ، ومنها الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب المتابعة ، مع تبادر تأخّر ما في المتابعة على النهج الذي قرّرنا.

وممّا يشهد على ما ذكرنا وجوب التأخير من تكبيرة الافتتاح من الإمام بلا

__________________

(١) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٧٥.

(٢) جامع الأخبار : ١٩٦ الحديث ٤٨٣ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٤٩٢ الحديث ٧٣٣٦.

(٣) في (د ١) : استدلالاتهم.

٣٢٠