القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦
٣٨١
٣٨٢

٣٨٣
٣٨٤

٣٨٥
٣٨٦

الباب الخامس والثلاثون

فيمن كان من اهل الصالحية من المحدثين والحفاظ

ومن ورد منهم اليها

اما المحدثون منها فلا يحصون كثرة فإنها لم تزل منذ عمرت معدن الحديث وإليها ينسب المحدثون وخصوصا المسندون منهم.

[المحدثون]

ولنذكر طرفا منهم. فمن ذلك :

علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور الأنصاري السعدي المقدسي الصالحي الشهير بابن البخاري ، الامام المحدث مسند الدنيا فخر الدين أبو الحسن ابن الفقيه القاضي المحدث الإمام شمس الدين أبي العباس البخاري ، عرف بذلك لتفقهه ببخارى وتحصيله بها من العلوم ما أظهره بالشام.

ولد في آخر سنة خمس وتسعين ، أو أول سنة ست وتسعين وخمسمائة ، وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وابن ملاعب والحرستاني ومحمد بن كامل وهبة الله بن طاووس وجمع ، وأجاز له الخشوعي وابن الجوزي واللبان والكراني وأبو جعفر الصيدلاني وعفيفة الفارقانية وخلائق ، وكان عالما جيد الاصغاء لما يقرأ عليه ، وكان اذا تخوف النوم قام قائما على متاخته والقارىء يقرأ فلا يزال كذلك حتى يذهب عنه النوم.

وطال عمره حتى كان يدعى رحلة الشام كما كان العز الحراني

٣٨٧

يدعى رحلة مصر ، وانجفل الناس اليه من الأقطار طلبا لعلو الاسناد ، وخرّج له الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان المقدسي مشيخة وسماها ب (أسنى [ص ١١٧] المقاصد واعذب الموارد) وخرج له مشيخة أخرى الحافظ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهري الحنفي ، وذيل عليها الحافظ جمال الدين ابو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي ، وافرد له شيخنا المحدث جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي ترجمة في مؤلف لخصتها في أوائل مشيخته الظاهرية وأكثر فيها من نظمه. ومات في ثاني ربيع الآخر سنة تسعين وستمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن بكير المقدسي النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه المحدث مسند الدنيا شهاب الدين أبو العباس. ولد في سنة خمس وسبعين وخمسمائة بجبل نابلس ، وتفقه على الشيخ موفق الدين واعتنى بالحديث فرحل فيه فسمع وقرأ وكتب الكثير وجمع وحصل ، فسمع بدمشق من يحيى بن محمود الثقفي وأحمد بن الموازيني وعبد الرحمن بن علي الخرقي وابن صدقة والخشوعي والجنزوي وغيرهم ، وبحلب من الافتخار الهاشمي ، وبحران من ابي الثناء الحراني ، وبالموصل من أبي الحسن علي بن هبل وإبراهيم بن المظفر البرتي ، وببغداد من ابن كليب وابن المعطوش (١) وابن الجوزي وجماعة ، وأجاز له خطيب الموصل وابن شاتيل وعبد المنعم الفراوي وابو السعادات القزاز ، وجمع منهم لنفسه مشيخة لطيفة ، وخرج له ابن

__________________

(١) كذا في الاصل وفي ذيل طبقات الحنابلة مخطوطة الظاهرية ، تاريخ ، رقم ٦١ بالسين المهملة وفي رقم ٦٠ حكت النقط من فوق السين.

٣٨٨

الظاهري مشيخة كبيرة ، والإمام آمين الدين محمد بن إبراهيم الواني أربعين حديثا ، وانتهى اليه علو الإسناد في وقته. سمع منه من القدماء الحفاظ الضياء المقدسي والزكي البرزالي وأبو الفتح بن الحاجب والسيف بن المنجا وأبو العباس الجوهري وخلائق غيرهم آخرهم موتا محمد بن الخباز حضر عنده ، وكان ثقة صحيح السماع حسن الخط سريع الكتابة كتب في ليلة كتاب الخرقي في الفقه على مذهب الإمام أحمد ، ومات في يوم الاثنين تاسع رجب سنة ثمان وستين وستمائة ودفن من الغد بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة ابن أحمد بن عمر ابن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة بن مقدام القرشي العمري المقدسي الصالحي الحنبلي شيخ دار الحديث النفيسية وناظرها علاء الدين أبو الحسن بن بهاء الدين ابن قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين ، ولد في شهر رمضان سنة أربع عشرة وسبعمائة ، وحضر على جده القاضي سليمان بن حمزة ، وسمع من الحجار ويحيى بن سعد في آخرين وحدث سمع منه الفضلاء ، وكان رجلا حسنا ذا حشمة ورياسة وروية وسماحة كثير الضيافة ، ومات في ليلة السبت ثامن عشري شعبان سنة اربع وتسعين وسبعمائة بدمشق ودفن في الغد بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن منصور السعدي المقدسي الأصل الصالحي المحدث الصالح القدوة الزاهد محب الدين أبو محمد بن أبي العباس بن المحب ، ولد يوم الأحد ثاني عشر المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة بقاسيون ، واسمعه والده من الفخر بن

٣٨٩

البخاري وابن الكمال وزينب بنت مكي وجماعة ، ثم طلب بنفسه وسمع من عمر بن القواس وأبي الفضل ابن عساكر ويوسف الغسولي وخلق من بعدهم ، وذكر ان شيوخه الذين أخذ عنهم [ص ١١٨] نحو من الف شيخ ، وقرأ بنفسه الكثير وعني بهذا الشأن ، وكتب بخطه الكثير والعالي والنازل ، وخرّج التخاريج لجماعة من الشيوخ ، وانتقى وأفاد. قال الذهبي : كان فصيح القراءة جهوري الصوت منطلق اللسان بالآثار سريع القراءة طيب الصوت بالقرآن صالحا خائفا من الله صادقا انتفع الناس بتذكيره وبمواعيده ، وذكره أيضا في معجم شيوخه وقال : كان شابا صالحا في سمعه ثقل ما. وقد حدث كثيرا توفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، وكانت جنازته مشهورة شيعه الخلق الكثير وكثر الثناء والتأسف عليه ، ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدين بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ اسماعيل بن ظفر بن أحمد بن ابراهيم بن مفرج بن منصور بن ثعلب بن عنيبة بن بكار بن عبد الله بن شرف بن مالك بن المنذر بن النعمان المنذري النابلسي الاصل الدمشقي المولد المحدث أبو طاهر ، ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق وارتحل في طلب الحديث الى الامصار فسمع بمكة من ابن الحصري ، وبمصر من البوصيري والأرتاحي والحافظ عبد الغني وجماعة ، وببغداد من ابن كليب والمبارك بن المعطوش وابن الجوزي وابن الاخضر وجماعة ، وباصبهان من أبي المكارم اللبان وأبي عبد الله الكراني وأبي جعفر الصيدلاني وجماعة ، وبخراسان من منصور بن عبد المنعم الفراوي والمؤيد الطوسي وزينب الشعرية وجماعة ، وبنيسابور من أبي سعد الصقال ومنصور الفراوي ، وبحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي

٣٩٠

وانقطع اليه مدة وكتب الكثير بخطه وحدث بالكثير. قال المنذري سمعت منه بحران ودمشق وكتب عنه ابن النجار ببغداد وقال كان شيخا صالحا ، وقا [ل] عمر بن الحاجب كان عبدا صالحا صاحب كرامات ومروءة مع فقر مدقع سهل العارية صحيح الاصول وحدث روى عنه الحافظ الضياء والمنذري والبرزالي والقاضي سليمان ، توفي في رابع عشر شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة بسفح قاسيون ودفن به من يومه.

* * *

ومنهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الأصل الصالحي المحدث الفاضل عز الدين أبو محمد وأبو القاسم وأبو الفرج ابن الحافظ عز الدين أبي الفتح بن الحافظ الكبير أبي محمد ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة وحضر على أبي حفص بن طبرزد وسمع من الكندي وطبقته وارتحل الى بغداد فسمع بها من الفتح بن عبد السلام وطائفة ثم الى مصر وكتب الكثير وعني بالحديث ومهر في صناعته وكان يفهم ويذاكر وتفقه على الشيخ الموفق وكان صالحا ثقة وانتفع به جماعة وحدث ، توفي في نصف ذي الحجة سنة احدى وستين وستمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك بن عثمان بن عبد الله ابن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصالحي المحدث الزاهد شمس الدين أبو الفرج بن الزمن (١) ، ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة بقاسيون ، وسمع بدمشق من الكندي وابن الحرستاني وابن مندويه حضورا ومن ابن البنا وابن الجلاجلي وابن ملاعب

__________________

(١) كذا في الاصل وفي الشذرات : ابن الزين وكذا في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب مخطوطة الظاهرية رقم ٦٠ ورقة ٣٣٢ وجه ٢ وفي النسخة رقم ٦١ فراغ مكان هذه الكلمة.

٣٩١

والشيخ الموفق وجماعة سماعا ، وببغداد من الفتح بن عبد السلام والداهري والسهروردي والحسن بن الجواليقي وغيرهم ، وسمع بحلب وحران والموصل ، وعني بالسماع وكتب بخطه وأثبت لنفسه ، وله اجازة من اسعد بن روح وعائشة بنت الفاخر وزاهر الثقفي وغيرهم.

قال الذهبي : كان فقيها زاهدا ثقة نبيلا ، وقال ايضا : كان من اولي العلم والعمل والصدق والورع وحدث [ص ١١٩] بالكثير واكثر عنه ابن نفيس والمزي والبرزالي وتوفي يوم الاثنين تاسع عشري ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ودفن من يومه بالقرب من قبر الشيخ ابي عمر.

* * *

ومنهم ـ احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الاصل الصالحي المحدث الامام العالم ، أقضى القضاة شهاب الدين ابن اقضى القضاة ناصر الدين الشهير بابن زريق ، قرأ القرآن واشتغل فقرأ الخرقي وأخذ الفقه عن جماعة منهم الشيخ شرف الدين بن مفلح قرأ عليه قطعة كبيرة من فروع والده ويقال انه كان يحفظ ثلث الفروع والشيخ شمس الدين بن القباقبي وأذن له في الافتاء وكان له ذهن جيد ومحاضرة حسنة ، ناب في الحكم عن قاضي القضاة شهاب الدين بن الحبال ثم قاضي القضاة نظام الدين ثم قاضي القضاة عز الدين البغدادي ، وترك عند موت والدته نيابة الحكم وأقبل على عمل الميعاد بالجامع المظفري وقراءة صحيح البخاري فيه مع تقشف وديانة الى أن لحق بالله تعالى في الطاعون سنة احدى وأربعين وثمانمائة ، ودفن بالروضة قريبا من الشيخ الموفق وتأسف الناس على فقده.

* * *

٣٩٢

ومنهم إسماعيل بن ابراهيم بن شاكر (١) من ذرية عبادة بن الصامت الانصاري الصالحي المحدث الشيخ الصالح نجم الدين ابو الفدا.

سمع من الضياء وغيره ، خرج لنفسه مشيخة في مائة جزء عن اكثر من الفي شيخ ، وبالغ حتى كتب عمن هو دونه اكثر من ستمائة جزء ، وحدث بها ايام الجمع على كرسيه بالجامع ، وكان متوددا حسن الاخلاق متواضعا سمع منه المزي والذهبي ، توفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر سنة ثلاث وسبعمائة ودفن بقاسيون.

* * *

ومنهم ـ اسماعيل بن ظفر بن احمد بن ابراهيم بن مفرج المنذري (٢) الصالحي ـ وهو من ذرية الفقيه ابن المنذر ، المحدث الشيخ الامام ابو الطاهر.

سمع بمكة من ابن الحصري وبمصر من البوصيري وغيره ، وببغداد من ابن كليب وابن الجوزي وجماعة ، وباصبهان من ابي المكارم اللبان ، وبخراسان من منصور بن عبد المنعم والمؤيد الطوسي ، وبنيسابور من ابي سعد الصفار وغيره ، وبحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي وانقطع اليه مدة وكتب وحدث بالكثير وقال ابن الحاجب : كان عبدا صالحا له كرامات ذو مروءة مع فقر ، سهل العارية ، صحيح الأصول وسمع منه الضياء المقدسي والبرزالي والقاضي سليمان توفي في رابع شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة ودفن بالسفح.

* * *

ومنهم ـ سلامة بن ابراهيم بن سلامة الحداد (٣) الدمشقي

__________________

(١) في الشذرات والدرر «ابن سالم».

(٢) تقدمت ترجمة ص ٣٩٠ وقد أعادها المؤلف سهوا.

(٣) كذا في الاصل وفي الشذرات الحذاء والظاهر ان الصواب ما في

٣٩٣

الصالحي أبو الخير ويلقب تقي الدين.

سمع من ابي المكارم عبد الواحد بن هلال وابن الموازيني وغيرهما ، وعني بالحديث ، وكتب بخطه وقرأ وخرج التخاريج للشيوخ ، وكان ثقة صالحا فاضلا وكان ابن نقطة الحافظ يعتمد على خطه وينقل عنه في استدراكه ، روى عنه ابن خليل في معجمه توفي في سابع عشر ربيع الآخر سنة اربع وتسعين وخمسمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ عبد الله بن محمد بن ابراهيم بن نصر بن فهد الصالحي الشيخ المسند المكثر الخير الفقيه المحدث تقي الدين أبو محمد المعروف بابن قيم الضيائية.

أخذ عن الفخر بن البخاري وسمع من الشمس بن أبي عمر وابن الزين وابن الكمال ، سمع منه الذهبي وابن رافع والحسيني وابن رجب ، وأجاز للشهاب بن حجي وللشرف بن مفلح ، وتفرد بالكثير من مسموعاته ، وكان من الأتقياء حدث بالكثير وطال عمره وانتفع به وخرج وكان له حانوت بالصالحية [ص ١٢٠] يبيع فيه العطر ، توفي ليلة الثلاثاء خامس عشري المحرم سنة احدى وستين وسبعمائة وصلي عليه عقيب صلاة الظهر بالجامع المظفري ، وشيعه خلق كثير ودفن بالروضة عن احدى وتسعين سنة ذكره شيخنا ابن المبرد في طبقات المحدثين.

ومنهم ـ عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الراميني

__________________

الاصل فقد جاء في الشذرات انه كان يعمل القبابين ويعتمد عليه في تصحيحها. وهذا نوع من أنواع الحدادة.

٣٩٤

ثم الصالحي ، الشيخ الامام المحدث علامة الزمان شيخ المسلمين ابو محمد شرف الدين.

توفي والده وهو صغير فحفظ القرآن وصلى به وكان يحفظه الى آخر عمره ويقوم به في التراويح في كل سنة بجامع الأفرم ، له محفوظات كثيرة منها المقنع في الفقه ومختصر ابن الحاجب في الاصول وألفية ابن مالك في النحو وألفية الجويني في علوم الحديث والانتصار في الحديث مؤلف جده قاضي القضاة جمال الدين المرداوي ، وكان علامة في الفقه يستحضر غالب فروع والده ، أستاذا في الأصول ، بارعا في التفسير والحديث مشاركا فيما سوى ذلك ، وكان شيخ الحنابلة بالشام بل بالممالك وأثنى عليه الأئمة في عصره كالبلقيني والتفهني (١) والديري ، واجتمع في آخر الأمر بالمحقق علاء الدين البخاري فتكلم معه في أنواع من العلم فأعجبه كثيرا وقال الحمد لله الذي هذا في هذه البلاد ، واجتمع في حال الشبيبة بالعلامة كمال الدين شيخ الشخيونية وتكلم معه في شرحه على المختصر في مواضع فاستحسن كلامه ، وأخذ عن أخيه برهان الدين والخطيب شمس الدين والشهاب بن خضر ، وأفتى ودرس وناظر واشتغل في العلوم وباشر نيابة الحكم قبل الفتنة وبعدها دهرا طويلا ثم ترك ذلك ولزم بيته يقصد للاشغال والافتاء ، حدث عن ابن أميلة والحافظ ابن المحب الصامت وخرج ، توفي ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة سنة اربع وثلاثين وثمانمائة ، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع المظفري ، وكان إماما قاضي القضاة شهاب الدين الأموي الشافعي وحضر بقية القضاة والاعيان وكانت له جنازة حافلة لم يخلف بعده مثله ، ودفن عند والده واخوته بالروضة.

* * *

__________________

(١) بفتح اوله وثانيه وسكون ثالثه ثم نون نسبة الى قرية بالقرب من دمياط (الضوء اللامع ١١ / ١٩٤).

٣٩٥

ومنهم ـ عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر البعلي الصالحي الفقيه المحدث الزاهد فخر الدين أبو محمد.

قرأ القرآن على خاله عبد الرحمن بن نصر قاضي بعلبك ، وسمع الحديث من ابي المجد القزويني والبهاء المقدسي وغيرهما ، وتفقه على الشيخ تقي الدين أحمد بن العز والشمس عمر بن المنجا ، وحفظ علوم الحديث وعرضه من حفظه على مؤلفه التقي بن الصلاح ، وقرأ الاصول وشيئا من الخلاف على السيف الآمدي والنحو على ابن الحاجب ، وصحب الشيخ الفقيه اليونيني والنواوي ، ودرس بعدة مدارس بدمشق نيابة وقد أثنى عليه اليونيني والبرزالي وكان من خيار المسلمين وكبار الصالحين ، توفي ليلة الاربعاء سابع رجب سنة ثمان وثمانين وستمائة بدمشق ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدين.

* * *

ومنهم ـ عبد الرحمن بن يوسف بن الطحان الصالحي الشهير قديما بابن قريج.

قال ابن مفلح الشيخ الامام المسند المعمر المحدث زين الدين سمع الحديث على الحافظ ابي بكر بن المحب وابن أميلة والصلاح بن أبي عمر ، وتفرد بالرواية عنهم أخيرا ، وطلب هو والشهاب بن الناظر وابن بردس الى القاهرة في أيام دولة الملك الظاهر جقمق بواسطة الامير تغري ورمش ـ وكان من فضلاء طلبة الحديث ـ فقرؤوا عليهم ، وأكرمهم المقام الشريف ، ثم حضروا الى دمشق خلا واحدا فتوفي بالقاهرة.

قال شيخنا أبو الفضل ابن الإمام وهو ابن الطحان توفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة ومولده سنة ثمان وستين وسبعمائة بدمشق.

* * *

٣٩٦

وأما والده فهو يوسف بن أحمد بن سليمان بن قريج الشيخ الامام الاوحد ذو الفنون ابن جمال الدين ، قال ابن حجي كان بارعا في الاصول أخذه عن الشهاب الاخميمي ، وأخذ العربية عن [ص ١٢١] العنابي (١) ، وتفقه في المذهب على الشمس بن مفلح وغيره. وكان بارعا في المعاني والبيان ولازم حلقة قاضي القضاة بهاء الدين السبكي لما قدم قاضيا وكان صحيح الذهن جيد العبارة إماما نظارا مفتيا مدرسا حسن السيرة عنده أدب وتواضع وكانت له ثروة قال ابن مفلح في طبقاته : ومع ذلك كان يكتب الجرائد بسوق الذراع بدمشق بالصالحية يوم السبت سادس عشري شوال سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وله نحو أربعين سنة.

* * *

ومنهم ـ أبو بكر بن ابراهيم بن قندس الصالحي الامام العالم العلامة ذو الفنون المحدث تقي الدين البعلي الاصل. قرأ القرآن وسمع على التاج بن بردس وغيره ، وتفقه على مذهب أحمد ، وحفظ فيه المقنع للشيخ موفق الدين وعني بعلم الحديث كثيرا ، وقرأ الأصول على ابن العصياتي بحمص ، وأذن له في الإفتاء والتدريس جماعة منهم شرف الدين بن مفلح ، ثم قرأ المعاني والبيان على الشيخ يوسف الرومي والنحو على ابن أبي الجوف وكان مفننا في العلوم وذهنه ثاقب ، ثم بعد وفاة الشيخ شرف الدين طلبه الشيخ عبد الرحمن بن داوود وأجلسه في مدرسة الشيخ أبي عمر فتصدى لإقراء الطلبة ونفعهم ثم ولي نيابة الحكم لقاضي القضاة عز الدين البغدادي مدّة ، ثم ترك ذلك وأقبل على الاشتغال في العلم وكسب يده ، وكان من الصلحاء له عمل في الفقه جيد وكتب فيه حاشية على الفروع وحاشية على المحرر ، ولم يزل كذلك الى ان لحق بالله عزوجل في يوم عاشورا سنة إحدى وستين

__________________

(١) في الشذرات : العنائي

٣٩٧

وثمانمائة وصلي عليه بجامع الحنابلة وكان يوما مشهودا ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين.

* * *

ومنهم ـ عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي المؤدب الصالحي الشيخ الصالح المحدث زين الدين ابن الشيخ المسند فخر الدين. سمع من ابن البخاري سنن أبي داود والتقي الواسطي وخطيب بعلبك ، وحدث وخرّج ، سمع منه الحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان يكتّب بمكتب بالصالحية لأن كتابته حسنة ، وكان من أهل الدين والخير ، وقال ابن رافع : كان عامل الضيائية متوددا كثير التحصيل للكتب الحديثية منزلا بدار الحديث الاشرفية ، توفي ليلة الخميس سادس عشر ذي القعدة سنة ستين وسبعمائة.

* * *

وأما والده الشيخ الصالح المسند مولده بقرية بذا (١) من الساحل في حدود سنة ثلاث وخمسين وستمائة وحفظ العمدة وسمع من ابن عبد الدائم وجماعة وحدث ، سمع منه الذهبي وذكره في معجمه ، وقال : روى لنا جزء ابن الفرات ، توفي في شعبان سنة خمس وأربعين وسبعمائة وقد أهمله ابن رجب في طبقاته.

* * *

ومنهم ـ عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الصالحي الشيخ المسند المعمر ذكره شيخنا ابن عبد الهادي في طبقات المحدثين. أحضر على زينب بنت الكمال واسمع على أحمد ابن علي الجزري وعبد الرحيم بن أبي الحسين ، وهو ابن أخت الشيخة فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي ، قال ابن حجر : قرأت عليه بمنزلها

__________________

(١) في الاصل بدا والتصحيح من الدرر الكامنة ٢ / ٤٤٠ وهي بفتح الموحدة وتشديد المعجمة والف مقصورة قرية من الساحل.

٣٩٨

من أول الحديث الحادي والعشرين من موافقات زينب بنت الكمال إلى آخر الموافقات بحضوره عليها ، مات في فتنة العدو المخذول تمر في شعبان سنة ثلاث وثمانمائة ودفن بالسفح.

* * *

وأما فاطمة المشار اليها فهي فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي المقدسية الصالحية ، سمعت على الحجار وغيره كثيرا ، وأجاز لها أبو نصر بن الشيرازي وأبو محمد بن عساكر وآخرون ، ومن حلب أبو بكر بن عبد اللطيف وابراهيم بن صالح العجمي وغيرهما ومن حماة الشرف البارزي ، ومن حمص خطيبها علي بن عبد الله بن مكتوم ، ماتت في شعبان سنة ثلاث وثمانمائة ودفنت بالسفح.

* * *

واما أختها عائشة فهي المسندة رحلة الدنيا [ص ١٢٢] أم محمد مولدها في الساعة الرابعة من يوم الجمعة سابع عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة. سمعت على الحجار صحيح البخاري وغيره ، وعلى الشرف عبد الله بن الحسن صحيح مسلم ، وعلى عبد القادر ابن الملوك السيرة الهشامية ، وعلى والدها وعبد الله بن الحسين بن أبي التائب وأبي بكر بن الرضي والشهاب الجزري وعائشة بنة المسلم ، وأجاز لها خلائق منهم البرهان بن الفركاح وابن الزراد والشهاب الجعبري وست الفقهاء بنة الواسطي ، وهي آخر من حدث عن هؤلاء بالسماع والاجازة ، وهي مكثرة شيوخا وسماعا ، وهي آخر من حدث بالصحيح عن الحجار سماعا ، وكانت في آخر عمرها أسند أهل الأرض إلا أنه لم ينتفع بها لخلو دمشق من طلبة الحديث ، ماتت قبيل العصر يوم الاربعاء رابع جمادى الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة وصلي عليها صبح يوم الخميس بالجامع المظفري بسفح قاسيون ، ودفنت بتربة العفيف إسحاق الامدي فوق الروضة ، وكانت جنازتها حافلة ، ونزل

٣٩٩

الناس بموتها درجة في جميع الآفاق ، ومن العجب العجاب أن ست الوزراء بنت عمر بن المنجا التنوخية كانت آخر من حدث من النساء في الدنيا عن ابن الزبيدي وماتت سنة ست عشرة وسبعمائة ، وعائشة هذه ضاهتها في وفاتها سنة ست عشرة وثمانمائة وزادت عليها بانه لم يبق من الرجال أيضا من سمع من الحجار رفيق ست الوزراء في الدنيا غيرها وبين وفاتيهما مائة سنة سواء.

* * *

ومنهم ـ محمد بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الصالحي الشيخ الصالح المحدث شمس الدين بن ابي عمر بن قدامة.

سمع حضورا من ابن اللتي وجعفر الهمداني وكريمة والضياء ، وتفقه ودرس ، وأتقن مذهب أحمد ، وقرأ الحديث ، واعتنى به ، وخرج ، وكتب الخط المنسوب ، وكان صالحا خيرا أمارا بالمعروف داعيا الى السنة والأثر ، محطا على المبتدعة ، توفي في خامس عشرين صفر سنة سبع وثمانين وستمائة ودفن بمدرسة جده أبي عمر بالسفح.

* * *

ومنهم ـ محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال المقدسي ثم الدمشقي الفقيه المحدث المناظر شهاب الدين أبو عبد الله.

سمع بدمشق من أبي المكارم بن هلال وقدم مصر فسمع بالاسكندرية من السلفي ، ورحل الى بغداد فسمع بها من أبي محمد ابن الخشاب وطبقته وتفقه على أبي الفتح بن المنى حتى برع وصار بحاثا مناظرا مفحما للخصوم ذا حظ من صلاح وأوراد وسلامة صدر ، أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر ، وكتب بخطه كثيرا من الحديث ، واعتنى بالتخريج وغيره من العلوم ، وأثنى عليه المنذري وسبط ابن الجوزي ،

٤٠٠