القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦

في جبل قاسيون ، فروى الحسن بن علي الاهوازي بسنده الى أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسأله رجل عن دمشق فقال : بها جبل يقال له قاسيون. فيه قتل ابن آدم اخاه وفي اسفله ولد ابراهيم عليه‌السلام وفيه أوى عيسى وامه عليهما‌السلام ، وما من عبد أتى معقل روح الله فاغتسل وصلى لم يرده الله خائبا ، فقال رجل يا رسول الله صفه لنا ، فقال هو بالغوطة في مدينة يقال لها دمشق ، وهو جبل كلمه الله عزوجل ، وفيه ولد ابراهيم عليه‌السلام ، فمن أتى هذا الموضع فلا يعجز في الدعاء ، فقال رجل يا رسول أكان ليحيى معقلا؟ فقال نعم ، احترس فيه يحيى من رجل من قوم عاد في الغار الذي تحته ، فيه دم ابن آدم المقتول وفيه احترس الياس من ملك قومه ، وفيه صلى ابراهيم ولوط وموسى وعيسى وأيوب عليهم‌السلام ، فلا تعجزوا في الدعاء فان الله عزوجل أنزل علي : ادعوني استجب لكم ، قال الحافظ ابن عساكر هذا حديث فيه مناكير ، وجزم غيره بوضعه ، وقال سبط ابن الجوزي والعجب من رواية مثل هذا الحديث الذي الفاظه تقر بوضعه ، وقد وردت عدة أحاديث وآثار موضوعة في فضل هذا الجبل ودمشق والغوطة.

ونحن اذا روينا ما تقدم آنفا فلا نريد من ذلك الا بيان صورة من صور الدعاية لهذا الجبل ، ولفت انظار الناس اليه وتشويقهم لزيارته وكثرة التردد اليه وهي صورة كانت شائعة سائغا شرابها في القرون الوسطى لم تختص بها دمشق وحدها بل كانت شائعة في كل البلاد بعد أن ذهب الفخر بالقبائل فخلفه الفخر بالبلدان ، ولكن دمشق فاقت جميع البلدان في فضائلها ومزاراتها وانبيائها وأوليائها فكانت رابع المدن المقدسة ، فعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه : أربع مدائن من مدائن الجنة وأربع مدائن من مدائن النار.

٤١

فأما مدائن الجنة ، فمكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق ، وأما مدائن النار فالقسطنطينية وطبريه وانطاكية المحترقة وصنعاء. ومع ذلك فقد زاحمت مصر دمشق على كثير من فضائلها وقداستها ، فحديث «الشام كنانتي ، ادخل فيها خيرتي» لم يسلمه لها المصريون وانتزعوا من الشام كنانته ، ورووا حديثا نبويا : «مصر كنانة الله في أرضه» وجعلوا اسم الكنانة أحد أسماء مصر وبمقابل ذلك غزاهم الدمشقيون في فسطاطهم الذي أنشأه عمرو بن العاص فرووا حديثا في أن دمشق الشام هي فسطاط المسلمين ، «ستفتح عليكم الشام فعليكم بمدينة يقال لها دمشق هي خير مدائن الشام ، وفسطاط المسلمين بأرض منها يقال لها الغوطة» وادرك الدمشقيون ثأرهم من المصريين وسلبوهم فسطاطهم كما سلبهم المصريون كنانتهم ، وغزا المصريون الدمشقين مرة ثانية وزاحموهم على الربوة التي أوى اليها المسيح وأمه مريم فلم يسلموا أن الربوة في دمشق بل جعلوها في الاسكندرية وتدخل العراقيون في هذه القضية فقالوا إن الربوة التي أوى اليها المسيح هي الكوفة والمعين هي الفرات.

ولعل ما ذكرته كاف لتصوير الاتجاهات الدينية في وضع الاحاديث وانتحالها لفضائل البلدان والاماكن كما أنه يعطينا صورة شيقة عن التنازع الاقليمي والوطني في الاقطار الاسلامية في القرون الماضية مستترا تحت ستار رقيق من الاحاديث النبوية المنحولة.

ما كان في قاسيون من المنشآت قبل الصالحية

اشتهر قاسيون اليوم بالصالحية وجبل الصالحية ، ويرجع تاريخ هذه التسمية الى عام (٥٥٤) هجرية لنزول بني قدامة المقادسة بها واشتهارهم بالصالحين.

٤٢

أما ما نريد في مقالنا هذا فهو المنشآت والاماكن التي سبق وجودها وجود الصالحية ، وهي تعد بمجموعها مصايف ومتنزهات رغم أنها كانت مسكونة في جميع فصول السنة.

سفحا قاسيون :

لقاسيون سفحان يفصل بينهما نهر يزيد فما كان على ضفته الشمالية فهو السفح الاعلى وهو سفح كبير واسع خال من الماء لم يكن ينتفع فيه الا بزرع شيء من الحنطة والشعير المسقيين بماء السماء. ولم يكن فيه شيء من البناء الا محلة دير مران ، والا بعض دور قليلة متفرقة في انحائه وبعض بنايات مقدسة كالاديرة ومغارة الدم والجوع وكهف جبريل اما السفح الادنى فهو ما كان على ضفة يزيد الجنوبية ، وهو سفح مزدهر ناضر عملت يد الانسان فيه فنظمته ونسقته ، وغرست فيه انواع الاشجار المثمرة والنجوم والبقول والازهار والرياحين ، ويرجع الفضل في ازدهاره الى نهر يزيد الذي يستمد من مائه خيراته وبركاته ، وبالحقيقة فان سفح قاسيون هو خير بقعة زراعية في دمشق لطيب أرضه ووفرة مياهه ، وتسلط أشعة الشمس عليه من الجنوب والشرق والغرب ، يضاف الى ذلك نشاط زراعه الذين يخدمونه أكبر خدمة ويسمدون ارضه بقمامات دمشق ، وارض السفح لا تستريح من الزرع اكثر من اسبوع او اسبوعين فالزرع فيه دائم صيفا وشتاء وخريفا وربيعا ، واذا كانت الاراضي الخصبة تؤتي أكلها مرتين كل عام فسفح قاسيون يؤتي أكله بضع مرات في السنة وهو الذي يمون دمشق طول السنة بأنواع الخضروات والبقول التي تتركب منها السلطات كالسلق والبراصيا والكراث والسبانخ والكزبرة والبقدونس والخس الصيفي والشتوي والفجل

٤٣

وغير ذلك. وهذا السفح الادنى كان عامرا آهلا بالسكان لسهولة العيش فيه فالمياه جارية فيه من كل جهة والثمار والاشجار متوفرة محتاجة الى من يعمل فيها ويحرسها.

ولذلك كان من يريد سكنى هذا السفح مستأنسا مطمئنا لوجود الزراع وحراس البساتين فيه بخلاف السفح الاعلى الذي كان (في القرن الخامس ومنتصف القرن السادس) خاليا من الناس خاويا مهددا بلصوص وادي التيم الذين كانوا يقصدون هذا الجبل ليلا ويصطادون من تقع عليه أيديهم من الناس ثم يقودونهم صاغرين الى بلاد الصليبيين ، فيبيعونهم هناك رقيقا.

أما ما كان في قاسيون وسفوحه من المنشآت والمحلات الاهلة بالسكان التي سبق انشاؤها وجود الصالحية الحاضرة فهي سبع محلات : دير مران ، الربوة ، النيرب ، ارزة ، بيت ابيات ، مقرى ، الميطور. وهي ما سنتكلم عليها.

دير مران :

هي محلة كانت عامرة آهلة بالسكان ، ومحلها اليوم في السفح الواقع اسفل قبة سيّار واعلى بستان الدواسة ، يطل منها الانسان على الربوة وحدائقها ذات البهجة التي كان يزرع فيها قديما الزعفران ولا تزال تلك الجهة حتى اليوم تدعى بدير مران ، وعرفت تلك الجهة بهذا الاسم لوجود دير يدعى بدير مران ، ذكره أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني وقال انه دير على تلعة مشرفة عالية تحتها مروج ومياه حسنة. ووصفه ابن فضل الله العمري في مسالك الامصار فقال : هو على تل في سفح قاسيون وبناؤه بالجص الابيض ، واكثر

٤٤

فرشه بالبلاط الملون ، وكان في هيكله صورة عجيبة دقيقة المعاني ، وقلاليه دائرة به ، وأشجار متراكمة ، وملؤه يتدفق وقال ياقوت انه على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة. ولا شك بأن مزارع الزعفران التي ذكرها ياقوت هي المعنية بقول البدري بأن في ديل الجبل الغربي في الربوة دف الزعفران. وللزعفران أثر كبير في حياة الاديرة قديما فقد كان يزرع في حدائقها وبساتينها ثم يباع وينفق ثمنه في مصالح الدير ولا نعلم الوقت الذي اندثر فيه هذا الدير ولعل ذلك كان في أواخر القرن الخامس الهجري زمن الحكومة الاتابكية حينما عجزت عن تقرير الامن في البلاد بسبب الحروب الصليبية فانتشرت اللصوص تعيث فسادا في الامكنة المتطرفة فهجر هذا الدير لذلك وتتابع خرابه.

وقد سكن العرب هذه الجهة منذ الفتح الاسلامي ، وذكر ابن جرير الطبري في تاريخه حينما خلع الوليد بن يزيد ان حميد بن حبيب اللخمي اقبل الى دمشق باهل دير مران والارزة وسطرا فبايع يزيد بن الوليد وكانت هذه المحلة من متنزهات بني أمية ، ورد في تاريخ ابن عساكر ان عبد الملك بن مروان كان يحدث جماعة من اصحابه على سطح بدير مران. وفي الاغاني ان جريرا الشاعر قدم على عبد العزيز ابن الوليد بن عبد الملك وهو نازل في دير مران فكان اصحاب جرير يفدون اليه صباحا يسامرونه ، وكان جرير يختم مجلسه بالتسبيح فيطيل. فقال له رجل : ما يغني عنك هذا التسبيح مع قذفك للمحصنات؟ فتبسم وقال يابن أخي (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم) انهم والله يابن أخي يبدؤونني ثم لا أحلم ، ومن الراجح ان يكون للامويين بعض القصور في تلك الجهة. أما في العصر العباسي ، فالظاهر أن دار الامارة انتقلت من دمشق الى دير

٤٥

مران لان العباسيين لما استولوا على دمشق هدموا جميع دور الامويين وما يتصل بهم من آثار ، ومن جملتها دار الخضراء التي كانت مسكن الخلفاء الامويين. وكان العباسيون لا يطمئنون الى السكنى داخل دمشق خوف الوثوب بهم والثورة عليهم وقد وثبوا على الامير سالم بن حامد امير دمشق من قبل المتوكل فقتلوه ومن قدروا عليه من اصحابه على باب الخضراء بدمشق. لذلك اختار العباسيون دير مران لحصانته وجمال موقعه وطيب هوائه فنزلوا في بعض القصور التي كانت فيه. يدل على ذلك أنا لا نجد في العصر العباسي ذكرا لدار الامارة داخل دمشق ولا لنزول الخلفاء العباسيين فيها. فهارون الرشيد لما زار دمشق نزل دير مران وكذلك المأمون الذي جعل مقره وعسكره فيها ، واجرى اليها قناة من نهر منين وعمر قبة في اعلى الجبل ، فاجراء قناة من نهر منين يدل على وجود الحاجة الدائمة الى الماء.

وفي عصر المأمون اقيم مرصد فلكي في جبل قاسيون بين سني ٢١٥ ، ٢١٨ ولما أرسل الواثق العباسي رجاء بن اشيم لتأديب العصاة من أهل الغوطة نزل أيضا دير مران عام (٢٢٧) وانزل عقوبته بالعصاة. وبنى أبو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون قصرا في دير مران كان ينزل به وهذا صريح فيما ذهبنا اليه من ان دار الامارة هناك ، وفي هذا القصر اغتيل ابو الجيش المذكور سنة (٢٨٢).

ويوضح لنا البحتري في مدحه ابا الجيش خماروية قيمة محلة دير مران التي كانت فيها دار الامارة ومكانتها هي ومقرى التي كانت مدخلا ودهليزا لدير مران يمثل لنا ذلك في وصف المعركة التي كانت بينه وبين الامير محمد بن ابي الساج في ثنية العقاب حينما انهزم ابو

٤٦

الجيش خماروية اولا ثم كر على ابن ابي الساج وجيشه فهزمهما فيقول البحتري في ذلك :

اما كان في يوم الثنية منظر

ومستمع ينبي عن البطشة الكبرى

وعطف ابي الجيش الجواد بكرة

مدافعة عن دير مران أو مقرى

فلم يقل عن دمشق وانما قال عن دير مران لانها دار الامارة ومقر الامير وفي سنة (٣٥٩) ارسل المعز لدين الله الفاطمي (باني مدينة القاهرة بمصر) قائده جعفر بن فلاح لفتح مدينة دمشق ففتحها في السنة المذكورة ووضع فيها نائبه (اقبال) وعاد الى مصر فقام الشريف ابو القاسم اسماعيل بن ابي يعلى فطرد اقبالا نائب الفاطميين وأعلن عصيان دمشق ، فرجع القائد جعفر بن فلاح الى دمشق فقاتل أهلها حتى ظفر بهم وفتحها مرة ثانية سنة (٣٦٠) واتخذ دير مران محلا لسكنه حتى قتله فيه الحسن بن احمد القرمطي حينما استولى على دمشق.

هذه النصوص كلها تبرهن على ان دير مران كانت دار امارة في العهد العباسي والطولوني والفاطمي الى زمن زوال سلطتهم عن دمشق.

وقد تغنى الشعراء قديما بدير مران وجمال منظره وطيب هوائه نكتفي منها بقول الببغاء الشاعر :

يا صباحا بدير مران راقا

هجت منا القلوب والأحداقا

٤٧

ومشت نسمة تؤمك حتى

رفعت بالعبير فيك رواقا

واتينا اليك نقطع ارضا

ملأتنا الى اللقا اشواقا

وسمعنا الطيور تصدح زهوا

حيث سكران طيبها ما افاقا

وصبا قاسيون تنفح فينا

سكبت من هبوبها رقراقا

فجلسنا في مجلس مستطاب

فيه كأس السرور كان دهاقا

ونظرنا من ربوة الشام مرأى

قلبنا لم يزل له مشتاقا

الربوة

وهي التي قال عنها الرحالة ابن بطوطة : هي من أجمل مناظر الدنيا ومتنزهاتها وبها القصور المشيدة والمباني الشريفة ، والبساتين البديعة.

وعدها المتقدمون من قاسيون مع أنها واد وليست بجبل لان الحد الطبيعي لهذا الجبل من الجنوب هو نهر بردى. وهي أول منفسح الوادي الغربي الآخذ الى دمشق وفيها يخرج بردى من سجنه الضيق فينقسم فيها الى عدة انهار ففي سفح قاسيون من جهة الشرق والشمال نهرا يزيد وثورى ، وفي سفح جبل المزة من جهة الغرب والجنوب قناة الداراني ثم قناة المزة ثم قنوات ثم بانياس ، وباسفل الوادي يسيل ما بقي من المياه في بردى. ففيها يظهر تقسيم هذا النهر الى عدة انهار فيزيد تلك الجهة نضارة وجمالا.

٤٨

ويقول البدري : سميت بالربوة لانها مرتفعة مشرفة على غوطتها ومياهها وكل راب مرتفع على ما حوله يقال له ربوة. وبالحقيقة فان ما يسمى اليوم بالربوة ليس بربوة وانما هو واد تتدفق فيه المياه وتناسب ، ولكن كان في هذا الوادي محل يقصده الناس للزيارة والتبرك يسمى بالربوة وقد زال اليوم ولم يبق منه اثر الا كتابة كوفية فيه منقوشة على صفحة الجبل فبقيت التسمية شائعة على الوادي الذي كانت فيه الربوة. ولا نعرف الوقت الذي تتطاول اليه الربوة في القدم ، واقدم ما وصلت اليه في بحثي هي هذه الكتابة التاريخية المنقوشة في الصخر اسفل جبل قاسيون التي تفيد بأن هذه الربوة المباركة عمرت في ايام الامام المستنصر بالله الفاطمي الذي تولى الملك من سنة ٤٢٧ الى سنة ٤٨٧ ثم نرى بعد ذلك في كتب التاريخ اسم السلطان نور الدين محمود بن زنكي الذي حكم دمشق من سنة ٥٤٩ الى سنة ٥٦٩ وقد نسب اليه تجديد بناء طارمة مسجد الديلمي ، ولا نعلم من هذا الديلمي الذي ينسب اليه هذا المسجد. ولكن هذا يقع على مقربة من الكتابة المكتوبة في عهد المستنصر الفاطمي. ويقول البدري عن هذا المسجد : انه القاعة التي بناها نور الدين وانها على شعب جبل جميعها متختة بالواح من الخشب سقفها نهر يزيد ، واساسها من تحتها نهر ثورى ، ومنظرها من الغايات التي لا تدرك ، ويقول ابن طولون عما كان في الربوة من الآثار : كان بها التخوت وهو قصر مرتفع على سن جبل به قاعة لبوابة وطيقان على هيأة الايوان ينظر الجالس هناك من مسافة يوم لو لم يكن حائل وبه مأذنة ومسجد وميضأة ، وتحته نهر ثورى ، وفوقه نهر يزيد ، يصعد اليه من سلم حجر. بناه نور الدين للفقراء فان الاغنياء لهم قصور ، انتهى كلامه ، واقول سواء أقلنا عن هذا المكان انه قصر نور الدين او تخته ، او مسجده ، او مسجد الديلمي فهو مكان الربوة التي وردت في الكتابة الكوفية

القلائد الجوهرية م ـ ٤

٤٩

الفاطمية المنقوشة على صفحة الجبل ولا شك بأن السلم او الدرج الموصل الى هذا المسجد كان اسفل هذه الكتابة الكوفية ليراها الصاعدون الى المسجد والنازلون وهذا الدرج المذكور لا ينقطع عن هذا المسجد بل يتصل فوق نهر ثورى ثم يزيد الى ان يصل الانسان الى اعلى قاسيون ويسمى اليوم بالمنشار وقد ذهبت اكثر درجاته لطول العهد به ، والصعود عليه خطر مخيف ولكن الجريئين من الشباب يغامرون في سلوكه وقد صعدت عليه ونزلت منه مرارا أيام فتوتي ، وبنهاية هذا الدرج من الاعلى آثار بناء قديم وثم حجرة منحوته في صخر الجبل قد ذهب سقفها ، ونقر في جهتها القبلية محراب بطراز فاطمي ولكنه بسيط جدا خال من الصناعة الفنية.

أما الشعاب التي كانت تقوم عليها قاعة نور الدين أو قصره فلا فلا يزال قسم منها باقيا الى اليوم وقد كانت هذه الشعاب بارزة في الطريق العام فحين مد خط قطار بيروت كسر بعض هذه الشعاب ، ولما عبّد طريق دمر وطلي بالقارازيل قسم آخر من هذه الشعاب وذهب قسم من الكتابة الكوفية المنقوشة على الجبل وهي اقدم وثيقة تاريخية منقوشة على الحجر في دمشق ، ومن المترقب ان تذهب بقية هذه الكتابة في هذا العام لتصميم محافظة دمشق الممتازة على توسيع طريق الربوة ولذلك فاني الفت نظر من يعنيهم التاريخ والآثار الى العناية بهذه الوثيقة التاريخية القيمة والمحافظة عليها بطرق فنية لئلا تصاب بأذى أو ضرر. وفي طارمة هذا المسجد يقول الامير مجير الدين محمد ابن تميم :

يا حسن طارمة في الجو شاهقة

ما ان تمل بها العينان من نظر

٥٠

نزه لحاظك في طاقاتها لترى

اصناف ما خلق الرحمن للبشر

ترى محاسن واد يحتوي نزها

لذيذة السمع والابصار والفكر

في ربوة قد سمت حتى تخال لها

سرا تحدثه للأنجم الزهر

ما بين روض وانهار مسلسلة

تجري وتحمل أنواعا من الثمر

وفي هذا القصر يقول تاج الدين الكندي استاذ الملوك الايوبيين وناشر علم الادب والعربية بدمشق :

ان نور الدين لما أن رأى

في البساتين قصور الاغنياء

عمر الربوة قصرا شاهقا

نزهة مطلقة للفقراء

ويذكر البدري أن لهذا المسجد أوقافا على قراء ووعاظ وقراءة البخاري وغير ذلك كالمؤذنين والفراش والبواب والوقاد.

ويستفاد مما ذكر الرحالة ابن جبير الاندلسي الذي زار دمشق عام (٥٨٠) ان هذا المكان نفسه هو الربوة ومأوى المسيح وأمه مريم عليهما‌السلام فهو يقول عن نهر ثورى إنه يشق تحت الربوة وقد نقر له في الحجر الصلد أسفلها حتى انفتح له مسرب واسع كالغار وربما انغمس الجسور من سباح الصبيان أو الرجال من أعلى الربوة في النهر واندفع تحت الماء حتى يشق متسربه تحت الربوة ويخرج أسفلها وهي

٥١

مخاطرة كبيرة وهذا الوصف لا ينطبق الا على الجهة التي كان فيها قاعة نور الدين أو قصره أو مسجده. وقد وصف هذا المكان المقدس وصفا رائعا كما كان في زمنه فقال :

بآخر جبل قاسيون وفي رأس البسيط البستاني الغربي من دمشق الربوة المباركة المذكورة في كتاب الله تعالى مأوى المسيح وأمه صلوات الله عليهما ، وهي من أبدع مناظر الدنيا حسنا وجمالا واشراقا ، واتقان بناء واحتفال تشييد ، وشرف موضع ، وهي كالقصر المشيد ويصعد اليها على أدراج. وهي كالبيت الصغير وبازائها بيت يقال انه مصلى الخضر عليه‌السلام ، فيبادر الناس للصلاة بهذين الموضعين المباركين ولا سيما المأوى المبارك وله باب حديد صغير يغلق دونه ، والمسجد يطيف به وله شوارع دائرة ، وفيها سقاية لم أر أحسن منها ، قد سيق اليها الماء من علو ، وملؤها ينصب على شاذروان في الجدار متصل بحوض من رخام يقع الماء فيه ، لم ير أحسن من منظره ، وخلف ذلك مطاهر يجري الماء في كل بيت منها ويستدير بالجانب المتصل بجدار الشاذروان. ثم يذكر ابن جبير أوقاف هذا المكان المقدس فيقول : وللربوة المباركة أوقاف كثيرة من بساتين وارض بيضاء ورباع وهي معينة التقسيم لوظائفها ، فمنها ما هو معين برسم النفقة في الأدم (١) للبائتين فيها من الزوار ، ومنها ما هو للاكسية برسم التغطية بالليل ، ومنها ما هو معين للطعام الى تقاسيم تستوفي جميع مؤنها ومؤن الامين الراتب فيها برسم الامامة والمؤذن الملتزم خدمتها ولهم على ذلك كله مرتب معلوم في كل شهر وهي خطة من أعظم الخطط.

ويصف جمال مناظرها فيقول : ويشرف الانسان من هذه الربوة على جميع البساتين الغربية من البلد ولا اشراف كاشرافها حسنا وجمالا

__________________

(١) الادم ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان.

٥٢

واتساع مسرح للابصار ، وتحتها تلك الانهار السبعة تتسرب وتسيح في الطرق شتى فتحار الابصار في حسن اجتماعها وافتراقها ، واندفاع انصبابها ، وشرف موضوع هذه الربوة ومجموع حسنها أعظم من أن يحيط به وصف واصف في علو مدحه وشأنها في موضوعات الدنيا الشريفة خطير كبير. ويذكر البدري أنه كان بها سوقان ، وبها صيادو السمك يصطادون والقلايون على جبل النهر يقلون ، وكان يذبح فيها كل يوم خمسة عشر رأسا من الغنم خلاف ما يجيئها من المدينة وكان بها عشرة شرايحية ليس لهم شغل غير الطبخ والغرف في الزبادي والصحون وكل ما تشتهيه الانفس ، وبها فرنان وثلاث حوانيت لعمل الخبز التنوري وبها حمام ليس على وجه الارض نظيره لكثرة مائه ونظافته (لعله الحمام الذي بناه أبو الجيش خمارويه وقتل به وكان محله في محل المقهى الاول على يمين الذاهب الى دمر بين نهري يزيد وثورى ، ومن الممكن أن يكون هذا المقهى تابعا لقصر أبي الجيش المذكور) وللحمام المذكور شبابيك شرقية وشمالية وقبلية وعدة غرف ، وفي الربوة أيضا سبعة مقاصف كل مقصف فيه من الثريات والمصابيح والغطاء والوطاء ما لا يحتاج له الوصف حتى بعض الناس يطلع عليها ليتنزه يوما فيقيم بها شهرا.

ويقول ابن طولون ان بها جامعا بخطبة وأربعة مساجد ومدرسة يقال لها المنبجية موقوفة على مدرس حنفي وطلبة ، وبها عدة أبنية جميلة تزيد تلك الجهة جمالا ورونقا ففي الجبل الغربي صومعتان مبيضتان تحت كل منها ضريح عرف بالعاشق والمعشوق وشماليهما برج قديم يعرف بالعذول ولا شك أن هذه التسمية هي من قبل العوام ، وكان بعض الناس يقصد الربوة يوم السبت والثلاثاء وبعضهم يوم الاحد

٥٣

والاربعاء. ويقال لهذين اليومين المحفل يخرج الى الربوة فيها الحلقية والمشعبذون ، المخايلية والحكوية.

ومما تقدم يتضح مبلغ عناية الحكومات المتقدمة بهذه الامكنة للنزهة وتخصيص الاموال والاوقاف الطائلة لها دليل قاطع على اعتنائهم بالاصطياف والمصايف واعتنائهم بصحة أهل دمشق وبكل ما يسرهم ويبهجهم ومما يلفت النظران اسباب الاصطياف بها موفرة كاملة من كل جهة. فيها جميع المآكل والمشارب ، وفيها أدوات النوم من فرش ولحف وغير ذلك وفي مقاصفها الثريات والمصابيح وغير ذلك ، وفيها أماكن للعبادة لمن يريد ، ومعاهد للعلم لمن يريد ، وأسباب التسلية والترفيه عن النفس لمن يريد. فهناك المساجد والمدارس وهناك المخايلية (وهم المسمون في عصرنا بالكركوزاتية وقد كانت هذه التسلية نائبة عن السينما) وهناك الحكوية ايضا الذين يقصون على الناس السير الطريفة ، وهناك المشعبذون ايضاوهم الذين يقومون بالعاب السيما ، وهناك اماكن للاغنياء المثرين ، وأماكن للفقراء المعوزين يجدون فيها كل ما يحتاجون اليه من اكل وشرب ونوم مجاني. ومما يلفت النظر ان جميع أنواع التسلي والتلهي بها لم يكن فيه شيء من الفحش والخنا وانما كان مطبوعا بطابع ديني خلقي مبنيا على زيارة الاماكن المقدسة.

واشتهر بالانتساب الى الربوة عدة علماء كعبد العزيز بن بركات الخشوعي ومحمد بن ابي طالب الانصاري الجغرافي الشهير بشيخ الربوة مؤلف نخبة الدهر في عجائب البر والبحر.

وقد جاء في مدحها ووصفها عدة قصائد وأبيات شعرية نكتفي بالاشارة اليها والى أشهر مصدر لها وهو كتاب نزهة الانام في محاسن الشام

٥٤

لأبي البقاء البدري ولم يبق في الربوة اليوم من الآثار التي تدل على عمرانها القديم غير الكتابة الكوفية الفاطمية المتقدم ذكرها.

النيرب

محلة كانت عامرة آهلة بالسكان تلي الربوة من جهة دمشق ، والنيرب كلمة سريانية معناها الوادي ولكن يراد بها سفح قاسيون مما يلي الربوة ، ويقال أيضا النيربان : يعنى بهما النيرب الاعلى وهو الذي بين نهري يزيد وثورى ، والنيرب الاسفل هو ما بين ثورى وبردى وقد ورد لفظ النيربين في شعر وجيه الدولة بن حمدان قال :

سقى الله أرض الغوطتين وأهلها

فلي بجنوب الغوطتين شجون

فما ذكرتها النفس الا استخفني

الى برد ماء النيربين حنين

وقد كان شكي للفراق يروعني

فكيف يكون اليوم وهو يقين

ويصف ياقوت (النيرب) فيقول : قرية مشهورة بدمشق على نصف فرسخ في وسط البساتين أنزه مكان رأيته. ويقول البدري انها أعظم المحلات وأخضرها وأنضرها حسنة الاثمار كثيرة الازهار وبها سويقة وحسام يقال له حمام الزمرد وجامع بخطبة وهي مسكن الرؤساء والاعيان وبها دار قاضي القضاة نجم الدين يحيى بن حجي.

وقد زار النيرب الرحالتان : ابن جبير الاندلسي وابن بطوطة المغربي فقالا عنه : انها قرية كبيرة غطتها البساتين فلا يظهر منها الا ما سما بناؤه وبها جامع لم ير أحسن منه مفروش سطحه كله بفصوص

٥٥

الرخام الملون فيخيل لناظره انه ديباج مبسوط. وجاء في ترجمة أمين الدين بن أبي العيش الانصاري المتوفى سنة (٧٣٤) أنه صار ناظرا على هذا المسجد ووقفه وأنه أوقف فيه ميعاد حديث قبل الجمعة. وفي (كتاب تنبيه الطالب) ان هذا المسجد خرب وبطلت الصلوات فيه عدة سنين ثم أخذت آلاته الى عمارة الجامع والتكية التي أمر بانشائها السلطان سليمان مكان قصر الملك الظاهر سنة (٩٦٥) وحدث في النيرب جماعة من المحدثين جمع ابن طولون تحديثهم في جزء.

ونسج حول النيرب أيضا أساطير دينية فقيل ان في مسجده قبر حنة أم مريم جدة المسيح وان المسيح عليه‌السلام أوى لهذا المسجد وان الخضر ينتاب هذا المسجد دائما.

واشتهر النيرب باستشهاد الحلحولي والفندلاوي فيه حينما حاصرت جيوش الصليبيين دمشق سنة (٥٤٣) ففي أول يوم من مجيء الافرنج خرج جماعة من المسلمين لقتالهم وفي مقدمتهم الشيخ عبد الرحمن الحلحولي والشيخ أبو الحجاج يوسف بن درباس الفندلاوي فقال له حاكم دمشق معين الدين : يا شيخ ان الله قد عذرك ليس لك قوة على القتال أنا أكفيك. فقال الفندلاوي قد بعت واشترى لا اقيله ولا استقيله ثم قرأ «ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم». ثم مضى نحو الربوة فالتقى بالافرنج في النيرب فاستشهد هو والحلحولي في يوم واحد.

ولا يزال اسم النيرب معروفا مشهورا حتى عصرنا هذا ولم يبق فيه من الآثار الا أساس قبة ومنازة في بستان يسمى بستان المأذنة تبلغ

٥٦

أبعاد القبة خمسة أمتار في مثلها تقريبا ، وقد بقي منها حائطاها الشمالي والغربي أما القبلي والشرقي فمهدومان وقد نبت في زاويتها الشرقية القبلية شجرة تين وشرقي القبة بقية منارة تبعد عن القبة نحو خمسة عشر مترا تقريبا وللقبة شباكان أحدهما غربي والآخر شمالي وأمام الشباك الشمالي عتبة عليا ملقاة على الارض نقش عليها بعبارة ملحونة ما يلي : (هذه تربة العبد الفقير الى الله تعالى عبيد الفقراء أبو المحاسن يوسف ابن أبي نصر بن أبو الفرج ابن الشعاري رحمه‌الله وتقبل منه مما أوقفه بشرط كتاب الوقف على هذه التربة والخانكاه التي لزيق هذا التربة الجنينة التي لزيقهم وما فيها من عميرة وعيرة وأربع دكاكين التي لزيق الجنينة ، وثلث طاحون الصابونية وخمس قريط والقاعة والثلاث حجر داخل دمشق بمحلة حارة البلاطة وما يشرى من ملك وقفا على التربة والخانقاه المذكورة برسم مصالحه والمقيمين بها وحرام على من ينزل في) وهنا تنتهي الكتابة وباقيها على عتبة أخرى مثل هذه العتبة ولكنها مفقودة. وهذه الخانقاه لم يذكرها النعيمي في تنبيه الطالب ولا ابن طولون في القلائد الجوهرية وقد ترجم ابن العماد في شذرات الذهب بانيها في وفيات سنة (٦٩٩) فقال : وفيها ابن السفاري أمير الحاج يوسف بن أبي الفرج الدمشقي حدث بالصحيح مرات وروى عن الناصح والاربلي وجماعة وحج مرات توفي في زمن التتار ووضع في تابوت فلما أمن الناس نقل الى النيرب ودفن في قبته التي بالخانقاه وله نحو من سبعين سنة. واذا كان البدري المتوفى في آخر القرن التاسع الهجري يشيد بذكر الربوة والنيرب فإننا نرى العلموي الذي كان يعيش في منتصف القرن العاشر يقول عند ذكر جامع النيرب :

رحم الله من كان في ذلك الزمن. وهذا الزمان الآن يكاد أن لا يعرف (يريد مسجد النيرب) ، واذا كان الانسان فيه وقت الظهر ربما تشلح

٥٧

ثيابه وتؤخذ أسبابه ، وذلك من ظلمة الوقت. وقد أكثر الشعراء من مدح النيرب ووصفه فيقول أحمد بين الحسين المعروف بابن خراسان :

جزى الله عنا النيرب الفرد صالحا

لقد جمع المعنى الذي يذهب الفكرا

خرجنا على أنا نقيم ثلاثة

فطاب لنا حتى أقمنا به عشرا

ولابن لؤلؤ الذهبي :

رعى الله وادي النيربين فإنني

قطعت به يوما لذيذا من العمر

درى أنني قد جبته منتزها

فمد لاقدامي ثيابا من الزهر

وله أيضا :

ويوم لنا بالنيربين رقيقة

حواشيه خال من رقيب يشينه

وقفنا وسلمنا على الدوح بكرة

فردت علينا بالرؤوس غصونه

أرزة

محلة مكانها اليوم حي الشهداء في طريق الصالحية ، يقول ابن طولون في ضرب الحوطة : هي قرية ادركت بعض بيوت فيها ، ولي بها بيت بجنينة ، وأدركت جامعها بمأذنته صومعة عند قبور الشهداء. وفي تاريخ الصالحية له : مأذنة عبد الحق عند قبور الشهداء بدرب

٥٨

الجسر الابيض مبنية بآجر كبار ورأسها على هيئة صومعة وقد وقعت في أيامنا ، ويقول في بهجة الانام :

سئلت عن قبور الشهداء في طريق الصالحية عن يمينك وأنت نازل من طريق الصالحية ، فقلت لا أعلم خبرهم. لكن المحدث جمال الدين عبد الواحد أحد أشياخنا ذكر أنهم ثلاثة اخوة من الصحابة قتلوا في فتح دمشق ودفنوا ثمة ، وانه عمر عندهم مسجدا شيخنا الشيخ محمد ابن قديدار من أصحاب أبي بكر الموصلي ، واشتهر بالصلاح ، حتى أن تيمور لما قدم دمشق بعث من حماه وأمنه ومن معه فلم يصبهم مكروه.

بيت أبيات

وهي قرية في سفح قاسيون مكانها اليوم في محلة طاحون الاشنان أسفل حي الاكراد ، سكنها جماعة من العلماء والمحدثين ، وممن سكنها وتوفي فيها مؤرخ الشام الجليل أبو شامة مؤلف كتاب الروضتين وذيله ، ولهذه القرية أسطورة دينية أيضا هي أنها كانت مسكن آدم أبي البشر ، ولما انشئت الصالحية في سفح قاسيون عام (٥٥٤) صارت بيت أبيات تدعى بالصالحية العتيقة ، وقد اضمحل أمرها في القرن العاشر الهجري فيقول ابن طولون انه لم يبق في عصره من هذه القرية غير مسجدها والطاحون.

مقرى

هي في الاصل اسم لمخلاف من مخاليف اليمن نزل أهله في سفح قاسيون وسموا تلك الجهة باسم مخلافهم كانت بين نهري يزيد وثورى أسفل حي الاكراد تبعد عن طاحون الاشنان الى جهة الغرب نصف كيلو متر ، سكنها كثير من العلماء والمحدثين وكانت احدى الطرق التي تؤدي الى جبل قاسيون ، لان طرق هذا الجبل قديما كانت

٥٩

(دمشق) فلي شوق اليها مبرح

من جهة الشرق ، فكان يذهب اليه من المنافذ التي شرقي شارع بغداد ، ومن (بيت لهيا) التي حل محلها اليوم حي القصاع ، وفي مقرى يقول البحتري :

أما كان في يوم الثنية منظر

ومستمع ينبي عن البطشة الكبرى

وعطف أبي الجيش الجواد بكرة

مدافعة عن دير مران أو مقرى

فقصر أبي الجيش خمارويه كان في (دير مران) غربي الجبل ، و (مقرى) هي قرية شرقي الجبل ، كان يتوصل منها الى الجبل ثم يسير الانسان في سفحه حتى يصل الى دير مران في جهة الغرب ، فلذلك ذكر البحتري أن خمارويه يدافع عنها لكونها الطريق الموصل الى دير مران مقر الامير ، وكانت مقرى تعد من متنزهات دمشق ، وفيها يقول شاعر الشام ابن عنين يتشوق اليها حينما كان منفيا عن الشام.

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

وظلك يا (مقرى) علي ظليل

(دمشق) فلي شوق اليها مبرح

وان لج واش أو ألح عذول

بلاد بها الحصباء در وتربها

عبير وأنفاس الشمال شمول

تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق

وصح نسيم الروض وهو عليل

وبقيت عامرة الى منتصف القرن العاشر الهجري حيث اندثرت

٦٠