القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦

يقول : كان الشيخ احمد يأتي الى الجبل من مسجد ابي صالح اذا مات لهم ميت يدفنونه فكنت اذا جاؤوا بميت جئت اعاونهم على قبره فقال لي يوما [يا] عبد الواحد إني قد ضاق صدري من هذا المسجد الذي انا فيه واشتهيت ان انتقل الى غيره فقلت ان لي موضعا تجيء وتبصره فان اعجبك واردت ان تبني فيه فافعل فاريته موضع الدير وموضع المسجد العتيق فجاء الى موضع المسجد العتيق فنزل الى النهر فتوضأ وجعل حجرا موضع القبلة وصلى فيه وقال ما هذا الا موضع مبارك او كما قال ثم شرع في بناء الدير.

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت خالي الامام ابا عمر يقول بنينا الدير في سنتين اول سنة بنينا ثلاثة ابيات والسنة الثانية اتممناه يعني تمام عشرة ابيات وانتقلنا اليه.

[انشاؤهم البناء في الجبل]

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت الامام ابا اسماعيل ابراهيم بن عبد الواحد احسن الله جزاه قال كنت اخبز الخبز في البلد يعني وهم في مسجد ابي صالح واخاف من صبيان دمشق ان يضربوني (١) ثم احمل الخبز الى الجبل يعني وقت عمل الدير. قال وسمعت والدي يقول كان العماد يحمل الخبز من مسجد ابي (٢) صالح على راسه الى الجبل لاجل العمال وكان يقول كانوا يريدون ساسوسة يعني بذلك امرأة تخبز لهم وتطحن.

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت فيما اظن والدتي حدثتني

__________________

(١) يحتمل قراءتها يغتربوني.

(٢) في الاصل : بني صالح.

القلائد الجوهرية م ـ ٦

٨١

ان عمتي ام عمر امرأة خالي جاءت الى دير الحوراني يعني بالجبل وكانت تخبز لهم وتطبخ لما صعب عليهم نقل الخبز من مسجد ابي صالح.

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت والدتي تقول لما بني في الدير ثلاثة ابيات انتقلنا اليه فكان اخي ابو عمر في بيت والفقيه محمد في بيت وباقينا في بيت وكنا نقول يكفينا بيت واحد فان الناس يموتون ونحن نموت يعني من كثرة ما كان من الموت.

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت خالتي ام أحمد رابعة بنت الشيخ احمد تقول : اول ما بني بيت ابي وبيت اخي ابي عمر وبيت الفقيه محمد ثم بني بعد ذلك بيت أخي الموفق.

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت خالي الربّاني قال كنا وقت بناء الدير معنا نفقة نكتري على البناء ولا قوة ولا معرفة لنا بالبناء وكان عبد الرحمن ـ يعني ابن عمر المعروف بالمقابري رحمه‌الله ـ يبني لنا ويعاوننا وجماعة من اهله او ما هذا معناه.

[كثرة اهداء الناس لبني قدامة]

وبه الى الحافظ ضياء الدين سمعت والدتي تقول انتقلنا الى الجبل وكان الناس لم يكونوا يعرفون والدي الا بعد خروجه الى الجبل فكان الناس يأتونه ويزورونه ويهدون اليه وكان السلطان نور الدين يأتي الى زيارته وما كنا نعرف شراء الفاكهة والبطيخ والفحم من كثرة ما يهدى الينا او ما هذا معناه.

وبه الى الحافظ ضياء الدين سمعت خالي الامام الرباني شيخ

٨٢

الاسلام ابا محمد عبد الله بن احمد يقول لما سكنا الدير كان في الجبل الشيخ مسمار وحمدان [ص ٩] وسيدهم يعني في الدير الغربي وابو العباس الكهفي وكانت ارض الجبل في ايديهم يزرعونها وكان ابو العباس له ارض يقول هي للكهف قال الحافظ ضياء الدين وهي الارض التي تحت الكهف قال وقال خالي وكان ابو العباس يخاف منا ويقول هؤلاء يكثرون ويتملكون هذه المواضع أو كما قال وكان الشيخ مسمار صاحبنا وصديقنا.

وبه إلى الحافظ ضياء الدين قال سمعت والدتي تقول كان مسمار يهدي الى والدي فاكهة ما رجعت رأيت مثلها من حسنها او كما قالت.

[خوفهم في الجبل من الحرامية]

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت والدة الامام أبي عبد الله محمد بن طرخان يحكي عن امه أن أباه سمعته يقول هو الذي رغب أصحابنا في سكنى الجبل والبناء به. قال الحافظ وسمعت والدي فيما أظن قال كنا نحرس الدير الذي لنا بالليل من الخوف من الحرامية قال الحافظ وقد كنت انا اعرف خوف الناس في الجبل ، واكثر خوفهم كان من اهل وادي التيم فانهم كانوا يأخذون الناس ويبيعونهم في بلاد الفرنج. قال الحافظ وسمعت ان صلاح الدين رحمه‌الله اراد أن يكبسهم ويؤدبهم فامتنعوا منه او ما هذا معناه قال وكانت لهم شوكة ومنعة.

وبه الى الحافظ ضياء الدين قال سمعت والدتي تقول لما سكنا الدير كنت احمل الهم كثيرا من الخوف حيث لم يكن للدير باب حجر كدير الحوراني يعني انهم كانوا يخافون او ما هذا معناه.

٨٣

وقال شيخنا الجمال ابن المبرد سمعت شيخنا التقي بن قندس وغيره يذكرون انهم انما عملوا للدير بابا خوفا على اولادهم من الذئاب والسباع ولكن هذا أصح ثم بنى الشيخ ابو عمر المدرسة كما سنذكرها ثم بنى الناس في الدير دورا اخر وحفر الشيخ احمد المصنع الذي يعرف اليوم ببير الشيخ ثم كثر البناء بها واتسع.

الباب الثالث

فيما كان بسفح قاسيون قبل وضع الصالحية فيه

اعلم أنه كان ثم أشياء بسفح هذا الجبل بل بسائره قبل بناء الصالحية منها ما اخبرنا به الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن الصيرفي الخطيب بقراءتي عليه بالمدرسة السراجية داخل دمشق (انا) الزين عبد الرحمن بن يوسف بن طحان (انا) الحافظ ابو بكر محمد بن عبد الله المقدسي (انا) والدي الحافظ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب والحافظ ابو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن القضاعي قالا (انا) ابو محمد بن خولان (انا) الحافظ ابو عبد الله محمد بن عبد الواحد الصالحي (ح) قال ابن الطحان و (انا) عاليا الصلاح محمد بن احمد ابن ابي عمر (انا) الفخر علي بن احمد بن البخاري (انا) عمي ابو عبد الله محمد بن عبد الواحد الصالحي قال :

[اديرة الصالحية]

سمعت والدة الامام ابا عبد الله محمد بن طرخان يحكي ان اباه اقام بالجبل مدة ولم يكن فيه الا ابو العباس الكهفي هو وعمارة بدير الحوراني وكان من الناحية الشرقية دير كان يعرف بدير الحنابلة وكان فيه جماعة منهم الشيخ عبد الرحمن المقابري ابو عمر وابو العلاء وناس قليلون وهذا الدير المذكور

٨٤

كان كما سمعت اولا لناس من الرهبان فاتفق انهم احدثوا شيئا واخرجوا منه فسكنه اولاد معبد بن مستفاد واخوه واقاربهم طلبه لهم الامام عبد الوهاب ابن الشيخ ابي الفرج الحنبلي وكانوا من اصحابه.

وبه الى الحافظ عبد الله قال سمعت الشيخ ابا عبد الخالق عبد الواحد بن معبد بن مستفاد يحكي عن والده قال كنا من اصحاب الفقيه عبد الوهاب وكان يعظ في البلد وكان يستفقد اصحابه اذا انقطع منهم احد مجلسا او مجلسين [ص ١٠] خرج اليه فسأل عنه قال فاتفق انا انقطعنا عن مجلسه اما يوما او يومين فاذا الشيخ قد ركب بغلته وجاء الى عندنا الى الدير المعروف بدير الرهبان او كما قال. قال ففرحنا به وقال او حشتمونا قال فقعد عندنا ساعة ثم قام فركب البغلة ومضينا معه حتى نشيعه قال فوصلنا معه الى الموضع الذي يقال له السنبوسكة (١) ولم يكن بعد عمر بستانا فاذا فيه ناس يشربون الخمر فقلنا يا شيخ الا تنكر عليهم فقال اصبروا ونزل عن البغلة وقال قفوا عندها ثم مضى هو وحده يمشي حتى وقف على رؤوسهم ووعظ عندهم قال فقاموا فكسروا الانية وتابوا على يديه ثم جاء فقال ايما خير هذا او كنتم تمضون اليهم تضاربوهم فربما تأذى احد أو ما هذا معناه.

وبه اليه قال لم يكن في الجبل كما حكي لنا قبل وضع الصالحية الا بناية يسيرة فكان من الناحية الغربية دير أبي العباس احمد الكهفي ودار لبنت الفيال فيها مسمار وحمدان وسيدهم وابو الحافظ اسماعيل واخوه وكان الفقيه طرخان بن ابي الحسن في الدار الذي له وقال شيخنا الجمال بن عبد الهادي وكان ثم بيوت بارض مقرى وهي معروفة وثم

__________________

(١) السنبوسكة بستان تجاه الميسات عند جسر كحبل قرب الشبلية والبدرية.

٨٥

بيوت ببيت ابيات وهي محلة طاحون الاشنان اليوم وثم بيوت بقصر اللبان وهو بطريق الميطور (١) كان به كريمة راوية الحديث وقد روي عنها الكثير به (٢) وثم بيوت وجواسق (٣) بالنيرب (٤) لناس من دمشق يصيفون فيها وثم بيوت بأرزة وهي محلة قبور الشهداء عندها مئذنة عبد الحق ومسجدها (٥) وثم مغارة الدم ومغارة الجوع (٦)

__________________

(١) راجع ص ٦١ ـ ٦٢.

(٢) يصحح قصر اللبان : (بقصر اللباد) كما في الاصل ويدعوه الناس الآن بستان قصر اللبان وهو بستان كبير جدا يقع امام المتوجه الى جبل الصالحية من طريق البساتين المقابل لحي القزازين ويبعد عن شارع بغداد نحو الف متر ثم يمتد هذا البستان الى طاحون الاشنان وهو الآن مقسم الى عدة حصص ، ويحتوي على عدة دور لاصحاب هذه الحصص وسنبين موقعه مع جميع المواقع التاريخية القديمة في مخطط خاص بالصالحية.

(٣) جمع جوسق معرب كوشك وهو اسم للقصر الصغير ولكنه استعمل للكبير ايضا.

(٤) راجع ص ٥٥.

(٥) راجع ص ٥٨ واول الجزء الثاني.

(٦) هذه المغارة في أعلى مقبرة الخميسيات يصعد اليها من الطريق الذي حذاء قبة ابن سلامة الرقي وهي معروفة مشهورة ويذكرون انه لجأ اليها اربعون نبيا خوفا من الكفار ولم يكن معهم الا رغيف واحد فلم يزل كل واحد منهم يؤثر رفيقه عليه حتى ماتوا جميعا من الجوع. ويظهر ان هذه المغارة كبيرة واسعة لأن العوام يذكرون ان بها طرقا متشعبة يسير الانسان فيها عدة ساعات وان الداخل فيها ربما ضل فلا يستطيع الخروج. وفي الازمنة الاخيرة كانت ملجأ للاشقياء واللصوص حتى وجد فيها شخص مقتول فاهتم لذلك اهل الصالحية وقام الشيخ محمد التكريتي المتوفي سنة (١٣١٣) فسد بابها وبقي مسدودا الى الآن وعلى ظهر هذه المغارة أنشأ الشيخ محمد حسن بن الشيخ ياسين الكيلاني زاوية للطريقة الكيلانية سنة (١١٤٦) وتعرف بالجوعية وفيها بعض قبور ولم نتمكن من الدخول اليها لكون بابها مغلقا.

٨٦

وكهف جبريل والربوة ومسجدها والمصلى وكان جامع الحنابلة والمسجد العتيق وهو مقدم مسجد عز الدين الذي هو غربي المدرسة العمرية قال وقد بلغني عن جماعة منهم الشيخ موسى الحوراني انهم رأوا في كتاب مدرسة الشبلية ان حدها من جهة الغرب مقبرة دمشق العظمى وهذا المحل اليوم بستان يعرف بالجريف ولم يغرس فيه شيء ونتج فقد يكون هذا السبب في ذلك (١) وكان ثم ايضا نهران من انهار دمشق السبعة احدهما ثورى في اسفل السفح والثاني يزيد في اعلاه كما سترى ذلك ان شاء الله تعالى.

الباب الرابع

في قاسيون وفضله

قال سبط ابن الجوزي قاسيون جبل شمالي دمشق ترتاح النفس الى المقام به ومن سكنه لا يطيب له سكنى غيره غالبا. واختلفوا لاي معنى سمي بذلك فقيل لانه قسا على الكفار فلم يقدروا ان يأخذوا منه الاصنام وقيل لانه قسا فلم تنبت فيه الاشجار على راسه غالبا وقد رأينا به شجرة تين وكان فيه اخرى فيبست وفي مغارة (٢) الدم ارزه وزيتونه وفي كهف جبريل رمانة.

__________________

(١) هذا النص مروي عن جماعة بالمعنى وليس هو نص كتاب مدرسة الشبلية وهو غامض جدا لامور (١) لا يعلم اين يعود الضمير في قوله (حدها) فهل هو للشبلية ام للمدرسة العمرية ، ام للصالحية أم لشيء آخر؟ (٢) ما المراد بمقبرة دمشق العظمى فان كانت مقبرة الدحداح فهي قبلى الصالحية وبالنسبة للشبلية والعمرية قبلية للشرق لا للغرب اما بستان الجريف فيوجد بستان بهذا الاسم عند طاحون الاشنان قرب نهر ثورى.

(٢) هذه المغارة جديرة بالزيارة وتسمى مغارة الاربعين لأن فوقها مسجدا فيه أربعون محرابا وهي تقوم في محل نزه جدا ومرتفع حتى يكاد الانسان يبلغ قمة الجبل وفي زاويتها الشرقية الشمالية بارتفاع نحو

٨٧

اخبرنا ابو العباس احمد بن حسن الصالحي بقراءتي عليه (انا) ابو حفص عمر بن ابراهيم القاضي (انا) الحافظ ابو بكر محمد عبد الله الصامت (انا) ابو الفضل سليمان بن حمزة القاضي (انا) ابو عبد الله محمد بن عبد الواحد الحافظ (ح) واذن لي عاليا ابو العباس احمد بن محمد الحمصي عن ام محمد عائشة بنت الشمس العدوي عن ام ابراهيم فقهاء بنه ابراهيم بن فضل عن ابي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحافظ (ثنا) ابو شبيب محمد بن احمد بن المعلى (ثنا) محمد ابن هارون (ثنا) عباس بن الوليد (ثنا) عبد الرحمن بن يحيي بن اسماعيل (ثنا) الوليد بن مسلم (ثنا) عثمان بن ابي عاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم ابي عبد الرحمن [ص ١١] قال : أوحى الله تعالى الى جبل قاسيون : ان هب ظلك وبركتك لجبل بيت المقدس قال ففعل فأوحى الله تبارك وتعالى كوني اليه اما اذ فعلت فاني سأبني لك في حضنك بيتا قال عباس بن الوليد في حضنك أي في وسطك اعبد فيه بعد خراب الدنيا اربعين عاما ولا تذهب الايام والليالي حتى ارد عليك ظلك وبركتك قال فهو عند الله بمنزلة المؤمن الضعيف المتضرع.

__________________

متر فتحة تمثل فما كبيرا يظهر فيه اللسان والاضراس والاسنان وسقف الفم بتفاصيل متقنة وامامها على الارض صخرة عليها خط احمر يمثل لون الدم وفي سقف المغارة شق صغير ينقط منه الماء والاسطورة المتناقلة عن سدنة هذا المكان تقول : ان قابيل قتل هابيل في هذا المكان فبكى الجبل لهول هذه الجريمة وبقيت دموعه تتقاطر وفتح فاه يريد أن يبتلع القاتل ففر. وتأخذ الزائر الرهبة حينما ينظر الى هذا التمثيل الدقيق. ومن البراعة في هذا التمثيل اختيار هذا المكان من الجبل الذي لون حجره احمر فتظهر الحمرة على صفحة الصخرة. وعلى مقربة من هذه المغارة مقطع صغير للاحجار لو استعملت حجارته في البناء لكانت من اجمل الاحجار والراجح ان هذه المغارة كانت ديرا قديما. لان من مميزات الاديرة الماء والزيت الذي ينقط من الصخر فيدهن الجسم تبركا به.

٨٨

واما ما روى ابو علي الحسن بن علي بن ابراهيم الاهوازي في كتابه شرح عقد الايمان في معاوية بن ابي سفيان باب ما رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جبل مغارة الدم بدمشق وذكر فضله ثم قال حدثنا ابو الحسن عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني بدمشق (انا) ابو الحارث أحمد بن محمد ابن عمارة الليثي (ثنا) ابو سهل سعيد بن الحسن الاصبهاني (انا) محمد بن احمد بن ابراهيم (انا) الوليد بن مسلم عن ابن جريح عن عروة بن رويم عن ابيه قال سمعت معاوية بن ابي سفيان يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسأله رجل عن دمشق فقال بها جبل يقال له قاسيون فيه قتل ابن آدم اخاه وفي اسفله في الغرب ولد ابراهيم عليه‌السلام وفيه أوى عيسى وامه عليهما‌السلام من اليهود وما من عبد أتى معقل روح الله فاغتسل وصلى لم يرده الله خائبا فقال رجل يا رسول الله صفه لنا فقال هو بالغوطة [في] مدينة يقال لها دمشق وهو جبل كلمه الله عزوجل وفيه ولد ابراهيم عليه‌السلام فمن اتى هذا الموضع فلا يعجز في الدعاء فقال رجل يا رسول الله اكان ليحيى معقلا فقال نعم احترس فيه يحيى من رجل من قوم عاد في الغار الذي تحت دم ابن آدم المقتول وفيه احترس الياس من ملك قومه ، وفيه صلى ابراهيم ولوط وموسى وعيسى وايوب عليهم‌السلام فلا تعجزوا في الدعاء فان الله عزوجل انزل علي : ادعوني استجب لكم ، وربنا يسمع الدعاء. قالوا وكيف ذلك قال فانزل الله عزوجل : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) الآية. قال الحافظ ابو القاسم ابن عساكر في تاريخه حديث فيه مناكير وجزم غيره بأنه كذب ، وقال سبط ابن الجوزي والعجب من رواية مثل هذا الحديث الذي ألفاظه تقر (١) بوضعه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فان احدا من العلماء لم يذهب الى ان قابيل قتل هابيل بالشام بل قال ابن عباس

__________________

(١) في الاصل : تنكر.

٨٩

قتله بجبل لود وقيل عند عقبة حرا ، ولا ان الخليل ولد بالشام وانما ولد ببابل وقال البغوي مولده بالسوس من ارض الاهواز وقيل بكوثى (١)

وقيل بكسكس وقيل بحران ، واما قوله وفيه اوى عيسى وامه فهو صحيح ذكره الدينوري في تفسيره وغيره من المفسرين ، وانما المنقول في هذا الباب ما رواه ابو علي الاهوازي في كتابه ايضا قال حدثنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني (ثنا) ابو الحارث احمد ابن محمد بن عمارة بن يحيى الليثي (انا) ابو سهل سعيد بن الحسن الاصبهاني قال حدث مكحول انه صعد مع عمر بن عبد العزيز الى موضع الدم يسأل الله عزوجل سقيا فأسقانا وخرج معاوية بن ابي سفيان والمسلمون الى موضع الدم يستسقون فلم يبرحوا حتى سالت الاودية واما المنقول [ص ١٢] عن مكحول عن كعب الاحبار انه قال سمعت انه ـ أي الغار الذي في جبل قاسيون ـ موضع الحاجات والمواهب من الله عزوجل لا يرد سائلا فيه.

وبه اليه (انا) تمام قال واخبرني ابو الحارث بن عمارة حدثني ابي (ثنا) محمد بن احمد (ثنا) هشام عن الوليد عن سعيد عن مكحول قال قال لي كعب الاحبار اتبعني فاتبعته حتى وصلنا الى غار في جبل يقال له قاسيون فصلى وصليت معه فسمعته يجتهد في الدعاء ثم سار فخرج حتى وصلنا الى موضع قتل ابن آدم أخاه فصلى وصليت معه فسمعته يجتهد في الدعاء ثم سار حتى صرنا الى مسجد في أسفل الجبل فنزل وصلى فصليت معه فسمعته يجتهد في الدعاء ثم سار حتى وصلنا المدينة من باب الفراديس فسمعته يقول يا ايها الناس انا كعب الاحبار وجدت

__________________

(١) قال ياقوت في معجم البلدان (٧ : ٢٩١) كوثى العراق : كوثيان احدهما كوثى الطريق ، والاخر كوثى ربى وبها مشهد ابراهيم الخليل عليه‌السلام وبها مولده وهما من ارض بابل وبها طرح في النار.

٩٠

في الواح شيث بن آدم عليهما‌السلام ان الله عزوجل يقول : الفراديس جنتي واليها تجتمع اهل عنايتي فقلت سمعتك تدعو مجتهدا ففيم ذلك؟ قال : سألت الله عزوجل ان يصلح بين هذين الرجلين علي ومعاوية رضي‌الله‌عنهما وسألته ان يرزقني كفافا وولدا ذكرا ثم لقيته فسألته بعد ذلك فقال قد والله استجاب الله لي ورزقني ولدا ذكرا. وبعث اليه معاوية ألف درهم وكسوة وكتب معاوية الى علي رضي‌الله‌عنهما يسأله الصلح والكف عن الحرب فاصطلحا وتكاتبا على ذلك

وبه اليه (انا) تمام (ثنا) احمد بن عبد الله (ثنا) احمد بن انس (ثنا) هشام بن عمار (ثنا) ابراهيم بن اعين (ثنا) طلحة بن زيد عن عبد الله بن يزيد عن المخارق بن ميسرة الطائي عن عمرو بن جبر الشعباني قال كنت مع كعب الاحبار على جبل دير مران فرأى لمعة سائلة في الجبل فقال هاهنا قتل ابن آدم أخاه هذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين ومصلى للمتقين

وبه اليه (أنا) تمام (انا) احمد (ثنا) ابراهيم بن مروان قال سمعت احمد بن ملاس يقول سمعت عبد الرحمن بن يحيى بن اسماعيل عن عبد الله بن ابي المهاجر يقول كان خارج باب الساعات (١) صخرة يوضع عليها القربان فما تقبل منه جاءت نار فأحرقته وما لم يتقبل منه

__________________

(١) هو احد ابواب الجامع الاموي وهو الباب القبلي من جهة الغرب سمي بذلك لانه كان على بابه ساعة مؤلفة من عصافير وحية وغراب من نحاس فاذا تمت الساعة خرجت الحية وصفرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة في طست من نحاس فاحدث صوتا يسمعه الناس. ثم احدث نور الدين ساعة اخرى على الباب الشرقي للجامع فاشتهر هذا الباب بباب الساعات وتنوسي باب الساعات الاول راجع ما كتبناه في مجلة التمدن الاسلامي (١ / ٣٣٩).

٩١

بقي على حاله وكان هابيل صاحب غنم وكان منزله في مقرى (١) وكان قابيل في قينية (٢) وكان صاحب زرع وكان آدم في بيت أبيات (٣) وحواء في بيت لهيا (٤) قال فجاء هابيل بكبش سمين من غنمه فجعله على الصخرة فأخذته النار قال وجاء قابيل بقمح غلته فوضعه على الصخرة فبقي على حاله فحسده قال وتبعه في هذا الجبل قال فأراد قتله فلم يدر كيف يقتله فجاء ابليس فأخذ حجرا فضرب به رأس نفسه قال فأخذ هو حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله قال فصاحت حواء فقال لها آدم عليك وعلى بناتك لا علي ولا على بني

وبه اليه (انا) تمام (انا) أحمد قال سمعت محمد بن يوسف الهروي يقول سمعت ابا زرعة عبد الرحمن بن عمرو يقول سألت ابا مسهر عن خبر مغارة الدم فقال مغارة الدم موضع الحمرة موضع الحوائج يعني بذلك الدعاء فيها والصلاة.

وبه اليه (انا) تمام (ثنا) ابو يعقوب الاذرعي (ثنا) احمد بن كثير قال صعدت الى موضع الدم في جبل قاسيون فسألت الله عزوجل الحج فحججت وسألته الجهاد فجاهدت وسألته الرباط فرابطت وسألته الصلاة في بيت المقدس فصليت وسالته ان يغنيني عن البيع والشراء

__________________

(١) راجع ص ٥٩.

(٢) قينية قرية خارج دمشق مكانها اليوم في منتهى حي باب السريجة بعد جامع التابتية بين البساتين في الطريق القديم الموصل الى المزة وقبر عبد الرحمن المسجف. وفي قينية كانت تقوم مدرسة الطب المعروفة باللبودية. والبستان الذي كانت تقوم فيه يسمى اليوم ببستان البودي.

(٣) قرية خارج دمشق مكانها اليوم في القصاع جهة المستشفى الانكليزي.

٩٢

فرزقت ذلك كله ولقد رأيت في المنام كأني في ذلك الموضع قائما أصلي فاذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما وهابيل بن آدم فقلت له أسألك بحق الواحد الصمد وبحق أبيك [ص ١٣] آدم وبحق هذا النبي هذا دمك؟ قال اي والواحد الصمد هذا دمي جعله الله آية للناس واني دعوت الله تعالى فقلت اللهم رب أبي آدم وأمي حواء ومحمد المصطفى صلوات الله عليهم اجعل دمي مستغاثا لكل نبي وصديق ومن دعا فيه فتجيبه وسألك فتعطيه فاستجاب الله لي وجعله طاهرا (١) أمنا وجعل هذا الجبل أمنا ومعقلا ومغيثا ثم وكل الله عزوجل به ملكا وجعل معه من الملائكة بعدد النجوم يحفظونه ومن أتاه لا يريد الا الصلاة فيه. فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام قد فعل الله تعالى ذلك كرما واحسانا واني آتيه كل خميس وصاحباي وهابيل فنصلي فيه فقلت يا رسول الله ادع الله لي ان اكون مستجاب الدعوة وعلمني دعاء لكل ملمة وحاجة فقال لي افتح فاك قال ففتحته فتفل فيه ثم قال رزقت فالزم رزقت فالزم.

وبه اليه (انا) عبد الرحمن بن عمر انا ابو يعقوب الاذرعي (ثنا) يزيد بن عبد الصمد واحمد بن المعلى وسليمان بن أيوب بن حذلم واحمد بن ابراهيم ومحمد بن يزيد ومحمد بن هارون بن احمد بن محمد بن عثمان ومحمد بن سعيد وغيرهم من مشايخنا يقولون سمعنا هشام بن عمار وهشام بن خالد وسليمان بن عبد الرحمن واحمد بن ابي الحواري والقاسم بن عثمان الجرعي (٢) وعياش بن عثمان ومحمود بن خالد يقولون سمعنا الوليد بن مسلم يقول سمعت ابن عياش يقول كان اهل دمشق اذا احتبس عليهم القطر او غلا سعرهم او جار عليهم

__________________

(١) لعل الصواب ظاهرا أي ان دمه يبقى ظاهرا للناس.

(٢) في الاصل الحوعي والتصحيح من ابن عساكر الجزء الاول مخطوط الظاهرية وفي مسالك الابصار (١ : ٢٠٦) الجوعي.

٩٣

سلطان أو كانت لاحدهم حاجة صعدوا موضع ابن آدم المقتول فيسألون الله عزوجل فيعطيهم ما سالوه قال هشام ولقد صعدت مع أبي وجماعة من أهل دمشق نسال الله عزوجل السقيا فارسل الله عزوجل علينا مطرا غزيرا حتى اقمنا في الغار الذي تحت الدم ثلاثة أيام ثم دعونا ان يرفع عنا وقد رويت الارض.

وقال هشام بن عمار وسمعت الوليد بن مسلم يقول سمعت سعيد ابن عبد العزيز يقول صعدنا في خلافة هشام بن عبد الملك الى موضع دم ابن آدم نسأل سقيا فأتانا مطر فاقمنا في المغارة ستة أيام وقال الوليد قال سعيد وبهذا حدثني مكحول عن نفسه انه صعد مع عمر بن عبد العزيز الى موضع ابن آدم نسأل الله سقيا يسقينا فاسقاهم وقال مكحول وسمعت من يذكران معاوية خرج بالمسلمين الى موضع الدم يسألون الله ان يسقيهم فلم يبرحوا حتى جرت الاودية وعن مكحول عن ابن عباس قال موضع الدم في جبل قاسيون موضع شريف كان يحيى بن زكريا وامه فيه اربعين عاما وصلى فيه عيسى بن مريم والحواريون فلو كنت سألت الله تعالى ان يغفر لعبده ابن عباس يوم يحشر البشر فمن أتى ذلك الموضع فلا يقصر عن الصلاة والدعاء فيه فانه موضع الحوائج.

وقال هشام بن عمار وسمعت من يرفع الحديث الى وهب بن منبه انه قال سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اجتمع الكفار يتشاورون في أمري فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ليتني بالغوطة بمدينة يقال لها دمشق حتى آتي موضع (١) مستغاث الانبياء حيث قتل ابن آدم اخاه فأسأل الله ان يهلك قومي فانهم ظالمون فأتاه جبريل فقال يا محمد ائت بعض جبال مكة فأو بعض غاراتها فانها معقلك من قومك قال فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابو بكر حتى اتيا الجبل فوجدا غارا كثير الدواب

__________________

(١) كذا في ابن عساكر ١ : ٢٣٥ وفي الاصل الموضع.

٩٤

فجعل ابو بكر يمزق رداءه ويسد الثقب والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اللهم لاتنساه لابي بكر ، وقال هشام بن عمار وسمعت من (١).

الباب التاسع

في جوامع الصالحية

فمنها الجامع المظفري وسنتكلم عنه في ملاحق الكتاب

ومنها جامع الافرم وسنتكلم عنه أيضا في الملاحق

[جامع الركنية]

ومنها جامع الركنية شرقي الصالحية وفوق الميطور أنشأه الامير الكبير ركن الدين منكورس الفلكي. قال ابن كثير في تاريخه في سنة احدى وثلاثين وستمائة.](٢)

[واقف الركنية]

[ص ١٤] الامير الكبير ركن الدين منكورس (٣) الحنفي الفلكي

__________________

(١) ينقص آخر هذا الباب ولكنه مستمد من تاريخ ابن عساكر (١ : ٢٣٠ ـ ٢٣٧)

ـ ثم ينقص بعده : (الباب الخامس) و (الباب السادس) و (الباب السابع) و (الباب الثامن) وأول (الباب التاسع) الذي يبحث في جوامع الصالحية. وينقص اوله الذي يتضمن جامعين هما اعظم جوامع الصالحية الاول الجامع المظفري والثاني جامع الافرم.

(٢) الكلام بين المعقوفتين ليس من كلام المؤلف وانما زدناه ليلتئم به نسج الكتاب.

(٣) في الاصل منكروس والتصحيح من البداية والنهاية ١٣ : ١٤١.

٩٥

غلام فلك الدين احي الملك العادل لامه واقف الفلكية بدمشق وكان هذا الرجل من خيار الامراء ينزل في كل ليلة وقت السحر الى الجامع وحده بطوّافة (١) ويواظب على حضور الصلوات فيه مع الجماعة وكان قليل الكلام كثير الصدقات وقد بنى المدرسة الركنية بسفح قاسيون واوقف عليها اوقافا كثيرة وعمل عندها تربة وحين توفي بقرية جرود حمل اليها رحمه‌الله انتهى ، وقال الاسدي في تاريخه سنة خمس وعشرين وستمائة وفيها نجزت مدرسة ركن الدين الفلكي بالسفح ودرس بها ملك شاه ابو المظفر انتهى.

[المدرسون بالركنية]

وقال ابن شداد اول من ذكر بها الدرس وجيه الدين القاري وكان رجلا فاضلا بارعا متعبدا مشهورا بالدين والعلم الى ان انتقل عنها فوليها بعده تاج الدين محمد بن وثاب بن رافع البجيلي الى ان انتقل عنها الى المدرسة بالقصاعين فوليها بعده صدر الدين بن عقبة الى أن انتقل الى حلب المحروسة فوليها بعده محيي الدين احمد الى حين عود والده من حلب ثم اخذها من ولده واستمر بها الى الآن. ووجدت بخط تقي الدين الاسدي على هامش ذيل الحسيني في وفاة نجم الدين القجقاري خطيب جامع تنكز ومدرس الحنفية بالظاهرية ما صورته : اول من خطب به ودرس بالركنية بالجبل ثم تركها لانه اطلع على ان من شرط واقفها على المدرس السكن بها. ذكره البرزالي في معجمه وقال تميز في الفقه والعربية وغيرهما وله ذهن حسن جيد ومناظرة صحيحة وهو ملازم للاقراء بالجامع وله شعر جيد وتعين للفتوى والتدريس والاشغال وقصده الطلبة وقد مات البرزالي قبله بمدة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة انتهى ما وجدته بخطه.

__________________

(١) مصباح او سراج يحمله الانسان في الليل وفي عهدنا تسمي ضواية.

٩٦

وقال ابن كثير في تاريخه في سنة عشرين : وفي يوم الاربعاء رابع عشرين جمادى الاولى درس بالركنية الامام محيي الدين الاسمر الحنفي واخذت منه الجوهرية لشمس الدين الرقي الاعرج وتدريس جامع القلعة لعماد الدين بن محيي الدين الطرطوسي الذي ولي قضاء الحنفية بعد هذا وأخذ من الرقي امامة مسجد نور الدين له بحارة اليهود لعماد الدين بن الكيال وامامة الربوة للشيخ محمد النصيبي انتهي.

ثم درس بها الشيخ برهان الدين ابو اسحاق ابراهيم بن الشيخ العالم شهاب الدين ابي العباس احمد بن خضر الحنفي مولده في سابع شهر رمضان سنة اربع واربعين وسبعمائة ، وقال الاسدي في تاريخه في ربيع الاول سنة ست عشرة (١) اشتغل على والده وغيره وفضل وافتى ودرس بالركنية بالسفح والمقدمية شريكا لغيره وناب في القضاء بالديار المصرية قديما عن القاضي ابن منصور وباشر افتاء دار العدل بدمشق مدة طويلة وكانت عنده جراءة واقدام ومرافعة ثم انه بعد الوقعة تأخر وترك الاشتغال بالعلم وافتقر وضعف توفي بسكنه بالشبلية ليلة السبت سابع عشرينه وصلى عليه من الغد بعد الظهر بجامع الحنابلة وحضر جنازته جمع من الفقهاء وغيرهم ودفن بسفح قاسيون واستقر في جهاته اخوه القاضي عزّ الدين وصهره السيد ركن الدين بن زمام. ووالده (٢) توفي في رجب سنة خمس وثمانين.

__________________

(١) في تنبيه الطالب هذه الزيادة : نقلته من خط شيخنا وقال انه اخبره بذلك اه وترجمه صاحب الشذرات فذكر ان مولده سنة (٧٤٣) ووفاته سنة (٨١٠)

(٢) هو احمد بن عمر بن الخضر الحنفي ترجمه صاحب الشذرات (٦ : ٢٨٦) وقال ان مولده سنة (٧٠٦) وعليه فتكون ولادة ابنه ابراهيم الاسدي بعد ولادة الاب بعشر سنين وهذا ما يستبعد ويرجح الرواية الاولى وهي سنة (٧٤٤).

٩٧

ثم قال تقي الدين في شعبان سنة خمس وعشرين : وفي هذا الشهر اخرج النائب تنبك ميق (١) عن السيد ركن الدين الركنية البرانية ونصف النظر عليها لشمس الدين بن اللبودي بلا سبب فشق ذلك عليه وعلى غيره مع انه لم يكن محمودا في مباشرة نظرها انتهى.

ثم قال تقي الدين : في محرم سنة ست وعشرين وفي يوم الاربعاء ثاني عشريه حضر تدريس المدرسة الركنية بالسفح شرف الدين بن [ص ١٥] منصور وحضر معه القضاة والفقهاء وذلك عن ربع التدريس بالمكان المذكور نزل عنه ابن عمه وكان تدريس هذه المدرسة قد صار الى بدر الدين ابن الشيخ صدر الدين بن منصور فنزل عن نصفه للشيخ بدر الدين بن الرضي فلما توفي نزل عنه لولده شمس الدين فنزل عنه للقاضي بدر الدين المقدسي ثم نزل عنه لابنه فنزل عنه للشيخ برهان الدين بن خضر ثم نزل عنه للسيد ركن الدين بن زمام واستمر النصف الآخر بيد ولد بدر الدين بن منصور ثم نزل عنه لابنه منصور وشمس الدين بن الرضي نصفين انتهى ثم قال في الشهر المذكور منها : وفي هذا الشهر حكى لي القاضي ناصر الدين بن اللبودي انه صالح السيد ركن الدين ورد اليه تدريس الركنية ورجع هذا معيدا ورتب له شيء وعجل له بعضه انتهى وآخر من رأيناه درس بها الشيخ زين الدين بن العيني الحنفي ثم ولي بعده عمي القاضي جمال الدين بن طولون الحنفي وهو مستمر به الى الآن.

* * *

__________________

(١) تنبك ميق تولى نيابة دمشق سنة (٨٢٠) ثم طلب لمصر سنة (٨٢١) ثم تولاها مرة ثانية سنة (٨٢٤) فبقي نحو خمسة اشهر ثم عزل عنها ثم اعيد اليها في سنة (٨٢٥) ومات سنة (٨٢٦) بدمشق ودفن بتربة قرب مخفر الشيخ حسن في طريق الميدان.

٩٨

[وصف الركنية]

وهذه المدرسة (١) على معزبة واحدة بثلاثة شبابيك مطلة على جنينة على حافة نهر يزيد وثلاثة ابواب اوسطها الاكبر تفتح الى الداخل يدخل اليها من صحنها وهو مشتمل على ثلاثة لواوين وساحة مسقوفة بها بركة ماء يطلع اليها الماء في مدار وبابه بالايوان الغربي ومن هناك قناة الى الجرن الحجر ظاهر المدرسة الى لصيقه بير ماء في بيت وقبالة هذا الباب في الايوان الشرقي باب تربة الواقف ولها ثلاثة شبابيك مطلة على الطريق سرق في ايامنا احدها فسد.

[ربعة الركنية]

وبهذه التربة الربعة التي يحلف عندها الناس من دمشق وغيرها لما شاع انه من حلف عليها كاذبا قصمه الله تعالى.

* * *

[جامع الحاجبية]

ومنها جامع الحاجبية وسط الصالحية قبلي مدرسة ابي عمر بغرب وهو مشهور بالمدرسة الحاجبية.

انشأها الامير ناصر الدين محمد بن الامير مبارك الاينالي دوادار سودون النوروزي كان قد توجه في حياة مخدومه هذا الى مصر فبعد توجهه بثلاثة ايام مات مخدومه سودون المذكور وكان صحبته منه للسلطان تقدمة كثيرة ثم عاد الى دمشق وقد استقر حاجبا صغيرا فيها وامير التركمان وشرع في تجهيز الاغنام الشامية الى مصر ، ثم

__________________

(١) هذه المدرسة لا تزال موجودة معروفة في منتصف حي الاكراد وهي تحتفظ بتخطيطها الاول وجبهتها الشمالية ترى من الطريق فيها خطوط كوفية تزيد في جمالها وتجعل لها رونقا يلفت النظر اليها.

٩٩

خرج الى البلاد الشمالية واستخرج عداد الاغنام فكانت عدة ستة عشر الف رأس غنم ، واشترى هو ونائب القلعة سودون عدة عشرين الف رأس غنم وجهزها الى مصر فتفتحت أعين المصريين الى حضور الغنم اليهم فصارت سنة قبيحة.

وكانت العادة ان هذه الاغنام تذبح وتباع بدمشق فحصل للناس بسبب ذلك غلاء في اللحم حتى صار الرطل يباع بستة دراهم.

وفي أول سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة استقر في نيابة البيرة (١) واستهلت سنة سبع وخمسين وهو الحاجب الكبير بدمشق وفي ثاني عشرين جمادى الاولى منها عزل عنها وفي يوم تاسع جمادى الآخرة منها ألبس تشريفا بإمرة التركمان والأكاريد (٢) وفي يوم الجمعة تاسع عشري ربيع الآخر سنة ثمان عاد من مصر الى دمشق وكان له مدة بمصر وقد استقر أحد [أمراء] الألوف بدمشق مع امرة التركمان والاكاريد فاقام اياما قلائل ثم سافر الى البلاد الشمالية لجمع عداد الاغنام وارسالها الى مصر فصارت التركمان معه في اسوأ الاحوال ، ثم في اوائل سنة اثنتين وسبعين ورد اليه مرسوم بتجهيز الاغنام على العادة ومن مضمونه ان يشتري مائة فرس ويجهزها الى الاصطبلات الشريفة فشرع في ذلك.

[عمارة الحاجبية]

وفي غضون ذلك شرع في عمارة هذه المدرسة وكان محلها زقاقا غير نافذ يشتمل على بيوت فاشتراها من اربابها [ص ١٦] ولما كملت صادره السلطان ورسم عليه بها حتى باع موجوده ورام فكها.

__________________

(١) تدعى الآن بيره جك وهي من بلاد الجمهورية التركية قريبة من مدينة حلب.

(٢) يريد الاكراد جمع كردي.

١٠٠