محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٢٨
١٨٥ ـ مفتاح
[أحكام متعلّقة بالمأموم والإمام]
المشهور استحباب وقوف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا واحدا ، وخلفه إن كان أكثر أو امرأة ، وأوجبه الإسكافي (١) ، فأبطل الصلاة مع المخالفة وهو الأحوط لما مرّ.
وينبغي للمرأة الواحدة مع التأخّر الوقوف إلى جهة يمين الإمام ؛ للصحيحين (٢) ، والصبي يتقدّمها وإن كان عبدا ؛ للصحيح (٣) ، ولو كان الإمام امرأة وقفت النساء إلى جانبيها ؛ للصحاح (٤).
وكذا العاري المصلّي بالعراة ، غير أنّه يبرز بركبتيه ، للصحيح (٥).
وأن يقدّم من قدّمه المأمومون مع التشاحّ ؛ لما فيه من اجتماع القلوب ، ولا يقدّم من يكرهونه جميعا ؛ للخبر (٦).
__________________
(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٨٩.
(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ١٢٥ الحديث ٦١٠٨ ، ٨ / ٣٣٢ الحديث ١٠٨٢٠.
(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الحديث ١٠٨٥.
(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٣ الباب ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة.
(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٠ الحديث ٥٦٨٩.
(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٨ الباب ٢٧ من أبواب صلاة الجماعة.
وإن اختلفوا قدّم صاحب المسجد الراتب فيه وساكن المنزل ، بل لا يقدّم عليهما أحد بلا خلاف ؛ للنصّ (١) ، ثمّ الأعلم بالسنّة والأفقه في الدين ، ثمّ الأقرأ للقرآن ، ثمّ الأقدم هجرة ، ثمّ الأكبر سنّا.
وفي الخبر المشهور تقدّم الثلاثة الأخيرة مع ترتيبها المذكور على الأعلم (٢) ، لكن المستفاد من غيره (٣) ما قلناه ، وهو الأصحّ.
وأن يكون في الصفّ الأوّل أهل المزيّة الكاملة من علم أو عمل أو عقل ، وفي الثاني من دونهم ، وهكذا ؛ للنصوص (٤).
وأن يكون يمين الصفّ لأفاضلهم ؛ لأنّه أفضل ، كما في النصوص (٥).
وأن يقام الصفوف ويأمر الإمام بذلك ، وهو من وكيد السنن للنصوص المستفيضة (٦) ، وأن يتمّها إذا كان فيها خلل للمعتبرة (٧).
وفي الحديث : «ما من خطوة أحبّ إلى الله من خطوة تمشيها تصل بها صفّا» (٨).
وأن لا يقوم المأموم في الصفّ وحده ؛ للخبر (٩) ، إلّا مع العذر كامتلاء
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٤٧٥ و ٤٧٦ الحديث ٧٢٩٣.
(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٤٧٥ و ٤٧٦ الحديث ٧٢٩٣.
(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٦ ـ ٣٤٨ الباب ٢٦ من أبواب صلاة الجماعة.
(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٥ و ٣٠٦ الباب ٧ من أبواب صلاة الجماعة.
(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٧ الحديث ١٠٧٤٢ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٤٦٠ الحديث ٧٢٣٧ ، ٤٦١ الحديث ٧٢٤٠.
(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٢ الباب ٧٠ من أبواب الصلاة الجماعة.
(٧) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٢ الحديث ١١٠٧١.
(٨) ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٤٢ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٢٠.
(٩) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٧ الحديث ١١٠٣٢.
الصفوف فلا بأس ، فيقوم بحذاء الإمام ؛ للصحيح (١). وإن وجد في الصفّ ضيقا جاز أن يتقدّم أو يتأخّر ، كما في النصوص (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٦ الحديث ١١٠٣٠.
(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٢ الباب ٧٠ من أبواب صلاة الجماعة.
قوله : (المشهور). إلى آخره.
بل العلّامة في «التذكرة» وغيره ادّعى الإجماع على ذلك (١) ، وادّعى أيضا الإجماع على صحّة المساواة في وقوفهم مع الإمام (٢) ، ومرّ ما يدلّ عليه من الأخبار (٣) في شرح قول المصنّف : وأمّا التساوي في الموقف. إلى آخره ، فلاحظ.
هذا كلّه في غير المرأة.
وأمّا المرأة ، فالمستفاد من كلام المصنّف أنّ استحباب وقوفها خلف الإمام هو المشهور أيضا ، ويحتاج ذلك إلى ملاحظة الكتب والفتاوى.
وكيف كان ؛ لا شكّ في أنّ جمعا من الفقهاء قالوا بالوجوب ، وهو الظاهر من الأخبار المعتبرة الكثيرة غاية الكثرة ، من دون ورود معارض لها أصلا.
منها صحيحة علي بن جعفر السابقة (٤) ، في شرح قول المصنّف : وتفصيل الصدوق (٥).
ومنها قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ الله تعالى» (٦) وهو معتبر عند الفقهاء ، يحتجّون به من دون رادّ منهم ، ولا متأمّل.
ومنها صحيحة الفضيل بن يسار أنّه قال للصادق عليهالسلام : اصلّي المكتوبة بامّ علي ، قال : «نعم ؛ تكون عن يمينك ، يكون سجودها بحذاء قدميك» (٧).
__________________
(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٤٢ المسألة ٥٤٣ ، الخلاف : ١ / ٥٥٤ المسألة ٢٩٦.
(٢) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٤٠ المسألة ٥٤١.
(٣) راجع! الصفحة : ٣١٣ و ٣١٤ من هذا الكتاب.
(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٩ الحديث ١١٠٠٦.
(٥) راجع! الصفحة : ٣٦٨ و ٣٦٩ من هذا الكتاب.
(٦) مستدرك الوسائل : ٣ / ٣٣٣ الحديث ٣٧١٥.
(٧) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٧ الحديث ٧٥٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٢ الحديث ١٠٨٢٠.
وليس في طريقها من يتوقّف فيه سوى أبان ، وهو ثقة عند المحقّقين في أمثال زماننا ، وحقّقنا في الرجال أنّه من الأعاظم ، بل ثقة أيضا (١) ، فلاحظ.
وقويّة أبي العبّاس قال : سألت الصادق عليهالسلام : عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟ فقال : «نعم ؛ تقوم وراءه» (٢).
وهذه الرواية صحيحة عندي ، وعند من وافقني في ذلك ، كما حقّقته في الرجال (٣).
وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن إبراهيم بن ميمون ـ وهو عندي قويّ معتبر القول ، مع أنّ حمّادا ممّن أجمعت العصابة (٤) ـ عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يؤمّ النساء ليس معهنّ رجل في الفريضة؟ قال : «نعم ، وإن كان معه صبي فليقم إلى جانبه» (٥).
وفي الموثّق كالصحيح عن ابن فضال ، عن ابن بكير ـ وهما جليلان موثّقان ممّن أجمعت العصابة (٦) ـ عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يؤمّ المرأة؟ قال : «نعم ؛ تكون خلفه» (٧). الحديث.
وصحيحة الحلبي عن الصادق عليهالسلام : عن الرجل يؤمّ النساء؟ قال : «نعم ، وإن
__________________
(١) تعليقات على منهج المقال : ١٧ و ١٨.
(٢) الكافي : ٣ / ٣٧٦ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٧ الحديث ٧٥٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٣ الحديث ١٠٨٢٣.
(٣) لاحظ! تعليقات على منهج المقال : ٢٩٧ ـ ٣٠٠.
(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.
(٥) الكافي : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٧ الحديث ١١٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٨ الحديث ٧٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٢ الحديث ١٠٨٥٢.
(٦) رجال الكشي : ٢ / ٦٧٣ و ٨٣١ الرقم ٧٠٥ و ١٠٥٠.
(٧) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣١ الحديث ١١٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٦ الحديث ١٦٤٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٢ الحديث ١٠٨٢٢.
كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهنّ وإن كانوا عبيدا» (١) ، والدلالة واضحة على المتأمّل.
ومثلها معتبرة ابن مسكان قال : بعثت إليه (٢). الحديث.
وصحيحة ابن المغيرة عن القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد معهما النساء ، قال : «يقوم الرجل إلى جنب الرجل وتتخلّف النساء خلفهما» (٣).
وصحيحة ابن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليهالسلام قال : «المرأة صفّ ، والمرأتان صفّ ، والثلاث صفّ» (٤) ، فتأمّل!
ويدلّ عليه أيضا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام : عن قوم صلّوا جماعة في سفينة أين يقوم الإمام؟ وإن كان معهم نساء كيف يصنعون؟. إلى أن قال عليهالسلام : «ويقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم ، وإن ضاقت السفينة قعدن النساء وصلّى الرجال ، ولا بأس أن تكون النساء بحيالهم» (٥).
والسند في غاية الصحّة ، والدلالة في غاية الظهور ، فتدبّر!
وصحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام قال : «إذا كان بينها وبينه قدر ما يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس ، صلّت بحذائه وحدها» (٦).
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٩ الحديث ١١٧٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٣ الحديث ١٠٨٥٦.
(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٧ الحديث ٧٥٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الحديث ١٠٨٥٠.
(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٨ الحديث ٧٦٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٢ الحديث ١٠٨٢١ مع اختلاف يسير.
(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٨ الحديث ٧٦٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٦ الحديث ١٠٨٣٢.
(٥) قرب الإسناد : ٢١٧ الحديث ٨٥٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٦ الحديث ٩٠٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٠ الحديث ١٦٩٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٨ الحديث ١١٠٨٨.
(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٩ الحديث ٧٤٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٢٥ الحديث ٦١٠٧ مع اختلاف يسير.
ومفهوم ذلك أنّ في صورة الجماعة فيه بأس. والظاهر منه الحرمة ، بملاحظة أنّه في صورة الفرادى يكون بقدر فاصلة ما لا يتخطّى وأمثاله مكروها ، كما مرّ في مبحث المكان (١).
ومثل صحيحة زرارة ، بل وأقوى منها في الجملة صحيحة ابن وهب عن الصادق عليهالسلام : عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد ، فقال : «إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذائه وحدها وهو وحده لا بأس» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار.
ولا يعارضها ما مرّ في مبحث المكان ، ممّا ظهر منه جواز مساواتها مع الرجل في مقام الصلاة ؛ لأنّ بعضه صريح في عدم الجماعة ، وبعضه ظاهر.
ولو لم يكن ظاهرا ، فظهوره في الشمول محلّ تأمّل ظاهر. وعلى فرض الظهور ، كونه بحيث يعارض ما ذكرناه ويقاومه ويغلب عليه ، فيه ما فيه.
والعبادة التوقيفيّة لا بدّ من ثبوت صحّتها وماهيّتها من الشرع ، وبمجرّد الاحتمال لا تثبت.
وجعل الصحّة والفساد في المقام متفرّعا على ما مرّ في مبحث المكان ودائرا معه ـ كما ظهر من غير واحد ـ واضح الفساد.
وعن ابن إدريس أنّه أوجب التقديم على المأموم الواحد أيضا ولو بقليل (٣).
وظهر ممّا سبق ما يرد عليه ، مضافا إلى ما ورد من أنّه : إذا قال الرجلان كلّ واحد منهما للآخر : أنا كنت إمامك تكون صلاتهما صحيحة (٤) ؛ إذ الحكم كذلك على
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٤٦ و ٤٧ (المجلّد السادس) من هذا الكتاب.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٩ الحديث ٧٤٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٢٥ الحديث ٦١٠٦.
(٣) السرائر : ١ / ٢٧٧.
(٤) الكافي : ٣ / ٣٧٥ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٠ الحديث ١١٢٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٤ الحديث ١٨٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٢ الحديث ١٠٨٧٩ مع اختلاف يسير.
الإطلاق ينافي مذهب ابن إدريس.
ومنه يظهر أيضا أنّ مطلوبيّة قيام المأموم الواحد عن يمين الإمام ، كما ظهر من رواية العامّة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والخاصّة عن غير واحد من الأئمّة عليهمالسلام ليست على سبيل الوجوب ، سيّما أن يكون شرطا للصحّة ، بل ادّعى في «التذكرة» وغيره إجماع علمائنا عليه (١).
ورواية العامّة ما رووه عن ابن عبّاس قال : بتّ عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي ، فقمت عن يساره ، فأخذني بيمينه فحوّلني عن يمينه (٢).
ومن طريق الخاصّة ما مرّ منهم عليهمالسلام ، من أنّه إذا أمّ أحدهما الآخر قام عن يمينه (٣) ، وغير ذلك.
قوله : (للصحيحين).
لم نجد سوى صحيحة الفضيل السابقة (٤) ، وفي «المعتصم» (٥) : أنّ الصحيح الآخر هو صحيح هشام بن سالم.
فظهر أنّه توهّم ممّا ذكره في «الفقيه» حيث روى عن هشام بن سالم عن الصادق عليهالسلام أنّ : «صلاة المرأة في مخدعها أفضل منها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل منها في الدار ـ ثمّ قال : ـ والرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه ، سجودها مع ركبتيه» (٦).
__________________
(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٤٢ المسألة ٥٤٣ ، الخلاف : ١ / ٥٥٤ المسألة ٢٩٦ ، المعتبر : ٢ / ٤٢٦.
(٢) صحيح البخاري : ١ / ٢٣٢ الحديث ٦٩٩ مع اختلاف يسير.
(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤١ الباب ٢٣ ، ٣٤٤ الباب ٢٤ من أبواب صلاة الجماعة.
(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٧ الحديث ٧٥٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٢ الحديث ١٠٨٢٠.
(٥) لم نعثر عليه.
(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٩ الحديث ١١٧٨.
ثمّ روى صحيحة الحلبي السابقة في أنّ الصبي يتقدّم على المرأة في الجماعة وإن كان عبدا (١).
وغير خفيّ أنّ قوله : والرجل. إلى آخره ، كلام الصدوق ، ولذا لم يذكره المصنّف في «الوافي» أصلا ، ولم يذكر أحد من الفقهاء ذلك رواية ، وعلى تقدير عدم الظهور ، فظهور كونه من رواية هشام من أين؟!
قوله : (وكذا العاري). إلى قوله : (للصحيح).
هو صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام : عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة ، قال : «يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوسا وهو جالس» (٢).
ولا يعارضها موثّقة إسحاق بن عمّار عنه عليهالسلام عن جماعة في العراة أنّه قال : «يتقدّمهم [إمامهم] فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم» (٣) من جهة السند والاعتبار وغيرهما ، كما مرّ في مبحث لباس المصلّي (٤) ، وهو فتوى المشهور.
بل ادّعى ابن إدريس الإجماع على وجوب الإيماء للركوع والسجود ، عليهم (٥) ، بل ورد الأمر به في عدّة أخبار صحيحة (٦) ، واختار في «النهاية» العمل بالموثّقة (٧) ، وعرفت ما فيه.
__________________
(١) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٩ الحديث ١١٧٩ مع اختلاف يسير.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٠ الحديث ٥٦٨٩.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥١ الحديث ٥٦٩٠.
(٤) راجع! الصفحة : ١٥٠ (المجلّد السادس) من هذا الكتاب.
(٥) السرائر : ١ / ٣٥٥.
(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٠ الباب ٥١ من أبواب لباس المصلّي.
(٧) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٠.
ومقتضى النصّين وفتوى أكثر الأصحاب ، تعيين الجلوس عليهم سواء أمنوا المطّلع أم لا ، وقيل بوجوب القيام مع أمن المطّلع (١) ، وهو ضعيف.
قوله : (وأن يقدّم). إلى آخره.
استشكل فيه في «الذخيرة» (٢) ، مع أنّه يظهر من الآيات والاعتبار ومن الأخبار كون اجتماع القلوب مطلوبا مؤكّدا ، فحاله حال كراهة إمامة من يكرهه المأمومون ، مع أنّه سلّمها ، لقوله عليهالسلام : «ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة». أحدهم من : «أمّ قوما وهم لا كارهون» (٣).
مع أنّ ما دلّ على مطلوبيّة اجتماع القلوب وائتلاف النفوس ، في غاية الكثرة (٤) ، خصوصا إذا كان المأمومون كثيرين غاية الكثرة ، بأن يكون آلاف ألوف ، وإن لم يتّفق جميعهم بأن يكون واحد منهم أو اثنان لم يتّفق مع البواقي.
وممّا ذكر ظهر قوّة الاكتفاء بالأكثريّة ، كيف لا مع أنّه ربّما كان عدد المأمومين ثلاثة واتّفقوا على إمام ، فإن تقدّم من قدّموه مسلّم حينئذ عند المشهور ، ومنهم صاحب «المدارك» (٥).
وأين اجتماع ثلاثة من اجتماع آلاف ألوف إلّا واحدا مثلا؟!
ثمّ اعلم! أنّ ما ذكر إذا كان المأمومون متّفقين على عدالتهم وصلاحيّتهم لكونهم إمامهم ، لكن يكرهون تقديم من يكرهون تقديمه لأمر آخر.
__________________
(١) قاله العلّامة في قواعد الأحكام : ١ / ٢٨.
(٢) ذخيرة المعاد : ٣٩١.
(٣) أمالي الطوسي : ١٩٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٠ الحديث ١٠٨٧٦.
(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٩ الباب ٢٧ من أبواب صلاة الجماعة.
(٥) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥٨.
ومع ذلك ، فالأحوط عدم تقديم من يكرهونه لما ورد من أنّه لا يقبل الله صلاة من أمّ قوما وهم له كارهون (١).
ومثل اتّفاقهم اختلافهم ، إذا كان الأكثر اختاروا شخصا والنادر اختار غيره ؛ لما ذكر من العلّة.
بل في «التذكرة» اختار مختار الأكثر مطلقا (٢) ، وهو غير بعيد ؛ لأنّ اتّفاق القلوب المطلوب شرعا مقول بالتشكيك ، فالمطلوب الأزيد راجح شرعا ، لكن لو كان إنكاره ثلاثة أو أزيد ، فالأحوط الترك لما عرفت.
وفي «المدارك» : أنّ رواية أبي عبيدة (٣) تشهد على أنّ الاختلاف مطلقا يوجب المصير إلى الترجيح بالقراءة والفقه (٤).
وفيه ؛ أنّ ظاهر الرواية المصير إلى ذلك مع الوفاق أيضا وستعرفها ؛ لأنّ الحقّ المحقّق أنّ العبرة بعموم الجواب لا خصوص السؤال.
مع أنّه لم يظهر من السؤال أيضا التخصيص بصورة عدم الوفاق ، والشمول لصورة الكراهة من جميع من المأمومين حتّى يتحقّق التعارض ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وعلى تقدير تحقّق التعارض ، فثبوت ترجيح رواية أبي عبيدة (٥) على الرواية السابقة (٦) يحتاج إلى دليل تامّ ، فتأمّل!
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٠ الحديث ١٠٨٧٦.
(٢) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٠٦ المسألة ٥٨١.
(٣) الكافي : ٣ / ٣٧٦ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧.
(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥٨.
(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧.
(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٠ الحديث ١٠٨٧٦.
والأصحاب بنوا المصير إلى التراجيح على تشاحّ الأئمّة ، وعدم وفاق المأمومين.
فالمراد من التشاحّ تشاحّ الأئمّة ، من أنّ كلّا منهم يريد الفضل العظيم ، والثواب الجسيم ، ويكون ممّن يسارع في الخيرات ، وهم لها سابقون ، لا أن يكون من جهة حبّ الرئاسة والإمامة والتقدّم ، وأمثال ذلك ، ولا أن يكون يصدر من التشاحّ المذكور ما يخالف الشرع من النفرة والبغضاء والغيبة ، وأمثالها ممّا هو حرام أو مناف للمروءة ؛ لما مرّ من اعتبارها في العدالة.
وبالجملة ؛ المقام خطير ، والنفوس أمّارة بالسوء إلّا من رحم ، مختارة للباطل إلّا من عصم.
لكن من جهة حمل أفعال المسلمين على الصحّة حتّى يثبت خلافه يحمل تشاحّهم على الصحّة ، إلّا أن يظهر كونه على وجه الفساد ، بحيث يطمئنّ به ، بل يشكل إذا ظهر منهم ما يخالف حسن الظاهر ، بناء على ما عرفت من كون العدالة هي حسن الظاهر ، ولا يضرّه احتمال الفساد ؛ لأصالة الصحّة ، ولأنّه محال ـ عادة ـ وجود من يكون جميع أفعاله وأحواله بحيث لا يحتمل الفساد أصلا ، بل الغالب مع الاحتمال ، ولو لا أصالة الصحّة لا يتحقّق عادل أصلا.
قوله : (قدم صاحب [المسجد]). إلى آخره.
المعروف من الأصحاب الحكم بتقديم صاحب المنزل الساكن فيه ـ وإن لم يكن مالكا له ـ في منزله ، وصاحب السلطان في سلطانه (١) ، لرواية أبي عبيدة عنه عليهالسلام أنّه قال : «ولا يتقدّمن أحدكم الرجل في منزله ، ولا صاحب سلطان في
__________________
(١) منتهى المطلب : ٦ / ٢٣٦ ، روض الجنان : ٣٦٥ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥٦.
سلطانه» (١).
وما رواه العامّة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا يؤمّن الرجل في بيته ، ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلّا بإذنه» (٢) والمراد من التكرمة : الفراش.
وألحقوا بصاحب المنزل صاحب المسجد ـ الإمام الراتب فيه ـ لأنّه يجري مجرى منزله في ذلك ، ولأنّ الصدوق قال في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّ أولى الناس بالتقدّم في جماعة أقرؤهم للقرآن ، فإن كانوا فيه سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأسنّهم ، فإن كانوا فيه سواء فأصبحهم وجها ، وصاحب المسجد أولى بمسجده ، ومن صلّى بقوم وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة (٣) ، انتهى.
وصرّح بكون الثلاثة المذكورة أولى من غيرهم ـ عدا المعصوم عليهالسلام ـ جماعة ، منهم العلّامة في جملة من كتبه (٤) ، بل قال في «المنتهى» : لا نعرف فيه خلافا (٥).
ورواية أبي عبيدة صحيحة عندي وعند من وافقني ، ضعيفة على المشهور بسهل بن زياد ، وضعف سهل سهل عند خالي العلّامة رحمهالله (٦) ، ومن وافقه.
ولو أذن هؤلاء الثلاثة لغيرهم في التقدّم فقد جزم الشهيدان بانتفاء الكراهة ؛ لأنّ أولويّتهم ليست مستندة إلى فضيلة ذاتيّة ، بل إلى سياسة أدبيّة (٧).
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٣٧٦ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧.
(٢) سنن ابي داود : ١ / ١٥٩ الحديث ٥٨٢ مع اختلاف يسير.
(٣) أمالي الصدوق : ٥١٣.
(٤) نهاية الإحكام : ٢ / ١٥٤ و ١٥٥ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣١١ و ٣١٢ المسألة ٥٨٦ و ٥٨٧.
(٥) منتهى المطلب : ٦ / ٢٣٦.
(٦) ملاذ الأخيار : ١٦ / ٦٩٣.
(٧) ذكرى الشيعة : ٤ / ٤١٢ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣١٥.
قال في «المدارك» : هذا اجتهاد في مقابل النصّ (١).
أقول : مقتضى العمومات الجواز ، وهذا النصّ ـ لو قلنا بشمول منعه لصورة إذنهم أيضا وعمومه ـ لا يخلو عن وهن ، على فرض ورود هذه الرواية في صورة تشاحّ الأئمّة ، كما فرضه الفقهاء واتّفقوا على ذلك ، على ما هو المشهور بينهم ، وإن كان الظاهر منها خلافه ، كما ستعرف.
مع أنّه على ظاهرها لا يخلو العموم عن وهن ، وعدم تبادر يزيد على العمومات المجوّزة.
وكيف كان ؛ الأحوط ما ذكره في «المدارك» ، وعلى هذا لو أذنوا للغير فالأحوط أن يردّ الإذن.
وفي «المدارك» : ولا يتوقّف أولويّة الراتب في المسجد على حضوره ، فلو تأخّر روسل ليحضر أو يستنيب إلى أن يتضيّق وقت الفضيلة (٢) ، انتهى.
وفي شمول النصّ لصورة عدم حضوره تأمّل ؛ لعدم صدق تقدّم الغير إيّاه ، ولما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن الحناط أنّه سأل الصادق عليهالسلام إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، أيقوم القوم [على أرجلهم] أو يجلسون حتّى يجيء إمامهم؟ قال : «لا ، بل يقومون على أرجلهم ، فإن جاء إمامهم وإلّا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدّم» (٣).
وفي القويّ عن معاوية بن شريح عنه عليهالسلام قال : «إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم ولا ينتظروا
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥٦.
(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥٧.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٢ الحديث ١١٣٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٥ الحديث ١١٤٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٧٩ الحديث ١٠٩٥٥.
الإمام» ، قلت : فإن كان الإمام هو المؤذّن؟ قال : «وإن كان ، فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم» (١).
قال في «المنتهى» : إذا حضر جماعة المسجد ، وكان الإمام الراتب له غائبا صلّوا جماعة يتقدّمهم أحدهم ولا ينتظرونه ، وقال الشافعي : يراسلونه إن كان قريبا. لنا ما رواه الجمهور أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مضى في غزاة تبوك في حاجة له ، فقدّم الناس واحدا فصلّى بهم ، فجاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد صلّوا ركعة ، قال : أحسنتم» (٢).
ثمّ روى عن معاوية بن شريح ما مرّ ، وقال : ولأنّ في الانتظار تأخيرا للعبادة عن أوّله ، وذلك شيء رغب عنه (٣) ، انتهى.
قوله : (ثمّ الأعلم). إلى آخره.
تقديم الأعلم والأفقه على الأقرأ مختار غير واحد من المحقّقين (٤) ، وإن كان الأكثر على العكس (٥).
بل في «المنتهى» نسبه إلى علمائنا ، ونقل الخلاف عن جمع من العامّة (٦).
لكن في «التذكرة» نقل الخلاف عن بعض منّا أيضا (٧) ، واختاره غير واحد.
واختيار تقديم الأقرأ لرواية أبي عبيدة عن الصادق عليهالسلام : عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان! فقال : «إنّ
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٢ الحديث ١٤٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٠ الحديث ١٠٩٥٦.
(٢) صحيح مسلم : ١ / ٢٦٦ الحديث ١٠٥.
(٣) منتهى المطلب : ٦ / ٢٨٩ و ٢٩٠ مع اختلاف يسير.
(٤) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٠٦ و ٣٠٧ المسألة ٥٨١ و ٥٨٢ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥٩.
(٥) المعتبر : ٢ / ٤٣٩ ، قواعد الأحكام : ١ / ٤٧ ، الدروس الشرعيّة : ٢١٩.
(٦) منتهى المطلب : ٦ / ٢٣٨ مع اختلاف يسير.
(٧) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٠٦ و ٣٠٧ المسألة ٥٨١.
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا ، فإن كانوا في السنّ سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة وأفقههم في الدين» (١).
وما رواه العامّة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّا» (٢).
وعبارة «الفقه الرضوي» ، وهي مثل ما رواه العامّة ، مع زيادة قوله : «وإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجها ، وصاحب المسجد أولى بمسجده» (٣).
وعبارة «الأمالي» أيضا وعرفتها (٤) ، مع أنّه يحمل دلالتها على مختار غير واحد من المحقّقين ، بل الظاهر ذلك ؛ لأنّه ترك ذكر الأعلم بعد الأقرأ وغيره ، وذكره بعد صاحب المسجد بعنوان الكليّة.
وفي «العلل» : روى عن أبي عبيدة بطريق كالصحيح : قال بعضنا : سألت أبا عبد الله عليهالسلام. إلى آخر الرواية.
ثمّ قال : وروي في حديث آخر : فإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجها (٥).
فظهر منه أنّ الرواية الاخرى مثل رواية أبي عبيدة ، غير أنّه ذكر فيها موضع
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٣٧٦ الحديث ٥ ، علل الشرائع : ٣٢٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣١ الحديث ١١٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧.
(٢) صحيح مسلم : ١ / ٣٨٩ الحديث ٢٩٠ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٣١٣ الحديث ٩٨٠ مع اختلاف يسير.
(٣) فقه الرضا عليهالسلام : ١٤٣.
(٤) أمالي الصدوق : ٥١٣ ، راجع! الصفحة : ٣٩٤ من هذا الكتاب.
(٥) علل الشرائع : ٣٢٦ الحديث ٢.
أعلمهم بالسنّة وأفقههم في الدين ، أصبحهم وجها.
وأمّا مختار غير واحد من المحقّقين ، فلما ورد في القرآن من قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١) الآية. وقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) (٢) الآية ، وغيرهما ممّا ظهر منه كمال الاعتبار بشأن الفقيه ونهاية مدحه.
وأمّا الأخبار ، فهي متواترة جدّا مع نهاية علوّ مضامينها ، بل يظهر من أكثرها عدم المناسبة (٣) ، مع أنّه في أخبار كثيرة (٤) تقديم ما وافق القرآن على ما لم يوافقه ، مع أنّ ما في القرآن قطعي متنا وسندا.
على أنّ الرضا عليهالسلام قدّم العالم على السيّد الهاشمي في المجلس ، وقال للهاشمي : «أنتم سادة الناس ، والعلماء سادتكم» (٥).
مع أنّ أكثر المشهور أو كلّهم حكموا بتقديم الهاشمي في المقام على غيرهم مطلقا ، إذا كانوا جامعي شرائط الإمامة.
واحتجّ عليه في «المنتهى» بأنّ الهاشمي أفضل ، وتقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلا (٦) ، وآخر بأنّه إكرام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (٧).
وفيه ؛ أنّه بعد ما ورد في حقّ العلماء : أنّهم ورثة الأنبياء (٨) وأمثاله ، بل وأشدّ
__________________
(١) الزمر (٣٩) : ٩.
(٢) يونس (١٠) : ٣٥.
(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٦ الباب ٢٦ من أبواب صلاة الجماعة.
(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.
(٥) لاحظ! جواهر الكلام : ١٣ / ٣٥٩ و ٣٦٠.
(٦) منتهى المطلب : ٦ / ٢٣٨.
(٧) ذكرى الشيعة : ٤ / ٤١٤.
(٨) الكافي : ١ / ٣٢ الحديث ٢ ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢٤١ الحديث ٩.
من ذلك ، يكون تقديم العالم أيضا إكرام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأئمّة المعصومين عليهمالسلام.
واحتجّ آخر بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قدّموا قريشا ولا تقدموهم» (١) (٢) ، وفيه ؛ أنّه رواية غير معروفة الإسناد ، وأين هذا ممّا ورد في حقّ العلماء؟
ومن ذلك أنّ طريقة الشيعة في اصول دينهم وفروعه إيجاب تقديم الأعلم ، وأنّ تقديم غيره عليه ترجيح للمرجوح على الراجح القبيح عقلا ، ومعلوم أنّ ما هو قبيح عقلا قبيح شرعا عندهم.
ومن ذلك أيضا أنّه ورد : «نحن حجج الله على العلماء ، وهم حجج الله على الناس» (٣). إلى غير ذلك ممّا هو أعلى من ذلك.
بل ورد في المقام : أنّ «من أمّ قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة» (٤) وورد : «إمام القوم وافدهم فقدّموا أفضلكم» (٥) ، فتأمّل!
بل في صحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام : عن الصلاة خلف العبد؟ قال : «لا بأس إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه» (٦).
ومثلها موثّقة سماعة (٧) ، وفيهما تصريح بتقديم الأفقهيّة ، مع أنّ في الأقرئيّة ليس الأمر به استحباب وأولويّة بخلاف الأعلميّة ؛ إذ ربّما كانت المزيّة في
__________________
(١) بحار الأنوار : ٨٥ / ٦٦ ، الجامع الصغير : ٢ / ٣٨٠ الحديث ٦١٠٨ و ٦١٠٩ و ٦١١٠.
(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ١١ / ٢٠١ و ٢٠٢.
(٣) كمال الدين : ٢ / ٤٨٤ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٤٠ الحديث ٣٣٤٢٤ نقل بالمعنى.
(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٧ الحديث ١١٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٦ الحديث ١٩٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٦ الحديث ١٠٨٦٦.
(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٧ الحديث ١١٠٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٤٦ الحديث ١٠٨٦٧.
(٦) الكافي : ٣ / ٣٧٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٥ الحديث ١٠٧٩٨.
(٧) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩ الحديث ١٠١ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٣ الحديث ١٦٣٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٦ الحديث ١٠٨٠٠.
الواجب ، أو فيما هو قريب من الواجب.
وأيضا القراءة التي تحتاج إليها في الصلاة محصورة والأعلم يحفظها ، وما يحتاج إليه غير محصور ، بحيث يكون الأقرأ حفظه وضبطه ، فإنّه قد ينوبه من الصلاة أمر يحتاج إلى الفقه في معرفته.
ثمّ إنّهم تأوّلوا الخبر بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا قدرا من القرآن تعلّموا معه أحكامه ، وعن ابن مسعود : كنّا لا نجاوز عشر آيات حتّى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها (١) ، فكان أقرؤهم لكتاب الله أفقههم بأحكامه.
فلا يضرّ تتمّة الحديث وهو قوله : «فإن استووا فأعلمهم» ؛ لجواز أن يكون المراد منها طريقة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
مع أنّ ترجيح الأقرأ الأفقه بأحكام القرآن على الأفقه بالسّنة الذي لا يكون أقرأ ، غير محلّ النزاع.
لكن الظاهر من رواية أبي عبيدة أنّ الأعلم بالسنّة هو الأفقه في الدين (٢) ، والظاهر من الخبرين تقديم الأقرأ.
لكن كونهما بحيث يقاومان الأدلّة المذكورة ويغلبان ، محلّ نظر ، سيّما بعد ملاحظة تقديم الأسنّية على الأفقهيّة.
بل وتقديم الأقدميّة هجرة عليها أيضا ، مع عدم اعتبار الأصلحيّة والأورعيّة والأزهديّة ، ممّا لا خفاء في رجحانه ، وترجيحه على الأسنّية والأقرئيّة وأمثالهما في المقام نصوصا واعتبارا ، مع خلوّها عن اعتبار الأصبحيّة وجها ،
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٤١٤ ، مغني المحتاج : ١ / ٢٤٢.
(٢) الكافي : ٣ / ٣٧٦ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣١ الحديث ١١٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥١ الحديث ١٠٨٧٧.