مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

وفي أمالي الصدوق رحمه‌الله ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إذا كان يوم الجمعة. إلى أن قال : فمن دنا إلى الإمام وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر ، ومن تباعد عنه واستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر ، ومن دنا من الإمام فلغى ولم يستمع كان له كفلان من الوزر ، ومن قال لصاحبه : «صه» فقد تكلّم ، ومن تكلّم فلا جمعة له» (١).

وأيضا فائدة الإصغاء يتمّ غالبا بعدم التكلّم.

ونقل عن أبي العبّاس في موجزه : أنّه يكره على الخطيب ، ويحرم على المستمع (٢).

وعن الشيخ و «المعتبر» القول بالكراهة مطلقا (٣) ، استضعافا لأدلّة التحريم ، وتعويلا على صحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ من خطبته ، فإذا فرغ تكلّم بينه وبين أن يقام إلى الصلاة» (٤).

قيل : «لا ينبغي» صريح في الكراهة (٥) ، وفيه تأمّل ، سيّما بملاحظة المعارض ، وقوله عليه‌السلام : «فإذا فرغ تكلّم بينه وبين أن يقام إلى الصلاة» لأنّه إباحة في مقام الحظر إلى أن يقام الصلاة ، ومعلوم أنّه بعد إقامة الصلاة حرام ، فتأمّل ، فظهر أنّ «لا ينبغي» فيها ليس للكراهة ، فتأمّل!

__________________

(١) لم نعثر عليها في الأمالي وغيره ، انظر! بحار الأنوار : ٨٦ / ١٨٣ الحديث ١٧.

(٢) نقل عنه في مفتاح الكرامة : ٣ / ١٢٤.

(٣) الخلاف : ١ / ٦٢٥ المسألة ٣٩٦ ، المعتبر : ٢ / ٢٩٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٢١ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٠ الحديث ٧١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٣٠ الحديث ٩٥٠١ مع اختلاف يسير.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢٩٥.

٨١

ونقل عن المرتضى رحمه‌الله : أنّه حرم في الخطبتين كلّ ما يحرم في الصلاة (١) ، والأدلّة تساعده ، إلّا أن يثبت إجماع على خلافه ، ولم يثبت ، فتأمّل جدّا!

الثامن : يجب الفصل بينهما بجلسة خفيفة ـ على ما هو المشهور بين الأصحاب ـ للتأسّي ، ولصحيحة ابن وهب : «الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها» (٢).

واحتمل في «المعتبر» الاستحباب ، لأنّ فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما يحتمل الوجوب يحتمل [أنّه] للاستراحة (٣).

وفيه ما عرفت مكرّرا من أنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام الإتيان بالواجب يجب متابعته ، إلّا أن تثبت ماهيّة العبادة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تثبت في موضع.

ويجب في هذا الجلوس الطمأنينة ، للتأسّي والأخبار (٤) ، وظاهر الصحيحة حرمة التكلّم أيضا ، واحتمال كون المراد النهي عن التكلّم بشي‌ء من الخطبة ، بعيد.

وينبغي كون الجلوس بقدر قراءة سورة التوحيد ، لحسنة ابن مسلم أنّه قال : «ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرء (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبته» (٥).

ولو خطب جالسا للعجز ، فصّل بينهما بالسكتة مطلقا ، أو بقدر قراءة التوحيد ، واحتمال الاضطجاع بينهما حينئذ ـ كما ظهر من «التذكرة» (٦) ـ لا يخلو

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ٢٩٥ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٧٦.

(٢) مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٨٥.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٣٤ الحديث ٩٥١١ و ٩٥١٢.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤١ الحديث ٦٤٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٣ الحديث ٩٥٣٠.

(٦) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٧٢.

٨٢

عن البعد.

التاسع : لا بدّ أن يكون الداعي على فعل الخطبة هو إطاعة الله ، لا الرياء والسمعة ، أو أخذ الاجرة مثلا ، حتّى تتحقّق الإطاعة ، ولعموم قولهم عليه‌السلام : «لا عمل إلّا بنيّة» (١) وأمثاله (٢) ، ولقوله عليه‌السلام : «هي صلاة حتّى ينزل الإمام» (٣) ، ولانصراف الإطلاق إلى ذلك ، ولا ينافيه كونها من قبيل المعاملات ، كما أنّ القيام والقعود وأمثالهما في الصلاة أيضا كذلك.

ومع عدم صحّتها بغير نيّة ، وكونها شرطا لها ـ لأنّ شرط الكلّ شرط لأجزائه جزما ، لأنّ الكلّ ليس إلّا الأجزاء ـ ليست بتوقيفيّة ، فكلّ ما يعدّ في العرف قياما وقعودا وطمأنينة وصبرا مثلا ، يكفي ، لأنّا نفهم المعنى من دون تأمّل ، وبناء المحاورات فيها على فهمنا جزما ، فتأمّل جدّا!

قوله : (أمّا استقبال الناس والسّلام عليهم). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الخطبة والوعظ بغير استقبال الناس لا يتمشّى ، وفي كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ واعظ قبلة ، يعني إذا خطب الإمام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس أن يستقبلوه» (٤).

وفي «الفقيه» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ واعظ قبلة ، وكلّ موعوظ قبلة للواعظ ـ يعني في الجمعة والعيدين و [صلاة] الاستسقاء ـ في الخطبة يستقبلهم [الإمام] ويستقبلونه حتّى يفرغ من خطبته» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٨٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٦ الحديث ٨٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٦ الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٣ الحديث ٩٤٤١.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٧ الحديث ٩٧٠٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧٥ الحديث ١٢٦١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٧ الحديث ٩٧٠٩.

٨٣

وأمّا السّلام عليهم ، فرواه في «التهذيب» ، عن علي عليه‌السلام قال : «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس» (١).

وأمّا الجلوس حتّى يفرغ المؤذّن ، فرواه في «التهذيب» بسنده عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّن» (٢).

وأمّا التعمّم شاتيا وقائظا والتردّي ببرد يمنيّة ، فقد ذكرنا في بحث أوّل الخطبة رواية سماعة الدالّة عليه ، إلّا أنّ فيها التخيير بين البرد اليمني أو العدني (٣) ، لكن العدن أيضا من بلاد اليمن ، بلا شبهة.

وفي صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام : «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة ، وليلبس البرد والعمامة ، ويتوكّأ على قوس أو عصا» (٤).

فيظهر مستند الاتّكاء ، وببالي ورود الرواية في الاتّكاء بالسيف أيضا (٥).

قيل : في الاتّكاء بالقوس والسيف إشعار بأنّ الإمام هو الأمير والحاكم ، لا إمام الجماعة.

وأمّا بلاغة الخطيب واتّصافه بما يأمر وانزجاره عمّا ينهى ، فلأن يؤثّر وعظه.

أمّا حكمه باستحباب الكلّ ـ مع عدم دلالة الروايات عليه ـ فإمّا للإجماع ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤٤ الحديث ٦٦٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٩ الحديث ٩٥٤٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤٤ الحديث ٦٦٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٩ الحديث ٩٥٤٦ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٧٤ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤٥ الحديث ٦٦٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤١ الحديث ٩٥٢٧.

(٥) لم نعثر على رواية تتضمّن الاتّكاء بالسيف ، ولكن قال في المبسوط : ١ / ١٤٨ : وينبغي أن يعتمد على سيف أو عصا أو قوس ، لأنّه روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل هكذا.

٨٤

أو بضميمة أصل البراءة ، لكنّه موقوف على جريان الأصل في العبادات ، وقد عرفت الحال فيه ، ومع ذلك يجري فيما لا ظهور له في الوجوب.

ونقل عن الشيخ في خلافه أنّه قال : بعدم استحباب السّلام المذكور ، معلّلا بأنّ الاستحباب كالوجوب يتوقّف على دليل (١).

ولعلّه رحمه‌الله غفل عن الرواية التي أشرنا إليها ، واستجود في «المدارك» قوله ، لقصور سند تلك الرواية (٢).

وفيه ، أنّ الشيخ كغيره يعمل في المستحبّات بالأحاديث القاصرة سندا بلا شبهة ، ومصباحه وغيره من كتبه مشحونة من ذلك ، سيّما وعلى استحباب هذا السّلام عمل الأصحاب ، كما صرّح به في «الذكرى» (٣).

مع أنّ التسامح في أدلّة السنن ممّا حقّق في محلّه ، ومسلّم بين الأصحاب ، وبسطنا الكلام فيه في حاشيتنا على «المدارك» (٤).

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٤ / ٨٧ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٦٢٤ المسألة ٣٩٤.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٨٧.

(٣) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٣٩.

(٤) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ١ / ٢٠ ـ ٢٤.

٨٥
٨٦

١١ ـ مفتاح

[مستحبّات يوم الجمعة]

يستحب يوم الجمعة البكور إلى المسجد ـ بعد حلق الرأس وقصّ الأظفار وأخذ الشارب ، والتجنّب عن كلّ ما ينفر ، والغسل ـ على سكينة ووقار ، متطيّبا ، لابسا أفضل الثياب ، داعيا بالمأثور ، كلّه للنصّ (١).

وقيل بوجوب الغسل (٢) ، لظواهر المعتبرة (٣) ، وحملت على التأكيد.

ووقته ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، بل إلى أن يصلّى الجمعة.

والأفضل لمن أراد البكور إلى المسجد أن يقدّمه عليه ، ويجوز تقديمه يوم الخميس لمن خاف عوز الماء ، للقويّين (٤) ، بل مع خوف الفوات مطلقا ، كما قاله الشيخ (٥) ، وكذا قضاؤه يوم السبت لمن فاته ، للمؤثّقين (٦) ، ويأتي كيفيّته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٥ الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

(٢) قاله الصدوق رحمه‌الله في من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ ذيل الحديث ٢٢٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٢ الحديث ٣٧٣٠ و ٣٧٣٢ و ٣٧٣٣ ، ٣١٥ و ٣١٦ الحديث ٣٧٤٠ و ٣٧٤٧.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٩ الحديث ٣٧٥٥ ، ٣٢٠ الحديث ٣٧٥٦.

(٥) المبسوط : ١ / ٤٠.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢١ الحديث ٣٧٥٩ و ٣٧٦٠.

٨٧
٨٨

قوله : (يستحبّ). إلى آخره.

لما رواه في «الكافي» : أنّ الباقر عليه‌السلام كان يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح (١).

ولما في رواية عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «فضّل الله الجمعة على غيرها من الأيّام ، وإن الجنان لتزخرف وتزيّن يوم الجمعة لمن أتاها ، وإنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة» (٢) ، الحديث.

وأمّا استحباب حلق الرّأس ، فلما ورد في بعض الأخبار : «أنّ الصادق عليه‌السلام كان يحلق رأسه في كلّ جمعة» (٣).

روى في «الكافي» و «الفقيه» عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّي لأحلق كلّ جمعة فيما بين الطلية إلى الطلية» (٤) ، فتأمّل!

ولما ورد من الأمر بالتزيّن يوم الجمعة (٥) ، والفقهاء أيضا أفتوا بذلك (٦).

وأمّا قصّ الأظفار وأخذ الشارب ، فلصحيحة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام قال : «أخذ الشارب والأظفار من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام» (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٢٩ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٨ الحديث ٩٥٤٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١٥ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٨٥ الحديث ٩٦٤٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ١٠٧ الحديث ١٦٢٩.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٨٥ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٧١ الحديث ٢٨٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٠٧ الحديث ١٦٢٩.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٥ الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

(٦) المقنعة : ١٥٩ ، المبسوط : ١ / ١٥٠ ، الكافي في الفقه : ١٥٢ ، السرائر : ١ / ٢٩٤ ، شرائع الإسلام : ١ / ٩٩.

(٧) الكافي : ٣ / ٤١٨ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٦ الحديث ٦٢٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٥٧

٨٩

وفي رواية اخرى : «أخذ الشارب والأظفار وغسل الرأس بالخطمي يوم الجمعة ينفي الفقر ويزيد في الرزق» (١).

وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام : «من أخذ شاربه وقلّم أظفاره وغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة» (٢).

وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام : «من أخذ شاربه وقلّم أظفاره يوم الجمعة وقال : بسم الله وبالله وعلى سنّة محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب الله له بكلّ شعرة وكلّ قلامة عتق رقبة ولم يمرض مرضا يصيبه إلّا مرض الموت» (٣).

وأمّا التجنّب عن كلّ ما ينفر ، فروي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيّب ويسرّح لحيته ويلبس أنظف ثيابه» (٤).

وورد أيضا المنع من أكل مثل الثوم ممّا يؤذي ريحه (٥).

وورد التنّور أيضا ، فروي في «الكافي» مرفوعا عن الصادق عليه‌السلام أنّه قيل له : يزعم بعض الناس أنّ النورة يوم الجمعة مكروهة ، فقال : «ليس حيث ذهبت ، أيّ طهور أطهر من النورة يوم الجمعة» (٦).

لكن روي أيضا : «أنّها [في] يوم الجمعة تورث البرص» (٧) ، وجمع بينها

__________________

الحديث ٩٥٦٩.

(١) الكافي : ٣ / ٤١٨ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٥٤ الحديث ٩٥٥٩.

(٢) الكافي : ٦ / ٥٠٤ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٦ الحديث ٦٢٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٥٤ الحديث ٩٥٥٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٠ الحديث ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٦٢ الحديث ٩٥٨٥ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٠ الحديث ٣٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٥ الحديث ٩٦٧٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٦ الباب ٢٢ من أبواب أحكام المساجد.

(٦) الكافي : ٦ / ٥٠٦ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٦٦ الحديث ٩٥٩٦.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٨ الحديث ٢٦٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٦٧ الحديث ٩٥٩٩.

٩٠

بأنّ من اعتقد أنّه يورث البرص.

وروى «الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام يقول : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطلي العانة وما تحت الأليين في كلّ جمعة» (١).

وأمّا الغسل ، فبالأخبار الكثيرة (٢) منها ما مرّ ، وللإجماع ، إلّا أنّه نسب إلى الصدوق القول بالوجوب (٣) ، وسيجي‌ء الكلام في ذلك مشروحا.

وأمّا كونه على سكينة ووقار ، فلما في آخر الصحيحة المذكورة : «وليتهيّأ للجمعة ، وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار» (٤) ، الحديث.

وأمّا التطيّب ولبس أفضل الثياب ، فلما في الصحيحة المذكورة (٥) وغيرها (٦).

وأمّا الدعاء بالمأثور ، فرواه أبو حمزة الثمالي عن الباقر عليه‌السلام قال : «ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء : اللهمّ من تهيّأ» (٧). إلى آخر الدعاء.

قوله : (وقيل بوجوب الغسل). إلى آخره.

مراده من القائل الصدوق رحمه‌الله فإنّه قال في «الفقيه» : وغسل الجمعة واجب على الرجال والنساء إلّا أنّه رخّص النساء في السفر لقلّة الماء ، ثمّ قال بعد ذلك : وغسل يوم الجمعة سنّة واجبة (٨).

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٥٠٧ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٦٧ الحديث ٩٥٩٧.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٥ الباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

(٣) نسبه المحقّق في المعتبر : ١ / ٣٥٣ ، العاملي في مدارك الأحكام : ٢ / ١٥٩ ، لاحظ! المقنع : ١٤٤.

(٤) مرّت الإشارة إلى مصادرها آنفا.

(٥) مرّت الإشارة إلى مصادرها آنفا.

(٦) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٦ الحديث ٩٦٧٨.

(٧) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٢ الحديث ٣١٦ ، بحار الأنوار : ٨٦ / ٣٢٩ الحديث ١.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ ذيل الحديث ٢٢٦.

٩١

لكن قال في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّ الغسل في سبعة عشر موطنا ، ليلة سبع عشر من شهر رمضان ، وليلة تسعة عشر منه ، وليلة إحدى وعشرين منه ، وليلة ثلاثة وعشرين منه والعيدين ، وعند دخول الحرمين ، [وعند الإحرام] وغسل الزيارة ، وغسل دخول البيت ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وغسل الميّت ، وغسل من غسل ميّتا وكفنه ومسه بعد ما يبرد بالموت وقبل تطهيره بالماء ، وهذه الأغسال الثلاثة فريضة ، وغسل يوم الجمعة ، وغسل قضاء الكسوف إذا احترق القرص كلّه ولم يعلم به الرجل ، وغسل الجنابة فريضة ، وكذلك غسل الحيض والاستحاضة والنفاس ، لأنّ الصادق عليه‌السلام قال : غسل الجنابة والحيض واحد (١) ، انتهى.

وهذه العبارة واضحة الدلالة في عدم قوله بوجوب غسل يوم الجمعة وأنّ ذلك من دين الإماميّة بحيث يجب الإقرار به.

وروى في عيونه عن الرضا عليه‌السلام ، فيما كتبه للمأمون من محض الإسلام : «وغسل يوم الجمعة سنّة ، وغسل العيدين ، ودخول مكّة والمدينة ، والزيارة ، والإحرام ، وأوّل ليلة من شهر رمضان ، وليلة سبعة عشر ، وليلة تسعة عشر ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان ، هذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الحيض مثله» (٢) ، انتهى.

ومن نقله هذا وعدم قدح ولا توجيه منه ، بل وظهور ارتضائه عنده ـ كما لا يخفى على الملاحظ المتأمّل ـ يظهر أيضا أنّ اعتقاده عدم وجوبه.

وفي «الفقيه» نقل مضمون ما قاله في أماليه رواية عن الباقر عليه‌السلام بأدنى

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥ مع اختلاف.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٥ الحديث ٣٧١٣.

٩٢

تفاوت (١) ، فيظهر أنّه رحمه‌الله في «الفقيه» أيضا فتواه على طريقة الاستحباب.

فما قيل من أنّ ظاهر الكليني وعلي بن بابويه أيضا هو الوجوب (٢) محلّ نظر ، لأنّ الصدوق رحمه‌الله أعرف بمذهبهما من غيره ، لأنّ أحد نسخ «الكافي» منه ، وأمّا والده فظاهر ، فكيف يقول من دين الإماميّة كذا وكذا؟

وسيجي‌ء أيضا ما يظهر منه أنّ الكليني لم يكن قائلا بالوجوب الاصطلاحي ، على أنّ الشيخ رحمه‌الله صرّح في «التهذيب» بأنّ الوجوب عندنا ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب على تركه اللوم والعتاب (٣).

مع أنّ كلامه في «الفقيه» إن بني على أنّ الوجوب عنده على طريقة المتشرّعة ، فالسنّة أيضا كذلك ، وإلّا فلم يظهر ثبوت هذه الحقيقة في زمانه واصطلاحه.

مع أنّه رحمه‌الله ربّما يفتي على طبق عبارة الحديث من دون توجيه ، بناء على أنّ مراده ما هو مراد المعصوم عليه‌السلام ، فمراده من لفظ «الوجوب» ما هو مراد المعصوم عليه‌السلام من هذا اللفظ ، بل ربّما كان غيره أيضا من القدماء يفعل كذلك.

مع أنّه لو كان مراده الوجوب الاصطلاحي الآن ، لما ناسبه الإتيان بلفظ السنّة ، لأنّه ربّما يوهم خلاف مقصوده لا أقلّ منه ، إذ لفظ «الوجوب» لو كان في زمانه حقيقة في المطلوب الذي لا يجوز تركه ـ وكان مراده من لفظه هو هذا المعنى ـ لما ناسبه قيد السنّة ، سيّما وأن يقدمه على لفظ «الوجوب» ويجعل الغسل سنّة ، إلّا أنّه يقيّده بالواجبة ، وخصوصا أنّه كتبه لمن لا يحضره الفقيه.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٤ الحديث ١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٤ الحديث ٣٧١١.

(٢) ذخيرة المعاد : ٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ، ذيل الحديث ١٣٢.

٩٣

فلو كان مراده الوجوب لناسبه التأكيد في الوجوب وعدم تجويز الترك ، سيّما إذا كان باقي الفقهاء في ذلك الزمان وقبله يقولون بالاستحباب ، هذا ظاهر في كون مراده شدّة تأكّد استحبابه.

ولو سلّمنا عدم الظهور ، فظهور خلافه من أين؟ بل الظاهر حينئذ أنّ مراده من السنّة ، هي السنّة الواردة في أحاديث هذا الغسل ، ومن الوجوب أيضا كذلك ، فهو رحمه‌الله جمع بين ما ورد في جميع الأخبار وأفتى به ، مع أنّ عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي» ، وعادته الفتوى بعين عبارته.

وسيظهر لك أنّ المراد من السنّة في هذه الأحاديث هو الاستحباب.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما عرفت من أماليه وغيره.

ويدلّ على استحبابه ما نقل الشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» من الإجماع عليه (١).

والإجماع المنقول حجّة ، لشمول أدلّة حجّية خبر الواحد ، بل الظاهر أنّ هذا الإجماع واقعي ، بملاحظة ما نقلنا عن «الأمالي» وغيره (٢) واتّفاق فتاوى القدماء والمتأخّرين ، إذ غاية ما يظهر من المخالفة ما نسب إلى الصدوقين والكليني ، وقد عرفت الحال.

مع أنّه لو كان واجبا على الرجال والنساء ، كما هو مقتضى ما نسب إلى مدّعيه واقتضاه أدلّته ، لكان ممّا يعمّ به البلوى ، ويكثر الحاجة إلى ذكر وجوبه والأمر به ، فكان رواة تلك الأخبار يلتزمون ويلزمون ويأمرون ، وباقي الشيعة إمّا يقبلون منهم ، أو يراجعون إلى أئمّتهم في عصرهم ، فكانوا يأمرون ، فكانوا هم أيضا يلتزمون ويلزمون في كلّ جمعة ، وهذا يقتضي الشيوع والذيوع بين الرجال

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٦١١ المسألة ٣٧٦.

(٢) مرّت الإشارة إليه آنفا.

٩٤

والنساء فعلا وقولا ، وكذا بين الأطفال أيضا المراهقين ، فكلّما يطول الزمان يشتدّ الشيوع ويزداد الظهور.

فكيف صار الأمر بالعكس؟ وظهر اتّفاق القدماء والمتأخّرين على البناء على الاستحباب فعلا ، حتّى أنّ صلحاء الشيعة ما التزموا به فضلا عن غيرهم ، سيّما مع كثرة الأخبار المتضمّنة لوجوبه.

ويدلّ على استحبابه أيضا أنّه لو كان واجبا ، لكان واجبا لنفسه ، بمقتضى الفتوى والأخبار.

والأخبار وردت بعنوان الكثرة في ضبط الواجبات الفرعيّة من أنّها الصلاة والصوم والزكاة وأمثالها ، وأنّ المكلّف لو امتثل بهذه المذكورات لم يسأل الله عن غيرها ، مع خلوّ الجميع عن الإشارة إلى غسل الجمعة ، فلاحظ.

ويدلّ عليه الأخبار أيضا مثل : صحيحة زرارة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن غسل الجمعة؟ فقال : «سنّة في السفر والحضر ، إلّا أن يخاف المسافر على نفسه القرّ» (١).

وصحيحة علي بن يقطين أنّه سأل الكاظم عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : «سنّة ، وليس بفريضة» (٢).

واعترض بأنّ إطلاق لفظ «السنّة» على ما ثبت بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون الكتاب شائع ، فلا يتعيّن حملها على ما يقابل الواجب (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٦ ، الاستبصار : ١ / ١٠٢ الحديث ٣٣٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٥ ، الاستبصار : ١ / ١٠٢ الحديث ٣٣٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٦.

(٣) ذخيرة المعاد : ٦.

٩٥

وهذا الاعتراض ليس بشي‌ء ، لأنّ الأصل عدم الوجوب وبراءة الذمّة عنه حتّى يثبت ، فيفهم بضميمته وملاحظته الاستحباب.

مع أنّ المتعارف عدم تأدية الواجب بما يفيد مجرّد الرجحان والقدر المشترك بينه وبين المستحب مع عدم لزوم أصلا ، بل هذا يناسب المستحب.

مع أنّ المثبت ليس إلّا ما ورد في الأخبار من لفظ «الوجوب» ، فإن بني على ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، فاللازم حمل السنة على المعنى الحقيقي ، ومجرّد الاستعمال بل وكثرة الاستعمال لا ضرر فيه ، ولذا لفظ العام حقيقة في العموم وإن كثر استعماله في الخصوص إلى أن قالوا : ما من عام إلّا وقد خصّ (١) ، وتلقّوه بالقبول ، وكذا الحال في استعمال الأمر في الاستحباب وغير ذلك ، وإطلاق لفظ «السنّة» الآن يتبادر منه ما يقابل الوجوب.

وإن بني على عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، فلا يكون دليل يظهر منه الوجوب الاصطلاحي ، فلا حاجة إلى الاستدلال على الاستحباب لمكان الأصل ، والاستدلال إنّما هو بناء على تسليم الثبوت ، إلّا أن يقال بثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ «الوجوب» دون «السنّة» ، فمع أنّه خلاف المعهود من المعترض والمستدلّ ، لا وجه للاعتراض بأنّه يستعمل في كذا ، فلعلّه مراد ، ومع ذلك فلا بدّ من التأمّل فيما ثبت.

على أنّا نقول : حمل السنّة هنا على ما ثبت من السنّة بعيد ، إذ الظاهر أنّ سؤال هذين الجليلين كان عن لزوم فعله وعدمه ، لا عن مأخذ حكمه.

مع أنّ السنّة إذا استعمل فيما ثبت من غير الكتاب ، يكون المراد من الكتاب ظاهر الكتاب بلا شبهة ، وإلّا فلا رطب ولا يابس إلّا فيه ، وجميع ما ثبت بالسنّة

__________________

(١) معالم الدين في الاصول : ١١٩.

٩٦

داخل فيه.

وظاهر أنّه ليس في ظاهر الكتاب ما يفيد وجوب هذا الغسل فكيف يخفى على مثل هذين الفقيهين الجليلين؟

مع أنّ تقدير لفظ المأخذ في العبارة خلاف الأصل والظاهر ، مع أنّ الطريقة في جميع المواضع السؤال بمثل ذلك عن الحكم الشرعي.

مع أنّ السؤال يكون ظاهرا في كونه عن المأخذ فاسد قطعا ، والمعصوم عليه‌السلام في الجواب ما استفصل أنّ مرادك في السؤال ما ذا؟

مع أنّ المناسب في الجواب حينئذ أن يقول : مأخذه السنّة ، لا أن يقول : سنّة في السفر والحضر ، إلّا أن يخاف على نفسه القرّ ، إذ التعرّض لذكر السفر والحضر أيّ مناسبة له؟ خصوصا بعد ضمّ الاستثناء المذكور.

ويؤيّده أيضا ضمّ غسل الأضحى والفطر في رواية علي بن يقطين (١).

هذا كلّه ، مضافا إلى ما سبق من الأصل ، وظهور كون لفظ القدر المشترك في الاستحباب.

ويدلّ عليه أيضا مرسلة يونس ، عن الصادق عليه‌السلام : «الغسل في سبعة عشر موطنا : منها الفرض ثلاثة» وأراد منها «غسل الجنابة ومسّ الميّت والإحرام» (٢) ، ولا شكّ في أنّ الأخيرين غير ظاهرين من القرآن.

ويدلّ عليه أيضا الرواية التي نقلناها عن «العيون» (٣).

وما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن القاسم ـ وهو الجوهري ـ عن علي ـ

__________________

(١) مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٥ الحديث ٢٧١ ، الاستبصار : ١ / ٩٨ الحديث ٣١٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٧٤ الحديث ١٨٥٥ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٩٢ من هذا الكتاب.

٩٧

وهو البطائني ـ عن الصادق عليه‌السلام : غسل العيدين أواجب هو؟ فقال : «[هو] سنّة» ، فقلت : فالجمعة؟ فقال : «[هو] سنّة» (١).

والدلالة في غاية الوضوح ، لأنّ السنّة هنا في مقابل الواجب ، والسند منجبر بالشهرة.

وما رواه الكليني والشيخ ـ في الصحيح ـ عن الحسين بن خالد ، عن الكاظم عليه‌السلام أنّه سأله كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا؟ قال : «إنّ الله أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة ، و [أتمّ] صيام الفريضة بصيام النافلة ، و [أتمّ] وضوء النافلة بغسل [يوم] الجمعة ما كان [في ذلك] من سهو ، أو تقصير [أو نسيان] ، أو نقصان» (٢).

ورواه في موضع آخر : «وأتمّ وضوء الفريضة بغسل [يوم] الجمعة» (٣) ، ولا يخفى ظهورها في الاستحباب.

وما رواه الكليني والشيخ ، عن الأصبغ قال : كان علي عليه‌السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل قال : «والله. لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة ، فإنّه لا يزال في طهر إلى يوم الجمعة الاخرى» (٤).

وهذه أيضا ظاهرة في الاستحباب ، بملاحظة التعليل المذكور في مقام التوبيخ ، فيظهر من هذه الرواية والرواية السابقة حال الكليني أيضا ، وأنّه ما كان

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٧ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١١ الحديث ٢٩٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٣ الحديث ٣٧٣٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٩ الحديث ٢٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٩ الحديث ٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٨ الحديث ٣٧٥١ مع اختلاف يسير.

٩٨

قائلا بالوجوب الحقيقي الاصطلاحي.

وما رواه الشيخ ـ في القوي ـ عن سهل بن اليسع الثقة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن الرجل يدع الغسل يوم الجمعة ناسيا أو غير ذلك ، قال : «إن كان ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن كان متعمّدا فالغسل أحبّ إليّ ، وإن هو فعل فليستغفر الله ولا يعود» (١).

والاستغفار لتركه الأولى ، سيّما مثل هذا المستحبّ الشديد الاستحباب.

فأمّا ما يدلّ بظاهره على الوجوب مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «الغسل واجب يوم الجمعة» (٢) فقد عرفت أنّ راوي هذه الرواية روى ما دلّ على استحبابه (٣).

وروى هو أيضا عن الباقر عليه‌السلام أنّه : «لا تدع غسل يوم الجمعة فإنّه سنّة ، وشمّ الطيب ، وألبس صالح ثيابك ، وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال ، فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار ، وقال : الغسل واجب يوم الجمعة» (٤) ، فتأمّل!

مضافا إلى أنّ ثبوت كون الوجوب حقيقة في المصطلح عليه الآن محلّ تأمّل ، وموجب لكون السنّة أيضا حقيقة في المصطلح عليه الآن ، والتفكيك بينهما يتوقّف على الثبوت ، وبعد الثبوت يتعيّن الحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلّة.

لا يقال : كما يجوز الجمع هكذا ، يجوز حمل ما دلّ على السنّة على كون ثبوته من السنّة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٣ الحديث ٢٩٩ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٨ الحديث ٣٧٥٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٦ الحديث ١٢١٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٥ الحديث ٣٧٤٠ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٩٥ من هذا الكتاب.

(٤) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٦ الحديث ٩٦٧٨.

٩٩

لأنّا نقول : ظهر لك ما يأتي عن ذلك من وجوه متعدّدة ، سلّمنا ، لكن الأصل براءة الذمّة عن الوجوب ، ومنه ظهر أنّه لو لم يبن على الجمع ، يكون الأصل أيضا براءة الذمّة.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن سائر الأخبار الواردة بلفظ «الوجوب» ، وهي كثيرة مثل : صحيحة منصور بن حازم (١) ، وصحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، وحسنة ابن المغيرة (٣) ، وقويّة محمّد بن عبد الله (٤) وقويّة حريز (٥) ، وموثّقة سماعة (٦) ، وغيرها من الأخبار (٧).

لكن الأحوط عدم الترك ، لمكان الشبهة ، والحثّ العظيم على فعله ، وكثرة التعنيف بإهماله ، بل عبّر الأئمّة عليهم‌السلام بعبارات ملزمة كي لا يسامح في هذا الخطب الجسيم ، والفوز العظيم ، وإن لم يكن في تركه العقاب ، لكن يكون فيه العتاب وما يقرب العقاب من البعد عن رحمة الله تعالى.

ومراتب المطلوبيّة متفاوتة ضعفا وشدّة ، فربّما تصل إلى حدّ تقرب مطلوبيّة الواجب ، ولكن لا تصلها ، ومثل هذا ما كان الأئمّة عليهم‌السلام يرخّصون في تركه ، بل

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١١ الحديث ٣٧٢٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٧ الحديث ٦٢٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٤١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١١ الحديث ٢٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٢ الحديث ٣٧٣٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٢ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١١ الحديث ٢٩٢ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٢ الحديث ٣٧٣٣.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٠ الحديث ٣٧٥٧.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٣ الحديث ٣٠٠ ، الاستبصار : ١ / ١٠٤ الحديث ٣٤٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢١ الحديث ٣٧٥٩.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣١١ الباب ٦ ، ٣٢٠ الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة.

١٠٠