مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

غاية الكثرة ، مع صحّة بعضها ، واعتبار البعض الآخر.

سلّمنا ، لكن صحيحة يعقوب تكفي للخروج عن الأصل بلا شبهة ، ومداره على ذلك ، وغير الصحيحة المنجبرة بالشهرة أيضا كذلك ، سيّما مثل هذه الشهرة ، وسيّما مع الانضمام بالصحيحة.

وقوله : (خصوصا). إلى آخره ، فيه ، أنّ التعارض فرع التقاوم ، ولم نجد ما يقاوم ما ذكر سندا ودلالة ، إذ المعارض هو صحيحة معاوية التي ذكرناها في بحث اشتراط الخطبة (١) ، وهي مضمرة ، والمضمر لا يقاوم المصرّح باسم المعصوم عليه‌السلام.

ومع ذلك فيها محمّد بن عيسى ، عن يونس ، وصاحب «المدارك» لا يعتبر رواية سندها كذلك ، سيّما في مقام التعارض (٢).

ومع ذلك في تلك الرواية بعد القدر الذي ذكرناه ، قال : «وكذلك صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى آخر الرواية (٣).

ولا شبهة في أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقنت ، وكذلك أمير المؤمنين والحسن عليهما‌السلام ، مع أنّهم عليهم‌السلام أمروا بالقنوت ، فكيف يكونون ممّن يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم؟ حاشاهم ، وكذا ممّن يقول ما لا يفعل حاشاهم عليهم‌السلام.

بل في موثّقة سماعة : «أنّه ينبغي للإمام أن يتضرّع بين كلّ تكبيرتين ويدعو الله» (٤) الحديث.

وبالجملة ، ظهر غاية الظهور أنّ المقام ما كان يقتضي التعرّض لذكر القنوت.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٦٨ و ٣٦٩ من هذا الكتاب.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٥٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٤ الحديث ٩٧٨٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٠ الحديث ٢٨٣ ، الاستبصار : ١ / ٤٥٠ الحديث ١٧٤٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٩ الحديث ٩٧٩٩.

٣٨١

مع أنّه ذكر في رواية معاوية مستحبات ومكروهات ، مثل كون الإمام يلبس بردا ويعمم ، ويخرج إلى البرّ ، ولا يصلّي على حصير ، ولا يسجد عليه ، وأنّه يقرأ و «الشمس» و «الغاشية» ، وغير ذلك.

ولا شبهة في كون القنوت أهمّ ممّا ذكر أو بعضه على ما يظهر من الأخبار (١) ، وكون الفقهاء على الوجوب (٢) ، وعلى فرض التساوي لم لم يتعرّض لذكره مع التعرّض لتلك المستحبّات؟ فظهر أنّ المقام ما اقتضى ، هذا حال رواية معاوية.

وأمّا غيرها فلم نجد ما يعارض أصلا ، فضلا عن أن يقاوم ، إذ ربّما كانوا يسألون عن خصوص التكبير أو غيره ، وما سألوا عن بيان صلاة العيد ، ولا تعرّضوا عليهم‌السلام له ، ولم يذكروا القنوت ، حتّى يقول في «المدارك» ما يقول.

نعم ، في صحيحة ابن مسلم ـ التي ذكرناها في بحث اشتراط الخطبة ـ عن أحدهما عليهما‌السلام في صلاة العيد قال : «الصلاة قبل الخطبة» (٣) ، الحديث.

وغير خفي أنّه سأل عن أمر في صلاة العيد لا عن ماهيّتها ، ولذا لم يذكر بمجموع الماهيّة ، بل بعضه.

فظهر أنّ السؤال ما كان عن الامور المذكورة ، وربّما يظهر منها أنّ المهمّ بيان أنّ الخطبة قبل الصلاة أو بعدها.

وبالجملة ، لا شبهة في عدم وجود معارض سوى هاتين الروايتين ، وقد عرفت عدم المعارضة فضلا عن المقاومة ، لأنّ الروايتين كيف تقاوم الأخبار التي لا تحصى؟ مع وضوح دلالتها وضعف دلالتهما لو سلّم الدلالة ، وكونها مطابقة

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٢ الحديث ٢٨٧ و ٢٨٨ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٩ الحديث ١٧٣٧ و ١٧٣٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٥ الحديث ٩٧٨٨ ، ٤٣٦ الحديث ٩٧٩٠.

(٢) الانتصار : ٥٧ ، مدارك الأحكام : ٤ / ١٠٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤١ الحديث ٩٨٠٣ ، راجع! الصفحة : ٣٦٧ من هذا الكتاب.

٣٨٢

للفتاوى التي لا تحصى لو لم نقل بالإجماع ، وكونهما مخالفة لها ، بل الشيخ في «الخلاف» أيضا ما استدلّ بهما ، كما عرفت.

السادس : الأقوى أنّه لا يتعيّن في القنوت لفظ مخصوص ، لما ورد في الأخبار من الاختلاف عند ذكر كيفيّته ، ولصحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام عن الكلام الذي يتكلّم به فيما بين التكبيرتين في العيدين ، فقال : «ما شئت من الكلام الحسن» (١).

وربّما يظهر عن أبي الصلاح وجوب الدعاء بالمرسوم (٢) ، وهو أولى وأحوط ، بل الأولى المرسوم المعهود بين الفقهاء.

السابع : أجمع الأصحاب على وجوب قراءة سورة بعد «الحمد» ، وأنّه لا يتعيّن سورة مخصوصة ، قاله في «التذكرة» (٣).

وفي «المختلف» أيضا نفي الخلاف (٤).

والظاهر من المصنّف عدم وجوبها ، لأنّه حكم باستحبابها في الفرائض اليوميّة ، ولم يذكر أنّها واجبة في صلاة العيدين ، وقد عرفت أنّه اكتفى بما ذكره في اليوميّة في بيان هيئة هذه الصلاة وأجزائها.

وقد عرفت أنّ الإجماع المنقول حجّة ، ومع ذلك الأخبار ربّما كانت ظاهرة في الوجوب ، مثل قويّة إسماعيل بن جابر السابقة ، عن الباقر عليه‌السلام في صلاة العيدين ، قال : «يكبّر واحدة يفتتح بها ثمّ يقرأ أمّ الكتاب وسورة». إلى أن قال : «ويقرأ أمّ القرآن وسورة ، يقرأ في الاولى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، وفي الثانية

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٦٧ الحديث ٩٨٨٠.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٤.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٣٤ المسألة ٤٤٥.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٥٤.

٣٨٣

(وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١) ، الحديث.

وكون هذه على الاستحباب لا يقتضي أن تكون السابقة محمولة عليه ، لما عرفت من أنّ خروج بعض الخبر عن الظاهر لا يقتضي خروج الباقي ، مضافا إلى أنّه ما قال : يقرأ أمّ الكتاب ويقرأ سورة ، بل قال : «يقرأ أمّ الكتاب وسورة» ، وقراءة أمّ الكتاب واجبة قطعا فكذا السورة ، لأنّ لفظة «يقرأ» كلمة واحدة تعلّقت بهما معا ، فيكون وجوب قراءة «الحمد» كاشفا عن وجوب قراءة السورة أيضا ، والكلمة الواحدة لا تكون لها معنيان متضادّان.

وحملها على إرادة الطلب خلاف الأصل والظاهر ، لا يصار إليه إلّا بقرينة ، وهي منتفية لو لم نقل بالقرينة على إرادة المعنى الحقيقي ، وهي إجماع الأصحاب.

وباقي الأخبار وردت بلفظ «يقرأ» أو «فيقرأ» ، ولا خفاء في إرادة الوجوب منه ، وعدم القصر في قراءة «الحمد» وحده ، لكون قراءة السورة أيضا مطلوبة في المقام ، متداولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام والمسلمين في الأعصار والأمصار لو لم نقل بالإجماع على وجوبها.

مع أنّك عرفت الإجماع المنقول ، مع أنّ الفتاوى متّفقة على ذلك بحسب الظاهر ، ولم يخالف أحد من المتقدّمين والمتأخّرين ، وإلّا لذكر البتة.

وبالجملة ، لا تأمّل في كون المراد من القراءة قراءة «الحمد» والسورة جميعا لا خصوص «الحمد» ، فتأمّل في الأخبار تجد ، سيّما بملاحظة أنّ المجملات من الأخبار تحمل على المفصّلات ، والمطلقات على المقيّدات.

ثمّ إنّهم اختلفوا في الأفضل ، فأكثرهم اختاروا «الشمس» في الاولى ، و «الغاشية» في الثانية ، ودلّ عليه صحيحة جميل السابقة (٢) ، لكن فيها :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٦ الحديث ٩٧٩٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٥ الحديث ٩٧٨٤ ، راجع! الصفحة : ٣٦٩ من هذا الكتاب.

٣٨٤

«وأشباههما».

وقيل : في الاولى «الأعلى» وفي الثانية «والشمس» (١) ، لرواية إسماعيل بن جابر السابقة (٢) ، والكلّ حسن ، وإن كان الأوّل أحسن.

وينبغي التنبيه لأمور.

الأوّل : يستحبّ رفع اليدين مع كلّ تكبيرة لرواية يونس ، قال : سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كلّ تكبيرة أم يجزيه أن يرفع في أوّل التكبير؟ فقال : «[يرفع] مع كلّ تكبيرة» (٣).

الثاني : إذا نسي التكبيرات الزائدة أو بعضها حتّى ركع ، قيل : يمضي ولا شي‌ء عليه ، لأنّها ليست أركانا (٤).

أقول : قد حقّق في «الفوائد» أنّ الأصل في كلّ جزء الركنيّة حتّى يثبت خلافه ، لأنّ الشارع إذا كان لمطلوبه جزء فنسي لم يكن ذلك الذي فعله مطلوبه ، ولا يكون الآتي بما بقي ممتثلا ، لأنّه لم يأت بتمام مطلوبه بل لم يأت بمطلوبه ، لأنّ الخالي عن الجزء ليس مطلوبه ، وقضاء ذلك الجزء أيضا لا ينفع ، لأنّ مطلوبه لم يكن بهذا النحو (٥).

وأمّا في صحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا» (٦).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٤ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٥ ، المبسوط : ١ / ١٧٠ ، المختصر النافع : ٣٧ ، قواعد الأحكام : ٣٨.

(٢) مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٨ الحديث ٨٦٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٤ الحديث ٩٨٩٦.

(٤) ذخيرة المعاد : ٣٢٢.

(٥) الفوائد الحائريّة : ٣٥١.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٠ الحديث ١٤٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٨ الحديث ١٠٥٣٠.

٣٨٥

ففيه ، أنّ الركوع والتكبير لا يقضيان ، وكذلك السجدتان عند الأصحاب ، ومع ذلك شمولها للمقام لا بدّ فيه من تأمّل ، ومقتضى الركنيّة الإعادة ، اللهمّ إلّا أن يكون إجماع على عدم الركنيّة ، وستعرف باقي الأحكام.

الثالث : لو شكّ في عدد التكبير بنى على الأقلّ ، لأنّه المتيقّن ، والأصل عدم الزائد ، فلو أتى بالمشكوك ، ثمّ ذكر أنّه كان قد أتى به أوّلا ، قيل : لم يضرّه لعدم الركنيّة (١) ، وفيه ما عرفت.

الرابع : كلّ ما ذكر في التكبير فهو جار في القنوت أيضا ، لما عرفت ، فمقتضى ذلك كون القنوتات أيضا في هذه الصلاة أركانا تبطل بترك واحد منها سهوا ، كما ذكر في ترك التكبيرات الزائدة ، أو واحدة منها سهوا.

لكن ورد في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام : «إنّ الصلاة لا تعاد إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود» ، ثمّ قال : «القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ، [والتكبير سنّة] ، فلا تنقض السنّة الفريضة» (٢).

ولا شكّ في أنّ المراد حال عدم التعمّد للإجماع والأخبار.

وفي الصحيح أيضا عن الباقر عليه‌السلام عن الفرض في الصلاة ، فقال : «الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء» وما سوى ذلك «فسنّة في فريضة» (٣).

ولعلّ السنّة حالها حال غير الركن على ما أظن ، لصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : «إنّ الله فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٢٢.

(٢) الخصال : ١ / ٢٨٤ الحديث ٣٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٧١ الحديث ٧٠٩٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤١ الحديث ٩٥٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٥ الحديث ٥١٩٣ مع اختلاف يسير.

٣٨٦

متعمّدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته» (١).

ومثلها صحيحة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٢).

وصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام ، لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي» (٣) ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك في محلّه.

فعلى هذا تكون الصلاة صحيحة ، لا يجب إعادتها بسبب ترك التكبيرات ، أو واحدة منها (٤) سهوا أو نسيانا ، إلّا أنّه ربّما يخدش أنّ المتبادر من لفظ الصلاة لعلّه الفريضة اليوميّة ، لأنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة لا النادرة ، إلّا أن يقال : العلّة المنصوصة في صحيحة ابن سنان يقتضي الشمول للمقام.

مع أنّ الفقهاء يستدلّون بالأخبار المذكورة وأمثالها على العموم ، ويجرون أحكامها في كلّ فريضة ، مع أنّ الإجماع على اتّحادها مع الفريضة اليوميّة ، إلّا ما ثبت من التفاوت ، وغير معلوم تحقّق التفاوت إلى هذا القدر بأن تكون التكبيرات والقنوتات أو إحداهما ركنا ، والله يعلم.

ولعلّ التحقيق في محلّه يزيد عمّا ذكر ، بحيث يظهر الحال ، ولا يبقى تأمّل وتزلزل أصلا ، وظاهر الفقهاء أيضا عدم ركنيّة شي‌ء من التكبيرات والقنوتات ، إذ وقع منهم الاختلاف في نسيان التكبيرات ، أو شي‌ء منها ، في أنّ المنسي هل يجب قضاؤه بعد الفراغ عن الصلاة أم لا؟

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٤٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٦ الحديث ٥٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٣ الحديث ١٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الحديث ٧٤١٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٧ الحديث ١٠٠٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الحديث ٧٤١٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٧ الحديث ٥٧٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١١ الحديث ٨٠٥١.

(٤) في (د ٢) زيادة : أو القنوتات أو واحدا منها.

٣٨٧

أثبت القضاء الشيخ رحمه‌الله (١) لصحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئا من الصلاة» (٢). إلى آخر الحديث ، وقد ذكر ، خرج من الحديث ما خرج بالإجماع ، وبقي الباقي (٣).

والمحقّق نفاه في «المعتبر» (٤) ووافقه من تأخّر عنه (٥) ، لأنّه ذكر تجاوز محلّه ، فيسقط ، للأصل السالم عن معارضته الصحيحة المذكورة من الجهة التي ذكرناها ، ولا بدّ من تأمّل تامّ في ذلك.

ويؤيّدهم صحيحة ابن مسلم (٦).

وكيف كان ، الاحتياط في القضاء ، بل الإعادة أيضا.

الخامس : لا يتحمّل الإمام شيئا منها سوى القراءة ، كما هو الحال في سائر الصلوات ، للأصل والعمومات الواردة في طلب الأذكار والتكبيرات والقنوتات (٧) ، واحتمل الشهيد تحمّل القنوت (٨) ، وهو بعيد.

السادس : لو أدرك بعض التكبير مع الإمام ، قال في «المدارك» : دخل معه ، فإذا ركع الإمام أتى بالتكبير الفائت والقنوت مخفّفا ـ إن أمكن ـ ولحق به ، وإلّا قضاه بعد التسليم عند الشيخ ومن قال بمقالته ، وسقط عند المحقّق ومن تبعه. ويحتمل المنع من الاقتداء ، إذا علم التخلّف بما يعتدّ به ، إذ الأصل عدم سقوط

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ٣١٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٨ الحديث ١٠٥٣٠.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٨٥ و ٣٨٦ من هذا الكتاب.

(٤) المعتبر : ٢ / ٣١٥.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٣١ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٨٨ ، ذخيرة المعاد : ٣٢٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الحديث ٧٤١٥.

(٧) وسائل الشيعة : ٦ / ١٩ الباب ٦ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ٢٦١ الباب ٦ من أبواب القنوت.

(٨) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٩٠ و ١٩١.

٣٨٨

فرض مكلّف بفعل آخر إلّا فيما دلّ الدليل عليه (١) ، انتهى.

وأمّا ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من أنّ كيفيّة الخطبتين هنا كيفيّة الخطبتين في الجمعة. إلى آخر ما ذكره ، فلما يظهر من الفتاوى ، بل الإجماع والأخبار الواردة هنا.

قوله : (والروايات). إلى آخره.

قد عرفت الروايات وكيفيّة دلالتها على كون وجوبها مشروطا بالإمام أو من نصبه ، فلاحظ وتأمّل!

وعرفت أيضا أنّ مع الاشتباه في اشتراط المذكور لا يمكن فعلها وجوبا بدون الشرط المذكور ، لأنّ العبادات توقيفيّة موقوفة على الثبوت من الشرع ، ولم تثبت بدون الشرط المذكور لا من الروايات ولا من الإجماع ولا من دليل آخر وإن سلّمنا عدم ثبوت الشرط المذكور أصلا ، لا من الروايات ولا من الإجماع ولا غير ذلك ، مثل الاعتبار ، ومثل أنّ التوقيفى موقوف على الثبوت والمثبت منحصر في الإجماع ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام إن لم يكن قول منهم ، إلى غير ذلك ممّا مرّ منه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل كذا ، وقال : «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» (٢).

وبالجملة ، بعد الشكّ الذي ذكره المصنّف ينحصر ـ لا محالة ـ ثبوت الوجوب فيما إذا حصل الشرط وهو الإمام أو المنصوب ، مع أنّك عرفت أنّ كلّ واحد من الإجماع والأخبار والاعتبار وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوقيفيّة العبادة تكفي لارتفاع الشكّ ، فضلا عن المجموع.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ١١٠.

(٢) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ الحديث ٨ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ١٢٤ ، سنن الدارقطني : ١ / ٣٣٨ الحديث ١٢٩٤.

٣٨٩

قوله : (ومع اختلاف الشرائط). إلى آخره.

لا شكّ في أنّه مع اختلال الشرائط يرتفع الوجوب البتة ، وإلّا فلا معنى للشرطيّة واختلال الشرط ، وإذا ارتفع الوجوب تكون مستحبة في الجملة البتة إذا كان الشرط المفقود هو السلطان أو من نصبه وما ماثله ، ولا يكون حراما عند أحد من فقهائنا. وهذا من الفارق بين الجمعة وهذه الصلاة. لأنّ الجمعة ، ذهب جمع من المتقدّمين وجمع من المتأخّرين إلى حرمتها إن لم يكن الإمام أو المنصوب حاضرا بأن تكون الصلاة خلفهما بخلاف هذه الصلاة ، فإنّ الكلّ قائلون بالاستحباب ، إلّا أنّ السيّد رحمه‌الله قائل بالمنع عن الجماعة حينئذ ، وأنّ الاستحباب منحصر في الفرادى (١).

ووافقه على ذلك أبو الصلاح ، بل قال : يقبح الجمع فيها مع اختلال الشرائط (٢).

وقال المفيد رحمه‌الله هذه الصلاة ـ يعني صلاة العيد ـ فرض لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام. إلى أن قال : ومن فاتته صلاة العيد جماعة صلّاها وحده ، كما يصلّي في الجماعة ندبا ومستحبا (٣).

وقال الشيخ في «المبسوط» : متى تأخّر عن الحضور لعارض صلّاها في المنزل منفردا سنّة وفضيلة ، ثمّ قال : ومن لا يجب صلاة العيد عليه من المسافر والعبد وغيرهما يجوز لهم إقامتها منفردين سنّة (٤).

وقال القطب الراوندي : من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنّة

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٤ ، الناصريّات : ٢٦٥ المسألة ١١١.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٤.

(٣) المقنعة : ١٩٤ و ٢٠٠.

(٤) المبسوط : ١ / ١٦٩.

٣٩٠

بلا خطبة (١).

فظهر من هذا أنّ جماعة من الفقهاء كانوا يمنعون عن الجماعة حينئذ ، بل صرّح بعضهم بأنّها مع اختلال الشرائط تكون نافلة ، ولا جماعة في النافلة (٢).

وظاهر أبي الصلاح ، أنّها من جهة كونها منصب الإمام بفعله بنفسه أو بنائبه تقبح الجماعة حينئذ ، لأنّها أخذ منصب الإمام بغير رخصة منه ، وقبيح أن ينصب أحد نفسه مقام إمامه من دون نصب منه.

ويدلّ على المنع الأخبار أيضا ، مثل : موثّقة سماعة السابقة (٣) بالتقريب الأوّل الأقرب.

والصحيح عن ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «من لم يشهد جماعة الناس في العيد فليغتسل وليتطيّب وليصلّ في بيته وحده ، كما يصلّي في الجماعة» (٤).

وموثّقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : هل يؤمّ الرجل بأهله في صلاة العيد في السطح أو بيت؟ قال : «لا يؤمّ بهنّ ولا يخرجن» (٥).

ولو كانت الجماعة مستحبة لاستحبّ هنا أيضا ، إذ المستحبّ في حقّ الرجل مستحبّ في حقّ المرأة ـ أيضا ـ إلّا ما خرج بالدليل.

هذا ، لكن ابن إدريس أوّل كلام هؤلاء الفقهاء ، بأنّ مرادهم من الانفراد ، الانفراد عن الشرائط (٦) ، وهو بعيد.

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٣.

(٢) لاحظ! السرائر : ١ / ٣١٥ و ٣١٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٧ ، راجع! الصفحة : ٣٥٣ و ٣٥٤ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٦ الحديث ٢٩٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٤ الحديث ٩٧٥٤ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٩ الحديث ٨٧٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧١ الحديث ٩٨٨٨.

(٦) السرائر : ١ / ٣١٦.

٣٩١

وقال القطب الراوندي رحمه‌الله : الإماميّة يصلّون هاتين الصلاتين جماعة ، وعملهم حجّة (١).

وذكرنا عن «المقنع» وابن أبي عقيل : المنع عن الفرادى ، فإنّ الصدوق قال : ولا يصلّيان إلّا مع الإمام في جماعة (٢). وقال ابن أبي عقيل : من فاتته الصلاة مع الإمام لم يصلّها وحده (٣).

وفي «المختلف» ـ بعد ما ذكر عنهما ما ذكر ـ قال : والمشهور الاستحباب ، لنا ما رواه ابن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، وروى الصحيحة المذكورة عنه ، ثمّ قال : احتجّا بصحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام عن صلاة الفطر والأضحى ، فقال : «ليس صلاة إلّا مع إمام» (٤).

والجواب : أنّ نفي الحقيقة غير ممكن ، فلا بدّ من الإضمار ، وليس إضمار الصحّة أولى من إضمار الفضل ، فتحمل على نفي الفضل ، أو نفي الوجوب جمعا بين الأدلّة (٥) ، انتهى.

وفيه ، أنّه على القول الأقوى ـ بأنّ لفظ العبادة اسم لخصوص الصحيحة ـ نفي الحقيقة ممكن ، والأصل الحمل على المعنى الحقيقي ، وعلى القول الآخر لا شكّ في أنّ نفي الصحّة أقرب المجازات ، والواجب عند تعذّر الحقيقة الحمل على أقرب المجازات.

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٣ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٩.

(٢) المقنع : ١٤٩.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٨ الحديث ٢٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٤ الحديث ١٧١٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الحديث ٩٧٤٦.

(٥) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٤.

٣٩٢

وأمّا نفي الوجوب ، ففيه أنّ (١) الصلاة أعم من الواجبة والمستحبة ، لكن الحقّ أنّها اسم للفريضة ـ كالجمعة ـ فحقيقة فيها ، فالمستحبة ليست بصلاة حقيقة ، بل مثل المعادة اليوميّة وعبادة الطفل وأمثالهما.

وبالجملة ، مرّ الكلام مفصّلا ، فظهر أنّ ما دلّ على المنع من الفرادى مؤوّلة موجّهة ، بخلاف ما دلّ على المنع من الجماعة.

وورد في بعض الأخبار أنّه سئل عن صلاة الأضحى والفطر؟ فقال : «صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة وكبّر سبعا وخمسا» (٢).

ولعلّ المراد أنّها ركعتان في الفرادى كالجماعة ، ولا يدلّ على جواز الجماعة فيها مطلقا.

وأمّا ما دلّ على المنع من الجماعة ، فهو باق على حاله ، مضافا إلى ما سيجي‌ء في مبحث الجماعة من الأخبار الدالّة على المنع من الجماعة في نافلة شهر رمضان ، وغيرها من النوافل ، مثل قوله عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام ، ورواية سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في نافلة رمضان : «أيّها الناس إنّ هذه الصلاة نافلة ولن نجمع النافلة ، وليصلّ كلّ رجل منكم وحده ، واعلموا أنّه لا جماعة في نافلة» (٣).

نعم ، قال الراوندي : الإماميّة يصلّونها جماعة وعملهم حجّة (٤) ، فإن كان

__________________

(١) في (ف) : أنّ نفي الصلاة.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٠ الحديث ١٤٦١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٥ الحديث ٢٩٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٤٦ الحديث ١٧٢٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٦ الحديث ٩٧٥٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٦٤ الحديث ٢١٧ ، الاستبصار : ١ / ٤٦٤ الحديث ١٨٠١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢ الحديث ١٠٠٤٠ مع اختلاف يسير.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٦٣ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٩.

٣٩٣

هذا إجماع منقول بخبر الواحد ، فيمكن الاكتفاء به في إخراجها عمّا دلّ على المنع عموما ، ويوجّه ما دلّ عليه خصوصا ، إلّا أنّ ذلك موقوف على ثبوت التقاوم ، ولا يخلو عن إشكال ، والفرادى لا إشكال فيها ، كما عرفت.

والأكثر اختار جواز الجماعة والفرادى واستحبابهما (١) جميعا (٢) ، والظاهر من بعضهم أنّ الفرادى مع تعذّر الجماعة (٣) ، وظهر لك الحال في المناط من الأخبار ، فلا حاجة إلى التكرار.

__________________

(١) نسبه إلى المشهور في ذخيرة المعاد : ٣١٩.

(٢) في (د ١) و (د ٢) و (ط) : جمعا.

(٣) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٣١٩.

٣٩٤

٢٢ ـ مفتاح

[مستحبّات صلاة العيدين]

يستحبّ الإصحار بهذه الصلاة في غير مكّة ، ومباشرة الأرض والسجود عليها ، وأن لا ينقل المنبر من الجامع ، وأن يطعم قبل خروجه في الفطر ، وبعد عوده في الأضحى ممّا يضحّي به إجماعا ، وأن يخرج بعد الغسل متطيّبا ، غير العجائز فإنّهن يخرجن تفلات ، لابسا أحسن ثيابه ، ماشيا حافيا على سكينة ووقار ، ذاكرا لله تعالى داعيا بالمأثور ، متعمّما متردّيا ، وهما هنا آكد ، ذاهبا من طريق عائدا بآخر ، وأن يقول المؤذّن بأرفع صوته عند القيام إليها : «الصلاة» ثلاثا ، كلّ ذلك للرواية (١).

وأن يكبّر في الفطر عقيب أربع صلاة ، أوليهما المغرب وأخراهما صلاة العيد ، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة ، اوليهما الظهر يوم النحر لمن كان بمنى ، وعشر لغيره بالمأثور ، كما في «المعتبر» (٢).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٣ الباب ١٢ ، ٤٤٦ الباب ١٤ ، ٤٤٩ الباب ١٧ ، ٤٥٣ الباب ١٩ ، ٤٧٦ الباب ٣٣ ، ٤٧٩ الباب ٣٦ من أبواب صلاة العيد.

(٢) المعتبر : ٢ / ٣٢٠ و ٣٢٢.

٣٩٥

وأوجبه السيّد مدّعيا عليه الإجماع (١) لآيتي (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (٢) ، (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٣) ، فإنّ الاولى إشارة إليه في الفطر ، والثانية في الأضحى ، كما في النصوص (٤) وهو شاذّ ، مع أنّ النصّ في الأوّل أنّه مسنون ، ويأتي كيفيّته في مباحث التعقيب.

ويكره الخروج بالسلاح إلّا أن يكون عدوّ ظاهر ، والتنفّل في ذلك اليوم إلى الزوال ، للنهي عنه إلّا ركعتين في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ، كما في الخبر (٥) ، والسفر بعد طلوع الفجر للنهي ، أمّا بعد طلوع الشمس ، فحرام لاستلزامه الإخلال بالواجب.

__________________

(١) الانتصار : ٥٧.

(٢) البقرة (٢) : ١٨٥.

(٣) البقرة (٢) : ٢٠٣.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٥ الباب ٢٠ ، ٤٥٧ الباب ٢١ من أبواب صلاة العيد.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٦١ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٣٠ الحديث ٩٧٧١.

٣٩٦

قوله : (ويستحبّ الإصحار). إلى آخره.

أي فعلها في الصحراء ، أجمع علماؤنا على ذلك ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّيها خارج المدينة ، ومتابعته راجحة لا أقلّ منه.

وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخرج حتّى ينظر إلى آفاق السماء» (١).

وفي رواية اخرى عنه : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخرج إلى البقيع فيصلّي بالناس» (٢).

وفي الصحيح ، عن ابن رئاب ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا ينبغي أن تصلّي صلاة العيد في مسجد مسقّف ولا في بيت ، إنّما تصلّي في الصحراء أو في مكان بارز» (٣). إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا استثناء مكّة بخصوصها ، فلمرفوعة محمّد بن يحيى ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيد إلّا أهل مكّة فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام» (٤).

ورواه ابن بابويه ، عن حفص بن غياث ، عن الصادق عليه‌السلام (٥).

وألحق ابن الجنيد مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) ، وفيه ما فيه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٥ الحديث ٨٤٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥١ الحديث ٩٨٣٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٦٠ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٠ الحديث ٩٨٣٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٤٧١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٩ الحديث ٩٨٣١.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٦١ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٨ الحديث ٣٠٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥١ الحديث ٩٨٣٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢١ الحديث ١٤٧٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٩ الحديث ٩٨٣٢.

(٦) نقل عنه في السرائر : ١ / ٣١٨ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٢٧١.

٣٩٧

ولو كان عذر من مطر أو غيره ، فلا حرج في الصلاة في البلد بلا شكّ.

وأمّا مباشرة الأرض والسجود عليها ، فلصحيحة معاوية : «لا تصلّين يومئذ على بساط ولا بارية» (١).

وفي صحيحة الفضل : «هذا يوم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبّ أن ينظر إلى آفاق السماء ويضع جبهته على الأرض» (٢).

وأمّا عدم نقل المنبر ، فللإجماع والأخبار ، كصحيحة إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه‌السلام صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : «ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكن ينادى الصلاة ثلاث مرّات ، وليس فيها منبر ، والمنبر لا يحرّك من موضعه ، ولكن يصنع للإمام شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب بالناس ثمّ ينزل» (٣).

وعمل شبه المنبر ـ كما ذكر ـ إجماعي.

وأمّا الإطعام قبل الخروج في الفطر وبعد العود في الأضحى ممّا يضحي ، فللأخبار بعد الإجماع ، مثل رواية جرّاح المدائني ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «يطعم في الفطر قبل أن يصلّي ولا يطعم في الأضحى حتّى ينصرف الإمام» (٤).

وحسنة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «أطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلّى» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٥ الحديث ٨٤٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥١ الحديث ٩٨٣٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٤ الحديث ٨٤٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٠ الحديث ٩٨٣٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٤٧٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٠ الحديث ٨٧٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٨ الحديث ٩٧٦٢ ، ٤٧٧ الحديث ٩٩٠١ ، مع اختلاف.

(٤) الكافي : ٤ / ١٦٨ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٣ الحديث ٤٨٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٨ الحديث ٣١٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٤ الحديث ٩٨١٨ مع اختلاف يسير.

(٥) الكافي : ٤ / ١٦٨ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣٨ الحديث ٣٠٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٤

٣٩٨

فظهر أنّ ما ذكر مستحبّ على حدة ، وليس شرط كون الإطعام ممّا يضحي.

نعم ، كون الإطعام ممّا يضحى مستحبّ أيضا على حدة ، لرواية زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا تأكل يوم الأضحى إلّا من أضحيتك إن قويت ، وإن لم تقو فمعذور» (١).

ويستحبّ في يوم الفطر الإفطار على الحلو ، لما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا ، أو أقلّ أو أكثر (٢).

وهذا يدلّ على خصوص التمر وهذا القدر منه ، إلّا أن يضم إليه عدم القول بالفصل وتنقيح المناط ، ولا بدّ من التأمّل في ذلك.

وجعل في «الذكرى» أفضله السكّر (٣) ، ولعلّه لما ورد فيه من الفضل عموما (٤) ، ولما ورد في «الفقه الرضوي» خصوصا (٥).

وورد في بعض الأخبار الضعيفة استحباب الإفطار على التربة الحسينيّة (٦) ـ على مقدّسها ألف صلاة وسلام وتحيّة ـ لكن لا يجوز العمل ، لأنّ الضعيف ليس بحجّة ، ولا يجوز العمل به في مثل المقام ، لعموم ما ورد من حرمة أكل التراب (٧) ، وخصوصا التربة المقدّسة بغير قصد الاستشفاء ، ولم ينجبر بالشهرة ولا غيرها من الجوابر للضعيف ، فلا يكون حجّة أصلا ، فكيف يقاوم ما دلّ على الحرمة من

__________________

الحديث ٩٨١٧.

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢١ الحديث ١٤٦٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٣ الحديث ٩٨١٤ مع اختلاف يسير.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٣ / ٢٨٣.

(٣) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٧٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٥ / ١٠١ ـ ١٠٥ الباب ٥٠ ـ ٥٢ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢١٠ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ١٣٠ الحديث ٦٦١٨.

(٦) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٥ الحديث ٩٨٢١.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ / ٢٢٦ الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

٣٩٩

الأخبار المتعدّدة المفتى بها خصوصا أن يغلب عليها؟

وأمّا الخروج بعد الغسل ، فلما ورد في استحباب غسل العيدين ، مثل صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم عرفة» (١) الحديث.

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر». إلى أن قال : «ويومي العيدين» (٢).

وموثّقة سماعة الطويلة ، إذ فيها : «وغسل يوم الفطر ويوم الأضحى سنة لا احبّ تركهما» (٣).

ورواية علي بن أبي حمزة ، عن الصادق عليه‌السلام غسل العيدين واجب هو؟ فقال : «هو سنّة» ، فقلت : فالجمعة؟ فقال : «سنّة» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا كون الغسل مقدّما على الصلاة ، فلموثّقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى يصلّي ، قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (٥).

وحملت على الاستحباب ، للإجماع والأخبار في نفي وجوب الإعادة ، والقضاء عمّن فاتته صلاة العيد ، وممّا يؤيّد مشاركة العيد والجمعة في الشرائط.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٠ الحديث ٢٩٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٣٧١٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٤ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٧ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٩ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٥ الحديث ٨٥٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٥١ الحديث ١٧٤٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٠ الحديث ٣٧٩١.

٤٠٠