مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

وأمّا التطيّب ، فللعمومات ، وخصوص رواية إسحاق بن عمّار [أ] وغيره ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اتي بطيب يوم الفطر بدأ بنسائه» (١) ، وصحيحة ابن سنان المتقدّمة (٢).

والمراد من قوله : (تفلات) أي غير متطيّبات ، لعدم استحباب الطيب بالنسبة إليها خاصّة عند خروجها مع الرجال.

وأمّا لبس أحسن الثياب ، فلما في آخر صحيحة ابن سنان المتقدّمة وقال : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣) قال : العيدان والجمعة» (٤).

وأمّا كونه ماشيا حافيا على سكينة ووقار ذاكرا لله تعالى ، فلما فعله الرضا عليه‌السلام عند خروجه إليها ، وقال : «أخرج كما خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٥).

وأمّا الدعاء بالمأثور عند خروجه ، فهو الدعاء المشهور المعروف : «اللهمّ من تهيّأ في هذا اليوم أو تعبّأ» (٦). إلى آخر الدعاء.

وأمّا كون الإمام متعمّما متردّيا شاتيا كان أو قائظا ، فلصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة ، حيث قال فيها : «وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا ويعتمّ شاتيا كان أو قائظا» (٧).

وأمّا الذهاب من طريق والإياب من طريق آخر وتغيير الطريقين ، فلما ورد

__________________

(١) الكافي : ٤ / ١٧٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٦ الحديث ٩٨٢٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٦ الحديث ٩٨٢٣ ، راجع! الصفحة : ٣٩١ من هذا الكتاب.

(٣) الأعراف (٧) : ٣١.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٦ الحديث ٩٨٢٣.

(٥) الكافي : ١ / ٤٨٨ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٣ الحديث ٩٨٤٤ مع اختلاف يسير.

(٦) إقبال الأعمال : ٢٨٠.

(٧) الكافي : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٠ الحديث ٩٨٠٢.

٤٠١

من أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفعل في الخروج إلى العيدين هكذا (١) ، مضافا إلى ورود الأمر بذلك بعنوان الاستحباب مطلقا (٢) ـ أي في كلّ خروج ودخول وذهاب إلى موضع وإياب منه ـ وأنّه أرزق لكم (٣).

وأمّا قول المؤذّن : الصلاة ـ ثلاث مرّات ـ رافعا صوته ، فلما ورد في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة (٤).

قال في «الذكرى» : وظاهر الأصحاب أنّ هذا النداء ليعلم الناس بالخروج (٥) ، ومقتضى ذلك كون محلّه قبل القيام إلى الصلاة.

وعن أبي الصلاح : أنّ محلّه بعد القيام إلى الصلاة ، إذا أذّن المؤذّن ذلك كبّر الإمام تكبيرة الافتتاح ، ودخل بهم في الصلاة (٦).

وفي «المدارك» بعد ما ذكر قال : والظاهر تأدّى السنّة بكلا الأمرين (٧) ، انتهى. لاحظ الأخبار وتأمّل فيها! والأظهر أنّها بمنزلة الأذان والإقامة ، حيث قال عليه‌السلام ـ في رواية إسماعيل بن جابر ـ : «ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكن ينادى : الصلاة ، ثلاث مرّات» (٨) ، ولعلّ هذا هو مراد المصنّف رحمه‌الله.

وأمّا التكبير عقيب أربع صلوات ، فمستحبّ عند الأصحاب ، سوى ما نقل

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٣ الحديث ١٤٧٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٩ الحديث ٩٩٠٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٩ الباب ٣٦ من أبواب صلاة العيد.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٩ الحديث ٩٩٠٧.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٨ الحديث ٩٧٦٢.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٧٢.

(٦) الكافي في الفقه : ١٥٣.

(٧) مدارك الأحكام : ٤ / ١١٣.

(٨) مرّت الإشارة إليها آنفا.

٤٠٢

عن ظاهر المرتضى في «الانتصار» من أنّه واجب (١).

ولعلّه أسنده إلى الإماميّة ـ على ما هو ببالي ـ فربّما يكون مراده من الوجوب غير المعنى الاصطلاحي ، لما عرفت سابقا من أنّ الشيخ قال : الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب على تركه اللوم والعتاب (٢) ، إذ كيف يكون الإماميّة مجمعة على الوجوب بالمعنى الاصطلاحي الآن من دون إظهار قرينة؟ بل كيف يكون واجبا يكون تركه موجبا للعقاب؟ مع اتّفاق الشيعة في الأعصار والأمصار على عدم الالتزام ـ الخاصّ منهم والعامّ والعلماء والعوام ـ وكذلك عدم الإلزام على أحد من الأنام بلا شبهة ولا كلام ، مع عموم البلوى وشدّة الحاجة.

ومن هذا يظهر التأمّل في دليله أيضا ، وهو قوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) بعد قوله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (٣) إذ ظاهر الأمر الوجوب ، ولا يتصوّر إلّا في هذا التكبير ، للاتّفاق على عدم الوجوب في غيره.

وفي رواية سعيد النقّاش ، عن الصادق عليه‌السلام : «أمّا إنّ في الفطر تكبيرا ولكنّه مسنون» قلت : وأين هو؟ قال : «في ليلة الفطر في المغرب والعشاء وصلاة الفجر وصلاة العيد ثمّ يقطع» قلت : كيف أقول؟ قال : «تقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ، وهو قول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (٤)» (٥).

__________________

(١) الانتصار : ٥٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ذيل الحديث ١٣٢.

(٣) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٤) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٥) الكافي : ٤ / ١٦٦ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٠٨ الحديث ٤٦٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٨

٤٠٣

ويظهر من هذا الخبر أنّ الرواة ما كانوا يعرفونها أصلا ، والعام البلوى وشديد الحاجة إليه يبعد أن يصير كذلك في زمان الصادق عليه‌السلام ، لعدم داع على الإخفاء ظاهرا ، ولعدم ظهور ذلك من الأخبار التي كان الأئمّة عليهم‌السلام يشكون عن المغيّرين لحكم الشرع والمبدّلين لشرع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشنعون عليهم ، ويظهرون بدعهم (١) ، مع أنّ العادة تقتضي ذلك.

ولأنّ قوله عليه‌السلام : «ولكنّه مسنون» في غاية الظهور في إرادة الاستحباب ، إذ لا معنى لاستدراك معنى آخر ـ وهو أنّ وجوبه يظهر من السنّة لا الكتاب ، إذ لا معنى له ـ سيّما مع تصريحه عليه‌السلام بأنّ الأمر في قوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) إنّما هو طلب هذا التكبير ، مع ظهور ذلك من الخارج أيضا.

وأيضا في غير واحد من الأخبار تعرّضوا لذكر الواجبات ، ولم يعدّوا ذلك منها.

وأيضا الصدوق في أماليه قال : من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به ، أنّه جرت السنّة في الإفطار يوم النحر بعد الرجوع عن الصلاة ، وفي الفطر في الخروج إليها ، والتكبير في أيام التشريق بمنى. إلى آخر ما قال ، وفيه : التكبير في ليلة الفطر عقيب أربع صلوات (٢). ولا يخفى ظهوره في الاستحباب غاية الظهور.

وأيضا في «التهذيب» بسنده إلى علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما‌السلام ، قال : سألته عن تكبير أيّام التشريق أواجب أم لا؟ قال : «مستحبّ وإن نسي فلا شي‌ء عليه» ، وقال : هل النساء عليهنّ التكبير في أيّام التشريق؟ قال : «نعم ،

__________________

الحديث ٣١١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٥ الحديث ٩٨٤٧ مع اختلاف يسير.

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٦٧ الباب ٣٩ من أبواب الأمر والنهي.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٧ و ٥١٨.

٤٠٤

ولا يجهرن» (١).

وممّا ذكر ظهر الجواب عمّا ذكر في «العيون» ممّا كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام : «والتكبير في العيدين واجب في الفطر عقيب خمس صلوات أوّلها المغرب ، وفي الأضحى عقيب عشر صلوات بغير منى ، وبمنى عقيب خمس عشرة» (٢).

ومع ذلك ذكر عقيب خمس صلوات ، ولم يقل به أحد.

وفي «الفقيه» قال ـ بعد رواية سعيد النقّاش ـ : وفي غير رواية سعيد ، وفي صلاة الظهر والعصر (٣).

وفي «المدارك» نسب إلى «الفقيه» ضمّ صلاة الظهرين ، وإلى ابن الجنيد النوافل (٤) أيضا ، فتأمّل!

وممّا ذكرنا ظهر حال ما ذكره المصنّف رحمه‌الله : (وفي الأضحى عقيب). إلى آخره.

لكن في «المدارك» نسب القول بالوجوب في خصوص هذا إلى ابن الجنيد والشيخ في «الاستبصار» بعد ما نسبه إلى المرتضى أيضا.

ثمّ قال : لما رواه ابن مسلم في الحسن أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٥)؟ قال : «التكبير في أيّام التشريق

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٨٨ الحديث ١٧٤٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٦١ الحديث ٩٨٦١ ، ٤٦٣ الحديث ٩٨٦٧ مع اختلاف.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٦٠ الحديث ٩٨٥٨ نقل بالمضمون.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٠٨ ذيل الحديث ٤٦٤.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١١٤ و ١١٥.

(٥) البقرة (٢) : ٢٠٣.

٤٠٥

من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأوّل أمسك أهل الأمصار» (١).

ثمّ قال : اختلف الأصحاب في كيفيّة التكبير في الأضحى ، والأجود العمل بما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : «التكبير أن تقول : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر [الله أكبر] ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا» (٢).

وفي الصحيح عن ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن التكبير بعد كلّ صلاة؟ فقال : «كم شئت ، إنّه ليس شي‌ء موقّت ، يعني في الكلام» (٣).

وقال في تكبير الفطر : وينبغي العمل في كيفيّة تكبيرة على رواية سعيد النقّاش ـ أي روايته المتقدّمة ، وإن ضعف سندها ـ لأنّها الأصل في هذا الحكم (٤) ، انتهى.

قوله : (شاذّ). إلى آخره.

لقائل أن يقول : هو ادّعى الإجماع على الوجوب ، فكيف كان كلام جميعهم يخفى عليه بحيث يفهم خلاف مرامهم ويقطع به؟ مع أنّ رؤساء الإماميّة المفيد والشيخ وأمثالهما ممّن كان يجالس السيّد رحمه‌الله ويخاطبه شفاها ، وهو قال : ممّا انفردت به الإماميّة الوجوب (٥) ، فمن أين ثبت لك الشذوذ؟ وأنّه ما شاركه أحد من

__________________

(١) الكافي : ٤ / ٥١٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٧ الحديث ٩٨٥٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٤ / ٥١٧ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ٢٦٩ الحديث ٩٢٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٩ الحديث ٩٨٥٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٨٧ الحديث ١٧٣٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٦٥ الحديث ٩٨٧٤.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١١٥ و ١١٦.

(٥) الانتصار : ٥٧.

٤٠٦

القدماء (١) في الحكم بالوجوب ، بل لا أقلّ من كون الحكم مشهورا في زمانه ، أو ما تقدّم عليه ، بل لا أقلّ من كون جمع قال كذلك ، بل لا أقلّ من قول اثنين زائدا على قوله ، إذ لا شكّ في أنّه رحمه‌الله ما كان كذّابا مدلّسا ، حاشاه ، ثمّ حاشاه من كان ملقّبا بـ «علم الهدى» لقّبه به جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل فضائله لا تحصى.

سلّمنا ، لكن ندرة القائل لا ضرر فيها بعد ظهور الأدلّة وقوّتها. لأنّ الأمر حقيقة في الوجوب مسلّم ذلك عنده ، وورد في القرآن (٢) والأخبار المعتبرة (٣) أوامر كثيرة (٤) ، ورواية سعيد ضعيفة ، والضعيف ليس بحجّة عنده ، سيّما وأن يكون مخالفا لظاهر القرآن والأخبار المعتبرة.

على أنّا نقول : إن كانت أدلّة السيّد ضعيفة ، فلا بدّ من الطعن عليها ـ لا عليه ـ بالشذوذ ، لأنّ معظم المسائل التي يعدّها خلافيّة ويصرّح بكونها محلّ الخلاف ، لا يكون الخلاف إلّا من واحد من الفقهاء ، وكثيرا ما يختار مختار ذلك الواحد ، كما اختار رأي ابن أبي عقيل في عدم انفعال الماء القليل (٥) ، وفي مسافة القصر والإفطار (٦). إلى غير ذلك ، وكذا يوافق غيره ممّا لا يحصى كثرة ، بل ربّما يختار ما لم يقل به أحد ، مثل حرمة كتابة القرآن على المحدث (٧) ، وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

__________________

(١) في (ف) و (ط) : الفقهاء.

(٢) البقرة (٢) : ١٨٥ و ٢٠٣.

(٣) في (ط) : المتواترة.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٥ الباب ٢٠ ، ٤٥٧ الباب ٢١ من أبواب صلاة العيد.

(٥) مفاتيح الشرائع : ١ / ٨١.

(٦) مفاتيح الشرائع : ١ / ٢٥.

(٧) مفاتيح الشرائع : ١ / ٣٨.

٤٠٧

فالصواب أنّ يوجه كلامه بما ذكرنا ، بل من اطّلع على ما سنذكر في مسألة انفعال ماء القليل وأمثالها جزم بأنّها لا يصير طرف النسبة بالنسبة إلى المقام ، فكيف لا يجعل القائل فيها شاذّا؟! بل ربّما يقول : (ألهمني الله موافقته) (١) ، وفي المقام يقول : (وهو شاذ).

قوله : (ويكره الخروج). إلى آخره.

لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يخرج بالسلاح في العيد [ين] إلّا أن يكون عدوّ ظاهر» (٢).

ولفظ النهي ظاهر في الحرمة ، كما حقّق ، إلّا أنّ الإجماع قرينة على الكراهة ، مع أنّ السند غير صحيح ، ومرّ أنّ الفقهاء يسامحون في أدلّة الندب والكراهة ، وعلّة المسامحة وصحّتها وشهرة الفتوى لا تجبر عدم صحّة السند ، لأنّ الفقهاء ربّما يكون عملهم وفتواهم بالرواية من جهة المسامحة ، بل الظاهر أنّه كذلك.

قوله : (والتنفّل في ذلك اليوم). إلى آخره.

لقوله في صحيحة زرارة : «صلاة العيد مع الإمام سنّة ، وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال» (٣).

ومثلها رواية ضعيفة ، عن زرارة ، عنه عليه‌السلام ، وفي آخرها : «وإن فاتك الوتر في ليلتك قضيته بعد الزوال» (٤).

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ٢٥ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٧ الحديث ٣٠٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٨ الحديث ٩٨٢٩ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٥٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٤ الحديث ٢٩٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٣ الحديث ١٧١٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤١٩ الحديث ٩٧٤٠ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٠ الحديث ٩٧٤١.

٤٠٨

وفي رواية اخرى صحيحة ، عنه عليه‌السلام : «لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتّى تصلّي الزوال في يوم العيدين» (١).

ومرّ في صحيحة ابن سنان السابقة : «صلاة العيد ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء» (٢) الحديث ، فتأمّل!

ولا يخفى أنّ الظاهر من الروايات هو المنع وعدم الجواز ، كما نقل عن أبي الصلاح ، وابن البرّاج ، وابن حمزة (٣) ، والمشهور اختاروا الكراهة ، لأصالة البراءة والعدم.

ولا يخفى أنّ الأصل لا يعارض الدليل ، وقد عرفت صحّة السند ، أمّا دلالة الرواية الاولى ، فلأنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، ونفي الصلاة حقيقة في نفي ماهيّة تلك العبادة. فعلى القول بأنّ لفظ العبادة اسم للصحيحة ـ كما هو الأظهر ـ فالأمر ظاهر ، وعلى القول بأنّه اسم للأعم ، فأقرب المجازات نفي الصحّة (٤) ، وغير الصحيحة حرام ، لكونها بدعة.

وأمّا الصحيحة الاخرى ، فقد رواها الصدوق في «الفقيه» ، والشيخ في «التهذيب» في آخر باب المواقيت وقبل باب الأذان والإقامة ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتّى تصلّي الزوال في يومي العيدين» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٤ الحديث ١٠٨٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٠ الحديث ٩٧٧٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٩ الحديث ٩٧٦٨.

(٣) نقل عنهم في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٧ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٥٥ ، المهذّب : ١ / ١٢٣ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١١١.

(٤) في (ف) و (ط) : نفي الصحيحة.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٤٧٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٤ الحديث ١٠٨٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٠ الحديث ٩٧٧٠.

٤٠٩

والنهي حقيقة في الحرمة ، ولا قائل بالفصل بين الوتر الفائتة وغيرها لو لم نقل بالطريق الأولويّة ، والضعيفة مؤيّدة أيضا ، وكذا الصحيحة الاخرى.

بل بملاحظة الأخبار والفتاوى يظهر أنّ المراد من «الشي‌ء» هنا الصلاة ، وعلى القول بجواز التخصيص إلى واحد ، فهو أيضا دليل واضح ، غير متوقّف على الاستعانة بالظهور من الأخبار والفتاوى.

وممّا يدلّ عليه ما رواه في «ثواب الأعمال» في القوى ، عن ابن سنان ، عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن صلاة العيدين هل قبلهما صلاة أو بعدهما؟ قال : «ليس بعدهما ولا قبلهما شي‌ء» (١) ولا يبعد اتّحادها مع صحيحة ابن سنان المذكورة.

وفي الصحيح ، عن ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام (٢) : «أنّه ليس في صلاة الفطر والأضحى أذان ولا إقامة ، وليس بعد الركعتين ولا قبلهما صلاة» (٣).

وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام مثله (٤).

وفي «المختلف» لم يأت بحجّة للمحرّمين (٥) سوى صحيحة ابن سنان السابقة ، وأجاب بمنع الدلالة بعد ما اختار الكراهة ، معتمدا على أصالة الإباحة (٦).

وقد ظهر لك ما فيه ، إلّا أن يكون اعتماده حقيقة في أصالة الإباحة هنا على

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٠٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٩ الحديث ٩٧٦٧.

(٢) في المصدر : عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) ثواب الأعمال : ١٠٣ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٨ الحديث ٩٧٦٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٥٩ الحديث ١ ، ثواب الأعمال : ١٠٣ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٩ الحديث ٩٧٦٦.

(٥) في (ز ٣) : بحجّة المحرّمين.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٧ و ٢٦٨.

٤١٠

أنّ المسألة ممّا يعمّ به البلوى ، ويشتدّ به الحاجة ، فلو كان حراما لما اشتهر في خلافه. ويكون هذا قرينة على عدم إرادة الحرمة ممّا هو ظاهر فيها في الأخبار ، فتأمّل ، إذ كون ذلك إجماعا أو كافيا في القرينة الصارفة يحتاج إلى تأمّل كامل.

وكيف كان ، لا شكّ في أنّ مقام العمل يختار الترك البتة.

وأمّا عدم المنع من الركعتين في مسجد المدينة ، فيدلّ عليه ما رواه محمّد بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ركعتان من السنّة ليس تصلّيان في موضع إلّا بالمدينة» قال : «تصلّي في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّي ، ليس ذلك إلّا بالمدينة لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعله» (١).

فظهر منها استحبابهما أيضا ، مضافا إلى أنّ العبادة الصحيحة لا تخلو عن الرجحان ، والظاهر أنّ الشهرة جابرة لضعف السند هنا حتّى أنّ ابن الجنيد ألحق مسجد مكّة وكلّ مكان شريف بمسجد المدينة ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال في الكلّ : يصلّي الركعتين فيه قبل الخروج وبعده إذا كان يجتاز به ، واحتجّ على ذلك بمساواة مسجد الحرام لمسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومساواة الابتداء والرجوع (٢).

والظاهر أنّ نظره إلى القياس ، لأنّه رحمه‌الله كان قائلا به ، وإن كان رجع عن القول به ، فجوابه واضح.

وأبو الصلاح القائل بالحرمة استثنى مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله صريحا (٣).

والظاهر أنّ من شاركه وافقه في الاستثناء أيضا ، إذ في «المختلف» لم ينقل

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦١ الحديث ١١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٤٧٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٨ الحديث ٣٠٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٠ الحديث ٩٧٧١.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٨ و ٢٦٩.

(٣) الكافي في الفقه : ١٥٥.

٤١١

«الخلاف» في الاستثناء المذكور ، إلّا عن الشيخ في «الخلاف» (١) ، والصدوق في «المقنع» (٢) ، وهما من القائلين بالكراهة (٣). إنّما الإشكال في صورة القول بالحرمة ، إذ كيف يجوز ارتكاب الصلاة المذكورة من دون دليل شرعي يقاوم أدلّة المنع؟ وبعد الانجبار بما ذكرنا يرتفع الإشكال ، إذ كلّ من قال بالحرمة ـ استثنى ، وغير المستثنى إن كان فشاذّ ـ قائل بالكراهة. ومع ذلك قائل بالاستثناء في سائر كتبه ، فربّما كان إطلاق كلامه في «الخلاف» لعدم اقتضاء المقام التعرّض للاستثناء ، وكذا الحال بالنسبة إلى «المقنع».

وكيف كان ، بعد ملاحظة الاشتهار التام لعلّه لا يبقى كلام ، فتأمّل جدّا!

ثمّ اعلم! أنّ مقتضى كلام المصنّف رحمه‌الله أنّ كراهة التنفّل من خواصّ يوم العيد ، لا خصوصيّة لها بصلاة العيد.

وقال الصدوق رحمه‌الله في «ثواب الأعمال» عند ما روى حديثا في ثواب من صلّى أربع ركعات يوم الفطر بهيئة ذكرت فيه : إنّ هذا الثواب لمن كان إمامه مخالفا لمذهبه ، فيصلّي معه تقيّة ، ثمّ يصلّي هذه الأربع ركعات للعيد ، ولا يعتدّ بما صلّى خلف مخالفه ، فأمّا إذا كان إمامه إماما من الله عزوجل واجب الطاعة على العباد ، فصلّى خلفه صلاة العيد ، لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك صلاة حتّى تزول الشمس [. إلى أن قال :] والمعتمد أنّه لا صلاة في العيدين إلّا مع إمام ، فمن أحبّ أن يصلّي وحده فلا بأس ، وتصديق ذلك ما حدّثني محمّد بن الحسن ، عن الحسين بن الحسن ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «من لم يصلّ مع الإمام [في جماعة يوم العيد] فلا صلاة له ولا قضاء

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٦٦٥ المسألة ٤٣٨.

(٢) المقنع : ١٤٨.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٨.

٤١٢

عليه» (١) انتهى.

وإنّما نقلناه بطوله ، لأنّ فيه فوائد للمتأمّل ، منها : أنّ كراهة التنفّل من خواصّ صلاة العيد خلف الإمام المفترض الطاعة أو نائبه ، وكلام باقي الفقهاء صريح في أنّ كراهة التنفّل إنّما هي قبل صلاة العيد أو بعدها إلى الزوال ، ومقتضاه أيضا اختصاص الكراهة بما قبل تلك الصلاة وما بعدها ، وأكثر الأخبار أيضا كذلك (٢).

نعم ، في بعض الأخبار الكراهة يوم العيدين ، كما عرفت ، ولا يبعد حمله على المعهود المفتى به عند الأصحاب.

قوله : (والسفر). إلى آخره.

لا نزاع في جواز السفر والخروج قبل الفجر الصادق ، وادّعي عليه الإجماع (٣).

وأمّا الخروج بعد ذلك وقبل الصلاة ـ كما ذكره المصنّف ـ فدليله مساواة العيدين والجمعة في أمثال ذلك إلّا فيما استثنى ، ومرّ في الجمعة الكراهة بعد طلوع الفجر قبل النداء والزوال ، والحرمة بعد ذلك قبل الصلاة.

وأيضا الحرمة بعد ما طلعت الشمس مقطوع بها عند الأصحاب ، لاستلزامه الإخلال بالواجب على حسب ما مرّ في الجمعة (٤).

وأمّا قبله وبعد الفجر ، فلصحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : «إذا أردت

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٠٢ و ١٠٣ الحديث ١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٨ الباب ٧ من أبواب صلاة العيد.

(٣) جامع المقاصد : ٢ / ٤٥٧.

(٤) راجع! الصفحة : ١١٥ ـ ١٢٢ من هذا الكتاب.

٤١٣

الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد ، فلا تخرج حتّى تشهد ذلك العيد» (١).

قال في «الذكرى» : ولمّا لم يثبت الوجوب حمل النهي على الكراهة (٢).

واعترض عليه بعدم المنافاة بين الأمرين حتّى يحتاج إلى التوجيه ، إذ يجوز أن يكون السفر حراما ولم يدخل وقت وجوب الصلاة ، وربّما كان الشارع حرّم السفر تحصيلا للواجب ، وحفظا إيّاه عن الفوت (٣).

وفي «المدارك» بعد الاعتراض المذكور قال : لكن الراوي ـ وهو أبو بصير ـ مشترك بين الثقة والضعيف ، فلا يصحّ التعلّق بروايته والخروج بها عن مقتضى الأصل (٤).

وفيه ما نبّهنا مرارا أنّ أبا بصير الراوي عن الصادق عليه‌السلام مشترك بين ثقات ، وتوهّم كون يحيى بن القاسم غير موثّق فاسد ، وبسطنا الكلام في ذلك في الرجال (٥).

ويمكن أن يقال : مشاركة الجمعة والعيدين الثابتة من الأخبار والإجماع تصير قرينة على كون النهي هنا على سبيل الكراهة ، بعد ما ثبت في الجمعة أنّ السفر قبل النداء مكروه ، فلاحظ ذلك وتأمّل ، وكيف كان ، الترك يختار في مقام العمل.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٣ الحديث ١٤٨٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٦ الحديث ٨٥٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧١ الحديث ٩٨٨٦.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٦٥.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ١٢٣.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١٢٣.

(٥) تعليقات على منهج المقال : ٣٨٤.

٤١٤

٢٣ ـ مفتاح

[ما لو اجتمع عيد وجمعة]

إذا اجتمع عيد وجمعة ، وتخيّر من صلّى العيد في حضور الجمعة وعدمه للصحيح (١).

وقيل : بل يجب الحضور (٢) لقطعيّة دليله (٣).

وقيل : يختصّ التخيير بمن كان قاصي المنزل (٤) للخبر (٥) ، والأوّل أصحّ ، وفاقا للأكثر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٧ الحديث ٩٨٢٦.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٥ ، غنيّة النزوع : ٩٦.

(٣) اشارة إلى ما في مدارك الأحكام : ٤ / ١١٩ و ١٢٠ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ١٠ / ٢٣٧.

(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٨ الحديث ٩٨٢٨.

٤١٥
٤١٦

قوله : (إذا اجتمع). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فالشيخ رحمه‌الله في جملة من كتبه قال : إذا اجتمعا تخيّر من صلّى العيد في حضور الجمعة (١) ، ونحوه قال المفيد (٢) ، ورواه الصدوق في كتابه (٣) ، واختاره ابن إدريس ، والعلّامة أيضا (٤).

وقال ابن الجنيد : إذا اجتمعا أذّن الإمام الناس في خطبة العيد الاولى بأن يصلّي بهم الصلاتين ، فمن أحبّ أن ينصرف جاز له ممّن كان قاصي المنزل ، واستحبّ له حضورها إن لم يكن عليه في ذلك ضرر ولا على غيره (٥).

وظاهره اختصاص التخيير بمن كان نائي المنزل ، واختاره المحقّق (٦) وأبو العبّاس في موجزه (٧).

وقال أبو الصلاح : قد وردت الرواية : «إذا اجتمع عيد وجمعة أنّ المكلّف مخيّر في حضور أيّهما شاء». والظاهر من المسألة وجوب عقد الصلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك (٨).

وقال ابن البرّاج : قد ذكر أنّه إذا اتّفق عيد وجمعة ، كان من صلّى العيد مخيّرا

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٦٧٣ المسألة ٤٤٨ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٤ ، المبسوط : ١ / ١٧٠.

(٢) المقنعة : ٢٠١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٣ الحديث ١٣٧٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٧ الحديث ٩٨٢٦.

(٤) السرائر : ١ / ٣٠١ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٠.

(٥) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٠.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ١٠٢.

(٧) الرسائل العشر (الموجز الحاوي) : ٩١.

(٨) الكافي في الفقه : ١٥٥.

٤١٧

بين أن لا يحضرها ، والظاهر هو وجوب حضور الصلاتين (١).

وأمّا الأخبار ، فقد روي في «الفقيه» ، عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة ، فقال : «اجتمعا في زمان علي عليه‌السلام ، فقال : من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ، ومن قعد فلا يضرّه ، وليصلّ الظهر» (٢).

وهذه صحيحة ، مضافا إلى روايته إيّاها في «الفقيه» ، إلّا أنّه يعارضها عمومات الآيات والأخبار المتواترة في العيد والجمعة.

فهل يجوز تخصيصها بمثل هذه الصحيحة أم لا؟ فيه النزاع المشهور ، فمن اختار العدم يلزمه في المقام أيضا.

وإلى هذا نظر أبو الصلاح وابن البرّاج ، إذ صرّحا بأنّ الظني لا يعارض القطعي ، وهو دليل وجوبهما ، والمسألة اصوليّة ، والبناء على التقاوم.

ومع كثرة الأدلّة اليقينيّة سندا ومتنا في طرف العام وموافقة المتواتر إيّاها وكذا الإجماعات ، ووحدة الخاص الذي فيه وهن العمومات اليقينيّة ، وعدم تحقّق شهرة كاملة بالغة ، وتحقّق معارض لذلك الخاص ـ وهو مستند ابن الجنيد الآتي ـ ربّما يوجب التأمّل في المقاومة ، فإنّ الخاص الظني إنّما يقاوم العام من جهة كونه قطعي الدلالة ـ على ما قالوا ـ وقد عرفت أنّ هذا الخاص أيضا ظنّي الدلالة من جهة عمومه وشموله لغير القاضي.

وأمّا مستند ابن الجنيد ، فهو رواية «الكافي» بإسناده ـ كالصحيح ، إلى أبان ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٣) ، مضافا إلى أنّه قال في صدر «الكافي» ما قال ـ

__________________

(١) المهذّب : ١ / ١٢٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٣ الحديث ١٣٧٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٧ الحديث ٩٨٢٦.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

٤١٨

عن سلمة ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّه اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فخطب الناس فقال : هذا يوم اجتمع فيه عيدان ، فمن أحبّ أن يجمع معنا فليفعل ، ومن لم يفعل فإنّ له رخصة ، يعني من كان متنحّيا» (١) أي بعيدا.

ورواية إسحاق بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : إذا اجتمع عيدان [للناس في يوم واحد] فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبة الاولى : وقد اجتمع لكم عيدان فأنا أصلّيهما جميعا ، فمن كان مكانه قاصيا فأحبّ أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له» ، قال محمّد بن أحمد : وأخذت هذا الحديث من كتاب محمّد بن حمزة بن اليسع ، رواه عن محمّد بن الفضيل ، ولم أسمع منه (٢).

وفي «دعائم الإسلام» أيضا عن علي عليه‌السلام أنّه قال : «أذنت لمن كان مكانه قاصيا أن ينصرف» حين اجتمع في خلافته عيد وجمعة (٣).

ويؤيّده قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٤) مع أنّه ربّما يتحقّق الحرج.

وبالجملة ، الأخبار المذكورة معتبرة على حسب ما عرفت ، مضافا إلى أنّ القائلين بعدم جواز العمل بخبر الواحد ـ مثل ابن إدريس وغيره (٥) ـ عملوا بها ، فهي يقينيّة عندهم أو بعضها ، مع ندرة المنكر لها رأسا ، إذ عرفت أنّ المنكر رجلان من الفقهاء ، وفقهاؤنا لا يحصون عددا ، فبملاحظة جميع ما ذكر يمكن القول بالرخصة للقاصي ، بل ومطلقا على إشكال فيه ، وإن قال الشهيد : القرب والبعد من الامور الإضافيّة ، فيصدق القاصي على من بعد بأدنى بعد ، فيدخل الجميع إلّا

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦١ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٧ الحديث ٩٨٢٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٧ الحديث ٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٨ الحديث ٩٨٢٨.

(٣) دعائم الإسلام : ١ / ١٨٧ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ١٣٢ الحديث ٦٦٢٣.

(٤) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٥) السرائر : ١ / ٤٧ ، وسائل الشريف المرتضى : ١ / ٢٠٢.

٤١٩

مجاور المسجد (١) ، انتهى. إلّا أنّه بعيد جدّا ، والاحتياط طريقه واضح.

وكيف كان ، لا نزاع في وجوب الحضور على الإمام ، فإن اجتمع المأمومون قدر ما يتحقّق به الفريضة فهو ، وإلّا فسقط عنه أيضا.

وأبو الصلاح وابن البرّاج استدلّا بوجوب الحضور على الإمام أيضا على مذهبهم (٢) بأنّ وجوب الحضور عليه يدلّ على وجوب الحضور على غيره أيضا ، وإلّا لقبح تكليف الإمام ، لتوقّفه على فعل لا يعلم إيقاعه من الغير.

وفيه ، أنّ الواجب هو الحضور ، وهو لا يتوقّف على فعل الغير ، فإن حضر العدد وجبت الفريضة ، وإلّا فلا.

وقيل : ظاهر الشيخ في «الخلاف» ثبوت التخيير للإمام أيضا (٣) ، ولا بدّ من ملاحظة قوله ، والتأمّل فيه.

ثمّ إنّ المحقّق وجماعة قالوا : على الإمام أن يعلمهم (٤) ، وفي «المنتهى» : يستحبّ أن يعلمهم (٥) ، والأخبار لا تفيد الوجوب.

فروع :

ذكرها [الشيخ] مفلح (٦).

الأوّل : يحرم البيع وشبهه بعد الأذان كالجمعة.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٩٤.

(٢) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦١ و ٢٦٢.

(٣) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٤ / ١٩٥ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٦٧٣ المسألة ٤٤.

(٤) المعتبر : ٢ / ٣٢٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٥ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٩٣.

(٥) منتهى المطلب : ٦ / ٧٥.

(٦) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٨٣ و ١٨٤.

٤٢٠