مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

ويؤيّده ، بل يدلّ عليه أنّه إذا كان في بلده أو توابع بلده ـ بحيث يقال عرفا : إنّه في بلده ، إذا كان في تلك التوابع يقال : إنّه حاضر وغير مسافر وفي الوطن وفي البلد ، وأمثال ذلك وإن لم يدخل بعد أهله ، ويقال أيضا : إنّه رجع من سفره ، أو يريد أن يذهب إلى السفر وأمثال ذلك.

ويلزم أنّه لو بقي مدّة مديدة في بلده ووطنه ، ولم يدخل أهله ، بل دخل بيوت جيرانه أن يكون مسافرا عرفا ، وفيه ما فيه.

ثمّ على تقدير تسليم الدلالة والظهور ، لا شكّ في عدم مقاومتها لصحيحة ابن سنان ، لنهاية قوّة دلالتها ، بل لصراحتها وعدم القوّة في الروايتين (١) ، مضافا إلى ما ذكرنا من كونها مستند الكلّ في الذهاب ، ومستند المشهور ـ بل الجلّ ـ في الإياب ، والروايتان مستند النادر ، مع عدم دلالة وظهور ، أو مع وهن وفتور ، مع تأيّد الصحيحة بمؤيّدات ذكرت.

وما ذكر من التأويل في غاية القرب لو لم نقل بالظهور ، بل لا يوجد تأويل أقرب.

مع أنّ بيوت الكوفة في ذلك الزمان كانت ممتدّة إلى مقدار مسافة أربعة أو ما قاربها ، ولا أقل من الفرسخين أو ما قاربها.

وما استوجه في «المدارك» من القول بالتخيير فيما بين حدّ الترخّص إلى أن يدخل البلد (٢) ـ أبعد ثمّ أبعد ، لعدم قائل ، ولمخالفته لجميع الأخبار ، مع تحقّق المرجّح الشرعي والجمع القريب المرضي ، مع أنّ مقتضى الروايتين القصر إلى دخول البيت لا البلد ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) أي : صحيحة العيص بن القاسم وموثّقة إسحاق بن عمّار ، وقد مرّت الإشارة إلى مصادرهما آنفا.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥٩.

٣٢١

نعم ، ورد في الموثّق : «أنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم يدخلوا منازلهم قصّروا» (١) ، لكنّه من حيث السند لا يقاوم صحيحة ابن سنان ، مع قطع النظر عن المرجّحات الكثيرة ، سيّما الإجماع والشهرة.

ويمكن حملها على أنّ قوله عليه‌السلام : «ودخلوا منازلهم» عطف تفسير لقوله عليه‌السلام : «إذا زاروا البيت» ، فيكون المراد من قوله : «وإذا لم يدخلوا منازلهم» لم يزوروا البيت.

وربّما يقرب هذا التوجيه ، وينفي البعد عنه ما في الرواية الاخرى : «إنّ أهل مكّة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا» (٢) ، وهي كالصحيحة ، وعلى تقدير ظهورها فيما يظهر من الموثّقة ، فالجواب عنهما واحد.

ويمكن أن يقال : إنّ ظاهرهما أنّ من مرّ ببلده ووطنه في حال سفره يقصّر ما لم يدخل بيته ، كما ورد في الموثّق ـ كالصحيح ـ عن ابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة ، له بها دار ومنزل ، فيمرّ بالكوفة وإنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهّز يوما أو يومين ، قال : «يقيم في جانب المصر ويقصّر» ، قلت : فإن دخل أهله ، قال : «عليه التمام» (٣).

ومعلوم أنّ هذا غير الإياب عن السفر إلى وطنه ، كما هو المفروض ، والحجّاج بزيارتهم البيت يمرّون بمكّة ، لأنّهم يريدون منى ويبيتون فيه أيّاما ثلاثة ، أو يومين لا أقلّ منهما.

وربّما كان هذا التفصيل الذي ذكرنا رأي ابن الجنيد ، فتأمّل!

__________________

(١) الكافي : ٤ / ٥١٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٤ الحديث ١١٢٠٤.

(٢) الكافي : ٤ / ٥١٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٥ الحديث ١١١٨٣.

(٣) قرب الإسناد : ١٧٢ الحديث ٦٣٠ ، الكافي : ٣ / ٤٣٥ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٠ الحديث ٥٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٤ الحديث ١١٢٠٥.

٣٢٢

٢٠ ـ مفتاح

[حكم صلاة المسافر بعد دخول الوقت و ..]

لو دخل الوقت وهو حاضر ، ثمّ سافر والوقت باق ، قيل : يتمّ بناء على وقت الوجوب ، وقيل : يقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل : يتخيّر ، وقيل : يتمّ مع السعة ويقصّر مع الضيق.

وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق (١) ، والمعتمد اعتبار حال الأداء في الحالين ، للعمومات وخصوص الصحاح (٢) ، سيّما ما تأكّد بالحلف ومخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بخلافه (٣).

__________________

(١) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٤٧٧ ـ ٤٧٩.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٢ الباب ٢١ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) وهو ما رواه إسماعيل بن جابر عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا اصلّي حتّى أدخل أهلي ، فقال : «صلّ وأتمّ الصلاة» ، قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي اريد السفر فلا اصلّي حتّى أخرج ، فقال : «فصلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». (منه رحمه‌الله) ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ الحديث ٥٥٨.

٣٢٣
٣٢٤

قوله : (لو دخل الوقت وهو). إلى آخره.

الأصحّ ما اختاره المصنّف ، لما ذكر من العمومات الدالّة على وجوب القصر على من هو مسافر ، والإتمام على من هو في بيته وحاضر ، وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر أنّه قال للصادق عليه‌السلام : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا اصلّي حتّى أدخل أهلي ، فقال : «صلّ وأتمّ الصلاة» ، قال : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي اريد السفر فلا اصلّي حتّى أخرج ، فقال : «صلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وقال في «المعتبر» : هذه الرواية أشهر وأظهر في العمل (٢) ، ففيها مرجّحات ، ومنها ، أنّ مضمونها هو المشهور بين الأصحاب.

وأمّا القول بالإتمام ـ بناء على اعتبار وقت الوجوب ـ فنسب إلى الصدوق في «المقنع» ، وابن أبي عقيل ، والعلّامة في «المختلف» (٣).

ومستندهم صحيحة ابن مسلم ، أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق؟ فقال : «يصلّي ركعتين ، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا» (٤).

والجواب أنّ الاولى راجحة من وجوه كثيرة :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٣ الحديث ١٢٨٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ الحديث ٥٥٨ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٠ الحديث ٨٥٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٢ الحديث ١١٣١٣.

(٢) المعتبر : ٢ / ٤٨٠.

(٣) نقل عنهم في مدارك الأحكام : ٤ / ٤٧٧ ، لاحظ! المقنع : ١٢٥ ، مختلف الشيعة : ٣ / ١١٧.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٤ الحديث ١٢٨٩ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ الحديث ٥٥٧ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٩ الحديث ٨٥٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٣ الحديث ١١٣١٦.

٣٢٥

ومنها : ظاهر القرآن ـ على ما عرفت سابقا ـ وطريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن مؤيّداتها «الفقه الرضوي» ، فإنّ عبارته موافقة لها صريحة في اعتبار حال الأداء (١).

وكذا صحيحة عيص بن القاسم ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّي ، قال : «يصلّيها أربعا» (٢).

فالثانية مرجوحة من تلك الوجوه ، مضافا إلى عدم مقاومتها في الدلالة أيضا ، لأنّ الاولى صريحة مع قطع النظر عن التأكيد والحلف ، بخلاف هذه ، لاحتمال أن يكون المراد الإتيان بالركعتين في السفر قبل الدخول ، وبالأربع قبل الخروج والوصول إلى حدّ الترخّص.

مع أنّ محمّد بن مسلم روى عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة ، قال : «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ الصلاة ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ وليقصّر» (٣).

ومنها : رواية الحكم بن مسكين ، عن رجل ، عن الصادق عليه‌السلام (٤). وكلّ واحد مرجّح قوى معيّن للعمل ، بل فيهما تأكيد واضح.

مع أنّ ابن مسلم الراوي لروايتكم هو بعينه روى ضدّ ما رواه ، كما عرفت ، مع زيادة التأكيد فيه ، حيث أمر عليه‌السلام بالدخول والإتمام بعده متى ما لم يخف فوت الصلاة ، وأنّ جواز قصره في الطريق مشروط بخوف فوت الوقت.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ و ١٦٣ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٥٤١ الحديث ٧٤٦١.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٢ الحديث ٣٥٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٣ الحديث ١١٣١٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٤ الحديث ٣٥٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٤ الحديث ١١٣١٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٤ الحديث ١٢٩٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٣ الحديث ٥٦٠ ، الاستبصار : ١ / ٢٤١ الحديث ٨٥٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٤ الحديث ١١٣١٨.

٣٢٦

فيحصل من هذا وهن عظيم في روايتكم واستدلالكم بها ، بل ربّما كانت روايتاه واحدة وقع الإخلال في متن إحداهما من جهة النقل بالمعنى.

فيتعيّن حينئذ أن يكون المراد هو الاحتمال الذي ذكرناه لرفع التعارض بين الأخبار.

بل عرفت سابقا أن الأظهر اتّحاد أمثال هذه الروايات إذا كانت من راو واحد ، إذ كيف يقتصر في كلّ واحد من روايتيه بواحدة منها لراو من دون إظهار روايته التي رواها ضدّا لها ومخالفة أشدّ المخالفة ، مع قطع النظر عن كونه خيانة وغشّا وتدليسا ، حاشا عن العدل أن يرتكبها ، سيّما مثل ابن مسلم الذي هو أحد الأوتاد من الذين لولاهم لاندرس آثار النبوّة (١). إلى غير ذلك من مدائحه العظيمة التي لا تحصى.

مع أنّه أيضا روى في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يريد السفر متى يقصّر؟ قال : «إذا توارى عن البيوت» ، قلت : الرجل يريد السفر فيخرج حين زوال الشمس ، قال : «إذا خرجت فقصّر» (٢).

ومن المرجّحات أيضا ما ذكره بعض المحقّقين من أنّ أكثر العامّة قائلون باعتبار حال الوجوب (٣) ، فيكون ما دلّ عليه محمولا على التقيّة.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن غير رواية محمّد بن مسلم أيضا ، مثل رواية النبّال قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام حتّى أتينا الشجرة ، فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري

__________________

(١) رجال الكشّي : ١ / ٣٩٨ الرقم ٢٨٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٣٤ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧٩ الحديث ١٢٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٤ الحديث ٥٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٠ الحديث ١١١٩٤ و ٥١٢ الحديث ١١٣١٢ مع اختلاف يسير.

(٣) الحدائق الناضرة : ١١ / ٤٨٠.

٣٢٧

وغيرك ، وذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج» (١).

ويمكن أن يكون هذا اتّقاء منه عليه‌السلام ، قال كذا حتّى يصلّي النبّال أربعا ، لأنّ العامّة لا يقصّرون ، والقصر شعار الشيعة ، كما مرّت الإشارة إليه.

وأمّا من قال بالبناء على اعتبار وقت الوجوب (٢) ، فلعلّه رجّح ما دلّ بظاهره عليه بأصالة الاستصحاب ، وظهر لك الجواب عن ذلك بما لا مزيد عليه ، فلاحظ وتأمّل!

وأمّا من قال بالتخيير (٣) فبناؤه على عدم رجحان يعتمد عليه ، وقد عرفت الرجحان المعتدّ به المعتمد عليه.

وأمّا القول بالتمام مع السعة والقصر مع الضيق ، فنسب إلى الصدوق (٤) والشيخ في كتابيه (٥).

والصدوق في «الفقيه» روى رواية إسماعيل بن جابر السابقة (٦) ، ثمّ روى رواية ابن مسلم المعارضة لها ، ثمّ قال : يعني [بذلك] إذا كان لا يخاف فوات [خروج] الوقت أتمّ ، وإن خاف خروج الوقت قصر ، وتصديق ذلك في كتاب الحكم بن مسكين ، [قال :] قال أبو عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يقدم من سفره في وقت صلاة ، فقال : «إن كان لا يخاف خروج الوقت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٤ الحديث ٥٦٣ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٠ الحديث ٨٥٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٥ الحديث ١١٣٢١.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ١١٧.

(٣) الخلاف : ١ / ٥٧٧ المسألة ٣٣٢.

(٤) نسب إليه في مختلف الشيعة : ٣ / ١١٩ ، لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٤ ذيل الحديث ١٢٨٩.

(٥) نسب إليه في مدارك الأحكام : ٤ / ٤٧٩ ، لاحظ! تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ ذيل الحديث ٥٥٨ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٠ ذيل الحديث ٨٥٦.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٣ الحديث ١٢٨٨.

٣٢٨

فليقصّر» ، وهذا موافق لحديث إسماعيل بن جابر (١) ، انتهى.

ويحتمل أن يكون مراده : أنّ الذي يقدم من سفره متى ما لم يخف خروج وقت الصلاة يجي‌ء حتّى يدخل وطنه فيتمّ الصلاة ، ولا يصلّي في الطريق قصرا ، إلّا أن يخاف خروج وقت الصلاة ، فحينئذ يصلّي في الطريق قصرا ، كما يظهر من قوله : هذا هو موافق لحديث إسماعيل بن جابر ، إذ لو لم يكن مراده ما ذكرنا لم يكن لما ذكره وجه ، ولم يكن لرواية إسماعيل على رواية ابن مسلم مزيّة أصلا ، إذ لخوف خروج الوقت يقصّر.

وهذا موافق لرواية ابن مسلم ، بل ظهر من ذلك أنّه وجّه رواية ابن مسلم أيضا على ما ذكرناه من أنّه يصلّي ركعتين في الطريق في القدوم وأربعا في المنزل فيه. وجعل الأمر بالإتمام كناية عن الصلاة في وطنه ، والأمر بالقصر كناية عن الصلاة في السفر ، فتأمّل كلامه جدّا!

وأمّا الشيخ ، فبعد ما روى المتعارضين المذكورين ، قال : لا تنافي بينهما. لأنّ الوجه في الجمع أنّ من دخل من سفره وكان الوقت باقيا بمقدار ما يتمّ صلاته كان عليه التمام ، وإن خاف الفوت كان عليه القصر ، وكذلك من خرج إلى سفره. إلى أن قال : والذي يدلّ على ذلك ما رواه سعد ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر».

وعنه عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن رجل ، عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : «إن كان لا يخاف

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٤ ذيل الحديث ١٢٨٩ والحديث ١٢٩٠.

٣٢٩

خروج الوقت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر».

ثمّ احتمل أن يكون الإتمام توجّه إلى من دخل عليه الوقت وهو مسافر ، فدخل أهله على وجه الاستحباب دون الفرض والإيجاب ، وقال : ويدلّ على ذلك ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «إذا كان في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله [فسار حتّى يدخل أهله] ، فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، وإن أتمّ أحبّ إليّ» (١).

فظهر أنّ نسبة هذا القول إلى الشيخ أيضا لا يخلو عن مناقشة وتأمّل ، لأنّ الظاهر منه رحمه‌الله الإتيان بالاحتمالين المذكورين جمعا بين الأخبار ، لا أنّ الأوّل بخصوصه وأنّه في كتابي الحديث ، كما نسب إليه.

وهاتان الروايتان لا تقاومان صحيحة إسماعيل بن جابر وغيرها (٢) من الصحاح والمعتبرة المعتضدة بالمرجّحات التي عرفت ، ومنها فتوى المشهور بها ، وندرة القائل بهما ـ فإنّ الشيخ وإن لم يظهر منه في كتابي الحديث قوله بهما ، إلّا أنّه في «النهاية» أفتى بظاهر رواية إسحاق (٣) ، وفي «الخلاف» أفتى بظاهر رواية منصور بن حازم (٤) ـ وصراحة دلالتها وضعف دلالتهما ، لما عرفت من احتمال إرادة الصلاة في الوطن من الإتمام ، والصلاة في السفر من القصر.

وهذا احتمال قريب في مقام الجمع بين الأخبار المتعارضة ، إذ لا شكّ في أنّه أقرب من حمل الصحاح والمعتبرة على كون القصر فيها في صورة ضيق الوقت عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٢ و ٢٢٣ الحديث ٥٥٩ و ٥٦١ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ الحديث ٨٥٧ و ٨٥٩.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٢ الباب ٢١ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ١٢٣.

(٤) الخلاف : ١ / ٥٧٧ المسألة ٣٣٢.

٣٣٠

الأربع خاصّة ، سواء كان في الخروج إلى السفر أو القدوم منه ، بل لا يكاد يتمشّى هذا التوجيه فيها.

بل وفي الأربع ، والإتمام لا يكاد يتمشّى هذا التوجيه بأنّه ليس إلّا من جهة سعة الوقت ، في الذهاب والمجي‌ء جميعا ، وأنّ الأصل هو الإتمام في الخروج إلى السفر ، والقدوم منه جميعا ، وأنّ القصر ليس إلّا من جهة عدم سعة الوقت ، فلاحظ جميع الأخبار وتأمّل فيها وفي أنّه هل يتمشّى التوجيه المذكور أم لا؟

وممّا يقرب عدول السائل من صيغة الماضي إلى صيغة المضارع في كلتا الروايتين حيث قال : الرجل يقدم من سفره ، ولم يقل : قدم من سفره ، وجواب المعصوم عليه‌السلام فيهما بأن يتمّ إن لم يخف ، ويقصّر إن خاف ، من دون استفصال وتفصيل وتقييد أصلا ، ومبادرته عليه‌السلام بالجواب كذلك ، مع أنّ الأصل عدم التقدير في الكلام.

وممّا يقرب أيضا صحيحة ابن مسلم السابقة المرويّة عن أحدهما عليهما‌السلام (١) وما ذكرنا هناك ، فتأمّل جدّا!

وبمثل ذلك يمكن الجواب بالنسبة إلى الرواية الأخيرة أيضا ، إذ صحيحة إسماعيل وغيرها تأبى عن الحمل على التخيير أيضا ، فلاحظ.

مضافا إلى ما عرفت سابقا من تواتر الأخبار في كون القصر عزيمة (٢) بعد الآية (٣) ، فتعيّن العمل بصحيحة إسماعيل وما وافقها.

ثمّ اعلم! أن المذهب غير منحصر فيما ذكر ، لأنّ العلّامة رحمه‌الله اختار البناء على

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٤ الحديث ١١٣١٩ ، راجع! الصفحة : ٣٢٦ و ٣٢٧ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٧ الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) النساء (٤) : ١٠١.

٣٣١

وقت الوجوب فيما إذا خرج إلى السفر ، والبناء على وقت الأداء فيما إذا قدم من السفر (١).

أمّا الصورة الثانية ، فلصحيحة إسماعيل وغيرها على حسب ما عرفت.

وأمّا الاولى ، فلأنّ الركعتين الأخيرتين عنده مثل صلاة مستقلّة ، فإذا وجبتا وقت الوجوب ، لزم الامتثال والخروج عن العهدة بالنسبة إليهما ، ولا يتحقّق إلّا بفعلهما ولو في السفر وفي وقت الأداء ، ففي الصورتين جميعا اختار الإتمام.

وفي «المختلف» أطال الكلام ، وأتى بأدلّة كثيرة ـ وهي عشرة ـ لاختيار وقت الوجوب في الاولى (٢). وصرّح بأنّ ما دلّ على اعتبار وقت الأداء في الثانية وإن كان يشمل الاولى أيضا من دون تفاوت ، إلّا أنّ هذه الأدلّة العشرة منعت عن اعتباره في الاولى وأدلّة العشرة ليست بحيث تقاوم ما دلّ على اعتبار وقت الأداء (٣) فضلا أن تغلب عليه.

فإنّ دليله الأوّل أثبت به أنّ الواجب عليه وقت الوجوب هو الأربع ، فلا يسقط بالعذر المتجدّد ، كالحيض والموت.

والثاني : صحيحة ابن مسلم ، ورواية بشير النبّال السابقتان ، ورواية الوشّاء أنّه سمع الرضا عليه‌السلام يقول : «إذا زالت الشمس وأنت في المصر و [أنت] تريد السفر فأتمّ ، فإذا خرجت بعد الزوال قصّر العصر» (٤).

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ٥٧ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٥٢ و ٣٥٤ المسألة ٦١٠ ، مختلف الشيعة : ٣ / ١٢٠ و ١٢٦.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ١٢٠ ـ ١٢٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٠ الحديث ١١١٩٤ ، ٥١٢ الحديث ١١٣١٢ و ١١٣١٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٤ الحديث ٥٦٢ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٠ الحديث ٨٥٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١٦ الحديث ١١٣٢٣.

٣٣٢

والثالث : الاحتياط ، لأنّ القصر غير مبرئ للذمّة بخلاف التمام ، لاشتماله على القصر وزيادة.

والرابع : الاستصحاب.

والخامس : إنّ القول بالقصر والقول بالقضاء على الحائض إذا فرطت في الأداء ممّا لا يجتمعان ، والثاني ثابت بالإجماع ، فينفى الأوّل ، وجه التنافي أنّ العذر المسقط إن أسقط ـ فكذلك الحائض ـ وإلّا فكذلك الركعتين الأخيرتين.

السادس : إنّ القضاء تابع للأداء ، والمخالف هو ابن إدريس (١) ، والشيخ سلّم وجوب الإتمام في القضاء (٢).

السابع : القول بالقصر ينافي القول بوجوب الصوم مع الخروج بعد الزوال ، إذا لم يبيّت النيّة ، والثاني ثابت ، وجه التنافي أنّ القصر إنّما هو للسفر وهو المقتضي ، ومضي بعض الوقت لا يصلح للمانعيّة على هذا التقدير ، وهذا المقتضي ثابت في فعل الصوم.

الثامن : إنّ من صلّى في السفينة قبل مفارقة المنزل يجب عليه الإتمام ، فإذا غاب عنه الجدران والأذان قبل الفراغ لم يسقط فرض الإتمام ، لأنّ الصلاة على حسب ما افتتحت عليه ، فوجب الإتمام مطلقا ، لعدم القائل بالفرق.

التاسع : إنّ الإفطار لازم للقصر ، لعموم قوله عليه‌السلام : «هما واحد» (٣) ، الحديث ، وفي محلّ النزاع يكون الإفطار منتفيا.

العاشر : إنّ القصر لا يكون إلّا للمقتضي له ، أو لعدم المقتضي للإتمام ،

__________________

(١) السرائر : ١ / ٣٣٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٣ ذيل الحديث ٣٥٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٠ الحديث ٥٥١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٣ الحديث ١١٢٩١.

٣٣٣

والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل ، فلأنّه لو ثبت لزم تقدّم الحكم على العلّة ، لأنّ المقتضي للقصر ليس إلّا السفر ، وهو متأخّر عن وجوب الصلاة ، فلو اقتضى قصر الصلاة المتقدّم ثبوتها ، لزم تقدّم المعلول على العلّة وهو باطل قطعا.

وأمّا الثاني ، فلأنّه لا يلزم من عدم دليل الثبوت تحقّق الضدّ ، ولأنّ المقتضي للإتمام وهو الحضر موجود حالة الوجوب ، فلا يمكن القول بنفيه وإلّا لزم اجتماع الضدّين.

ولا يخفى ما في الكلّ من الخدشة.

أمّا في الأوّل ، فإن كان مراده الاستصحاب فيرجع إلى الرابع ، وإن كان غيره ، فلا وجه له ، لأنّ مقتضى الأدلّة أنّ غير المسافر يتمّ ، والمسافر يقصّر إلّا أن يثبت أنّه يتمّ ، ولم يثبت هنا ، بل ثبت أنّه يقصّر ، كما مرّ.

وقياس المسافر في المقام بالحائض والميّت قياس مع الفارق الواضح ، إذ بالحيض والموت وأمثالهما تفوت الصلاة فيجب القضاء ، لعموم قوله عليه‌السلام : «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» (١) ، ـ على حسب ما سيجي‌ء ـ ولو لا هذا العموم لم يجب القضاء إلّا بنصّ خاصّ ، لأنّه فرض جديد على ما هو الحقّ ، والقضاء تابع للأداء ، كما اعترف به ، والمسافر لم تفت صلاته ، بل انتقل فرضه الحاضر بفرض المسافر ، إلّا أن يدلّ دليل على عدم الانتقال وليس ، بل ثبت الانتقال من الأدلّة الخاصّة أيضا.

وأمّا الثاني ، فقد مرّ الكلام في أمثال هذه الأخبار ، وأنّها لا تعارض ما دلّ على كون العبرة بوقت الأداء مطلقا.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٨ الباب ٦ من أبواب قضاء الصلوات.

٣٣٤

وأمّا الثالث ، فكون القصر غير مبرئ للذمّة أوّل الكلام ، بل ثبت أنّه المبرئ خاصّة.

وأمّا كون الإتمام شاملا له وللزيادة ، ففيه ما فيه ، إذ بعد احتمال كون شغل الذمّة بالقصر كيف ينفع الإتمام بالعلّة التي ذكرت؟ لأنّ القصر هيئة اخرى ، والهيئة جزء الصلاة قطعا. مع أنّه ـ مثل السابق ـ لو تمّ لزم الإتمام في الصورة الثانية أيضا ، فتكون العبرة بوقت الوجوب مطلقا ـ كما قاله بعض الأصحاب (١) ـ لا ما ذكره ، لأنّه صرّح بأنّ العبرة في الصورة الثانية بوقت الأداء ، مع أنّه جعل الاحتياط ـ الذي ذكره ـ دليلا على كون العبرة بوقت الوجوب ، وهذا الاحتياط يتمشّى في الصورة الثانية أيضا من دون تفاوت أصلا ، فيصير الإتمام في الصورة الثانية أيضا من جهة الاحتياط المذكور ، فيكون في الثانية أيضا العبرة بوقت الوجوب ، فتأمّل!

ومنه يظهر الجواب عن الرابع وغيره ممّا هو مختصّ بالصورة الاولى ، بل جار في الثانية أيضا ، لأنّ الاستصحاب دليل القائل باعتبار وقت الوجوب مطلقا ـ كما عرفت ـ فإن كان غالبا على ما دلّ على كون العبرة بوقت الأداء ، يتعيّن القول بكون العبرة بوقت الوجوب مطلقا ، وإلّا يتعيّن كون العبرة بوقت الأداء مطلقا ، كما عليه الأكثر ، وقد عرفت أنّه الحقّ ، وأمّا ما اختاره من التفصيل فلا وجه له أصلا.

وأمّا الجواب عن الخامس ، فقد ظهر من الجواب عن الأوّل.

وأمّا الجواب عن السادس ، فبأنّ المخالف الذي ذكره هو الشيخ وابن إدريس ، والشيخ له مذهب على حدة ـ كما عرفت ـ وأمّا ابن إدريس فستعرف قوله ، ومع ذلك المخالف غير منحصر فيهما ، إذ المشهور يقولون بأنّ الاعتبار بوقت الأداء ، ومصرّحون بأنّ القضاء تابع للأداء.

__________________

(١) لاحظ! نهاية الإحكام : ٢ / ١٦٥ ، مفتاح الكرامة : ٣ / ٤٩٠.

٣٣٥

وكذا الحال بالنسبة إلى غير المشهور ، ومع ذلك ذكر في «المختلف» على حدة مسألة كون القضاء في المقام تابعا لوقت الوجوب أم لوقت الأداء ، والخلاف في ذلك مطلقا من غير خصوصيّة بالصورة الاولى ، بل صرّح بالتعميم (١).

ونقل عن ابن إدريس أنّه قال : إن كان الوقت دخل وهو مسافر ، ثمّ دخل البلد والوقت باق ، ولم يصلّ حتّى خرج الوقت ، وجب القصر ، وبالعكس الإتمام (٢) ، ثمّ اختار هو الإتمام ، واحتجّ بما احتجّ. وظهر من كلامه انحصار المخالف فيه وفي الشيخ.

والمحقّق أيضا ذكر هذا الخلاف على حدة بالتعميم المذكور ، واختار كون القضاء تابعا لوقت الفوت لا وقت الوجوب (٣) ، وكذلك غير المحقّق (٤).

وفي «المدارك» ذكر أنّ المخالف في هذه المسألة هو السيّد وابن الجنيد (٥) ، فلاحظ.

فعلى هذا نقول : دليله السادس ليس مبنيّا على مقدّمة بيّنة أو مبيّنة أو مسلّمة ، فلا يكون دليلا ، غاية ما يكون أنّه جدل بالنسبة إلى خصوص ابن إدريس ، وهذا كيف يصلح أن يكون دليلا للفقيه في فتواه؟ ولو كان يصلح لكان الأمر في الصورة الثانية أيضا كذلك ، لما عرفت. فيلزم العلّامة القول بكون العبرة بوقت الوجوب مطلقا بلا شبهة ، فما الوجه في تفكيكه وتفصيله؟

ومع ذلك نقول : من قال بأن الاعتبار في الفوات بحال وقت الوجوب لا

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٣ / ١٢٩.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ١٢٩ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٣٣٥.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ١٣٦ ، المعتبر : ٢ / ٤٨٠.

(٤) كالشهيد في الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١٣.

(٥) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٨٤.

٣٣٦

وقت الفوت ، استدلّ برواية زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام إنّه سأله عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخّر الصلاة حتّى قدم فنسي حين قدم أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها؟ قال : «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر ، لأنّ الوقت دخل وهو مسافر ، كان ينبغي أن يصلّيها عند ذلك» (١).

ومقتضى العلّة المنصوصة إتمام الصلاة فيما إذا كان حاضرا فسافر.

وهذه الرواية وإن كان في طريقها موسى بن بكر ، إلّا أنّ الظاهر أنّها من كتابه ، وكتابه معتبر.

ومن (٢) كان اعتماده على هذه الرواية فلا مانع أن يكون قائلا بأنّ العبرة في القضاء بوقت الوجوب من جهة اعتماده على هذه الرواية ، فلا نقض عليه ، لأنّ الأحاديث تخصّص بعضها بعضا ، إذا حصل التقاوم ، وعلى ذلك المدار في الفقه.

ومن لم يعتمد عليها اعتمادا أصلا ، أو لم يكن عنده مقاومة لما دلّ على كون العبرة بوقت الفوات ، فهو في سعة.

ولهذا لم يعمل بها إلّا واحد أو اثنان ، بل إلّا واحد على ما ذكره في «المختلف» (٣) ، لأنّ الشيخ وإن كان قائلا بها أيضا ، إلّا أنّها لعلّها مطابقة للقاعدة عنده ، لأنّه قائل بالتمام عند السعة ، والقصر عند الضيق ، والفوت لا يكون إلّا بعد ضيق ، ومن هذا أجاب في «المعتبر» عن هذه الرواية باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا ، فيقضي على وقت إمكان الأداء (٤) ، فتأمّل!

والأظهر أنّ هذه الرواية ظاهرة في كون الاعتبار في الأداء أيضا بحال وقت

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٢ الحديث ٣٥١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٨ الحديث ١٠٦٢٣ مع اختلاف يسير.

(٢) في النسخ : وكيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) مختلف الشيعة : ٣ / ١٢٩.

(٤) المعتبر : ٢ / ٤٨١.

٣٣٧

الوجوب ، بملاحظة العلّة المذكورة. فالجواب عنها هو الجواب الذي ذكرنا عن الأخبار الظاهرة في ذلك.

وكيف كان ، الظاهر أنّها لا تقاوم ما دلّ على كون العبرة بحال الأداء ، وأنّ القضاء تابع لحال الفوات ، مثل ما في صحيحة زرارة : «يقضي ما فاته كما فاته» (١).

وممّا ذكر ظهر مذهب آخر أيضا زائدا عمّا ذكره المصنّف رحمه‌الله وهو كون العبرة بوقت الأداء في الأداء دون القضاء.

والجواب عن السابع أنّه أيضا جدل ونقض بالنسبة إلى خصوص من يقول بوجوب الصوم حينئذ.

ومع ذلك قياس مع الفارق ، لأنّ مقتضى العمومات والخصوصات التي لا شبهة في كونها ـ حجّة على ما عرفت ـ وجوب القصر في الصلاة حينئذ. ومقتضى العمومات والخصوصات التي هي حجّة وجوب الصوم حينئذ.

أمّا الخصوصات ، فظاهرة ، وأمّا العمومات ، فلأنّ معظم هذا اليوم وغالبه كان المكلّف حاضرا ، والحاضر يجب الصوم عليه ، والغلبة من جملة المرجّحات ، فتأمّل!

مع أنّ هذه المنافاة حاصلة في الصورة الثانية أيضا ، إذ ربّما كان المكلّف مضطرّا فيها ولا يجب عليه الصوم ، ويجب عليه إتمام الصلاة.

مع أنّ العلّامة يقول بكون العبرة فيها بحال الأداء ، فيجب عليه التمام إذا قدم بعد الزوال ولم يصلّ في الطريق ، ومع ذلك يقول بوجوب الإفطار وعدم وجوب صوم ذلك اليوم ، وعدم الاعتداد بصومه سيّما إذا أفطر في الطريق (٢) فما هو جوابه

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٣٥ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٢ الحديث ٣٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٨ الحديث ١٠٦٢١.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ١٢٦ و ٤٨٠.

٣٣٨

فهو جوابنا.

وممّا ذكر يظهر الجواب عن الثامن والتاسع أيضا ، كما لا يخفى.

وأمّا العاشر ، فظاهر الفساد ، لأنّ السفر مقتض لخصوص هيئة القصر ، لا لنفس وجوب الصلاة المتقدّم ، فهو متقدّم على معلوله ، كما أنّ الحضر مقتض لخصوص هيئة التمام في الصورة الثانية عنده أيضا ، لا لنفس وجوب الصلاة المتقدّم ، كما أنّ مقتضى خصوص هيئة التمام في الاولى هو الحضر ، وهيئة القصر في الثانية هو السفر.

وكذلك قوله : وأمّا الثاني. إلى آخره ممّا لا نفهمه ، وهو أعرف بما قال.

ثمّ اعلم! أنّه نقل في «المختلف» عن «المبسوط» قولا آخر ، وعن خلافه قولا آخر وتفصيلا ، وعن ابن الجنيد أيضا قولا آخر وتفصيلا (١) ، من أراد الاطّلاع فليلاحظ ، وعندي أنّه ليس في نقلها كثير فائدة.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٣ / ١١٨ و ١٢٠ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١٤١ ، الخلاف : ١ / ٥٧٧ و ٥٧٨ المسألة ٣٣٢.

٣٣٩
٣٤٠