مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

وربّما كانوا يحذرون عنه ، كي لا تتحقّق المسامحة ، فتتحقّق المحروميّة عن نيل المصلحة العظيمة.

بل وربّما تكون المفسدة في تركه ، وإن لم تكن المفسدة عقابا ، وسيجي‌ء أيضا ما يدلّ على كونه مثل الواجب ، والله يعلم.

قوله : (ووقته). إلى آخره.

المعروف من الأصحاب أنّ قبل طلوع الفجر ليس من جملة أوقاته ، وأنّ ابتداء وقته بعد ما طلع ، وذلك لأنّه غسل يوم الجمعة ، كما عرفت ، وقبل الفجر ليس داخلا في يومه.

ولظاهر بعض الأخبار مثل قولهم عليهم‌السلام : «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك (١) ذلك عن الجنابة والجمعة وعرفة» (٢) ، إلى غير ذلك ممّا سيجي‌ء في بحث التداخل.

ولرواية بكير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله : أيّ الليالي اغتسل في شهر رمضان. إلى أن قال : فإن نام بعد الغسل؟ قال : «هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك» (٣).

وأمّا كون ابتدائه بعد الطلوع ، فلما ذكر هنا ، وما سيجي‌ء في بحث التداخل.

وما رواه زرارة والفضيل ـ في الحسن كالصحيح ، أو الصحيح ـ قالا : قلنا له : أيجزي إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ قال : «نعم» (٤).

__________________

(١) في المصدر : أجزأك غسلك ذلك للجنابة.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٧ الحديث ٢٧٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٩ الحديث ٣٨١٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٣ الحديث ١١٤٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٢ الحديث ٣٧٦٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٤١٨ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٦ الحديث ٦٢١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٢ الحديث ٣٧٦٢.

١٠١

وأمّا التحديد إلى الزوال ، فلما مرّ في حسنة زرارة : «وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» (١) ، ولموثّقة سماعة ـ كالصحيحة ـ عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أوّل النهار ، قال : «يقضيه من آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (٢).

وادّعى في «المعتبر» إجماع الناس بتخصيصه بما قبل الزوال (٣) ، فتأمّل جدّا!

وأمّا التحديد إلى صلاة الجمعة ، فلحصول الغرض الذي صار سببا لغسل الجمعة ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام قال : «كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها ، فإذا كان يوم الجمعة جاءوا فتأذّى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك السنّة» (٤).

وفي الموثّق عن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتّى صلّى ، قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (٥).

وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمّدا ، فقال : «إذا كان ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن كان متعمّدا فليستغفر الله ولا يعد» (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٦ الحديث ٩٦٧٨.

(٢) الاستبصار : ١ / ١٠٤ الحديث ٣٤٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢١ الحديث ٣٧٥٩.

(٣) المعتبر : ١ / ٣٥٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٦ الحديث ١١١٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٥ الحديث ٣٧٤٢.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٨ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٩ الحديث ٣٧٥٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٤ الحديث ٢٤٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٩ الحديث ٣٧٥٤.

١٠٢

ومرّ رواية سهل بن اليسع ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : «إن الرجل إذا ترك غسل يوم الجمعة ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن ترك متعمّدا فالغسل أحبّ إليّ» الحديث (١).

وما مرّ عن أبي الحسن عليه‌السلام في علّة غسل الجمعة من أنّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة ، ووضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة (٢).

ويظهر من هذا استحباب وقوع صلاة الجمعة بهذا الغسل ومعه ، وعدم انتقاضه حين الصلاة.

فظهر ممّا ذكر امتداد وقت الغسل إلى الصلاة ، فيمكن حمل الحسنة على الاستحباب ، أو الورود مورد الغالب ، إذ الغالب أنّ درك الجمعة مغتسلا يكون كذلك ، وأنّه لو اغتسل بعد الزوال لعلّه لا يدرك الجمعة إلّا ما ندر.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الإجماع المذكور أيضا ، إن كان إجماعا واقعا ، فتأمّل!

ومقتضى هذه الحسنة تأكّد استحباب إيقاع الغسل قبل الزوال ، والمتبادر منه ما قارب الزوال ، ولذا أفتى في «الشرائع» بأنّه كلّما قرب من الزوال كان أفضل (٣).

ويؤيّدها أيضا ما روي عن الصادق عليه‌السلام في حكاية أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الأنصار بالغسل (٤).

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قال في «الذخيرة» : ولو لم يكن الإجماع المنقول

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٣ الحديث ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٨ الحديث ٣٧٥٢.

(٢) راجع! الصفحة : ٩٨ من هذا الكتاب.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ٤٤.

(٤) مرّت الإشارة إليه آنفا.

١٠٣

سابقا أمكن القول باتّساع وقت الغسل إلى آخر النهار ، لعدم ظهور كون القضاء في رواية سماعة بالمعنى المعروف بين الاصوليّين (١) ، انتهى. إذ لم يعهد التعبير عن الإجماع الاصطلاحي بإجماع الناس.

ومع ذلك ، الأخبار في غاية الكثرة في كون الغسل قبل الصلاة ولأجلها ، والسند معتبر ، والموثّق عنده حجّة ، والقضاء ظاهره تدارك ما فات ، على ما يظهر من الأخبار (٢). وحقيقة عند المتشرّعة ، والحقيقة الشرعيّة ثابتة في مثل زمان الصادقين عليهما‌السلام ومن بعدهما ، فتأمّل!

وأمّا ما ذكره المصنّف من أنّ الأفضل لمن أراد البكور أن يقدّمه عليه ، فلأنّ الظاهر منه أنّه لا يخرج من المسجد إلى أن ينقضي أمر الصلاة ، ولرواية هشام عن الصادق عليه‌السلام : «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة ، يغتسل ويتطيّب ويسرّح لحيته ويلبس أنظف ثيابه ، وليتهيّأ للجمعة» (٣) الحديث.

ومرّ استحباب التبكير إلى المسجد في الجمعة (٤) ، لكن حسنة زرارة أقوى دلالة وسندا أيضا (٥).

مضافا إلى انضمام أخبار أخر ، فلا مانع من الخروج إلى الغسل إن لم يتيسّر فيه ، فتأمّل جدّا!

وأمّا جواز تقديمه يوم الخميس لخائف عوز الماء ، فلما رواه الشيخ في المرسل ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال لأصحابه : «إنّكم لتأتون غدا منزلا ليس فيه ماء

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٠ الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣) الكافي : ٣ / ٤١٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٠ الحديث ٣٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٩٥ الحديث ٩٦٧٧.

(٤) راجع! الصفحة : ٨٩ من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٩٩ من هذا الكتاب.

١٠٤

فاغتسلوا اليوم لغد فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة» (١).

وما رواه هو والكليني والصدوق ، عن [أمّ الحسين و] بنت موسى بن جعفر عليه‌السلام قالتا : كنّا مع أبي الحسن عليه‌السلام بالبادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : «اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة ، فإنّ الماء غدا بها قليل» [قالتا] : «فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة» (٢).

وضعف الروايتين منجبر بالشهرة ، مع التسامح في أدلّة السنن ، ومقتضاهما عدم الماء أو عوزه.

وأمّا ما ذكره من قوله : بل مع خوف الفوات مطلقا ، كما قاله الشيخ (٣) ، ووافقه الشهيدان (٤) أيضا كالمصنّف ، فلعلّ المستند هو قول الشيخ ، بانضمام ما دلّ على أنّ «من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه» (٥) بأنّه يشمل الثواب المذكور التزاما.

ويحتمل أنّهم فهموا من الروايتين أنّ المناط هو فوت الغسل من غير مدخليّة عوز الماء من باب تنقيح المناط ، وهو غير بعيد ، سيّما مع المسامحة في أدلّة السنن.

والظاهر أنّ ليلة الجمعة كيوم الخميس في جواز تقديم الغسل فيها ، إذا خيف عوز الماء أو فقده ، لادّعاء الشيخ الإجماع عليه (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٥ الحديث ١١٠٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٩ الحديث ٣٧٥٥.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٢ الحديث ٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ الحديث ٢٢٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٥ الحديث ١١١٠ ، الوافي : ٦ / ٣٩١ الحديث ٤٥٢١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٠ الحديث ٣٧٥٦.

(٣) المبسوط : ١ / ٤٠.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ٨٧ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٠٦.

(٥) الكافي : ٢ / ٨٧ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٨٢ الحديث ١٨٨ مع اختلاف يسير.

(٦) الخلاف : ١ / ٦١١ المسألة ٣٧٧.

١٠٥

ولو تمكّن من الغسل يوم الجمعة كلّ من قدّم غسله عليه فالظاهر رجحان فعله ، لإطلاق الأدلّة مع العلّة المذكورة في الأخبار (١).

ومن فاته يوم الجمعة قضاه بعد الزوال إلى الغروب ، فإن لم يتمكّن قضاه يوم السبت.

أمّا الأوّل ، فقد مرّ ما يدلّ عليه.

وأمّا الثاني ، فكذلك ، ويدلّ عليهما أيضا موثّقة ابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال : «يغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت» (٢).

ويدلّ على خصوص الثاني مرسلة حريز ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا بدّ من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر ، فمن نسي فليعد من الغد» (٣).

وفي «الفقه الرضوي» : «فإن فاتك الغسل يوم الجمعة ، قضيت يوم السبت أو بعده من أيّام الجمعة» (٤).

ومقتضى الروايتين الاوليين والأخيرة ، استحباب القضاء لمطلق الفوت ، سواء كان من جهة النسيان ، أو عذر آخر أو عمدا ، كما أفتى به الأكثر.

ومقتضى الثالثة ، القضاء من جهة النسيان ، فهي دليل الصدوق رحمه‌الله (٥) ، منضمّة إلى عدم القول بالفصل ، حيث خصّصه بالفوت نسيانا أو لعذر ، مع إمكان حمل غيرها عليه ، لكونه أظهر أفراد الفوت.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٩ الباب ٩ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٣ الحديث ٣٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢١ الحديث ٣٧٦٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٣ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٠ الحديث ٣٧٥٧.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٢٩ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٠٧ الحديث ٢٥٧٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ ذيل الحديث ٢٢٧.

١٠٦

وما عليه الأكثر أولى ، للعموم وعدم مقاومة الثالثة لغيرها سندا ودلالة من جهة العدد والكثرة في الفتوى ، سيّما مع التسامح في أدلّة السنن.

ويستفاد من مجموع الروايات عدم استحباب القضاء ليلة السبت ، وإن كانت أقرب إلى وقت الأداء ، ولعلّه من جهة كونه من وظائف يوم الجمعة ، فيكون وظيفة النهار. وتجويز تقديمه ليلة الجمعة ، لكونه أقرب إلى صلاة الجمعة ، وحصولها مع الغسل وهو الفرض ، فتأمّل!

فما قيل من إلحاق ليلة السبت بيومه في القضاء فيه (١) محلّ نظر.

ويستفاد من «الفقه الرضوي» استحباب القضاء في باقي الأيّام أيضا (٢) ، ولا بأس للتسامح.

وأمّا ما رواه ذريح ـ في الموثّق كالصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل [هل] يقضي غسل الجمعة؟ قال : «لا» (٣) ، فمحمول على نفي القضاء بعنوان الوجوب.

ويحتمل أن يكون المراد أنّ فعله خارج الجمعة أو بعد الزوال ليس بقضاء ، من قبيل ما ورد من «أنّ النافلة بمنزلة الهديّة متى اتي بها قبلت» (٤) ، فإذا فاته قبل الزوال اغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت ، كما هو مضمون موثّقة ابن بكير (٥) ، لا أنّه قضاء حقيقة ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ من المستحبّات يوم الجمعة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف مرّة ،

__________________

(١) قال به العلّامة المجلسي رحمه‌الله في بحار الأنوار : ٧٨ / ١٢٦.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٢٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤١ الحديث ٦٤٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢١ الحديث ٣٧٦١.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٥٤ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٣٢ الحديث ٥٠٠٧.

(٥) مرّ آنفا.

١٠٧

وفي غيره مائة مرّة ، والإكثار من الصدقة ، والعمل الصالح ، وإطراف الأهل بشي‌ء من الفاكهة واللحم حتّى يفرحوا بالجمعة ، وكذا كلّ شي‌ء مباح يصير سبب فرحهم ، وغير ذلك من المستحبّات والأدعية والصلوات على ما هو في «المصباح» (١) ، وغيره من كتب الأدعية مذكورة (٢) ، ويكره فيه الحجامة وإنشاد الشعر.

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٢٨٣ ـ ٤٢٥.

(٢) المصباح للكفعمي : ٩٦ ، البلد الأمين : ٧١.

١٠٨

١٢ ـ مفتاح

[حرمة البيع والسفر بعد نداء صلاة الجمعة]

يحرم يوم الجمعة البيع والسفر بعد النداء وقبل الصلاة بالكتاب (١) والسنّة (٢) والإجماع ، وفي غير البيع من العقود وجهان ، والتحريم أصحّ.

ويكره السفر بعد طلوع الفجر قبل الزوال بالإجماع والخبر (٣).

ويحتمل التحريم ، لأنّه مأمور بالسعي إلى الجمعة من فرسخين فكيف يسعى عنها؟

__________________

(١) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٧ الباب ٥٣ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.

(٣) بحار الأنوار : ٧٣ / ٢٢٤ الحديث ٨.

١٠٩
١١٠

قوله : (يحرم يوم). إلى آخره.

حرمة البيع يوم الجمعة وقت النداء إلى صلاة الجمعة على المأمور بالسعي بعنوان الوجوب العيني إجماعي ، نقل الإجماع عليه غير واحد ، منهم العلّامة في «التذكرة» (١) ، و [الشيخ] مفلح في «شرح الشرائع» (٢).

وتدلّ عليه الآية (٣) أيضا ، فإنّ الأمر بترك البيع نهي عن فعله.

ويدلّ أيضا ما روي في «الفقيه» : «أنّه كان بالمدينة إذا أذّن [المؤذّن] يوم الجمعة نادى مناد : حرم البيع ، لقوله تعالى» (٤) الحديث.

وقوله : (وجهان). إلى آخره.

وجه عدم التحريم ، الأصل واختصاص الحرمة بالبيع ، وحرمة القياس عند الشيعة ، ومن هذا قال المحقّق في «المعتبر» : الأشبه بالمذهب لا (٥).

ووجه التحريم العلّة (٦) المنصوصة ، وهو قوله تعالى (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) (٧) فإنّه في مقام التعليل.

قيل : ولأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، والسعي مأمور به (٨).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٠٧ المسألة ٤٢٨.

(٢) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٧٤.

(٣) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٥ الحديث ٩١٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٨ الحديث ٩٧١٠.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢٩٧.

(٦) في (ز ٣) : اختصاص العلّة.

(٧) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٨) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٤.

١١١

واجيب بمنع الاستلزام ـ على ما حقّق في الاصول ـ وبأنّه يستلزم النهي عن المنافي خاصّة ، لا مطلق المعاوضة (١).

وفيه ، أنّ الذي ثبت من الإجماع والآية هو حرمة المنافي خاصّة.

أمّا الآية ، فللعلّة المذكورة ، ولأنّ الإطلاق ينصرف إلى المتبادر ، والمتبادر هو المنافي.

وأمّا الإجماع ، فلم يظهر منه العموم ، لعدم تبادر أزيد من المنافي ، بل صرّح بعضهم بأنّ الحرام جزما هو المنافي خاصّة (٢).

قال [الشيخ] مفلح في «شرح الشرائع» : لو لم يمنع البيع حالة الأذان من السعي احتمل الجواز لعدم المنافاة ، والعدم لعموم المنع (٣).

وهذا ينادي بعدم تحقّق الإجماع عنده إلى هذا القدر ، والعموم قد عرفت حاله.

وربّما قيل : بأنّ معنى البيع بحسب الأصل مطلق المعاوضة ، فيشمل الآية جميع المعاوضات (٤).

وفيه ، منع ثبوت كون المعنى كذلك ، بل المستفاد عرفا وشرعا غيره ، والأصل عدم التغيّر والتعدّد والنقل.

سلّمنا ، لكن حمل الآية على هذا المعنى من أين لو لم نقل بتقديم العرف عليه؟ مع أنّ الشرع هنا على وفق العرف تكلّم.

والنداء الذي يحرم به البيع هو النداء المشروع لصلاة الجمعة ـ وسيجي‌ء

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣١٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٣٧٩.

(٣) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٧٥.

(٤) قاله الشهيد في ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٤.

١١٢

تحقيقه ـ ولو كان بعيدا عن الجمعة بحيث لا يسمع النداء ، إلّا أنّه إذا وقع البيع لا يدرك الجمعة أو يظنّ ذلك ، يحرم عليه أيضا ، للعلّة المذكورة ، ولو كان أحد المتبايعين مخاطبا بالجمعة دون الآخر يحرم على المخاطب جزما ، وأمّا الآخر ، فقيل بأنّه يكره عليه (١) ، وقيل بالتحريم عليه أيضا ، للنهي عن معاونة الإثم (٢).

وهل يصحّ هذا البيع الحرام أم يبطل؟ المشهور الأوّل ، لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد.

وفيه ، أنّه وإن كان لا يقتضي الفساد فيها ، إلّا أنّ الصحّة فرع دليل يدلّ عليها ، لأنّها عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي ، فلو لم يرد نهي عن معاملة ولا يكون لها ما يقتضي الصحّة تكون فاسدة جزما ، فكيف إذا ورد النهي عنها أيضا؟

قيل : الدليل أنّه عقد صدر عن أهله في محلّه ، فيجب الوفاء به ، لعموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقد اللازم (٣).

وفيه ، أنّ وجوب الوفاء شرعا بما هو حرام شرعا والواجب شرعا أن لا يكون ولا يتحقّق ، لعلّه من قبيل المتناقضات بحسب فهم العرف ، وكونه داخلا في عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) محلّ تأمّل ، فإنّ الإعانة في الإثم حرام شرعا قطعا ، فكيف يوجب الشرع الوفاء بالإثم ولا يجوز تركه أصلا؟

وممّا ذكر ظهر أنّه ليس داخلا في عموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٥) ، لأنّ الحرام لا يمكن أن يكون حلالا عند الشيعة ، ولذا قالوا بعدم جواز اجتماع الأحكام

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط : ١ / ١٥٠.

(٢) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٣ و ١٥٤.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٧٧.

(٤) المائدة (٥) : ١.

(٥) البقرة (٢) : ٢٧٥.

١١٣

المتضادّة في فعل واحد ، وإن كان من جهتين وأزيد (١).

وفي «المدارك» (٢) جعل دليل الصحّة قوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٣).

وفيه ، أنّه استثناء عن النهي ، وهو قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا) فالكلام صريح في أنّ التجارة عن تراض منكم لا نهي فيها ، فإذا كان حراما جزما فكيف يكون داخلا فيما لا نهي فيها؟

وأمّا ما قال ـ أيضا ـ دليل الصحّة قوله عليه‌السلام : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (٤) فلم يعهد من الفقهاء الاستدلال به لتصحيح بيع ، لأنّ المفرد المحلّى باللام لا عموم له لغة ، وأمّا بحسب العرف ، وإن كانوا يفهمون العموم ، إلّا أنّه بالقياس إلى الأفراد الشائعة ، وكون الحرام من جملة الأفراد الشائعة في هذا الحديث محلّ نظر.

مع أنّ اتّحاد عموم البيع مع عموم المبيع محلّ مناقشة ، مع أنّ هذا الإطلاق إنّما اتي به لإفادة حكم آخر ، وهو كونهما بالخيار إلى الافتراق.

فلعلّ المراد من البيع ، البيع الصحيح بالخيار ما لم يفترقا ، لا أن يكون المراد كلّ بيع صحيح ، وبينهما فرق ظاهر.

ولعلّه لما ذكرنا قال بعض المحقّقين بأنّ النهي هنا يرجع في الحقيقة إلى خارج المعاملة ، وهو ترك السعي والمحروميّة عن صلاة الجمعة ، فلا مانع من الصحّة حينئذ إجماعا (٥).

__________________

(١) لاحظ! الوافية : ٩٣.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٧٨.

(٣) النساء (٤) : ٢٩.

(٤) الكافي : ٥ / ١٧٠ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٣.

(٥) قاله صاحب إرشاد الجعفريّة كما في مفتاح الكرامة : ٣ / ١٥٥ و ١٥٦.

١١٤

ونقل عن «المبسوط» و «الخلاف» ، وعن ابن الجنيد أيضا القول بعدم الانعقاد (١).

ومال إليه المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله (٢) ، إلّا أنّ المنقول عن الشيخ أنّه قال بأنّ النهي يقتضي الفساد (٣).

وأمّا المقدّس رحمه‌الله ، فنظره إلى ما ذكرناه من أنّ المحرّم شرعا لم يثبت من دليل صحّته شرعا (٤) ، ويمكن إرجاع كلام الشيخ أيضا إليه ، ولا بدّ من ملاحظة كلامه.

قوله : (والسفر). إلى آخره.

نقل عن «التذكرة» و «المنتهى» حكاية إجماع الشيعة على حرمة إنشاء السفر بعد زوال الشمس يوم الجمعة على من وجب عليه الجمعة بالوجوب العيني قبل أن يصلّيها (٥).

واستدلّ عليها أيضا في «التذكرة» بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ، لا يصحب في سفره ، ولا يعان على حاجته» (٦) ، فإنّ الوعيد لا يترتّب على المباح ، وبأنّ ذمّته مشغولة بالفرض ، والسفر مستلزم للإخلال به ، فلا يكون سائغا (٧).

__________________

(١) نقل عنهم في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٣٦ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١٥٠ ، الخلاف : ١ / ٦٣١ المسألة ٤٠٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٣٧٩.

(٣) المبسوط : ١ / ١٥٠.

(٤) راجع! الصفحة : ١١٣ من هذا الكتاب.

(٥) نقل عنهما في ذخيرة المعاد : ١١٣ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٧ المسألة ٣٨٠ ، منتهى المطلب : ٥ / ٤٥٧.

(٦) كنز العمّال : ٦ / ٧١٥ الحديث ١٧٥٤٠.

(٧) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٧ مع اختلاف يسير.

١١٥

ويتوجّه على الثاني ، أنّه لو تمّ لزم حرمة السفر يوم الجمعة مطلقا ، لا خصوص ما بعد الزوال ، وكذا حرمته على كلّ مكلّف ، لا خصوص من وجب عليه الجمعة ، إلّا أن يقال : خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ، لكنّه موقوف على ثبوت الإجماع ولم يثبت ، ومع ذلك تجويز التخصيص إلى هذا القدر محلّ نظر وإشكال.

وإرادة خصوص ما بعد الزوال قبل الجمعة من يوم الجمعة بعيد جدّا ، لكن الحديث ـ على ما نقله ـ إنّما هو على طريقة المخالفين.

وفي «المصباح» نقل هكذا : «ما يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله تعالى في سفره ، ولا يخلفه في أهله ، ولا يرزقه من فضله» (١).

وفي «النهج» : «لا تسافر في يوم الجمعة حتّى تشهد الصلاة إلّا قاصدا في سبيل الله ، أو في أمر تعذر به» (٢) ، فتأمّل!

وعلى الثالث ، أنّه مبني على أنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه الخاصّ ، وهو ممنوع ، كما حقّق في محلّه.

واعترض عليه أيضا ، أنّه يلزم على هذا من تحريم السفر عدم تحريمه ، وكلّ ما أدّى وجوده إلى عدمه فهو باطل ، أمّا الملازمة ، فلأنّه لا مقتضى لتحريم السفر إلّا استلزامه لفوات الجمعة ، كما هو المفروض ، ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة ، لأنّ سقوطها إنّما هو في السفر المباح ، كما تقدّم ، فلا يحرم السفر لانتفاء المقتضي (٣).

أقول : السفر إمّا أن يضادّ فعل الجمعة أو لا ، أمّا الأوّل وهو الغالب ، فمعلوم

__________________

(١) المصباح للكفعمي : ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٦ الحديث ٩٧٠٥.

(٢) نهج البلاغة : ٦٤٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٧ الحديث ٩٧٠٦ مع اختلاف يسير.

(٣) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٥٩ و ٦٠ مع اختلاف يسير.

١١٦

أنّه بعد تحقّقه لا يمكن فعل الجمعة لوجود ضدّه ، فحرمة السفر إنّما هي من جهة فوت نفس الجمعة وعدم التمكّن منها ، فقوله : (ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة) فيه ما فيه ، لأنّه غير متمكّن منها فكيف تكون واجبة عليه؟

وعلى فرض وجوبها عليه مع عدم تمكّنه منها ـ بناء على أنّ التقصير منه ، فلا يمنع من التكليف بها ، وإن لم يتمكّن ، كما اختاره بعض ـ أيّ فائدة في هذا الوجوب؟ لأنّ الحرام كان ترك الجمعة ، لا عدم وجوبها عليه ، والسفر كان ضدّ فعل الجمعة ، لا ضدّ الخطاب به.

وأمّا الثاني ، وهو النادر ، فلا حرمة للسفر لعدم الضدّية ، أمّا إذا وقع فعلها قبل بلوغ حدّ الترخّص ، أو تمكّن منه ، فظاهر ، وأمّا إذا لم يتمكّن منه إلّا بعد ما تجاوز عنه ، فلأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الإتيان بالجمعة متى تمكّن منها ـ وهو متمكّن منها ـ ولا يلزم عليه اختيار خصوص ما يقع قبل حدّ الترخّص ، لو لم يكن داخلا في عموم ما دلّ على أنّ المسافر يسقط عنه الجمعة من جهة إجماع أو استصحاب ، وأمّا لو كان داخلا فيه ، يكون من جملة من وضع الله تعالى عنهم الجمعة ، ومن وضعها عنهم سقطت عنهم ، فلا يكون مؤاخذا بتركها ، فلا يكون السفر ضدّا للواجب عليه ، بل مسقطا إيّاه عنه ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك.

فنظر المستدلّ إلى الفروض الغالبة والأفراد الشائعة ، لانحصار الضديّة المذكورة في استدلاله فيها ، كما عرفت.

لكن يتوجّه على استدلاله ما ذكر أوّلا من عدم الاستلزام ، للنهي عن الضدّ ، مضافا إلى أنّه لو تمّ لم يكن الحرام مقصورا في السفر والبيع ، ولا خصوصيّة له بهما ، بل لا فرق بينهما وبين غيرهما من الأضداد الخاصّة ، فلا وجه لجعله دليلا لهما خاصّة ، إلّا أن يكون المستدلّ يقول بحرمة الجميع من غير تفاوت بينهما وبين

١١٧

غيرهما ، ولا خصوصيّة بهما ، وإن لم يكن معروفا مشهورا بين الأصحاب.

ولا يمكنه أن يقول : خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ، لأنّ ذلك لا يجري في الأدلّة العقليّة ، ويزيل الاستلزام ، لأنّ الأمر بالشي‌ء لو كان مستلزما للنهي عن الضدّ الخاصّ فلا معنى للتخلّف في موضع دون موضع ، بل لا يجري ذلك في غير العمومات من الأدلّة اللفظيّة ، ووجهه ظاهر (١) ، بل لا يجري في العمومات مطلقا ، بل لا بدّ من بقاء الأكثر وكون الباقي غير منحصر في الأفراد النادرة ، إلى غير ذلك من الشروط.

ويمكن الاستدلال بالعلّة المذكورة ، وهو قوله تعالى (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) (٢) ، ومقتضاه أيضا حرمة كلّ ما يجري فيه العلّة المذكورة ، وظاهر أنّ عدم حرمة غير البيع والسفر ليس إجماعيّا ، لما عرفت سابقا ، ولأنّ جماعة من الفقهاء يقولون بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه (٣).

واعلم! أنّ الشهيد في «الروض» قال : وكلّ من اشتغلت ذمّته بفريضة لا تتأتّى منه في السفر أو تحصل لكن بنقصان ، يكون ذلك السفر ممّا لم يترخّص المسافر في القصر فيه ، وإن كانت الفريضة تعلّم الواجبات (٤) ، وفيه كلام سيجي‌ء في محلّه ، فانتظر.

وهنا مباحث :

الأوّل : لو كان السفر واجبا كالحجّ ، أو مضطرّا إليه انتفى التحريم.

أمّا صورة الاضطرار ، فظاهر ، لأنّ الضرورات تبيح المحظورات جزما ،

__________________

(١) لم ترد في (ز ٢) : ووجهه ظاهر.

(٢) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٣) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٤ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٣٧٩ ، ذخيرة المعاد : ٣١٤.

(٤) روض الجنان : ٢٩٥ نقل بالمعنى.

١١٨

ولنفي الضرر في الدين.

وأمّا السفر الواجب ، فلعدم عموم في وجوب السعي إلى الجمعة حينئذ تشمل هذه الصورة ، لما عرفت من أنّ «إذا» من كلمة الإهمال ، ولما ذكرنا عن «النهج» ، مع عدم إجماع على وجوب السعي إلى الجمعة حينئذ لو لم نقل بالإجماع على عدمه ، بل الظاهر الإجماع عليه ، سيّما بعد ملاحظة ما مرّ من سقوط الجمعة بالمطر واحتراق القرص ، وأمثال ذلك.

الثاني : لو كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يعلم إدراكها في محلّ الترخّص ، فهل يكون السفر سائغا أم لا؟ اختار في «المدارك» العدم محتجّا بالعموم (١) ، ولم نجده ، إذ الآية قد عرفت حالها ، مع أنّ السعي إلى الجمعة غير مختصّ بما ذكره ، إذ الجمعة الاخرى أيضا جمعة.

وأمّا رواية «التذكرة» ، فقد عرفت حالها ، مضافا إلى ضعف السند ، مع أنّ السفر المذكور فيها مطلق ، فينصرف إلى الفروض الشائعة ، فلعلّ الدعاء عليه لأجل ترك الفريضة اللازمة ، كما نبّه عليه النحو الذي ذكره في «المصباح» ، وأيّده ما ذكرنا عن «النهج» (٢).

وأمّا ما رواه عن أبي بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتّى تشهد ذلك العيد» (٣).

ثمّ قال : وإذا حرم السفر بعد الفجر في العيد حرم بعد زوال الجمعة بطريق

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٦١.

(٢) راجع! الصفحة : ١١٦ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٦ الحديث ٨٥٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧١ الحديث ٩٨٨٦.

١١٩

أولى ، لأنّ الجمعة آكد من العيد.

ففيه ، أنّه بعد تسليم ما ذكره ـ من القياس بطريق أولى ـ فإنّما هو فرع كون العلّة في المنع عن السفر هي المحروميّة عن الواجب ، فلا يقتضي المنع في المقام ، للتمكّن من الواجب وعدم المحروميّة منه.

وأمّا الإجماع الذي ذكره في «التذكرة» ، فلم يثبت منه أزيد من القدر المجمع عليه ، سيّما قوله رحمه‌الله : وبأنّ ذمّته مشغولة. إلى آخره ، الذي استدلّ به لمضمون ما ادّعى إجماعه عليه.

مع أنّه لا يعتمد على أمثال هذه الإجماعات المنقولة بخبر الواحد ، فضلا عن أن يحتج بعمومه الذي لم يظهر بعد.

مع أنّه رحمه‌الله عادته أن يقول : دعوى الإجماع في محلّ النزاع غير مسموع ، إذ بعض الأصحاب اختار الجواز حينئذ ، كما صرّح به.

ثمّ قال : واختاره المحقّق الشيخ علي في «شرح القواعد» (١) ، لحصول الغرض ، وهو فعل الجمعة ، بناء على أنّ السفر الطارئ على الوجوب لا يسقطه ، كما يجب الإتمام في الظهر على من خرج بعد الزوال.

ثمّ قال : ويضعف بإطلاق الأخبار المتضمّنة لسقوط الجمعة عن المسافر (٢) وبطلان القياس ، مع أنّ الحقّ تعيّن القصر في صورة الخروج بعد الزوال ، كما سيجي‌ء (٣) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ ما دلّ على وجوب الجمعة من الآية والأخبار عام يشمل

__________________

(١) جامع المقاصد : ٢ / ٤٢١.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٩٥ الحديث ٩٣٨٢ ، ٢٩٧ الحديث ٩٣٨٧ ، ٢٩٩ الحديث ٩٣٩٥.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٦١.

١٢٠