تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-73-8
الصفحات: ٧٤٨

وإنما نقلناه بطوله لأنه في تثليثه كالتفسير للفرق الثلث المذكورة في هذه السورة الشريفة مع ما فيه من الإشعار بأن المخالف يسمّى ضالّا ما لم يكن من أهل الجحود والنصب والعداوة ، وانّ نسبتهم إلى الضلال إنّما استفيد من خبر الثقلين المتواتر بين الفريقين بل المتلقى عندهم بالقبول من غير شك ودين ، وقضيّة ذلك التزامهم بضلالتهم حسب ما تأتي الإشارة اليه.

وأمّا ما رواه في الكافي أيضا عن مولينا الصادق عليه‌السلام في قوله : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (١) : قال : الفواحش الزنا والسرقة واللمم الرجل يلمّ بالذنب فيستغفر الله منه ، فلت : بين الضلال والكفر منزلة؟ فقال ما أكثر عرى الإيمان (٢).

فلعلّ الظاهر أنّ المراد الإشارة إلى التثليث المتقدم ، فالمنزلة افتراق كلّ من الضلال والكفر عن الآخر ، أو إلى وسعة مقام الضلالة وكثرة أفرادها ، فالمنزلة بين أول الضلالة والكفر بسائر افراد الضلالة ، ولذا أشار إلى كثرة عرى الايمان ، فإنّ انقطاع كلّ عروة منها ضلالة وإن لم يكن كفرا فتشمل جميع المذاهب الّتي افترقت عليها أمّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الفرقة المحقّة الاماميّة الاثنى عشرية الذين هم مع الايمان والايمان معهم.

بقي في المقام وجوه أخر في بيان المراد من الفريقين مثل أن يكون المراد بالمغضوب عليهم المتمسّكين بالظاهر مع رفض الباطن رأسا ، وبالضالّين العكس ، ولذا فسر الاول باليهود والثاني بالنصارى ، وهما مشتركان في الانحراف عن الحق ، إذ لا يكون ظاهر إلّا بالباطن ولا باطن إلّا بالظاهر كما في الخبر ولذا قال : (وَذَرُوا

__________________

(١) النجم : ٢٢.

(٢) الكافي : ج ٢ / ٤٤٢ ح ٣.

٧٠١

ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (١).

وفي الخبر عن الصادق عليه‌السلام : إنّ قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء ، وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئا فلا إيمان بظاهر إلّا بباطن ، ولا بباطن إلّا بظاهر (٢).

أو أنّ المغضوب عليهم هم الذين خرجوا إلى الظلمة من النور بعد الشهود والحضور ، وأهل الضلال هم الذين أخطئوا الطريق بالاشتغال بالفسق والفجور.

أو الغضب لأهل الإلحاد والعصبيّة والعناد لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) (٣) والضلال لأهل التقليد والإتّباع لقوله : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (٤).

أو الغضب الكفار والضلال للفساق والفجّار.

أو الغضب لأهل البدع المنحرفين في العلم والضلال للعصاة المخالفين في العمل.

أو الغضب لمن اتّبع القوى الغضبية السبعية ، والضلال لمن انهمك في متابعة الشهوة البهيميّة ، إلى غير ذلك من الوجوه الّتي مرجعها إلى ما سمعت من اشتراك الفرقتين في الانحراف عن متابعة من جعله الله سبيلا إلى معرفته ووسيلة إلى مرضاته وهو النبأ العظيم ، والصراط المستقيم ، وقسيم النعيم والجحيم ، وإنّه في امّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم.

__________________

(١) الانعام : ١٢٠.

(٢) بصائر الدرجات ص ١٥٧ وعنه البحار ج ٢٤ ص ٣٠٢ ح ١١.

(٣) الشورى : ١٦.

(٤) الأحزاب : ٦٧.

٧٠٢

تبصرة وإستبصار لمن أراد حسن الإختيار

إذا شئت أن تختر لنفسك مذهبا

ينجيك يوم الحشر من لهب النّار

فدع عنك قول الشافعي ومالك

وأحمد والمرويّ عن كعب أحبار

ووال أناسا قولهم وحديثهم

روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري

ولقد أجاد من قال :

ذا كان كلّ الناس سبعين فرقة

ونيفا كما قد جاء في واضح النقل

ولم يك منهم ناجيا غير فرقة

فما ذا ترى يا ذا البصيرة والعقل

أفي الفرقة النّاجين آل محمد

أم الفرقة الهلّاك أيّهما قل لي

رضيت عليّا لي إماما وسيّدا

وأنت من الباقين في سائر الحلّ

اعلم أنّ جميع الفرق المتقدّمة من المسلمين روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باختلاف النقلة وتشابه العبارة أنّه قال : ستفترق أمّتي على ثلاثة وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية ، والباقي في النار.

ففي أمالى الطوسي عن مولينا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال لرأس اليهود : على كم افترقتم؟ فقال : على كذا وكذا فرقة ، فقال عليّ عليه‌السلام كذبت.

ثمّ أقبل على الناس وقال : والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم ، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة سبعون منها في النار ، وواحدة منها في الجنّة ، وهي الّتي اتّبعت يوشع بن نون ، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ، إحدى وسبعون في النار ، وواحدة منها في الجنّة وهي التي اتّبعت شمعون وصيّ عيسى عليه‌السلام ، وتفترق

٧٠٣

هذه الامّة على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون فرقة في النار ، وواحدة في الجنة وهي الّتي اتبعت وصيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضرب بيده على صدره ، ثمّ قال ثلاث عشر فرقة من الثلاث وسبعين فرقة كلّها تنتحل مودّتي وحبّي واحدة منها في الجنة ، وهم النّمط الأوسط ، واثنتى عشرة في النار (١).

بل ورد من طريق العامة أيضا فعن موفق بن أحمد من علمائهم بالإسناد عن زاذان عن عليّ عليه‌السلام قال تفترق هذه الامّة على ثلاث وسبعين فرقة ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنّة وهم الذين قال الله عزوجل في حقّهم : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٢) وهم انا وشيعتي (٣).

وهو كما ترى مشتمل على تعيينه ، بل قد رووا هذه الرواية بطرق عديدة وفي آخرها : وهي أى الواحدة الناجية الّتي تتبع وصيّي عليّا.

وروى الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الّذى استخرجه من التفاسير الاثنى عشر الّتي هي لأبي يوسف يعقوب بن سفيان ، وابن جريح ، ومقاتل بن سليمان ، وكيع بن جراح ، ويوسف بن موسى القطان ، وقتادة ، وأبى عبيدة القاسم بن سلام ، وعلىّ بن حرب الطائي ، والسدّى ومجاهد ، ومقاتل بن حيّان ، وأبى صالح ، وكلهم من جمهور المخالفين ، عن أنس بن مالك قال كنّا جلوسا عند رسول الله فتذاكرنا رجلا يصلّى ويصوم ويتصدّق ويزكّى فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أعرفه ، فقلنا يا رسول الله انّه يعبد الله ويسبّحه ويقدّسه ويوحّده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أعرفه ، فبينا نحن في ذكر الرجل إذ قد طلع علينا فقلنا هو ذا فنظر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لأبى بكر : خذ سيفي هذا وامض إلى هذا الرجل واضرب

__________________

(١) الاحتجاج ص ١٤٠ ـ ١٤١ وعنه البحار ج ٢٨ ص ٤ ـ ٥ ح ٥.

(٢) الأعراف : ١٨١.

(٣) المناقب للخوارزمي ص ٣٣١ ح ٣٥١ وعنه ينابيع المودّة ج ١ ص ٣٣٧.

٧٠٤

عنقه ، فإنّه أوّل من يأتيه حزب الشيطان فدخل ابو بكر المسجد فرآه راكعا فقال والله لا اقتله ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهانا عن قتل المصلّين فرجع الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله انّي رايته يصلّى فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجلس فلست بصاحبه ، قم يا عمر فخذ سيفي من يد أبى بكر وادخل المسجد واضرب عنقه ، قال عمر : فأخذت السيف من يد ابى بكر ودخلت المسجد فرأيت الرجل ساجدا فقلت والله لا أقتله فقد استامنه من هو خير منّى ، فرجعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت يا رسول الله إنّى رأيت الرجل ساجدا ، فقال يا عمر اجلس فلست بصاحبه ، قم يا على فانك أنت قاتله إن وجدته فاقتله فإنك إن قتلته لم يقع بين أمّتي اختلاف أبدا قال عليّ عليه‌السلام فأخذت السيف ودخلت المسجد فلم أره ، فرجعت إلى رسول الله عليه‌السلام وقلت يا رسول الله ما رأيته ، فقال لي يا أبا الحسن إنّ أمّة موسى افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية ، والباقون في النار فقلت : يا رسول الله وما الناجية فقال المتمسك بما أنت عليه وأصحابك ، فأنزل الله تعالى في ذلك الرجل (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) (١) يقول : هذا أول من يظهر من أصحاب البدع والضلالات ، قال ابن عباس والله ما قتل ذلك الرجل إلّا أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم صفين (٢).

قلت فانظر إلى هذا الخبر الذي رواه غير واحد من الجمهور المصرّح بمخالفتها للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أمر هما به في مثل هذا الأمر الذي صار سببا لافتراق الامّة فكأنّهما صارا سببين لضلالتها وارتدادها عن طريق الهدى بمخالفتهما له في حيوته وبعد وفاته.

ولذا جعل علامة الفرقة الناجية مشايعة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه والتمسّك

__________________

(١) الحج : ٩.

(٢) صوابه يوم النهروان.

٧٠٥

بما هم عليه في الأصول والفروع (١).

ثمّ إنّ هذه الأخبار المرويّة من الطريقين ما بين مصرّح بأنّ الفرقة الناجية هي الإمامية حسب ما سمعت ، وبين مطلق لها إلّا أنّه على فرضه يستفاد التعيين أيضا من خبر صحيح متفق على نقله وصحته بين الفريقين ، وهو قوله عليه‌السلام : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق ، ولا ريب أنّ الإماميّة هم المختصون بركوب هذه السفينة فإنّهم لا يرجعون في شيء من أحكامهم ومذهبهم إلّا إلى أهل البيت عليهم‌السلام كما أنّ غيرهم من الفرق يرجعون إلى غيرهم كأصحاب أبى حنيفة ، وأصحاب الشافعي ، ومالك ، واحمد ، وغيرهم.

مضافا إلى أنّ المحكي عن أفضل المتأخرين نصير الملّة والحقّ والدين الطوسي عطّر الله مرقده أنّه باحث أصحاب المذاهب فاستدلّ بالخبر على أنّ الناجية هي الإماميّة ، قال وذلك أنّي وقفت على جميع المذاهب أصولها وفروعها فوجدت من عدا الإماميّة مشتركين في الأصول المعتبرة في الايمان وان اختلفوا في أشياء يساوي إثباتها نفيها بالنسبة إلى الإيمان.

ثمّ وجدت أنّ طائفة الإماميّة هم يخالفون الكل في أصولهم ، فلو كانت فرقة ممّن عدهم ناجية لكان الكلّ ناجين فيدل على أنّ الناجية هم الإمامية لا غير.

أقول : ولعلّ الظاهر من كلامه نوع الإعتقادات الاصولية المرتبطة بالايمان كالجبر ، والتفويض ، والقدر ، والرؤية ، والصفات ، والأحوال ، وغيرها ممّا ستسمع إليها الاشارة بل يكفى في ذلك خصوص مسألة الإمامة.

ولذا قد يقال في تحرير كلامه : أنّ جميع الفرق متّفقون على أنّ مناط النجاة ودخول الجنّة هو الإقرار بالشهادتين وخالفهم الإماميّة في ذلك وقالوا لا بدّ من ضمّ

__________________

(١) نفحات اللاهوت لعلى بن عبد العال الكركي ص ٨٦ ط الغري وعنه إحقاق الحق ج ٧ ص ١٨٥.

٧٠٦

ولاية أهل البيت والبرائة من أعدائهم وهي الّتي يدور عليها النجاة والهلاك في الاخرة ، لا خصوص الحكم بالإسلام والكفر في الدنيا ، فإنّه من الأحكام الظاهرة الّتي قد شرعت تسهيلا على أهل الحق.

وامّا ما يقال من أنه لو أريد الخلود فيها هو خلاف الإجماع ، فإنّ المؤمنين لا يخلدون فيها وإن أريد مجرد الدخول فهو مشترك بين الفرق إذ ما من فرقة إلّا وبعضها عصاة ، والقول بأنّ معصية الفرقة الناجية مغفورة بعيد جدّا ، ولا يبعد أن يكون المراد استقلال مكثهم في النار بالنسبة إلى سائر الفرق ترغيبا في تصحيح الاعتقاد.

ففيه أنّ عدم خلود المؤمنين وإن كان مسلما إلّا أنّ إيمان من عدا الفرقة الناجية ممنوع كيف وقد أطبقت الطائفة الحقّة على عدم إيمان من سويهم وانّ الولاية من شرائط الإيمان والركن الأعظم الذي عليه‌السلام من غير عكس.

مضافا إلى انفرادهم النصّ والعصمة وعدم انقطاع الحجّة وغير ذلك من الأصول الّتي انفردت بها من بين الفرق.

هذا كلّه مع الغضّ عن الوجوه المشخصة الخارجة الّتي منها خبر السفينة ، وخبر الثقلين اللذين مرّت إليهما الاشارة في المقدمات.

وامّا ما وقع في كلامه استبعاد الغفران لمعاصى الفرقة الناجية فهو أولى بالاستبعاد ، بل المرجوّ من فضلهم ذلك كيف وقد وعدنا الله تعالى على لسان أوليائه وهو لا يخلف الميعاد ، وقد ورد به أخبار مستفيضة بل متواترة متضمّنة لبذلهم حسناتهم لشيعتهم ، وأنّ الله تعالى أعطاهم الوسيلة والفضيلة والشفاعة لأصحاب الكبائر من شيعتهم ، وأنّ الله تعالى قد قال إنّي غفرت لشيعة علي ومحبيه ذنوبهم جميعا ، وأنّ الله تعالى يبتلي شيعتهم بالسّقم ، والفقر ، والعاهة ، والذّلة في أهلهم ومالهم كفّارة لما اقترفوه من الذنوب الموبقة ، حتّى أنّ منهم من يشدّد عليه خروج

٧٠٧

نفسه كى يلقى الله تعالى حين يلقاه وهو عنه راض.

بل روى ابن المغازلي الشافعي بالإسناد عن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ثمّ التفت إلى علي عليه‌السلام فقال هم من شيعتك وأنت إمامهم (١).

وقال اخطب خوارزم في فضائله وابن حجر في صواعقه بالإسناد إلى بلال بن حمام قال طلع علينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجهه مشرق كدائرة القمر فقام اليه عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ما هذا النور؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي فاطمة ان الله تعالى زوّج عليّا (٢) من فاطمة ، وامر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقا يعنى صكاكا بعدد محبّى أهل بيتي وأنشأ من تحتها ملئكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكا فإذا استوت القيمة بأهلها نادت الملئكة في الخلائق فلا تلقى محبّا لنا أهل البيت الّا دفعت إليه صكّا فيه فكاكه من النار (٣).

الى غير ذلك مما تسمع في موضع أليق الإشارة إليها وإلى الجمع بينها وبين آيات الوعيد وأخباره حتى بالنسبة إلى المعنى العامّ للشيعة.

نعم ينبغي أن يعلم أنّ خبر الإفتراق قد رواه أصحاب جميع المذاهب ، وأنّ كثيرا من العامّة والخاصّة قد شمّروا عن ساق الجدّ والاجتهاد لتكميل ما ذكره عليه‌السلام في الخبر من الأعداد فإنّ الاختلافات الكليّة لا تبلغ هذا العدد ، والجزئيّة تجاوزها ، ولذا ترى كثيرا منهم قد التجاء إلى عدّ الاختلاف الواقع في الجبر والإختيار والتفويض وغيرها من فروع الأصول ، بل في بعض الأصول الكلامية من المذاهب

__________________

(١) المناقب لابن المغازلي ص ٢٩٣ ح ٣٣٥ وعنه ينابيع المودة ج ١ ص ٣٧٤ وفي آخره : التفت الى علي عليه‌السلام وقال : هم الذين جاهدوا وامامهم هذا.

(٢) في ينابيع المودّة : إن الله تبارك وتعالى زوّج فاطمة بعليّ.

(٣) الينابيع ج ٢ ص ٣٣٤.

٧٠٨

الثلاث والسبعين وأهمل كثيرا من الاختلافات الراجعة إلى الامامة في مذهب الاماميّة ، وغيره.

على أنّك ترى بعضهم قد تكلّف في ذلك أمورا تنادي بأعلى صوتها بأنّ الدّاعى لتكلّفها إنّما هو تكميل العدّة ، مع أنّ بعض ما أهملوه يضاهي ما ذكروه بل لعلّه أولى بالذكر ، وكثير المذاهب الّتي لبعض الفرق قد انقطع اسمه ورسمه لانقراض أهله ، وقد حدثت كثير من المذاهب بعدها بل كثير من المذاهب المتقدّمة المعدودة إنّما حدثت في أزمنة متطاولة على سبيل التدريج ، وبعد حصر المذاهب قد حدث بعض البدع أيضا ، ولعلّه يحدث أيضا غيرها في مستقبل الزمان.

وبالجملة فالذي يقضى به الإنصاف أنّ كلّ ما ذكروه لإكمال العدة تعسّف وتكلّف ، لا داعي لحملة ، بل وكذا ما ربما يقال من أنّ المراد نوع الاختلافات الواقعة في المسائل الأصوليّة الّتي منها مسألة الإمامة الّتي يعدّ الاختلاف فيها اختلافا واحدا أو أزيد إذ في الاوّل ربما تمسّ الحاجة إلى إدخال الاختلافات الفروعيّة لإكمال العدّة ، وفي الثاني ربّما تزيد الاختلافات الفروعية الواقعة في مسألة الإمامة خاصّة فضلا عن غيرها من الاختلافات الاصوليّة على العدة المذكورة.

وبذلك يتّضح لك ضعفه كضعف ما قد يقال أيضا أنّ الفرق الأحد والسبعين كانت في أمّة موسى عليه‌السلام وزيد عليها واحد في أمّة عيسى وثنتان في أمّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين ، فإنّه مخالف لصريح الخبر الدّال على ان الامة بعد الإقرار بالشهادتين مفترقة على تلك العدّة.

بل الّذى لا يزال يختلج بالبال في حلّ الاشكال أنّ المراد بالسبعين كمال العدد فإنّ السبعة يسمّى عندهم عددا كاملا لتركبه من زوج الزوج ، وفرد الفرد أو لانّها تقوم من أوّل الأزواج إلى ثاني الأفراد ، ومن أوّل الأفراد إلى ثانى الأزواج ،

٧٠٩

فاذا حصل له الترقي بالبسط إلى العشرات صار سبعون ، ولذا يعبّر به عن كمال العدد ، من غير أن يقصد منه الخصوص كما في قوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّى ليغان على قلبي وإنّي لأستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة (٢) ، وقوله تعالى : (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) (٣).

الى غير ذلك من الإطلاقات الّتي يستفاد من جملتها أنهم يطلقون هذا العدد من غير قصد إلى خصوصية ، بل للإشعار بكمال الحكم المنوط به وهو في المقام الاختلاف الّذي بلغ فرق الكمال في أمّة موسى عليه‌السلام وزيد عليه في أمّة عيسى عليه‌السلام وزيد عليه أيضا في أمّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون في هذه الامّة جميع الاختلافات الواقعة في تلك الأمم مع زيادات ، وله إشارات في الاخبار. كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لتركبن سنن من كان قبلكم» (٤) وغيره وحينئذ فالمراد كمال الاختلاف الواقع في هذه الأمّة أزيد من غيرها فلا يهمنا التكلف إلّا كمال العدّة.

نعم في كتاب سليم بن قيس عن مولينا أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّ الامّة تفرّقت على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار ، وفرقة في الجنّة وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل مودّتنا أهل البيت ، واحدة منها في الجنّة واثنتا عشرة منها في النار. إلى أن قال : قيل يا أمير المؤمنين عليه‌السلام أرأيت من قد وقف فلم يأتم بكم ولم يعاندكم ولم ينصب لكم ولم يتولّكم ولم يبرأ من عدوّكم وقال : لا أدرى هو صادق؟

قال عليه‌السلام : ليس أولئك من الثلاث والسبعين فرقة إنّما عنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) التوبة : ٨٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٠٤.

(٣) الحاقّة : ٣٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ١٨٠ عن العيّاشى.

٧١٠

بالثلاث والسبعين فرقة الباغين النصّابين الذين قد شهروا أنفسهم ودعوا إلى دينهم ، ففرقة واحدة منها تدين بدين الرحمن ، واثنتان وسبعون تدين بدين الشيطان (١) الخبر بطوله.

وقد مرّ أيضا في العلوي المروي في «الأمالى» ثلث عشر فرقة من الثلث وسبعين فرقة كلّها تنتحل مودّتى وحبّى واحدة منها في الجنّة وهم النمط الأوسط واثنتا عشرة في النّار.

ولعلّه يستفاد منهما تحقيق العدد ومن خصوص الأول أنّ المتحير الخالي عن الولاية والعناد ليس من الأعداد.

وعلى كلّ حال فينبغي البحث حينئذ بعد الإغماض عمّا سمعت اوّلا من الاستفادة من نفس الخبر حسب ما مرّ في أنّ من تلك الفرق المعدودة من الإسلام من الناجي الذي هداه الله إلى الصراط المستقيم ، والضالّ ، والمغضوب عليهم بالعذاب الأليم.

فنقول : إن كثيرا من تلك الفرق قد كفينا مؤنة إبطاله وردّه لانقراض أهله الذي هو أدلّ دليل على بطلانه كجلّ فرق الشيعة بل كلهم غير الإماميّة الاثنى عشرية ، ولذا ذهب كثير من الأساطين إلى أنّ الوقف على الشيعة تنصرف إليهم لذلك. لا للوضع كما أنّه قد انقرض أكثر فرق الغلاة وأكثر فرق النّواصب ، نعم بقيت من الاولى شرذمة في أطراف البلاد ربّما لا يعرفون في الناس لشذوذهم كشذوذ أقوالهم وحججهم الّتي لا ترجع نحو شبهة فضلا عن حجّة ، سيّما مع الاطلاع بالآيات والأخبار القطعيّة ، والأصول العقليّة الّتي قضيتها بطلان الحلول ، والاتّحاد وتنزل الالوهيّة وغيرها من خرافاتهم ، خصوصا بعد ما تواتر نقله عنه عليه‌السلام من النهى

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٨ ص ١٤ ـ ١٥ ح ٢٢.

٧١١

عن الغلوّ فيه في قوله : هلك فيّ رجلان (١) وغيره ، بل برائتهم عن عبد الله بن سبا (٢) ، والبزيعية (٣) والخطابية (٤) وغيرهم من الغلاة الذين كانوا في عصرهم عليهم‌السلام وكونه عليه‌السلام في عصره واحدا من أمّة النبي ورعيّته متعبّدا بالعبادات ، مجتهدا فيها يجرى عليه ما يجرى على غيره من أفراد البشر من العوارض النفسانيّة والبدنيّة الدّالة على الحدوث حتى المرض والقتل كما وقع عليهم عليهم‌السلام حتّى قالوا : «ما منّا إلّا مسموم أو مقتول» (٥).

بل في القرآن الإشارة إلى بطلان مذهبهم في آيات كثيرة كقوله : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) (٦) و (مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) (٧) ، و (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي) (٨) ، ولذا كانوا لم يزالوا يتضرّعون إلى الله ويبتهلون إليه في برائتهم ممّن اعتقد فيهم ذلك حتّى أنّ مولينا الرضا عليه‌السلام كان يقول في دعائه :

اللهم إنّى إليك من الّذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ ، اللهم انّي أبرء إليك من الّذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا اللهم لك الخلق ومنك الأمر (٩) ايّاك نعبد وإياك

__________________

(١) نهج البلاغة ص ٤٨٩ قصار الجمل : ١١٧.

(٢) كان يهوديا فأسلم ، ثم ادّعى النبوّة وأنّ عليّا عليه‌السلام هو الله تعالى فحبسه أمير المؤمنين عليه‌السلام واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار ـ سفينة البحار ج ٦ ص ٦٨.

(٣) أصحاب بزيع الحائك المدّعى للنبوّة كان من أصحاب أبى الخطاب لعنه الصادق عليه‌السلام ـ سفينة البحار ج ١ ص ٣٠٢.

(٤) الخطابيّة أصحاب أبى الخطّاب محمد بن مقلاص الكوفي ادّعى النبوة وإنّ جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام هو الله تعالى واستحلّ المحارم كلّها ـ سفينة البحار ج ٢ ص ٦٤٦.

(٥) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ١٣٩ ح ٦.

(٦) النساء : ١٧١.

(٧) الأنبياء : ٢٩.

(٨) آل عمران : ٧٩.

(٩) في البحار : ومنك الرزق.

٧١٢

نستعين ، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وأبناءنا الآخرين اللهم لا تليق الربوبيّة الّا بك ، ولا تصلح الالهيّة الّا لك فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك ، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك ، اللهم انا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ، اللهم من زعم انّنا أرباب فنحن إليك منه براء ، ومن زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليك منه براء كبراء عيسى من النصارى ، اللهم إنّا لم ندعهم الى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (١). (٢)

إلى غير ذلك ممّا لا نطيل به الكلام لوضوح المرام ، نعم العبرة في معنى الغلوّ ما سمعت سابقا ومنه يظهر وجه الجمع بين قوله في هذا الخبر : «ومن زعم أنّ إلينا الخلق» وبين ما في الزيارة الجامعة : وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم ، بل الأخبار بمعناها قريبة من التواتر فإنّ المنفيّ على وجه الاستقلال والاستبداد والأصالة ، والمثبت على وجه البابية والوساطة والاستفاضة حسبما مرّ.

نعم يبقى الكلام فيما ربما يصدر عن بعض الغلاة من خوارق العادات كدخول النار ، وعدم التأثر من السيف وغيره حسب ما حكاه شيخنا المجلسي قدس‌سره إذ لا يخفى انّه لا يدلّ على إصابتهم بوجه من الوجوه ، إذ مع الغضّ عن كونه أخذا بالعيون من قبيل السحر والشعبدة وغيرها يمكن أن يكون منشؤه بعض الرياضات الّتي يرتاضون بها أنفسهم كالمرتاضين من الهنود سيّما الجوكية منهم ، وذلك لانّ الله لا يضيع عمل عامل من الناس ، ومخالفة النفس مع كونها مطلوبة بالذات في جميع الملل لها خاصيّة ذاتيّة في نيل المقصد الذي جعله الإنسان نصب عينيه ، خصوصا

__________________

(١) نوح : ٢٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٣٤٣.

٧١٣

إذا كان صاحبه كافرا فإنّه يعجّل له طيّباته في الدنيا الدنيّة العاجلة ، ولذا يقال لهم يوم القيمة : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) (١).

ولعله يقرب منه الرياضة الارتداديّة الّتي ابتلى بها بعض الأشقياء في زماننا بإغواء بعض شياطين الإنس ، وذلك أنّه تدرج في مراتب الارتداد بكيفيّة لا ينبغي نشرها في السطور إلى ان بلغ إحراق المصحف وغيره ممّا هو أعظم منه ، نعوذ بالله عن الغواية بعد الهداية حتّى بلغ حدا لا يؤثّر فيه شيء من المؤذيات كالنّار والحديد وغيرهما ، وحينئذ ندم على ما فرّط منه فكان يصلّي عامة ليله ونهاره ووضع على جنبه منجزا يمتحن بها بدنه كلّ يوم وليلة إذ قال له من أمره بذلك أنّ علامة قبول توبتك أن ترجع إلى حالك السابقة ويؤثّر فيك الحديد وغيره.

وبالجملة فعدم التأثير عن بعض المؤذيات بخصوصه أو عن كلّها ليس من علامات الحقيّة والإصابة ، كما أنّ التأثر فيها ليس من علامات البطلان والخطاء ، ولقد سمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة خيبر فما زالت الأكلة في فؤاده حتى قطعت أبهره فمات منها ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله في موضع ضربة عمرو بن عبد ودّ ودفن بالغرىّ ، وجرى بعدهما على الحسنين بل على سائر الأئمّة ما جرى ، بل في الأنبياء من قتلوه ضربا أو حبسا أو غرقا أو حرقا.

وعلى كلّ حال فالامّة في هذه الأيام بل في بدو الإسلام بعد رحلة سيّد الأنام عليه وآله الصلوة والسلام على فريقتين : الأولى من أوفى بما عاهد عليه الله ورسوله من متابعة وليّ الأمر الّذي بايعوا معه يوم الغدير واختصّ من بين الصحابة بالنّص والعصمة فقدّموا من قدّمه الله ، ووالوا أوليائه ، وهم الائمّة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين ، فإنّ الله تعالى انّما خصّهم بالعصمة ليأمن الناس من

__________________

(١) الأحقاف : ٢٠.

٧١٤

خطائهم وسهوهم وغلطهم فينقادوا إلى أوامرهم لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد ذلك وليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وحيث إن العصمة فضيلة موهبيّة لا يطلع عليها الناس وجب النّص عليهم من النّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بل ومن كلّ إمام سابق على إمام بعده.

الثانية منها هم الّذين انقلبوا على أعقابهم فأنكروا النصّ والوصاية ، ولم يوجبوا العصمة والطهارة وقالوا : إنّ الأئمّة : بل الأنبياء غير معصومين وانّه يقع منهم الخطأ والسهو والنسيان بل الفسوق والكذب وانّما وسعوا الباب ليتمكنوا من القول بخلافة مشايخهم الّذين انقضت أكثر أعمارهم في الكفر والشّرك وعبادة الأوثان وشطر منها في النّفاق وعداوة أهل الإيمان كما أنّهم قالوا إنّ الخلفاء كالأنبياء يجتهدون في الأحكام والمسائل كي يستندوا إليه فيما يقع من مخالفة خلفائهم للنّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كالوضوء المنكوس والمسح على الخفّين وغيرهما ، بل لم يشترطوا في الخلافة العلم والعدالة ، فجوّزوا إمامة الجاهل والفاسق فضلا عن غير المعصوم ، بل كثير منهم لم يثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالى وجوّزوا عليه الظّلم والقبيح والعبث وما فيه الفساد للعباد ، وأنّه تعالى لا يفعل لغرض من الأغراض بل جميع أفعاله خالية عن الأغراض والحكم والمصالح ، وأثبت كثير منهم قدماء كثيرة سمّوها بالمعاني ، وجوّزوا رؤيته في الدّنيا أو في الآخرة للكلّ ، أو للصلحاء ، تعالى الله عن ذلك ، وعن سائر مقالاتهم الّتي يتبرّأ منها الإسلام وأهله ، هذا مجمل حالهم في الأصول ، وأمّا في الفروع ففتحوا على أنفسهم باب الآراء والظّنون والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها فأدخلوا في دين الله ما ليس منه ، وحرّفوا أحكام الشّريعة ، وأوجبوا أن يكون النّاس في الفروع تابعا لواحد من المذاهب الأربعة الّتي لم تكن في عصر النّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا في عصر صحابته ، بل قد أحدثوها بعد مدّة طويلة وذهبوا معها إلى أمور شنيعة ، فأباحوا النّبيذ والفقّاع ، بل الوضوء به ،

٧١٥

وأباحوا اللّواط بالعبيد وبالأجير بل الزّنا بالأمّ إذا لفّ على ذكره خرقة ، وكذا أباحوا الملاهي من الغناء والشّطرنج وغيرها ، وقالوا : إنّ الغاصب إذا غير صفة المغصوب ملكه ، حتّى إنّهم قالوا : لو أنّ سارقا دخل دار شخص له فيه رحى وحنطة فطحن السّارق الطّعام برحى المالك ملكه ، فلو جاء المالك ونازعه فيه كان المالك ظالما والسّارق مظلوما ، وجوّزوا الصّلوة في جلد الكلب والسّجود على العذرة اليابسة.

وذكر العلّامة أنّه حكى بعض الفقهاء لبعض الملوك وعنده بعض الفقهاء الحنفيّة صفة صلاة الحنفي فدخل دارا مغصوبة وتوضّأ بالنّبيذ ، وكبر بالفارسيّة من غير نيّة ، وقرأ مدهامّتان لا غير بالفارسيّة ، ثمّ طأطأ رأسه من غير طمأنينة ، وسجد كذلك ورفع رأسه بقدر حدّ السّيف ثمّ سجد وقام ، ففعل كذلك ثانية ثمّ أحدث ، فتبرّأ الملك وكان حنفيا من هذا المذهب واعترف بالحقّ.

وعلى كلّ حال فيدلّ على وجوب التّمسّك بمذهب الإماميّة الاثنا عشريّة مضافا إلى ما سمعت عنا وفي تحرير المذاهب وجوه كثيرة كالآيات التي سنشير إلى كلّ منها وما يتعلّق بها في مواضعها وكالأخبار الّتي أشير فيها إلى تعيين الفرقة النّاجية المروية من طرق الفريقين.

كقوله : خلّفت فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا وانّهما لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض (١).

وعن مناقب ابن المغازلي عن أبى ذرّ الغفاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ناصب عليّا للخلافة بعدي فهو كافر قد حارب الله ورسوله ، ومن شكّ في عليّ فهو كافر (٢).

__________________

(١) الصواعق المحرقة ١٢٢ وفي ذيله : روى هذا الحديث ، ثلاثون صحابيا.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ١٥٠ عن مناقب ابن المغازلي.

٧١٦

وعن ابن شيرويه في «الفردوس» عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خلقت أنا وعليّ من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام فلمّا خلق آدم ركّب ذلك النّور في صلبه فلم نزل في شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطلب ففيّ النّبوّة وفي عليّ الخلافة (١).

وعن حلية الأولياء وفضائل السّمعاني وكتاب الطّبرانى والنطنزي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادعوا إلىّ سيّد العرب ، يعنى عليّا فقالت عائشة ألست سيّد العرب؟ قال : أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب ، فلمّا جاء أرسل إلى الأنصار فقال : معاشر الأنصار أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : هذا عليّ فأحبّوه لحبّى واكرموه لكرامتي فإنّ جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزوجل (٢).

وعن معجم الطّبراني عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وانّ عليّا وصيّي ووارثي (٣).

وعن كتاب الأربعين للحافظ أبى بكر محمد بن أبى نصر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وعلىّ حجة الله على عباده (٤).

ورواه المحدّث الحنبلي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن كفاية الطّالب عن حذيفة قال : قالوا يا رسول الله ألا تستخلف عليّا؟ قال إن تولّوا عليّا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطّريق المستقيم (٥).

__________________

(١) البحار ج ٣٨ / ١٥٠ عن ابن شيرويه في الفردوس.

(٢) البحار ج ٣٨ / ١٥٠ عن المناقب لابن شهر آشوب.

(٣) البحار : ج ٣٨ / ١٥٤ عن معجم الطبراني.

(٤) مناقب آل أبى طالب ج ١ ص ٥٧٦ عن الفردوس.

(٥) كشف الغمّة ص ٤٥ عن كفاية الطالب.

٧١٧

وعن السّمعانى في فضائل الصّحابة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : علىّ مع الحقّ والحقّ مع علىّ لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض (١).

وفي مسند أبى يعلى عن الخدري قال : مرّ على بن أبي طالب فقال النّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحقّ مع ذا الحقّ مع ذا (٢).

وسئل أبو ذر عن اختلاف النّاس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقال : عليك بكتاب الله والشيخ علىّ بن أبي طالب فإنّى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليّ مع الحقّ والحقّ معه وعلى لسانه والحقّ يدور حيث ما دار عليّ (٣). ومثله عن السّمعاني في فضائل الصّحابة.

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تضادّوا عليّا فتكفروا ولا تفضّلوا عليه فتردّوا (٤).

وعن مناقب ابن مردويه عنه عليه‌السلام : علىّ خير البشر من أبى فقد كفر (٥).

وفيه عن سلمان : انّ وصيّي وخليفتي وأخى ووزيري وخير من أخلّفه بعدي عليّ بن أبي طالب يؤدّي عنّي وينجز موعدي (٦).

وعن أبى مجاهد في التّاريخ والطّبرى في الولاية والدّيلمى في الفردوس وأحمد في الفضائل واعمش عن أبى وائل عنه عليه‌السلام قال : علىّ خير البشر فمن أبى فقد كفر ومن رضى فقد شكر (٧).

وعن موفّق بن أحمد من أعيان علمائهم بالإسناد عن مولانا

__________________

(١) رواه أيضا الخطيب في تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٣٢١.

(٢) مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٣٤ عن أبى يعلى.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٢٨ عن المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٥٥٢.

(٤) البحار ج ٣٨ ص ٢٩ عن المناقب ج ٢ ص ٦.

(٥) كنز العمّال ج ١١ ص ٦٢٥.

(٦) البحار ج ٣٨ ص ١٢ عن كشف الغمّة ص ٤٥.

(٧) البحار ج ٣٨ ص ٧ عن المناقب ج ١ ص ٥٥٦.

٧١٨

أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علىّ مثلك في أمّتي مثل عيسى بن مريم افترق قومه ثلاث فرق فرقة مؤمنون وهم الحواريّون ، وفرقة عادوه وهم اليهود ، وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الايمان ، وانّ أمّتي ستفترق فيك ثلاث فرق فرقة هم شيعتك وهم المؤمنون ، وفرقة هم أعداؤك وهم النّاكثون ، وفرقة غلوا فيك وهم الضّالّون ، وأنت يا عليّ وشيعتك في الجنّة ، وعدوّك والغالي فيك في النّار (١).

وعن ابن مردويه وهو من ثقاتهم مسندا إلى أبان بن تغلب عن سليم قال : سمعت أبا ذر والمقداد وسلمان يقولون : كنّا قعودا عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل ثلاثة من المهاجرين فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : تفترق أمّتي بعدي ثلث فرق : أهل حقّ لا يشوبونه بباطل مثلهم كالذّهب كلّما فتنتهم النّار زاد جودة وإمامهم هذا وأشار إلى أحد الثلاثة ، وهو الّذي أمر الله تعالى في كتابه إماما ورحمة ، وفرقة أهل الباطل لا يشوبونه بحقّ مثلهم كمثل الحديد كلّما فتنته النّار زاد خبثا وامامهم هذا أحد الثلاثة فسألته عن أهل الحقّ وامامهم؟ فقال : على بن أبى طالب عليه‌السلام وأمسك عن آخرين فجهدت في الآخرين أن يسمّيهما فلم يفعل. (٢)

وعن ابن عبّاس قال : رأيت حسّان بن ثابت واقفا بمنى والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى مجتمعين فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : معاشر المسلمين هذا علىّ بن أبي طالب سيّد العرب والوصىّ الأكبر منزلته منّى منزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبىّ بعدي لا تقبل التّوبة إلّا بحبّه يا حسّان قل فيه شيئا وقال حسّان :

__________________

(١) المناقب للخوارزمي ص ٣١٧ ح ٣١٨.

(٢) ورواه المجلسي في بحار الأنوار : ج ٢٨ ص ١٠ ح ١٦ عن كشف اليقين عن كتاب أخطب خوارزم مع تفاوت يسير عن أصبغ بن نباته عن سلمان ، وفيه : فسألته عن أهل الحق وامامهم ، فقال : هذا علي بن أبي طالب إمام المتقين ، وأمسك عن الإثنين ، فجهدت أن يسميهما فلم يفعل.

٧١٩

لا تقبل التّوبة من تائب

إلا بحبّ ابن أبي طالب

أخو رسول الله بل صهره

والصّهر لا يعدل بالصّاحب

ومن يكن مثل علىّ وقد

يأتى له الشمس من المغرب

ردّت عليه الشّمس في ضوئها

بيضا كأنّ الشّمس لم تغرب (١)

وعن ابن مردويه عن عليّ عليه‌السلام : تفترق هذه الفرقة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النّار وواحدة في الجنّة وهم الّذين قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٢) وهم أنا وشيعتي (٣).

وعن الجمع بين الصّحيحين للحميدي عنه : سيكون بعدي اثنى عشر أميرا كلّهم من قريش (٤).

وفي حديث ابن أبي عمير قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال أمر النّاس ماضيا ما ولّاهم اثنى عشر رجلا (٥).

وفي رواية مسلم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال هذا الدّين عزيزا منيعا ما ولّاه اثنى عشر خليفة كلّهم من قريش (٦).

وفي جامع الأصول عن صحيح البخاري ومسلم والتّرمذى وسنن أبى داود عن جابر بن سمرة قال : سمعت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكون بعدي اثنى عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى أنّه قال : كلّهم من قريش (٧).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٧ ص ٢٦٠ عن بشارة المصطفى ص ١٨٠.

(٢) الأعراف : ١٨١.

(٣) المناقب للخوارزمي ص ٣٣١ ح ٣٥١.

(٤) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٧ ، وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٨٣ ح ١٨٢١.

(٥) بحار الأنوار : ج ٣٦ ص ٢٦٦ عن المناقب.

(٦) البحار : ج ٣٦ ص ٢٦٦ عن المناقب.

(٧) المصدر السابق : ج ٣٦ ص ٢٦٦.

٧٢٠