محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٤١
بالفريضة» (١) ، وما تضمّن الأمر بتقديم الكسوف ، كصحيحة ابن مسلم وبريد ، عن الباقر عليهالسلام والصادق عليهالسلام قالا : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى» (٢).
ويمكن المناقشة بأنّ اليوميّة أهم ، ومن هذا تقدّم مع تضيّقهما ، وصحيحة ابن مسلم نصّ في تقديم اليوميّة ، بخلاف صحيحة ابن مسلم وبريد ، لاحتمال إرادة وقت الفضيلة من وقت الفريضة ، بل لعلّه أقرب ، مع احتمال إرادة جواز تقديم الكسوف ، لكون الأمر فيها على صورة الأمر الوارد في مقام توهّم الحظر.
مع أنّ وجوب تقديم الآية خلاف الإجماع ، وما يظهر من الأخبار من أهميّة اليوميّة (٣) ، والإجماع في تقديمها في صورة ضيقهما ، مع أنّ الأمر الوارد فيها مفاد الجملة الخبريّة ، وليس بمثابة الأمر بالصيغة ـ مع أنّ مثل صاحب «المدارك» ، ربّما يناقش في دلالته على الوجوب ـ ومع ذلك استدلّ هنا كذلك (٤) ، مع إمكان حملها على صورة دخول المكلّف في الآية ، وغير بعيد ، كما يشير إليه الأخبار الواردة في قطعهما لدرك الحاضرة في وقتها (٥) ، وستعرفها.
وبالجملة ، لا شبهة في معارضتها مع الصحيحة السابقة ، والحمل على التخيير لا ينفع لرفعه ، لأنّه بعيد جدّا في المقام ، سيّما مع إمكان حمل آخر أقرب.
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٤٦٤ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الحديث ٩٩٣٤.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٦ الحديث ١٥٣٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩١ الحديث ٩٩٣٧.
(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الباب ٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.
(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١٤٤ و ١٤٥.
(٥) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الباب ٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.
وأيضا وقت الآية في الغالب بحيث لا يحصل للمكلّف اطمينان ووثوق لدركها كاملة في ذلك الوقت إن اشتغل بالفريضة ، ولا يأمن من انقضائه حينئذ ، بخلاف وقت الحاضرة ، لأنّه مضبوط معروف سعته ومقدار السعة مع زيادتها ، فلعلّه لأجل هذا أمر بالتقديم في صحيحة ابن مسلم وبريد ، وأمّا إذا عرفت سعة الوقت لهما على سبيل الوثوق والاطمينان ، تكون الحاضرة مقدّمة ، كما في صحيحة ابن مسلم ، إذ لا شبهة في كونها واردة (١) في هذه الصورة.
وممّا يؤيّد دلالة هذه الصحيحة أنّ الراوي قال بعد ما ذكر (٢) : فقيل له : في وقت صلاة الليل ، فقال : «صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل» (٣).
فلا شكّ في أنّ هذا الأمر على سبيل الوجوب العيني ، فكذا ما تقدّمه لوحدة السياق.
وكيف كان ، لا تأمّل في أنّ الاحتياط تقديم الحاضرة في صورة الوثوق بدركهما في الوقت ، مع أنّ المشهور قائلون بأولويّة تقديم الحاضرة.
ولو خشي فوات الحاضرة قدّمها على الكسوف ـ سواء خشي فوات الآية أم لا ـ إجماعا ، ولما عرفت من كون الحاضرة أهم ، وغير ذلك.
ولصحيحة ابن مسلم وبريد : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت ، واحتسب بما مضى» (٤).
__________________
(١) في (ف) و (ط) : صادرة.
(٢) في (ف) و (ط) : بعد ذلك.
(٣) الكافي : ٣ / ٤٦٤ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الحديث ٩٩٣٤.
(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩١ الحديث ٩٩٣٧.
وصحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليهالسلام ، سأله ربّما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلّيت الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة؟ فقال : «إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ، ثمّ عد فيها» (١).
ويظهر منها أنّ مع خوف فوت أوّل وقت فضيلة الفريضة يقدّم الحاضرة أيضا ، كما أفتى به في «الفقيه» صريحا.
وكذا الشيخ في «النهاية» ، حيث قالا فيهما : فإذا كان في صلاة الكسوف فدخل عليه وقت الفريضة ، فليقطعها وليصلّ الفريضة ، ثمّ يبني ما مضى من صلاة الكسوف (٢).
وجه الظهور أنّ الظاهر منها دخوله في صلاة الكسوف بعد صلاة المغرب قبل صلاة العشاء ، إذ ليس بين وقتيهما امتداد ، كما سيجيء أنّ بمجرّد الغروب يدخل وقتاهما جميعا ، ويجيء أيضا أنّ وقت فضيلة العشاء ممتدّ إلى ثلث الليل ، بل وأزيد.
فالظاهر خوف فوت العشاء عن أوّل وقت الفضيلة ، لأنّ بعد دخول المكلّف في صلاة الكسوف ـ كما يظهر من قوله عليهالسلام : «فاقطع» ـ لا يبقى امتداد لإتمامها بعنوان أقلّ الواجب ، أزيد منه إلى ابتداء غيبوبة شفق المغربي التي ابتداء وقت العشاء ، إذ الظاهر أنّ مراد الصدوق والشيخ من دخول وقت العشاء هو هذا الوقت ـ لما سيجيء منهما ، من تأخير العشاء إلى هذا الوقت ـ البتة على كلّ حال ، فتأمّل ، مع أنّ ترك الاستفصال يفيد العموم.
فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد من الوقت في صحيحة ابن مسلم وبريد
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٥ الحديث ٣٣٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الحديث ٩٩٣٥.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٧ ذيل الحديث ١٥٣٤ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٧.
أيضا وقت الفضيلة ، بل هو أقرب بملاحظة هذه الصحيحة وغيرها من الأخبار الواردة في أوقات الفريضة اليوميّة (١).
فاندفع معارضتها مع صحيحة ابن مسلم التي هي نصّ في وجوب تقديم الحاضرة عند سعة وقتها ، ويمنع التخيير ، كما أشرنا سابقا.
وصحيحة ابن أيّوب ، عن الصادق عليهالسلام أنّه سأله عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس وتخشى فوت الفريضة؟ فقال : «اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم» (٢).
وفي هذه أيضا شهادة على تقديم الحاضرة بخوف فوت أوّل وقت الفضيلة ، لترك الاستفصال في مقام الجواب أنّ هذه الفريضة التي يخشى فوتها هي صلاة المغرب أم العصر ، بل الظاهر هي صلاة المغرب ، لعدم تعارف ترك العصر إلى ما قبل غيبوبة الشمس ، سيّما عند الشيعة ، لقولهم بأنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا ـ كما سيجيء ـ ومعلوم أنّ المطلق ينصرف إلى المتعارف ، وعدم تأخير العصر إلى ما قبل الغروب ، سيّما وأن يدخل في صلاة الكسوف ، كما يظهر من قوله عليهالسلام : «اقطعوها» ، فتأمّل!
فاندفع التعارض الذي ذكرناه بملاحظة هذه الصحيحة أيضا ، وفي هذين الصحيحين إشارة إلى ما ذكرنا من أنّ تقديم الآية في صورة دخول المكلّف فيها ، كما أشرنا.
ثمّ اعلم! أنّ مقتضى هذه الصحاح ، أنّ الآية تقطع ، ثمّ تصلّى الحاضرة ، ثمّ تتمّ الآية من حيث وقع القطع ، ويبنى عليه ، ويحتسب بما مضى ، وهو المشهور.
__________________
(١) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ١١٨ الباب ٣ من أبواب المواقيت.
(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٣ الحديث ٨٨٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الحديث ٩٩٣٦.
وعن الشيخ في «المبسوط» : أنّه يجب استيناف الآية من رأس في هذه الصورة ، استنادا إلى أنّ الفصل الأجنبي الكثير في أثناء الصلاة مبطل للصلاة لها (١).
وفيه ، إنّا لا نسلّم ذلك إلّا في موضعه ، وهو الموضع الذي تحقّق فيه إجماع أو نصّ ، لا فيما نحن فيه ، لعدم إجماع ولا نصّ ، مضافا إلى الصحاح الكثيرة المقبولة عند المشهور والمفتى بها عندهم بل عند الكلّ ، لأنّ الشيخ في غير «المبسوط» أيضا عمل بها (٢).
الحادي عشر : لو اشتغل بالحاضرة لضيق الوقت فيهما ، أو في الحاضرة ، فإن لم يكن تفريط منه بالنسبة إلى واحدة منهما ، فلا قضاء للآية غير السببيّة ، لعدم استقرار الوجوب ، كذا قيل (٣).
وفيه تأمّل على القول بأنّ القضاء فرض جديد إلّا أن يقال : القضاء تدارك ما فات ، فما لم يكن له وقت لم يتحقّق له فوت ، لأنّه بعد لم يجب ولم يثبت ، لكن لا بدّ من ملاحظة الأخبار الدالّة على القضاء (٤) ، أو غيرها من الأدلّة ، فإن كان شاملا للمقام فبها ، وإلّا فلا قضاء.
وإن فرّط في الآية إلى أن يضيق وقت الحاضرة ، وجب قضاؤها مع استيعاب الاحتراق ، أو مطلقا على حسب ما مرّ ، وإن فرّط في الحاضرة إلى أن حصل التضيق.
قيل بوجوب قضاء الكسوف لاستناد إهمالها ، إلى ما تقدّم من تقصيره (٥).
__________________
(١) المبسوط : ١ / ١٧٢.
(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٧.
(٣) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٢٤.
(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٩ الباب ١٠ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.
(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٢٤.
وقيل : لا يجب ، وهو ظاهر «المعتبر» (١) ، لأنّ تأخيره كان مباحا إلى ذلك الوقت ، ثمّ تعيّن عليه الفعل بسبب التضيق ، واقتضى ذلك الفوات ، فهو بالنظر إلى هذه الحالة غير متمكّن ، فلا يجب الأداء ولا القضاء ، لعدم الاستقرار.
واستحسنه في «المدارك» (٢) ، ولا بدّ من ملاحظة أدلّة القضاء ، وأنّ المكلّف كان عالما أو غافلا أو جاهلا بتحقّق ما ذكر أو مستشعرا.
وربّما يتفاوت الحكم بصدق التقصير والتفريط وعدمه ، وأمّا السببيّة ، فحكمها واضح.
الثاني عشر : لو اجتمع آية وجنازة ، قدّم ما يخشى فواته وجوبا ، فإن اتّسع وقت للجميع قدّم الجنازة ثمّ الآية ، ويحتمل التخيير ، لكنّه بعيد ، لما سيجيء في تجهيز الميّت من تعجيله ، وربّما يصل حدّ الوجوب ، وكذلك الحكم إن لم يتّسع الوقت إلّا لواحدة ، إذ تكون حينئذ الآية غير سببيّة ، لأنّ السببيّة لا وقت لها.
ويحتمل القضاء في غير السببيّة ، لعموم ما دلّ عليه وصدق الفوت عليه حينئذ عرفا ، ولعموم قوله عليهالسلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٣) و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٤) ، فتأمّل!
وقس على ما ذكر حال اجتماع الآية مع العيد أو الجمعة ، وحال اجتماعهما مع الجميع ، وكذا اجتماع بعض ما ذكر مع البعض.
والظاهر أنّ الجمعة متأخّرة عن الكلّ بعد تأخيرها عن الظهر بالمطر ، وعن
__________________
(١) المعتبر : ٢ / ٣٤١.
(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ١٤٧.
(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥.
(٤) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧.
مثل احتراق قرص الخبز وأمثالهما ممّا مرّ (١) ، لكن يشترط أن يفعل مكانها الظهر ، إذ الفريضة الحاضرة متقدّمة على حسب ما عرفت.
والحاصل ، أنّ الموافق للقاعدة أنّ نفس الوجوب مقتضاه التخيير إذا وقع التعارض وعدم إمكان الجمع ، إلّا أن يتحقّق رجحان شرعي من الخارج في نفس الفريضة ، كما في اليوميّة ، أو بالوجوه الخارجة ، ولا ضبط فيها.
الثالث عشر : قيل : الشكّ فيها إن كان بين الركعتين السجوديتين ، كما لو شكّ بين الخامس والسادس ، أو الخامس والعاشر تبطل ، وإن تعلّق بالركوعات بنى على الأقلّ ، كما لو شكّ بين الرابع والخامس ، أو بين السادس والسابع (٢).
ويحتاج هذا إلى التأمّل ، لأنّ مقتضى الامور التوقيفيّة الإعادة في الشكّ والسهو والجهل ، إلّا أن يثبت من الشرع صحّته ، إلّا أن يكون الإجماع الواقع في كون حال هذه حال الفريضة بحسب الأجزاء وأحكامها ـ كما مرّ ـ اقتضى ذلك.
لكن لا بدّ من التأمّل في ذلك أيضا ، لأنّا لم نعرف كون الشكّ في الركعة من حيث الركوع يبني على الأقل ، ومن حيث السجود يستأنف.
الرابع عشر : لا يقرأ أزيد من سورة في ركعة بعد «الحمد» إن لم يبعّض ، وإن بعض فيجب تكميل السورة المبعّضة في الخامس والعاشر ، لأنّ كلّ خمس ركعات بمنزلة ركعة ، فيجب عليه «الحمد» وسورة على ما قال بعضهم (٣) ، ومرّ الكلام في ذلك.
ولو صلّى بالتبعيض ، فأراد تتمّة السورة في الرابع والخامس فنسي باقيها
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٢٩٣ و ٢٩٤ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.
(٢) قال به الشهيد في الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٠٤.
(٣) منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٧١ المسألة ٤٧٢ ، الشهيد في ذكرى الشيعة : ٤ / ٢١٠.
ابتدأ بـ «الحمد» ، ثمّ قرأ سورة كاملة ، إن كان في الخامس والعاشر ، وإلّا جاز تبعيضها ، ويكمل فيها ، على ما عرفت.
٢٧ ـ مفتاح
[وجوب الصلاة بعد الطواف الواجب]
تجب صلاة ركعتين بعد الطواف الواجب ، ويستحبّ بعد الطواف المستحبّ للكتاب والسنّة. وقيل : بل يستحبّ في الطواف الواجب أيضا (١) ، وهو شاذّ.
ويشترط فيها مع ما يشترط في اليوميّة ما يأتي في مفاتيح الحجّ.
٢٨ ـ مفتاح
[وجوب الصلاة التي التزم المكلف على نفسه]
إذا التزم المكلّف على نفسه صلاة بنذر أو عهد أو يمين وجب عليه الإيفاء به ، حسبما شرط كمّا وكيفا ومكانا وزمانا ، ما لم يكن الشرط منافيا لحقيقة الصلاة ، للكتاب والسنّة والإجماع.
__________________
(١) لاحظ! الخلاف : ٢ / ٣٢٧.
ولو لم يكن له مزيّة ، ففي انعقاده قولان (١) ، أصحّهما ذلك.
وفي الإجزاء بالإتيان بدونه وجهان ، ويأتي في محلّه.
__________________
(١) راجع! مسالك الأفهام : ١١ / ٣١٨.
قوله : (تجب صلاة). إلى قوله : (ويأتي في محلّه).
سنذكر جميع ما ذكره المصنّف في مواضعه مشروحا إن شاء الله تعالى.
القول في النوافل
قال الله تعالى في الحديث القدسي : «إنّ العبد ليتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه» (١) الحديث.
٢٩ ـ مفتاح
[النوافل اليوميّة]
يستحبّ لكلّ مكلّف خال عن الحيض والنفاس واجد للطهور في كلّ يوم وليلة في الحضر أربع وثلاثون ركعة من الصلاة استحبابا مؤكّدا ، للإجماع والصحاح (٢) : ثمان إذا زالت الشمس ، وثمان بعد الظهر ، وأربع بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء قاعدا أو قائما ، تعدّان بواحدة تسميان بالوتيرة ، وثلاث
__________________
(١) الكافي : ٢ / ٣٥٢ الحديث ٧ و ٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٧٢ الحديث ٤٥٤٤ مع اختلاف يسير.
(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥ الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض.
عشرة ركعة من الليل ، حادية عشرها مفردة ، واللتان بعدها سنة الفجر.
وفي بعض الصحاح أقلّ من ذلك بإسقاط أربع بعد الظهر وركعتين بعد المغرب واللتين بعد العشاء (١) ولا منافاة ، إذ لا يستفاد منه إلّا تأكيد الاستحباب في الأقل.
وفي الصحيح : «لا تصلّ أقلّ من أربع وأربعين ركعة» (٢) يعني : مع الفريضة.
وفيه بعد عدّ النوافل : «إنّما هذه كلّه تطوّع وليس بمفروض إنّ تارك الفريضة كافر ، وأنّ تارك هذا ليس بكافر ، ولكنّها معصية ، لأنّه يستحبّ إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه» (٣).
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٧ الحديث ٤٤٧٩.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٦٠ الحديث ٤٥٠٥.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٥٩ الحديث ٤٥٠٢.
قوله : (للإجماع والصحاح). إلى آخره.
الإجماع نقله الشيخ (١) ، لكن ربّما يظهر من كلامه في «التهذيب» وقوع الخلاف في النوافل النهاريّة دون الليليّة (٢) ، وأنّه فهم الخلاف من الأخبار.
لكن الصدوق في «الأمالي» جعل من دين الإماميّة أنّ نافلة العصر ثمان قبلها ، والمغرب أربع بعدها ، والعشاء ركعتان من جلوس تعدّان بركعة ، وهي وتر لمن لم يلحق الوتر آخر الليل (٣) ، انتهى.
وفي «العيون» عن محض الإسلام أيضا كذلك (٤) ، إلّا حكاية «وهي وتر».
ونافلة الظهر والليل إجماعيّان بلا شبهة.
وأمّا الصحاح ، فمنها كالصحيح عن الفضيل بن يسار ، عن الصادق عليهالسلام : «الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة ، والنافلة أربع وثلاثون ركعة» (٥).
وفي الضعيف بـ ـ سهل ـ عن البزنطي ، عن أبي الحسن عليهالسلام : إنّ أصحابنا اختلفوا في صلاة التطوّع ، بعضهم يصلّي أربعا وأربعين ، وبعضهم يصلّي خمسين ، فأخبرني بالذي تعمل به حتّى أعمل به ، فقال : «اصلّي واحدة وخمسين [ركعة]» ، ثمّ قال : «أمسك ـ وعقد بيده ـ الزوال ثمانية ، وأربعا بعد الظهر ، وأربعا قبل العصر ،
__________________
(١) الخلاف : ١ / ٥٢٦ ذيل المسألة ٢٦٦.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩ ذيل الحديث ١٨.
(٣) أمالي الصدوق : ٥١١.
(٤) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ٢ / ١٣٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٥٤ الحديث ٤٤٩٥.
(٥) الكافي : ٣ / ٤٤٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٤ الحديث ٢ ، الاستبصار : ١ / ٢١٨ الحديث ٧٧٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦ الحديث ٤٤٧٥ مع اختلاف يسير.
وركعتين بعد المغرب ، وركعتين قبل العشاء ، وركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة [من قيام] ، وثمان صلاة الليل ، والوتر ثلاثا وركعتي الفجر ، والفرائض سبع عشرة» (١).
وسهل ثقة ومن مشايخ الإجازة ، وتضعيفه ليس بمكانه ، كما حقّقت في الرجال (٢) ، والمحقّقون في أمثال زماننا كاد أن يتّفقوا على ما ذكرناه أو مثله ، مع أنّ الشهرة جابرة ، سيّما مثل هذه ، مضافا إلى المسامحة في أدلّة السنن ، ومع ذلك ثبت من الأخبار الصحاح والمعتبرة أبعاض ما ذكر ، بحيث يثبت من المجموع المجموع.
مع أنّ الشيخ روى أيضا بسند فيه علي بن حديد ، عن الحارث النصري ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : «صلاة النهار ستّ عشر [ة] ركعة ، ثمان إذا زالت الشمس ، وثمان بعد الظهر ، وأربع [ركعات] بعد المغرب ، يا حارث! لا تدعها في سفر ولا حضر ، وركعتان بعد العشاء [الآخرة] كان أبي عليهالسلام يصلّيهما وهو قاعد ، وأنا اصلّيهما وأنا قائم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل» (٣).
وروى هذه الرواية بعينها بطريق آخر ، بدون علي بن حديد (٤) ، والسند صحيح غير علي بن حديد.
وبالجملة ، المسألة لا إشكال فيها من الجهات التي عرفت ، إلّا أنّه يعارضها أخبار كثيرة من جهة تضمّنها أنقص ممّا ذكر ، وحملت على تفاوت مراتب الفضيلة ، كما ذكره المصنّف ، مع أنّها شاذّة ، والشاذّ لا عمل عليه ، وامرنا بتركه.
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٤٤٤ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٧ الحديث ٤٤٧٩.
(٢) تعليقات على منهج المقال : ١٧٦.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٨ الحديث ٤٤٨١.
(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩ الحديث ١٦.
وفي «الكشّي» في جملة الحديث الذي رواه عبد الله بن زرارة ، عن الصادق عليهالسلام ـ في اعتذاره إلى زرارة من جهة ذمّه إيّاه ـ «هذا فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي عليهالسلام وأمرتك ، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلّا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به ، ولكلّ ذلك عندنا تصاريف ومعان يوافق الحقّ». إلى أن قال عليهالسلام : «وعليك بالصلاة الستّة والأربعين». إلى أن قال : «والذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدى وخمسين والإهلال بالتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فلذلك عندنا معان وتصاريف [لذلك] ما يسعنا ويسعكم ولا يخالف شيء من ذلك الحقّ ولا يضادّه» (١) الحديث ، فتأمّل مجموعه ، فإنّ فيه فوائد عظيمة.
وفي جملة الأخبار المعارضة المذكورة في الكتب الأربعة رواية زرارة عنهم عليهمالسلام : أنّ النافلة والفريضة ستّ وأربعون ، وفي بعض تلك الأخبار : أرأيت أحدا أصدع بالحقّ من زرارة (٢) ، فلعلّ المناسب بالنسبة إليه كان الأمر بالستّ والأربعين ، لكونه تاجرا مشغولا بالتجارة والفقاهة وترويج الشرع ، وكان له تبعة يسمّون بالزراريّة (٣) ، والله يعلم.
وهنا فوائد :
الاولى : المشهور بين المتأخّرين ، بل القدماء أيضا ـ على ما قيل ـ أنّ نافلة
__________________
(١) رجال الكشّي : ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٢ الرقم ٢٢١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٦١ الحديث ٤٥٠٨.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦ الحديث ١٠ ، الاستبصار : ١ / ٢١٩ الحديث ٧٧٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٦٠ الحديث ٤٥٠٦.
(٣) الملل والنحل : ١ / ١٦٦.
الظهر ثمان ركعات والعصر ثمان (١) ، ونقل عن بعض كون المجموع للظهر (٢).
وعن ابن الجنيد أنّه جعل قبل العصر ثمان ركعات للعصر منها ركعتان (٣).
وفي «الذكرى» : إنّ معظم الأخبار والمصنّفات خالية عن التعيين للعصر وغيرها (٤).
أقول : في الأخبار اختلاف شديد في تعيين ذلك ، والمستفاد منها كون ثماني منها قبل الظهر ، وثماني بعدها وقبل العصر (٥) ، فالاقتصار في نيّتها على ملاحظة الامتثال بها متّجه ، وقصدها على النحو المشهور غير مضرّ أيضا إذا كان المراد الإضافة على حسب المقرّر عند الفقهاء والمشهور منهم ، أو مطلقا من غير تخصيص الشرع وما يستفاد من الأخبار.
قيل : يظهر فائدة الخلاف في اعتبار إيقاع الستّ قبل القدمين أو المثل إن جعلناها للظهر ، وفيما إذا نذر (٦).
ونوقش في الموضعين بأنّ مقتضى النصوص اعتبار إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل ، وإيقاع الثمان التي بعدها قبل الأربعة والمثلين ، سواء قلنا بأنّ الكلّ للظهر أو العصر أو بالتلفيق.
وأمّا الثاني ، فلأنّ المنذور يتبع قصد الناذر ، فإن قصد الثمان وجب ، وإن قصد الركعتين وجبتا وهكذا ، وإن قصد نافلة العصر أمكن التوقّف في صحّة النذر ،
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٣ / ١٣ ، ذخيرة المعاد : ١٨٤.
(٢) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٨٩ ، الهداية : ١٣٢.
(٣) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٨٩.
(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٨٩.
(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥ الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض.
(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ١٣.
لعدم ثبوت الاختصاص ، والأمر كما ذكره إن قصد الاختصاص الثابت من الشرع ، ولم يكتف في الثبوت بهذا القدر من الاشتهار بين الأصحاب.
وأمّا إذا قصد الاختصاص المشهور بينهم ، أو مطلقا ، أو اكتفى في الثبوت بذلك يظهر الثمرة.
الثانية : بين الفقهاء خلاف في أنّ هذه النوافل أيّ منها أفضل؟ فعن الصدوق الأفضل ركعتا الفجر ، ثمّ ركعة الوتر ، ثمّ ركعتا الزوال ، ثمّ نافلة المغرب ، ثمّ تمام صلاة الليل ، ثمّ تمام نوافل النهار (١).
وعن ابن أبي عقيل : آكدها التي بالليل ، لا رخصة في تركها سفرا وحضرا (٢).
وعن «الخلاف» : أنّ ركعتي الفجر أفضل من الوتر بإجماعنا (٣) ، ولا يخفى أنّ الأخبار وردت في فضل نافلة الليل ونافلة الزوال ونافلة المغرب (٤).
الثالثة : يكره الكلام بين المغرب ونافلتها ، لرواية أبي العلاء الخفّاف عن الصادق عليهالسلام : «من صلّى المغرب ، ثمّ عقّب ، ولم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا في علّيين ، فإن صلّى أربعا كتبت له حجّة مبرورة» (٥).
والظاهر أنّ المراد إن صلّى أربعا كذلك ـ أي لم يتكلّم ـ كتبت. إلى آخره ، كما
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣١٤ باب أفضل النوافل.
(٢) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٩٢.
(٣) الخلاف : ١ / ٥٢٣ المسألة ٢٦٤.
(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ١٤٥ الباب ٣٩ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ، ٤ / ٩٣ الباب ٢٨ ، ٨٦ الباب ٢٤ من أبواب أعداد الفرائض.
(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٣ الحديث ٦٦٤ ، أمالي الصدوق : ٤٦٩ الحديث ٤ ، ثواب الأعمال : ٦٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٣ الحديث ٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٨٨ الحديث ٨٥١١.
فهمه الفقهاء ظاهرا ، وأفتوا به.
وعن أبي الفوارس : نهاني الصادق عليهالسلام أن أتكلّم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب (١).
ومنها ـ أيضا ـ ظهر كراهة الكلام بين نافلة المغرب ، والمستفاد كراهة الكلام بغير الذكر والدعاء وغيرهما من التعقيب.
الرابعة : قال المفيد : الأولى القيام إلى نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقيب وتأخير التعقيب إلى أن يفرغ منها (٢).
واحتجّ في «التهذيب» له برواية أبي العلاء المذكورة (٣) ، ودلالتها خفيّة.
وفي «الذكرى» : الأفضل المبادرة بها قبل كلّ شيء سوى تسبيحة الزهراء عليهاالسلام ، واستدلّ عليه بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله فعل كذا ، فإنّه صلىاللهعليهوآله لما بشر بالحسن عليهالسلام صلّى ركعتين بعد المغرب شكرا ، فلمّا بشّر بالحسين عليهالسلام صلّى ركعتين ، ولم يعقّب حتّى فرغ منها (٤).
قيل : مقتضاها أولويّة فعلها قبل التسبيح أيضا (٥). وفيه ، إنّ الأمر وإن كان كذلك ، إلّا أنّها لا تقاوم ما دلّ على التسبيح ، وشدّة تأكيده في فعله قبل أن يثني رجليه من الفريضة (٦).
وفي «كشف الغمّة» : «أنّ الجواد عليهالسلام صلّى المغرب ، فقرأ في الأولى
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٤ الحديث ٤٢٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٨٨ الحديث ٨٥١٠.
(٢) المقنعة : ١١٨.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١١٣.
(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٦٦ و ٣٦٧.
(٥) ذخيرة المعاد : ١٨٤.
(٦) انظر! وسائل الشيعة : ٦ / ٤٣٩ الباب ٧ من أبواب التعقيب.