مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

قوله : (يشترط في وجوب). إلى آخره.

مرّ في شرح قول المصنّف رحمه‌الله : ([لا يكون السفر عمله] إلّا إذا جدّ به السير) ما ذكرنا ممّا يشير إلى اعتبار الكثرة وقادحيّة إقامة العشرة (١) ، مثل صحيحة هشام (٢) ، ورواية السندي بن الربيع (٣) ، الدالّتين على أنّ المكاري والجمّال يتمان ويصومان إذا كانا يختلفان وليس لهما مقام لا مطلقا ، للتقييد بذلك ، ومفهوم القيد حجّة إذا كان للاحتراز ، ولا يخفى أنّ المتبادر كونه للاحتراز هنا ، وحجّية هذا المفهوم لا تأمّل فيه ، كما حقّقنا في محلّه.

مع أنّ الاحتراز معناه أنّه بهذا القيد كذلك ، وأنّ التقييد لإخراج ما ليس كذلك في هذا الحكم ، وهذا بعينه عبارة عن حجّية المفهوم.

وغير خفي أنّ المتبادر من لفظ المقام ـ في أمثال المقام ـ مقام عشرة ، كما هو بناء الفقهاء في كلّ موضع ، والمدار عليه في كلّ مقام.

ولهذا استشكل الكلّ في رواية حمزة بن عبد الله الجعفري ، وتوجّهوا إلى توجيهها (٤).

وما ذكرناه ـ من أنّ هذا الراوي لعلّه ما كان الظاهر عليه كون المقام في مكّة خصوص العشرة لكذا وكذا ـ إنّما هو توجيه لرفع الإشكال ، والتوجيه هو ارتكاب خلاف ظاهر لرفع الإشكال ، وإلّا لم يكن توجيها ولا إشكالا.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٤٧ ـ ١٥١ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٤ الحديث ١١٢٣٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٧ الحديث ١١٢٤٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٣ الحديث ١٢٨٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢١ الحديث ٥٥٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٩ الحديث ٨٥٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٩ الحديث ١١٣٠٦.

٣٠١

مع أنّ اشتراط عدم مقام العشرة في المقام مقطوع به في كلام الأصحاب ، وفهمهم معتبر ، لأنّ الشاهد يرى ما لا يراه الغائب وهم الخبيرون ـ «وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ» ـ إلّا أن يظهر أنّهم أخطئوا ، وظهوره ـ لو كان ـ ففي غاية الندرة ونهاية الصعوبة ، وبالجملة ، هو أيضا من المرجّحات.

ويظهر من رواية عبد الله (١) ورواية يونس أيضا ، أنّه مقام عشرة أيّام (٢).

وقس على صحيحة هشام ورواية السندي حال باقي ما أشرنا إليه هناك وتأمّل.

مع أنّ اشتراط عدم مقام خمسة أيّام في إتمام المكاري مثلا ـ لو كان المراد من المقام مقام خمسة أيّام على الاحتمال المذكور في ذلك التوجيه ـ ممّا لم يقل به أحد ، بل خلاف الإجماع وغيره. فتعيّن كون المراد مقام العشرة المعروفة المتبادرة المعهودة عند الشيعة.

وأيضا لو قلنا بأنّ المفهوم ليس مفهوم القيد ، فلا شكّ في كونه مفهوم الشرط على قياس قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٣) فإنّ المفهوم في قيد الفاسق ، هو مفهوم الشرط عند المحقّقين ، لأنّه من جملة ما دخل عليه أداة الشرط ، فعموم مفهوم الشرط يقتضي عدم حجّية خبر الفاسق ، كما هو مسلّم ولا تأمّل فيه عندهم. ومعلوم أن المقام مثله ، بل أولى منه كما لا يخفى.

وممّا ذكر ظهر ما في كلام المحقّق في «المعتبر» من أنّ ظاهر الروايات لزوم

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨١ الحديث ١٢٧٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢١٦ الحديث ٥٣١ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٤ الحديث ٨٣٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٩٠ الحديث ١١٢٥٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٨ الحديث ١١٢٤٥.

(٣) الحجرات (٤٩) : ٦.

٣٠٢

الإتمام للمكاري والجمّال ومن شاركهما في الحكم كيف كان (١) ، إلّا أنّ الشيخ رحمه‌الله يشترط أن لا يقيموا في بلدهم عشرة أيّام (٢) ، إذ الشرط غير مختصّ بالشيخ ، بل الأصحاب قاطعون به ، وكذا ليس خاليا عن الدليل ، بل الدليل عليه كثير.

وممّا ذكر ظهر ما في «المدارك» من أنّهم ـ يعني الأصحاب القاطعين بذلك ـ استدلّوا بما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام وأقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام وأكثر قصّر في سفره وأفطر» (٣).

ثمّ طعن في السند ومتروكيّة الظاهر ، لعدم قول بأقلّ من الخمسة مطلقا ، وطعن أيضا في الدلالة ، بعدم الصراحة في كون المراد من البلد الذي يذهب إليه هو المنزل.

ثمّ قال : ولكن الصدوق رحمه‌الله روى هذه الرواية بطريق صحيح ومتنها مغاير ، فإنّه قال : «المكاري إن لم يستقر في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار ، وأتمّ صلاة الليل ، وعليه صوم شهر رمضان ، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر ، وينصرف إلى منزله ، ويكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر ، قصّر في السفر وأفطر» (٤).

ومقتضى هذه الرواية اعتبار إقامة العشرة في المنزل والمكان الذي يذهب

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٧٣.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ١٢٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢١٦ الحديث ٥٣١ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٤ الحديث ٨٣٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٩ الحديث ١١٢٤٩ مع اختلاف يسير.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨١ الحديث ١٢٧٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٩ الحديث ١١٢٤٩ مع اختلاف يسير.

٣٠٣

إليه ، ولا أعلم بذلك قائلا ، ومع ذلك اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب باق على حاله. والمسألة محلّ إشكال ، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنّ إقامة العشرة في البلد قاطعة لكثرة السفر (١) ، انتهى.

لأنّ الأصحاب إذا اتّفقوا على الاشتراط ـ على ما اعترف مرارا ـ لا يلزم أن يكونوا متّفقين على الاستدلال بوجه فاسد ظاهر الفساد ، بل لا يرضى نسبة ذلك إلى واحد منهم فكيف إلى جميعهم؟ مع أنّ دأبهم ليس الاستدلال ، بل مجرّد الفتوى ، وهذا ظاهر مقطوع به منهم بملاحظة كتبهم.

نعم ، قليل منهم يتعرّض للاستدلال ، ومع ذلك لا يلتزم أن يأتي بما هو مستند الأصحاب بعينه ، بل كثيرا ما يأتي الدليل من قبل نفسه ، وهذا مقطوع به ، بل وصرّح بذلك.

وعرفت أنّ المستند غير منحصر في خصوص ما ذكره من الرواية ، سيّما بعد ما ستعرف من رواية يونس.

وعلى تقدير التسليم ، الضعف منجبر بالشهرة ، فكيف إذا كان متّفقا عليه؟ وحقّق في محلّه صحّة الانجبار بالشهرة ، وهو من المسلّمات عند الفقهاء.

مع أنّ طعنه ليس إلّا من جهة إسماعيل بن مرار بأنّه مجهول. وقد حقّقنا في محلّه عدم قدح فيه ، لأنّ القمّيين استثنوا من روايات يونس ما رواه محمّد بن عيسى عنه خاصّة (٢) مع أنّه ثقة على المشهور والظاهر.

مع أنّ إسماعيل هذا ، وصالح بن السندي دائما يرويان عن يونس ، وكانا من تلامذته ، والقمّيون ما استثنوا رواياتهما عنه ، بل يروون رواياتهما عنه ، ويفتون

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥٢.

(٢) انظر! تعليقة على منهج المقال : ٣١٣.

٣٠٤

بها ، ويعملون من دون تأمّل.

وهذا ينادي بكونهما أوثق من ابن عيسى عندهم على وجه اتّفقوا ، ووافقنا على ما ذكرنا جماعة من المحقّقين.

وأمّا الاشتمال على ما لا يقول به الأصحاب ، فهو غير مضرّ بالنسبة إلى باقي الحديث ، كما حقّق.

مع أنّه يمكن أن يقال : المراد من الأقلّ ليس الأقلّ من خمسة ، بل من العشرة ، يعني الخمسة وما فوقها ممّا هو أقلّ من العشرة ، بقرينة جعل ذلك في مقابل العشرة وما فوقها ، والخمسة فما دونها لا يصير في مقابل العشرة ممّا فوقها ، بل الخمسة فما دون العشرة تصير في مقابل ذلك.

وذكر أقلّ من العشرة (١) ، لإظهار أنّ الستّة والسبعة والثمانية والتسعة حالها حال الخمسة من دون تفاوت ، سيّما مع حزازة جعل الأقلّ ، أقلّ من خمسة من وجوه ، إذ من جملة أقلّها ما لا يكون استقرارا ، فكيف يدخل في الاستقرار؟

وأيضا لا حدّ ولا ضبط فيه ، فكيف يناسب مقام تعيين الحكم الواجبي الغريب لمخالفته لحكم المكاري على ما كان المعروف عند المسلمين والشيعة.

وأيضا أقلّ من الخمسة مخالف لإجماع الشيعة والمسلمين ، فضلا عن أن لا يكون له حدّ ، ومجرّد الإجماع يكفي لحمل الحديث وبناء معناه ، ألا ترى أنّ جلّ المستحبّات بلفظ الأمر وأمثاله ، وهكذا الحال في أكثر أحكامنا المستنبطة من الأحاديث ، فإنّه بمعونة الإجماع.

فإذا كان الإجماع يكفي ، فكيف إذا انضمّ إليه قرينة المقابلة وغيرها ممّا ذكر؟ فإنّ المقابلة كثيرا ما تصير قرينة ، فكيف إذا انضمّ إلى أمر آخر؟ فتأمّل فيما ذكرنا

__________________

(١) في (د ٢) و (ز ٣) : من العشرة بعد الخمسة.

٣٠٥

من القرائن ، وتدبّر حتّى يظهر لك أنّ الأمر على ما ذكرنا.

ولا معنى لجعل الأقلّ ، أقلّ من الخمسة على أيّ حال ، لما عرفت من إباء نفس الحديث إيّاه ، فضلا عن الامور الخارجة.

وأمّا ما ذكره من عدم الصراحة فيشعر بقبول ظهور ، ولعلّه من جهة المقابلة ، فإنّه قال عليه‌السلام : «إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة» فالمقابل لا بدّ أن يكون المنزل والظهور يكفي.

مع أنّ الاتّفاق على أنّ الاستقرار في المنزل عشرة يكفي أيضا قرينة ، لما عرفت ، وإن كان الظاهر سقوط القدر الذي في رواية الصدوق مذكور.

وعلى أيّ حال ، يكفي للاستدلال ، إذ في صدر الرواية اشترط للقصر نهارا لا ليلا ، الاستقرار في منزله خمسة أيّام. ومفهوم ذلك أنّه لو لا هذا لم يكن هذا الحكم ، فإذا كان في منزله عشرة ، لم يكن الحكم المذكور البتة ، فإمّا الإتمام مطلقا ، أو القصر كذلك ، لا وجه للأوّل ، لأنّ استقرار الخمس لو صار منشأ للقصر نهارا ، فاستقرار العشر بطريق أولى ، فحيث ظهر أنّ حكم استقرار العشرة مخالف لحكم الخمسة ، تعيّن كونه القصر مطلقا ، لعدم القول بالفصل ، ولعدم قائل بأنّ الحكم أمر آخر.

مع أنّ أخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض ، وقد عرفت صحيحة هشام وغيرها ، فتأمّل جدّا!

وممّا ذكرنا ظهر أنّ كلمة الواو في رواية الصدوق رحمه‌الله بمعنى (أو) ، إذ لا وجه لجعل ذلك في مقابل استقرار الخمس في المنزل ، واشتراط ذلك في القصر نهارا وأنّه يكفي للقصر نهارا ، فمفهومه أنّ استقرار العشر ليس حكمه كذلك ، بل حكمه غير ذلك ، فلم يبق إلّا القصر مطلقا ، لما عرفت.

٣٠٦

مع أنّه لا وجه للاقتصار في المفهوم على خصوص ما ذكر ، لو كان المراد انضمام كلّ واحدة من العشرتين مع الاخرى بالنحو الذي ذكر ، وهو أنّه يقيم في البلد الذي يذهب إليه عشرا ، ثمّ بعد ما ينصرف إلى منزله يقيم عشرا فيه أو أكثر ، من دون تعرّض لذكر حاله قبل الخروج وعدم اعتباره أصلا ، مع أنّه عليه‌السلام في صدد بيان أحكام صلاة المكاري والتفصيل فيه.

مع أنّك ستعرف أنّ الظاهر اتّحاد هذه الرواية مع المرسلة ، مع أنّ اتّفاقهم ـ الذي اعترف به مكرّرا ـ يكشف عن الاتّفاق على عدم اشتراط انضمام استقرار العشرة في المنزل باستقرار العشرة فيما ذهب إليه ، فعدم القائل أصلا بالاشتراط يكفي ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، وهو رحمه‌الله يعتبر ذلك في الاستدلال بالأحاديث ، ومداره على ذلك ، فتأمّل جدّا!

على أنّا نقول : روى الشيخ ، عن محمّد بن أحمد ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتمّ ، قال : «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيّام وجب عليه التمام والصيام أبدا ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير والإفطار» (١).

وهذه الرواية مستندهم ، لأنّهم يكتفون بالعشرة في المنزل ، أو العشرة المنويّة في غير بلده ، صرّح بذلك المحقّق في «النافع» والعلّامة (٢) ، وكلّ من تأخّر

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢١٩ الحديث ٦٣٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٤ الحديث ٨٣٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٨ الحديث ١١٢٤٥ مع اختلاف يسير.

(٢) المختصر النافع : ٥١ ، قواعد الأحكام : ١ / ٥٠.

٣٠٧

عنه (١) ، والشيخ أيضا (٢) ، وغيره ممّن تقدّم (٣) ، وقال [ـ وا] بكفاية احدى العشرتين.

بل غير خفي على المنصف المتأمّل أنّ هذه الرواية متّحدة مع الروايتين المتقدّمتين ، وإنّما وقع الاختلاف من الرواة من جهة النقل بالمعنى وبحسب ما اقتضاه مقام روايتهم.

بل سند الرواية الاولى هكذا : سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، والثانية ، رواها الصدوق ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، والثالثة ، قد عرفت (٥) ، والحكاية واحدة.

فظهر أنّ بعض رجاله هو عبد الله بن سنان ، فاستقام ـ على هذه ـ الروايتان الأوّلتان.

وظهر أنّ كلمة الواو في الرواية الثانية بمعنى (أو) ، بل كانت (أو) نقلت بالمعنى بلفظ الواو ، ولأنّ المقام ما كان يقتضي إظهار كفاية احدى العشرتين ، كما أنّ في الثالثة ما كان المقام يقتضي ذكر إقامة الخمسة مطلقا.

وصرّح بعض المحقّقين باتّحاد الروايات الثلاث ، وبالغ في ذلك (٦).

ويعضده أيضا ما ذكرناه من موانع عدم كون الواو بمعنى (أو) ، ومقتضيات

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٣١٦ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٧٣ ، جامع المقاصد : ٢ / ٥١٣.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ١٢٢.

(٣) المهذّب : ١٠٦ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٠٨ ، المهذّب البارع : ١ / ٤٨٦ ، الحدائق الناضرة : ١١ / ٣٩٥.

(٤) راجع! الصفحة : ٣٠٣ من هذا الكتاب.

(٥) مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٦) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٣ / ٥٧٢.

٣٠٨

كونها بمعناها. مع أنّ الكلّ عن يونس بن عبد الرحمن ، وباقي السند أيضا متّحد إلّا قليلا ، وعبد الله بن سنان من مشايخه ورجاله.

والحكاية مع كونها واحدة في الكلّ منحصرة فيها. إلى غير ذلك من مقرّبات الاتّحاد ، ومنها أنّها لو لم تكن متّحدة ، فكيف كانت تقتصر في كلّ واحدة منها على ذكر نفسها؟ مع أنّه سمع الصورتين الاخريين ، مع مخالفتهما لها ، بل الارتباط في الجملة داع إلى الذكر ، فضلا عن مثل هذا.

مع أنّك عرفت أنّ السند واحد إلّا واحدا فكيف يجوّز العقل صدور هذا الأمر العجيب الغريب بل القبيح الفضيح عن كلّ واحد واحد؟ سيّما مع وثاقته وعدالته واعتباره وجلالته ، مع أنّ كلّهم كذلك حتّى إسماعيل بن مرار ، كما عرفت.

فظهر أنّ مستندهم لا غبار عليه تامّ من وجوه متعدّدة ، صحيح على قانون الفقهاء ، وظهر أيضا أنّ معظمهم على عدم الفرق بين العشرة في المنزل ، والعشرة المنويّة في غيره.

وظهر أيضا ممّا ذكرنا ضعف ما قوّاه بعض المتأخّرين من العمل بمقتضى ما يظهر عنده من الصحيحة من جهة صحّة السند ، وعدم العمل بالروايتين (١) ، لما ذكرناه في الرواية الاولى وأجبنا عنه ، ولضعف الأخيرة بالإرسال ، وكون إسماعيل بن مرار مجهولا ، وقد عرفت أنّه ليس بمجهول ، وأمّا الإرسال ، فمن يونس بن عبد الرحمن ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٢) ، مع ما عرفت من ظهور كون بعض رجاله عبد الله. مع أنّ الانجبار بموافقة المشهور لو لم نقل بالإجماع يكفي ، بل ظهر أنّها مستندهم ، بل ظهر اتّحاد الثلاث ، فظهر صحّتها سندا أيضا ، إلى غير ذلك من

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤١٠.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

٣٠٩

أسباب ضعفه ، وقوّة فتوى المشهور ، بل تعيّنها.

وأمّا كون المراد من العشرة في غير المنزل العشرة المنويّة ، فللإجماع المنقول على عدم تأثير غير المنويّة ، نقله خالي العلّامة (١) ، وربّما يظهر ذلك ويظنّ به من اتّفاق فتاواهم ، فليلاحظ.

مع أنّه ظهر ـ ممّا تقدّم ـ أنّ العشرة إذا صارت منويّة تصير بمنزلة الحضور وعدم السفر ، وإن لم تكن منويّة لا تصير كذلك ، إلّا بعد مضيّ ثلاثين.

وربّما يظهر ـ ممّا ذكرنا ـ أنّ اعتبار هذه الإقامة للإخراج عن كثير السفر ، والعشرة غير المنويّة أيضا ، فتأمّل جدّا!

والشهيد ألحق العشرة الحاصلة بعد التردّد ثلاثين يوما بها (٢) ، ولعلّه لعموم المنزلة التي ظهرت لك ، إذ بعد الثلاثين المتردّد تصير بمنزلة الوطن ، فإذا أقام في الوطن عشرة صارت إقامته موجبة للقصر ، فكذا هنا ، ومقتضى عموم المنزلة عدم اعتبار قصد الإقامة في هذه العشرة ، ولذا أفتى كذلك.

وألحق بعض الأصحاب بإقامة العشرة إقامة ثلاثين يوما متردّدا (٣) ، ولعلّه لكونه حينئذ حضريّا وبمنزلته ، لعموم المنزلة الذي عرفت.

وفيه ، أنّ هذا لا يوجب انقطاع كثرة السفر ، إذ أقصى ما يقتضي أن يكون بمنزلة من هو في وطنه كما عرفت ، وبمجرّد الكون في الوطن لا ينقطع الكثرة حتّى يتمّ عشرة ، كما هو مقتضى الروايات ، بل ستعرف أن الخمسة لا تكفي للقصر في خصوص النهار ، فضلا أن تكون ملحقة بالعشرة ، فما ظنّك بما نقص عن الخمسة؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨٦ / ٢٥.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١٢.

(٣) جامع المقاصد : ٢ / ٥١٣.

٣١٠

فإن قلت : مرسلة يونس هكذا : «وإن كان مقامه في منزله ، أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام ، فعليه التقصير والإفطار» (١) ، فالشرط فيه كون المقام أكثر من عشرة ، وأنّه لا يكفي العشرة ، وفتوى الفقهاء كفايتها ، وعدم اشتراط أزيد منها.

قلت : ذكر ذلك في مقابل قوله عليه‌السلام : «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة» ، ومعلوم أنّ مفهومه مقابل له وهو العشرة فما زاد ، فالمراد ذلك بقرينة المقابلة.

وإنّما عبّر كذلك من جهة أنّ إقامة العشرة ، بحيث لا يزيد عنها أصلا ولا ينقص عنها مطلقا من الفروض النادرة ، وفي مقام الإطلاقات ربّما لا ينظر إليها ، كما في مسألة البعيد عن صلاة الجمعة بفرسخين ، وسيجي‌ء في مسألة أقلّ الدرهم من الدم ، وغير ذلك.

هذا ، مع أنّك عرفت أنّ الروايات الثلاث كلّها واحدة ، فالروايتان المسندتان تكشفان عن كون المراد من المرسلة ما ذا؟

مع أنّك عرفت أنّ عدم القول بالفصل والإجماع البسيط يصيران قرينة لفهم الحديث.

ثمّ اعلم! أنّه متى وجب القصر على كثير السفر بسبب إقامة العشرة ، ثمّ سافر مرّة ثانية بدون الإقامة ، فالأظهر وجوب الإتمام عليه ، لعمومات الأخبار ، كما نقل عن ابن إدريس وغيره (٢).

واعتبر الشهيد في العود إلى الإتمام هنا المرّة الثالثة ، لأنّ الاسم قد زال

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٨ الحديث ١١٢٤٥ مع اختلاف يسير.

(٢) السرائر : ١ / ٣٣٨ و ٣٣٩ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥٣.

٣١١

بالإقامة فيكون كالمبتدأ (١).

أقول : قد عرفت الكلام في المبتدأ ، وأنّ اعتبار الثلاث ليس من جهة ما ذكره ـ فلاحظ وتأمّل ـ ومع ذلك زوال الاسم بمجرّد الإقامة محلّ نظر.

ومع ذلك لو تمّ ما ذكره ، لزم عدم تحقّق إتمام الصلاة والصيام في المكاري وموافقيه إلّا نادرا غاية الندرة ، لو لم نقل بالعدم مطلقا.

وحمل الأخبار الكثيرة الواضحة سندا ودلالة ، المفتى بها عند المتقدّمين والمتأخّرين على الفروض النادرة ممّا يأبى عنه الفقيه ، بل كثيرا ما يقيم المكاري ومشاركوه عشرة ، وفي القليل يصيرون بحيث لا يقيمون.

ومن هذا يحصل استبعاد ما بالنسبة إلى ما يظهر من الأخبار والفتاوى ، ولذا استبعد خالي العلّامة المجلسي (٢) ، والسيّد السند الاستاذ رحمهما‌الله تحقّق المكاري وموافقيه الذين لا يقيمون عشرة ، ومن هذا استشكلا ، وأمر خالي بالاحتياط.

ولعلّ الاستاذ رحمه‌الله أيضا كان يرى الاحتياط فيه ، إلّا أنّ الإجماع المنقول ، واتّفاق الفتاوى والروايات يعيّنون في رفع الاستبعاد.

واحتمال أنّ في ذلك الزمان من جهة زيادة الأمنيّة والأمان ، ربّما يصير المكاري وأمثاله بحيث لا يصبرون إلى العشرة في الغالب ، للحرص العادي في تحصيل المال وجمعه وتزييده ، أو غير الحرص من دواعي تحصيل المال ، ولأنّ مئونة الدوابّ ضرر عليهم ـ لو جلسوا ـ وتثقل عليهم ، ولذا نراهم في حال الأمنيّة ما يصبرون إلى العشرة البتّة ، وإن صبروا يكون دوابّهم في الاختلاف مع أجير أو شريك ، والله يعلم.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٣١٦ و ٣١٧.

(٢) بحار الأنوار : ٨٦ / ٢٤ و ٢٥.

٣١٢

ثمّ اعلم! أنّ الوارد في هذه الروايات هو المكاري ، وظاهر الأصحاب عدم الفرق. ولعلّه لعدم القول بالفصل ، كما يظهر من فتاواهم.

قال في «المعتبر» ـ بعد أن أورد رواية ابن سنان ـ : وهذه تتضمّن المكاري ، فلقائل أن يخصّ هذا الحكم به دون غيره ممّن يلزمه الإتمام في السفر ، إلّا أنّ الشيخ قيّد الباقين بهذه الشرطيّة ، وهو قريب من الصواب (١) ، انتهى.

وظاهره أنّ المنشأ ليس عدم القول بالفصل وتحقّق الإجماع.

بل في «الشرائع» قال : وقيل : يختصّ ذلك بالمكاري ، فيدخل في جملته الأجير والجمال ، والأوّل أظهر (٢) ، انتهى.

فوجه الأظهريّة اتّحاد حكم كلّ من اتّخذ السفر عمله في مثل هذا الحكم ، لأنّ الوارد في النصّ أو منشأ وجوب الإتمام على المكاري ـ مثلا ـ ليس إلّا كون السفر عملهم.

وفي هذه الروايات قالوا عليهم‌السلام : المقام عشرة أيّام يوجب القصر على المكاري (٣) ، فظهر أنّ المراد من التعليل بكون السفر عمله ، أنّه لا يتحقّق المقام عشرة أيّام.

وورد منهم عليهم‌السلام : أنّ المقيم عشرة أيّام بمنزلة الحاضر في وطنه (٤) ، والحاضر في مقابل المسافر ، فكلّ مقيم عشرة أيّام لا يكون فيه العلّة المنصوصة التي هي المنشأ للحكم بوجوب الإتمام.

والمدار في الحكم إنّما هو على العلّة المنصوصة ، والبناء صار عليها في وجوب

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٧٣ مع اختلاف يسير.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٣٤ مع اختلاف يسير.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٨ الباب ١٢ من أبواب صلاة المسافر.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠١ الحديث ١١٢٨٤.

٣١٣

الإتمام ، كما عرفت سابقا في شرح قول المصنّف : (إذا جدّ به السير) ، وغيره.

فظهر أنّ الإتمام في الجميع مشروط بالشرط المذكور.

وممّا ذكر ظهر حال إقامة الخمسة ، فإنّ الشيخ رحمه‌الله وأتباعه قالوا بأنّ المكاري ومشاركيه في الحكم إذا أقاموا خمسة يقصّرون نهارا ويتمّون ليلا (١).

وأنكره ابن إدريس وأكثر المتأخّرين من أنّ العمومات تقتضي أنّهم يتمّون ، وقصرها على من لا يقيم خمسة ـ أيضا ـ بعيد ، لأنّه نادر (٢).

وأمّا رواية ابن سنان التي هي مستند الشيخ ، فمتضمّنة لإقامة أقلّ من خمسة أيضا ، وهم لا يقولون به.

ومع ذلك الصحيح من تلك الروايات يتضمّن ما لا يقول به أحد من جهة اخرى أيضا ، والضعيفة منها ضعيفة ، ومع ذلك لا يخلو عن حزازة اخرى ـ وقد ذكر الكلّ ، والجواب عنه مع بسط ـ إلّا أنّ الإشكال متحقّق في أنّ مثل هذه الرواية ـ مع ما فيها من القيل والقال ، وارتكاب التوجيهات لدفع الحزازات ـ هل يكفي للخروج عن القاعدة الثابتة من الصحيحة وغيرها المجمع عليها؟ وهي أنّه إذا قصّر المكلّف أفطر وبالعكس.

مضافا إلى العمومات الدالّة على أنّ هؤلاء يتمّون ، مع صحّتها وكثرتها وشهرتها ، وكونها متلقّاه بالقبول عند جميع الفقهاء ، واستبعاد قصرها فيمن لا يقيم خمسة أيضا ، مضافا إلى أنّهم قبل أن يصير إقامتهم خمسة كان اللازم عليهم الإتمام ، فكذا بعده استصحابا للحالة السابقة ، ولا ينقض اليقين إلّا بيقين ، مع عدم الانجبار باتّفاق الفتاوى عليها ، ولا شهرة عظيمة بل ولا شهرة أصلا.

والأظهر عدم المقاومة ، والاحتياط فيه واضح ، والله يعلم.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٤١ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٢٢ و ١٢٣ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٠٨ ، المهذّب : ١ / ١٠٦.

(٢) السرائر : ١ / ٣٤١ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٣٤ ، مختلف الشيعة : ٣ / ١٠٨ ، إيضاح الفوائد : ١ / ١٦٤.

٣١٤

والمعتبر في الخمسة هو الإقامة في خصوص المنزل لا بلد آخر ، فلا يعتبر فيها القصد والنيّة.

ونقل عن ابن الجنيد أنّه اكتفى لانقطاع كثرة السفر بإقامة الخمسة المنويّة في غير بلده (١) ، وفي بلده بإقامة الخمسة مطلقا سواء كانت منويّة أو لا ، كما قال باقي الأصحاب في إقامة العشرة.

فجعل ابن الجنيد إقامة الخمسة هنا أيضا مقام إقامة العشرة ، بناء على أصله من أنّ المسافر إذا أقام الخمسة في غير بلده مع قصدها يخرج عن حكم المسافر ، ويدخل في حكم الحاضر ، كما قاله باقي الأصحاب في إقامة العشرة.

وفيه ، أنّ مستند انقطاع كثرة السفر هو الروايات الثلاث المذكورة ، وهي تتضمّن العشرة ، بل يحكم بنفي اعتبار أقلّ من العشرة للانقطاع مطلقا.

نعم ، في روايتي ابن سنان اعتبر إقامة الخمسة للقصر في خصوص النهار في خصوص الوطن من دون اعتبار القصد فيها (٢) ، كما قاله الشيخ (٣) ، ونسبه [الشيخ] مفلح إلى ابن البرّاج أيضا (٤) ، إلّا أن يكون نظر ابن الجنيد إلى ما ذكرناه من أنّ مقتضى الروايات أنّ كثير السفر إنّما يتمّ إذا لم تنقطع كثرته ولم تزل بسبب عروض الإقامة المقتضية للدخول في حدّ الحضور وحكمه ومنزلته ، كما يظهر من صحيحة هشام ورواية سندي وغيرهما (٥) ، ولمّا كان تلك الإقامة عنده هي إقامة الخمسة ـ كما مرّ سابقا ـ اعتبر في المقام إقامة الخمسة خاصّة.

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٣ / ١١٣.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٠٣ من هذا الكتاب.

(٣) المبسوط : ١ / ١٤١.

(٤) نقل عنه في غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٢٧ ، لاحظ! المهذب لابن البرّاج : ١ / ١٠٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٤ الحديث ١١٢٣٣ ، ٤٨٧ الحديث ١١٢٤٢.

٣١٥

ومن هذا ظهر ظهورا تامّا أنّ مستند هذا الحكم ليس منحصرا في هذه الروايات الثلاث ، كما ذكرنا سابقا.

بل يظهر أنّ في مثل زمان ابن الجنيد ، كان غير هذه الروايات من المستندات الاخر أعرف وأشهر. ولهذا تمسّك بها ابن الجنيد ، وأعرض عن هذه الروايات بالمرّة ، ولم يعتن بها أصلا ، كما أنّ الكليني رحمه‌الله أيضا أعرض عنها ، ولم يشر إليها بالمرّة.

ولم يقدح ذلك فيما ادّعاه صاحب «المدارك» وغيره من اتّفاق الأصحاب على الحكم المذكور (١) ، ولم يقدحه أيضا ما نقل عن ابن الجنيد ، إذ عرفت أنّه مبني على أصله من أنّ القاطع وما يجعل في حكم الحاضر شرعا هو الخمسة لا غير.

وصرّح [الشيخ] مفلح بأنّ ما قاله ابن الجنيد هنا مبني على أصله ، فجعل الخمسة في غير بلده ما يكون مع النيّة (٢) ، والخمسة في بلده أعمّ من أن يكون مع النيّة أولا.

فظهر أنّ الانقطاع بالقاطع لا تأمّل لأحد منهم ، إنّما نزاعهم في خصوص القاطع ، وأنّه ما هو؟ ولمّا كان المشهور والظاهر من الأخبار هو العشرة لا الخمسة ، نسب المشهور ذلك إلى العشرة ، ولمّا كان الظاهر عند ابن الجنيد هو الخمسة ، نسبه إلى الخمسة.

فظهر اعتضاد هذه الروايات بغيرها من الروايات المتضمّنة لكون قصد إقامة العشرة موجبا للإتمام وجاعلا المسافر بمنزلة الحاضر ، وهي من الكثرة والصحّة والاعتبار ـ سيّما بفتاوى الأخيار ـ بمكان.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥٢ ، منتهى المطلب : ٦ / ٣٧٧.

(٢) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٢٧.

٣١٦

١٩ ـ مفتاح

[اعتبار التواري عن الجدران وعدمه]

في اعتبار التواري عن الجدران أو خفاء الأذان في حالة العود من السفر خلاف ، والأصحّ عدم الاعتبار ، للمعتبرة (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٤ الحديث ١١٢٠٥.

٣١٧
٣١٨

قوله : (في اعتبار التواري). إلى آخره.

المشهور بين الأصحاب أنّ الإياب مثل الذهاب يعتبر فيه حدّ الترخّص للقصر ، فيقصّر إلى أن يبلغ سماع الأذان ورؤية الجدران ، لقوله عليه‌السلام ـ في صحيحة ابن سنان التي أوردناها لحدّ الترخّص في الذهاب والإياب ـ : «وإذا قدمت من سفرك مثل ذلك» (١).

فإذا كانت مستند القوم في الذهاب ـ حتّى المنكرين لما ذهب إليه المشهور ـ وجعلت حجّة له ، فلا وجه للتفكيك ، وعدم جعلها حجّة للإياب ، مضافا إلى ما عرفت من أنّ الظاهر أنّ اعتبار هذا الحدّ لتحقّق الغيبة عن الوطن وعدم الحضور فيه الموجب للإتمام.

وهذه الصحيحة وإن وردت في سماع الأذان ، إلّا أنّك عرفت أنّه لا فرق بينه وبين خفاء الجدران ، وأنّ كليهما أمارتان لمقدار واحد ومسافة واحدة.

مع أنّك عرفت أنّه لا إشكال علينا ، لتمكّننا من سماع الأذان ولو لم نتمكّن نقدّر ، كما إذا لم نتمكّن من رؤية الجدران أيضا ، وما قاله في «الشرائع» من قوله : وكذا في عوده يقصّر حتّى يبلغ سماع الأذان من مصره (٢) ، ليس مراده أنّ رؤية الجدران ليست معتبرة في الإياب ، كما بيّناه في الحاشية على «المدارك» (٣).

ونقل عن المرتضى ، وابن الجنيد أنّهما يقولان : المسافر يقصّر في العود حتّى يبلغ منزله (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٢ الحديث ١١١٩٦.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٣٤.

(٣) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ٣ / ٤١٣.

(٤) نقل عنهما في مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥٨.

٣١٩

وربّما كان مستندهما صحيحة العيص بن القاسم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يزال المسافر مقصّرا حتّى يدخل أهله» (١).

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن الكاظم عليه‌السلام : أنّه سأله عن الرجل يكون مسافرا ثمّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا حتّى يدخل أهله؟ قال : «بل يكون مقصّرا حتّى يدخل بيته» (٢).

وأجاب عنهما في «المختلف» بأنّ المراد الوصول إلى موضع يسمع الأذان أو يرى الجدران ، فإنّ من دخل هذا الحدّ خرج عن حكم المسافر (٣).

وفيه إشارة إلى ما ذكرنا ، من أنّ من لم يتوار عن وطنه يكون حاضرا فيه غير غائب عنه.

ويؤيّده أيضا أنّه ورد في غير واحد من الأخبار ، أنّ المسافر يقصّر إذا خرج عن بيته (٤). مع أنّ المراد ليس مجرّد الخروج عن مجرّد البيت جزما ، بل المتداول عندنا في المحاورات أيضا كذلك.

مع أنّك عرفت أنّ صحيحة ابن سنان (٥) حجّتهم في الذهاب ، فكيف يتأتّى التفكيك بين الذهاب والإياب؟

مع أنّه متعارف أيضا التسامح في التعبير كذلك ، كما هو غير خفي.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ الحديث ٥٥٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٢ الحديث ٨٦٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٥ الحديث ١١٢٠٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٤ الحديث ١٢٩١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ الحديث ٥٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٢ الحديث ٨٦٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٤ الحديث ١١٢٠٦.

(٣) مختلف الشيعة : ٣ / ١١٢.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٣ الحديث ١١٢٠٢ و ١١٢٠٣ ، ٤٧٥ الحديث ١١٢٠٨.

(٥) مرّت الإشارة إليها آنفا.

٣٢٠