مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

فإنّ هذه الصلاة عند هؤلاء صحيحة ، مع كون كلّ واحد من أفعالها حراما على حدة ومعصية ، وموجبا لدخول النار ، وفجورا من الفجّار.

فكيف يعدّ نفسه لهذا الفجور من جملة الأبرار ، ويقصد بهذا الركوع مثلا التقرّب إلى الله تعالى مع كونه مبعّدا عنه ، ويطمع من جهته النجاة من النار مع كونه موجبا لدخولها عنده البتّة ، ويطمع منه الثواب مع كونه موجبا للعقاب بلا شبهة ، سيّما إذا كان كلّ واحد واحد من أفعال صلاته جماعة كذلك ، ويرى أنّه كلّ واحد منها هالك ، مجمع جماعة من المهالك؟!

وأين هذا ممّن قصده في الجماعة ليس إلّا الثواب ورضاء ربّ الأرباب ، من دون إيجاب أصلا ولا إلزام مطلقا ، بل بالرخصة في الترك بالبديهة ، فلا يريد سوى الثواب والفضيلة؟!

وهذه قرينة ظاهرة واضحة كمال الوضوح والظهور في أنّ التقدّم المذكور لم يكن عصيانا وعمدا وعنادا وقصدا ، وطلبا لدخول النار ، والحشر في زمرة الفسّاق والفجّار.

بل لم يصدر إلّا خطأ وسهوا ، والبناء على وقوعه جهلا بعدم الجواز لا يلائمه الجواب المذكور في الأخبار بلا شبهة ، كما ستعرف.

ومع ذلك خروج عن مفروض المسألة والمسلّم عند صاحب «المدارك» أيضا ، مع أنّ الجاهل بالحكم عند الفقهاء غير معذور ، وحكمه حكم العالم العامد ، إلّا في مواضع مخصوصة معروفة.

وحقّق ذلك أيضا في محلّه ، مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ العالم باستحباب الجماعة ، ومأخوذيّة الإمام والمأموميّة ، والاقتداء والائتمام وما ماثله ، كيف يجوّز التقدّم المذكور؟ مضافا إلى ما يرى في الأعصار والأمصار من وقوع الجماعة بالهيئة المعروفة ، من تقدّم الإمام في الأفعال البتّة وتأخّر المأموم بلا شبهة ، بل عدم

٣٤١

المساوقة أيضا ، فضلا عن السابقيّة.

وممّا ينادي بعدم الوقوع عمدا ملاحظة سؤال السائلين في الأخبار المذكورة من أنّه ما ذا يفعل؟ وكيف يجبر تقديمه؟ إذ يشهد ذلك على أنّه كان يعرف وجوب المتابعة.

ولذا قيّد الإمام بكونه ممّن يقتدى به ، لا من لا يقتدى به ، وأنّه يريد معرفة أنّ صلاته كذلك صحيحة أم لا ، لها تدارك أم لا ، ومن يعاند ويبني أمره على العصيان لا يبالي بما يصنع ، ولا يصغي إلى كلام غيره ، إلّا أن يكون تائبا نادما ، ويريد معرفة حال صلاته بعد توبته ، وأنّه هل عليه القضاء أم لا؟ وحينئذ لا يناسبه الجواب المذكور في الأخبار المذكورة بلا شبهة.

إلّا أن يبنى على أنّ مراد السائل معرفة حكم من عصى في صلاته عمدا وعنادا ، بتقديمه على إمامه فندم من ساعته فورا كيف يصنع ويريد معرفة حكم هذه الحالة لنفسه أو غيره ، بأن يقول لهم : إن بنيتم أمركم على العصيان المذكور ، ثمّ ندمتم وتبتم فورا فهذا علاجكم ، ولا يخفى ما فيه من التكلّف والتعسّف.

وأشدّ فسادا ممّا ذكر حمل الروايات على كون المراد من صدر منه التقدّم جهلا بعدم جوازه ؛ إذ مضافا على ما عرفته نقول : لو كان عالما بمضمون الروايات فكيف يكون جاهلا ، ومع ذلك محتاجا إلى معرفة حكم جهله ، وإن لم يكن عالما فأيّ نفع في هذه الأخبار؟ لأنّ المذكور فيها في الجواب أنّه يرجع بساعته ، ويركع مع الإمام ، ويرفع رأسه بتبعه ، فإنّه دواؤه في حال الصلاة ، وعقيب ما صدر منه الغلط فورا.

وممّا ذكرنا ظهر فساد استدلال الأكثر بموثّقة غياث المذكورة (١) بحملها على

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٨٤ الحديث ١٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٧ الحديث ١٦٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٨ الحديث ١٦٨٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٧.

٣٤٢

كون المراد خصوص صورة العمد ، جمعا بينها وبين الصحاح والمعتبرة ، بحمل تلك على خصوص صورة النسيان والخطأ ؛ إذ فيه ـ مضافا إلى ما عرفت سابقا ممّا أوردنا على الموثّقة سندا ومتنا ودلالة ، وعدم مقاومتها للصحاح والمعتبرة الكثيرة من وجوه كثيرة غير عديدة ، فضلا أن تغلب عليها ـ أنّ من رفع رأسه قبل الإمام ، لو كان عالما بتحريمه ، وعامدا ذلك مريدا دخول النار ، وكونه من الفجّار ، كيف اختار المستحبّ ، وأتعب نفسه في إيجاده وتحصيله ، ومع ذلك يفعل ذكر من العصيان والطغيان ، ومع ذلك يريد معرفة علاج هذا العصيان حال الصلاة متّصلا بنفس عصيانه ، ويسأل عنه بأنّه يعود من فوره مع الإمام أم لا ، وأنّ ذلك تدارك طغيانه أم لا ، من غير أن يسأل أنّ صلاته المذكورة صحيحة أم لا ، حيث سأل أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟!

وأعجب من هذا أن يقول عليه‌السلام في جوابه : «لا» ، من غير أن يستفصل أنّ ما صدر كان خطأ أو سهوا أو عمدا ، ومن دون تعيين من السائل شرع في الجواب ، فأجابه بخصوص حكم حال العمد فقط ، من دون إنكار عليه أصلا في العصيان المذكور.

وكذا لم يستفصل عليه‌السلام أنّ ما صدر منك حين العصيان والعتوّ هل كان فيه قصد القربة إلى الله تعالى منك في فعله مع كون مرادك العصيان له تعالى ومخالفة أمره والإتيان بفعل الفجّار الذي يدخلك النار ، ويبعدك عن الله الجبّار القهّار ، وكنت محصّلا في ذلك سخطه وغضبه ، إلى أن يجعل الله تعالى رأسك رأس حمار ، كما مرّ نقله عن الرسول المختار (١) ، وتلقّاه بالقبول الفقهاء الأخيار ، فهل قصدت الامتثال والإطاعة في عصيانك المذكور؟ وهل نويت القرب إليه تعالى بما يبعدك عنه من

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٢٧ من هذا الكتاب.

٣٤٣

المعصية والفجور؟!

إذا عرفت استحالة الجمع بينهما ، وكون ذلك مذهب الشيعة قاطبة حتّى المستدلّين ، بل هم الرؤساء في ذلك ، والمؤسّسون لذلك ، والمبالغون فيه ، وفي الإنكار على منكريه.

وبعد تسليم عدم الاستحالة وكون الحقّ مع الأشاعرة ـ العياذ بالله من تجويز ذلك ـ نقول : الغالب من العصاة والبغاة والطغاة أنّهم لا ينوون سوى العصيان ، ولا يريدون بعصيانهم طاعة الرحمن ، ولا يكون الداعي إلى هذا العصيان إطاعتهم للرحمن ، وعصيانهم له جميعا ومعا ، كما صحّحه الأشاعرة.

وعلى فرض أن لا يكون الغالب بالأشياء فيهم ذلك يتأتّى منهم ذلك بلا شبهة ، ويجوز بلا ريبة.

فكيف لم يستفصل المعصوم عليه‌السلام في مقام الجواب ، ويحكم بصحّة ركوعهم الذي وقع منهم عصيانا جزما من دون أن يسأل منه أنّه هل ضممت بقصد عصيانك ذلك قصد إطاعتك أيضا ، وهل كان الداعي على الصدور مجموع القصدين ، أو كلّ واحد منهما جميعا ومعا؟

مع أنّ الذي بنى أمره على العصيان ، وعدم إطاعة المعصوم عليه‌السلام كيف يسأل المعصوم عليه‌السلام عن صحّة عصيانه حتّى يطيعه حين عصيانه؟!

وكيف يصحّح المعصوم عليه‌السلام فعله مطلقا ، من دون إنكار عليه أصلا ولا إظهار بأنّك إذ كنت تعصيني ولا تطيعني فلم تجي‌ء تسألني عن صحّة عصيانك ، فكيف تطيعني في هذا ولا تطيعني في ذاك؟

والبناء على أنّ المراد إذا عصيتك وندمت فورا وتبت حينئذ هل أعود إلى الركوع وأرفع رأسي مع الإمام أم لا؟ لا يخفى شدّة مخالفته للظاهر.

٣٤٤

على أنّك عرفت أنّ الجمع بين الموثّقة والصحاح غير منحصر فيما ذكروه (١) ، سيّما مع ما فيه من المفاسد الظاهرة.

بل الأولى الجمع بما ذكرنا (٢) ، لو لم نقل بتعيّنه ، أو أنّ المراد صورة العدول ، وأنّه مبني على العدول ، كما يستفاد من كلام بعض الفقهاء ، أو يشير إليه كلامه (٣).

مع أنّ الجمع الذي ارتكبوه ـ مع قطع النظر عن مفاسده الكثيرة الواضحة ـ لا شاهد له أصلا ، وبمجرّد الاحتمال كيف يمكن الاستدلال؟ سيّما في مقام إثبات الحكم الشرعي ، وتحصيل البراءة اليقينيّة عند اشتغال الذمّة اليقيني.

وبالتأمّل فيما ذكرنا ظهر كمال الظهور أنّ المفيد بري‌ء (٤) ممّا نسب إليه في «المدارك» أنّه في صورة السهو والخطأ موافق للجلّ ـ لو لم نقل الكلّ ـ وفي صورة العمد موافق الصدوق و «المبسوط» (٥) ، والظاهر أنّ غيره من القدماء أيضا كذلك.

فظهر أنّ الغفلة العظيمة صدرت عن الشيخ في كتابه «النهاية» (٦) ، ولذا تفطّن بها في كتبه الاخر ، منها «المبسوط» (٧) ، ومنها «الاستبصار» ؛ فإنّه قال : باب من رفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، ثمّ استدلّ برواية محمّد بن سهل عن أبيه التي ذكرناها ، ثمّ نقل الموثّقة بعنوان فأمّا ما رواه ، وقال : فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ؛ أحدهما : أن يكون مصلّيا خلف من لا يقتدي به ، فإنّه لا يجوز أن يعود ، لأنّه يصير زيادة في الركوع ، والثاني : أن يكون فعل ذلك عامدا ، فإنّه أيضا لا يجوز

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٣٢ ـ ٣٣٤ من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٣٤ ـ ٣٣٧ من هذا الكتاب.

(٣) الاستبصار : ١ / ٤٣٨ ذيل الحديث ١٦٨٩.

(٤) في (ك) و (د ١) : مبرّأ.

(٥) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٧ و ٣٢٨ ، نقل عن الصدوق في ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٧٥ ، المبسوط : ١ / ١٥٧.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ١١٥.

(٧) المبسوط : ١ / ١٥٩.

٣٤٥

أن يعود ، وإنّما ينبغي أن يعود إذا رفع رأسه ساهيا ليكون رفع رأسه مع رفع الإمام (١) ، انتهى.

وهذا ينادي بأنّ ما ذكر ثانيا احتمال للجمع أخّره عن الأوّل ، فظهر أنّ الأوّل عنده أقدم ومع ذلك لم يظهر منه أنّ صلاته حينئذ صحيحة في حال الاقتداء بالإمام بعد ذلك.

بل قوله : وإنّما ينبغي ، ربّما كان فيه إيماء إلى أنّ في صورة العمد لا يريد منها الاقتداء بالإمام ، وهذا يصحّ عندهم جزما ؛ لأنّهم يجوّزون العدول مطلقا على ما ستعرف. وفي «التهذيب» أيضا قريب ممّا قال في «الاستبصار» (٢) ، فتأمّل!

وبالجملة ؛ لو كان رأيه رأي المشهور في العمد ، لكان المعيّن عنده الاحتجاج بالموثّقة ؛ لأنّها حجّتهم ليس إلّا ـ كما عرفت ـ وهو ظاهر أيضا ، لا أن يأتي بالموثّقة معارضة لما جعله حجّة ويقول : فأمّا ما رواه ، ثمّ يؤوّل هذه الموثّقة خاصّة بتأويلين على سبيل الاحتمال ويقدّم الاحتمال الأوّل على الثاني.

وأين الاحتمال من الاستدلال ، سيّما الاحتمال المذكور مع ما عرفت ما فيه؟!

ومعلوم أنّ رأيه فيه ليس وجوب العود على العامد أيضا ؛ لتصريحه بقوله : وإنّما ينبغي. إلى آخره.

ومن العجائب أنّ العلّامة ادّعى في «المنتهى» الإجماع على وجوب المتابعة وأتى بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام» (٣). إلى آخر الحديث شاهدا عليه. وفرّع على ذلك : أنّه لو رفع رأسه قبل الإمام [ناسيا] إمّا من الركوع أو السجود عاد ثمّ رفع مع الإمام ، وعلّل ذلك بأنّ النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة ، ولأنّه تابع

__________________

(١) الاستبصار : ١ / ٤٣٨ ذيل الحديث ١٦٨٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٧ ذيل الحديث ١٦٤.

(٣) سنن الترمذي : ٢ / ١٩٤ الحديث ٣٦١.

٣٤٦

لغيره ، فلا يحصل التعدّد في الأركان ، ويؤيّده ما رواه. ثمّ أتى برواية محمّد بن سهل (١) ورواية ربعي والفضيل (٢) السابقتين ، لكن قال في موضع ربعي : محمّد بن سنان ، وقال : ولو رفع متعمّدا استمرّ على حالته إلى أن يلحقه الإمام ثمّ يتابعه ؛ لأنّه لو عاد [إلى الحالة الاولى] يكون قد زاد ما ليس من الصلاة [وذلك مبطل] ؛ إذ لا عذر يسقط معه اعتبار الزيادة ، ثمّ ذكر الموثّقة (٣) (٤).

ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّ النسيان يسقط مع (٥) اعتبار الزيادة في غير الركن لا في الركن أيضا بالبديهة ، وإن أراد في خصوص المقام فهو مصادرة محضة.

ثمّ قوله : ولأنّه تابع لغيره. إلى آخره ، هو أيضا مصادرة اخرى ؛ لأنّه ليس بيّنا ولا مبيّنا ولا مسلّما ، مع أنّ الأخير لا يغني ، ما لم يكن إجماعا فيرجع إلى الثاني ، أو الضرورة فيرجع إلى الأوّل.

والبديهي لا يحتاج إلى الاستدلال البتّة ، والإجماع لا بدّ من ذكره ، مع أنّه (٦) سنذكر عنه ما يخالف ذلك صريحا ، فانتظر.

ومع ذلك نقول : لو تمّ ما ذكرت لزم وجوب العود والصحّة في صورة العمد أيضا ؛ لأنّه تابع ولم يرفع اليد عن التبعيّة. وعلى تقدير رفع اليد عنها يصير بعينه هو العدول عن الجماعة ، فحينئذ يكون ما ذكره في العمد صحيحا لا غبار عليه ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٨ الحديث ١١٧٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٧ الحديث ١٦٣ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٨ الحديث ١٦٨٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الباب ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٨ الحديث ١٦٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الحديث ١٠٩٨٢.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٨٤ الحديث ١٤ ، تهذيب الأحكام ؛ ٣ / ٤٧ الحديث ١٦٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٨ الحديث ١٦٨٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٧.

(٤) منتهى المطلب : ٦ / ٢٦٦ و ٢٦٧ مع اختلاف يسير.

(٥) كذا ، والصحيح : معه.

(٦) في (ز ٣) : ما.

٣٤٧

لادّعائه الإجماع على جواز العدول مطلقا ، كما ستعرف.

لكن قوله : إلى أن يلحقه الإمام ثمّ يتابعه ، ربّما يأبى عن العدول ، إلّا أن يكون مراده أنّه يعدل في استمراره ثمّ يرجع إلى الاقتداء والمتابعة بعد ذلك ، وأنّه يجوز هذا أيضا ، فحينئذ لا غبار على ما ذكره بعد ثبوت ما جوّزه ، وسيجي‌ء في مبحث العدول.

لكن قال بعد ذلك : لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به استمرّ على حاله ، سواء رفع رأسه قبله عمدا أو سهوا ، وعلّل ذلك بأنّ رفعه وقع في موقعه (١) ، فظهر منه أنّ الإمام لو كان ممّن يقتدى به لم يكن رفعه قبله واقعا في موقعه ، فلذا لا اعتبار له ، فيلزم منه أنّه في صورة العمد أيضا كذلك.

ومع ذلك هذا تعليل مغاير للتعليلين في صورة النسيان ، وهذا سهل ، لكن قال بعد ذلك : لو ركع قبل إمامه ناسيا فالوجه الاستمرار وكذا لو كان عمدا ، واستدلّ عليه بأنّه فعل ركوعا في محلّه ، فلو عاد زاد.

ثمّ قال : لا يقال : ينتقض بالرفع ؛ لأنّا نقول : هذا هو الأصل ، إلّا أنّا صرنا إلى ذلك للنص (٢) ، انتهى.

وفيه ؛ أنّه مع وجوب المتابعة الذي فرعت عليه حكم صورة الرفع من وجوب الإعادة ، والتعليل بالعلّتين ، ثمّ علّلت عدم وجوب الإعادة ، بل عدم جوازها في صورة كون الصلاة خلف من لا يقتدى به بأنّ الرفع وقع في موقعه ، كيف يحكم الآن بأنّ الركوع وقع في محلّه وجعله الأصل؟! يعني أنّ الرفع أيضا وقع في محلّه عمدا كان أو سهوا.

__________________

(١) منتهى المطلب : ٦ / ٢٦٧ و ٢٦٨.

(٢) منتهى المطلب : ٦ / ٢٦٩ مع اختلاف يسير.

٣٤٨

وقوله : إلّا أنّا صرنا إلى ذلك هناك للنصّ (١) ، كلّ ذلك مضادّ لما ذكره أوّلا ، مع أنّه جعل النصّ مؤيّدا لا دليلا ، فوجوب المتابعة كيف صار نسيا منسيّا؟

ومع ملاحظته كيف يحكم بالوقوع في محلّه من دون دليل على ذلك؟ بل ادّعى أنّ ذلك هو الأصل ؛ فإنّ المتابعة إذا كانت واجبة بالإجماع اليقيني ، تكون المخالفة حراما يقينا.

فالركوع قبل الإمام عمدا لا شبهة في كونه حراما ، وأنّه لم يقع في محلّه بالبديهة على ما نبّهناك عليه ، فكيف الوقوع في محلّه من دون تأمّل ولا تزلزل ، ولا إشارة إلى دليل أو علّة ، إلى أن ادّعى كون ذلك أصلا معلوما في مطلق أفعال الصلاة الواقعة في مقام المخالفة الحرام ؛ إذ مع ذلك كيف يكون هذا بديهيّا؟!

والنظريّ في مقام دفع اعتراض المعترض وبعد التصريح بوجوب المتابعة والتفريع عليه ، لا بدّ من إثباته بالبديهة ، لا أنّه يكتفي بمجرّد الدعوى المناقض بعضها بعضا ، بل ولم يشر إلى شي‌ء أصلا ، خصوصا بعد القطع بكون مذهب الشيعة أنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد.

ومعلوم بالبديهة أنّ كلّ واحد من الركوع والسجود والرفع عنهما عبادة حرام يعصى الله فيه.

وكذا الحال في الجماعة ؛ فإنّها أيضا عبادة مطلوبة ، مع أنّه استدلّ بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام». إلى آخره ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرّح بقوله : «فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا» (٢).

وفرّع ذلك على قوله : «وإنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به» وأنّه لا يعتبر في الجماعة أمر آخر سوى ما ذكر من أنّه يؤتمّ به ، وبيّن كيفيّة الائتمام في تفريعه عليه ،

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) سنن الترمذي : ٢ / ١٩٤ الحديث ٣٦١.

٣٤٩

بأنّه : إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ، لا أن تركعوا قبل ما يركع وتسجدوا قبل ما يسجد ، فإنّه مناف لعلّة اعتبار الإمام في الجماعة. مع أنّه من البديهيّات اعتباره واشتراطه.

فبملاحظة هذا الكلام منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخصوصه ، مع قطع النظر عن جميع ما ذكرناه سابقا ، كيف يكون وقوع الركوع قبل ركوع الإمام عمدا في محلّه بلا شائبة شبهة حتّى يحتاج إلى تنبيه لدفعها ، ويكتفي بمجرّد الدعوى في المقام المذكور ، مع أنّه رحمه‌الله في المقامات الاخر يحكم بالبطلان صريحا أو ظاهرا بمجرّد اجتماع أمر ونهي كيف يكون الاجتماع ، بل وربّما كان أخفى من المقام بمراتب ، منها ما مرّ في مبحث لباس المصلّي وغير ذلك (١).

فكيف يكتفي بما ذكر في المقام ، سيّما في المقام المذكور؟! على أنّه أيّ فرق بين صحيحة علي بن يقطين (٢) وكصحيحة الحسن بن علي (٣) السابقتين (٤) ، ورواية محمّد بن سهل (٥) ورواية الفضيل (٦) ، لو لم يكن الأوّلتين أقوى من الأخيريتين؟!

وأعجب من ذلك أنّه قال : لو ركع قبل إمامه واستمرّ إلى أن لحقه الإمام جاز ؛ لأنّه شاركه في بعض الركوع وشرط الاقتداء الموافقة في جزء من الركن فصار كما لو ركع معه وقام قبله (٧) ، وفيه ما فيه.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٦٦ (المجلّد السادس) من هذا الكتاب.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٨١٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٠ الحديث ٨٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٥.

(٤) راجع! الصفحة : ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٣٣٢ من هذا الكتاب.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٨ الحديث ١١٧٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٧ الحديث ١٦٣ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٨ الحديث ١٦٨٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الحديث ١٠٩٨٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٨ الحديث ١١٧٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الحديث ١٠٩٨٢.

(٧) منتهى المطلب : ٦ / ٢٦٩.

٣٥٠

وقال في «التذكرة» ـ بعد ما اختار مثل ما في «المنتهى» ـ أطلق الأصحاب الاستمرار مع العمد ، والوجه التفصيل ، وهو : أنّ المأموم إن سبق إلى ركوع بعد فراغ الإمام من القراءة استمرّ ، وإن كان قبله ولم يقرأ المأموم ، أو قرأ ومنعناه منها ، أو قلنا : إنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب بطلت صلاته ، وإلّا فلا ، وإن كان إلى رفع أو سجود أو قيام عن تشهّد ، فإن كان بعد فعل ما يجب عليه من الذكر ، استمرّ وإن لم يفرغ إمامه منه ، وإن كان قبله بطلت وإن كان قد فرغ [إمامه] (١) ، انتهى.

وهذا ينادي بأنّ الحكم المذكور ليس إجماعيّا ، وإلّا لما خالفه البتّة ، مع أنّه خالفه.

وبالجملة ؛ هو رحمه‌الله وغيره ممّن وافقه (٢) أعرف ، ولا أفهم كلامهم ، مع أنّه يلزم على العلّامة أنّه لو ركع المأموم والإمام مشغول بالقنوت ، أو قراءة السورة ـ على القول باستحبابها ، أو استحباب إكمالها ـ أو أنّه قرن بين السورتين على القول بالجواز ، أو أنّه سها فقرأ سورة اخرى ولا يمكن تعليمه ، فإنّ المأموم في الصور المذكورة لو ركع بعد القراءة الواجبة ، وأتمّ الركعة أو الركعتين أو مجموع الصلاة ، وأتمّها بأسرع وجه وأقلّ واجب ، والإمام بعد لم يركع في الركعة الثانية ، أن تكون صلاته صحيحة مع تركه القراءة الواجبة بالمرّة ، أو الإتيان بها مع المنع منها ، أو غير ذلك ممّا ذكره.

وبالجملة ؛ لو كان مستند الحكم المذكور هو الموثّقة ، فمعلوم أنّ الصدوق لم يروها ، والشيخ وإن رواها (٣) إلّا أنّه رواها معارضة ، ووجّهها على حسب ما

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٤٦ المسألة ٦٠٣.

(٢) روض الجنان : ٣٧٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٧ الحديث ١٦٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٨ الحديث ١٦٨٩.

٣٥١

عرفت ، والكليني وإن رواها (١) إلّا أنّه لم يقيّدها بصورة العمد ، مع ما عرفت من موانع الحمل عليها بخصوصها ، وعرفت غابة ظهور الموانع.

وعلى فرضه ، حمله إيّاها عليه لم يظهر أنّه بنى على الفساد أو العدول ، كما يشير إليه كلام الشيخ ، أو الصحّة متابعة الإمام ، كما هو مطلوبه.

فظهر أنّ الحكم المذكور لم يكن عند القدماء ، سوى الشيخ في نهايته (٢). خاصّة.

وإن كان المستند ما ذكره ثانيا من أنّ العود يوجب زيادة في الصلاة لم يكن منها ، فلا يظهر منها سوى المنع عن العود خاصّة وأمّا أنّ صلاته صحيحة أم لا ، وعلى الصّحة عدول أم اقتداء ومتابعة ، وأنّه على تقدير كون التقديم عدولا ، فهل لا بدّ من بقاء العدول أم يجوز الرجوع إلى المتابعة ، فلم يظهر من المستدلّين أزيد من القدر المشترك ، وهو عدم العود الذي كان في صورة السهو ، وهذا القدر صحيح لا غبار عليه.

فالحمل على خصوص إرادة الصحّة اقتداء دائما فمع ما عرفت من شنائعه التي لا تحصى ولا تخفى ، كيف يتأتّى نسبته إلى جميع الأصحاب؟ مع أنّه لم يظهر من القدماء هذا الاستدلال أصلا ، والمتأخّرون أيضا لم يذكر ذلك عن كلّهم ، والذي ذكرنا لم يكن كلامه صريحا في الصحّة اقتداء (٣) دائما لم يجز نسبة هذا التشنيع الفاحش بوجوه ظاهرة إليه ، وبما ذكر ظهر عدم حسن نسبة ذلك إلى بعض منهم فضلا عن الكلّ ، مع عدم ظهور أصلا ، بل وظهور العدم ، كما لا يخفى.

ثمّ اعلم! أنّه ورد في الصحيح عن الكاظم عليه‌السلام : عن الرجل يصلّي مع إمام

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٨٤ الحديث ١٤.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ١١٥.

(٣) في (ز ٣) زيادة : ظهر لك إلى آخره.

٣٥٢

يقتدي به ، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتّى رفع الإمام رأسه وانحطّ للسجود ، أيركع ثمّ يلحق الإمام والقوم في سجودهم ، أو كيف يصنع؟ قال : «يركع ثمّ ينحطّ ويتمّ صلاته معهم ولا شي‌ء عليه» (١) ، ولا بأس بالعمل بها.

وفي الصحيح عن سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل سبقه الإمام بركعة ثمّ أوهم الإمام فصلّى خمسا ، قال : «يعيد تلك الركعة ولا يعتدّ بوهم الإمام» (٢).

وحمل الإعادة على نيّة العدول إلى الانفراد ، ووهم الإمام لعلّه بعد الإتيان بالتشهّد في الرابعة ، أو قدره ، على ما سيجي‌ء عن جمع ، فتأمّل!

واعلم! أيضا أنّ الناسي والخاطئ إذا تركا العود تكون صلاتهما باطلة ، لعدم صدق الامتثال ؛ لأنّه الإتيان بما طلب منه على النحو الذي طلب.

وفي «المدارك» احتمل الصحّة أيضا على القول بوجوب العود ، بأنّ العود المذكور لعلّه لقضاء حقّ المتابعة ، لا لصحّة الصلاة (٣) ، وفيه ما عرفت ، فتدبّر!

قوله : (والزيادة). إلى آخره.

قد عرفت فساد التأمّل في بطلان الصلاة بزيادة الركن سهوا ، وأنّه لا شبهة ولا تأمّل في البطلان ، مع أنّه لا تأمّل لأحد في بطلانها بزيادة السجدة الواحدة عمدا ، فضلا عن السجدتين وغيرها من الأركان ، مثل الركوع والقيام المتّصل بالركوع ، ففي المقام وقع الزيادة في الأركان وغيرها عمدا لا سهوا ؛ لأنّ المأموم بعد ما رفع رأسه عن الركوع مثلا يعود إلى الركوع عمدا ، فيصدر منه الزيادة في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٥ الحديث ١٨٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٣ الحديث ١١٠٤٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٦ الحديث ١٢١٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٤ الحديث ٧٩٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٨ الحديث ١١٠٦١ مع اختلاف يسير.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٩.

٣٥٣

الركوع ، والقيام المتّصل به عمدا.

فقوله : مع تسليم بطلانها لا شكّ في فساده.

نعم ؛ هنا مغتفرة ـ كما قال ـ بالنصّ ، بل الإجماع أيضا ، كما عرفت ، لكن يبقى الإشكال في أنّ زيادة الركن ـ بل الأركان ـ سهوا بل وعمدا أيضا ، كيف صحّت في مقابل تحصيل المتابعة التي وجوبها ليس بمثابة وجوب كون الركن لا زيادة فيه بل الأركان كذلك سهوا ، فضلا عن صورة العمد؟!

فيظهر من الاغتفار المذكور كون وجوب المتابعة للإمام إلى تمام الركوع مثلا ، ورفع الرأس معه في نظر الشرع أهمّ من وجوب كون الركن واحدا سهوا ، بل وعمدا أيضا ، بل من وجوب كون الأركان كذلك ، فضلا عن غير الأركان.

فظهر ظهورا تامّا أنّ وجوب المتابعة المذكورة في غاية الشدّة ، ونهاية الاهتمام بشأنه ، حتّى اضمحلّ في جنبه الوجوبات الكثيرة ، حتّى في الأركان ، وحتّى في صورة العمد أيضا.

فأين هذا ممّا ذكره جمع من الفقهاء من أنّ صلاة المأموم الذي ترك المتابعة للإمام عمدا صحيحة ، مع كونه مأموما وصلاته اقتداء بالإمام ، ووقوعها جماعة ، سيّما وأن يقولوا بوجوب المتابعة في صورة وقوع المخالفة سهوا أو خطأ ، بل وكون وجوب المتابعة حينئذ شرطا لصحّة صلاة المأموم ، مع أنّه رفع عن أمّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخطأ والنسيان بالأخبار المتواترة (١) ، وأنّ المكلّف في صورة النسيان أعذر منه في صورة العمد؟!

فظهر أنّ هذا الإشكال إنّما يرد على الجمع المذكور لا غيره من الفقهاء ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٢٣٢ الحديث ١٣١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٩ الحديث ١٠٥٥٩.

٣٥٤

١٨٣ ـ مفتاح

[لزوم ترك القراءة للمأموم]

ومن الشرائط أن لا يقرأ خلف الإمام المرضي ، للصحاح المستفيضة (١) ، منها : «من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» (٢) إلّا إذا كانت الصلاة جهريّة ولا يسمع صوت ولا همهمة ، فيستحبّ القراءة حينئذ للمعتبرة (٣) ، وإنّما حملت على الاستحباب للصحيح : «لا بأس إن صمت وإن قرأ» (٤) أو كان مسبوقا وكانت الركعة له من الأوليين وللإمام من الأخيرتين ، فعليه القراءة أيضا ، كما يأتي.

وقيل باستحباب ترك القراءة في غير الصورتين المذكورتين دون الوجوب (٥).

وقيل باختصاصه بالجهريّة (٦). وقيل : فيه أقوال اخر منتشرة جدّا (٧) ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٥ الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٦ الحديث ١٠٨٨٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٥ الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٨ الحديث ١٠٨٩٤.

(٥) المراسم : ٨٧.

(٦) الجامع للشرائع : ٩٩.

(٧) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٣.

٣٥٥

والأصحّ ما قلناه.

أمّا غير المرضي فلا يسقط القراءة خلفه ، بل يجب الإتيان بها ، ولو بمثل حديث النفس والاقتصار على الحمد ، كما يستفاد من المعتبرة (١).

وفي الصحيح : قلت : من لا أقتدي به في الصلاة. قال : «افرغ قبل أن يفرغ فإنّك في حصار ، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه» (٢).

والأحوط أن يجمع بين القراءة والإنصات مهما أمكن ؛ للأمر بالإنصات معهم في المعتبرة (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٤ الحديث ١٠٩١٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٧ الحديث ١٠٩٢٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٨ الحديث ١٠٩٢٤.

٣٥٦

قوله : (ومن الشرائط). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في قراءة المأموم خلف الإمام على أقوال منتشرة ، حتّى ذكر في «روض الجنان» أنّه لم يقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ ما في هذه المسألة من الأقوال (١) ، وليس للتعرّض لذكر الجميع كثير فائدة ؛ لضعف أدلّتها ، والأهمّ ملاحظة الأدلّة في ذلك ومتابعتها ، ما لم تكن شاذّة ، بل لم يكن حينئذ أدلّة ، كما هو ظاهر ، فلا بدّ من ملاحظة ما هو الدليل واقعا ومن متابعته.

والذي رجّح الآن وصحّح ، وفي الأزمنة السابقة أيضا عند من رجّح هو تحريم القراءة على المأموم مطلقا ، إلّا إذا كانت الصلاة جهريّة ولا يسمع المأموم القراءة ولو همهمة ، وأنّه حينئذ يستحبّ القراءة ؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ» (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عنه عليه‌السلام : عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال : «أمّا [الصلاة] التي لا يجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا [الصلاة] التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرأ» (٣).

وصحيحة سليمان بن خالد أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : أيقرأ [الرجل] في الاولى

__________________

(١) روض الجنان : ٣٧٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٥ الحديث ١١٥٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٢ الحديث ١١٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٨ الحديث ١٦٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٥ الحديث ١٠٨٨٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٧٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٢ الحديث ١١٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٧ الحديث ١٦٤٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٦ الحديث ١٠٨٨٨.

٣٥٧

«والعصر» خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال : «لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام» (١).

فما في بعض الأخبار الضعيفة من تجويز القراءة في الاخفاتيّة دون الجهريّة (٢) ـ كما أفتى به العلّامة (٣) ـ لا يعارض الصحاح مع التأكيد الوارد فيها ، سيّما مع حمل الضعيف على أولويّة ترك القراءة جمعا ، كما فعل بعضهم (٤) ، فإنّ العبادة لا يمكن خلوّها من الرجحان ، فما ظنّك بالمرجوحيّة؟ وأضعف منه القول باختصاص ذلك بالجهريّة.

ويدلّ على المنع كصحيحة قتيبة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (٥).

وورد في غير واحد من الأخبار المعتبرة ، المنع عن القراءة خلف الإمام مطلقا ، مثل صحيحة زرارة وابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة» (٦).

وكصحيحة يونس بن يعقوب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الصلاة خلف من

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٣ الحديث ١١٩ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٨ الحديث ١٦٥٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٧ الحديث ١٠٨٩١.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٩ الحديث ١٠٨٩٨.

(٣) قواعد الأحكام : ١ / ٤٧ ، لاحظ! روض الجنان : ٣٧٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٣٠١.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٣ الحديث ١١٧ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٨ الحديث ١٦٥٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٧ الحديث ١٠٨٩٠ مع اختلاف يسير.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٥ الحديث ١١٥٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٩ الحديث ٧٧٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٦ الحديث ١٠٨٨٧.

٣٥٨

أرتضي به أقرأ خلفه؟ فقال : «من رضيت به فلا تقرأ خلفه» (١). وغير ذلك.

والمطلق يحمل على المقيّد وعرفت المقيّد ، ومنه موثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ، فقال : «إذا سمع صوته فهو يجزيه وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه» (٢).

وإنّما حمل الأمر بالقراءة على الاستحباب لصحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام : عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : «لا بأس إن صمت وإن قرأ» (٣).

والمشهور أنّه يستحبّ للمأموم التسبيح في الاخفاتيّة ، لصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «[إنّي] أكره للمرء أن يصلّي خلف إمام بصلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنّه حمار» قال : قلت : جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال : «يسبّح» (٤).

وفي صحيحة زرارة الأمر بالتسبيح في نفسه في الجهريّة أيضا ؛ فإنّه روى عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه قال : «إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت وسبّح في نفسك» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٣ الحديث ١١٨ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٨ الحديث ١٦٥٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٩ الحديث ١٠٨٩٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٤ الحديث ١٢٣ : الاستبصار : ١ / ٤٢٩ الحديث ١٦٥٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٨ الحديث ١٠٨٩٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٤ الحديث ١٢٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٩ الحديث ١٦٥٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٨ الحديث ١٠٨٩٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٦١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٦ الحديث ٨٠٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٠ الحديث ١٠٩٠٠ مع اختلاف يسير.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٧٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٢ الحديث ١١٦ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٨ الحديث

٣٥٩

إلّا أنّه يحمل على الإنصات في الاخفاتيّة ؛ لمنافاة التسبيح وجوب الإنصات لقراءة الإمام والاستماع لها ، كما ورد في القرآن (١) والأخبار (٢) ، إلّا أن يقال بعدم المنافاة بين ذلك ، وبين التسبيح في نفسه ، وأنّه يجوز الجمع بينهما ، وفيه تأمّل.

ثمّ اعلم! أنّ المراد هو القراءة خلف الإمام في الركعتين الأوّلتين ؛ لما عرفت في مبحث القراءة مشروحا من أنّ القراءة وظيفة الأوّلتين خاصّة ، والأخيرتين وظيفتهما التسبيح ، ويجوز قراءة الحمد وحدها مكان التسبيح وعوضه ، كما عرفت من الأخبار.

وأقصى ما يجوز أن يقال : وظيفة الأخيرتين التخيير بين القراءة والتسبيح ، لا أنّه وظيفتهما القراءة ، فإنّ القدر المشترك بينهما هو أحدهما ، وأحدهما (٣) غير خصوص القراءة ؛ لأنّه بديهي أنّ التخيير بين القراءة والتسبيح غير القراءة ، فوظيفتهما هو التخيير المذكور لا القراءة.

وفي صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين ، وقال : يجزيك التسبيح في الأخيرتين» قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : «أقرأ فاتحة الكتاب» (٤).

ولعلّ المراد : أيّ شي‌ء تقرأ أنت؟ قال : «أقرأ فاتحة الكتاب» من حيث إنّه عليه‌السلام كان إماما ، فوافق الأخبار الصريحة في أنّ الإمام عليه أن يقرأ في الأخيرتين

__________________

١٦٥١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦١ الحديث ١٠٩٠٣.

(١) الأعراف (٧) : ٢٠٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٥ الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) في (د ١) : هو إحداهما ، وإحداهما.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٥ الحديث ١٢٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٧ الحديث ١٠٨٩٢.

٣٦٠