خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٥

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-006-4
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٥١٠

وجهك ، فصرفت وجهي ، ثم قال : اقبل بوجهك ، فإذا داري متمثلة نصب عيني ، فقال لي : ادخل دارك ، فدخلت ، فإذا لا افقد من عيالي صغيرا ولا كبيرا الاّ هو في داري بما فيها فقضيت وطري ثم خرجت ، فقال عليه‌السلام اصرف وجهك ، فصرفته ، فلم أر شيئا (١).

ورواه أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في الدلائل عن احمد بن الحسين مثله مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ المتن (٢).

القطب الراوندي في الخرائج : عن محمّد بن مسلم ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه المعلّى بن خنيس باكيا ، قال : وما يبكيك؟ قال : بالباب قوم يزعمون ان ليس لكم [عليهم] (٣) فضل وانّكم وهم شيء واحد ، فسكت ، ثم دعا بطبق من تمر فحمل منه تمرة فشقّها نصفين وأكل التمر وغرس النوى في الأرض ، فنبتت فحملت بسرا وأخذ منها واحدة فشقّها واخرج منه رقّا ودفعه الى المعلّى ، وقال : اقرأه ، وإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علي المرتضى والحسن والحسين وعلي بن الحسين واحدا واحدا الى الحسن بن علي وابنه عليهم‌السلام (٤).

الحسين بن حمدان الحضيني في الهداية : بإسناده عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول ـ وقد ذكر المعلّى بن خنيس ـ فقال : رحم الله المعلّى بن خنيس ، فقلت : يا مولاي ما كان المعلى؟ قال : والله ما نال المعلى من درجتنا الاّ بما نال منه داود بن علي بن عبد الله بن العباس ، قلت : جعلت فداك ، وما الذي يناله من داود ، قال : يدعو به ـ إذا تقلد المدينة

__________________

(١) الاختصاص : ٣٢٣.

(٢) دلائل الإمامة : ١٣٨.

(٣) في الأصل : علينا ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لما في المصدر والمنسجم مع المقام.

(٤) الخرائج والجرائح : ١٦٤.

٣٠١

عليه لعنة الله وسوء الدار ـ ويطالبه بان يثبت له أسماء شيعتنا وأوليائنا ليقتلهم ، فلا يفعل ، فيضرب عنقه فيصلبه.

فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ومتى يكون ذلك؟ قال : من قابل ، قال : فلما كان ولي المدينة داود ، فاحضر المعلّى بن خنيس فسأله عن شيعة أبي عبد الله عليه‌السلام وأوليائه ان يكتبهم ، فقال له المعلى : ما اعرف من شيعته وأوليائه أحدا ، وانّما أنا وكيله ، أنفق على عياله ، واتردّد في حوائجه ، لا اعرف له شيعة ولا صاحبا ، قال : تكتمني امّا ان تقول لي والاّ قتلتك ، فقال له المعلّى : أبالقتل تهدّدني؟ والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ، ولئن قتلتني يسعدني الله ويشقيك ، فأمر به فضربت عنقه ، فصلب على باب [قصر] الامارة.

فدخل عليه أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال : يا داود بن علي قتلت مولاي ووكيلي في مالي ، [وثقتي] (١) على عيالي؟ قال : ما انا قتلته ، قال : فمن قتله؟ قال : ما ادري ، قال الصادق عليه‌السلام : ما رضيت ان قتلته وصلبته حتى تكذب وتجحد ، والله ما رضيت ان قتلته عدوانا وظلما حتى صلبته ، تريد ان تشهره وتنوه بقتله لانه مولاي ، والله انه عند الله لأوجه منك ومن أمثالك ، ولك منزله في النار فانظر كيف تخلص منها ، والله لأدعون عليك فيقتلك كما قتلته ، قال له داود بن علي : تهدّدني بدعائك؟ فاصنع ما أنت صانع ، ادع الله لنفسك فإذا استجاب لك فادع عليّ.

فخرج أبو عبد الله عليه‌السلام من عنده مغضبا ، فلما جنّ [عليه] الليل ، اغتسل ولبس ثياب الصلاة وابتهل الى الله عزّ وجلّ وعلا ، وقال : يا ذا يا ذوي يا ذويه آت اليه سهما من سهامك يفلق قلبه ، ثم قال لغلامه : أخرج

__________________

(١) في الأصل : ونفقتي ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لما في المصدر.

٣٠٢

واسمع الصراخ على داود بن علي ، فرجع الغلام ، فقال : يا مولاي الصراخ عال عليه وقد مات ، فخرّ أبو عبد الله عليه‌السلام ساجدا ، وهو يقول في سجوده : شكرا للكريم شكرا للدائم القائم الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

وأصبح داود ميّتا والشيعة يهرعون الى أبي عبد الله عليه‌السلام يهنّئونه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لقد مات على دين أبي لهب لعنهما الله ، ولقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو دعوت الله لأزال الأرض ومن عليها فأجابني فيه فعجل به الى امّه الهاوية (١).

الى غير ذلك ممّا ورد في هذا الباب ، وتأتي جملة منها أيضا في الموضع الثالث ، وتحصل من جميعها ـ وفيه الصحاح وغيرها المؤيد بها ـ انه من أولياء الله ، وانه من أهل الجنّة ودخلها بعد قتله ، وانه عليه‌السلام كان يحبه ، وانه كان وكيله وقيّمه على نفقات عياله ، ومرّ في (شط) (٢) في ترجمة مصادف ما يتعلّق بهذا المقام ، وانه كان قويّ الإيمان ثابت الولاية مؤثرا نفسه على نفوس اخوانه.

وان الصادق عليه‌السلام ما قنع بقتل قاتله حتى اهتم بالدعاء على الأمر به فأهلكه ، ولم ينقل عنه مثله أو بعضه بالنسبة الى احد من المقتولين من أقاربه فضلا عن غيرهم ، وغير ذلك ممّا يستكشف من تلك الاخبار ويستدلّ بها على وثاقته وجلالته واختصاصه التام به وانه نال درجة ولايتهم.

د ـ ما في التعليقة قال رحمه‌الله : ويظهر من مهج الدعوات لابن طاوس ، وغيره كونه من أشهر وكلاء الصادق عليه‌السلام وأجلّهم ، وانه قتل بسبب ذلك ، وانه كان يجبي الأموال إليه عليه‌السلام انتهى (٣).

__________________

(١) الهداية للحضيني ، مخطوط : ورقة ٥٣ / ب ـ ٥٤ / أ ـ بتصرف ـ وما بين المعقوفتين منه.

(٢) تقدم برقم : ٣٠٩.

(٣) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٣٣٧.

٣٠٣

ولي في استفادة ذلك ممّا في المهج تأمّل يأتي وجهه عند نقله إنشاء الله تعالى.

هـ ـ ما في النجاشي : له كتاب يرويه جماعة (١) ، فإنه من الامارات الجليّة على الاعتماد عليه كما مرّ غير مرّة ويأتي توضيحه ان شاء الله تعالى.

الثاني (٢) : في أسباب قدحه وهي أيضا أمور :

أ ـ ما في النجاشي قال : معلّى بن خنيس مولى الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفي بزّاز ، ضعيف جدا لا يعوّل عليه ، له كتاب. إلى آخره (٣).

ب ـ ما في الغضائري على ما نقله الخلاصة (٤) والنقد : كان أول أمره مغيريّا (٥) ، ثم دعا الى محمّد بن عبد الله النفس الزكية ، وفي هذه الظنّة أخذه داود بن علي فقتله ، والغلاة يضيفون اليه أشياء كثيرة ، ولا ارى الاعتماد على شيء من حديثه (٦).

ج ـ جملة من الروايات ففي الكشي : محمّد بن الحسن البرناني (٧) وعثمان ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٤.

(٢) الثاني : يندرج تحت قوله السابق في صحيفة : ٩٩٠ : (واما المعلى فالكلام فيه في مواضع) ، فراجع.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٤.

(٤) رجال العلامة : ٢٥٩ / ١.

(٥) أي من أصحاب المغيرة بن سعيد لعنه الله الذي كان يدعو لمحمد بن عبد الله بن الحسن في أول أمره ويتعمد الكذب فيدس الأحاديث في كتب أصحاب أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام ، وقد لعنه الامام الصادق عليه‌السلام مرارا. انظر : رجال الكشي ٢ : ٤٨٩ / ٣٩٩ وما بعدها.

(٦) نقد الرجال : ٣٤٩.

(٧) في المصدر : البراثي ، وفي النسخة القديمة منه : البراني ، وقد تكرر مثل هذا السند لدى الكشي في ترجمة حمران بن أعين ١ : ٤١٤ / ٣٠٧ وفيه : محمد بن الحسن البرناني ، وقد علق عليه الامام الراحل السيد الخويي طاب ثراه بقوله : ولا شك في انه من غلط النسخة ، والصحيح :

٣٠٤

قالا : حدثنا محمّد بن يزداد ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحجّال (١) ، عن أبي مالك الحضرمي ، عن أبي العباس البقباق ، قال : تذاكر ابن أبي يعفور ومعلّى ابن خنيس ، فقال ابن أبي يعفور : الأوصياء علماء ابرار اتقياء ، وقال معلّى بن خنيس : الأوصياء أنبياء ، قال : فدخلا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : فلمّا استقر مجلسهما ، قال : فبدأهما أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال : يا عبد الله ابرأ ممّن قال انّا أنبياء (٢).

وعن إبراهيم بن محمّد بن العباس الختلي ، قال : حدثنا احمد بن إدريس القمي المعلّم ، قال : حدثني [محمد بن أحمد] (٣) بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن حفص الأبيض التمّار ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام أيام طلب المعلّى بن خنيس رحمه‌الله ، فقال لي : يا حفص إنّي أمرت المعلّى فخالفني فابتلي بالحديد ، انّي نظرت اليه يوما وهو كئيب حزين ، فقلت : يا معلّى كأنّك ذكرت أهلك وعيالك؟ فقال : أجل ، قلت : ادن مني ، فدنا منّي ، فمسحت وجهه ، فقلت : اين تراك؟ فقال : أراني في أهل بيتي وهو ذا زوجتي وهذا ولدي ، قال : فتركته حتى تملأ منهم ، واستترت منهم حتى نال ما ينال الرجل من اهله ، ثم قلت : ادن مني ، فدنا مني ، فمسحت وجهه ، فقلت : اين تراك؟ فقال : أراني معك في المدينة.

__________________

محمد بن الحسن البرائي بقرينة روايته عن محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين في غير مورد.

انظر معجم رجال الحديث ١٥ : ٢٠١ / ١٠٤٥.

(١) هو عبد الله بن محمد الأسدي الكوفي الحجال يدعى المزخرف المتكلم الثقة كما في كتب الرجال.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٥١٥ / ٤٥٦.

(٣) في الأصل : أحمد بن محمد ، وهو اشتباه ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لما في المصدر وسائر موارده الأخرى في كتب الحديث ، فلاحظ.

٣٠٥

قال : قلت : يا معلّى انّ لنا حديثا من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه ، يا معلّى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ان شاؤا منّوا عليكم وان شاؤا قتلوكم ، يا معلّى انه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه وزوّده القوّة في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضّه السلاح أو يموت بخبل ، يا معلّى أنت مقتول فاستعد (١).

وعن أبي علي احمد بن علي السلولي المعروف بشقران ، قال : حدثنا الحسين بن عبد الله القمي ، عن محمّد بن أورمة ، عن يعقوب بن يزيد ، عن سيف بن عميرة ، عن المفضّل بن عمر الجعفي ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام يوم صلب فيه المعلّى ، فقلت له : يا بن رسول الله ، الا ترى الى هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا؟ قال : وما هو؟ قال ، فقلت : قتل المعلّى بن خنيس ، قال : رحم الله المعلّى ، قد كنت اتوقع ذلك ، لأنه أذاع سرّنا ، وليس الناصب لنا حربا بأعظم مؤنة علينا من المذيع سرّنا ، فمن أذاع سرّنا الى غير اهله لم يفارق الدنيا حتى يعضّه السلاح أو يموت بخبل (٢).

ورواه الصفار في البصائر ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب مثله سواء (٣).

سعد بن عبد الله في كتاب بصائره على ما نقله عنه الشيخ الحسن بن سليمان الحلّي في منتخبه ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عن أبي الربيع الورّاق ، عن بعض أصحابه ، عن حفص الأبيض ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام أيام قتل المعلّى بن خنيس وصلبه ، فقال : يا حفص انّي نهيت المعلّى عن أمر فأذاعه ، فابتلي بما ترى ، قلت له : ان

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٦ / ٧٠٩.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٦٧٨ / ٧١٢ ، باختلاف يسير.

(٣) بصائر الدرجات : ٤٢٣ / ٢.

٣٠٦

لنا حديثا من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه ، ومن اذاعه علينا سلبه الله ، يا معلّى لا تكونوا أسرى في أيدي الناس ان شاؤا منّوا عليكم وان شاؤا قتلوكم ، يا معلّى انه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه ورزقه العزّ في الناس ، يا معلّى من أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضّه السلاح أو يموت بخبل ، انّي رأيته يوما حزينا ، فقلت : ما لك ذكرت أهلك وعيالك؟ فقال : نعم ، فمسحت وجهه ، فقلت : اين تراك؟ فقال : أراني في أهلي مع زوجتي وعيالي ، فتركته في تلك الحال مليّا ، ثم مسحت وجهه ، فقلت : اين تراك؟ فقال : أراني معك في المدينة ، فقلت له : احفظ ما رأيت ولا تذعه ، فقال لأهل المدينة : ان الأرض تطوى لي ، فأصابه ما رأيت (١).

وروى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في الدلائل بإسناده عن محمّد ابن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن حفص الأبيض التمار ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام أيّام صلب المعلّى بن خنيس ، فقال لي : يا حفص إنّي أمرت المعلّى بأمر فخالفني ، فابتلي بالحديد ، انّي نظرت اليه يوما فرأيته كئيبا حزينا ، فقلت له : ادن مني ، فدنا مني ، فمسحت وجهه بيدي ، وقلت له : أين أنت؟ قال : يا سيدي انا في منزلي ، هذه والله زوجتي وولدي ، فتركته حتى قضى وطره منهم [واستترت] (٢) منه حتى نال حاجته من اهله وولده حتى كان منه الى أهله ما يكون من الزوج إلى المرأة ، ثم قلت له : ادن منّي ، فدنا ، فمسحت وجهه ، وقلت له : أين أنت؟ فقال : انا معك في المدينة وهذا بيتك.

فقلت له : يا معلّى انّ لنا حديثا من حفظه علينا حفظه الله وحفظ عليه

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ٩٨ ، باختلاف يسير.

(٢) في الأصل والمصدر : واستقرب ، وما أثبتناه هو الأنسب بالمقام وموافقا لما مر قبل قليل في رواية إبراهيم بن محمد بن العباس الختلي ، فلاحظ.

٣٠٧

دينه ودنياه ، يا معلّى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ان شاؤا منّوا عليكم وان شاؤا قتلوكم ، يا معلّى انه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه وأعزّه في الناس من غير عشيرة ، ومن اذاعه لم يمت حتى يذوق عضّة الحديد وألحّ عليه الفقر والفاقة في الدنيا حتى يخرج منها ولا ينال منها شيئا وعليه في الآخرة غضب وله عذاب اليم ، ثم قلت له : يا معلّى أنت مقتول فاستعد (١).

محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة ، عن عبد الواحد بن عبد الله ، عن احمد بن محمّد بن رباح الزهري ، عن محمّد بن العباس [الختلي] (٢) عن [الحسن] (٣) بن علي بن أبي حمزة البطائني ، عن حفص بن نسيب فرعان (٤) ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام أيّام قتل المعلّى بن خنيس مولاه ، فقال لي : يا حفص حدّثت المعلّى بأشياء فأذاعها فابتلي بالحديد ، انّي قلت له : ان لنا حديثا من حفظه علينا حفظه الله وحفظ عليه دينه ودنياه ، ومن اذاعه علينا سلبه الله دينه ودنياه ، يا معلّى انّه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله

__________________

(١) دلائل الإمامة ١٣٦.

(٢) في الأصل : الجبلي ، وفي المصدر : الحسني ، وفي نسخة منه كما في الأصل ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لرجال العلامة : ٧ / ٢٨ وابن داود : ٣٣ / ٣٣ ، وجامع الرواة ١ : ٣٢ في ضبط اللقب المذكور في ترجمة ابنه إبراهيم الذي مرت روايته قبل قليل ، فراجع.

(٣) في الأصل : الحسين ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لما في المصدر وسائر كتب الرجال ، فلاحظ.

(٤) كذا في الأصل والمصدر ، ولم نجد ذكرا لفرعان هذا في كتب الرجال ، وفي رجال الشيخ : ١٧٦ / ١٨٩ وجامع الرواة ١ : ١٦٤ ومعجم رجال الحديث ٦ : ١٥٩ حفص نسيب بني عمارة.

وفي بعض نسخ رجال الشيخ كما أشير في هامشه ، وكذلك في منهج المقال : ١٢٠ وتنقيح المقال ١ : ٣٥٦ حفص بن نسيب بن عمارة.

أقول : وإسناد الرواية المذكورة فيه احالة ـ من النعماني ـ الى اسناد سابق ذكره قبله بست روايات ، ونقله المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا كاملا ، فلاحظ.

٣٠٨

نورا بين عينيه ورفعه ورزقه العزّ في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضّه السلاح أو يموت متحيّرا (١).

هذا تمام ما وجدناه في كتب الأحاديث ممّا فيه ما يوهم القدح فيه.

الثالث : في الجواب عن تلك الوجوه :

امّا عن الأول فإن النجاشي وان كان أضبط وأتقن ويقدّم قوله عند التعارض مضافا الى تقديم الجرح ، الاّ انّه حيث يلاحظ قوله مع قول الشيخ مثلا من دون النظر الى المرجحات الخارجية ، وامّا في مثل المقام الذي أيّد كلام الشيخ بالأخبار المستفيضة وفيها الصحاح وما في حكمها الصريحة في الموافقة فلا اعتبار بما في النجاشي ، خصوصا بعد ما علم من حاله من قلّة اطّلاعه على الأحاديث ، كما يظهر ذلك ممّا مر في ترجمة جابر الجعفي في (نز) (٢).

وبالجملة فلا يجوز رفع اليد عن الخبر الصحيح وما يقرب منه بقول النجاشي مع عدم ذكره سبب الضعف واحتمال استناده الى ما استند اليه الغضائري الموهون بما يأتي ، مع انّ ظاهر النجاشي والغضائري ضعف المعلّى من أول أمره ، وانه ضعيف في نفسه لا باعتبار ما صدر منه من الإذاعة التي أشير إليها في اخبار القدح ، والاخبار المتقدمة حتى الطائفة الثانية منها متفقة على حسن حاله وأمانته قبلها ، ولا يجوز طرح هذه الاخبار القريبة من التواتر لقولهما المبتلى بالمعارض الموهون بضعف السبب كما يأتي.

واما عن الثاني : اما عن كونه مغيريّا فبعد التسليم فبعدم مضرّيّته لاتفاق الأخبار المتقدمة على إماميته وحسن حاله بعد ذلك ، وكيف يجوّز العاقل ان يكون في أيام خدمته وقيمومته على عياله عليه‌السلام الى آخر عمره من

__________________

(١) غيبة النعماني : ٣٨ / ١٢ وانظر : ٣٦ / ١٢ منه.

(٢) تقدم برقم : ٥٧.

٣٠٩

أصحاب المغيرة الذي تواتر عنه عليه‌السلام لعنه والبراءة منه؟! ومغيريّته قبل ذلك ـ ان صحّت ـ لا تضرّ برواياته بعد رجوعه وتوبته كغيره من الأعاظم الذين زلّوا فثبتوا ، وقفوا ثم رجعوا وهم جمّ غفير.

وامّا عن كونه من دعاة محمّد بن عبد الله فإنه من الأكاذيب الواضحة بعد ملاحظة احاديث العترة الطاهرة ، فروى الصفار في البصائر ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن العيص بن القاسم ، عن المعلّى بن خنيس ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما من نبيّ ، ولا وصيّ ، ولا ملك إلاّ في كتاب عندي ، لا والله ما لمحمّد بن عبد الله بن الحسن فيه اسم (١).

ورواه أيضا ، عن [عبد الله بن جعفر] (٢) عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان مثله (٣).

وعن محمّد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم وجعفر بن بشير ، عن عنبسة ، عن المعلّى بن خنيس ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ أقبل محمّد بن عبد الله [بن الحسن] فسلّم ثم ذهب ، فرّق له أبو عبد الله عليه‌السلام ودمعت عينه (٤) ، فقلت له : لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع ، قال : رققت له ، لانّه ينسب في (٥) أمر ليس له ، لم أجده في كتاب علي عليه‌السلام من خلفاء هذه الأمة ولا من ملوكها (٦).

ورواه ثقة الإسلام في الكافي : عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٨٩ / ٤.

(٢) في الأصل : علي بن إسماعيل ، وهو اشتباه ، وما أثبتناه فمن المصدر.

(٣) بصائر الدرجات : ١٨٩ / ٦.

(٤) عينه : في الأصل والمصدر ، وفي الأول : عيناه ظاهرا ، وما في رواية الكافي ـ الآتية ـ موافق لاستظهاره ، فلاحظ.

(٥) نسخة بدل : الى « منه قدس‌سره ».

(٦) بصائر الدرجات : ١٨٨ / ١.

٣١٠

مثله (١).

وقال رضي الدين علي بن طاوس في مهج الدعوات : وجدت في كتاب عتيق بخطّ الحسين بن علي بن هند ، قال : حدثني محمّد بن جعفر الرزّاز القرشي ، قال : حدثنا محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين ، قال : حدثنا بشر (٢) ابن [حماد] (٣) ، عن صفوان بن مهران الجمّال ، قال : رفع رجل من قريش المدينة من بني مخزوم الى أبي جعفر المنصور ـ وذلك بعد قتله لمحمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ـ إن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام بعث مولاه المعلّى بن خنيس لجباية الأموال من شيعته ، وإنه كان يمدّ عنها (٤) محمّد بن عبد الله ، فكاد المنصور أن يأكل كفّه على جعفر عليه‌السلام غيظا ، وكتب الى عمّه داود بن علي ، وداود إذ ذاك أمير المدينة ، ان يسيّر اليه جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، ولا يرخّص له في التّلوّم (٥) والمقام ، فبعث اليه داود بكتاب المنصور ، وقال له :

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٩٥ / ٥٩٤ ، من الروضة.

(٢) نسخة بدل : بشير « منه قدس‌سره ».

(٣) في الأصل فراغ لم يدرج اسم فيه ، وما أثبتناه من المصدر ، وقد مرت الرواية نفسها في مستدرك الوسائل ٣ : ٥٥ / ٢ (النسخة الحجرية) و١٦ : ٧١ / ١٩١٨٩ (النسخة المطبوعة) وفيها : بشير ابن حماد.

أقول : لم نقف على من ترجم لبشر أو بشير بن حماد في جميع ما لدينا من كتب الرجال ، بل لم نجد له ذكرا في كتب الحديث ، إلاّ ما ذكره المصنف نقلا عن مهج الدعوات ، ولم نظفر برواية واحدة لمحمد بن عيسى عمن سمي ببشر ، نعم له رواية واحدة عن بشير مطلقا من غير تقييد بحماد أو بغيره ، وردت في التهذيب ٧ : ٢٣١ / ١٠٠٨ ، وبشير هذا ـ كما في معجم رجال الحديث ٣ : ٣٢٥ / ١٧٧٢ ـ مشترك بين جماعة ، والتمييز انما هو بالراوي والمروي عنه.

والمتحصل مما تقدم انه بشير لا بشر بقرينة ما في مهج الدعوات والمعجم وان تعذر التمييز ، فلاحظ.

(٤) نسخة بدل : بها ، وهو الصحيح الموافق للمعنى.

(٥) اي الانتظار ، وهو مصدر مأخوذ من تلوّم : اي ثبت وانتظر ، انظر لسان العرب : لوم.

٣١١

اعمل (في) (١) المسير الى أمير المؤمنين في غد ولا تتأخر.

قال صفوان وكنت بالمدينة يومئذ ، فأنفذ اليّ جعفر عليه‌السلام ، فصرت اليه ، فقال لي : تعهّد راحلتنا ، فإنّا غادون في غد إن شاء الله العراق ، ونهض من وقته وانا معه الى مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان ذلك بين الاولى والعصر ، فركع [فيه] (٢) ركعات ، ثم رفع يديه ، فحفظت يومئذ من دعائه عليه‌السلام يا من ليس له ابتداء ، الدعاء.

قال : فلمّا أصبح أبو عبد الله عليه‌السلام ، رحلت له الناقة وصار متوجّها الى العراق حتى قدم مدينة أبي جعفر واقبل حتى أستأذن فأذن له ، قال صفوان : فأخبرني بعض من شهد عند أبي جعفر ، فلما رآه أبو جعفر قرّبه وأدناه ، ثم استدعى قصّة الرافع على أبي عبد الله عليه‌السلام ، يقول في قصّته :

إنّ معلّى بن خنيس مولى جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يجبي له الأموال من جميع الآفاق ، وانه مدّ بها محمّد بن عبد الله ، فدفع إليه القصّة ، فقرأها أبو عبد الله عليه‌السلام ، فأقبل إليه المنصور ، وقال : يا جعفر بن محمّد ما هذه الأموال التي يجبيها لك معلّى بن خنيس؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : معاذ الله من ذلك يا أمير المؤمنين ، قال له : تحلف على براءتك من ذلك؟ قال : نعم احلف بالله انه ما كان من ذلك شيء (٣). إلى آخر ما تقدّم في كتاب الأيمان في باب جواز استحلاف الظالم بالبراءة من حول الله وقوته (٤).

__________________

(١) في نسختنا من المصدر : اعمد على ، وفي الأصل : له في ، وحذفنا (له) لعدم مناسبتها المقام لا سيما بعد التصريح اللاحق بقوله : الى أمير. ، فلاحظ.

(٢) ما أثبتناه من المصدر.

(٣) مهج الدعوات : ١٩٨ ، باختلاف يسير.

(٤) مستدرك الوسائل ٣ : ٥٥ / ٢.

٣١٢

وفي آخر الخبر : إنّ المنصور احضر القرشي النّمام الساعي ، فأحلفه أبو عبد الله عليه‌السلام بهذه اليمين ، فلم يستتم الكلام حتى أجذم وخرّ ميّتا ، فراع أبو جعفر ذلك وارتعدت فرائصه ، فقال : يا أبا عبد الله سر من غد الى حرم جدّك ان اخترت ذلك ، وإن اخترت المقام عندنا لم نأل في إكرامك وبرّك ، فو الله لا قبلت عليك قول احد بعدها ابدا (١).

والعجب ان المنصور عرف كذب القرشي الخزومي والغضائري صدقه في ما نسب الى المعلّى وأثبته في كتابه والقى العلماء في مهلكة سوء الظن به! وممّا يزيد في توضيح هذا الكذب الصريح ، إنّ أبا الفرج الأصفهاني الخبير بفنون التواريخ قد استقصى في مقاتل الطالبيين كلّ من كان مع محمّد قتل أو لم يقتل ، وشرح حال محمّد من أوّله الى آخره (٢) ، وليس لمعلّى ذكر في كتابه أصلا ، ولا يمكن عادة اطّلاع الغضائري عليه وخفاءه على مثل أبي الفرج المتقدم عليه.

وممّا يؤيّده أيضا ما رواه الطبرسي في الاحتجاج ، عن ابن أبي يعفور (٣) ، قال : لقيت أنا ومعلّى بن خنيس الحسن (٤) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، فقال : يا يهودي فأخبرنا بما قال [فينا] (٥) جعفر بن

__________________

(١) مهج الدعوات : ٢٠٠.

(٢) مقاتل الطالبين : ٢٣٢.

(٣) في المطبوع من المصدر : عن أبي يعقوب ، وهو الأسدي ، امام بني الصيد الكوفي ، من أصحاب الصادق عليه‌السلام. رجال الشيخ : ٣٣٩ / ٢٥ ، وفي النسخة الخطية التي بأيدينا منه : عن ابن أبي يعفور ، وهو عبد الله بن أبي يعفور ، يكنى أبا محمد من أصحاب الصادق عليه‌السلام.

ورجال الشيخ : ٢٢٣ / ١٥ و٢٦٤ / ٦٧٧ ، وكلاهما من طبقة المعلى بن خنيس ، فلاحظ.

(٤) في المصدر : الحسن بن الحسن بن علي ، وفي الأصل زيد عليه : الحسن ، وكتب فوقه لفظ : ظاهرا ، وهو الصحيح الموافق لما في مقاتل الطالبين : ١٨٥ وسائر كتب الرجال ، فلاحظ.

(٥) ما أثبتناه بين المعقوفين من المصدر.

٣١٣

محمّد عليهما‌السلام ، فقال [عليه‌السلام] : هو والله أولى باليهودية منكما ، إنّ اليهودي من شرب الخمر (١).

وبهذا الاسناد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : لو توفّى الحسن بن الحسن بالزنا والربا وشرب الخمر كان خيرا [له] ممّا توفي عليه (٢).

وروى الصفار في البصائر : عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن سعيد ، قال : كنت قاعدا عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده أناس من أصحابنا ، فقال له معلّى بن خنيس : جعلت فداك ما لقيت من الحسن بن الحسن؟ ثم قال له الطيار (٣) : جعلت فداك بينا أنا أمشي في بعض السكك إذ لقيت محمّد بن عبد الله بن الحسن على حمار حوله أناس من الزيديّة ، فقال لي : أيّها الرجل اليّ اليّ ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله ، من شاء اقام ومن شاء ظعن ، فقلت له : اتّق الله ولا يغرنك هؤلاء الذين حولك.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام للطيار : فلم تقل له غيره؟ قال : لا ، قال : فهلا قلت له : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك والمسلمون مقرّون له بالطاعة ، فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووقع الاختلاف انقطع ذلك ، فقال محمّد بن عبد الله بن علي : العجب لعبد الله بن الحسن انه

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ : ٢٧٤.

(٢) الاحتجاج : ٢ : ٣٧٥ ، وما بين المعقوفين منه.

(٣) الطيار : لقب لمحمد بن عبد الله الكوفي مولى فزارة ، من أصحاب الباقر والصادق ٨ ، رجال الشيخ : ١٣٥ / ٧ و٢٩٢ / ١٩٤ ومعجم رجال الحديث ١٦ : ٢٥٦ و٢٣ :١١٩ ولابنه حمزة أيضا كما في رجال الشيخ : ١١٧ / ٤٥ و١٧٧ / ٢٠٩ ومعجم رجال الحديث ٦ : ٢٦٩ و٢٧٧ و٢٧٨ ، والظاهر من الكشي ان اللقب المذكور ينصرف عند الإطلاق إلى الأب دون الابن ، انظر رجال الكشي ٢ : ٦٣٧ الأحاديث من ٦٤٨ إلى ٦٥٣.

٣١٤

يهزأ ويقول : انّ هذا في جفركم الذي تدعون!

قال : فغضب أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال : العجب لعبد الله بن الحسن يقول : ليس فينا امام صدق! ما هو بإمام ولا أبوه كان اماما ، يزعم ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام لم يكن اماما ، ويردّد ذلك ، وامّا قوله في الجفر ، فإنّما هو جلد ثور مذبوح كالجراب فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال أو حرام ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخطّ علي عليه‌السلام بيده ، وفيه مصحف فاطمة عليها‌السلام ، ما فيه آية من القرآن ، وان عندي خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودرعه وسيفه ولواءه ، وعندي الجفر على رغم أنف من زعم (١).

وفي الكافي : عن حميد بن زياد ، عن [أبي العباس] عبيد الله بن احمد الدهقان (٢) عن علي بن الحسن الطاطري ، عن محمّد بن زياد بياع السابري ، عن ابان ، عن صباح بن سيابة ، عن المعلّى بن خنيس ، قال : ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد الى أبي عبد الله عليه‌السلام حين ظهرت المسودة (٣) قبل أن يظهر ولد العباس ، بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الأمر إليك فما ترى؟ قال : فضرب بالكتب الأرض ، ثم قال : أفّ أفّ ما أنا لهؤلاء بإمام ، أما يعلمون إنّه إنّما يقتل السفياني (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٧٦ / ١٥.

(٢) الدّهقان والدّهقان : التاجر ، فارسي معرب. لسان العرب : دهق.

أقول : استظهر المجلسي انه عبيد الله احمد بن نهيك المكنى بابي العباس أيضا الذي روي عنه كتبه حميد بن زياد ، ولكنه غير مشهور بالدهقان ، والمشتهر به هو عبيد الله بن عبد الله الدهقان الذي مرت رواياته في مستدرك الوسائل ١ : ٤١٥ / ١٠٣٤ و٨ : ٣٨٢ / ٩٧٤٤ و٧ : ٢٨٩ / ٢١٣٧٥ ، انظر : مرآت العقول ٢٦ : ٤٨١.

(٣) المسودة : هم أصحاب أبي مسلم المروزي ، سموا بذلك لأنهم كانوا يلبسون السواد. مرآة العقول ٢٦ : ٤٨٢ ، وهامش الأغاني ١٧ : ٣٣٠.

(٤) الكافي ٨ : ٣٣١ / ٥٠٩ ، من الروضة.

٣١٥

فليتأمّل المنصف في هذه الاخبار الناصّة على إن المعلّى من خاصّته عليه‌السلام وأصحابه عليه‌السلام ومن أعداء بني الحسن ، وإنّهم كانوا يؤذونه لاتصاله به عليه‌السلام ، وإنّه كان مطلعا على فساد معتقدهم وراويا له ، وإنه كان معه عليه‌السلام ومن خدمه قبل ظهور بني العباس الى أن قتل ، وكان ظهور محمّد بعدهم وقد صدر منه بالنسبة الى أبي عبد الله عليه‌السلام من الشتم والإهانة والحبس ما هو مسطور في الكافي (١) وغيره ، ومع ذلك يكون خادمه القيّم على عياله من دعاة محمّد ومعينة ، هذا ممّا تضحك منه الثكلى.

ومن هنا يظهر كذب نسبة المغيريّة إليه أيضا فإنّهم من اتباع محمّد كما نصّ عليه الشيخ الأقدم أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب الفرق والمقالات ، فقال بعد ذكر فرق الزيدية : وامّا المغيريّة أصحاب المغيرة بن سعيد فإنّهم نزلوا معهم الى [القول بإمامة] محمّد بن عبد الله بن الحسن وتولّوه وأثبتوا إمامته ، فلمّا قتل صاروا لا امام لهم ولا وصي ، ولا يثبّتون لأحد امامة بعده ـ الى ان قال ـ : ونصب بعض أصحاب المغيرة المغيرة اماما وزعم ان الحسين بن علي (عليهما السّلام) اوصى اليه ، ثم اوصى اليه علي بن الحسين عليهما‌السلام ، ثم زعم ان أبا جعفر محمّد بن علي عليه وعلى آبائه السلام اوصى اليه فهو الإمام الى أن يخرج المهدي ، وأنكروا امامة أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، فقالوا : لا امامة في بني علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعد أبي جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام ، وإنّ الإمامة في المغيرة بن سعيد الى خروج المهدي ، وهو عندهم محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه‌السلام ، وهو حيّ لم يمت ولم يقتل ، فسمّوا هؤلاء المغيريّة باسم المغيرة بن سعيد مولى خالد بن عبد الله القسري.

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٣١ / ٥٠٩ ، من الروضة.

٣١٦

ثم تراقى الأمر بالمغيرة الى أن زعم أنّه رسول نبيّ ، وأن جبرئيل يأتيه بالوحي من عند الله ، فأخذه خالد بن عبد الله القسري ، فسأله عن ذلك ، فأقرّ به ، ودعى خالد اليه ، فاستتابه خالد ، فأبى ان يرجع عن قوله ، فقتله وصلبه ، وكان يدّعي أنه يحيي الموتى ، وقال بالتناسخ ، وكذلك قول أصحابه إلى اليوم ، انتهى (١).

وإذ ثبت فساد مقالة الغضائري في المقامين يظهر لك فساد مقالته الثالثة ، وهي قوله : وفي هذه الظنّة. إلى آخره ، مضافا إلى صريح الأخبار السابقة من انّ السبب (٢) طلبه من المعلّى ثبت أسماء شيعة أبي عبد الله عليه‌السلام ومحبّيه وآبائه عن ذلك.

وامّا قوله : والغلاة يضيفون. إلى آخره ، فجوابه عدم ثبوت قدح له في ذلك بعد الحكم بكذبهم ، فإنّهم يضيفون الى أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا ما لا يجوّزه المسلم وكذا الى بعض الأئمة عليهم‌السلام ، هذا إن أراد من الغلاة الصنف المعروف الذي شرحناه في ترجمة سهل (٣) ، وإن أراد غلاة القميين ، فينبغي عدّه في أسباب مدحه بل جلالته وعلوّ مقامه.

ومن جميع ذلك صحّ لنا ان نقول ـ بعد قوله : ولا ارى ان الاعتماد على شيء من حديثه ـ خلافا لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، حيث اعتمد عليه في سنين عديدة في إنجاح مآربه ومصارف عياله وإرساله إلى أصحابه وإرسال أصحابه عليه‌السلام إيّاه اليه ، وخلافا له عليه‌السلام في عدّه من شيعته وأنسه عليه‌السلام به ومحبّته له وجوابه عن كل ما كان يسأله.

__________________

(١) فرق الشيعة : ٥٩ ـ ٦٣ ، وما بين المعقوفتين منه.

(٢) اي : ان السبب في استدعائه ثم قتله من قبل داود بن علي هو طلبه من المعلى. إلى آخره.

(٣) تقدم في الرقم : ٣٠٥.

٣١٧

وفي الكافي في باب سيرة الإمام عليه‌السلام في نفسه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن المعلّى بن خنيس ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ذكرت آل فلان (١) وما هم فيه من النعيم فقلت : لو كان هذا إليكم لعشنا معكم ، فقال : هيهات يا معلّى ، والله [أن لو] (٢) كان ذلك ما كان إلاّ سياسة الليل وسياحة النهار ولبس الخشن وأكل الجشب ، فزوي ذلك عنّا ، فهل رأيت ظلامة قطّ صيّرها الله نعمة إلاّ هذه؟! (٣).

وفي إقبال السيد علي بن طاوس بإسناده عن محمّد بن علي الطرازي فيما ذكره في كتابه عن أبي الفرج محمّد بن موسى القزويني الكاتب رحمه‌الله ، قال : أخبرني أبو عيسى محمّد بن احمد بن محمّد بن سنان ، عن أبيه ، عن جدّه محمّد ابن سنان ، عن يونس بن ظبيان ، قال : كنت عند مولاي أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل علينا المعلّى بن خنيس في رجب ، فتذاكروا الدعاء فيه ، فقال المعلّى : يا سيّدي علّمني دعاء يجمع كلّ ما أودعته الشيعة في كتبها فقال عليه‌السلام : قل يا معلّى :

اللهم إنّي أسألك صبر الشاكرين لك. الدعاء ، ثم قال : يا معلّى والله لقد جمع لك هذا الدعاء ما كان من لدن إبراهيم الخليل عليه‌السلام الى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

__________________

(١) يريد بآل فلان : بني العباس.

(٢) في الأصل : لو أنّ ، وما أثبتناه هو الصحيح الموافق للمصدر و(أن) زائدة لربط جواب القسم بالقسم ، و(كان) تامة.

وانظر مرآة العقول ٤ : ٣٦٢ / ٢.

(٣) أصول الكافي ١ : ٣٣٩ / ٢.

(٤) إقبال الأعمال : ٦٤٣.

٣١٨

وقال الشيخ في المصباح : وروى المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قل في رجب : اللهم انّي. إلى آخره (١).

وله في باب حقوق المؤمن حديث معروف رواه أكثر المشايخ ، وفي لفظ الكافي ، قال : قلت له ـ يعني الصادق (عليه‌السلام) ـ : ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال : له سبع حقوق واجبات ، ما منهن حقّ الاّ وهو عليه واجب ، ان ضيّع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب ، قلت له : جعلت فداك وما هي؟ قال : يا معلّى انّي عليك شفيق ، أخاف ان تضيّع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل ، قال : قلت : لا قوّة إلاّ بالله ، الخبر (٢).

الى غير ذلك ممّا يوجب نقله الملال ، وقد مرّ غير مرّة جواز الاستشهاد بأمثال هذه الاخبار ممّا يكون فيها الراوي ناقلا لمدحه خصوصا إذا صحّ السند الى احد من أصحاب الإجماع ، وقد صرّح بذلك الأستاد الأكبر في مواضع من التعليقة (٣).

واما الجواب عن الثالث : امّا عن الخبر الأول ، فالظاهر بل المقطوع انّه كان بينهما بحث علمي من دون اعتقاد كما يتفق ذلك كثيرا بين المتصاحبين اللذين منهما ابن أبي يعفور والمعلّى ، كما يظهر من مطاوي ما مرّ ولو كان عن اعتقاد لقال عليه‌السلام ابرأ منه ولأمره عليه‌السلام بالرجوع واستتابه ، ولتبرأ منه لو أصرّ ، وما كان ليستخدمه ، كلّ ذلك لم يكن ، ويشهد لذلك كثير ممّا روي عنه في كتاب الحجّة.

وامّا عن سائر الأخبار فبان حاصل مضمونها بعد التأمل وتقييد

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧٣٨.

(٢) أصول الكافي ٢ : ١٣٥.

(٣) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٦٧٩.

٣١٩

مطلقاتها ، انه أذاع ما رآه وفعل به الامام عليه‌السلام من طيّ الأرض من المدينة إلى الكوفة ، ومنها إليها ، وقد مرّ في ترجمة معروف (١) ، ان الإذاعة كانت من الأمراض العامّة بين خواص أصحابهم عليهم‌السلام فضلا عن غيرهم ، وبعد تسليم قدحها في الوثاقة ، فإنّما كانت في آخر عمره فلا تضرّ بأحاديثه السابقة.

وفي تحرير الطاووسي ـ بعد نقل جملة من اخبار المدح والقدح ، والحكم بضعف بعض أسانيدها ، والتأمّل في بعض آخر ـ ما لفظه : والذي ظهر لي ، أنّه من أهل الجنّة والله الموفق (٢).

وقال الشارح التقي : والظاهر إنّ هتك السرّ كان إظهار معجزته كما ظهر من خبر حفص (٣) ، والنهي إرشادي يتعلّق بالأمور الدنيوية ، وصار سببا لعلوّ درجاته رضي الله تعالى عنه ، ولعن الله قاتله الدوانيقي واتباعه ، فانظر ايّها المنصف انه أي أشياء نسبت اليه وهو في أيّ مرتبة! والذي حصل لي من التتبع التام ، وعسى ان يحصل لك ما حصل لي ، إنّ جماعة من أصحاب الرجال رأوا أنّ الغلاة نسبوا إلى جماعة أشياء ترويجا لمذاهبهم الفاسدة ، كجابر ، والمفضل بن عمر ، والمعلّى وأمثالهم وهم بريئون ممّا نسب إليهم ، فرأوا أن يضعّفوا هؤلاء كسرا لمذاهبهم الباطلة حتى لا يمكنهم الزامنا بأخبارهم ـ الى ان قال ـ : فتدبّر حتى يحصل لك العلم كما حصل لي ، ولا تجتر بجرح الفحول من أصحاب الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، وقرينة الوضع عليهم دون غيرهم أنّهم كانوا من أصحاب الاسرار ، وكانوا ينقلون معجزاتهم ، فكانوا يضعفون عليهم ، والجاهل بالأحوال لا يستنكر ذلك كما تقوّل : أنّ المعلّى كان يقول إنّ

__________________

(١) تقدم برقم : ٣١٦.

(٢) التحرير الطاووسي : ٢٨٣.

(٣) هو حفص الأبيض التمار ، وقد تقدم الخبر.

٣٢٠