مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

١٦ ـ مفتاح

[من رجع عن نيّة الإقامة]

لو نوى الإقامة ثمّ بدا له رجع إلى التقصير ما لم يصلّ صلاة فريضة ، وإلّا يتمّ حتّى يخرج ، وكذا لو دخل في الصلاة بنيّة القصر فعنّ له الإقامة أتمّ ، كلاهما للنصّ (١) والإجماع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٨ الحديث ١١٣٠٥ ، ٥١١ الحديث ١١٣١٠ و ١١٣١١.

٢٤١
٢٤٢

قوله : (لو نوى الإقامة). إلى آخره.

قد ظهر لك أنّ قصد الإقامة عشرا يوجب الإتمام والصيام وانقطاع السفر.

ونقل عن ابن الجنيد أنّه اكتفى بإقامة خمسة (١) ، ولعلّ مستنده حسنة ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه سأله عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام؟ قال : «يتمّ الصلاة ، وإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثمّ ليتمّ ، وإن أقام يوما أو صلاة واحدة» ، فقال له : بلغني أنّك قلت : خمسا ، قال : «قد قلت ذلك» فقال أبو أيّوب : يكون أقلّ من خمسة أيّام؟ قال : «لا» (٢).

وهذا لا يدلّ على مطلوبه ، لأنّه عليه‌السلام حكم بالعشرة على وجه ظاهره لزوم اعتباره ، ولذا قال : بلغني أنّك قلت : خمسا ، فأجاب عليه‌السلام بأنّه قال ذلك ، فلعلّ مراده العشرة لا الخمس ، إذ لو كان مراده الخمس ، لكان يقول : نعم ، كما هو المتعارف في جواب السؤال ، إذ العدول والتطويل لا يكون إلّا لجهة ، فيكون أبو أيّوب ما تفطّن وتوهّم ، والمعصوم عليه‌السلام لم ير المصلحة في ردّه عن توهّمه.

والأظهر أنّ المراد المعصوم عليه‌السلام إنّي قلت ذلك أيضا لكن في مقام خاصّ ولخصوصيّة ، ولذا لم يقل : نعم ، بل قال ما قال ، ولذا لم يسأله أبو أيّوب ولا ابن مسلم ، فكيف قلت الآن عشرا؟ بل فهما منه عليه‌السلام أنّ الأصل هو العشر ، وأنّه يصير أقلّ لجهة وخصوصيّة ، لكنّه مقدار خمس ، ثمّ سأله أبو أيّوب أنّه يصير أقلّ من خمسة بعروض خصوصيّة اخرى ، كما أنّ بعد العشر قلت خمسا أيضا ، فيكون الخمس الذي قلت من قبيل العشرة التي قلت ، أم لا ، بل لا يصير أقلّ منه.

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٣ / ١١٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢١٩ الحديث ٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠١ الحديث ١١٢٨٦ مع اختلاف يسير.

٢٤٣

والحاصل ، أنّ هذه في غاية الوضوح في أنّ قصد الإقامة يصير بقدر عشر ، ويصير بقدر خمس أيضا إن كان «ذلك» إشارة إلى الخمس ، وأبو أيّوب فهم هكذا ، وعلم أنّ قصد الإقامة أمر يتفاوت كثرة وقلّة ، ولذا سأل ما سأل ، ولو فهم أنّ المعصوم عليه‌السلام رجع عمّا ذكره أوّلا وبنى على كونه خطأ لا أصل له ، وأنّ المتعيّن هو الخمس لا غير وأنّه الحقّ ، فكيف كان يسأله يكون أقلّ من خمس؟

مع أنّ ابن مسلم هذا روى عنه عليه‌السلام بطريق صحيح : أنّ المسافر يقدم الأرض ، فقال : «إن حدّث نفسه أن يقيم عشرا فليتمّ ، ولا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة والمدينة ، وإن أقام بمكّة والمدينة خمسا فليتمّ» (١).

فظهر من اتّحاد الراوي والحكم والواقعة ، بل اتّحاد متن الرواية أيضا ـ وهو قول : «إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام» ـ اتّحاد الروايتين ، سيّما بملاحظة أنّه لم يعهد التعبير عن قصد الإقامة بحديث النفس في غير هذه الرواية.

فظهر أنّ المراد إقامة الخمس أيّام في خصوص مكّة والمدينة. وصرّح بذلك الشهيد رحمه‌الله في «الدروس» (٢) ، وغيره من الفقهاء ، ومنهم المصنّف في «الوافي» (٣) ، مع أنّه على فرض دلالتها على رأي ابن الجنيد تصير شاذّة مخالفة للإجماع ، والأخبار الكثيرة المفتى بها المشتهرة بين الأصحاب ، مع أنّها ليست كذلك ، بل ظاهرة في خلاف ذلك ، والأخبار الكثيرة قد أشرنا إليها في الجملة فيما سبق.

وممّا ذكر ظهر فساد حمل هذه الرواية على الاستحباب على ما فعله بعض الفقهاء ، بأنّ قصد إقامة العشرة موجب للإتمام ، وإقامة الخمسة يستحب به

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٠ الحديث ٥٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٨ الحديث ٨٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٢ الحديث ١١٢٩٠.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١٢.

(٣) الوافي : ٧ / ١٥٠ ذيل الحديث ٥٦٥٣.

٢٤٤

الإتمام (١).

وذلك لأنّ مقتضى الإجماع المنقول والأخبار الصحاح والمعتبرة المفتى بها وجوب القصر ، فكيف يكون الإتمام مستحبّا؟

وحمل خالي العلّامة المجلسي رحمه‌الله هذه الرواية على التقيّة ، لأنّ الشافعي وجماعة منهم قائلون بإقامة الأربعة من دون احتساب يوم الدخول والخروج ، فيصير خمسة أيّام عادة (٢) ، لأنّ كلّا من الدخول والخروج يصير ببعض اليوم ، فيحصل خمسة ملفّقة ، وسياق الخبر يدلّ عليها ، كما لا يخفى على الخبير (٣).

أقول : ويؤيّده إعراض الأصحاب جميعا عنه سوى ابن الجنيد ، فإنّه رحمه‌الله في كثير من المواضع اختار مذهب العامّة ، وليس ذلك إلّا لأنّ مستندهم مقبول لديه ، حجّة عنده أيضا ، فربّما كان مستندهم مستند ابن الجنيد لا هذه الرواية ، إذ عرفت دلالتها على خلاف رأيه.

ومن هذا ظهر أيضا أنّ كون الإتمام في الحرمين أو الأربعة من مخزون علم الله وأمثاله ، لا ينافي التقيّة ، فتأمّل جدّا!

وهل يشترط التوالي في هذه العشرة أم لا؟ سيجي‌ء التحقيق فيه.

وأمّا أنّه لو بدا له قبل أن يصلّي فريضة واحدة بتمام عاد إلى التقصير ، وإن بدا له بعد ما صلّاها بتمام لم يرجع إليه ، بل يجب عليه الإتمام حتّى يخرج ، فهو إجماعي أيضا.

ويدلّ عليه صحيحة أبي ولّاد الحنّاط أنّه قال للصادق عليه‌السلام : إنّي كنت نويت

__________________

(١) الاستبصار : ١ / ٢٣٨ ذيل الحديث ٨٤٩.

(٢) لاحظ! الامّ : ١ / ١٨٨.

(٣) بحار الأنوار : ٨٦ / ٤٠.

٢٤٥

حين دخلت المدينة أن اقيم عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ثمّ بدا لي بعد أن لا اقيم بها ، فما ترى أتمّ أم اقصّر؟ فقال عليه‌السلام : «إن كنت دخلت المدينة وصلّيت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتّى تخرج منها ، وإن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام ولم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتمّ ، وإن لم تنو المقام عشرا فقصّر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» (١).

وفي «الفقه الرضوي» أيضا ما يدلّ على هذا (٢) ، وهذا الحكم وقع معلّقا على من صلّى فريضة بتمام ، فلو لم يصلّ أو صلّى نافلة أو فريضة لكن ليس بتمام لم يتحقّق هذا الحكم.

فلو لم يصلّ عمدا أو نسيانا حتّى خرج الوقت ، ولمّا يتحقّق البدا له ، فقال [الشيخ] مفلح : يتمّ (٣) ، لأنّه في حكم المصلّي (٤).

وقال في «التذكرة» : يبقى على التمام ، لاستقرار الفائت في الذمّة (٥). واستضعفه في «المدارك» ، لأنّ ظاهر الرواية تعلّق الحكم بفعلها تماما (٦).

ولعلّ مراده في «المدارك» أنّ الصلاة فاتته حال خطابه بالتمام ، فتكون ذمّته مشغولة بالإتمام ، فإن صلّاها خارج الوقت بتمام قضاء ثمّ بدا له يجب عليه التمام أبدا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٠ الحديث ١٢٧١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢١ الحديث ٥٥٣ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٨ الحديث ٨٥١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٨ الحديث ١١٣٠٥ مع اختلاف يسير.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦١.

(٣) في (د ٢) : لا يتمّ.

(٤) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٣٢.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٤١٠ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٤٦٤.

(٦) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٦٤ و ٤٦٥.

٢٤٦

حتّى يخرج ، وإن لم يصلّها بعد ثمّ بدا له يرجع إلى التقصير حتّى في هذه الفريضة التي صارت قضاء.

ويحتمل أن يكون مراده الرجوع إلى القصر في غير هذه القضيّة ، لأنّ ذمّته اشتغلت بها تماما ، فهو مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ولم يثبت الخلاف إلّا في غيرها ، لكنّه ربّما يكون بعيدا ، فتأمّل جدّا!

والمستفاد من الفتاوى وظاهر الرواية ، أنّ المراد من «الفريضة بتمام» هي المقصورة التي تصلّي بتمام من جهة قصد الإقامة ، لا من جهة فقد شرط ، ولا قضاء الفريضة الحضريّة ، ولا مثل صلاة الصبح أيضا.

وقال العلّامة : من دخل في الفريضة وتعدّى عن موضع القصر ، بأنّ دخل في الثالثة أو الرابعة فبدا له يجب عليه الإتمام صونا لها عن الإبطال المنهي عنه ، وإذا أتمّ دخل في مضمون هذه الرواية (١) بأن صلّى فريضة بتمام ، فيجب عليه الإتمام حتّى يخرج (٢).

وفيه منع كونه إبطالا ، بل صار باطلا ، لأنه إذا بدا له حينئذ صدق عليه أنّه لم يصلّ فريضة بتمام ، فإن لم ينو المقام عشرا ، يجب عليه القصر ما بينه وبين شهر ، فإذا زاد الصلاة عمّا كلّف به تصير باطلة ، إلّا أن يكون مراده المنع عن البداء.

وفيه منع ، مع أنّ الكلام على فرضه ـ أي فرض تحقّق البداء ـ مع أنّه ربّما لا يكون اختياريّا.

نعم ، إن لم يدخل في الركوع ، أمكن أنّ يقال بهدم القيام ثمّ يسلم ، كما اختاره في «الدروس» (٣) ، ثمّ القصر إلى أنّ يخرج أو ينوي الإقامة مع الإشكال في صحّتها

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٨ الحديث ١١٣٠٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ١٣٩ و ١٤٠.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١١.

٢٤٧

حينئذ أيضا ، لأنّ الزيادات أفعال واجبة صدرت عنه عمدا لا سهوا ، وكذا لو كان الزائد هو القيام فقط ، إلّا أن يقال : ما استدلّ به على عدم الضرر سهوا يشمل المقام ، ولا بدّ من التأمّل في ذلك.

وكيف كان ، الأحوط الإتمام بالنحو الذي ذكر ثمّ الإعادة ، وبعد تسليم ما ذكره لا نسلّم كونه من الأفراد المتبادرة لمضمون الرواية.

وألحق العلّامة رحمه‌الله بالصلاة الشروع في الصوم الواجب المشروط بالحضر (١) ، ووافقه في «روض الجنان» ، لكن قيّده بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن ذلك القصد ، محتجّا بأنّه يجب عليه الإتمام لو سافر ، لعموم ما دلّ على أنّ المسافر إذا خرج بعد الزوال يجب عليه إتمام الصوم.

فإن قلنا بانقطاع قصد الإقامة بالرجوع عنه بعد الزوال ، لزم القول بوجوب الصوم سفرا مع عدم قصد الإقامة ، وهو باطل إجماعا ، إلّا فيما استثني ، وليس هذا منه ، فلزم القول بعدم انقطاع قصد الإقامة حينئذ ، سواء سافر بالفعل حينئذ أم لم يسافر ، إذ لا مدخل لفعليّة السفر في تحقّق الإقامة وصحة الصوم ، بل حقّه أن يتحقّق عدمها (٢) ، وقد عرفت عدم تأثيره فيها ، فإذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة ، وهو المطلوب (٣) ، انتهى.

وفيه ، إنّا لا نسلّم شمول ما دلّ على وجوب إتمام الصوم للمقام ، لأنّ المتبادر الصوم الحضري ، أو ما هو بمنزلته ، وكون المقام منهما أوّل الكلام ، فإنّ قصد الإقامة الذي هو بمنزلته هو الذي لم يتحقّق رجوع منه مطلقا ، أو قبل أن يصلّي

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٤١٠.

(٢) في المصدر : مع عدمه.

(٣) روض الجنان : ٣٩٥.

٢٤٨

فريضة بتمام.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم كون الوجوب في غير السفر والإجماع عليه ، كيف؟ وهو مسافر لغة وعرفا وشرعا لاستجماع جميع شرائط القصر من المسافة وقصدها ، واستمراره ، وغير ذلك ، فكيف يجوز أن يقال : إنّه حاضر وغير مسافر؟ من جهة أنّه يجب عليه إتمام صومه ، والإتيان بما بقي منه.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم اتّحاد حكم الصلاة والصوم هنا ، إذ هو أوّل الكلام ، كيف؟ والمعصوم عليه‌السلام جعل الشرط هو إتمام الصلاة الفريضة خاصّة ، لأنّ مفهوم الشرط حجّة ، والأصحاب أيضا أفتوا كذلك.

وممّا ذكر ظهر حال دليل العلّامة ، لأنّه علّل بوجود أثر قصد الإقامة.

وممّا ذكر ظهر أيضا فساد القول بكفاية خروج الوقت على العزم ، أو بإتمام الصلاة ناسيا ، أو بالإتمام في أحد الأماكن الأربعة تخييرا.

أمّا الأخير ، فقد عرفته ممّا ذكرنا في مسألة التخيير في الأماكن.

وأمّا الوسط ، فلعدم التبادر.

وأمّا الأوّل ، فلأنّ بقاء القصد إلى آخر الوقت ، غير فعل الصلاة الفريضة بتمام ، وهو الشرط ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

وإذا دخل في الفريضة بقصد القصر فبدا له في أثنائها أتمّ ، ولا يضرّ كون الدخول وبعض أجزائها بقصد القصر ، لما سيجي‌ء في بحث النيّة.

ثمّ اعلم! أنّه في صورة الرجوع إلى القصر لا يشترط كون ما بقي من المسافة مقدار المسافة الشرعيّة ، لما ظهر لك من عدم انقطاع سفره بمجرّد قصد الإقامة الذي لم يؤثّر ، وهو الظاهر من هذه الرواية أيضا.

وأمّا إذا وجب عليه الإتمام وانقطع سفره على ما عرفت سابقا فلا يقصّر ، إلّا

٢٤٩

إذا سافر بعد ذلك سفرا مستجمعا لجميع شرائط القصر من المسافة وقصدها واستمراره ، فهل يشترط خفاء الأذان والجدران أم لا؟ للأوّل : عموم المنزلة ، لما عرفت في مسألة قاطعيّة القواطع الثلاث ، ولعموم صحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام رجل يريد السفر متى يقصّر؟ فقال : «إذا توارى من البيوت» (١) ، فتأمّل!

وللثاني : قوله عليه‌السلام : «حتّى تخرج» في صحيحة أبي ولّاد (٢).

ويمكن أن يقال : المتبادر الخروج الشرعي ، كما سيجي‌ء ، والاحتياط طريقه واضح ، وهو أسلم.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : الإتمام إنّما هو بنيّة إقامة عشرة أيّام تامّات بلياليها ، كلّ يوم أربعة وعشرون ساعة ، لأنّ ذلك هو المتبادر في أمثال المقام.

فلو نقصت ـ ولو قليلا ـ بقي التقصير بحاله ، استصحابا للحالة السابقة وللعمومات ، مع احتمال كفاية الناقص بمثل نصف ساعة أو دقيقة ، لإطلاق لفظ عشرة أيّام عليه جزما ، لكنّه ضعيف ، لأنّ المعتبر هو المتبادر ، لا ما يطلق عليه اللفظ ، وإن كان الإطلاق في غاية الكثرة ، كإطلاق العامّ على الخاصّ وأمثاله.

وفي الاجتزاء باليوم الملفّق من يومي الدخول والخروج وجهان ، أقربهما عندي الاجتزاء ، لأنّه من الأفراد المتبادرة عرفا ، وعدم الاجتزاء في الاعتكاف

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣٤ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٢٧٩ ، الحديث ١٢٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٣٠ الحديث ٦٧٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٠ الحديث ١١١٩٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٠ الحديث ١٢٧١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٨ الحديث ١١٣٠٥.

٢٥٠

والعدّة ـ لو كان ـ فمن مانع خارجي من إجماع أو غيره.

الثاني : لا فرق في وجوب الإتمام بقصد الإقامة بين أن يقع في بلد أو قرية أو بادية ، ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره ، للعموم.

الثالث : قال في «المنتهى» : لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ، ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدّة التي يبطل حكم السفر فيها لم يبطل حكم سفره ، لأنّه لم ينو الإقامة في بلد بعينه ، وكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل (١).

وهو حسن ، لأنّ المتبادر من الأخبار الواردة في هذا الحكم هو ما ذكره ، بل بعض الأخبار بلفظ بلدة ، ومكّة والمدينة ، والأخبار بعضها يكشف عن بعض بأنّ لفظ الأرض وما ماثله اريد منه أمثال هذا المقدار ، فتأمّل جدّا!

الرابع : هل يشترط التوالي في هذه العشرة بحيث لا يخرج بينها إلى حدّ الترخّص أم لا؟

فالشهيدان على اشتراط ذلك (٢) ، حتّى قال الثاني رحمه‌الله : وما يوجد في بعض القيود ـ من أنّ الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليومه أو ليلته ، لا يؤثّر في نيّة الإقامة ، وإن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة ـ لا حقيقة له ، ولم نقف عليه مستندا إلى أحد ممّن يعتبر فتواه ، فيجب الحكم باطّراحه ، حتّى لو كان ذلك من نيّته من أوّل الإقامة ، بحيث صاحبت هذه النيّة ، نيّة الإقامة ، لم يعتدّ بتلك النيّة ، وكان باقيا على القصر ، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية ، لأنّ الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها ، ونيّته في ابتدائها يبطلها (٣) ، انتهى.

__________________

(١) منتهى المطلب : ٦ / ٣٨٥ و ٣٨٦.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١٤ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٧٢.

(٣) رسائل الشهيد : ١٩٠ و ١٩١.

٢٥١

أقول : قد عرفت أنّ قصد الإقامة والصلاة بعده على الإتمام من قواطع السفر ، فلو نوى الإقامة وصلّى بتمام انقطع سفره ، واحتاج القصر إلى سفر جديد بشرائط القصر ، وإلّا يتمّ.

فلعلّ المراد من الشرط أنّه شرط إلى أن يصلّي بتمام ، وبعده لا يحتاج إلى هذا الشرط ، لكن عبارة الشهيدين تأبى عن ذلك ، أو يكون المراد أنّ حين قصد الإقامة لا بدّ أن ينوي إقامة متوالية لا يخرج إلى حدّ الترخّص ، فلو كان نوى الإقامة لا بهذه الخصوصيّة وهذا القيد يبطل ، ولا ينفع.

ولكن قوله رحمه‌الله : حتّى لو كان ذلك من نيّته من أوّل الإقامة. إلى آخره ، لا يلائم هذا ، ومع ذلك من أين ظهر أنّ قصد الإقامة بعنوان اللابشرط لا يكفي ، بل لا بدّ من شرط العدم؟

فالظاهر من عبارتهما عدم كفاية قصد الإقامة ، بل لا بدّ معه من عدم الخروج إلى حدّ الترخّص ، وعدم قصد ذلك في أوّل قصد الإقامة.

وقد عرفت أنّ مقتضى الأخبار والفتاوى تحقّق القاطع بقصد الإقامة اللابشرط وحصول الصلاة على التمام.

مع أنّ إفادة عبارة قصد إقامة العشرة العرفيّة ما ذكراه لا يخلو عن تأمّل ، لأنّ خفاء الأذان والجدران حكم شرعي ، فلا مدخليّة له في العرف.

وموضوعات الأحكام يرجع فيها إلى العرف ، واعتباره في الخروج أو الدخول من السفر لا يستلزم اعتباره حال قصد الإقامة.

بل عرفت اتّحاد حال قصد الإقامة مع الكون في الوطن لعموم المنزلة ، وحين ما يكون الإنسان في وطنه ولم يسافر لا عبرة بالخروج إلى حدّ الترخّص وما فوقه قطعا ، إلّا مع قصد المسافة المعتبرة في السفر والخروج إليه ، فلا بدّ أن يكون ناوي الإقامة أيضا كذلك ، مع أنّه ربّما لا يعدّ قبل حدّ الترخّص من جملة ما

٢٥٢

قصد الإقامة فيه ، وربّما يعدّ الزائد عنه بكثير وهو الأكثر ، سيّما في البلدان الكبيرة والمتوسّطة ، فإنّ الخروج إلى بعض البساتين والمزارع المتّصلات والمقابر وأمثال ذلك لا يقدح في صدق الإقامة فيها عرفا ، وأيضا لزيادة المكث وقلّته تفاوت عرفا ، فربّما يقلّ ـ غاية القلّة ـ في البعيد ولا يقدح ، وربّما يكثر في القريب ويقدح.

وروى زرارة ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من قدم مكّة قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكّة» (١) الحديث.

حكم عليه‌السلام بوجوب الإتمام مطلقا ، سواء خرج من مكّة بجهة من الجهات أم لا ، فلو كان عدم الخروج شرطا لذكره ، إلّا أن يقال : العادة عدم الخروج ، فصار بمنزلة الشرط ، وهو كما ترى ، ولأنّه عليه‌السلام ما نقل حالهم ، لكنّه جعله بمنزلة أهل مكّة ، وأهل مكّة لو خرجوا إلى ما دون المسافة لم يكن عليهم إلّا الإتمام ، فتأمّل جدّا!

ثمّ قال عليه‌السلام : «فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير ، وإذا زار البيت أتمّ الصلاة وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتّى ينفر» (٢).

قال في «الوافي» : إنّما يجب الإتمام عليه ، لأنّه لا بدّ له من إقامة عشرة حتّى يحجّ ، وإنّما وجب القصر إذا خرج إلى منى ، لأنّه يذهب إلى عرفات ، ويبلغ سفره بريدين ، وإنّما أتمّ إذا زار البيت ، لأنّ الإتمام بمكّة أحبّ من التقصير ، وإنّما لزمه الإتمام إذا رجع إلى منى ، لأنّه كان من عزمه الإقامة بمكّة بعد الفراغ من الحجّ ، كما يكون في الأكثر ، ومنى من مكّة أقلّ من بريد.

ثمّ قال : وفيه نظر ، لأنّ سفره إلى عرفات هدم إقامته الاولى ، وإقامته الثانية

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٨٨ الحديث ١٧٤٢ ، الوافي : ٧ / ١٥٤ الحديث ٥٦٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٤ الحديث ١١١٧٨ مع اختلاف يسير.

(٢) مرّ آنفا.

٢٥٣

لا يحصل بعد ، إلّا أن يقال : إرادة ما دون المسافة لا ينافي عزم الإقامة ، وعليه الاعتماد ، يأتي ما يؤيّده في باب إتمام الصلاة في الحرم الأربعة (١).

وذكر في ذلك الباب صحيحة علي بن مهزيار التي تضمّنت أنّ من توجّه من منى إلى عرفات فعليه التقصير ، وإذا رجع وزار البيت ورجع إلى منى فعليه الإتمام (٢) ، وقد ذكرناها في الصلاة في الأماكن الأربعة (٣) ، وفي تقدير قصد الإقامة ثانيا ، تأمّل ، إذ ليس منه عين ولا أثر ولا عادة.

ويمكن أن يقال : سفر عرفات ليس بمسافة القصر على سبيل الوجوب العيني ـ كما عرفت ـ ومثل هذا لا يهدم قصد إقامة العشرة ، كما يظهر من الصحيحين من عدم نيّته إقامة مستأنفة ، وكون الإتمام بعد الرجوع مترتّبا على الإتمام السابق ، ومن جهة أنّه صار بمنزلة أهل مكّة ، ففيهما شهادة على أنّ سفر عرفات سفر رخصة في القصر ، لعدم كونه سفرا تامّا ، بسبب عدم الرجوع ليومه الذي هو شرط على حسب ما عرفت ، فتأمّل جدّا!

ومرّ في صحيحة ابن مهزيار ، عن إبراهيم الحضيني أنّه استأمر الجواد عليه‌السلام في الإتمام والتقصير في مكّة ، فقال عليه‌السلام : «إذا دخلت الحرمين فانو المقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة» فقال : إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو بيومين [أو ثلاثة أيّام] ، فقال : «انو مقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة» (٤).

__________________

(١) الوافي : ٧ / ١٥٤ ذيل الحديث : ٥٦٦٦ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٤ / ٥٢٥ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٢٨ الحديث ١٤٨٧ ، الاستبصار : ٢ / ٣٣٣ الحديث ١١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٥ الحديث ١١٣٤٦.

(٣) راجع! الصفحة : ١٨٧ و ١٨٨ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٢٧ الحديث ١٤٨٤ ، الاستبصار : ٢ / ٣٣٢ الحديث ١١٨٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٨ الحديث ١١٣٥٧.

٢٥٤

فإنّها بظاهرها تدلّ على أنّ سفر عرفات لا ينافي قصد الإقامة ، فيكون ظاهرها عدم اشتراط التوالي ، وظاهرها دليل المشهور من عدم كونه سفر القصر.

وعلى ما اختاره معظم القدماء من كونه سفر القصر على سبيل الرخصة ، فلعدم ثبوت منافاة مثله لقصد الإقامة ، بل ثبوت العدم وظهوره ، لما ظهر من الصحاح المذكورة ، فتأمّل جدّا!

وببالي أنّ العلّامة قائل بعدم المنافاة (١) ، وأنّه نقل ذلك لي بعض مشايخي.

الخامس : قد عرفت أنّ قصد الإقامة من قواطع السفر ، فلا بدّ للعود إلى التقصير بعد الصلاة على التمام من قصد مسافة جديدة ، مع باقي الشرائط للقصر.

وبهذا أفتى المحقّقون حتّى الشهيدان (٢) ، فلو رجع إلى موضع الإقامة بعد إنشاء السفر الجديد وحصول الشرائط لطلب حاجة أو أخذ شي‌ء لم يتمّ فيه ، مع عدم عدوله عن السفر ، بخلاف ما لو رجع إلى الوطن.

والفارق مع كونه بمنزلته أنّه أعرض عن قصد الإقامة وسافر وناوي الإقامة الذي هو بمنزلة المتوطّن ، هو الذي لم يعرض عن قصد الإقامة ولم يسافر ، إذ بعد الإعراض ليس بناوي الإقامة والمقيم عشرا ، فليس بمنزلة أهل ذلك البلد.

السادس : إذا سبق نيّة الإقامة ببلد عشرة أيّام على الوصول إليه ، ففي انقطاع السفر بما ينقطع بالوصول إلى الوطن ، من مشاهدة الجدران وسماع الأذان وجهان ، من أنّ المقيم عشرا بمنزلة المتوطّن ، ومن أنّه الآن مسافر ، فيتعلّق به حكمه إلى أنّ يحصل ما يقتضي الإتمام ، وبعد لم يصر بمنزلة أهل البلد ، لأنّ الحديث الدالّ على المنزلة لا يشمل المقام.

__________________

(١) لاحظ! منتهى المطلب : ٦ / ٣٩٠.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٠٣ ، الروضة البهيّة ١ / ٣٧٢.

٢٥٥

نعم ، بعد الدخول ناويا يصير بمنزلتهم ، فلاحظ الحديث (١) ، فلهذا لو خرج إلى السفر اعتبر حدّ الترخّص ، لأنّه صار بمنزلتهم.

السابع : إذا عزم على إقامة العشرة في غير بلده ، ثمّ خرج إلى ما دون المسافة ، فإن عزم العود والإقامة أتمّ ذاهبا وعائدا وفي البلد.

هذا إذا كان الخروج بعد فعل الصلاة على التمام واضح ، لما عرفت من أنّه صار بمنزلة المتوطّن ، ولأنّه انقطع سفره ، فلا بدّ للقصر من مسافة جديدة بشرائطها.

وأمّا إذا لم يصلّ على التمام ، ففيه إشكال من جهة عدم معلوميّة تحقّق القاطع ، فبعد الحركة من موضع القصد لا يكون محتاجا إلى قصد مسافة مستأنفة بشرائط القصر ، بل سفره الأوّل بعد باق ، ومن جهة أنّ ما في صحيحة زرارة المذكورة ، من أنّ «من قدم قبل التروية بعشرة ، فهو بمنزلة أهل مكّة» (٢) بإطلاقه يشمل المقام ، ولذا لا يكون الإتمام له موقوفا على حصول الفريضة بتمام ، مع لزوم الدور أيضا لو كان موقوفا.

نعم ، لو رجع عن عزم الإقامة ، ولم يصلّ فريضة بتمام يرجع إلى حالته الاولى ، فتأمّل ، فإنّه مشكل ، وإن كان الأظهر الثاني ، بل لا إشكال ، لأنّ بمجرّد قصد الإقامة في موضع يكون مكلّفا بالتمام ، فانقطع سفره القصري ، فيكون مكلّفا بالإتمام حتّى يثبت خلافه ، ولغير ذلك ممّا مرّ.

وأمّا أنّ البداء موجب للعود ، فهو مثبت الخلاف. نعم ، الإشكال فيما إذا كان حين قصد الإقامة قصده الخروج ، والاحتياط واضح.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٨ الحديث ١١٣٠٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٤ الحديث ١١١٧٨.

٢٥٦

ولو عزم العود ، ولم يعزم الإقامة المستأنفة قيل : وجب التقصير بمجرّد خروجه ، ونسب هذا القول إلى الشيخ والعلّامة وغيرهما ، محتجّين بأنّه نقض المقام بالمفارقة ، فيعود إلى حكم السفر المستأنف (١).

وفيه ، أنّ هذا ينافي ما هو مسلّم عندهم وثابت بالأدلّة من أنّ قصد الإقامة من جملة قواطع السفر.

وقد ظهر لك الأدلّة فيما سبق ، عند شرح قول المصنّف : (وأن لا يقطع سفره) (٢) واشير في المقام إلى بعضها ، فإذا انقطع لا جرم يكون اللازم الإتمام والصيام ، وهذا مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ولا يثبت إلّا بإنشاء سفر جديد مستجمع لجميع شرائط القصر من مسافة ثمانية بالنحو الذي ذكرت وغيرها.

وأيضا هذا مناف لما علّلوا به في المسألة السابقة المسلّمة عندهم ، حيث علّلوا بأنّ الصلاة على التمام بعد نيّة الإقامة توجب البقاء على الإتمام إلى أن يتحقّق السفر المقتضي للقصر ، ومع ذلك نقض المقام والعود إلى السفر ممنوعان بل هما عين الدعوى.

واستدلّ لهم بأنّ صلاة المسافر قصر إلّا فيما يثبت التمام ، والمتبادر من الأخبار الدالّة على أنّ ناوي الإقامة يتمّ الصلاة أنّه يتمّ في موضع إقامته خاصّة (٣).

وفيه ، أنّ هذا مناف لما ثبت من الأدلّة ، ومسلّم أيضا عندهم من أنّ قصد الإقامة من القواطع ، ومناف أيضا لتعليلهم الذي علّلوا في المسألة السابقة.

وفي «المدارك» بعد ما ذكر قولهم ، قال : وهو مشكل ، إذ المفروض كون

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٣٨ ، منتهى المطلب : ٦ / ٣٩٠ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٤١٣ ، تحرير الأحكام : ١ / ٥٧ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٤٤١.

(٢) راجع! الصفحة : ١٤١ ـ ١٤٥ من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٩٨ الباب ١٥ من أبواب صلاة المسافر.

٢٥٧

الخروج إلى ما دون المسافة والعود لا يضمّ إلى الذهاب إجماعا ، كما نقله الشارح وغيره (١) ، انتهى.

ووجه الإجماع قد عرفت من أنّه لا بدّ من تحقّق أربعة فراسخ ذهابا في تحقّق مسافة القصر ، وأنّه لو نقص منها شي‌ء قليل لا تتحقّق مسافة القصر ، إلّا أن يكون الإياب فقط قدر ثمانية أو ما زاد ، فيكون الإياب فقط سفر القصر ، ولا مدخليّة للذهاب فيه ، فيكون الشروع في القصر بعد الشروع في الإياب.

وبناء الشيخ وموافقيه على عدم انقطاع السفر بقصد الإقامة أو الانضمام ، وقد عرفت فسادهما ، وستعرف.

وأيضا التبادر الذي ادّعيت ، إن أردت أنّه يتمّ فيه ولا يتمّ في غيره ، فلا شكّ في أنّه ليس كذلك ، مع أنّ الممنوعيّة لا أقلّ منها.

وإن أردت المعنى اللابشرط فمسلّم ولا يضرّنا ، فإنّ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه ، بل هو مستصحب حتّى يثبت خلافه.

هذا ، مضافا إلى الأدلّة الاخر على التمام في الغير.

على أنّا نقول : صحيحة أبي ولّاد ظاهرة في وجوب الإتمام إلى أن يسافر السفر الذي يستجمع شرائط القصر ، لأنّه عليه‌السلام قال : «إن كنت دخلت المدينة وصلّيت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتّى تخرج منها» (٢).

فإنّ المتبادر من الخروج ما هو في مقابل دخوله في المدينة ، وقبل دخوله كان مسافرا بالسفر المستجمع ، ولذا كان يقصّر.

وليس المراد مطلق الخروج بقرينة المقابلة ، ولأنّه لو كان المراد هو المطلق

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٨١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٠ الحديث ١٢٧١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٨ الحديث ١١٣٠٥.

٢٥٨

يلزم أن يقصّر بمجرّد الخروج ـ أيّ خروج يكون عن البلد ولو كان قليلا ـ وهو باطل وفاقا ، ولأنّه كان المناسب حينئذ أن يقول عليه‌السلام : إلّا أن يخرج ، أو ما يؤدّي مؤدّى هذا ، لا أن يقول : «حتّى يخرج» الظاهر في إرادة الخروج المترقّب الوقوع مثل : السفر إلى الكوفة أو مكّة ، ولم يكن المترقّب الخروج فرسخين أو ثلاثة ، و «أبو ولّاد» كان من أهل الكوفة ، وذهب إلى المدينة للحجّ أو الزيارة وما ماثلهما.

وأيضا في غير واحد من الصحاح ، حكم فيها بوجوب الإتمام بعد قصد الإقامة على سبيل الإطلاق (١) ، فلاحظ وتأمّل!

وأيضا جعلوا الإتمام في مقابل القصر ، بأن قالوا : إن عزمت الإقامة أتممت ، وإلّا قصّرت إلى ثلاثين.

وظاهر أنّ القصر مطلق ، سواء كان في موضع الإقامة ، أو خارجا عنه ، فكذا الإتمام.

وأيضا الإتمام بعد ثلاثين مطلق ، كما هو الظاهر من أخباره (٢) ، وكذا المتبادر من لفظ الخروج فيها هو السفر ، فكذلك الحال في حكاية قصد الإقامة ، فلاحظ الأخبار وتأمّل فيها.

وأيضا قد عرفت دعوى جماعة من الفقهاء الإجماع على عدم ضمّ الإياب بالذهاب في هذه الصورة ، ومن هذا اقتصر الشهيد على التقصير في العود خاصّة (٣).

والظاهر أنّ مرادهم ما إذا حصل بالعود قصد مسافة القصر ، فلو عاد إلى موضع الإقامة من دون قصد المسافة ـ بأن لا يكون عازما على السفر ، ولا يكون

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٩٨ الباب ١٥ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٩٨ الباب ١٥ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٠٣.

٢٥٩

عازما على الإقامة ، بل يكون متردّدا أو ذاهلا ـ يكون عليه التمام ، لانقطاع السفر الأوّل ، وعدم تحقّق سفر القصر ثانيا.

وممّا ذكرنا ظهر حال جميع صور هذه المسألة ، إذ بعد ما علمت من أنّ نيّة الإقامة فقط ، أو مع حصول فريضة على التمام قاطعة للسفر ، وتجعل السفر سفرين لو تحقّق بعده سفر ، فلا بدّ للقصر في السفر الثاني من تحقّق المسافة مع جميع الشرائط ، ومنها أن يكون الامتداد الذهابي مقدار أربعة فراسخ لا أقلّ ، والإيابي أيضا يكون هذا المقدار البتة ، وقس عليه لو كان عزمه المسافة الذهابي فقط ، إذ لا بدّ أن يكون ثمانية حتّى يقصّر.

وكذا لو كان عزمه الذهاب إلى أربعة فراسخ وما زاد ، ولم يبلغ ثمانية ، لكن ليس عزمه الرجوع ، بل متردّدا أو ذاهلا عنه ، فإنّه يتمّ ، مثل الذي عزمه الإقامة في رأس الأربعة مثلا ، بل مع مظنّة العود أيضا يتمّ ، لعدم العزم والقصد بمجرّد المظنّة ، إلّا أن يكون قاصدا للرجوع مريدا إيّاه.

وكذا لو كان قصده الذهاب إلى ما دون الأربعة ، والرجوع إلى ما هو بجنب موضع إقامته ، وقصده الإقامة فيه ، أو ذاهل عنه أو متردّد ، فإنّه يتمّ ، لعدم قصد المسافة.

ولو كان قصده الأربعة الذهابيّة والإيابيّة ، فإنّه يقصّر في الطريق البتة ، لكن في المقام (١) يتمّ إن كان قصده الإقامة ، وإلّا يقصّر سواء كان متردّدا ، أو ناويا عدم الإقامة ، أو ذاهلا عن الإقامة وعدمها ، إلى غير ذلك من صور المسألة.

الثامن : المسافة للقصر في سفر البحر مثلها في سفر البرّ وكذا الشرائط وإن كان طيّ المسافة في البحر ربّما يكون بأنقص من ساعة ، وربّما يكون بأيّام كثيرة.

__________________

(١) في (د) و (ط) : في موضع الإقامة.

٢٦٠