مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

القول في بقيّة الفرائض

قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) (١) يعني : في الفطر ، كما في الصحيح (٢).

وقال عزوجل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٣) قيل : أي في الأضحى ، كما في الخبر (٤).

وقال سبحانه (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٥) يعني : بعد الطواف.

وقال سبحانه (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) (٦) أي : أيّا ما كان.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الكسوفين : «إذا رأيتم ذلك فصلّوا» (٧).

__________________

(١) الأعلى (٨٧) : ١٤ ، ١٥.

(٢) تفسير نور الثقلين : ٥ / ٥٥٦ الحديث ٢١ ، تفسير الصافي : ٥ / ٣١٧ الحديث ١٥.

(٣) الكوثر (١٠٨) : ٢.

(٤) مجمع البيان : ٦ / ٢٥٢ (الجزء ٣٠).

(٥) البقرة (٢) : ١٢٥.

(٦) الأنعام (٦) : ١٥٢.

(٧) سنن النسائي : ٣ / ١٢٦ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٣ / ٣٢٠ مع اختلاف يسير.

٣٤١

٢١ ـ مفتاح

[وجوب صلاة العيدين]

تجب الصلاة في العيدين الفطر والأضحى على الأعيان للكتاب والسنّة والإجماع.

وهي ركعتان بالصحاح والإجماع ، ويشترط فيهما ما يشترط في اليوميّة بالإجماع ، بل ما يشترط في الجمعة أيضا ، كما يستفاد من المعتبرة (١) سوى الخطبتين ، فإنّ الأصحّ عدم اشتراطهما فيهما ، وفاقا للعلّامة (٢) لاستحبابهما هاهنا ، وعدم وجوب استماعهما إجماعا ، والقول بوجوبهما (٣) ضعيف.

وهما بعد الصلاة هاهنا ، وتقديمهما بدعة بإجماعنا والمعتبرة (٤) ، وكيفيّتهما مثل كيفيّة خطبتي الجمعة ، غير أنّ الإمام يذكر في خطبة الفطر ما يتعلّق بالفطرة من الشرائط والقدر والوقت ، وفي الأضحى ما يتعلّق بالأضحية.

والروايات في اشتراط وجوب صلاة العيدين بحضور المعصوم متشابهة ، ومع اختلال الشرائط يستحبّ الإتيان بها فرادى ، لدلالة بعض الروايات عليه ، وفي جواز الجماعة فيها حينئذ قولان [الأحوط المنع].

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٨٢ الباب ٣٩ من أبواب صلاة العيد.

(٢) نهاية الإحكام : ٢ / ٥٥ ، قواعد الأحكام : ١ / ٣٨.

(٣) المبسوط : ١ / ١٦٩ ، السرائر : ١ / ٣١٧ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٣٨ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٦١ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٣ / ١٧٧ ـ ١٨٠.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٠ الباب ١١ من أبواب صلاة العيد.

٣٤٢

قوله : (للكتاب). إلى آخره.

وهو الذي ذكره المصنّف من قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ) (١) الآيتان ، فإنّ المراد زكاة الفطرة وصلاة العيد ، على ما ذكره جمع من المفسّرين (٢) ، بعد ما ثبت من الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (٣).

وقوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٤) قيل : المراد صلاة العيد الأضحى ونحر البدن ، كما ورد في الخبر (٥).

وورد أيضا أنّ المراد رفع اليدين حال التكبير في الصلاة إلى ما يحاذي اللبة ، وغير ذلك (٦).

وأمّا السنّة ، فهي كثيرة ، منها صحيحة جميل ، عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ صلاة العيدين فريضة» (٧). إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا الإجماع ، فقد نقله جماعة ، منهم المحقّق والعلّامة (٨) ، وهو كذلك.

__________________

(١) الأعلى (٨٧) : ١٤.

(٢) تفسير الصافي : ٥ / ٣١٧ الرقم ١٥ ، تفسير القمّي : ٢ / ٤١٧ ، مجمع البيان : ٦ / ١٠٩ (الجزء ٣٠) ، تفسير الكشّاف : ٤ / ٧٤٠ ، البرهان في تفسير القرآن : ٤ / ٤٥٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٣ الحديث ١٤٧٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٠ الحديث ٩٨٣٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٥ الحديث ١٢٢٢١.

(٤) الكوثر (١٠٨) : ٢.

(٥) التبيان : ١٠ / ٤١٨ ، مجمع البيان : ٦ / ٢٥٢ (الجزء ٣٠) ، تفسير الطبري : ٣٠ / ٢١١.

(٦) مجمع البيان : ٦ / ٢٥٣ (الجزء ٣٠) ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦ الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٥٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٧ الحديث ٢٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٣ الحديث ١٧١١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤١٩ الحديث ٩٧٣٩.

(٨) المعتبر : ٢ / ٣٠٨ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٢٥١ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ١١٩ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٥٥.

٣٤٣

وأمّا كونها ركعتين ، فبالإجماع ، بل الضرورة من الدين والصحاح وسنذكرها ، وعن معاوية ، قال : سألته عليه‌السلام عن صلاة العيدين؟ فقال : «ركعتان» (١) ، الحديث.

وأمّا كون شرائط اليوميّة شرائطها ، فدليله الإجماع كما ذكره ، كما أنّ الجمعة أيضا كذلك ، وكذا أجزاؤها كالجمعة بالإجماع ، فإنّ العبادات توقيفيّة ، لا بدّ من ثبوت ماهيّتها من الشرع ، ومرّ الكلام مفصّلا في صلاة الجمعة.

وأمّا أنّه يشترط فيها ما يشترط في الجمعة إلّا ما أخرجه الدليل ، فظاهر الأصحاب اتّفاقهم عليه ، بل قال في «التذكرة» : إنّما تجب العيد على من تجب عليه الجمعة عند علمائنا أجمع (٢) ، وفي «المنتهى» قال : لا نعرف فيه خلافا (٣).

مع أنّ الشرائط المعتبرة في الجمعة من جملتها العدد ، وقد أجمع الأصحاب على اشتراطه هنا أيضا ، حكاه في «المنتهى» (٤) ، ويظهر صدقه من ملاحظة فتاوى الفقهاء.

وروى الصدوق ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في صلاة العيدين : «إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» وقال : «تقنت في الركعة الثانية» ، قال : قلت : يجوز بغير عمامة؟ قال : «نعم ، والعمامة أحبّ إليّ» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٨ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٨ الحديث ١٧٣٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٠ الحديث ٩٧٧٢.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٢١ المسألة ٤٣٥.

(٣) منتهى المطلب : ٦ / ٢٧.

(٤) منتهى المطلب : ٦ / ٣٠.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣١ الحديث ١٤٨٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٨٢ الحديث ٩٩١٣.

٣٤٤

ولعلّ قوله عليه‌السلام : «تقنت». إلى آخره ، لأجل صلاة الجمعة لا هذه ، وعلى تقدير كون المراد هذه ، فدفع توهّم حاصل من قوله : «كما يصنعون يوم الجمعة» ، إذ ورد في الأخبار الكثيرة أنّ القنوت في الجمعة في الركعة الاولى (١) ، فتوهّم في هذه الصلاة أيضا كذلك ، فدفعه بأنّه يقنت في الركعة الثانية أيضا ، لأنّ فيها قنوت موظّف معروف ، كما ستعرف ، فتأمّل!

والظاهر من هذه الصحيحة كون العدد المعتبر هنا ، هو العدد المعتبر في الجمعة.

وورد في صلاة الجمعة أيضا ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه» (٢) ، وبيّنا في بحث الجمعة أنّ المراد في هذا الخبر أنّ كلّ واحد من العددين شرط ، السبعة شرط في الوجوب العيني ، والخمسة في الوجوب التخييري (٣).

فالظاهر من هذه الصحيحة أنّ الأمر هنا أيضا مثل الجمعة ، وإلّا فلا وجه للتعبير بهذه العبارة هنا أيضا ، ففيها إشارة إلى ما أشار عليه‌السلام في الجمعة إليه على ما بيناه في الجمعة ، فلاحظ.

ونقل عن ابن أبي عقيل أنّه ذهب إلى اشتراط السبعة هنا مع اكتفائه بالخمسة في الجمعة ، وقال : لو كان إلى القياس ، لكان جميعا سواء ، لكنّه تعبّد من الخالق سبحانه (٤).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٢٧٠ الباب ٥ من أبواب القنوت.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١٩ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢١ الحديث ٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٤١٩ الحديث ١٦٠٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٣ الحديث ٩٤١٢.

(٣) راجع! الصفحة : ٣١٠ و ٣١١ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٤) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٥١.

٣٤٥

وعبارته هذه في غاية الظهور في اتّحاد صلاة الجمعة مع هذه الصلاة في الشرائط ، كما ادّعى عليه الإجماع (١).

ولعلّ نظره رحمه‌الله إلى الأخبار الواردة في الجمعة المتضمّنة بظواهرها لاعتبار خصوص الخمسة فإنّها صحاح كثيرة (٢) ، ولذا اختار أكثر الأصحاب الخمسة في الجمعة ، ويكون حاله فيها حال الأكثر.

وأمّا في المقام ، فلمّا لم يرد سوى هذه الصحيحة بحسب الظاهر ، وظاهر عدم الضيق وعدم عينيّة الوجوب في الخمسة ـ كما بيّناه ـ فاختار السبعة ، والحقّ اتّحادها مع الجمعة فيه ، كما قلنا.

ومن جملتها : الجماعة ، واشتراطها هنا ـ أيضا ـ إجماعي منصوص ، كما عرفت.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه» (٣).

ومن جملتها : الوحدة ، وظاهر الأصحاب اشتراطها أيضا. لأنّهم أطلقوا مساواتها للجمعة في الشرائط.

ونقل عن الحلبي تصريحه بذلك (٤) ، محتجّا بأنّه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه صلّى في زمانه عيدان في بلد ، كما لم ينقل أنّه صلّيت جمعتان ، وبصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «قال الناس لأمير المؤمنين عليه‌السلام : ألا تخلف رجلا يصلّي

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٤٤ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٣ الباب ٢ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

(٣) ثواب الأعمال : ١٠٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٨ الحديث ٢٧٣ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٥.

(٤) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٤ / ٩٥ و ٩٦ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٥٤.

٣٤٦

العيدين؟ قال : لا اخالف السنّة» (١).

قال في «المدارك» : وهما لا يدلّان على المنع ، ومن ثمّ توقّف العلّامة في «التذكرة» و «النهاية» في اشتراط ذلك (٢) وهو في محلّه (٣) ، انتهى.

أقول : قد عرفت أنّ العبادات توقيفيّة موقوفة على الثبوت من الشرع ، وقد عرفت النزاع في كون ألفاظها أسامي للصحيحة أو الأعم ، وأنّه لم يثبت كونها أسامي للأعم لو لم نقل ثبوت كونها أسامي للصحيحة ، والثبوت إمّا من القول أو الفعل ، والأوّل منعدم ، والثابت من الفعل هو الوحدة. لأنّه ثابت جزما ، والتعدّد غير ثابت ، وهو رحمه‌الله كثيرا ما يثبت الشرط بهذا النحو ، كما لا يخفى.

والإجماع أيضا إنّما تمّ في الوحدة خاصّة لو لم نقل بالإجماع على اتّحاد الجمعة مع هذه الصلاة في الشرائط.

مع أنّ الواجب العيني على كلّ أحد كيف يجعله الشارع مقصورا خلف الواحد؟ ولو لم يجعله مقصورا لاقتضى العادة شيوع تحقّقها متعدّدة ، واشتهاره وظهوره بحيث لا يقبل (٤) الخفاء ، فكيف صار الأمر بالعكس حتّى ظهر من الفقهاء ما ظهر؟ إلى غير ذلك ممّا مرّ في صلاة الجمعة ، فلاحظ.

ثمّ قال : وذكر الشهيد رحمه‌الله (٥) ومن تأخّر (٦) أنّ هذا الشرط إنّما يعتبر مع وجوب الصلاتين ، فلو كانتا مندوبتين أو أحدهما لم يمنع التعدّد (٧) ، انتهى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٧ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥١ الحديث ٩٨٣٨.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٢٣ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٥٦.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٩٦.

(٤) في (ز ٣) : لم يقبل.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٧٣ ، البيان : ٢٠١ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٩٢.

(٦) روض الجنان : ٢٩٩.

(٧) مدارك الأحكام : ٤ / ٩٦.

٣٤٧

لا يخفى أنّ هذه الشرائط إنّما هي شرائط وجوبها ، وأمّا إذا اختلّت الشرائط وسقط الوجوب ، فسيجي‌ء حالها.

ومن جملتها : الخطبتان. وقد صرّح في «المبسوط» باشتراطهما ، وقال : شرائطهما شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة (١) ، وكذا الحال بالنسبة إلى عبارة غيره من الفقهاء كما أشرنا.

ويدلّ عليه ما أشرنا من أنّ العبادة لا بدّ من ثبوتها من الشرع ، حتّى يحكم بأنّها المطلوبة شرعا ، وأنّ الثبوت منحصر في الأخبار والإجماع وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، ولا شبهة في أنّهم عليهم‌السلام كانوا يخطبون ، فالإجماع وفعلهم عليهم‌السلام قد عرفت.

وأمّا الأخبار ، فيظهر منها أيضا حيث ذكروا عليهم‌السلام في مقام بيان هذه الصلاة أنّ الخطبة بعدها ، مثل : صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في صلاة العيدين ، قال : «الصلاة قبل الخطبتين والتكبير بعد القراءة سبع في الاولى وخمس في الأخيرة» (٢).

وصحيحة معاوية قال : سألته عليه‌السلام عن صلاة العيدين؟ فقال : «ركعتان». إلى أن قال : «والخطبة بعد الصلاة» (٣).

وقويّة سليمان بن خالد ، عن الصادق عليه‌السلام في صلاة العيدين ، قال : «كبّر ستّ تكبيرات واركع بالسابعة ، ثمّ قم في الثانية فاقرأ ، ثمّ كبّر أربعا واركع بالخامسة ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٦٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٨٦٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤١ الحديث ٩٨٠٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٠ الحديث ٩٨٠٢.

٣٤٨

والخطبة بعد الصلاة» (١). إلى غير ذلك.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : أدركت الإمام على الخطبة؟ قال : «تجلس حتّى يفرغ [من خطبته] ، ثمّ تقوم وتصلّي» ، قلت : القضاء أوّل صلاتي أو آخرها؟ قال : «لا ، بل أوّلها وليس ذلك إلّا في هذه الصلاة» ، قلت : فما أدركت مع الإمام من الفريضة وما قضيت ، قال : «أمّا ما أدركت من الفريضة فهو أوّل صلاتك وما قضيت فآخرها» (٢).

ولا يخفى دلالتها على وجوب الخطبة ، وكونها من تتمّة الفريضة وآخرها ، وأنّه لا يجوز الصلاة حتّى يفرغ الإمام من الخطبة.

وقال في «المدارك» : وجزم العلّامة في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا (٣) ، وهو كذلك تمسّكا بمقتضى الأصل ، والتفاتا إلى أنّ الخطبتين متأخّرتان عن الصلاة ، ولا يجب استماعهما إجماعا ، فلا يكونان شرطا (٤) ، انتهى. وفيه ما عرفت وستعرف.

ومن جملتها : الحضور ، فلا يجب على المسافر مثل الجمعة ، لما عرفت ، ولصحيحة زرارة : «إنّما صلاة العيدين على المقيم» (٥) ، وصحيحة الفضيل ـ وغيرهما من الأخبار (٦) ـ : «وليس في السفر جمعة ، ولا فطر ولا أضحى» (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٠ الحديث ٢٨١ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٨ الحديث ١٧٣٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٦ الحديث ٩٧٨٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٦ الحديث ٣٠١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٥ الحديث ٩٧٥٨.

(٣) نهاية الإحكام : ٢ / ٥٥ و ٥٦.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ٩٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٨٦٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٤٩ ، ٤٣١ الحديث ٩٧٧٥.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣١ الباب ٨ من أبواب صلاة العيد.

(٧) المحاسن : ٢ / ١٢٢ الحديث ١٣٣٩ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٣ الحديث ١٢٨٧ ، وسائل الشيعة :

٣٤٩

ومن جملتها : الذكورة ، كما هو الحال في صلاة الجمعة ، لما عرفت ، ولصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : «إنّما رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للنساء العواتق في الخروج إلى العيدين للتعرّض للرزق» (١).

ورواية يونس بن يعقوب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن خروج النساء في العيدين والجمعة؟ فقال : «لا ، إلّا امرأة مسنّة» (٢).

ورواية محمّد بن شريح عنه عليه‌السلام عن خروج النساء في العيدين ، فقال : «لا ، إلّا عجوز عليها منقلاها ، يعني الخفّين» (٣) ، وغيرها من الأخبار (٤).

ومن جملتها : الصحّة ، لما عرفت ، ولرواية هارون بن حمزة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلّي في بيته؟ قال : «لا» (٥).

ومن جملتها : الإمام ، لما عرفت ، ولصحيحة زرارة : «ومن لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه» (٦).

وصحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن صلاة يوم الفطر

__________________

٧ / ٤٣١ الحديث ٩٧٧٤.

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٨٥٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧١ الحديث ٩٨٨٧.

(٢) الكافي : ٥ / ٥٣٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٣٨ الحديث ٢٥٥٢٩.

(٣) الكافي : ٥ / ٥٣٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٢ الحديث ٩٨٨٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧١ الباب ٢٨ من أبواب صلاة العيد.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢١ الحديث ١٤٦٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٨ الحديث ٨٦٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٥ الحديث ١٧٢١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٥٠.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٥٩ الحديث ١ ، ثواب الأعمال : ١٠٣ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٣ الحديث ٩٧٥٢.

٣٥٠

والأضحى؟ فقال : «ليس صلاة إلّا مع إمام» (١).

وصحيحة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام : «إنّما صلاة العيدين على المقيم ولا صلاة إلّا بإمام» (٢) وموثّقة سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا صلاة في العيدين إلّا مع الإمام ، وإن صلّيت وحدك فلا بأس» (٣). إلى غير ذلك.

ومن جملتها : كون هذا الإمام هو السلطان العادل أو من نصبه للصلاة ، لما عرفت هنا ، وفي مبحث الجمعة ، ولما ذكره في «المنتهى» من اتّفاق الأصحاب على هذا الشرط (٤) ، ولما مرّ في صلاة الجمعة ممّا يدلّ عليه من الأخبار (٥) مثل «الصحيفة السجّاديّة» (٦) وغيرها ، وما دلّ عليه من العقل ، مثل استحالة تحقّق الواجب العيني عادة من جميع المكلّفين على وفق الصواب من دون نصب من الشرع ، وغير ذلك.

وأيضا عرفت ورود الخبر بأنّه : «ما من يوم عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلّا وهو يجدّد لآل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ حزنا» ، قال الراوي : ولم؟ قال : «إنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم» (٧).

وهذا الخبر رواه الكليني في الموثّق ـ كالصحيح ـ عن علي بن الحسن ، عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٨ الحديث ٢٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٨٦٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٤٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٥٩ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٨ الحديث ٢٧٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٥ الحديث ١٧١٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٧.

(٤) منتهى المطلب : ٥ / ٣٣٤ ، ٦ / ٢٧.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٩٦ ـ ٢٩٨ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٦) الصحيفة السجّاديّة الجامعة : ٣٥١.

(٧) علل الشرائع : ٣٨٩ الحديث ١ الباب ١٢٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٥ الحديث ٩٨٩٨.

٣٥١

حنّان بن سدير ، عن عبد الله بن دينار ، عن الباقر عليه‌السلام (١) ، وكذلك الصدوق في «الفقيه» (٢) ، مع أنّهما قالا في صدر كتابهما ما قالا ، والشيخ رواه عن الحسن بن محبوب ـ في الصحيح ، وهو ممّن أجمعت العصابة على قول (٣) ـ عن حنّان ، عن عبد الله ، عن الباقر عليه‌السلام (٤) ، فالرواية في غاية الاعتبار ، مع أنّها منجبرة بفتاوى الأصحاب ، بل الإجماعات المنقولة ، وغيرها ممّا عرفت وستعرف.

ويؤيّدها أيضا ، ما ورد : «من أنّ هذه الامة المتحيّرة الضالّة لا يوفّقون لفطر ولا أضحى بعد قتل الحسين عليه‌السلام ، فلا جرم والله ما وفّقوا ولا يوفّقون حتّى يثأر بثأر الحسين عليه‌السلام» (٥) فتأمّل في وجه التأييد!

وورد أيضا : «إنّ على الإمام عليه‌السلام أن يخرج من السجن من هو محبوس فيه ، ويوكّل عليهم حتّى إذا قضوا الصلاة ردّهم إليه» (٦).

وأيضا عرفت من أخبار صحاح ومعتبرة أنّ الإمام شرط (٧) ، ومرّ في بحث الجمعة أنّ المتبادر من لفظ «الإمام» على الإطلاق إمام العصر (٨) ، ولذا استدلّ الفقهاء الماهرون في الجمعة وفي المقام كذلك ، ومنهم العلّامة في «المنتهى»

__________________

(١) الكافي : ٤ / ١٦٩ الحديث ٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٤ الحديث ١٤٨٤.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٩ الحديث ٨٧٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٥ الحديث ٩٨٩٨.

(٥) الكافي : ٤ / ١٧٠ الحديث ٣ ، علل الشرائع : ٣٨٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٩٥ الحديث ١٣٤٥٥ نقل بالمضمون.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٥ الحديث ٨٥٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٠ الحديث ٩٥٢٣ ، مع اختلاف.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٣ الباب ٢ من أبواب صلاة الجمعة.

(٨) راجع! الصفحة : ٣٤١ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

٣٥٢

وغيره (١).

قال في «المدارك» : وعندي في هذا الاستدلال نظر ، إذ الظاهر من «الإمام» هنا إمام الجماعة لا الإمام عليه‌السلام ، كما يظهر من تنكير الإمام ولفظ الجماعة ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيّب بما وجد وليصلّ وحده كما يصلّي في الجماعة» (٢).

وفي موثّقة سماعة : «لا صلاة في العيدين إلّا مع إمام ، وإن صلّيت وحدك فلا بأس (٣)» (٤).

أقول : يظهر من الموثّقة أنّ الإمام ليس إمام الجماعة حيث قال للصادق عليه‌السلام : متى يذبح؟ قال : «إذا انصرف الإمام» قلت : فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فاصلّي بهم جماعة؟ فقال : «إذا استقبلت الشمس» فقال : «لا بأس أن تصلّي وحدك ولا صلاة إلّا مع إمام» (٥).

وقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا مع إمام» لعلّ الظاهر منه أنّ صلاة العيد لا يتحقّق ماهيّتها بغير إمام أو صحّتها ، وأنّ الحكم هكذا شرعا واقعا ، إلّا أنّ الإمام عليه‌السلام لمّا لم يكن مبسوط اليد ودائما مع التقيّة والخوف ، ومن هذه الجهة لا يمكن تحقّقها منه إلى أن يخرج القائم عليه‌السلام أجاز الله تعالى صدورها منكم وحدكم ، كي لا تكونون

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٣٣٤ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٠ و ٢١ المسألة : ٣٨٢ ، الروضة البهيّة : ١ / ٢٩٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٦٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٦ الحديث ٢٩٧ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٤ الحديث ٩٧٥٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٥٩ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٨ الحديث ٢٧٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٥ الحديث ١٧١٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٧.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ٩٤ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٨٦١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٤٨ مع اختلاف يسير.

٣٥٣

محرومين من هذه الفضيلة العظمى ، لكن هذه الصلاة ليست صلاة العيد حقيقة. كيف؟ وهي فريضة ، بل ومن الفرائض الشديدة ، فكيف تكون مستحبّة؟ فهي من قبيل اليوميّة المعادة وأمثالها ، كما مرّ في صلاة الجمعة (١). وعلى فرض صحّة وقوعها جماعة أيضا ، فهي في حكم الفرادى ، كما ظهر من بعض الأخبار في الجمعة (٢) ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك.

فقوله عليه‌السلام : «لا بأس أن تصلّي وحدك» لا ينافي قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا مع إمام» ، لأنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، ومرّ التحقيق في بحث الجمعة.

ويظهر منها أنّ سماعة كان يفهم من لفظ إمام هذه الصلاة إمام الأصل عليه‌السلام أو المنصوب لذلك ، ولذا سأل ما سأل ، فمراده أنّه إذا كنت في أرض ليس فيها إمام فاصلّي بهم جماعة ثمّ نذبح؟ لأنّ سؤاله أوّلا كان عن وقت الذبح ، ولمّا قال المعصوم عليه‌السلام : «بعد انصراف الإمام» سأل ثانيا ما سأل ، يعني لأجل وقوع الذبح بعد الصلاة ، كما أمرتم به.

وربّما يظهر من الجواب أنّه ما رخّصه للصلاة بهم ، لأنّه ما زاد في الجواب عن قوله : «إذا استقبلت الشمس» ، والسائل ما سأل عن وقت الصلاة ، بل سأل عن وقت الذبح.

بل الظاهر من قوله : «فاصلّي بهم» أنّه كان يعرف وقت الصلاة ، وما كان متحيّرا فيه ، مضافا إلى ظهوره قطعا ، لأنّه كان يرى متى يصلّي الأئمّة وينصرفون ويعلم هذا ، ولذا أجاب عليه‌السلام في الجواب الأوّل : «إذا انصرف الإمام» ولم يقل : متى ينصرف ، ولم يسأل الراوي عنه أيضا.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٣٢ ـ ٣٣٤ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٢ الباب ٦ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

٣٥٤

مع أنّ وقت الصلاة ليس استقبال الشمس ، بل طلوع الشمس بالنصّ (١) والإجماع ، كما سيجي‌ء ، ووقت الذبح متأخّر عن ابتداء وقت الصلاة ، كما قاله المعصوم عليه‌السلام ، فظهر أنّ قوله عليه‌السلام في الجواب الثاني : «إذا استقبلت الشمس» أنّه عليه‌السلام جعل الاستقبال وقت ذبحه.

والاكتفاء بذلك في الجواب من دون التعرّض لتجويز صلاته بهم أو عدمه ، ثمّ قاله بعد ذلك : «ولا بأس أن تصلّي وحدك ، ولا صلاة إلّا مع إمام» مجموعه ظاهر في عدم رضائه عليه‌السلام في صلاته بهم ، وأنّه فيه البأس ، مضافا إلى ظهور ذلك من الخارج ، لأنّهم كانوا في شدّة من التقيّة ، وصلاة العيد كانت منصب السلطان لا يفعلها إلّا منصوبه ، فكيف كان المعصوم عليه‌السلام يرضى بأن يرتكب منصب السلطان من دون نصبه؟ وقوله : «ولا صلاة» في مقام التعليل لذلك.

فيظهر أنّ المراد من «إمام» هنا أيضا هو المنصوب ، كما كان يفهم سماعة ، وما ذكرنا ظاهر على المتأمّل.

ولعلّه ممّا ذكر منع السيّد وغيره عن الجماعة عند فقد المنصوب ، وجوّزوا الفرادى (٢) كما سيجي‌ء ، إلّا أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام : «وحدك» أعمّ من الجماعة والفرادى التي لا يكون مع المنصوب ، كما روى سماعة في الجماعة : «أمّا مع الإمام فركعتان ، وأمّا من يصلّي وحده فأربع ، وإن صلّوا جماعة» (٣).

وما ذكره من أنّ تنكير لفظ «الإمام» و «الجماعة» ، شاهد على عدم إرادة المعصوم عليه‌السلام بخصوصه حقّ ، إلّا أنّه لا يظهر أنّه إمام الجماعة في الفريضة اليوميّة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٩ الحديث ٩٧٦٦.

(٢) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٤ ، الكافي في الفقه : ١٥٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٢١ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٤ الحديث ٩٤٤٥ مع اختلاف يسير.

٣٥٥

بل الظاهر ، بل الصريح أنّه إمام العيد ـ كما قلنا في بحث الجمعة ـ ومصلّي العيد هو النائب المنصوب في جميع البلاد سوى الموضع الذي يكون محلّ المنوب عنه ، وربّما كان في ذلك الموضع أيضا يصلّي النائب ، لعروض مانع له عليه‌السلام.

وعرفت أيضا أنّ جميع امور الحكومة للإمام عليه‌السلام هكذا ، إذ محال أن يباشر بنفسه إلّا ما قلّ ، والقليل أيضا ربّما لا يكون لازم الصدور من المعصوم عليه‌السلام ، لأنّ فعل النائب هو فعل المنوب عنه بعينه ، وتمام التحقيق مرّ في بحث الجمعة (١).

وممّا ذكر ظهر عدم الفرق بين المعرفة والنكرة ، ولذا ورد في الأخبار كلاهما ، وزرارة يروي عن الباقر عليه‌السلام بعنوان المعرفة ، كما ذكرنا سابقا (٢) ، وبعنوان التنكير كما ذكرنا هنا (٣) ، والحكم والراوي والمروي عنه متّحد فيهما ـ وقد عرفت الحال في أنّ هذا دليل وحدة الروايتين ـ فعلى هذا يكون الظاهر منها عدم مشروعيّة الانفراد فيها ، كما نقل عن ظاهر الصدوق في «المقنع» (٤) وابن أبي عقيل (٥) ، فيكون مطابقة لصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام عن صلاة يوم الفطر والأضحى ، قال : «ليس صلاة إلّا مع إمام» (٦).

وصحيحة الغنوي ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «الخروج في يوم الفطر والأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها» ، فقلت : إن كان مريضا

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٣٥ ـ ٣٣٩ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٥ ، راجع! الصفحة : ٣٥٢ من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٥٠ من هذا الكتاب.

(٤) المقنع : ١٤٩.

(٥) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٥١.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٨ الحديث ٢٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٦.

٣٥٦

لا يستطيع الخروج أيصلّي في بيته؟ قال : «لا» (١).

ورواية محمّد بن قيس ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّما الصلاة يوم العيد على من خرج إلى الجبانة ، ومن لم يخرج فليس عليه صلاة» (٢).

وكذا صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : «لا صلاة إلّا بإمام» (٣).

وصحيحته الاخرى : «صلاة العيدين مع الإمام سنّة» (٤) ، وغير ذلك ممّا مرّ.

ولا يعارضها صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيّب بما وجد وليصلّ وحده كما يصلّي في الجماعة» (٥) ، لاحتمال إرادة ما ذكر في رواية سماعة في هذه الصحيحة أيضا.

وكذا الكلام في مرسلة ابن المغيرة عن بعض أصحابنا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الفطر والأضحى؟ فقال : «صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة وكبّر سبعا وخمسا» (٦).

ورواية منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «مرض أبي يوم الأضحى

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢١ الحديث ١٤٦٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٨ الحديث ٨٦٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٥ الحديث ١٧٢١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٥٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٥ الحديث ٨٥١ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٥ الحديث ١٧٢٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٣ الحديث ٩٧٥١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٨٦٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٤٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٥٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٤ الحديث ٢٩٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٣ الحديث ١٧١٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤١٩ الحديث ٩٧٤٠.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٦٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٦ الحديث ٢٩٨ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٤ الحديث ٩٧٥٤.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٦١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٥ الحديث ٢٩٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٦ الحديث ١٧٢٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٦ الحديث ٩٧٥٩.

٣٥٧

فصلّى في بيته ركعتين ثمّ ضحى» (١) ، لكن حمل الكلّ على ما ذكر لا يخلو عن بعد ظاهر.

ويشهد أيضا على ما ذكر وعلى أنّ الإمام ليس بإمام الجماعة صحيحة الحلبي أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الإمام لا يخرج يوم الفطر والأضحى ، [أ] عليه صلاة وحده؟ فقال : «نعم» (٢).

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن الباقر عليه‌السلام : «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إن شهدا قبل الزوال ، وإن شهدا بعد الزوال أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم» (٣).

ورواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام أنّه كان يقول : «إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنّه ينبغي للإمام أن يقول في خطبته [الاولى] : قد اجتمع عيدان فأنا اصلّيهما جميعا ، فمن كان مكانه قاصيا فأحبّ أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له» (٤) حيث أسند الإذن إلى نفسه ، إذ معلوم أنّ العادل من حيث أنّه عادل أي اختيار له بحسب الشرع في الإذن للناس في الانصراف عن الفريضة ، ولا يشترط في إمام الجماعة أن يكون حاكم الشرع بالبديهة ، وهذا الإذن منصب حاكم الشرع بالبديهة لا منصب أيّ عادل يكون؟ ..

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٦٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٨ الحديث ٨٦٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٥ الحديث ١٧١٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٥ الحديث ٩٧٥٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٦ الحديث ٢٩٩ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٤ الحديث ٩٧٥٥ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٤ / ١٦٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٢ الحديث ٩٧٧٩ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٧ الحديث ٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٨ الحديث ٩٨٢٨.

٣٥٨

إلى غير ذلك ممّا مرّ في بحث الجمعة.

وبعد ما لاحظت جميع ما ذكرناه في الجمعة ، لعلّه لا يبقى لك تأمّل فيما ذكره الفقهاء من اشتراط الإمام أو من نصبه لوجوب هذه الصلاة.

ومن جملة الشرائط : الحريّة ، وعدم البعد بفرسخين أو أزيد ، وغير ذلك ممّا هو شرط في الجمعة ، لما عرفت من الإجماعات المنقولة المطابقة للفتاوى.

وفي «المدارك» : ويدلّ عليه ـ أي على ما ذكرنا ـ أصالة براءة الذمّة من وجوب هذه الصلاة على من لا تجب عليه الجمعة السالمة عمّا يصلح للمعارضة ، لانتفاء ما يدلّ على العموم فيمن تجب عليه (١) ، انتهى.

قال في «روض الجنان» : لعلّ السرّ في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة ، أنّ الواجب الثابت في الجمعة إنّما هو التخييرى كما مرّ ، أمّا العيني ، فهو منتف بالإجماع ، والتخييرى في العيد غير متصوّر ، إذ ليس معها فردا آخر يتخيّر بينها وبينه ، فلو وجبت لوجبت عينا ، وهو خلاف الإجماع (٢) ، انتهى.

وفي «المدارك» : أنّ هذا كلام ظاهري ، إذ لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريّا ، وفي العيد عينيّا ، إذا اقتضته الأدلّة.

وبالجملة ، تخصيص الأدلّة الدالّة على الوجوب بمثل هذه الروايات ، لا يخلو عن إشكال ، وما ادّعوه من الإجماع غير صالح ، لما بيّناه مرارا أنّ الإجماع إنّما يكون حجّة مع العلم القطعي بدخول قول المعصوم عليه‌السلام في أقوال المجمعين ، وهو غير متحقّق هاهنا ، ومع ذلك الخروج من كلامهم مشكل ، واتّباعهم بغير دليل أشكل (٣) ، انتهى.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٩٦.

(٢) روض الجنان : ٢٩٩.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٩٥.

٣٥٩

وقد عرفت أنّه رحمه‌الله قال لانتفاء ما يدلّ على العموم فيمن يجب عليه ، فكيف يدّعي العموم هنا بحيث لا يقبل تخصيصه بمثل الروايات المذكورة والإجماع الذي ادّعوه؟ إذ ظهر لك أنّ الإمام في مثل هذه الروايات ليس إمام الجماعة. ومع ذلك ، ظهور كونه إمام الجماعة في اليوميّة من أين؟ إذ الجماعة في المقام في مقابل الفرادى في المقام لا اليوميّة ، وهو ظاهر. واتّحاد المقام مع اليوميّة فرع الثبوت ، وإلّا فقد عرفت أنّ العبادة توقيفيّة ، لا مرجع فيها إلّا ببيان الشارع والثبوت منه ، ومن أين ثبت أنّ صلاة العيد هي مجرّد الأركان التي تكون في اليوميّة؟ إذ الإجماع لو لم يدلّ على كون العيد ـ الذي هو واجب عينا ، ووارد في الأخبار الدالّة على كونها فريضة ما يكون خلف السلطان المعصوم عليه‌السلام أو من نصبه ـ لا يدلّ على كونها أعم ، يعني أنّ الفرض منها ، والصحيح المطلوب بعنوان الوجوب هو الأعم ، إذ لا شكّ في فساده ، بل يصير القدر الثابت من طرف الإجماع هو الذي ذكره الفقهاء وإن سلّمنا عدم ثبوت ما ادّعوه من الإجماع.

مع أنّ قوله : الإجماع حجّة ، مع العلم القطعي بدخول المعصوم عليه‌السلام إن أراد القطع للمدّعين والناقلين ، فلا شكّ في حصوله لهم إذ لا شكّ في أنّهم ما كانوا فسّاقا ، بل ليسوا مدلّسين كذّابين.

مع أنّ المسلم إذا ادّعى شيئا ، فالأصل صحّة دعواه شرعا حتّى يثبت خلافه ، والعادل إذا أخبر لا يجوز التثبّت في خبره ، بل يجب قبوله ، كما هو المعروف في خبر الواحد الصادر منه. ولا شكّ في أنّ الإجماع عندنا هو الخبر ، لأنّه اتّفاق يحصل القطع منه بقول المعصوم عليه‌السلام ، كما اعترف به. وقول المعصوم عليه‌السلام هو الخبر بعينه ، كما عرفت.

وإن أراد حصول القطع له فكيف يقبل أخبار الآحاد ويقول بحجّيتها؟ مع

٣٦٠