مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

وما ورد من أمثاله عنهم عليهم‌السلام صحيحة الفضيل عن الباقر عليه‌السلام : في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما ، قال عليه‌السلام : «فليجلس ما لم يركع وقد تمّت صلاته ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليمض في صلاته ، فإذا سلّم نقر ثنتين وهو جالس» (١) ، ومثلها حسنة الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وكصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرهما ولم تتشهّد فيهما ، فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهّد وقم فأتمّ صلاتك ، وإن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم» (٣).

ومثلها صحيحة سليمان بن خالد عنه عليه‌السلام (٤).

وصحيحة ابن أبي يعفور أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع ، قال : «يتمّ صلاته ثمّ يسلّم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم» (٥).

ومثلها رواية الحسين بن أبي العلاء عنه عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٥ الحديث ١٤٣١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٥ الحديث ٨٢٩٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٩ الحديث ٦٢٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٢ الحديث ١٣٧٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٣ الحديث ٨٢٨٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٧ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٢٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٦ الحديث ٨٢٩٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٨ الحديث ٦١٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٢ الحديث ٨٢٨٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٨ الحديث ٦٢٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٣ الحديث ١٣٧٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٢ الحديث ٨٢٨٧.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٩ الحديث ٦٢٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٢ الحديث ١٣٧٣ ، وسائل الشيعة :

١٢١

وصحيحة الحسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ـ وقد ذكرنا أنّهما أيضا ثقتان (١) ـ قال : سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد ، قال : «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهّد ، وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (٣).

ومثل رواية علي كصحيحة الحسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر فيقوم وينسى التشهّد حتّى يركع ، قال : «يجلس من ركوعه ويتشهّد ثمّ يقوم فيتمّ» ، قال : أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد الركوع مضى ثمّ سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟ قال : «ليس النافلة مثل الفريضة» (٤).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف فقال : «إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد وإلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه ، وقال : إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» (٥).

__________________

٦ / ٤٠٣ الحديث ٧٢٨٨.

(١) راجع! الصفحة : ٦٩ و ٧١ و ٧٢ و ٨٤ من هذا الكتاب.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٨ الحديث ٦٢١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٣ الحديث ٨٢٨٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٧ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٣٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٤ الحديث ١٠٥٤٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٤٨ الحديث ٢٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٦ الحديث ١٣٨٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٤ الحديث ٨٢٩٢ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٧ الحديث ٦١٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠١ الحديث ٨٢٨٥.

١٢٢

ورواية محمّد بن علي الحلبي أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد ، قال : «يرجع فيتشهّد» ، قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : «لا ، ليس في هذا سجدتا السهو» (١).

فظهر لك تطابق الأخبار في عدم الركنيّة ، وأنّه قبل ما يدخل في الركن يرجع فيتدارك ، وإن كان بينهما اختلاف في تدارك نسيانه بعد ما دخل في الركوع ، أو بعد الفراغ من الصلاة.

ففي أكثر الأخبار الأمر بسجدتي السهو في نسيان التشهّد الأوّل ، حتّى دخل في الركوع من دون ذكر قضاء التشهّد (٢).

وفي بعضها أن تسجد سجدتي السهو وقضاؤه (٣) ، ولعلّ لهذا لم يتعرّضوا لذكر قضاء التشهّد في الأخبار الاول ، لأنّ سجدتي السهو يكون فيهما التشهّد البتّة.

وإذا كان التشهّد الذي فيهما يتداخل مع قضاء التشهّد لم يحتج إلى ذكر قضاء التشهّد ، وهذا مختار الصدوقين والمفيد (٤) وفي صحيحة ابن مسلم تعرّض لذكر تدارك التشهّد خاصّة.

وفي الرواية الأخيرة نفي سجدتي السهو ، وحملت على التدارك قبل الركوع.

والصحيحة حملها المصنّف ، ومن شاركه على نسيان التشهّد الثاني خاصّة (٥) ، بل وذكروا أنّ الظاهر منها ذلك.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٨ الحديث ٦٢٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٣ الحديث ١٣٧٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٦ الحديث ٨٢٩٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٥ الباب ٩ من أبواب التشهّد.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٤ الحديث ١٠٥٤٦.

(٤) نقل عن والد الصدوق في ذخيرة المعاد : ٣٧٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٣ ، المقنع : ١٠٨ ، المقنعة : ١٤٨.

(٥) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٥٠ ، ذخيرة المعاد : ٣٧٣.

١٢٣

وفيه نظر ظاهر ، لإطلاق لفظ التشهّد من دون مخصّص ظاهر ، بل وظهور عدم التخصيص ، بملاحظة قوله عليه‌السلام : «وإنّما التشهّد». إلى آخره ، في مقام التعليل ، لأنّ المراد أنّ التشهّد مثل القراءة سنّة لا تنقض الفريضة ، كما صرّح به في صحيحة زرارة (١) ، وظهر من غيرهما أيضا ـ سيّما مع كون العلّة المنصوصة حجّة ـ كما هو المحقّق المسلّم عند الخصم ، فعلى فرض ظهور المقام في الأخيرة ، يكفي العلّة المنصوصة ، بل لفظ «حتّى» في قوله : ينصرف ، ربّما كان له ظهور أيضا ، لأنّ الظّاهر منها وقوع امتداد في نسيان التشهّد إلى أن سلّم ، فإنّ الظاهر من الانصراف هو التسليم على ما ستعرف.

مع أنّه على تقدير كون المراد الانصراف عن المكان ، على ما يشير به قوله : «إن كان قريبا» فالظهور باق ، بملاحظة أنّ الامتداد المذكور قابل لتحقّقه في الأوّل أيضا ، لو لم نقل بأولويّته ، سيّما بملاحظة كون نسيان الثاني مع ارتكاب التسليم ، لعلّه أبعد تحقّقا من نسيان الأوّل ، والمعصوم عليه‌السلام لم يستفصل في مقام الجواب.

وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال المساوي يفيد العموم ، بل مع قيام الاحتمال المرجوح أيضا ، إذا كان مرجوحيّته ضعيفة ليست بتلك القوّة ، يعني لا يكون المتبادر من الإطلاق إلى احتمال الآخر تبادرا ظاهرا ، اللهمّ إلّا أن يقال بأنّ التخصيص بالثاني ، من جهة الجمع بين الأخبار ، وأنّه أقرب من تقييد كلّ من الطرفين بالآخر ، كما فعله الأكثر.

ولعلّ ذلك مراد الصدوق (٢) وجماعة حيث خالفوا الأكثر ، لكن تحصيل اليقين بالبراءة يقتضي ما اختاره الأكثر.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠١ الحديث ٨٢٨٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٣ ، المقنع : ١٠٨.

١٢٤

واعلم! أنّه ذكر في «المختلف» اختلاف الأصحاب في الجبران ، والتدارك بسجدة السهو في نسيان التشهّد (١) ، فعن المفيد في «المقنعة» و «الرسالة الغريّة» ، والشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» ، والمرتضى في «الجمل» ، وابن البرّاج ، وابن حمزة ، تخصيص وجوب سجدة السهو في صورة عدم ذكر ترك التشهّد ، إلّا بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة (٢) ، فهم خصّصوه بنسيان التشهّد الأوّل ، وعدم ذكره إلّا بعد الركوع ، ولم يعتبروا في نسيان التشهّد الثاني مطلقا.

وعن الصدوقين وجوبها لنسيان مطلق التشهّد ، وكذلك عن سلّار وعن ابن إدريس (٣).

بل نقل عن ابن إدريس أنّ ما اختاره هنا هو قول الأكثر من المحقّقين (٤).

وعن الشيخ في «الجمل» أنّ ما يوجب الجبران بسجدتي السهو أربعة مواضع (٥) ، وعدّ ما قدّم ذكره عن «المبسوط» وأسقط التشهّد ، لأنّه ذكر عن «المبسوط» أنّ ما يوجب الجبران بهما خمسة : التكلّم في الصلاة ساهيا ، والتسليم في الأوليتين كذلك ، ونسيان التشهّد الأوّل حتّى يركع ، وترك واحدة من السجدتين حتّى يركع ، والشكّ بين الأربع والخمس (٦) ، وقال في «الاقتصاد» مثل «الجمل» (٧).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٠٧.

(٢) المقنعة : ١٤٨ ، نقل عن الرسالة الغريّة في مختلف الشيعة : ٢ / ٤٢٠ ، المبسوط : ١ / ١٢٢ ، الخلاف : ١ / ٤٥٣ ، رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٦ ، المهذّب : ١ / ١٥٦ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٠٠.

(٣) نقل عن ابن بابويه في مختلف الشيعة : ٢ / ٤٢٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ ، المراسم : ٨٩ ، السرائر : ١ / ٢٥٧.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٤٢٣ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٢٥٩.

(٥) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٨٩.

(٦) المبسوط : ١ / ١٢٣.

(٧) الاقتصاد : ٢٦٧.

١٢٥

وعن أبي الصلاح أيضا عدم اعتبارهما في نسيان التشهّد مطلقا (١) ، ثمّ اختار هو وجوبهما لترك مطلق التشهّد ناسيا (٢).

واحتجّ عليه بصحيحة سليمان بن خالد (٣) ، وصحيحة ابن أبي يعفور (٤) السابقتين.

وقال : احتجّ المانع بموثّقة محمّد بن علي الحلبي (٥) ، يعني روايته السابقة المتضمّنة لنفي سجدتي السهو في نسيان التشهّد ، والأمر بالرجوع وتدارك التشهّد.

وذكر عن الشيخ أنّه أجاب عنها بأنّ المراد إذا ذكر قبل الركوع ، كما ذكرنا.

ثمّ قال : وهذا على إطلاقه لا يتأتّى على ما نختاره من وجوب السجدتين مع الرجوع قبل الركوع ، بل يحمل على ما إذا ذكر قبل النهوض ، أو قبل استقامته بحيث لا يصدق عليه اسم القائم (٦) ، انتهى.

ونظره إلى أنّ هذا القيام وقع زائدا سهوا ، أو أنّه قيام في موضع القعود سهوا ، فيجب سجدتا السهو له ، كما سيأتي البحث عنهما.

والحقّ عدم الوجوب في المقام ، لتطابق الأخبار الصحاح والمعتبرة الكثيرة غاية الكثرة ، المفتى بها عندهم على ترك ذكرهما ، في مقام بيان حكم نسيانه ، وذكره قبل الركوع ، وأنّه الرجوع إلى التشهّد ، وتداركه خاصّة من دون اعتبار أمر آخر ، بل هي كالصريحة بل صريحة فيما ذكر.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٩.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٢٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٢ الحديث ٨٢٨٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٢ الحديث ٨٢٨٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٦ الحديث ٨٢٩٦.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ٤١٩ ـ ٤٢٤.

١٢٦

وفي «المنتهى» ذكر أنّ في وجوب سجدتي السهو هنا خلافا ، واختار عدم الوجوب للأصل ، ولما ذكرنا من الأخبار (١).

قوله : (وخلافا للحلّي). إلى آخره.

لا يخفى أنّ ما نسبه إليه هو الموافق للمشهور ، من وجوب الإتيان بالقضاء بعد التسليم ، من دون وقوع ما يفسد الصلاة ، كما هو ظاهر عباراتهم ، وأنّه هو مقتضى دليلهم ، لأنّه هو المتبادر من صحيحة ابن مسلم السابقة (٢) ، فلاحظ وتأمّل! وسيجي‌ء تمام التحقيق في موضعه.

وأمّا شمول إطلاق الصحيح المذكور للمقام فمحل تأمّل ، لعدم تبادره منه ، وانسباق الذهن إلى صورة غير الحدث ، مضافا إلى أنّ كون الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الشائعة لا الفروض النادرة ، من المسلّمات عند المصنّف وغيره ، بحيث لم يتأمّل فيه ، فتأمّل!

مع أنّ ظاهر الصحيح المذكور ممّا لم يقل به أحد ، وخلاف ما ثبت من الأخبار ، فإنّ نسيان الركوع وأمثاله من أجزاء الصلاة لا يكفي فيه القضاء ، بل يبطل الصلاة ، كما مرّ.

والحاصل ، أنّ الذي يظهر من الأخبار والفتاوى في تدارك الجزء المنسي بعد التسليم ، [و] أنّ الذي يأتي به بعده هو بعينه ذلك الجزء الفائت نسيانا ، من دون تفاوت أصلا ، لا بحسب الأجزاء ولا بحسب الشرائط ، فكما أنّ أجزاءه عين أجزاء الفائت من دون تغيّر أصلا ، فكذلك شرائطه.

ومن المعلوم أنّ شرائط الفائت قصد القربة والتعيين ، وغيرهما من النيّة ،

__________________

(١) منتهى المطلب : ٧ / ٥٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠١ الحديث ٨٢٨٥.

١٢٧

وستر العورة ، واستقبال القبلة ، والطهارة من الحدث والخبث ، وغير ذلك.

فالحكم بالإتيان بعد الحدث ، من دون طهارة من الحدث ، فيه ما فيه ، لعدم الفرق بينهما ، وبين سائر الشرائط.

فالحكم بعدم اعتبار شرط من تلك الشرائط في القضاء ، مع اعتبارها في الأداء فيه ما فيه ، سيّما بعد الحكم باعتبار جميع الأجزاء والترتيب الواقع بينهما من دون تفاوت أصلا ، والحكم باعتبار بعض دون بعض فيه أيضا ما فيه.

فالحكم باعتبار جميع ما ذكر سوى خصوص الطهارة فيه ما فيه ، لعدم ظهور ذلك من الأخبار والفتاوى ، بل وظهور العدم ، وإن بنى الأمر على أنّه يتطهّر ويقضي ، وأنّه لو لم يتيسّر الطهارة يصبر إلى أن يتيسّر ، وإن تيسّر الترابيّة دون المائية ، فهل يصبر إلى تيسّر المائيّة ، أو يبادر بالترابيّة؟ أو أنّه مع تيسّر المائيّة تعتبر الطهارة دون صورة عدم تيسّرها؟ وأيضا حصول الطهارة ربّما يتوقّف على مقدّمة أو مقدّمات ، فهل يكون مقدّمة الواجب المطلق أو المشروط؟ إلى غير ذلك ممّا يظهر بالتأمّل.

ومعلوم أنّ جميع ما ذكر ليس في الأخبار والفتاوى منه عين ولا أثر ، بل ظاهرهما الإتيان بالتشهّد ، من دون توقيفه على شي‌ء ، من غير وساطة عبارة أخرى ، كما لا يخفى.

مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ عدم تخلّل الحدث بين الجزء المنسي وغيره من أجزاء الصلاة كان من جملة شرائطه ، فلا بدّ من اعتباره في القضاء أيضا.

وممّا ذكر ظهر عدم الفرق بين التشهّدين فيما ذكر ، ولعلّ الحلّي بناؤه على عدم القضاء في التشهّد الأوّل ، والاكتفاء بسجدتي السهو (١).

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٥١.

١٢٨

لكن الذي يظهر من «المنتهى» أنّ بناءه على أنّ التسليم في نسيان التشهّد الثاني وقع في غير موضعه ، لأنّ موضعه بعد التشهّد ، كما أنّ من نسي ركعة أو ركعتين ، وتشهّد وسلّم ثمّ ذكر النسيان ، يأتي بالمنسي ويسجد للسهو ، وتصحّ صلاته إن لم يتخلّل حدث أو غيره ممّا يضرّ بالصلاة عمدا أو سهوا لا ما يضرّ سهوا كالتكلّم.

وأجاب عنه العلّامة بأنّ التسليم وقع في موضعه ، بدليل أنّ التشهّد يقضى ، لرواية حكم بن حكيم ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو شيئا منها ثمّ يذكر بعد ذلك ، فقال : «يقضي ذلك بعينه» (١) (٢). وهذه هو الصحيح الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله (٣).

ولا يخفى ما في هذا الجواب ، لأنّ قضاء الركوع لم يرض به العلّامة وغيره (٤) ومنهم المصنّف.

والشيخ حملها على ركوع الأخيرتين ، بناء على رأيه من عدم ركنيّة فيهما (٥) ، كما مرّ.

مع أنّ قوله عليه‌السلام : «أو الشي‌ء منهما» يشمل الركعة أيضا ، ولا يقولون بكونها قضاء ، كما عرفت ، مع أنّ كون القضاء فيها بمعنى تدارك الفائت محل تأمّل.

مع أنّ شمول الرواية للمقام فيه تأمّل تامّ ، كما عرفت ، مع أنّه على هذا يكون

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٠ الحديث ٥٨٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٧ الحديث ١٣٥٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٤ الحديث ٨٠٦١ و ٨ / ٢٠٠ الحديث ١٠٤١٩.

(٢) منتهى المطلب : ٧ / ٥٥.

(٣) راجع! الصفحة : ١١٤ من هذا الكتاب.

(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٣٦١ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٨٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٠ ذيل الحديث ٥٨٨.

١٢٩

معنى الرواية أنّ كلّ جزء فات بالنسيان يتدارك بعد الفوت بعد ذكره ، وكون نسيان التشهّد الأخير من جملة ذلك أوّل الكلام ، إذ أيّ فرق بينه وبين الركعة ، سيّما بعد ملاحظة مستنده. وهو صحيح ابن مسلم السابق (١) لخلوّه عن لفظ القضاء ، إلّا أن يكون قائلا بعدم وجوب إعادة السلام في المقام.

وفيه أيضا نظر واضح ، لأنّه بعد تصريحه بكون السلام في غير موضعه ، وأنّه من هذه الجهة يكون المصلّي بعد في الصلاة ، لأنّ التشهّد من جملة أجزائها الواجبة جزما ، فما لم يتشهّد لم يكن خارجا من الصلاة البتّة ، كما صرّح به العلّامة وغيره (٢) ، في مقام الردّ على الصدوق في المسألة الآتية ، فيكون قائلا بوجوب إعادة السلام أيضا.

وفي «المختلف» نقل عن ابن إدريس القول بوجوب القضاء في التشهّد الأوّل ، موافقا لما نقلنا سابقا (٣) ، وأنّ تخلّل الحدث بينه وبين التسليم غير مضرّ لخروجه عن الصلاة.

وأمّا التشهّد الثاني ، كما نقل عنه في «المنتهى» (٤). ثمّ قال : كلامه هذا في غاية السقوط ، لوجوب الإتيان بالصلاة المنسي قبل الحدث ، لئلّا يكون فارقا بين أجزاء الصلاة ، وأمّا فرقه بين التسليمتين فغير جيّد ، لأنّ التسليم مع نسيان التشهّد وقع في محلّه (٥) ، انتهى ، ولم يشر إلى دليل الوقوع في محلّه.

وكيف كان ، لا إشكال في وجوب الإعادة إذا تخلّل الحدث ، لما عرفت

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٤ الحديث ٨٠٦١.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٠٨ ، السرائر : ١ / ٢٥٩.

(٣) راجع! الصفحة : ١٢٨ من هذا الكتاب.

(٤) منتهى المطلب : ٧ / ٥٥.

(٥) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣٦.

١٣٠

مكرّرا من أنّ العبادة توقيفيّة ، وأنّ الاقتصار على ما صدر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام فيها واجب ، إلّا أن يثبت خلافه ، وأنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.

وممّا ذكر ظهر أنّه لو كان المنسي بعض هذا التشهّد يجب قضاؤه أيضا ، كالصلاة على محمّد وآله.

وكذا الحال في التشهّد الأوّل لو ذكر بعد الركوع ، لعموم صحيحة ابن سنان ، وصحيحة حكم بن حكيم (١) ، وكون بعض ظاهرهما غير حجّة على ما عرفت ، غير مضرّ عندنا لأنّه يأوّل ، وعلى فرض الطرح أيضا لا يضرّ ، كما عرفت مرارا ، من أنّ مقتضى تحصيل البراءة اليقينيّة أيضا ذلك.

وأمّا لو ذكر ذلك البعض ، قبل الدخول في الركوع بعد تحقّق القيام أو القراءة أيضا مثلا ، فربّما لا يخلو من إشكال ، وسيجي‌ء التحقيق في حكم الصلاة على محمّد وآله.

وأمّا لو ذكر قبل تماميّة القيام ، فالظاهر عدم الإشكال في الرجوع والتدارك ، وصحّة الصلاة.

قوله : (وإذا أحدث). إلى آخره.

لا يخفى أنّ ما دلّ على كون الحدث في أثناء الصلاة مبطلا لها ، يقتضي البطلان هنا أيضا ، بعد تسليم كون التشهّد الأخير من جملة أجزاء الصلاة الواجبة ، وكون المصلّي قبل الدخول فيه في الصلاة جزما.

وقد عرفت عدم النزاع في ذلك من أحد من الشيعة ، وأنّ القائل بخلافه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٤ الحديث ٨٠٦١ ، ٨ / ٢٤٤ الحديث ١٠٥٤٥.

١٣١

منحصر في جماعة من العامّة.

فيدلّ على المشهور ، كلّ ما دلّ على وجوب التشهّد وجزئيّته للصلاة (١). وكلّ ما دلّ على وجوب الصلاة على محمّد وآله وجزئيّتها للصلاة (٢) ، وكذا كلّ ما دلّ على وجوب السلام وجزئيّته للصلاة ، وكلّ ما دلّ على أنّ الخروج من الصلاة لا يتحقّق إلّا من السلام (٣) أو من التشهّد (٤) ، وسيجي‌ء الكلام ، فلا يكاد يحصى أدلّتهم.

ويدلّ عليه معتبرة الحسن بن الجهم عن الكاظم عليه‌السلام : عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : «إن كان قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يعد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (٥).

والرواية مع انجبارها بكونها مستند المشهور ، ليس في طريقها من يتوقّف فيه سوى عبّاد بن سليمان ، وهو ممّن يروي عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، ولم يستثنه القمّيّون.

وهذا ينادي بارتضائه ، بل ووثاقته ، إلى غير ذلك ممّا ذكرنا في شأنه في الرجال (٦) ، فليلاحظ!

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٦ الباب ٤ من أبواب التشهّد.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٧ الباب ١٠ من أبواب التشهّد.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٥ الباب ١ من أبواب التسليم.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٦ الحديث ٨٢٧٢ ، ٤١٦ الحديث ٨٣١٤ ، ٤٢٤ الحديث ٨٣٨٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٤٠١ الحديث ١٥٣١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠٦ مع اختلاف يسير.

(٦) تعليقات على منهج المقال : ١٨٧.

١٣٢

أمّا ما دلّ على كون الحدث في أثناء الصلاة مبطلا لها من العامّة والخاصّة كثير وسيجي‌ء.

قوله : (للمعتبرين).

ما دلّ عليه أخبار :

منها ، صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : «ينصرف ويتوضّأ ، وإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهّد ويسلّم وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (١).

وكصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : «تمّت صلاته ، وأنّ التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهّد» (٢) وكصحيحة عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام مثلها (٣).

وفيه ، أنّ الصحيحة في غاية الظهور في عدم وجوب التشهّد والتسليم ، وفيهما ما ستعرف.

وأمّا الأخيرتان فظاهرتان في عدم كون التشهّد من الأجزاء الواجبة للصلاة حيث قال عليه‌السلام في أوّلهما : «تمّت صلاته وإنّما التشهّد سنّة». إلى آخره.

وفي الثانية «وأمّا صلاته فقد مضت وبقي التشهّد ، وإنّما التشهّد سنّة فليتوضّأ وليعد إلى مجلسه ، أو مكان نظيف فيتشهّد» ، فيكونان موافقين لمذهب العامّة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٨ الحديث ١٣٠١ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٣ الحديث ١٢٩١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٠ الحديث ٨٣٠٤ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٨ الحديث ١٣٠٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١١ الحديث ٨٣٠٥.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٤٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٢ الحديث ٨٣٠٧.

١٣٣

وقد عرفت أنّهم كانوا يقولون باستحباب التشهّد ، فيتطرّق الاحتمال إلى الصحيحة أيضا ، مع أنّ ظاهرهما أيضا عدم وجوب السلام ، كما لا يخفى.

فيجب ترك العمل بالكلّ ، للأخبار المتواترة في الأمر بترك العمل بما وافق العامّة (١) ، بل بما أوفق بهم أيضا ، مضافا إلى الاعتبار ، وطريقة الشيعة في الأعصار والأمصار.

هذا ، مع الأمر بأخذ ما اشتهر بين الخاصّة ، إلى غير ذلك من شهادة الاعتبار عليه أيضا ، وكثرة العدد المعارض ، وأوفقيّته لطريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام وفعلهم وأمرهم بمتابعتهم عموما ، وفي الصلاة خصوصا ، واستدعاء شغل الذمّة اليقيني البراءة اليقينيّة وغير ذلك.

مع أنّ حمل السنّة على ما هو من الواجبات النبويّة فيها ، مع كونه خلاف الظاهر ، ـ والحجّة هو الظاهر ـ لا يستقيم أصلا ، لأنّه معلوم أنّ مجموع الركعتين الأخيرتين ، والثالثة من المغرب من الواجبات النبويّة ، مع أنّ التشهّد الأوّل من الواجبات الإلهيّة.

وكذلك لو حمل قولهم : مضت صلاته ، على مضيّ الأكثر ، يصير علّة عدم ضرر الحدث مضيّ الأكثر من الصلاة ، وفيه أيضا ما فيه.

قوله : (وإن كان الحدث). إلى آخره.

هذا أيضا محلّ نظر وكلام ، كما ستعرف في مسألة التسليم.

قوله : (يعلم ممّا سلف).

من أنّه أيّ جزء من أجزاء الصلاة إذا شكّ فيه فإن كان شكّ فيه وهو في محلّه

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

١٣٤

يجب عليه الإتيان به ، إن لم يكن كثير الشكّ ، وإن تجاوز عنه ودخل في غيره فشكّ فيه لم يضر ، وتصحّ صلاته من دون حاجة إلى جبران أصلا حتّى سجدة السهو ، لما يظهر من الأخبار والفتاوى ، بل لا يستحبّ أيضا لذلك.

وسيجي‌ء القول من البعض بوجوب سجدة السهو ، فيما إذا لم يدر زاد أو نقص ، فليلاحظ وليتأمّل.

والظاهر أنّ الدخول في الغير هنا ، تحقّق بالدخول في القيام ، أي بعد ما قام ، ففي حال النهوض يرجع ويتشهّد ، بملاحظة عموم قولهم عليهم‌السلام : «إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١) وأنّ المعهود من الأخبار والفتاوى أنّ واجبات الصلاة : التكبير والقراءة ، والركوع والسجود ، والقيام والقعود ، والتشهّد والسلام ، لا الهويّ والنهوض (٢).

ويشهد عليه قويّة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض [عليه]» (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنّه قال للصّادق عليه‌السلام : رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال : «يسجد» (٤).

وأمّا التشهّد الثاني ، فبالدخول في «السلام علينا» دخلنا في غيره ، على ما

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٢ الحديث ١٤٥٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ الحديث ١٠٥٢٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة.

(٣) الوافي : ٨ / ٩٤٩ الحديث ٧٤٦٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٦١ الحديث ١٣٧١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٩ الحديث ٨٢٠٧.

١٣٥

هو المتعارف من تقديمه على «السلام عليكم».

ولو اقتصر على «السلام عليكم» ، أو قدّم على السلام علينا فبالدخول فيه.

وأمّا الشكّ في أجزاء التشهّد ، فبالدخول في الجزء المتأخّر دخلنا في غيره على الظاهر ، كما مرّ في القراءة (١).

قوله : (كما في الأخبار).

منها ، رواية الصيقل السابقة في بحث قضاء التشهّد (٢).

ومنها ، حسنة الحلبي قال : سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة ، قال : «يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثمّ يستأنف الصلاة بعد» (٣).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢١٤ و ٢١٥ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠٤ الحديث ٨٢٩٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٩ الحديث ٧٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣١ الحديث ١٠٥٠٧.

١٣٦

١٧١ ـ مفتاح

[ما يجب أن يقال في التشهّد]

المشهور ، أنّ الواجب فيه «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآله محمّد» للأخبار (١) ، وقيل بوجوب : «وحده لا شريك له» و «عبده ورسوله» (٢) ، كما في الصحيح (٣) ، وهو أحوط.

وظاهر الصدوق عدم وجوب الصلاة على النبي (٤) ، كما هو ظاهر الصحيح (٥) ، لكن في «المعتبر» نقل الإجماع على وجوبها (٦).

واجتزأ الإسكافي بالشهادتين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمّد وآل محمّد في أحد التشهّدين (٧).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٩ الحديث ٨٢٧٢ ، ٣٩٨ الحديث ٨٢٧٧ ، ٧ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠٦ ، ٦ / ٤٠٧ الباب ١٠ من أبواب التشهّد.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٧ الحديث ٨٢٧٥.

(٤) المقنع : ٩٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٨ الحديث ٨٢٧٧.

(٦) المعتبر : ٢ / ٢٢٦.

(٧) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٤٢٦.

١٣٧

وفي بعض الروايات : «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد الله أجزأه» (١). وعلى أمثاله اقتصر الكليني في «الكافي» (٢) ، وحمل على الضرورة أو التقيّة (٣). وحمله على ما يزيد على الشهادتين والصلاة من الأذكار محتمل ، كما يشعر به بعضها (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٩ الحديث ٨٢٧٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٣٧ الحديث ١.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٢٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٣ الحديث ٨٢٦٥.

١٣٨

قوله : (المشهور).

يدلّ عليه إطلاقات الأخبار الواردة في وجوب التشهّد ، وفي حكم نسيان التشهّد وغير ذلك ، وخصوص معتبرة الحسن بن الجهم السابقة (١) في بحث الحدث بعد التسليم حال نسيان التشهّد ، ومعتبرة سورة بن كليب (٢) ، وصحيحة زرارة (٣) السابقتين في مبحث وجوب التشهّد.

لا يقال : صحيحة زرارة تضمّنت كون التشهّد الثاني أدنى ما يجزئ فيه هو الشهادتان.

لأنّا نقول : كلّ من اجتزأ فيه بالشهادتين اجتزأ في الأوّل أيضا قطعا ، وكلّ من لم يتجزئ في الأوّل بالشهادتين ، لم يجتزئ في الثاني أيضا قطعا ، بل بطريق أولى ، لأنّ المستفاد من الأخبار كون الثاني أطول من الأوّل ، ولا أقلّ من التساوي.

وتضمّنها الاجتزاء في الأوّل ، بشهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، غير مضرّ في الاستدلال ، لأنّ الظاهر من سؤال زرارة ، أنّ التشهّد الأوّل هل يجب فيه ما التزم العامّة به من قول : التحيّات لله. إلى آخره ، مع ما فيه من طول؟ ومع تقديمهم إيّاه على الشهادتين ، ونهاية اهتمامهم به؟ حتّى جعلوه المعرّف للإسلام عندهم ، ولا يجتزون بالتشهّد الخالي منه ، فلهذا سأل عن أدنى ما يجزئ فيه ، فأجاب عليه‌السلام : بالاجتزاء بالشهادة ، لأنّ التشهّد تفعّل من الشّهادة من دون مدخليّة التحيّات بطولها فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٨ الحديث ٨٢٧٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٦ الحديث ٨٢٧٢.

١٣٩

وهذا يظهر من تضاعيف الأخبار ، فليس المراد نفي وجوب الشهادة بالرسالة ، بل نفي وجوب ما أوجبوه ، والتزموا به وجعلوه المهمّ.

فالمراد أن يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، على النحو المعهود المتعارف ، على أنّه على تقدير كونه تقيّة لا يضرّ بالاستدلال أيضا ، لما عرفت مكرّرا من أنّ كون بعض الحديث معيوبا لا يضرّ بالباقي.

قوله : (اللهمّ صلّ). إلى آخره.

المشهور وجوب الصلاة على محمّد في التشهّد ، بل نقل عن الشيخ في «الخلاف» أنّها ركن فيها (١) ، والمشهور أيضا وجوب الصلاة على آل محمّد.

وادّعى في «المنتهى» على كلّ واحد من الوجوبين إجماع علمائنا (٢).

والمحقّق في «المعتبر» ادّعى الإجماع على وجوب الصلاة على محمّد وآل محمّد (٣).

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّه يجزئ في التشهّد الشهادتان ، والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما زاد فتعبّد (٤) ، انتهى.

وادّعى غيرهم أيضا الإجماع مثل الشهيد في «الذكرى» (٥).

والدليل على الوجوبين ـ بعد الإجماعات المنقولة ـ وجوب التأسّي

__________________

(١) نقل عنه في منتهى المطلب : ٥ / ١٨٦ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٣٦٩ المسألة ١٢٨.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ١٨٦.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٢٧.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٥) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٠٦.

١٤٠