مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

قوله : (وأن يخطر). إلى آخره.

روى في «الفقيه» أنّ ما ذكره معنى السجدة الاولى ورفع الرأس منها ، والسجدة الثانية ورفع الرأس منها (١).

قوله : (كما في الصحيح).

هو صحيحة زرارة المرويّة في «الكافي» و «الفقيه» ، وفي صدر ما ذكره المصنّف منه أنّه قال : فإذا جلست فعلى أليتيها ليس كما يقعد الرجل (٢).

وفي الصحيح عن ابن مسكان ، عن ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» (٣).

وفي موثّقة ابن بكير ـ كالصحيح ـ عن بعض أصحابنا قال : المرأة إذا سجدت تضمّنت ، والرجل إذا سجد تفتّح (٤).

قوله : (وأن لا يعتمد). إلى آخره.

في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا سجد الرجل ثمّ أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض ولكن يبسط كفّيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» (٥).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ الحديث ٩٣١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٣١ الحديث ٨١٠٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٣ الباب ٥٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٢ الحديث ٧٠٨٠ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٤ الحديث ٣٥١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤١ الحديث ٨١٢٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٥ الحديث ٣٥٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٢ الحديث ٨١٣٠.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٣ الحديث ١٢٢٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٤ الحديث ٨٢١٩.

٦١

ثمّ اعلم! أنّه ورد في الصحيح المنع عن نفخ موضع الجبهة في الصلاة (١).

وورد في الحسن عدم البأس به ما لم يؤذ أحدا (٢).

وورد ذلك في رواية أخرى أيضا مرسلة (٣).

وورد في رواية اخرى عدم البأس من دون قيد (٤) ، وربّما قيّد ما في الروايات الدالّة على الجواز بما إذا لم يظهر منه حرفان فما زاد ، لما سيجي‌ء في بحث التكلّم في الصلاة وستعرف التحقيق فيه إن شاء الله.

وورد أيضا كراهة تنظيم الحصى في الصلاة (٥). مع أنّه ورد في غير واحد من الأخبار خلافه ، مثل صحيحة صفوان عن إسحاق بن عمّار عن عبد الملك بن عمرو قال : رأيت الصادق عليه‌السلام سوّى الحصى حين أراد السجود (٦).

ومثلها موثّقة يونس بن يعقوب (٧) ، ورواية علي بن بجيل أنّه قال : رأيت الصادق عليه‌السلام كلّما سجد فرفع رأسه أخذ الحصى من جبهته فوضعه على الأرض (٨).

ولعلّ المكروه هو العبث في الصلاة ، أي التنظيم عن غير حاجة وداع أصلا ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٢ الحديث ١٢٢٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٠ الحديث ٨١٥٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٩ الحديث ١٣٥١ ، الاستبصار : ١ / ٣٣٠ الحديث ١٢٣٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٠ الحديث ٨١٥٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٧ الحديث ٨٣٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥١ الحديث ٨١٥٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٧ الحديث ٨٣٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٢ الحديث ١٢٢٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٩ الحديث ١٢٣٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٠ الحديث ٨١٥٧.

(٥) دعائم الإسلام : ١ / ١٧٤ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٢٢١ الحديث ٣٤٢٢.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٣٤ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ الحديث ٨٢١٧.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٦ الحديث ٨٣٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ الحديث ٨٢١٥.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٦ الحديث ٨٣٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ الحديث ٨٢١٦.

٦٢

وهذا كراهته ظاهرة ، كما أنّ مع الحاجة والداعي عدم الكراهة ، وأقلّ الداعي تحقّق الوضع العرفي عن الحصى في وضع جميع الجبهة ، لما عرفت من استحبابه.

قوله : (ونعني بالأخير). إلى آخره.

لم أفهم المعنى. نعم ، الإقعاء مكروه بين السجدتين على المشهور ، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض. ويجلس على عقبيه ، كما عرفت سابقا ، سيّما في المقام ، فإنّ الإقعاء بالمعنى الأخير ممّا لم يعهد ارتكابه من أحد ، ولا يكاد يتحقّق لغاية صعوبته.

ولعلّ الظاهر من كلام الأصحاب وفتاوى الأخيار كون المنع من جهة ارتكاب أهل السنّة (١) والمستعجلين.

وعن المرتضى والشيخ في «المبسوط» عدم كراهة الإقعاء هنا (٢) ، لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا بأس بالإقعاء [في الصلاة فيما] بين السجدتين» (٣) ، وتمام الكلام مرّ سابقا.

قوله : (كما في المعتبرة).

أقول : هي موثّقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الاولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثمّ قم» (٤).

__________________

(١) لاحظ! المغني لابن قدامة : ١ / ٣٠٨ المسألة ٧٣١.

(٢) نقل عن المرتضى في المعتبر : ٢ / ٢١٨ ، المبسوط ١ / ١١٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١٢٢٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٨ الحديث ٨١٥٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٢ الحديث ٣٠٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١٢٢٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٤.

٦٣

وصحيحة عبد الحميد بن عواض عنه عليه‌السلام قال : رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الاولى جلس حتّى يطمئن ثمّ يقوم (١).

ورواية الأصبغ بن نباتة ، قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئن ثمّ يقوم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين! كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رءوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّما يفعل ذلك أهل الجفا من الناس ، إنّ هذا من توقير الصلاة» (٢).

وفي «الغوالي» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لمن علّمه الصلاة : «ثمّ اسجد ممكّنا جبهتك من الأرض ثمّ ارفع رأسك حتّى ترجع مفاصلك وتطمئن جالسا» (٣) وهذا شامل للسجدتين ، كما صرّح فيه.

وفيه أيضا عن أبي قلابة ، قال : جاءنا مالك بن الحويرث ، فقال : والله إنّي أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ، قال : كان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة استوى جالسا ، ثمّ قام وقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» (٤) ، وسيجي‌ء أيضا رواية اخرى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي كذلك.

قوله : (وأوجبها السيّد). إلى آخره.

نقل عنه في «المختلف» وغيره في غيره أنّه احتجّ على الوجوب بالإجماع

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٢ الحديث ٣٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١١٢٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٤ الحديث ١٢٧٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٧ الحديث ٨١٤٦.

(٣) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ الحديث ٧ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ٤٥٧ الحديث ٥١٥١ مع اختلاف يسير.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ الحديث ٨ مع اختلاف.

٦٤

وبالاحتياط (١) ، إذ مع الجلسة يبرأ من العهدة بيقين ، وبما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يجلسها (٢) ، وبصحيحة عبد الحميد (٣) ، وموثّقة أبي بصير السابقتين (٤).

والتقريب في الاولى : وجوب المتابعة فيما صدر من الإمام في مقام العبادات التوقيفيّة الخالية عن النص الوافي ببيان ماهيّتها ، وفي الثانية : بأنّ الأمر حقيقة في الوجوب.

وأجاب في «المختلف» : أنّ الإجماع دلّ على الرجحان لا خصوص الوجوب ، وأنّ الاحتياط معارض بأصالة البراءة.

وأنّ رواية عبد الحميد وما وافقها تدلّان على الفعل لا على وجهه ، والموثّقة ضعيفة ، ويمنع كون الأمر للوجوب خصوصا على مذهبه (٥) ، انتهى.

وفيه ما فيه ، لأنّ ناقل الإجماع إذا احتجّ به لا شكّ في كون مراده ممّا نقله الإجماع على الوجوب الذي أراده ، إلّا أن يمنع الإجماع المنقول بأنّه كيف لم يطّلع عليه سوى السيّد؟ إذ لو اطّلع عليه غيره لشاركه.

وفيه ، أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد هو الذي نقله واحد ، ومدار العلّامة وغيره من المشهور على كونه حجّة ، وما ذكر يمنع حجّية الجميع ، إلّا أن يقال : كيف لم يفت أحد من معاصريه ، والمتقدّمين عليه بالوجوب؟

وفيه أنّه لو لم يفت أحد ممّن ذكرنا بالوجوب ، فلا شكّ في بطلان هذا

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٧٢ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤١٣ ، لاحظ! الانتصار : ٤٦.

(٢) سنن النسائي : ٢ / ٢٣٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٢ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٢ الحديث ٣٠٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٤.

(٥) مختلف الشيعة : ٢ / ١٧٢.

٦٥

الإجماع ، لكن من أين ظهر ذلك؟ إذ ليس عندنا من كتبهم حتّى يظهر ذلك علينا.

مع أنّ كلام الصدوق لعلّه ظاهر في الوجوب حيث قال : ثمّ ارفع رأسك من السجدة الثانية ، وتمكّن من الأرض ، وارفع يديك وكبّر ، ثمّ قم إلى الثانية. إلى أن قال : وإنّما يستحب (١). إلى آخره.

فربّما ظهر منه أنّ ما قاله إلى هنا ليس من المستحبّ ، مضافا إلى أنّ غالبه من الواجبات قطعا أو ظاهرا أو احتمالا ما لا يقطع به ولا يظهر ، فلعلّ عند الصدوق من الواجبات ، ولا بعد فيه أصلا.

مع أنّ ابن الجنيد أيضا قال : إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة حتّى يماسّ أليتاه الأرض ، أو اليسرى وحدها يسيرا ثمّ يقوم جاز ذلك (٢).

وقال علي بن بابويه : لا بأس أن لا يقعد في النافلة (٣) ، انتهى.

وظاهره كراهة عدم الجلوس في النافلة لأنّها صلاة أيضا ، والأصحاب اعتبروا الجلوس في الكلّ.

وقال ابن أبي عقيل : إذا أراد النهوض ألزم أليتيه الأرض ثمّ نهض معتمدا على يديه (٤).

والحاصل ، أنّ السيّد من القدماء أقرب عهدا فيكون أعرف بأقوالهم ، وما اطلعنا عليه ـ لو لم يكن ظاهره في الوجوب ـ لم يكن ظاهرا في الاستحباب بلا شبهة ، فكيف يمكن الطعن على السيّد بعدم مشارك له أصلا في الفتوى؟ وباقي

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٧ ذيل الحديث ٩٣٢.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٠٠.

(٣) نقل عنه في كشف اللثام : ٤ / ١٠٤.

(٤) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٠٠.

٦٦

كتب القدماء ليس عندنا حتّى نحكم بعدم الموافق.

مع أنّ العلّامة وغيره ربّما يدّعي الإجماع ، ولم نجد نحن موافقا له في الفتوى ، إلّا أن يقال بعدم حجّية أمثال هذه الإجماعات ، وإن لم يتوجّه طعن على ناقلها أصلا.

وفيه أيضا ، أنّه لعلّه خلاف طريقتهم ، إلّا أن يقال : لو صحّ ما ادّعاه من الإجماع فلا أقلّ من تحقّق شهرة في الزمان السابق عليه ، شهرة قابلة لكونها إجماعا عند فقيه ، فلو تحقّق ذلك لما خفي على جميع فقهائنا المتأخّرين ، إلى أن اتّفق كلّهم على نسبة القول بالوجوب إلى خصوص السيّد ، من دون إشارة أصلا إلى غيره ، كما هو ظاهر عباراتهم.

لكن نسبة السيّد إلى اعتقاد تحقّق الإجماع ، مع عدم تحقّق ما يوهم ذلك بوجه من الوجوه ، وعدم تحقّق ظهور عبارة من فقيه في الوجوب مطلقا فاسدة قطعا ، بل لا يجوز نسبة أحمق غبيّ غامر في بحار الغباوة إليه ، فضلا عن مثل السيّد البالغ أقصى درجة التحقيق ، كما لا يخفى على المطّلع بحاله.

مع أنّ غير السيّد أيضا ربّما ادّعى الإجماع على حكم لم ينقل أحد موافقا له في الفتوى به ، مثل الشيخ وغيره.

فالبناء على أنّهم ـ رضوان الله عليهم ـ مع عدم رؤية ظاهر عبارة من فقيه في حكم كانوا يحكمون بالإجماع ، في غاية ظهور الفساد ، بل ممّا لا يجوز أن يتّفق بالنسبة إلى واحد منهم فضلا عن جميعهم. ومع وجود ظاهر عبارة من فقيه لا شكّ ولا ريب في صحّة نسبة ذلك الحكم إليه ، كما عليه المدار عند الجميع.

فظهر أنّ عدم النقل من أحد لا يستلزم عدم القول به أصلا ، بل حصل القطع بفساده ، ولهذا ربّما يدّعي الفاضلان وغيرهما عدم الخلاف من أحد في حكم ، ووجد الخلاف من غير واحد ، وبنوا على تحقّق هذا الخلاف البتّة ، ولو من ظاهر

٦٧

عبارة من خالف. وعلى ذلك المدار في كتب الاستدلال ، وظهر من شرحنا ما لا يحصى كثرة ، بل وربّما اتّفق كلّ المتأخّرين على عدم الخلاف ، أو انحصار في فقيه واحد ومع ذلك ظهر مخالف كثير ممّن تقدّم عليهم ، منه ما مرّ في مسألة التخيير في المواطن الأربعة ، إلى غير ذلك ممّا مرّ فلاحظ!

والإنصاف أنّ الإجماع الذي نقله السيّد هنا وأمثاله يحصل فيه وهن ربّما يمنع من الاحتجاج به.

وأمّا ما ذكره من أنّ الاحتياط معارض بأصالة البراءة ، فيه أنّ أصل البراءة لا يعارض دليلا قطّ ، لأنّ مقتضاها أنّه لو لم يكن دليل على تكليف فالأصل البراءة.

ومعلوم أنّ اشتغال الذمّة بعبادة إذا كان يقينا ، فهو مستصحب حتّى يحصل البراءة اليقينيّة لقولهم عليهم‌السلام : «لا تنقض اليقين إلّا بيقين» (١) ، وغيره من الأدلّة التي مرّت في بحث وجوب السورة وغيره (٢).

فإذا لم يعارض الأصل دليلا واحدا ، فكيف يعارض الأدلّة التامّة؟ ومدار العلّامة وغيره على ذلك في غالب مباحث الفقه ، كما عرفت في ذلك المبحث وغيره ، وإن كان يصدر منهم ما ذكر هنا مكرّرا ، وهم أعلم.

وما ذكر من أنّ رواية عبد الحميد (٣) تدلّ على الفعل لا على وجهه ، ففيه أنّ مداركم على حجّية فعل الشارع في معرفة ماهيّة العبادة التوقيفيّة ـ كما أشرنا إليه في المبحث المذكور وغيره وحقّق أيضا في محلّه ـ سيّما فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ نقل بالمضمون.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٩٩ ـ ٣٠١ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٢.

٦٨

وخصوصا بعد ملاحظة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» (١).

وأمّا حكمه بضعف الموثّق ، ففيه أنّ سماعة نقل في الرجال في شأنه ما لا يبقى تأمّل في حجّية خبره ، وبسطنا الكلام في الرجال (٢) ، وفي كون الموثّق حجّة وهم كثيرا ما يحتجّون بالموثّق ، سيّما مثل ما ذكر.

وأمّا منعه من كون الأمر للوجوب ، مع كون مداره ومدار غيره من الفقهاء ، على كونه للوجوب في الفقه واصوله وكتب الاستدلال ، بحيث لا يخفى على أحد.

وقوله : خصوصا على مذهبه (٣) ، فيه ما فيه ، لأنّه صرّح بكونه حقيقة في الوجوب شرعا إجماعا ، واستدلّ عليه بما لا يزيد عليه.

وأعجب من هذا استدلاله ، واستدلال غيره على الاستحباب بموثّقة زرارة قال : رأيت الباقر والصادق عليهما‌السلام إذا رفعا رءوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (٤).

ورواية رحيم قال : قلت للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك ، أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى والثالثة تستوي جالسا ثمّ تقوم ، فنصنع كما تصنع؟ قال : «لا تنظروا إلى ما أصنع ، اصنعوا ما تؤمرون» (٥).

وجه التعجّب أنّ الاولى موثّقة والثانية ضعيفة ، وطعنوا على موثّقة

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ الحديث ٨.

(٢) تعليقات على منهج المقال : ١٧٤ و ١٧٥.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ١٧٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٣ الحديث ٣٠٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١٢٣١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٢ الحديث ٣٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٨ الحديث ١٢٣٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٧ الحديث ٨١٤٧.

٦٩

أبي بصير (١) بكونها موثّقة ، ومع ذلك ظاهرهما رجحان ترك الجلسة لا أقلّ ، لو لم نقل بظهور وجوبه.

أمّا الثانية ، ففي غاية الوضوح ، حيث نهى عليه‌السلام عن أن يصنع الراوي هذه الجلسة ، وبعد ذلك أمر بخلافه كما هو ظاهر.

وأمّا الاولى ، فلأنّ فعل المعصوم عليه‌السلام إذا لم يعلم وجهه ، فالمشهور استحباب متابعته ، وعلى ذلك مدارهم ، وحقّق في محلّه.

وإذا وقع في مقام العبادة التوقيفيّة التي لم يظهر ماهيّتها من نصّ ، فيحملونه على الوجوب من باب مقدّمة الواجب ، لأنّ تحصيل اليقين بالبراءة ، والامتثال العرفي في مقام الإطاعة واجب عندهم ، كما أشرنا.

فمع ذلك كيف استدلّوا بهما على استحباب الجلسة؟

لا يقال : استدلالهم بهما على نفي الوجوب ، وإلّا فالرجحان إجماعي.

لأنّا نقول : الحجّة عن ظاهر الخبر ، ونفي الوجوب فيهما غير موجود ، بل الموجود أولويّة الترك لا أقل منها قطعا ، فظاهرهما لم يقل به أحد ، فيكونان شاذّين يجب طرحهما ، كما ورد من الأئمّة عليهم‌السلام ، ومدار هؤلاء أيضا عليه.

ومع ذلك ظاهرهما موافق للعامّة ، فيجب ترك العمل بهما بالإجماع والأخبار والاعتبار.

وعلى ذلك كان مدار الشيعة في الأعصار والأمصار ، وكانوا يقولون عليهم‌السلام : أعطاك من جراب النورة (٢) ، وأمثال ذلك ، وكذلك الحال عند الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٦ الحديث ٨١٤٣.

(٢) مجمع البحرين : ٣ / ٥٠٦.

٧٠

مع أنّ الثّانية تضمّنت النهي عن التأسّي بالشارع ، ومنع حجّية فعله ، بل وجوب مخالفته ، وهذا خلاف ما عليه الأصحاب.

والأولى تضمّنت كون الصادقين عليهما‌السلام من أهل الجفا من الناس ، وممّن لا يوقّر الصلاة ، ومن الذين يقولون ما لا يفعلون ، وممّن يأمرون بالبرّ وينسون أنفسهم ، إلى غير ذلك من الذموم الواردة منهما فقط ، فضلا عن غيرهما ، فضلا عمّا في القرآن ، العياذ بالله عن تجويز شي‌ء ممّا ذكر.

فتعيّن حملها على التقيّة والاتّقاء ، كما ورد منهم التصريح بذلك في أخبار متواترة وموافقة للاعتبار وغيره.

والحمل على مجرّد إظهار جواز الترك مرجوح بملاحظة ما ذكرنا ، وأنّ هذا الإظهار يتحقّق بالقول ، فلا داعي إلى ما ذكر ، مع احتمال كون إظهار جواز الترك بفعلهما ، لئلّا يتحاشى الشيعة عن الترك ، ويلائم ذلك في أنفسهم ، فيكون محمولة على الاتّقاء حينئذ ، فتأمّل!

وبالجملة ، البناء في العمل على عدم الترك البتّة ، بملاحظة ما ذكرنا ، مضافا إلى أنّ السيّد لا يجوّز العمل بخبر الواحد.

فرواية أبي بصير إذا استدلّ بها ، لا جرم تكون عنده من القطعيّات ، مع أنّ سماعة ، قال النجاشي : أنّه ثقة ثقة ، له كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة (١).

ونقل عن ابن الغضائري أنّه مات في حياة الصادق عليه‌السلام (٢) ، وهذا منه ينادي بأنّه كان عنده إماميّا ثقة ثقة ، وأنّ كتابه في غاية الاعتبار ، كما لا يخفى على المطّلع بطريقة النجاشي ، والنجاشي أضبط وأعلم من الشيخ وغيره في معرفة الرجال.

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٩٣ و ١٩٤ الرقم ٥١٧.

(٢) رجال النجاشي : ١٩٣.

٧١

مع أنّ الشيخ في «العدّة» صرّح بأنّ الطائفة عملت بما رواه سماعة (١) ، والمفيد في رسالته في الردّ على الصدوق ، ذكر أنّه من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، وأصحاب الاصول المدونة ، والمصنّفات المشهورة الّذين لا مطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم (٢).

وذكرت أيضا في الرجال أنّه لم يكن واقفيا ، وأنّه كان يروي عنه ابن أبي عمير ، وابن أبي نصر ، وعبد الله بن المغيرة ، وعبد الله بن مسكان ، ويونس بن عبد الرحمن ، وأبان بن عثمان ، وجميل بن دراج ، وغيرهم من الجماعة الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، مع غاية جلالتهم ووثاقتهم ، ويروي عنه أيضا جعفر بن بشير وغيره ، ممّن لا يروي إلّا عن الثقة ، إلى غير ذلك ممّا ذكرت فيه (٣).

هذا كلّه ، مضافا إلى معلوميّة كون شعار الخليفة الأوّل والثاني ومن تبعهما تركه ، كما أنّ شعار أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن تبعه فعله. وورد أنّ «من تشبّه بقوم فهو منهم» (٤).

وأمّا الحكم بالوجوب ، والفتوى بعدم جواز الترك ، فلعلّه لا يخلو عن إشكال ، بملاحظة قول أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّه : «من توقير الصلاة» (٥).

وإنّ صحيحة حمّاد (٦) ، وصحيحة زرارة (٧) ، ونظائرهما خالية عن ذكره

__________________

(١) عدة الاصول : ١ / ١٥٠.

(٢) رسالة جوابات أهل الموصل : ٢٥ و ٤١.

(٣) تعليقات على منهج المقال : ١٧٤ و ١٧٥.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ١٦٥ الحديث ١٧٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٤ الحديث ١٢٧٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٧ الحديث ٨١٤٦.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٦ الحديث ٩١٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨١ الحديث ٣٠١ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الحديث ٧٠٧٧.

(٧) الكافي : ٣ / ٣٣٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٣ الحديث ٣٠٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦١ الحديث ٧٠٧٩.

٧٢

والأمر به ، مع أنّه لو كان واجبا ، فلعلّه لم يناسب تركه ، للاختلاف في أفعالهم وأخبارهم ، وفي طريقة المسلمين ، فتأمّل!

هذا ، مضافا إلى أنّ جميع من تأخّر عن السيّد لم يوافقه أحد منهم ، بل اتّفقوا على عدم الوجوب على ما هو الظاهر من اطّلاعهم على دعوى السيّد الإجماع ، ووجود رواية أبي بصير المعتبرة عندهم ، إلّا من شذّ ، وغير ذلك ممّا أشرنا إليه وغيره ممّا يتمسّكون به ، لوجوب شي‌ء ، مثل فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجوب التأسّي في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة في العبادات التوقيفيّة وغير ذلك ، يظهر أنّ الداعي على عدم القول بالوجوب عندهم كان أمرا عظيما ، فتأمّل!

قوله : (كذا في الصحيح). إلى آخره.

هو صحيح ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١).

قوله : (وفي آخر). إلى آخره.

هو صحيح ابن مسلم عنه عليه‌السلام (٢) ، وفي حسنة أبي بكر الحضرمي عنه عليه‌السلام أنّه قال : «إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفّيك وقل : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، فإنّ عليّا عليه‌السلام كان يفعل ذلك» (٣).

ولعلّ هذه الحسنة ما ذكر فيها يشمل القيام من التشهّد أيضا ، وسيجي‌ء حكمه في مبحث التشهّد.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٦ الحديث ٣٢٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦١ الحديث ٨١٨٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٧ الحديث ٣٢١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦١ الحديث ٨١٨٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣٨ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٩ الحديث ٣٢٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٣٨ الحديث ١٢٦٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٢ الحديث ٨١٨٩ مع اختلاف يسير.

٧٣
٧٤

القول في القنوت

قال الله سبحانه (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) (١).

١٦٧ ـ مفتاح

[استحباب القنوت]

يستحبّ القنوت في كلّ ثانية من كلّ صلاة ، وفي الاولى من الجمعة والعيدين ، وفي الثالثة من الوتر ، وفاقا للمشهور ، للنصوص المستفيضة (٢).

وقيل : يجب في الخمس اليوميّة (٣).

وقيل : يجب في الجهريّة منها (٤) لظاهر بعضها ، كخبر : «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (٥) وموثّق «أمّا ما جهرت فيه فلا تشكّ» (٦)

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٣٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦١ الباب ١ ، ٢٦٤ الباب ٢ ، ٢٦٦ الباب ٣ من أبواب القنوت.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٦ ذيل الحديث ٩٣٢ ، المقنع : ١١٥.

(٤) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٨١ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٣ الحديث ٧٩١١.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٢ الحديث ٧٩٠٧.

٧٥

ونحوهما (١) ، وحمل على التأكيد (٢).

ومحلّه في غير الجمعة قبل الركوع ، بالإجماع والصحاح المستفيضة (٣) ، وكذا في الاولى منها ، وأمّا الثانية فبعده ، للموثّقين (٤) ، والصدوق ساوى بينها وبين غيرها في وحدته ومحلّه (٥) ، وكذا المفيد إلّا أنّه جعله في الاولى (٦) ، للصحاح المستفيضة (٧) ، ولا يخلو من قوّة إلّا أنّ العمل على المشهور.

ولو نسي أتى به بعد الركوع مطلقا للنصوص (٨) ، وإن لم يفعل فبعد الفراغ ، للمعتبرين (٩) ، وهو جهر ولو في السرّية ، للصحيح (١٠) ، والقول بتبعيّته للقراءة (١١) ضعيف.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٢ الحديث ٧٩٠٤ و ٧٩٠٦.

(٢) لاحظ! منتهى المطلب : ٥ / ٢٢٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٤ ذيل الحديث ٧٩١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٦ الباب ٣ من أبواب القنوت.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٧٢ الحديث ٧٩٤٠ و ٢٧٣ الحديث ٧٩٤٤.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٦ ذيل الحديث ١٢١٧.

(٦) المقنعة : ١٦٤.

(٧) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٧١ الحديث ٧٩٣٧ و ٧٩٣٨.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٢٨٧ الباب ١٨ من أبواب القنوت.

(٩) انظر! وسائل الشيعة : ٦ / ٢٨٦ و ٢٨٧ الحديث ٧٩٨٦ و ٧٩٨٧.

(١٠) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٩١ الحديث ٨٠٠١.

(١١) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٨٧.

٧٦

قوله : (وفي الاولى). إلى آخره.

مرّ الكلام فيه (١).

قوله : (وفي الثالثة من الوتر). إلى آخره.

هذا بظاهره يدلّ على عدم القنوت في الشفع ، كما هو المشهور ، لكن في رواية رجاء بن أبي الضحّاك أنّ الرضا عليه‌السلام كان يقنت في الشفع في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة (٢).

قوله : (للنصوص). إلى آخره.

هي صحيحة صفوان قال : صلّيت خلف الصادق عليه‌السلام أيّاما فكان يقنت في كلّ صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها (٣).

وصحيحة الحارث بن المغيرة عنه عليه‌السلام أنّه قال : «اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة» (٤).

ومثلها موثّقة ابن مسلم كالصحيح عن الباقر عليه‌السلام (٥) ، وكذا في روايته الاخرى عنه عليه‌السلام (٦) ، وكصحيحة زرارة عنه عليه‌السلام قال : «القنوت في كلّ صلاة في

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٤٤ و ٣٤٥ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٥٥ الحديث ٤٤٩٦ نقل بالمعنى.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣٩ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٩ الحديث ٩٤٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٩ الحديث ٣٢٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦١ الحديث ٧٩٠٣ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٣٩ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٣ الحديث ٧٩٠٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٧ الحديث ٩٣٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٠ الحديث ٣٣٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦١ الحديث ٧٩٠٢.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٤٠ الحديث ١٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٤ الحديث ٧٩١٢.

٧٧

الركعة الثانية قبل الركوع» (١). إلى غير ذلك من الأخبار.

ومنها ما كتبه الرضا عليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام : «والقنوت سنّة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء» (٢).

قوله : (وقيل). إلى آخره.

المشهور هو الاستحباب كما قال ، وقال في «الفقيه» : القنوت سنّة واجبة من تركه عمدا في كلّ صلاة فلا صلاة له (٣).

وظاهره أنّ من تركه في جميع الصلوات فلا صلاة له ، فلو فعله في صلاة واحدة ، لم يتعلّق به ذلك الوعيد ، فلا يظهر منه قوله بوجوب القنوت في كلّ صلاة كان ، كما نسبه إليه في «المنتهى» ، وقال : إنّه قال : من تركه عمدا أعاد (٤). وتبعه في «الذخيرة» ، وغيره في غيره (٥).

وحمله على كلّ الأفراد وإرادته أنّه في أيّ فرد تركه فلا صلاة له ـ أي لا يكون ذلك الفرد بخصوصه صلاة له ـ بعيد ومخالف لظاهر عبارته.

وصرّح بما ذكرت ، جدّي العلّامة المجلسي رحمه‌الله في شرحه ، بل قال : دلالة عبارته على الاستحباب أظهر (٦) ، انتهى.

وفي «المنتهى» قال ـ بعد نقله رواية وهب المذكورة ـ وبه قال

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٩ الحديث ٣٣٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٦ الحديث ٧٩٢٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٢ الحديث ٧٩٠٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٧ الحديث ٩٣٢.

(٤) منتهى المطلب : ٥ / ٢٢٥.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢٩٣ ، الحدائق الناضرة : ٨ / ٣٥٣ و ٣٥٧.

(٦) روضة المتّقين : ٢ / ٣٤٤.

٧٨

ابن أبي عقيل (١). وفي «المختلف» أسند إليه القول بأنّ تركه عمدا يوجب الإعادة لا سهوا ،. إلى أن قال : احتجّ ابن أبي عقيل بالاحتياط ، وبورود الأمر فيحمل على الوجوب (٢).

وفي «الذخيرة» عن ظاهر ابن أبي عقيل وجوبه في الصلاة الجهريّة (٣) ، انتهى.

والمشهور أقرب ، لصحيحة البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام في القنوت : إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت ، قال أبو الحسن عليه‌السلام : وإذا كانت التقيّة فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا» (٤).

وصحيحة وهب عن الصادق عليه‌السلام قال : «القنوت في الجمعة والعشاء ـ أي المغرب ـ والعتمة والوتر والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (٥).

وروي الكليني رحمه‌الله بإسناده عن وهب بن عبد ربّه عنه عليه‌السلام قال : «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (٦).

والتقريب أنّ قوله عليه‌السلام : «رغبة عنه» ظاهر في عدم وجوبه ، إذ لو كان واجبا ، لكان صلاته بمجرّد ترك القنوت باطلة ، بل ويجب إعادتها ، كما قال به

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٢٢٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ١٧٣.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٩٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩١ الحديث ٣٤٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٠ الحديث ١٢٨١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٩ الحديث ٧٩٣١.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٠ الحديث ٣٣٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٣٩ الحديث ١٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٥ الحديث ٧٩١٥.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٣٩ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٣ الحديث ٧٩١١.

٧٩

الصدوق (١) ، إذ لا قائل بالوجوب مطلقا غيره ـ إن كان قائلا ـ وابن أبي عقيل أيضا (٢).

وموثّقة زرارة ـ كالصحيحة ـ عن الباقر عليه‌السلام قال : «القنوت في كلّ الصلوات» ، قال ابن مسلم : فذكرت ذلك للصادق عليه‌السلام فقال : «أمّا [ما] لا يشكّ فيه فما جهر فيه بالقراءة» (٣).

وموثّقة ابن مسلم ـ كالصحيح ـ عن الباقر عليه‌السلام : عن القنوت في الصلاة الخمس قال : «اقنت فيهنّ جميعا» ، فسأل الصادق عليه‌السلام بعد ذلك فقال : «أمّا ما جهرت فلا تشك» (٤).

والتقريب أنّهما صريحتان في نفي الوجوب في غير الجهرية ، ولعلّهما ظاهرتان في نفيه فيهما أيضا ، كما لا يخفى على المتأمّل ، ومع هذا يمنعان عن دلالة الأخبار السابقة على الوجوب.

ويظهر منهما أنّهم عليهم‌السلام ما أرادوا الوجوب فيهما ، بل أرادوا غيره ، فتأمّل جدّا!

ويؤيّده خلوّ صحيحة حمّاد المشهورة (٥) وما ماثلها من ذكره ، لما ذكرنا في مبحث جلسة الاستراحة ، مضافا إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لا يبعد الإجماع ، لعدم ظهور مخالف من الأصحاب ، كما عرفته.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٧ ذيل الحديث ٩٣٢.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٧٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٠ الحديث ٣٣٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٥ الحديث ٨٩١٧ و ٨٩١٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٣٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٩ الحديث ٣٣١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٢ الحديث ٧٩٠٧ مع اختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٦ الحديث ٩١٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الحديث ٧٠٧٧.

٨٠