القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦

اجزاء ، كتاب الذكر ، جزءان ، كتاب الاسراء ، جزءان ، كتاب التهجد ، جزءان ، كتاب الفرج ، جزءان ، كتاب الصلات من الاحياء الى الاموات جزءان ، محنة الامام احمد ، ثلاثة أجزاء ، كتاب ذم الرياء ، جزء كبير ، كتاب ذم الغيبة ، مثله ، كتاب الترغيب في الدعاء ، جزء كبير ، كتاب فضل مكة ، أربعة أجزاء ، كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، جزء ، كتاب فضائل رمضان ، جزء ، فضائل عشر ذي الحجة ، جزء ، فضائل الصدقة ، جزء ، فضائل رجب ، جزء ، وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جزء ، الاقسام التي اقسم بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جزء ، كتاب الاربعين من كلام رب العالمين ، كتاب الاربعين بسند ، كتاب اعتقاد الامام الشافعي ، جزء كبير ، كتاب الحكايات ، سبعة اجزاء ، كتاب غنية الحفاظ في تحقيق مشكل الالفاظ ، في مجلدين ، كتاب الجامع الصغير لاحكام البشير النذير ، لم يتمه ، ذكر القبور ، في جزء ، وأجزاء أخر من الاحاديث والحكايات كان يقرأها في المجالس تزيد على مائة جزء ، مناقب عمر بن عبد العزيز ، جزء ، هذه كلها بأسانيد.

ومن الكتب بلا اسناد : كتاب الاحكام على ابواب الفقه ، في ستة أجزاء ، كتاب العمدة مما اتفق عليه البخاري ومسلم ، جزءان ، كتاب درر الاثر على حروف المعجم ، تسعة أجزاء ، كتاب السيرة ، جزء كبير ، كتاب النصيحة في الادعية الصحيحة ، جزء ، كتاب الاقتصاد في الاعتقاد ، جزء ، كتاب الاصابة لاوهام حصلت في معرفة الصحابة الذي الفه ابو نعيم الاصبهاني ، جزء كبير ، كتاب الكمال في معرفة الرجال يشتمل على رجال الكتب الستة ، في عشر مجلدات وفيه بعض اسناد ، ولما صنف كتاب تبيين الاصابة بأصبهان سمع بذلك الصدر عبد اللطيف ابن الخجندي فطلب الحافظ واراد هلاكه فاختفى وخرج في ازار ، ولما قدم دمشق كان يجلس يعظ في الجامع تحت النسر بعد الجمعة ثم بعد

٤٤١

العصر ثم اجتمع الشافعية والحنفية والمالكية عند الملك المعظم عيسى والصارم برغش والي القلعة وكانا يجلسان بدار العدل للنظر في المظالم ، فذكروا لهما ما اشتهر من اعتقاد الحنابلة وموافقة اولاد الفقيه نجم الدين الحنبلي ، واصرار الحافظ عبد الغني على لزوم اعتقاد [ص ١٣٩] الجهة والاستواء والحرف وافتوا بكفره ، وانه مبتدع لا يجوز ان يترك بين المسلمين ، وقالوا : نشتهي أن يحضر ، فأرسل الوالي اليه فأحضره فناظروه ، فقال له : كل هؤلاء على ضلال وأنت على الحق ، قال : نعم ، فأرسلوا كسروا منبره في الجامع ومنعوه من الجلوس ، فضاق ذرعا ورحل الى بعلبك ، ثم الى مصر فنزل عند الطحانين وصار يقرأ الحديث ، فأفتى فقهاء مصر باباحة دمه وكتب أهل مصر الى الصفي بن شكر وزير العادل أنه قد أفسد عقائد الناس بذكر التجسيم على رؤوس الاشهاد فكتب الى والي مصر بنفيه الى المغرب ، فمات قبل وصول الكتاب.

وروى عنه جماعة منهم : ولداه ابو الفتح وابو موسى ، والموفق والضياء وابن خليل وابن عبد الدائم ، وآخر من سمع منه محمد بن مهلهل الحسني (١) وآخر من روى عنه بالاجازة احمد بن ابي الخير سلامة الحداد.

توفي يوم الاثنين ثالث عشري ربيع الاول سنة ستمائة ودفن يوم الثلاثاء بالقرافة مقابل قبر الشيخ ابي عمر بن مرزوق واجتمع في جنازته خلق كثير من الأئمة والامراء وغيرهم.

* * *

ومنهم ـ علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الصالحي الشيخ الحافظ الزاهد أبو الحسن.

__________________

(١) في تذكرة الحفاظ ٤ / ١٦١ : محمد بن مهلهل الحيني وهو آخر من سمع منه.

٤٤٢

سمع بحلب من ابن رواحة وابراهيم بن خليل ، وبمصر من الكمال الضرير وغيره ، وبدمشق من ابن عبد الدائم والكرماني ، وعني بالحديث عناية تامة ، وكانت قراءته مفسرة حسنة ، وحصل الاصول ، وتقنع باليسير من العيش مع التقوى والصلاح ، وكان فقيها على مذهب أحمد ، ووقف كتبه وأجزاءه ، وحدث ، سمع منه الذهبي وغيره.

توفي في صفر سنة اربع وسبعمائة بالمارستان الدقاقي (١) وحمل الى سفح قاسيون فدفن مقابلة زاوية الشيخ ابن قوام وشيعه الشيخ تقي الدين بن تيمية وجمع.

* * *

ومنهم ـ محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الصالحي الحريري المنصفي ـ بضم أوله ـ الحنبلي الشيخ الامام الفقيه المحدث شمس الدين أبو عبد الله ولد سنة ست واربعين وسبعمائة واشتغل كثيرا وسمع الكثير من اصحاب ابن البخاري وابن القواص و [](٢) ابن عساكر وطبقتهم ووصفه الشهاب بن حجي بالحفظ وقال : رفيقنا وصاحبنا سمع معنا كثيرا وقرأ الكثير وكتب وضبط وحرر وأتقن وألف وجمع وكان له معرفة تامة ولازم الحافظ ابن المحب وتفقه أولا وصحب الامام زين الدين بن رجب واخذ عنه ثم نافره وانفصل عنه ، وكان يفتي ويعتني بفتوى الطلاق على اختيار التقي بن تيمية وامتحن بسبب ذلك

__________________

(١) كان هذا المارستان تحت منارة الجامع الاموي الغربية قبلي بيوت الخلاء الى غربي الجامع ويفصل بينه وبين الجامع الاموي السوق الضيق المشهور بعصرنا بسوق القوافين.

(٢) لم يظهر مقدار كلمة في التصوير

٤٤٣

ثم حصل له عقوبة من التتار ، مات في سنة ثلاث وثمانمائة ودفن بالسفح.

* * *

ومنهم ـ محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن ابي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي الامام المحدث الحافظ ناصر الدين بن زريق.

تفقه ، وطلب الحديث بنفسه ، وسمعه من الصلاح بن ابي عمر ، وتخرج بابن المحب ، ومهر في فنون الحديث وسمع العالي والنازل ، وخرج ورتب المعجم الاوسط على الابواب ، وصحيح ابن حبان ، قال ابن حجر : استفدت منه كثيرا وسمع معي على الشيوخ بالصالحية وغيرها ، ولم أر في دمشق من يستحق اسم الحافظ غيره.

مات في ذي القعدة سنة ثلاث وثمانمائة ودفن بالسفح.

* * *

ومنهم ـ موسى بن ابراهيم بن يحيى بن علوان الازدي الشقراوي الفقيه المحدث النحوي نجم الدين وصفه بعضهم بالحفظ سمع من ابيه والحافظين [اسماعيل](١) بن ظفر والضياء ، وقرأ الكثير على ابن عبد الدائم وابن ابي عمر ، وعني بالحديث وخرج وتفقه وافتى وقرأ العربية واللغة والادب وخرج وكتب جملة من التاريخ ، روى عنه الذهبي وغيره.

توفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعمائة ودفن غدا بسفح قاسيون.

__________________

(١) زيادة من الشذرات

٤٤٤

[الحفاظ]

[ص ١٤٠] وأما الحفاظ الواردون اليها فمنهم :

اسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي الشيخ الامام ابو الفدا عماد الدين ، مولده سنة عشرين وسبعمائة ، سمع من والده وقطب الدين اليونيني ومحمد بن الخباز وسمع منه ابنه التاج ومحمد بن نعمة الخطيب وغيرهم وكان احد الحفاظ الصلحاء المصنفين والمحدثين المكثرين ، وله مؤلفات منها منظومة نهاية ابن الاثير.

مات سنة ست وثمانين وسبعمائة.

* * *

ومنهم ـ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن ابي بكر بن ابراهيم الكردي الاصل المصري الشافعي المعروف بالعراقي الشيخ الصالح الحافظ الكبير زين الدين ابو الفضل ابن العلامة بدر الدين أبي عبد الله بن جمال الخطباء زين الدين.

ولد في الحادي والعشرين من جمادى الاولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمنشأة المهراني على شاطيء النيل بين مصر والقاهرة فلهذا كان بعضهم يقول المهراني وأصل أبيه من بلدة يقال لها رازيان (١) من عمل اربل وقدم القاهرة وهو صغير ونشأ في خدمة الفقراء المعتقدين كالتقي القنائي (٢) وبشره بالشيخ وقال سمه بعبد الرحيم باسم جده

__________________

(١) كذا في الاصل ولحظ الالحاظ لابن فهد ص ٢٢٠ وفي الضوء اللامع ٤ / ١٧١ رازنان

(٢) كذا في الاصل ولحظ الالحاظ ص ٢٢٠ وفي الضوء اللامع : القناوي.

٤٤٥

الاعلى عبد الرحيم القنائي أحد المعتقدين بصعيد مصر فكان كذلك وحفظ القرآن وهو ابن ثمان سنين وحفظ التنبيه واشتغل بالعلوم وأول اشتغاله كان في القراءات والعربية وأول من أخذ عنه ناصر الدين ابن سمعون والبرهان الرشيدي والسراج الدمنهوري والشهاب السمين وغيرهم ، وهم بالاجتماع بالعلامة ابي حيان والاخذ عنه لما بلغه انه يروي قراءة عاصم ، فصده عن ذلك ما بلغه من سوء خلقه وحطه على الفقراء ، وكان الشيخ زين الدين يخدمهم وحصل له ببركتهم ما حصل ، وكاد أن يتوغل في القراءات في بدء أمره فنهاه العز بن جماعة وقال له : انه كثير التعب قليل الجدوى وانت متوقد الذهن فينبغي صرف الهمة الى غيره وأشار عليه بالاشتغال في علم الحديث فأقبل عليه من سنة اثنتين وأربعين.

واول شيخ قرأ عليه الشهاب بن البابا ثم أخذ هذا العلم عن أبي الحسن بن التركماني الحنفي ، وتخرج به وانتفع به ، وسمع من ابي الفتح الميدومي وهو اعلى من اخذ عنه.

ورحل الى دمشق وصالحيتها سنة أربع وخمسين فأعلى من لقي بها محمد بن الخباز وقرأ عليه صحيح مسلم في ستة مجالس بحضور الزين بن رجب وأحمد بن عبد [الرحمن](١) المرداوي وغيرهما ، وكتب عنه في هذه السنة العماد بن كثير الحافظ.

ورحل إلى حلب فسمع بها من ابراهيم بن الشهاب محمود وغيره ، وحماة فسمع بها من قاضيها عبد الرحيم بن البارزي وغيره ، وبحمص من عمر بن النقبي وغيره ، وطرابلس من الصدر الخابوري وغيره ،

__________________

(١) زيادة من لحظ الالحاظ ص ٢٢٣.

٤٤٦

وبصفد من عمر بن يونس وغيره ، وببعلبك من أحمد بن عمرون في آخرين ، وبنابلس من محمد بن نعمة في آخرين ، وبيت المقدس من الحافظ صلاح الدين العلائي ولازمه وانتفع به ، وبالخليل من خليل القيمري وغيره ، وبغزة من سليمان ومحمد ابني سالم وغيرهما ، وبالاسكندرية من محمد بن البوري (١) وغيره ، وبمكة من الشهاب أحمد إمام مقام الحنفية بها وغيره ، وبالمدينة من العفيف المطري وغيره ، وبعدة من البلاد يجمعها الاربعون البلدانية تخريجه لنفسه لكن بقي منها أربعة بلدان ، وقرأ عليه العشرة الأولى منها الحافظ الجمال بن ظهيرة ، وكان قد عزم على الذهاب إلى العراق فأخبر أنه ليس [بها من يروي عنه](٢) فرجع من حلب ، ثم رحل مرة ثانية إلى دمشق ومعه أولاده وذلك سنة خمس وستين ، وتفقه بالجمال الأسنائي (٣) وغيره ، وعنه أخذ الاصول ، ثم حبب اليه علم الحديث فتوغل فيه حتى صار لا يعرف إلا به [ص ١٤١] وكان سريع الحفظ حفظ من الالمام أربعمائة سطر في يوم ، ونصف الحاوي في الفقه في خمسة عشر يوما ، وكان جميل الصورة كثير الحياء لا تأخذه في الله لومة لائم ، كثير التلاوة مواظبا على قيام الليل وصلاة الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، والستة من شوال ، لم يترك ذلك [إلا](٤) قبل موته بشهر لعجزه ومهما

__________________

(١) نسبة الى بورة بالضم قرية من عمل دمياط.

(٢) في الاصل «ليس يوم مات» وليس لها معنى. وفي لحظ الالحاظ ص ٢٢٦ هم بالارتحال الى بغداد فعاقه عن ذلك خوف الطريق مع قلة الرواة هناك.

(٣) كذا في الاصل وفي لحظ الالحاظ : والامام جمال الدين عبد الرحيم الاسنوي وعنه اخذ علم الاصول والظاهر ان النسبة لإسنا : اسنوي واسنائي.

(٤) زيادة من سياق الكلام.

٤٤٧

أحضره أهله من الطعام أكله ، وله وظائف تداريس وخطابة ومواعيد وغيرها بالقاهرة ، وحج مرات.

وجاور بمكة والمدينة ، وولي قضاءها وخطابتها وإمامتها في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ، وفصل عنها في ثالث عشر شوال سنة إحدى وتسعين ، ولزم الاشغال والاسماع مع مكارم الأخلاق ، وهو كثير الكتب والاجزاء الا [أنه](١) يقال ان السراج بن الملقن أكثر منه ، وأكثر منهما أجزاءا الحافظ أبو بكر بن المحب الصامت ، وصنف التصانيف المفيدة كالألفية في علوم الحديث ، وشرحها ، والتقييد ، والايضاح ، وتخريج أحاديث الاحياء ، وفيه فوائد كثيرة وصحح وحسن وضعف وعلل ، ثم اختصره وسماه : المغني ، وأكمل شرح الترمذي لابن سيد الناس ، ثم استأنف العمل من اول الجامع وكتب عليه فأكمله ، وكان شرع في شرح الألفية شرحا كبيرا ثم أضرب عنه وعمل الشرح المذكور أولا ، وله كتاب في المراسيل ، وجزء مسألة تحريم [الربا](٢) ونظم منهاج البيضاوي ، ونظم الاقتراح لابن دقيق العيد ، ونظم السيرة النبوية في ألف بيت ، ونظم غريب القرآن ، وخرج أحاديث منهاج البيضاوي في الاصول ما بين الظهر والعصر ، وله تصانيف اخر صغار ، وأملى الاربعين العشارية التي خرجها بالمدينة النبوية ، ثم شرع في الاملاء من سنة خمس وتسعين إلى أن مات فأملى أولا أشياء نثريات ، ثم أملى على الاربعين النووية. ثم أملى على امالي الرافعي ، ثم شرع في الاملاء من تخريج المستدرك فكتب منه قدر مجلد إلى أثناء كتاب الصلاة أملى ذلك في نحو ثلاثمائة مجلس من

__________________

(١) لم تظهر في التصوير.

(٢) لم تظهر حروفها في الاصل ، وفي الوضوء : ان له جزءا في تحريم الربا.

٤٤٨

أول السادس عشر بعد المائة الى آخر السادس عشر بعد الاربعماء ، ولكن الثامن بعد الاربعمائة وكذا الثالث عشر بعد الاربعمائة وما بعدها إلى آخر الامالي ليست من التخريج ، أما الثامن بعد الاربعمائة فأملاه فيما يتعلق بغلاء السعر وتغيير السكة وغير ذلك مما كان حدث ، وذلك في ربيع الآخر سنة خمس وثمانمائة ، وأما الثالث عشر فأملاه فيما يتعلق بطول العمر ، وأما الرابع عشر والخامس عشر فأملاهما من الاحاديث الستين العشاريات التي خرجها له أبو الفضل بن حجر صلة للاربعين التي خرجها هو لنفسه ، وكان السبب في عدوله اليها كبره ، وضعف عليه التخريج فاستروح الى املاء شيء قد خرج ، ولم يحتج فيه الى تعب المراجعة ، وكان ذلك لسؤال ابن حجر له في ذلك ، واشارة رفيقه نور الدين وولده الحافظ ولي الدين ففعل ذلك بعد قطع الاملاء مدة.

ثم لما كان في صفر سنة ست وثمانمائة وتوقف النيل ووقع الغلاء المفرط أملى مجلسا فيما يتعلق بالاستسقاء وهو المجلس الاخير وهو السادس عشر بعد الاربعمائة ، وفي أثناء ذلك استسقى به أهل الديار المصرية وتقدم فصلى بهم اماما وخطب خطبة بليغة ، فرأى الناس البركة من كثرة الشيء ووجوده مع غلائه ، ورحل اليه الخلق من مشارق الأرض ومغاربها ، وأخذ عنه الحافظ أبو الوفاء الحلبي وانتفع [ص ١٤٢] به خلق.

وكانت وفاته ليلة الاربعاء ثامن شعبان سنة ست وثمانمائة بالقاهرة ، وصلي عليه بجامع الحاكم ، وولي الصلاة عليه شهاب الدين احمد الذهبي الدمشقي ، ودفن في تربته خارج باب البرقية ، رحمه‌الله فلقد كان للدنيا به بهجة ، ولمصر به مفخر ، وللناس به انس ، ولهم منه فوائد جمة.

* * *

القلائد الجوهرية م ـ ٢٩

٤٤٩

ومنهم ـ محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الفارقي الاصل الدمشقي الشافعي المعروف بالذهبي ، الامام العلامة شيخ المحدثين وقدوة الحفاظ ومؤرخ الشام ومفيده شمس الدين أبو عبد الله.

ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة بدمشق ، وجمع القراءات السبع على أبي عبد الله بن جبريل المصري نزيل بيت المقدس ، فقرأ عليه ختمة جامعة بما اشتمل عليه التيسير للداني ونظمه حرز الاماني للشاطبي ، وعني بالحديث من سنة اثنتين وتسعين فسمع مالا يحصى كثرة من الكتب الكبار والاجزاء على خلق ، فسمع من أحمد بن شاكر موطأ مالك رواية أبي مصعب وغيره ، ومن علي بن القواس معجم ابن جميع وخلق ، ورحل الى مصر فسمع بها على أبي المعالي الأبرقوهي السيرة لابن اسحاق وغيرها ، وبالقاهرة على الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره ، وبالاسكندرية من الغرافي ، وببعلبك من التاج عبد الحق ، وبحلب من سنقر ، وبنابلس من العماد بن بدران وغيره ، وبمكة من الفخر التوزري وعدة ، وأجاز له باستدعاء الشيخ علاء الدين بن العطار وأحمد بن ابي الخير الحداد والشيخ عبد الرحمن بن ابي عمر وخلق ، وشيوخه في معجمه الكبير أزيد من ألف ومائتين بالسماع والاجازة ، وخرج لجماعة من شيوخه وأقرانه وجرح وعلل وعدل واستدرك وأفاد وانتقى واختصر كثيرا من تواريخ المتقدمين والمتأخرين وكتب علما كثيرا.

وصنف الكتب المفيدة منها : تاريخ الاسلام في عشرين مجلدا ، وسير [النبلاء](١) في عشرين سفرا ، وميزان الاعتدال في نقد الرجال

__________________

(١) في الاصل : النبا.

٤٥٠

مجلدين ، وطبقات الحفاظ ، مجلدين ، وطبقات القراء ، مجلد ، والمغني في احوال الرواة ، مجلد.

ومصنفاته ومختصراته وتخاريجه تقارب المائة ، وقد سار بجملة منها الركبان ، في أقطار البلدان ، وكان أحد الأذكياء المعروفين ، والحفاظ المبرزين.

ولي مشيخة الظاهرية قديما ، ومشيخة النفيسية والفاضلية والسكرية وأم الملك [الصالح] وغير ذلك ، ولم يزل يكتب حتى أضر في سنة احدى واربعين وسبعمائة.

ومات في ليلة الثالث من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق ودفن بمقبرة الباب الصغير.

* * *

ومنهم ـ يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الدمشقي الشافعي الامام العلامة حافظ الوقت محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج بن الزكي.

ولد في ، سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب ، ونشأ بالمزة ، وحفظ القرآن ، وتفقه قليلا ، ثم أقبل على هذا الشأن بهمة عظيمة ، فسمع أول شيء : كتاب الحلية كله على أحمد بن أبي الخير الحداد وغيرها ، والمسند لاحمد ، من أصحاب حنبل الرصافي ، ومعجم الطبراني الكبير من ابراهيم الدرجي ، وصحيح مسلم من الاربلي ، والشمائل على الفخر والكمال عبد الرحيم وابن النصيبي ، وسمع بقية الكتب الكبار كالستة وغيرها من المسانيد وجملة من الأجزاء الطبرزدية

٤٥١

والكندية ، ثم رحل سنة ثلاث وثمانين فسمع من العز الحراني وهو أقدم شيوخه وطبقته ، وسمع بالحرمين ، وبحلب ، وحماة ، وبعلبك ، وغير ذلك.

وأعلى ما سمع باجازة من طريق ابن كليب ، وأعلى مسموعاته مطلقا الغيلانيات ثم القطيعيات ، وقد فاته السماع من [ص ١٤٣] ابن عبد الدائم مع امكانه ، ونسخ بخطه المليح المتقن كثيرا لنفسه ولغيره ، ونظر في اللغة ومهر فيها وفي التصريف ، وقرأ العربية فقل أن يوجد في خطه لحنة أو سقطة.

وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها بأعبائها لم تر العيون مثله ، عمل كتاب : تهذيب الكمال مائتين (؟) جزء وخمسين جزءا ، وكتاب الأطراف في بضعة وثمانين جزءا ، ومن المعلوم أن المحدثين من بعده عيال على هذين الكتابين ، وخرج لغير واحد وأملى مجالس ، وأوضح مشكلات من علم الحديث ما سبق اليها.

وولي المشيخة بأماكن منها : دار الحديث الاشرفية وبها مات ، وكان ثقة حجة كثير العلم حسن الاخلاق كثير السكوت صادق اللهجة لم تعرف له صبوة ، وكان يطالع وينقل الطباق اذا حدث ، وهو في ذلك لا يكاد يخفى عليه شيء مما يقرأ بل يرد عليه في المتن والاسناد ردا مفيدا يتعجب منه فضلاء الجماعة ، وكان متواضعا حليما ذا مروءة وسماحة وقناعة باليسير باذلا لكتبه وفوائده ، صبورا على الأذى مقتصدا في ملبسه ومأكله ، كثير المشي في مصالحه ، ترافق هو وشيخ الاسلام التقي بن تيمية كثيرا في سماع الحديث ، وفي النظر في العلم ، وكان يقرر طريقة السلف في السنة ويعضد ذلك بمباحث نظرية ، وقواعد

٤٥٢

كلامية ، ولزم في وقت العفيف التلمساني فلما تبين له انحلاله واتحاده تبرأ منه وحط عليه ، ولقد آذاه أبو الحسن بن العطار وسبه فما كان يتكلم فيه.

مات يوم السبت ثاني عشر صفر سنة اثنتين واربعين وسبعمائة ، ودفن بمقابر الصوفية ولم يخلف بعده مثله في معناه.

* * *

ومنهم ـ عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي الشيخ الامام المحدث العلامة نجم الدين أبو القاسم المدعو بعمر ، واسمه محمد بن الحافظ تقي الدين أبي الفضل.

مولده بمكة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة ، وحضر بها على جماعة منهم : القاضي عبد الرحمن بن علي الزرندي والخطيب الكمال بن ظهيرة المسلسل بالاولية ، وعلى ابي بكر المراغي : الصحيحين وسنن أبي داود وصحيح ابن حبان والموطأ رواية معن وغير ذلك ، ومن نور الدين بن سلامة : السنن الكبرى بفوت للبيهقي ومشيخة ابن البخاري الظاهرية وذيلها ، ومن الشمس بن الجزري والشمس الكناني والمجد اسماعيل بن علي الزمزمي : مسند أحمد ، ومن التقي بن حجة بديعيته وسمع من الولوي العراقي وعبد الرحمن بن طولوبغا والنجم بن حجي والشهاب الواسطي خاتمة اصحاب الميدومي بالسماع ، ومحمد التدمري خاتمة أصحابه [](١) وحسين بن علي البوصيري خاتمة أصحاب المحب الخلاطي بالسماع ، وعبد الرحمن القباقبي خاتمة أصحاب السبكي ، وابن رافع ، وأجازت له عائشة بنت عبد الهادي والجمال الشرائحي

__________________

(١) كلمة لم تظهر في التصوير.

٤٥٣

وعبد القادر الارموي والشرف بن الكويك والعز بن جماعة والبدر ابن خطيب الدهشة والشهاب بن الهائم والبدر الدماميني وخلق يجمعهم معجمه المشتمل على نحو ألفي شيخ وزيادة.

وحدث وأكثر وخرج وألف كتبا كثيرة ، ومما ملكته من تخاريجه كتاب مورد الطالب الظمي ، لمرويات البرهان سبط ابن العجمي في مجلدة.

توفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثمانمائة بمكة المشرفة ودفن بباب المعلا ، وزرت قبره سنة حجيت وهي سنة عشرين وتسعمائة أراني اياه امام الحنفية صاحبنا الشهاب البخاري مع ولده شيخنا العز.

[ص ١٤٤] ومنهم ـ أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي ابن محمود بن أحمد بن احمد الكناني العسقلاني المصري الشافعي الشهير بابن حجر خاتمة الحفاظ ناقد الاسانيد والألفاظ قاضي القضاة شهاب الدين ابو الفضل بن الامام نور الدين.

ولد في ثالث عشري شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ومات والده وهو طفل ، رزق سرعة الحفظ بحيث حفظ سورة مريم في يوم ، وكان يحفظ الصفحة من الحاوي الصغير في ثلاث مرات ، يصححها مرة ، ويقرأها على نفسه أخرى ، ثم يعرضها حفظا ، وجاور بمكة سنة خمس وثمانين وسمع بها اتفاقا الصحيح على العفيف النشاوي وهو أول شيخ سمع عليه ، ثم صلى في هذه السنة بالمسجد الحرام التراويح بالقرآن العظيم ، ثم عاد إلى مصر ، وسمع بها على النجم بن رزين الصحيح أيضا ، واشتغل في عدة فنون ، ولم يكن له من يحثه ففتر عزمه إلى أول سنة تسعين ، فحبب اليه النظر في التواريخ والادبيات ،

٤٥٤

ثم حبب اليه في سنة ست وتسعين سماع الحديث على الاوضاع المتعارفة ، فسمع على مسندي القاهرة ثم خرج في التي تليها للبرهان الشامي ، ورحل الى الاسكندرية فسمع بها ، وركب البحر المالح الى بلاد اليمن غير مرة ، أولها سنة ثمانمائة فسمع بها ، وارتحل إلى دمشق في سنة اثنتين وثمانمائة فسمع بها على الحجار بالصالحية ، وأجاز له القاضي سليمان بن أبي عمر وأقام بها مائة يوم حصل فيها نحو ألف جزء غير الكتب (١) الكبار ، ثم رجع الى مصر واشتغل بالتصنيف وأكمل كتاب تعليق التعليق في سنة ثلاث وثمانمائة ، وتفقه على السراج البلقيني وهو أول من أذن له بالفتوى والتدريس ، وانتفع في علم الحديث بالحافظ الزين العراقي ، وأخذ الأصول عن العز محمد بن أبي بكر بن جماعة ، وجد في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى ، وله الخلق الرضي وسرعة الكتابة والكشف والقراءة وأسرع ما وقع له ان قرأ في رحلته الشامية معجم الطبراني الصغير في مجلس بين صلاتي الظهر والعصر وهو نحو من الف وخمسمائة حديث باسانيدها لانه أخرج فيه عن ألف شيخ كل شيخ حديث او حديثان.

ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية ، ثم تدريسها على مذهب الشافعي ، ثم التدريس عليه بالمؤيدية ، ثم فوض اليه الاشرف قضاء مصر يوم السبت ثاني عشري المحرم سنة سبع وعشرين فباشرها على ما يليق به لكن بنكد ، ثم صرف ، ثم اعيد ، وكانت هذه الولاية احسن ثم صرف ثم أعيد ثم صرف ثم أعيد ، ثم عزل نفسه ، ثم أعاده السلطان ، ثم صرف ، ثم أعاده ، ثم صرف ، ثم أعاده ، ثم صرف ، وعقد مجلسا للاملاء قديما ، ثم فتر عنه ، ثم عاد اليه ، واستمر إلى أن مات.

وبلغت عدة أماليه ألف مجلس وأربعون مجلسا ، منها : تخريج

__________________

(١) انظر ص ١٣٨ كيف ان بن حجر اخذ من دار الحديث الضيائية التي بالصالحية عدة احمال من الكتب.

٤٥٥

أحاديث مختصر ابن الحاجب الاصلي (١) وتخريج أحاديث الاذكار للنووي ، فبلغ فيه إلى قوله : قال الترمذي : وانما أنكر عمر على أبي موسى. وألف فتح الباري بشرح البخاري ، وتهذيب التهذيب ، ثم لخصه في تقريب التقريب ، وكتاب الاصابة في تمييز الصحابة ، وكتاب اتحاف المهره باطراف العشرة ، والسند العلي باطراف المسند الحنبلي ، والمطالب الغالية بزوائد المسانيد الثمانية ، ولسان الميزان ، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه ، ومعجم الشيوخ ، وديوان شعره ، ومختصريه ، وغير ذلك وجمع المجاميع واختصر وانتقى ، وانتفع به كثير من الشيوخ والأقران ، وحدث بكثير من مسموعاته ومؤلفاته سمع منه الائمة والحفاظ ، انتهى اليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال وما لأحد بعده إلى درجته وصول ، ولسان الحال ينشد ويقول :

هيهات أن يأتي الزمان بمثله

إن الزمان بمثله لبخيل (٢)

عقم النساء فما يلدن شبيهه (٣)

إن النساء بمثله لعقيم (٤)

وكانت وفاته ليلة السبت ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بمنزله بحارة بهاء الدين بالقاهرة ، وحمل تابوته إلى مصلى المؤمنين تحت القلعة بالرملية من أجل أن السلطان أمر بأن يحضر إلى هناك ليصلي هو عليه ، فحضر الجمع ، وكان وافرا جدا فتقدم في الصلاة عليه الخليفة بإذن السلطان ، وحمل إلى القرافة الصغرى ، ودفن

__________________

(١) هو المختصر الاصولي.

(٢) في الاصل : بخيل.

(٣) في الاصل : شبهه.

(٤) في الاصل : عقيم.

٤٥٦

بتربة بني الجزولي بين مقام الشافعي ومقام سيدي مسلم السلمي ، وكثر الاسف عليه لوفور محاسنه ، وانتاب الناس قبره مدة ، وكان موته مصيبة يالها من مصيبة ، رحمه‌الله تعالى.

وقدم الصالحية في ابتداء طلبه للحديث وسمع بها الكثير من الأجزاء وغيرها ، ولما قدم مع السلطان الأشرف ونزل بالعادلية الصغرى قدم اليها أيضا طالبا زيارة من بالسفح من الأنبياء والعلماء والمحدثين والصلحاء.

* * *

[ص ١٤٥]

الباب السادس والثلاثون

فيمن كان من أهل الصالحية من العلماء والزهاد ومن ورد اليها

أما العلماء فمنهم

أحمد بن أبي بكر بن العز أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي ابن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام القرشي المقدسي الاصل الصالحي الحنبلي الشهير بابن العز ، الفقيه العالم المفتي المسند المكثر شهاب الدين أبو العباس بن عماد الدين عز الدين بن عماد الدين.

مولده ليلة الجمعة خامس عشري صفر سنة سبع وسبعمائة بسفح قاسيون ، وسمع بها من القاضي سليمان من صحيح البخاري والاربعين الطايبة (؟) والبعث لابي بكر بن أبي داود وجزء بيبي وغير ذلك وهو آخر من سمع عليه ، وسمع من عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدائم جز [أي] الازجي والقواس وجزء ابن عبيد الهمداني ، ومن يحيى بن سعد النقفيات العشرة والأول من أمالي [](١) وغير ذلك ،

__________________

(١) كلمة لم تظهر في التصوير.

٤٥٧

وحضر على فاطمة بنت جوهر في الثالثة بعض البخاري ، وسمع من محمد ابن الجرائدي التوكل لابن ابي الدنيا وغيره ، ومن الحجار ومحمد بن النشو واسحاق الآمدي وشيخ الاسلام تقي الدين بن تيمية والقاسم ابن مظفر بن عساكر وأبي بكر بن مشرف ووزيرة بنت منجا وفاطمة بنت الفراء وهدية بنت عسكر في آخرين يطول ذكرهم.

وأجاز له من مكة الرضي الطبري وعثمان التوزري وغيرهما ، ومن القدس زينب بنت شكر ، ومن مصر اسماعيل بن العلم وابو القاسم بن رشيق وغيرهما ، ومن دمشق القاسم ابن عساكر وابن الشيرازي وابن النحاس ، ومن بغداد ابن الدواليبي وغيره ، وكان مكثرا من الشيوخ وله اشتغال في الفقه وأذن له بالفتوى ، وكان شيخا طويلا ذا فضل وخير ويفتي الناس وعليه أبهة ، وأقعد في آخر عمره ، وكان كثيرا ما يتمثل قول أبي النجم الشاعر :

يشكو اليّ جملي طول السرى. وحدث.

ومات في ليلة الاثنين العشرين من ربيع الاول سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بمنزله بالصالحية بسفح قاسيون ودفن من الغد بتربة الشيخ موفق الدين عند والده وأقاربه عن إحدى وتسعين سنة الا خمسة أيام.

* * *

ومنهم ـ أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الشيخ شرف الدين أبو الحسن.

ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ، وسمع من أبي الفرج ابن كليب وغيره ، وحدث ، وكان فقيها فاضلا ثقة ديّنا عاملا جمع

٤٥٨

الله له بين حسن الخلق والخلق والدين والأمانة والمروءة وقضاء حوائج الإخوان والكرم والاحسان للضعفاء والمرضى وقضاء حوائجهم والتهجد ، وكان يقول الحق ولا يحابي أحدا.

توفي ليلة رابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وستمائة ، ودفن من الغد بسفح قاسيون ، ورؤيت له منامات حسنة جدا ورثاه غير واحد.

* * *

ومنهم ـ ابراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد الشيخ عماد الدين ابو اسحاق ، وأبو اسماعيل ، أخو الحافظ عبد الغني.

ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وقال المنذري : سنة أربع ، وهاجر الى دمشق مع جماعتهم سنة احدى وخمسين لاستيلاء الفرنج على ارضهم ، فقرأ القرآن وسمع من ابي المكارم بن هلال وعبد الرحمن بن علي الخرقي وغيرهما ، وحفظ غريب القرآن للعزيزي ، ومختصر الفقه للخرقي ، ورحل الى بغداد مرتين : أولاهما مع الموفق سنة تسع وستين ، فقرأ القرآن على أبي الحسن البطائحي وسمع من أبي محمد بن الخشاب وشهدة الكاتبة وغيرهما ، وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي ، وتفقه ببغداد على أبي الفتح بن المنى [ص ١٤٦] حتى برع وناظر وأفتى ورجع الى دمشق واقبل على اشغال الناس ونفعهم.

قال الموفق عنه : كان من خيار أصحابنا وأعظمهم نفعا وأشدهم ورعا وأكثرهم صبرا على تعليم الفقه ، وكان داعية الى السنة ، وكان

٤٥٩

يقرىء الضعفاء القرآن ، ويطعمهم ، ويبذل لهم نفسه ، وكان من أكثر الناس تواضعا واحتقارا لنفسه ، وما أعلم أني رأيت احدا اشد خوفا منه ، وكان كثير الدعاء والسؤال لله تعالى ، وكان يطيل الركوع والسجود في الصلاة ويقصد ان يقتدي بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يقبل من أحد يعذله في ذلك.

وقال الضياء : كان عالما بالقرآن والنحو والفرائض وغير ذلك من العلوم ، وصنف كتاب الفروق في المسائل الفقهية ، وكتابا في الاحكام ، لكنه لم يتممه ، وكان مليحا ، وكان من كثرة اشغاله واشتغاله لا يتفرغ للتصنيف والكتابة ، وكان يتألف الناس ويلطف بالغرباء والمساكين حتى صار من تلاميذه جماعة من الاكراد والعرب والعجم ، وأنواع المذاهب ، وكثير منهم رجعوا عن مذاهبهم لما شاهدوا منه ، وكان سخيا كثير المعروف ، وأقام بحران مدة وانتفعوا به ، وكان يشغل بالجبل اذا كان الموفق بالمدينة ، فاذا صعد الموفق نزل هو فاشتغل بالمدينة ، وكان يقعد في جامع دمشق من الفجر الى العشاء لا يخرج الا لما لا بد منه ، وما علمت انه دخل الى سلطان ولا وال ولا تعرف بأحد منهم ، وخرج مرة الى قوم من الفساق فكسر ما معهم فضربوه حتى غشي عليه ، فأراد الوالي ضربهم فقال ان تابوا ولزموا الصلاة فلا تؤذهم وهم في حل من قبلي فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه ، وكان اذا أخذ من لحيته أو أنفه شعرة او برى قلما جعل ذلك في عمامته ، واذا كان على ثوبه غبار ذهب ونفضه خارج المسجد ، وكان لا يرى أن تخرج الحصير منه ليجلس عليها ، والحصير التي للمحراب لا يجلس عليها خارج المحراب ، واذا دخل الى بيت الماء ولم يسم خرج فسمى ثم دخل ، وكان أكثر الناس ذما لنفسه واذا غاب أحد من اخوانه ارسل الى بيته النفقة وغيرها ، وربما أرسل اليه بعضهم يشتري له حاجة فزاد في ثمنها من عنده ولا يعلمه ، وكان يدعو لمن

٤٦٠