مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

وورد منهم عليهم‌السلام : خذ بما خالف العامّة ودع ما وافقهم ، أو ما هو أوفق بهم (١).

وورد منهم عليهم‌السلام : خذ بما وافق السنّة ، وما هو طريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، وعرفت طريقتهم (٢).

وورد الأمر بمتابعتهم الصلاة كما صلّى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) وغير ذلك ، بل ورد الأمر بأخذ ما هو موافق للكتاب ، وترك ما لم يوافقه (٤).

وورد في الكتاب (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥) ولم يجب سلام في غير هذا الموضع ، فتأمّل. هذا ، وإن جعل دليلا برأسه ، إلّا أنّه ظاهر عدم تماميّته ، فلعلّه في مقام التراجيح يصير من المرجّحات في الجملة.

وعرفت أيضا العرض على سائر أحاديثهم ، وعرفت الحال في سائر أحاديثهم ، وظهر لك ظهورا تامّا أنّ «السلام علينا» أيضا تحليل لها ، وأنّه على ما هو العادة والمتعارف من ذكره في آخر التشهّد ، لم يكن ما قبله انصراف أصلا ، ولا خروج عن الصلاة مطلقا ، ويكون حينئذ «السلام علينا» هو الانصراف ، وأنّه لا يجب ذكره في التشهّد جزما.

نعم ، الأولى ذكره جزما ، فجرت العادة على الأولى. فعلى هذا لو لم يذكر فيه لزم ذكر «السلام عليكم». جزما تحصيلا لتحليلها ، فعلى هذا يكون «السلام علينا» مستحبّا يتأتّى منه الواجب ، فنظائره في الشرع كثير ، فثبت ما هو من كون كلّ من الصيغتين محلّلا ، وأنّ الوجوب بينهما تخييري ، وأنّه بأيّهما بدأ كان الآخر

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١١٩ الحديث ٣٣٣٦٧ نقل بالمضمون.

(٢) الكافي : ٨ / ٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٨٦ الحديث ٣٣٢٨١ نقل بالمضمون.

(٣) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٨ الحديث ٨ ، بحار الأنوار : ٨٢ / ٢٧٩.

(٤) لاحظ! الكافي : ١ / ٦٨ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

(٥) الأحزاب (٣٣) : ٥٦.

٢٠١

مستحبّا ، كما ظهر من الموثّق الطويل وغيره من الأخبار (١).

والأحوط الجمع بينهما وعدم ترك «السلام عليكم».

قوله : (وهل هو). إلى آخره.

مرّ ذكر النزاع في الوجوب والاستحباب ، والدخول والخروج ، والإشارة إلى أسامي المنازعين في الكلّ.

وظهر منه أنّ الشيخين ـ اللّذين هما الأصل والعمدة في القول باستحباب التسليم (٢) ـ كلامهما لا يخلو عن غرابة ، لظهوره في انحصار التحليل للصلاة في التسليم.

وهذا ينادي بأنّ كلّ ما يصدر من المنافيات قبل التسليم يكون حراما كصدوره في الصلاة ، وهذا كيف يجتمع مع استحبابه؟

وفي «الذخيرة» (٣) جمع بينهما بأنّ الخروج عن الصلاة بالكلّية منحصر في التسليم ، بخلاف الخروج من واجباتها ، فإنّه بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعني بناء على ما صرّح في «الاستبصار» : بأنّ آخر الصلاة هو الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، لكن كلامه رحمه‌الله في المواضع الاخر ظاهر [في] كون آخرها نفس الشهادتين (٥).

ومع ذلك كلامه في شرح كلام المفيد من عدم جواز ترك التسليم في ركعتي الوتر (٦) يأبى عمّا ذكر ، وقد ذكرنا الكلام في صدر المبحث (٧) ، بل ظاهر كلام المفيد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٣ الحديث ٨٢٦٥ ، ٤١٩ و ٤٢٦ الباب ٢ و ٤ من أبواب التسليم.

(٢) المقنعة : ١١٤ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٨٩.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٩١.

(٤) الاستبصار : ١ / ٣٤٦ ذيل الحديث ١٣٠٢.

(٥) الاستبصار : ١ / ٣٤١ باب وجوب التشهد وأقل ما يجزي منه.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٩ ذيل الحديث ٤٩٦.

(٧) راجع! الصفحة : ١٦١ و ١٦٢ من هذا الكتاب.

٢٠٢

أيضا من أنّ مع الترك تصيران موصلتان بالثالثة (١) ، كما هو رأي جماعة من العامّة (٢) ، إذ لو كان التشهّد أو الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخرجا عن الصلاة ، كيف تصيران موصلتان؟

والبناء على كون مرادهما وجوب التسليم في خصوص ركعتي الوتر تعبّدا من جهة الرواية في ذلك بخصوصه دون الفريضة فاسد ، إذ لم يرد في الوتر إلّا أنّها ركعتان مفصولتان عن الثالثة وما يؤدّي هذا المؤدّى.

وورد أيضا : «إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم» (٣) وهذا عين مذهبهما في الفريضة ، بأنّ الخروج عن نفس الركعتين يتحقّق بالتشهّد ، أو الصلاة عليهم فتكونان مفصولتان ، فلا تعارض ما دلّ على التخيير في التسليم ، بل كلّ من المتعارضين محقّق الآخر ومؤكّده ويشهد له ، بل يدلّ عليه.

وفي بعض الأخبار وإن ورد الأمر بالتسليم بعدهما (٤) ، إلّا أنّ ما دلّ على التخيير يكشف عن كون الأمر المذكور ليس على الوجوب بعين ما قالا في الفرائض ، مع أنّ الأمر الوارد في الفرائض خرج عن حدّ الإحصاء.

ومع ذلك محفوف بالقرائن الظاهرة في الوجوب ، بحيث لا يناسب حمل الأمر بالتسليم على كون المراد الخروج عن الصلاة ، وأنّه كناية عنه ، وفي المقام ليس كذلك.

مع أنّه ظاهر أنّ الشيخ في جمعه بين الأخبار هنا يحمل ما دلّ على

__________________

(١) المقنعة : ٩١.

(٢) بدائع الصنائع : ١ / ٢٧١ ، المجموع للنووي : ٤ / ٢٤ ، فتح العزيز : ٤ / ٢٢٥ و ٢٢٦ ، مغني المحتاج : ١ / ٢٢١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٩ الحديث ٤٩٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٨ الحديث ١٣١٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٦٦ الحديث ٤٥٢٦.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٦٢ الباب ١٥ من أبواب أعداد الفرائض.

٢٠٣

الوجوب ، على كون المراد خصوص «السلام علينا» ، وما دلّ على التخيير خصوص «السلام عليكم» ، والقول بأنّ عندنا أنّ من قال : «السلام علينا» خرج عن الصلاة ، فإن شاء قال بعد ذلك : السلام عليكم ، وإن شاء لم يقل (١) ، نظره إنّما هو إلى الأخبار الواردة في تحقّق الانصراف بالسلام علينا.

ومعلوم أنّها واردة في الفرائض ، بل القطع حاصل في عدم ورود خبر في ذلك في خصوص الوتر ، بحيث يجعله من خواصّه ، ولا فتوى من فقيه كذلك بالبديهة ، بل لم يرد في الوتر مطلقا.

ولم يعهد من أحد من الشيعة اختصاص ما ذكره بالوتر ، بل المعهود خلاف ذلك ، بل ظاهر من الشيخ أيضا ، أنّ مراده القاعدة في الصلاة من حيث هي هي ، لأنّه قال في التشهّد ، ولم يقل في تشهّد هذه الصلاة.

مضافا إلى ما عرفت أنّ الانصراف بالسلام إنّما هو ورد في الفرائض ، وأنّه لم يذكر بعد قولا بالفصل ، بين الوتر والفرائض وسائر السنن ، وبأنّ أجزاء الصلاة المستحبّة مأخوذة من الفريضة ، بل الفريضة أشدّ منها ، تسامح في المستحبّ ما لا يسامح في الفريضة.

وبالجملة ، لا خفاء في كون نظر الشيخ إلى ما ذكر ، مع أنّ ملاحظة كلامه عند ذكر ما دلّ عليه يوجب القطع بكونه قائلا بمضمونها ، وكون الخروج عن الفريضة لم يتحقّق قبل «السلام علينا» ، بل تحقّق بعده.

ولذا نسب في «المعتبر» إليه القول بوجوب «السلام علينا» ، وتعيينه للخروج عن الصلاة (٢).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٩ ذيل الحديث ٤٩٦.

(٢) المعتبر : ٢ / ٢٣٤.

٢٠٤

والحمل بما حمل في «الذخيرة» من أنّ الخروج عن الواجبات تحقّق قبله وإن أراد أن يأتي بالمستحبّات بعد ذلك (١) فالخروج عنها بالسلام علينا ، فيه ما فيه ، لأنّ «السلام عليكم» بعده البتّة ـ كما لا يخفى على من له أدنى ملاحظة ـ فيصير «السلام عليكم» مثل تسبيح الزهراء عليها‌السلام وغيره من التعقيبات بلا شبهة.

وقال في «الذخيرة» ـ بعد ما ذكر توجيهه ، وما ذكر من أنّ ظاهر كلام الشيخين انحصار المخرج عن الصلاة في التسليم ـ : قال في «الذكرى» : هو ظاهر كلام الباقين (٢) ، ويلزم من ذلك بقاؤه في الصلاة بدون التسليم ، وإن طال ما لم يخرج عن كونه مصلّيا ، أو يأت بمناف ، ولا استبعاد في ذلك ، ولا يلزم من ذلك تحريم ما يجب تركه ، ولا إيجاب ما يجب فعله في الصلاة ، بجواز اختصاص ذلك بما قبل الفراغ من الواجبات.

نعم ، يبقى من آثار البقاء على الصلاة المحافظة على الشروط ، وثواب المصلّي ، واستحباب الدعاء ، صرّح بذلك كلّه في «الذكرى» (٣) ، انتهى.

وفيه ما فيه ، لأنّ حمل ما دلّ على انحصار التحليل في التسليم في الأخبار وكلام الأخيار على ذلك في غاية الاستبعاد ، إذ لو حصل تحليل كلّ ما حرم فعله قبل التسليم ، فبالتسليم لا يحصل تحليل شي‌ء أصلا ، لبداهة استحالة تحصيل الحاصل ، وكون التسليم آخر مستحبّات الصلاة ، شرطه الطهارة والاستقبال وغيرهما ، ويزيد ثواب الصلاة وغير ذلك ، أيّ مناسبة له بالتحليل ، فضلا عن انحصار التحليل في آخر التسليم (٤)؟

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٩١.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٢٩.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٩١ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣١.

(٤) لم يرد في (د ١ ، د ٢) و (ك) : في آخر التسليم.

٢٠٥

مع أنّه أيّ فرق بينه وبين التكبيرات الستّ من التكبيرات السبع ، إذا جعل المصلّي خصوص السابعة تكبيرة الإحرام؟ إذ التحريم لم يتحقّق إلّا من السابعة ، وقبلها لا يكون تحريم أصلا.

ومع ذلك التكبيرات الستّ من مستحبّات الصلاة ليست بتكبيرة الإحرام ، ولم يعدّها أحد منها ، فضلا عن حصر الإحرام فيها.

هذا ، مع أنّه منع من مساواة جميع أجزاء الصلاة في جميع الأحكام ، فبأيّ جهة يحكم في الفرض المذكور بكون التسليم جزءا مستحبّا من الصلاة دون التعقيبات؟ كما هو الحال في المطالبة في ذلك بالنسبة إلى الإقامة والتكبيرات ، فتأمّل!

وبالجملة ، ما ذكر إنّما هو من مضعّفات القول بالاستحباب وموانعه بحيث يومي إلى أنّ القائل به غافل ، مضافا إلى ما عرفت سابقا.

وأمّا الموجبون فأكثرهم إلى أنّ التسليم الواجب هو خصوص «السلام عليكم» (١) ، بل في «الدروس» قال : وعليه الموجبون (٢).

وعن «البيان» : إنّ «السلام علينا» لم يوجبه أحد من القدماء ، وأنّ القائل بالوجوب يجعلها مستحبّة كالتسليم على الأنبياء والملائكة ، غير مخرجة من الصلاة والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة [من الصلاة] (٣).

وذهب المحقّق إلى التخيير بين الصيغتين ، وأنّ الواجب ما تقدّم منهما (٤) ، وتبعه العلّامة (٥).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١١٩ ، جامع المقاصد : ٢ / ٣٢٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٣٧.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٣.

(٣) البيان : ١٧٦ و ١٧٧.

(٤) المعتبر : ٢ / ٢٣٤.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ٥٠٤.

٢٠٦

وعن «البيان» و «الذكرى» : إنّ ذلك قول محدث في زمان المحقّق أو قبله بزمان يسير ونقل الإيماء إلى ذلك من شرح رسالة سلّار (١).

وفي موضع آخر : أنّه قوي متين ، إلّا أنّه لا قائل به من القدماء وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقّا (٢)؟

ومع ذلك قال به في «الألفيّة» و «اللمعة» (٣) وهي آخر تصنيفاته ، وفيما ذكره في «الذكرى» و «البيان» نظر ، إذ الظاهر من كلام الشيخ الإجماع على الخروج بالسلام علينا ، وأنّه لا يجب بعده «السلام عليكم» (٤).

وكلام «المنتهى» أيضا صريح في أنّه لا يعرف خلافا في عدم الوجوب بعد التسليم المحلّل الشامل للسلام علينا ، وجعل النزاع منحصرا في تعيين عبارة «السلام عليكم» ـ ونسب إلى السيّد وأبي الصلاح تعيينهما وجوبا ـ وأنّه لا يجب بعده «السلام عليكم» (٥).

وكلام السيّد صريح في كون وجوب التسليم من حيث كونه تحليل الصلاة (٦) ، والكليني والصدوق كلاهما ظاهر في ذلك ، وفي كون «السلام علينا» مخرجا وانصرافا عن الصلاة (٧) ، كغيرهما ممّن رووا ، لأنّهم رووا ذلك على وجه ظاهر في عملهم بها ، بل الظاهر اتّفاق الشيعة على ذلك ، ولذا تركوا ذكره في التشهّد الأوّل.

__________________

(١) البيان : ١٧٧ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٢٧.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٢ و ٤٣٣.

(٣) الألفيّة والنفليّة : ٦٢ ، اللمعة الدمشقيّة : ٣٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٩ ذيل الحديث ٤٩٦.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٢ و ٢٠٤ ، لاحظ! الناصريات : ٢١١ و ٢١٢ ، الكافي في الفقه : ١١٩.

(٦) الناصريات : ٢١١.

(٧) الكافي : ٣ / ٣٣٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢١٠ ذيل الحديث ٩٤٤.

٢٠٧

وبالجملة ، ما صرّح به الشيخ بقوله : عندنا (١) ، وما ظهر منه من عدم وجوب «السلام عليكم» بعد ذلك ، في غاية الظهور في كون التخيير مذهب القدماء القائلين بوجوب التسليم أيضا.

نعم ، الظاهر منهم أنّ التسليم الواجب بالأصالة ، والمحلّل للصلاة هو «السلام عليكم» ، كما يظهر من الأخبار أيضا (٢).

نعم ، لو ذكر «السلام علينا» مقدّما عليه ، كما هو المتعارف من التشهّد يحصل التحليل الواجب به البتة ، ويتأدّى به الواجب ، ونظائره في الشرع كثير.

نعم ، بعد تأديته يكون السلام عليكم مطلوبا أيضا ، سيّما في الإمام والمأموم ، إذ المطلوبيّة إجماعيّة ، بل من بديهيّات الدين لا نزاع فيه لأحد من المسلمين ، فظاهره من الأخبار المتواترة (٣) ، ومنها الموثّقة الطويلة (٤) ، لكنّه غير واجب بعد ما ذكر المصلّي «السلام علينا» ، للإجماع الذي نقلنا عن «المنتهى» والشيخ رحمه‌الله (٥).

والأخبار أيضا ظاهرة في عدم الوجوب حينئذ ، مثل قولهم : ثمّ ينصرف ، وقولهم : ثمّ يسجد بعد ما ينصرف ، وأمثاله في الأخبار كثيرة.

وجه الدلالة أنّ الإطلاق ينصرف إلى الغالب المتعارف ، والمتعارف بين المسلمين في الأعصار والأمصار أنّهم يقولون : «السلام عليكم» ، تبعا لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، وكما يظهر من الأخبار أيضا ، وعرفت الأخبار الكثيرة الدالّة على تحقّق الانصراف بالسلام علينا ، بل هو الانصراف (٦).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٠٤ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الباب ٢ من أبواب التسليم.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الباب ٢ من أبواب التسليم.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٣ الحديث ٨٢٦٥.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٠٧ من هذا الكتاب.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٦ الباب ٤ من أبواب التسليم.

٢٠٨

فإذا ورد عنهم عليهم‌السلام «ثمّ ينصرف» ، ينصرف هذا الانصراف إلى ذلك الانصراف ، وهو «السلام علينا» ، ولم يقولوا : يجب عليكم التسليم بعد ذلك ، وظاهره عدم الوجوب ، لاقتضاء المقام أنّه لو كان واجبا لكانوا يأمرون به البتّة ، ولا يسكتون عنه ، سيّما أن يقولوا : ثمّ يسجد بعد ما ينصرف.

والحاصل ، أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الواجب هو الانصراف لا غيره ، وأنّه إذا وقع مسمّى الانصراف لم يجب بعد ذلك شي‌ء ، بل صحيحة أبي بصير السابقة كالنصّ في ذلك (١) ، واعترف به المصنّف في قوله : نعم يستفاد من بعضها.

ربّما يظهر منه أنّ «السلام عليكم» حينئذ مطلوب في الجماعة لتسليم الإمام على المأموم ، وردّه عليه والظاهر استحبابه للمنفرد أيضا ، للموثّق الطويل (٢) وغيره ، وإن كان للإمام والمأموم أشدّ وأهمّ مطلوبا ، كما يظهر من تتبّع الأخبار ، ويحتمل الوجوب على الإمام والمأموم ، وسيجي‌ء التحقيق.

فلو كان مراد الفاضلين ومن تبعهما ذلك فهو كذلك ، إلّا أنّ في تقديم «السلام عليكم» على «السلام علينا» ، وكونه مطلوبا بعده تأمّل ، لعدم ظهوره من نصّ ، بل الظاهر من النصّ كونه من التشهّد وتتمّته ، فكيف يقال بعد التسليم المخرج؟

ثمّ اعلم! أنّ في «المنتهى» بعد اختيار إحدى العبارتين قال : لا يقال : حجّتكم فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما هو سلّم بعبارة «السلام عليكم» ، ولأنّ الإجماع واقع على أنّ الخروج منحصر فيها أو فعل المنافي ، وعبارة «السلام علينا» ليست أحدهما.

لأنّا نقول : إنّا احتججنا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجوب التسليم ، وجواز

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٣ الحديث ٣٤٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨٣٣٠.

(٢) مرّ آنفا.

٢٠٩

«السلام علينا» مستفاد من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وتحليلها التسليم» (١) ، وهو يصدق عليها (٢).

أقول : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام كانوا يذكرون «السلام علينا» أيضا ، كما هو الظاهر ، بل المعلوم ، مع أنّه لم يظهر أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتركها.

ثمّ قال : والإجماع ممنوع ، فإنّ النصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام تدلّ على فساد دعواه. وقد صرّح الشيخ ـ ثمّ ذكر عنه ما ذكرنا ـ من أنّه عندنا أنّ من قال : «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» في التشهّد انقطعت صلاته ، فإن قال بعد ذلك : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» جاز (٣).

أقول : لعلّ مراد مدّعي الإجماع أنّ الواجب هو «السلام عليكم» ، التخيير بينه وبين «السلام علينا» ، وأمّا أنّه يسقط وجوبه بتقديم «السلام علينا» فهو أمر آخر.

وهذا وإن كان خلاف ظاهر عبارته ، إلّا أنّه عرفت سابقا وجه توجيهها بما ذكرنا ، وأنّه لا يناسب فقيها من فقهاء الشيعة القول بعدم كون «السلام علينا» فعلا منافيا للصلاة ، حتّى يجوّز ذكره في التشهّد الأوّل ، وفي الثاني قبل الشهادتين والصلاة ، كما هو عادة العامّة.

مضافا إلى ما عرفت من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام ، والإجماع الذي نقله الشيخ ، وغير ذلك.

وبالجملة ، ما ذكرنا لعلّه هو الأظهر فتوى ، وإن كان الاحتياط الإتيان بالسلام عليكم أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٥ الحديث ٨٣١٠.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٢٩ ذيل الحديث ٤٩٦ ، منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٤.

٢١٠

وأمّا القائل بتعيين «السلام علينا» للخروج وأنّه واجب ، وهو الفاضل يحيى بن سعيد (١) ، ولعلّ نظره إلى الحصر الظاهر من الأخبار ، وكون التحليل واجبا كأخويه ، والجواب ظهر ممّا ذكرنا.

وقال في «الذكرى» : إنّه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر به قائله (٢).

وفي «الذخيرة» : أنّ في «المعتبر» نسب هذا القول إلى الشيخ (٣).

أقول : وجه النسبة إليه هو العبارة التي ذكرناها ، وذكر في «المنتهى» أيضا عنه ، لظهورها في وجوب «السلام علينا» ، وعدم وجوب «السلام عليكم» (٤).

لكن الظاهر أنّ نظره إلى مضمون الروايات ، فلعلّ مراده أيضا ما وجّهنا الروايات بها ، فنقول : التحليل عنده شرط للخروج عن الصلاة لما عرفت من أنّ معنى التحليل ليس إلّا رفع تحريم المنافيات ، والوجوب الشرطي لا يسمّونه بالواجب كالوضوء للنافلة ، وربّما يسمّونه به ، بناء على اعتقاد وجوب مقدّمة الواجب ، وثبوته عند من يسمّى به ، ولا عند منكره ، ولا عند المتوقّف.

وكيف كان ، حال المقام حال الوضوء للفريضة عنده ، فإنّه واجب للفريضة البتّة ، ولا يجب إلّا بعد دخول وقت الفريضة ، ومع ذلك يستحبّ التأهّب قبل الوقت البتّة ، ومن لم يتأهّب لم يوقر الصلاة ، كما ورد واتّفق الفقهاء عليه ، فإذا كان المصلّي تأهّب سقط عنه وجوب الوضوء للفريضة ، لكن يستحبّ للمغرب والفجر ، بل مطلقا بعنوان التجديد على حسب ما مرّ في مبحث الوضوء.

فالتحليل عند الشيخ وغيره مثل مفتاحها الطهور ، وهو اشتراط الوضوء

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٩١ ، لاحظ! المعتبر : ٢ / ٢٣٤.

(٤) منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٤.

٢١١

للفريضة ، ووجوبه بعد وقت وجوبها ، و «السلام علينا» عندهم مثل الوضوء للتأهّب ، وللنافلة قبل دخول وقت الوجوب ، وحصول الانصراف به مثل حصول الطهور للفريضة ، إذا كان صلاته الفريضة وقعت بالوضوء المستحبّ ، واستحباب «السلام عليكم» بعد «السلام علينا» ، مثل الوضوء التجديدي للفريضة في الصور التي يصحّ فيها ، التجديد لها.

وجميع ما ذكر كما ثبت في الوضوء بالنسبة إلى الدخول في الفريضة بالنحو الذي ذكر ، كذلك ثبت جميع ما ذكر بالنسبة إلى تحليل الصلاة ، و «السلام علينا» و «السلام عليكم».

وفي «المعتبر» ادّعى إجماع علماء الإسلام على الخروج عن الصلاة بعبارة «السلام عليكم» (١) ، وكذلك ادّعى في «التذكرة» و «الذكرى» (٢).

ويدلّ عليه أيضا ـ مضافا إلى الإجماعات المنقولة عن الفضلاء الثلاثة ـ ما نقل هؤلاء الأعاظم عن جامع البزنطي ، عن ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة ، قال : يقول : «السلام عليكم» (٣).

ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «ثمّ تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة فتقول : السلام عليكم ، وكذا إذا كنت وحدك» (٤).

وحسنة أبي بكر الحضرمي قال : قلت له : إنّي اصلّي بقوم ، فقال : «سلّم واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٤٥ المسألة ٣٠١ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٣.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٣٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨٣٣٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٣ الحديث ٣٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٧ الحديث ١٣٠٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨٣٣٠ مع اختلاف يسير.

٢١٢

عليكم» (١).

ويدلّ عليه أيضا ما مرّ في صحيحة ابن اذينة المرويّة في تعليمه تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السماء كيفيّة الصلاة (٢).

وما في رواية المفضّل التي مرّت أيضا ، إذ فيها : سأل عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، قال : «لأنّه تحليل الصلاة».

قلت : فلأيّ شي‌ء يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار؟

قال : «لأنّ الملك الموكّل الذي يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيّئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات ...».

قلت : فلم لا يقال : السلام عليك ..؟ قال : «ليكون سلام عليه وعلى من في اليسار وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه».

قلت : فلم لا يكون الإيماء بالوجه كلّه ولكن بالأنف لمن يصلّي وحده وبالعين لمن يصلّي بقوم؟ قال : «لأنّ مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين صاحب اليمين على الشدق الأيمن وتسليم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته».

قلت : فلم يسلّم المأموم ثلاثا؟

قال : «تكون واحدة ردّا على الإمام وملائكته والثانية على يمينه والملكين الموكّلين به والثالثة على من في يساره والملائكة الموكّلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلّم على يساره إلّا أن تكون يمينه إلى حائط ويساره إلى مصلّ معه خلف الإمام فيسلّم على يساره».

قلت : فتسليم الإمام على من يقع؟

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٨ الحديث ١٦٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨٣٣١.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٥ الحديث ٧٠٨٦.

٢١٣

قال : «على ملائكته والمأمومين ، يقول للملائكة : اكتبا سلامة صلاتي ممّا يفسدها ، ويقول لمن خلفه : سلّمتم وآمنتم من عذاب الله».

قلت : فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال : «لأنّه» (١). إلى آخر ما ذكرناه سابقا.

وبالجملة ، الأخبار في ذلك كثيرة ، بل عرفت أنّ ما دلّ على وجوب التسليم ينصرف إليه ، بل قوله عليه‌السلام : «وتحليلها التسليم» (٢) يشمل ذلك ، بل هو أظهر فرديه بلا تأمّل.

ثمّ اعلم! أنّ المحقّق الشيخ مقداد ذهب في «كنز العرفان» إلى وجوب «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (٣) ، من جهة قوله تعالى (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٤) والدلالة محلّ تأمّل.

وفي «المنتهى» قال : ولا نعرف خلافا من القائل لوجوب التسليم (٥) ، ويدلّ عليه رواية أبي كهمس (٦) ، وصحيحة الحلبي (٧) وقد تقدّمتا (٨).

وعلى تقدير وجوب «السلام عليكم» ، فالقدر الواجب منه هو هذا المذكور؟ أم يجب و «رحمة الله» أيضا ، أم يجب و «بركاته» أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٧ الحديث ٨٣٢٠ ، ٤٢٢ الحديث ٨٣٣٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٥ الحديث ٨٣١٠.

(٣) كنز العرفان : ١ / ١٤١.

(٤) الأحزاب (٣٣) : ٥٦.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٦ الحديث ٨٣٤٧.

(٧) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٦ الحديث ٨٣٤٦.

(٨) راجع! الصفحة : ١٦٩ من هذا الكتاب.

٢١٤

نسب الأوّل إلى الصدوق (١) ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد (٢) ، والثاني إلى أبي الصلاح (٣) ، والثالث إلى ابن زهرة (٤) ، وإن قال في «المنتهى» : ولو قال : «السلام عليكم ورحمة الله» جائز ، و [إن] لم يقل : و «بركاته» بلا خلاف (٥) ، ويخرج به من الصلاة.

مستند الأوّل : بعض الأخبار ، مثل رواية البزنطي ، ورواية المفضّل (٦) ، مع الأصل.

ومستند الثاني : لعلّه صحيحة علي بن جعفر عليه‌السلام قال : رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّد بني جعفر عليه‌السلام يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال «السلام عليكم ورحمة الله» (٧).

ومستند الثالث : بعض الأخبار مثل صحيحة ابن اذينة (٨) ، وما رواه العامّة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرها في «المنتهى» (٩).

وفي «الدروس» قال : ثمّ يجب التسليم ، وصورته : «السلام عليكم» ، وعليه الموجبون ، وبعضهم أضاف و «رحمة الله وبركاته» ، وهو أولى لرواية ابن اذينة (١٠).

__________________

(١) نسب إليه في منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٥ ، لاحظ! المقنع : ٩٦.

(٢) نسب إليهما في منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٥.

(٣) نسب إليه في منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٥ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١١٩.

(٤) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ٢٩١ ، لاحظ! غنية النزوع : ٨١.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨٣٣٣ ، ٤٢٢ الحديث ٨٣٣٧.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٧ الحديث ١٢٩٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الحديث ٨٣٢٤.

(٨) علل الشرائع : ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٥ الحديث ٧٠٨٦.

(٩) منتهى المطلب : ٥ / ٢٠٣.

(١٠) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٣.

٢١٥

واعلم! أنّه أيضا يجب الاقتصار على الصورة المرويّة في «السلام علينا» ، والصورة المرويّة في «السلام عليكم» من دون تغيير وتبديل أصلا ، لتوقيفيّة العبادة.

وقال في «المعتبر» : ولو قال : «سلام عليكم» ، ناويا به الخروج ، فالأشبه أنّه يجزئ ، لأنّه يقع عليه اسم التسليم ، ولأنّها كلمة وردت في القرآن صورتها (١).

وفيه ما فيه ، ومرّ التحقيق في أمثاله في مبحث هيئة تكبيرة الإحرام.

وهل يجب نيّة الخروج في التسليم المخرج؟ الأظهر العدم ، لظواهر الأخبار (٢) ، بل بعضها في غاية الظهور.

واستدلّ لوجوبها بأنّ السلام من حيث كونه من كلام الآدميين ينافي ، ولذا تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عمدا ، فإذا لم يقترن به نيّة تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها (٣) وبأنّ الحاج والمعتمر يجب نيّة التحليل فيهما لجميع المحلّلات (٤).

وفيهما ما فيهما ، لكن الظاهر وجوب قصد الامتثال والتعيين ، كما هو الحال في سائر أجزاء الصلاة ، ومرّ وجهها.

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٣٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٦ الباب ٤ من أبواب التسليم.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٨.

(٤) لاحظ! جامع المقاصد : ٢ / ٣٢٨.

٢١٦

١٧٤ ـ مفتاح

[ما يستحبّ في التسليم]

يستحبّ فيه ما تضمّنه الصحيح : «إن كنت تؤمّ قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن كنت مع إمام فتسليمتين ، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (١).

وفي المشهور ، أنّ الإمام يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه ، وكذا المأموم إلى يمينه ويساره ، والمنفرد بمؤخّر عينيه إلى يمينه مع الاستقبال.

وفي الصحيح وغيره : «وأنّ المأموم إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بتسليمه عن يمينه» (٢).

واكتفى الصدوقان في التسليمتين بالحائط عن يساره (٣) ، ولم نجد له مستندا.

وينبغي أن يقصد به الأنبياء والأئمّة والحفظة عليهم‌السلام ، والإمام يقصد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الحديث ٨٣٢٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٠ الحديث ٨٣٢٦ و ٨٣٢٨ ، ٤٢١ الحديث ٨٣٣٠.

(٣) نقل عن والد الصدوق في المقنع : ٩٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢١٠ ذيل الحديث ٩٤٤.

٢١٧

المأمومين ، والمأموم الردّ على الإمام ومن على جانبيه كذا قالوه (١). وقيل : بوجوب هذا الردّ ، لعموم آية التحيّة (٢) ، والصدوق جعل الردّ غير التسليمتين مقدّما عليهما (٣) ، لأنّه حقّ آدمي مضيّق ، والظاهر تأدية الوظيفتين بالواحدة.

وينبغي للإمام أيضا أن يترحّم من الله للمأمومين بالسلامة والأمن من عذاب يوم القيامة ، كما في الخبر (٤).

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٥ ، الروضة البهيّة : ١ / ٢٨٠ ، كشف اللثام : ٤ / ١٤٢ و ١٤٣.

(٢) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٥.

(٣) المقنع : ٩٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٢ الحديث ٨٣٣٧.

٢١٨

قوله : (يستحبّ). إلى آخره.

الصحيح هو صحيح عبد الحميد بن عواض ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن كنت تؤم قوما» (١). إلى آخر ما ذكره المصنّف.

قوله : (وفي المشهور). إلى آخره.

مستندهم في الإمام والمأموم صحيحة عبد الحميد السابقة الآن.

ورواية أبي بصير السابقة في مبحث كون «السلام علينا» تحليلا للصلاة (٢) ، وذلك لأنّ مقتضى الرواية كون التسليم مستقبل القبلة ، وهو الظاهر من أخبار اخر (٣) أيضا على خلاف العامّة.

ومرّ في رواية المفضّل الإيماء إليه ، وعدم الإيماء بالوجه كلّه (٤) ، إلّا أنّ المستفاد منها عكس المشهور ، وفي «الفقيه» أفتى بمضمون رواية المفضّل (٥).

وفي «المنتهى» استند في فتوى المشهور إلى نهاية الشيخ (٦).

وفي صحيحة منصور بن حازم قال : قال الصادق عليه‌السلام : «الإمام يسلّم واحدة ومن وراءه يسلّم اثنتين ، فإن لم يكن عن شماله أحد سلّم واحدة» (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٢ الحديث ٣٤٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٦ الحديث ١٣٠٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الحديث ٨٣٢٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢١ الحديث ٨٣٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الباب ٢ من أبواب التسليم.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٢ الحديث ٨٣٣٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢١٠ ذيل الحديث ٩٤٤.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٢ و ٧٣ ، منتهى المطلب : ٥ / ٢١٠.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٣ الحديث ٣٤٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٦ الحديث ١٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٠ الحديث ٨٣٢٦.

٢١٩

والجمع بين استقبال القبلة وكون التسليم عن يمين وعن شمال ، إنّما يتحقّق بالإيماء بصفحة الوجه أو مؤخّر العينين ، ولعلّ اختيار الصفحة فيهما من جهة ما ظهر من الأخبار ، من كون كلّ منهما يسلّم على الآخر ، فلا بدّ أن يصير الإيماء بالصفحة حتّى يظهر على الآخر في الجملة أنّه يسلّم عليه ، أو يردّ عليه.

وأمّا المنفرد فيكفيه مؤخّر العين ، لما مرّ في رواية المفضّل (١) ، فتأمّل!

والجمع بين الاستقبال ، وكونه عن يمين وشمال ، بجعل أوّل التسليم إلى القبلة وآخره إلى اليمين أو الشمال فاسد ، كما لا يخفى.

وعن ابن الجنيد أنّ الإمام إن كان في صفّ سلّم عن جانبيه (٢) ، وهو خلاف ما يظهر من الإطلاقات ، إلّا أن يحمل على الشائع.

وفي صحيحة أبي بصير قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك ، لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك ، فإذا كنت إماما فسلّم تسليمة واحدة وأنت مستقبل القبلة» (٣).

لا يقال : المستفاد من رواية أبي بصير السابقة ، وغيرها من الروايات أنّ «السلام عليكم» إذا كان بعد «السلام علينا» إنّما هو للإيذان والإذن ، وسلام الانصراف وجوابه وردّه ، فلا مانع من بقاء الأمر فيه على الوجوب ، وإن وقع الخروج عن الصلاة بالسلام علينا ، كما اختاره المصنّف (٤).

لأنّا نقول : عرفت عدم الوجوب بعد «السلام علينا».

فإن قلت : لعلّ عدم الوجوب إنّما يتمّ بالنسبة إلى المنفرد ، لصحيحة أبي

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٣٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣٨ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٩ الحديث ٨٣٢٣ مع اختلاف يسير.

(٤) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٥٢.

٢٢٠