مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

نعم ، ذكر ما ذكر ، وأظهر ما أظهر ، كما أنّهم عليهم‌السلام كانوا يأمرون بالإتمام في الحرمين بلا تأمّل ، ولم يكن ذلك إلّا لمصلحة دعتهم عليهم‌السلام إلى ذلك ، وأظهروا أنّها التقيّة.

ولعلّ تلك المصلحة كانت موجودة بالنسبة إلى عبد الرحمن ، وهو كان مثل سائر الرواة الأعاظم الذين أمروهم بالإتمام ، كيف لا؟ وعبد الرحمن هذا هو الذي قال له المعصوم عليه‌السلام : أتمّ الصلاة في الحرمين ، وإن لم تصلّ إلّا صلاة واحدة (١).

وأمّا هشام ، فإنّه كان مثل سائر الرواة الأعاظم الذين أمروهم بالقصر في الحرمين ، ولم يرخّصوا لهم أن يتمّوا.

وبالجملة ، لا شبهة في أنّ شعار العامّة الإتمام ولو في الحرمين ، والقصر في الحرمين لو كان فلا شكّ في كونه من خصائص الخاصّة ، والمقام مثل سائر المقامات التي صرّحوا عليهم‌السلام بأنّهم أوقعونا في الاختلاف ، وأنّه أبقى لهم عليهم‌السلام وأبقى للشيعة.

ومراعاة القاعدة في معرفة الموافق عن المخالف لهم ، لا شكّ في انحصاره في طريقة الصدوق رحمه‌الله وشركائه من أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام.

إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ الظاهر من هذا الخبر أنّ المعصوم عليه‌السلام قال : أنا وآبائي كنّا نتمّ في حال الاستتار من الناس أيضا ، فكيف كان أمرنا هشاما بالإتمام من أجل الناس؟

فلعلّ مراده عليه‌السلام أنّهم كانوا يتمّون بعد قصد الإقامة في مكّة ، وهذا هو الظاهر ، إذ يبعد أنّهم كانوا لا يقيمون في مكّة ـ شرّفها الله تعالى ـ مقدار عشرة أيّام حتّى يكون إتمامهم بمجرّد التخيير ، مع أنّهم عليهم‌السلام أمروا غيرهم بقصد الإقامة ثمّ الإتمام ، ونهوا عليهم‌السلام إيّاهم عن الإتمام بغير قصد الإقامة ، وإنّما ذكر عليه‌السلام ذلك كلّه ،

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٨٨ من هذا الكتاب.

٢٠١

لأنّه لم ير المصلحة في أن يقول لعبد الرحمن ما قال لهشام ، وابن وهب ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، وغيرهم من الأعاظم الذين عرفت أنّهم عليهم‌السلام أمروهم بالقصر ولم يقبل شي‌ء من أخبارهم التوجيه أصلا.

بل أظهروا لهم أنّ الأمر بالإتمام أيضا صدر منّا ، إلّا أنّه كان لأجل كذا وكذا.

ويحتمل أن يكون قوله عليه‌السلام : «لا ، كنت أنا». إلى آخره (١) استفهاما إنكاريّا أو تقريريّا ، ويكون مراده أنّه ألست كنت أنا وآبائي إذا دخلنا مكّة كنّا نتمّ ونستتر من الناس ، أي نستتر حالنا على الناس حتّى لا يعرفوا إنّا كنّا نقصّر في السفر ، فمعنى «استترنا من الناس» استترنا أنفسنا منهم ، لا أنّهم استتروا الإتمام من الناس.

وهذا هو الموافق لما ذكروه لهشام ، فيكون عليه‌السلام صدّق هشاما ، وهو الأنسب بالنسبة إلى مثل هذا الجليل الثقة ، مع أنّ عبد الرحمن كان من تلامذة هشام ، وكان في غاية الإخلاص له.

وهذا أيضا يؤيّد ما ذكرناه ، مضافا إلى أنّ هذه الرواية على هذا تصير موافقة لصحيحة ابن وهب (٢) وغيرها ممّا ذكر ، على أنّ الأمر بالتمام من أجل الناس ، ويؤيّده الاعتبار وغيره ممّا أشرنا.

وبالجملة (٣) ، الأئمّة عليهم‌السلام عالجوا تعارض أخبارهم وأوجبوا علينا الأخذ بكلّ علاج منها ، فكيف يجوز لنا رفع اليد عنها والقول بأهوائنا مع منعهم عليهم‌السلام عنه صريحا؟ ومعالجاتهم هي الأخذ بما خالف العامّة وما وافق الكتاب بعد تفسير أهل البيت عليهم‌السلام ـ كما مرّ في صحيحة زرارة وابن مسلم (٤) ـ وطريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٩٨ من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ١٩١ و ١٩٢ من هذا الكتاب.

(٣) لم ترد في : (د ٢) و (ز ٢) و (ز ٣) و (ط) من قوله : وبالجملة. إلى قوله : ولا يضايقون من الإكثار.

(٤) راجع! الصفحة : ١٧٨ و ١٧٩ من هذا الكتاب.

٢٠٢

وسائر أحاديثهم ، أو المشتهر بين أصحابهم في زمانهم ، والشهرة في غيرهم إنّما تعتبر لكونها كاشفة عن شهرتهم ، واستصحاب الحالة السابقة ، أو القاعدة الثابتة عنهم عليهم‌السلام ، أو العقل والوجدان ، أو سائر أحكامهم عليهم‌السلام.

وجميع ما ذكر يوجب الأخذ بما دلّ على وجوب القصر لا غير ، كما لا يخفى.

والمراد من الاستصحاب أنّ المسافر قبل دخول هذه الأماكن يجب عليه القصر ، كما سيجي‌ء ، فكذا بعدها ، والقاعدة قولهم عليهم‌السلام : «إذا قصّرت أفطرت» (١) الحديث ، والحال أنّ الصوم غير جائز ، كما سيجي‌ء.

وكذا سائر أحكامهم عليهم‌السلام ، مثل : علّة القصر ، كذا وأنّ الله تصدق بركعتين ولا يرضى بأن يردّ عليه صدقته ، وغير ذلك ، والبواقي ظاهرة.

لا يقال : ما ورد من أنّ الإتمام في الأربعة من مخزون علم الله ، أو مذخور فيه ، مخالف أيضا لقول العامّة.

لأنا نقول : باقي العلامات تكفي لردّه ، بل واحد منها فضلا عن المجموع ، مع أنّ منطوقه موافق ، فهو أوفق ممّا دلّ على وجوب القصر ، والأوفقيّة معتبرة ، سيّما مع عدم ظهور مخالفة المفهوم.

ألا ترى أنّ بعض الأخبار الإتمام في الحرمين ، بل أكثره كذلك ، وبعضها في ثلاثة أماكن ، ولم يجعلا مخالفين للمشهور ، بل جعلا دليلين لهم.

مع أنّه لا يظهر منه أنّ التخيير في أربعة ، بل اختيار الإتمام فيها ، فإذا كان العامّة كلّهم لا يأبون عن فضيلة الصلاة فيها ، لا يظهر من المفهوم مخالفتهم ، لأنّ الفضيلة ترجّح إكثار الصلاة ، وهو ترجّح الإتمام ، ولذا في أخبارنا ورد هكذا ، فهذا يناسب العامّة لا الخاصّة ، لكون القصر عندهم عزيمة ، فكيف يصير الاستصحاب

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٣ الحديث ١١١٤٤.

٢٠٣

منشأ لرفع الوجوب؟

ولا يناسب قولهم عليهم‌السلام : «فأنا احبّ أن تكثر وتتمّ الصلاة فيها» (١) مع أنّ المذخوريّة أيضا لا يناسب إلّا ذلك.

مع أنّ مرادنا من التقيّة هو الاتّقاء ، لأنّ هذه الأماكن لمّا كانت مشاهد عامّة عظيمة قالوا للشيعة كذلك ، حتّى يتمّوا وينجوا عن أعدائهم.

وزيارة الحسين عليه‌السلام ما كانت من خصائص الشيعة بالبديهة ، كما أنّها الآن أيضا كذلك ، ولو كانت منها ، لعرفوا وقتلوا أو تركوا زيارته عليه‌السلام بالمرّة ، ونهوا عنها الأئمّة عليهم‌السلام ، مع أنّه ورد منهم عليهم‌السلام ما ورد ، واشتهر حكاية المتوكّل ما اشتهر (٢) ، ونرى العامّة يزدحمون في الزيارة ، ويكثرون الصلاة فيها ، ولا يضايقون من الإكثار.

والحاصل ، أنّه لو لا الشهرة بين الفقهاء ووفور الأخبار الظاهرة في مذهبهم ، لكان القول بما قال الصدوق وشركاؤه متعيّنا متحتّما.

ومع ذلك لا شكّ في أنّ الاحتياط اختيار القصر ، بل البراءة اليقينيّة منحصرة فيه ، لاتّفاق الفقهاء على صحّته واتّفاق الأخبار عليه ، إذ ما ظهر منه الإتمام قد ظهر حاله ، وأن المراد منه إمّا التخيير أو التقيّة ، أو شرط قصد الإقامة ، وأنّ أحد ما ذكر معتبر فيه قطعا.

وأمّا ما نسب إلى السيّد وابن الجنيد (٣) ، فظاهره في غاية الضعف والبطلان بالنظر إلى الأدلّة ، ولذا عدّ المشهور السيّد من المخيّرين ، مع عدم اختصاصه

__________________

(١) الكافي : ٤ / ٥٢٥ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٢٨ الحديث ١٤٨٧ ، الاستبصار : ٢ / ٣٣٣ الحديث ١١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٥ الحديث ١١٣٤٦.

(٢) تاريخ حبيب السير : ٢ / ٢٦٩ ، تاريخ الخلفاء : ٣٤٧.

(٣) راجع! الصفحة : ١٨٨ من هذا الكتاب.

٢٠٤

بالمواطن الأربعة ، مع أنّ الاحتياط منه بالنسبة إلى غير الأربعة لا عبرة به أصلا.

وما ورد من الإتمام في هذه الأربعة من مخزون علم الله (١) ، لعلّه إشارة إلى حكاية التقيّة التي صرّحوا بها.

وممّا يؤيّد الصدوق ومشاركيه وقوع الاختلاف في الأخبار الدالّة على التمام أو التخيير (٢) ، في أنّ مجموع مكّة والمدينة كذلك ، أو خصوص مسجديهما ، فبعضها في غاية الظهور في الأوّل ، وبعضها في غاية الظهور في الثاني بحيث لا يمكن الجمع بوجه مقبول ، ولذا وقع الاختلاف بين القائلين أيضا.

فأكثرهم على الأوّل ، منهم الشيخ ، وابن إدريس اختار الثاني (٣) ، ومستند الأوّلين أقوى سندا وأكثر عددا.

نعم ، مستند الآخر من الأخبار القطعيّة عند ابن إدريس ، لأنّه لا يتمسّك بالخبر الظنّي ، فتأمّل!

وأمّا مسجد الكوفة والحائر ، فقد وقع فيهما الخلاف أيضا بحسب الأخبار والفتاوى.

فبعض الأخبار ورد بلفظ مسجد الكوفة والحائر.

وبعضها ورد بلفظ حرم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحرم الحسين عليه‌السلام.

وبعضها ورد بلفظ الكوفة ، وعند قبر الحسين عليه‌السلام.

وبعضها بلفظ مسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه‌السلام.

وبعضها ورد ثلاثة مواطن : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعند

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٤ الباب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٤ الباب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) الخلاف : ١ / ٥٧٦ المسألة ٣٣٠ ، السرائر : ١ / ٣٤٢.

٢٠٥

قبر الحسين عليه‌السلام (١).

أمّا الفتاوى ، فبعض الأصحاب اقتصر على مسجد الكوفة أخذا بالمتيقّن ، ولم يتعرّض لحرم الحسين عليه‌السلام (٢).

وابن إدريس اقتصر على مسجد الكوفة ، وقال بالحائر (٣).

والشيخ عمّم الحكم في بلد الكوفة ، كما عمّم في مكّة والمدينة (٤).

وحكى في «الذكرى» عن المحقّق أنّه حكم ـ في كتاب له في السفر ـ بالتخيير في البلدان الأربعة ، حتّى في الحائر المقدّس ، لورود الحديث بحرم الحسين عليه‌السلام ، وقدّره بأربعة فراسخ وخمسة فراسخ (٥) لما ورد في بعض الأخبار من تحديد حرم الحسين عليه‌السلام بالقدر المذكور (٦).

وتأمّل في «المدارك» في ذلك ، بناء على أنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة (٧).

ويمكن أن يقال : على تقدير المجازيّة أيضا يتمّ ذلك ، لأنّ الاتّحاد لو لم يكن مرادا يكون المراد المشاركة في الحكم ، وأقرب المجازات هو المشاركة في جميع الأحكام ، إلّا ما أخرجه الدليل ، كما مرّ في بحث الطهارة لخطبة صلاة الجمعة (٨).

ثمّ اختار هو الحائر موافقا لابن إدريس وغيره ، وذكر عن ابن إدريس أنّ

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٤ الباب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) المعتبر : ٢ / ٤٧٧.

(٣) السرائر : ١ / ٣٤٢.

(٤) الخلاف : ١ / ٥٧٦ المسألة ٣٣٠ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٣٢ ذيل الحديث ١٥٠٠ ، الاستبصار : ٢ / ٣٣٦ ذيل الحديث ١١٩٦.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٩١.

(٦) وسائل الشيعة : ١٤ / ٥١٠ و ٥١١ الحديث ١٩٧١٠ و ١٩٧١١.

(٧) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٦٩.

(٨) راجع! الصفحة : ٦٨ ـ ٧٠ من هذا الكتاب.

٢٠٦

الحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه ، قال : لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة ، لأنّ الحائر في لسان العرب : الموضع المطمئنّ الذي يحار فيه الماء (١).

وذكر في «الذكرى» : أنّ هذا الموضع حار الماء ، لما أمر المتوكّل بإطلاقه على قبر الحسين عليه‌السلام ليعفيه ، فكان لا يبلغه (٢) ، انتهى.

وحيث عرفت أنّ البراءة اليقينيّة تحصل بالقصر ، وورد عنهم عليهم‌السلام : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٣) ، وغير ذلك من الأخبار المتضمّنة للأمر بالتجنّب عن الشبهات والاحتياط في الدين مهما أمكن ، والأخذ بالثقة (٤) ، فلا حاجة لنا إلى تعيين المواضع الأربعة.

وممّا يؤيّد الصدوق وموافقيه ما أشرنا سابقا من أنّ التخيير إن كان ففي الصلاة خاصّة ، على ما يظهر من الأخبار وفتاوى الأخيار ، فإنّ الظاهر أنّ المشهور لا يجوّزون التخيير في الصوم ، بل يحكمون بوجوب الإفطار تمسّكا بمقتضى الأدلّة الدالّة عليه السالمة عن المعارض.

ووجه التأييد ما عرفت من صحيحة ابن وهب : «إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت» (٥).

وهذا الحديث من المسلّمات أفتى الجميع بمضمونه ، وبنوا على صحّة هذه القاعدة ، مع أنّ تتبع تضاعيف أحكام القصر والإتمام في الصلاة والصيام يكشف عن صحّة هذه القاعدة.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٦٨ ـ ٤٧٠ ، السرائر : ١ / ٣٤٢.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٩١.

(٣) كنز الفوائد : ١ / ١٦٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٦٧ الحديث ٣٣٥٠٦.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٣ الحديث ١١٢٩١ ، راجع! الصفحة : ١٤٠ و ١٤١ من هذا الكتاب.

٢٠٧

فروع

الأوّل : صرّح في «المعتبر» بأنّه لا يعتبر التعرّض لنيّة القصر والإتمام لصلاة هذه الأماكن ، وعلى تقدير التبرّع بالنيّة لا يتعيّن ما نوى ، فيجوز العدول عن القصر إلى الإتمام ، وبالعكس إذا أمكن (١).

وهو حسن ، بل على القول بوجوب النيّة المذكورة يجوز العدول ، لعموم الأخبار الدالّة على التخيير (٢) ، وفاقا للشهيد ، وأبي العبّاس (٣).

الثاني : الأظهر جواز الإتمام في هذه الأماكن على القول به ، وإن كانت الذمّة مشغولة بواجب.

ونقل العلّامة عن والده أنّه كان يمنع عن ذلك (٤) ، ولعلّه من جهة قوله بالمضايقة في القضاء ـ وسيجي‌ء الكلام فيها ـ أو عدم تجويزه النافلة مع شغل ذمّته بالفريضة.

الثالث : لو ضاق الوقت إلّا عن أربع ، فالأظهر وجوب القصر فيهما ، لتقع الصلاتان في وقتهما ، لعموم ما دلّ على ذلك.

واحتمل في «المدارك» جواز الإتمام في العصر ، لعموم «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الصلاة» (٥) ، وضعّفه بأنّ ذلك لا يقتضي تجويز تعمّده اختيارا ، لاقتضائه تأخير الصلاة عن الوقت المعيّن لها شرعا (٦).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ١٥٠.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٤ الباب ٢٥ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٤٩ ، الرسائل العشر (الموجز الحاوي) : ٧٣.

(٤) منتهى المطلب : ٦ / ٣٦٧.

(٥) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٥٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢١٨ الحديث ٤٩٦٢ مع اختلاف يسير.

(٦) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٧٠.

٢٠٨

قلت : ويؤيّده أيضا أنّ ما دلّ على التخيير على تقدير التماميّة نسلّم شموله لهذه الصورة.

ثمّ نقل عن بعض الأصحاب جواز الإتيان بالعصر تماما في الوقت ، وقضاء الظهر ، لاختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها ، قال رحمه‌الله : وهو أضعف من الأوّل (١).

أقول : لا شبهة في فساده.

الرابع : لو شكّ المصلّي في هذه الأماكن بين الاثنين والأربع بعد إكمال السجدتين تشهد وسلّم ، ولم يجب عليه الاحتياط ، بل يستحب على القول باستحباب التمام ، أمّا على طريقة الصدوق تبطل.

وأمّا لو شكّ بين الثلاث والأربع بنى على الأكثر ، ووجب عليه الاحتياط قطعا ، إمّا بركعتين جالسا أو ركعة قائما ، كما سيجي‌ء في حكم هذا الشكّ مطلقا.

ولو شكّ بين الاثنين والثلاث والأربع بعد الإكمال ، وجب عليه الاحتياط بركعة قائما ، أو ركعتين جالسا ، ولا يجب الاحتياط بركعتين قائما قبل الركعة قائما أو بدلها.

نعم ، يستحبّ الاحتياط بركعتين أيضا ، إلّا أنّ وجوب تقديمهما على الركعة قائما أو بدلها ربّما لا يخلو عن إشكال ، لوجوبه واستحبابهما ، وإن كان الأظهر الوجوب بعد الاختيار ، فتأمّل جدّا!

الخامس : لو نوى الإقامة وصلّى فريضة بتمام ثمّ بدا له يجب عليه أن يصلّي بتمام إلى أن يخرج ، كما هو الحال في غير هذه الأماكن.

ولو بدا له في الأثناء ، فإن كان قبل الدخول في الثالثة يتشهد ويسلّم ويقصّر

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٧١.

٢٠٩

وجوبا على قول الصدوق (١) ، وجوازا على قول المشهور ، ويستحبّ الإتمام على قولهم ، ولا يصير هذا منشأ لوجوب الإتمام عليه بعد ذلك.

وأمّا لو دخل في الثالثة أو الرابعة ، فالأظهر وجوب هدم هذه الصلاة ، والإعادة على قول الصدوق ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأمّا على القول المشهور ، فالأظهر وجوب الإتمام عليه ، للنهي عن إبطال الصلاة من دون ضرورة وحاجة ، كما ستعرف.

ولا يصير هذا أيضا منشأ لوجوب الإتمام عليه بعد ذلك ، لعموم ما دلّ على وجوب القصر تخييرا ، والاستصحاب ، وعدم شمول ما دلّ على أنّ من صلّى صلاة فريضة بتمام حال قصد الإقامة يجب عليه التمام بعد ذلك ، ووجهه ظاهر لا يخفى.

السادس : ألحق ابن الجنيد والمرتضى (٢) بهذه الأماكن جميع مشاهد الأئمّة عليهم‌السلام. والظاهر أنّ ابن الجنيد قال بذلك من جهة قوله بالقياس حين ما كان قائلا به ، إلّا أنّه رجع عنه ، فيلزمه رجوعه عن هذا الحكم أيضا.

وأمّا السيّد رحمه‌الله فقوله بذلك في غاية الغرابة ، لأنّه ما كان قائلا بحجّية القياس المنصوص العلّة ، مع كونه حجّة ، فكيف غيره؟ مضافا إلى أنّهما قالا بوجوب الإتمام ، كما ذكرنا.

فهذا أيضا تعجّب آخر ، فإنّ الأخبار الدالّة على وجوب القصر أو التخيير بينه وبين الإتمام بلغ حدّ التواتر ، بل عرفت أنّ مضمون بعضها مجمع عليه بين الأصحاب.

مع أنّ ما دلّ على الوجوب بالنسبة إلى هذه الأخبار في غاية الضعف من

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) نقل عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : ٣ / ١٣٥ و ١٣٦ ، رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٧.

٢١٠

الدلالة [و] من جهة العدد ، ومن جهة موافقة التقيّة ، وعدم فتوى أحد بظاهره ، فلعلّ مراده رحمه‌الله أمر آخر ، وليس كتابه عندنا حتّى نتأمّل فيه ، وكذا الحال في ابن الجنيد.

وبالجملة ، ما يظهر منهما خلاف الآية والأخبار المتواترة والاصول والقاعدة وطريقة الشيعة ، بل المسلمين في الأعصار والأمصار.

نعم ، عبارة «الفقه الرضوي» ربّما يدلّ على قولهما ، إذ فيها : «وإذا بلغت موضع قصدك من الحجّ والزيارة والمشاهد ، وغير ذلك ممّا قد بيّنته لك ، فقد سقط عنك السفر ، ووجب عليك الإتمام» (١).

وقياس المنصوص العلّة التي في صحيحة علي بن مهزيار حيث قال عليه‌السلام : «قد علمت فضل الصلاة في الحرمين» (٢) في مقام التعليل للإتمام في الحرمين.

والحقّ أنّه حجّة ، لكن يلزم التمام في كلّ موضع للصلاة فيه فضل ، كما أنّ عبارة «الفقه الرضوي» أيضا ظاهرها كذلك ، وهما لا يقولان به ، ومع ذلك لا يفيان لإثبات ما يخالف الأخبار المتواترة ، والخبر المجمع عليه ، والإجماعات.

السابع : إذا أتمّ الصلاة استحبّ الإتيان بنوافل الظهرين أيضا ، لما يظهر من الأخبار من قولهم عليهم‌السلام : وأكثر الصلاة ، وتفريعهم عليهم‌السلام الإتمام على فضيلة الصلاة ، وعموم ما دلّ على الإتيان بالنوافل ، وعدم ظهور دخول الأماكن الأربعة في عموم ما يدلّ على الإسقاط ، لأنّ مقتضاه أنّ الصلاة ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء ، وفيها يكون المستحبّ أربع ركعات على قولهم.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٠.

(٢) الكافي : ٤ / ٥٢٥ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٢٨ الحديث ١٤٨٧ ، الاستبصار : ٢ / ٣٣٣ الحديث ١١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٥ الحديث ١١٣٤٦.

٢١١

وينبّه عليه ـ أيضا ـ ما ورد في بعض الأخبار المانعة عن النافلة من قولهم عليهم‌السلام : «لو صلحت النافلة [في السفر] تمّت الفريضة» (١).

بل يحتمل على تقدير اختيار القصر أيضا أن لا يكون مانع عن النافلة ، كما أنّ المكلّف يمكنه أن يختار إحدى الفرائض قصرا ، واخرى منها تماما وهكذا ، خصوصا مع التسامح في أدلّة السنن ، فتأمّل جدّا!

الثامن : إذا فاتت الفريضة في هذه الأماكن تخيّر في القضاء أيضا لو كان فيها.

ولو كان في غيرها احتمل بقاء التخيير لعموم قولهم عليهم‌السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت» (٢) ، واحتمل تحتّم القصر للعمومات ، وكون شمول ذلك العموم للمقام غير خال عن وهن ما ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وكيف كان ، هو أحوط البتة.

التاسع : الموضع الذي يتردّد في دخوله في هذه الأماكن ولم يثبت الدخول ولا الخروج يتعيّن فيه القصر ، لما عرفت.

ولو حصل بالدخول ظن ، فهل يكفي لجواز الإتمام فيه؟ وإن لم يكن في اعتباره دليل شرعي ـ مثل : أنّه يحصل ظنّ أنّ الحائر مجموع ما أحاط به سور المشهد على حسب ما مرّ ـ لأنّ البناء في الموضوعات على الظنون أولا ، لأنّ اعتبار أيّ ظنّ يكون إنّما هو للمجتهد بعد عجزه عن اليقين وعمّا هو أقوى ، كما هو بيّن ومبيّن ومسلّم.

العاشر : من لا يجتهد ولا يقلّد لا يجوز له اختيار الإتمام مطلقا ، وإن كان على

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦ الحديث ٤٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٢١ الحديث ٧٨٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٨٢ الحديث ٤٥٦٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٨ الباب ٦ من أبواب قضاء الصلوات.

٢١٢

القول بكونه أفضل ، أو كونه واجبا ، لما عرفت في أوّل الكتاب ، وفي مسألة صلاة الجمعة.

وهل يجوز له الاقتصار على القصر ـ بناء على أنّ صحّته إجماعيّة ، وما نسب إلى السيّد وابن الجنيد في غاية ظهور الفساد ، بأنّ العامي يجزم أنّ الصلاة في البقيع أو طوس وأمثالهما قصر جزما ، والبناء عليه في الأعصار والأمصار عند جميع المسلمين على ما اطّلع عليه ـ أو يجب عليه الإتمام مع القصر من باب المقدّمة لتحصيل براءة الذمّة؟ الأحوط الثاني ، وإن كان الأقوى هو الأوّل إن كان بالنحو الذي ذكرنا.

وأمّا المجتهد المتوقف ، فتعين عليه اختيار القصر ، لانحصار براءة ذمّته فيه ، من دون حاجة إلى الجمع ، بل ليس احتياطا أيضا ، لما عرفت.

وأمّا المجتهد الظان بصحّة التخيير وأولويّة الإتمام ، فاختياره للقصر أحوط فيها (١) وأولى البتة ، ثمّ أولى من جهة شدّة الشبهة ، كما عرفت.

بل عرفت أنّ مع هذه الشبهات يشكل الاقتصار على الإتمام ، ويتعيّن الخروج عن عهدة التكليف في اختيار القصر ، سيّما مع ظهور أنّ ظنّ المجتهد حجّة في مقام العجز عن اليقين ، كما هو من المسلّمات عند المجتهدين.

فإذا كان يفعل القصر يتيقّن براءة ذمّته والخروج عن عهدة التكليف ، بخلاف اختيار التمام ، فإنّه يحتمل أن يكون بعد ما أتى بالمطلوب ، وإن كان الظاهر عنده أنّه أتى به ، وأين الظهور من اليقين؟ وتحقيق الحال مرّ في مبحث صلاة الجمعة.

وأشدّ ممّا ذكر بحسب الإشكال لو اقتصر بالإتمام في غير المسجدين

__________________

(١) في (د ٢) : أحوط فيها جزما وأولى.

٢١٣

الحرامين من مواضع مكّة والمدينة.

وأشدّ من هذا إشكالا الاقتصار بالإتمام في الموضع الذي لا يدري أنّه داخل في الحائر.

وأشدّ من هذا إشكالا لو اقتصر على الإتمام في بيوت الكوفة ، أو غير مسجد الكوفة من مساجدها.

٢١٤

١٥ ـ مفتاح

[المسافة المعتبرة في التقصير]

المسافة المعتبرة في التقصير ثمانية فراسخ ، أو مسيرة يوم تامّ للإبل القطار ، أو بريدان سواء كان هذا المقدار في الذهاب فقط أو مع الإياب ، وقع الإياب في يومه أولا ، ما لم يقطع سفره بإحدى القواطع الثلاث المذكورة ، وفاقا للشيخ (١) والعماني (٢) ، لما ألهمني الله عزوجل به وجعله من قسطي في الجمع بين الصحاح المستفيضة (٣).

وخلافا للمشهور ، حيث خصّوا ذلك بالذهاب ، أو مع الإياب الواقع في يومه ، ولجماعة ، حيث خصّوه بالذهاب فقط ، وخيّروا في نصف هذا المقدار بين القصر والإتمام (٤) ، وكلاهما نشأ من عدم استنباط المراد من الحديث كما ينبغي ، كما يظهر للمتدبّر ، وقد بيّناه في كتابنا الكبير.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١٢٢ ، المبسوط : ١ / ١٤١.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٣ / ١٠٢.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٦ الباب ٢ من أبواب صلاة المسافر.

(٤) لاحظ! السرائر : ١ / ٣٢٩ ، روض الجنان : ٣٨٤.

٢١٥
٢١٦

قوله : (المسافة المعتبرة). إلى آخره.

قد عرفت أنّ القصر لا يجوز إلّا للخوف أو السفر ، والخوف سيجي‌ء.

وأمّا السفر ، فلا شكّ أنّه لغة وعرفا هو أن يطوي مسافة بعنوان امتداد ذهابي ، يذهب ويغيب عن الوطن ، فلا بدّ من قيدين :

أحدهما : الإبعاد عن الوطن ، فلو كان يطوي المسافة ويمشي ويسير في البلد الذي وطنه لا يكون مسافرا ، وإن كان يمشي ويدور دائما ، أو يدور حوله كذلك.

والثاني : أن يكون الامتداد الذهابي عن الوطن بعنوان طيّ مسافة معتدّ بها ، فلو كان يبعد عن الوطن بقليل ويرجع لا يسمّى مسافرا.

فإذا عرفت اعتبار القيدين فاعلم أنّ المسافة المعتبرة في وجوب القصر والإفطار هي ثمانية فراسخ ، أو بياض يوم بالإجماع والأخبار (١) ، ومسافتهما واحدة ، كما يظهر منها.

وأمّا الامتداد الذهابي ، فلا بدّ أن يكون ثمانية فراسخ أيضا عند بعض القدماء ـ على ما هو ببالي ـ وأنّه لا يجوز القصر في الأربعة مطلقا (٢).

وأمّا المشهور ، فقد جعلوا ذلك أعمّ من الذهابي ، فيكون الامتداد واحدا ، أو أربعة ذهابيّة وأربعة إيابيّة ، فيكون امتدادين ، ولا يجوّز أحد امتدادا ذهابيّا عن الوطن أقلّ من الأربعة ، إلّا ما سنذكر عن العلّامة ونضعّفه.

فكما أنّ كون المسافة ثمانية لوجوب القصر وفاقي ، كذا كون الذهاب عن الوطن لا يكون أقلّ من أربعة لمطلق القصر وفاقي أيضا ، وما سنذكر عن العلّامة

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥١ الباب ١ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) غنية النزوع : ٧٣ و ٧٤ ، السرائر : ١ / ٣٢٩.

٢١٧

وهم منه ، كما ستعرف.

ولم يشترط أحد من الفقهاء في طيّ المسافة الثمانية الذهابيّة كيفيّة وخصوصيّة وزمانا ، بل بأيّ نحو يطوي ، وفي أيّ قدر من الزمان يقع يكفي بشرط أن لا يقطعه بإحدى القواطع التي ذكرها المصنّف ، فلو كان طيّ المسافة الثمانية في ظرف عشرة أيّام وأزيد يكفي بشرط أن لا يخرج عن اسم المسافر والسفر عرفا.

وأمّا الأربعة الذهابيّة والإيابيّة التي تصير ثمانية بالانضمام ، فالمشهور بين المتأخّرين أنّه يشترط في القصر والإفطار قصد طيّهما معا في يوم واحد (١) ، يعني أنّ المسافر في ابتداء السفر عند قصده المسافة لا بدّ أن يكون قصده الرجوع ليومه ، فلو لم يقصد ذلك لا يجوز له القصر ، ووافقهم السيّد ، وابن إدريس ، وابن البرّاج (٢).

والظاهر أنّ المراد من اليوم نهاره وبياضه ، وقيل بدخول الليلة فيه مدّعيا تبادر ذلك من الأخبار (٣) ، ولذا يعبّر هكذا : إذا قصد الرجوع ليومه أو ليلته يقصّر وإلّا فلا ، ووافقه الشهيد (٤) ، و [الشيخ] مفلح (٥).

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّ حدّ السفر الذي يجب فيه القصر في الصلاة والإفطار في الصوم ثمانية فراسخ ، فإن كان سفر الرجل أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه ، فهو بالخيار إن شاء أتمّ ، وإن شاء قصّر ، وإن أراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب (٦).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٣ / ١٠١ ، جامع المقاصد : ٢ / ٥١١ ، روض الجنان : ٣٨٣.

(٢) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٧ ، السرائر : ١ / ٣٢٩ ، المهذّب : ١ / ١٠٦.

(٣) التنقيح الرائع : ١ / ٢٨٥ ، روض الجنان : ٣٨٣ و ٣٨٤.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٠٩.

(٥) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٢٩.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٤.

٢١٨

ويظهر من هذا أنّ الفتوى بما ذكره كان مشهورا بين القدماء ، ويشير إلى ذلك موافقة المفيد ، والشيخ له في «المبسوط» و «النهاية» (١) ، وكذا سلّار (٢) ، وفتواه في «الفقيه» أيضا كذلك (٣) ، وكذا في كتابه «الهداية» (٤).

وهذا التخيير إنّما هو في قصر الصلاة على ما يظهر من كلام الصدوق والشيخ ، وإن كان المفيد يعمّم في الصوم أيضا على ما نقل عنه (٥).

وقال الشيخ في كتابي الأخبار : إنّ المسافر إذا أراد الرجوع من يومه ، فقد وجب التقصير عليه في أربعة فراسخ (٦).

ثمّ قال : على أنّ الذي نقوله في ذلك أنّه إنّما يجب التقصير إذا كان مسافة ثمانية فراسخ ، وإن كان أربعة فراسخ فهو بالخيار إن شاء أتمّ وإن شاء قصّر (٧) ، انتهى.

والظاهر من قوله : (على أنّ الذي نقوله) .. إلى آخره ، كون هذا القول علاوة لما ذكره من التوجيه وتتمّة له ، كما هو رأيه في «النهاية» و «المبسوط» ، وكتابه «النهاية» فتاويه على طبق ما في كتابيه في الحديث ، وموافق لشيخه ، والصدوق ، وغيرهما من الإماميّة ، مع أنّ «التهذيب» شرح كلام شيخه ، وهذه أيضا قرينة اخرى.

فما قيل من أنّ مذهبه في كتابي الحديث هو التخيير مطلقا (٨) فيه ما فيه.

__________________

(١) المقنعة : ٣٤٩ ، المبسوط : ١ / ١٤١ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٢٢.

(٢) المراسم : ٧٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٠ الحديث ١٢٦٩.

(٤) الهداية : ١٤٢.

(٥) السرائر : ١ / ٣٢٩ ، التنقيح الرائع : ١ / ٢٨٦.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٠٧ ذيل الحديث ٤٩٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٢٣ ذيل الحديث ٧٩١.

(٧) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٠٨ ذيل الحديث ٤٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٢٤ ذيل الحديث ٧٩٢.

(٨) ذخيرة المعاد : ٤٠٥.

٢١٩

هذا ، مع ما عرفت من اشتهار ما ذكر بين الإماميّة ، وأنّ مراده هو وشيخه وغيرهما من الإماميّة.

وقول الشيخ : (على أنّ الذي نقوله) ، إشارة إلى ذلك ، لأنّ (نقوله) إنّما هو بصيغة المتكلّم مع الغير ، الظاهرة في عدم اختصاص القول بالمتكلّم ، بل الظاهرة في إرادة فقهاء الشيعة في أمثال المقامات ، لا الذي لم يقل به هو في كتب فتاويه فضلا عن غيره ، ولم يشاركه أحد لو كان قائلا به في كتابيه الحديث ، بل مخالف لفتوى نفسه وغيره من الفقهاء ، مضافا إلى عدم ظهوره من كتابيه.

ويؤيّده ـ أيضا ـ أنّه استشهد برواية ابن مسلم (١) وابن وهب (٢) وغيرهما ممّا هو نصّ في أنّ المراد من البريد والأربعة هو الثمانية بناء على ضمّ الرجوع واعتباره ، ولم يتوجّه إلى توجيه أصلا لهذه الروايات.

ويظهر من كلامه وكلام الصدوق أنّ الكليني رحمه‌الله أيضا رأيه كذلك ، لأنّه الرأس والرئيس والمؤسّس ، ولهذا لم يذكر في كتابه سوى أحاديث البريد والأربعة فراسخ (٣) ، ونظره إلى قيد الذهاب عن الوطن الذي هو الأصل في تحقّق ماهيّة السفر.

وقد عرفت أنّ الامتداد الذهابي عنه هو الأربعة عند الجلّ ، بل عند الكلّ ، إذ لم نجد في «المختلف» ـ وغيره ـ من الكتب المعتبرة الموجودة عندي ـ مخالفا في هذا ، وإن كان ببالي نقل مخالف شاذّ من القدماء ، كما أشرت.

وأمّا كون السير مقدار ثمانية فراسخ ، فليس شرطا ، إلّا في القصر بعنوان

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٢٤ الحديث ٦٥٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٩ الحديث ١١١٦٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٠٨ الحديث ٤٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٢٣ الحديث ٧٩٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٦ الحديث ١١١٥٨.

(٣) انظر! الكافي : ٣ / ٤٣٢.

٢٢٠