القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦

وقال شيخنا الجمال ابن المبرد في كتابه الرياض اليانعه في أعيان المائة التاسعة توفي سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ودفن بتربته شرقي تربة السبكيين (١) تحت كهف جبريل بسفح قاسيون.

[أئمة الحاجبية]

واول من ولي امامة هذه المدرسة شيخنا ابو الخير الرملي ، ثم بعده شيخنا العلامة شهاب الدين العسكري ، ثم بعده ولده الزيني عبد القادر والعلامة شهاب الدين الشويكي بينهما نصفان (؟) وهي بيدهما الآن.

[خطباء الحاجبية]

وأول من ولى خطابتها القاضي تاج الدين بن عربشاه الحنفي ، ثم بعده شمس الدين الطيبي ، ثم بعده الشيخ نجم الدين بن شكم ، ثم بعده الكمال ابن قاضي نابلس وهو (؟) بيده الآن.

[المدرسون بالحاجبية]

واول من ولي التدريس بها الشيخ كمال الدين النيسابوري ، ثم بعده وصل الى غير أهله.

* * *

[وصف الحاجبية]

وهذه المدرسة (٢) من احاسن الصالحية بل من احاسن دمشق

__________________

(١) تربة السبكيين ترى تحديد موقعها في اول الجزء الثاني من هذا الكتاب.

(٢) هذه المدرسة عبارة عن عرصة واسعة لا ينتفع منها بشيء وهي معروفة مشهورة في زقاق ضيق قبلي المدرسة العمرية

١٠١

جميعها حجر لكن حرمها اصفر واسود وفيها أبيض ومحرابها وشباكاها القبليان وبحرتها ومئدنتها وارضها من حجر رخام ومعذري (١) وسقوفها عجمية وكان واقفها اراد ان يعمل جملونا فوق سقف حرمها ونجر خشبه فادركته المنية ولم يكمل. وبصحنها ثلاثة لواوين شماليها على

[خانقاة الحاجبية ومكتب الايتام]

وبصحنها ثلاثة لواوين شماليها على عمود من رخام به شباكان مطلان على ايوان خانقاه بها للصوفية وبين بابيها الداخل والخارج باب دهليز ينفد الى باب المئذنة وباب بيت البواب وباب بيت القيم وباب الخانقاه وباب بيت الماء وباب سلم المكتب للايتام وبالخانقاه الايوان المذكور وبه محراب من رخام ودايرها خلاوي علويه وسفلية ولها شيخ وعهدناه الشيخ ابراهيم القادري.

__________________

لجهة الغرب وامامها حمام الحاجب لا يزال عامرا وقد خربت من سقوط نصف منارتها عليها في زلزال سنة (١١٣٧) ثم صارت ماوى للبطالين وصاروا يقلعون حجارتها ويبيعونها وفي أيام مدحت باشا والي دمشق نفضت وما بقي من منارتها ورصفت بحجارتها طرقات الصالحية كما فعل مثل ذلك بجامع الافرم وبذلك فقدت دمشق ثروة فنية من اعطم ثروانها ولا تزال هذه الفكرة قائمة في رأس من يدعي الفهم يريدون تحطيم الابنية الاثرية والقضاء عليها قائلين أي فائدة منها؟ واني أذكر ان مهندسا فرنجيا أجاب من سمعه يهذي بمثل هذا الكلام : اذا لم تعلموا قيمة الآثار ولم تريدوا المحافظة على امجادكم وتراثكم الذي يحق الافتخار به اليس فيكم ذوق الجمال؟ وشرع هذه الايام باعادة بناء الحاجبية على طراز متقن.

(١) يتردد وصف الحجر بالمعذري كثيرا في هذا الكتاب والظاهر انه الحجر الاحمر الذي يوجد منه نموذج في بعض المدارس القديمة كأرض العادلية الصغرى ، ومنه حجر منحوت رصفت به الارض امام حمام الحاجب المقابل لباب المدرسة الحاجبية.

١٠٢

[درس بخاري وربعة]

ولهذه المدرسة بخاري كان يقرؤه شيخنا العلامة شهاب الدين ابن اللبودي وهو أول من قرأه وكان يحتفل لختمه ويقرأ به الربعة وقف المدرسة المذكورة وهي من التحف.

[جامع الجديد]

ومنها جامع الجديد على حافة نهر يزيد على الطريق الآخذ الى كهف جبريل (١) وأصله تربة الست خاتون بنت معين [الدين] اتز (٢).

__________________

(١) كهف جبريل غربي مغارة الدم واسفل منها فوق مقابر الصالحية التي فوق الجهاركسية. وفي مسالك الابصار (١ : ٢٠٩) وثمار المقاصد ص (١٦٣) : ذكر أبو الفرج ان مبدأ بناء الكهف في سنة (٣٧٠) ثم يذكر قصة طويلة بان جبريل الملك جاء اليه في المنام وامره ببناء مسجد فيه وان من اغتسل وصلى فيه ودعا قضيت حاجته راجع القصة بتفصيلها في الثمار وفي ابن عساكر (١ : ٢٣٥). وفي النجوم الزاهره (٤ : ٢٤٦) في سنة (٤١١) توفي محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفرج الدمشقي ويعرف بابن المعلم وهو الذي بنى الكهف بقاسيون ، ويقال له كهف جبريل ، وفيه المغارة التي يقال : ان الملائكة عزت آدم عليهم‌السلام فيها لما قتل قابيل هابيل وكان محمد هذا شيخا صالحا زاهدا متعبدا مات في رجب ودفن بمقبرة الكهف.

وهذا الكهف عبارة عن مغارة مستطيلة طولها نحو ستة امتار وعرضها نحو متر ونصف وخارجها مصنعان للماء وعدة غرف متهدمة وقبر لشخص مجهول قد يكون قبر ابن المعلم الذي أنشأ هذا المكان.

وليس فيها شيء يسترعي النظر غير موقعها الجميل المطل على دمشق والغوطة.

(٢) ان كتب التاريخ المطبوعة ترسمها هكذا (انر) والكتب الخطية (أتز) وهو ما أرجحه ولكن تلفظ (أطز) بالطاء حسب القاعدة التركية.

١٠٣

[خاتون وتربتها]

وقال الذهبي في العبر في سنة احدى وثمانين وخمسمائة : وعصمة الدين الخاتون بنت الامير معين الدين اتز زوجة نور الدين ثم صلاح الدين واقفة المدرسة التي بدمشق يعني التي بمحلة حجر الذهب (١) والخانقاة (٢) التي بظاهر دمشق يعني التي شمالي جامع تنكز توفيت في ذي الحجة ودفنت بتربتها التي هي تجاه قبة جركس بالجبل انتهى.

وقال في مختصر تاريخ الاسلام في سنة اثنتين واربعين وخمسمائة وفيها سار صاحب حلب نور الدين محمود بن زنكي فاستعاد ارتاحا (٣) من الفرنج فخافته ورعبت منه وتزوج بابنة نائب دمشق معين الدين اتز وارسلت اليه الى حلب انتهى.

وقال ابن كثير في تاريخه في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وفي صفر منها تزوج السلطان صلاح الدين بالست خاتون عصمة الدين بنت معين الدين اتز وكانت زوجة الملك نور الدين فاقامت مدة في القلعة محترمة مكرمة معظمة وولي تزوجها منه اخوها الامير سعد الدين مسعود بن اتز وحضر القاضي ابن ابي عصرون العقد ومعه جماعة من العدول وبات السلطان عندها تلك الليلة والتي بعدها ثم سافر الى مصر بعد يومين من الدخول بها انتهى.

وقال في سنة احدى وثمانين وخمسمائة الست خاتون عصمة

__________________

(١) هذه المدرسة لا وجود لها اليوم ومكانها في زقاق المدرسة السليمانية غربي خان الكمرك.

(٢) وهذه ايضا لا وجود لها اليوم.

(٣) في الاصل ارباحا. وارتاح حصن منيع من العواصم من اعمال حلب.

١٠٤

الدين بنت معين الدين نائب الشام اتز واتابك عساكرها قبل نور الدين وقد كانت زوجة نور الدين ثم خلف عليها من بعده صلاح الدين [ص ١٧] وكانت من احسن النساء واعفهن واكثرهن خدمة وهي واقفة الخاتونية الجوانية بالقرب من باب البريد (١) وخانقاه خاتون ظاهر باب النصر (٢) في أول الشرف القبلي (٣) على بانياس (٤) ودفنت بتربتها في سفح قاسيون قريبا من قباب الجركسية ولها اوقاف كثيرة غير ذلك انتهى.

وقال الاسدي في تاريخه في سنة احدى وثمانين وخمسمائة

__________________

(١) هو الباب الغربي لمعبد جوبيتر يقابله باب جيرون من جهة الشرق وكان موضعه في اول سوق الحميدية من جهة (محلة باب البريد) شماليه المدرسة العصرونية وجنوبه المدرسة المسرورية وفي مسالك الابصار (١ : ١٨٩) انه بقي موجودا الى زمن العادل ابي بكر ففكه لما عمر القلعة ونقل حجارته وعمده اليها.

(٢) هو احد ابواب مدينة دمشق يقابل باب البريد من جهة الغرب في منتهى سوق الحميدية عند سوق الاروام. وكان يدعى باب الجنان وباب دار السعادة وباب السرايا ويقول بدران في تعليقاته على ابن عساكر (١ : ٢٦٢) انه هدم سنة (١٢٨١) ه الموافق (١٨٦٣) م عند اصلاح الطريق.

(٣) الشرف المكان المرتفع المشرف على غيره سمي بذلك لأنه يشرف على المرجة ونهر بردى. يبتدىء من اول (شارع النصر) وينتهي عند (بناء جامعة دمشق القديم) وكانت تقوم فيه عدة ابنية عربية اثرية لم يبق منها الا جامع تنكز العظيم.

(٤) نهر يتفرع من بردى في الربوة ويجري في شمالي الشرف القبلي حتى يدخل القلعة فينقسم فيه الى قسمين : قسم يتجه نحو الشرق الى الجامع الاموي وحي القيمرية وما جاوره ، وقسم يتجه نحو القبلة الى خارج السور فيسقي بعض بساتين الشاغور والميدان.

١٠٥

عصمة الدين خاتون بنت معين الدين اتز زوجة السلطان صلاح الدين تزوجها سنة اثنتين وسبعين وكانت قبله [زوج نور الدين وهي] من أعف النساء واكرمهن واحزمهن ولها صدقات كثيرة وبر عظيم بنت بدمشق مدرسة لاصحاب ابي حنيفة في حجر الذهب وبنت للصوفية خانقاة خارج باب النصر على بانياس وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد مقابل تربة جركس (١) ووقفت على هذه الاماكن اوقافا كثيرة وكانت وفاتها في رجب كذا قال في المرآة.

وقال الذهبي توفيت في ذي القعدة ودفنت بتربتها وبلغ السلطان وفاتها وهو مريض بحران (٢) فتزايد مرضه وحزن عليها (٣) وتأسف وكان يصدر عن رأيها ومات بعدها أخوها سعد الدين مسعود في جمادى الآخرة من هذه السنة من جرح أصابه في حصار فارقين (٤) وكان من أكابر الامراء زوجه السلطان أخته ربيعة خاتون فلما توفي تزوجها مظفر الدين صاحب اربل وفي زماننا وسعت تربتها وعملت جامعا واقيمت فيه الجمعة وغيرها انتهى.

وقال الشيخ شهاب الدين ابو شامة في الروضتين في سنة احدى وثمانين وخمسمائة قال العماد في هذه السنة توفيت الخاتون العصمتية بدمشق في ذي القعدة وهي عصمة الدين بنة معين الدين اتز وكانت في عصمة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه‌الله فلما توفي

__________________

(١) سيتكلم المؤلف عن تربة جركس ومدرسته.

(٢) مدينة عظيمة في الجزيرة الفراتية كانت عاصمة بلاد مضر وهي اليوم من بلاد الجمهورية التركية.

(٣) في الاصل عليه.

(٤) ويقال لها «ميافارقين» وهي مدينة بديار بكر من بلاد الجمهورية التركية.

١٠٦

وخلفه السلطان بالشام في حفظ البلاد ونصرة الاسلام تزوج بها في سنة احدى وسبعين (١) وهي من أعف النساء واعصمهن واجلهن في الصيانة واحزمهن متمسكة من الدين بالعروة الوثقى ولها امر نافذ ومعروف وصدقات ورواتب للفقراء وادرارات وبنت للفقهاء والصوفية بدمشق مدرسة ورباطا.

قلت وكلاهما ينسب اليها فالمدرسة داخل دمشق بمحلة حجر الذهب قرب الحمام الشركسي والرباط خارج باب النصر راكب على نهر باناس في أول الشرف القبلي.

[مسجد خاتون]

واما مسجد خاتون الذي في آخر الشرف القبلي من الغرب فهو منسوب الى خاتون اخرى قديمة وهي زمرد بنت جاولي اخت الملك دقاق لامه وزوج زنكي والد نور الدين.

قال العماد وذلك سوى وقوفها على معتقيها وعوارفها واقاربها وكان السلطان حينئذ بحران في بحر المرض وبحرانه ، وعنف الالم وعنفوانه ، فما اخبرناه بوفاتها خوفا من تزايد علته ، وتوقد غلته ، وهو يستدعي في كل يوم درجا ويكتب اليها كتابا طويلا ، ويلقى على ضعفه من تعب الكتابة والفكر حملا ثقيلا ، حتى سمع نعي ناصر الدين محمد بن شيركوه ابن عمه فنعيت اليه الخاتون ، وقد تعدت عنه اليهما المنون.

وكانت وفاة ناصر الدين محمد في تاسع ذي الحجة فجأة من غير

__________________

(١) في الروضتين (٢ : ٦٦) اثنتين وسبعين.

١٠٧

مرض واجرى السلطان اسد الدين شيركوه (١) ولده على ما كان لوالده ومعاملته ومقابلتة باحسن [عوائده].

قلت وقبر الخاتون المذكورة في التربة المنسوبة اليها بسفح جبل قاسيون قبلي المقبرة الشركسية (٢).

واما ناصر الدين فنقلته زوجته وابنة عمه ست الشام بنت ايوب فدفنته في مقبرتها بمدرستها بالعوينة فهو القبر الاوسط بين قبرها وقبر اخيها وكانت (٣) ست الشام كثيرة المعروف [ص ١٨] والبر والصدقات الى ان قال :

قال العماد وفيها في جمادى الآخرة توفي اخو الخاتون المذكورة سعد الدين مسعود بن اتز ونحن قد فتحنا ميافارقين بها ، ولقد كان من الاكارم الاكابر ، ومن ذوي المآثر والمفاخر ، وما رأيت احسن منه خلقا وازكى عرقا ، ولم يزل في الدولتين النورية والصلاحية اميرا مقدما ، وعظيما مكرما ، لوفور فضائله ، ووفور فواضله ، وجد شهامته ، وحد صرامته ، رغب السلطان وهو زوج اخته ان يكون هو ايضا زوج اخته فزوجه بالتي تزوجها مظفر الدين كوكبري بعده.

__________________

(١) في الاصل : ابن شيركوه والتصحيح من الروضتين والشذرات.

(٢) في اعلى شباك في جدار الجامع الجديد مقابل التربة المثقالية على الطريق بلاطة كتب عليها ما خلاصته : انها أمرت بانشاء هذه التربة المباركة سنة (٥٧٧) وتربتها داخل الجامع الجديد من جهة الغرب والقبلة جعلتها دائرة الاوقاف دارا تؤجرها وهي في حالة رثة وفي اعلى القبة عدة دوائر جصية مزخرفة زخرفة جميلة سرق بعضها لما كانت تحت اشراف دائرة الاوقاف وقد رممتها مديرية الآثار من زمن قريب واعادتها الى هيئتها الاصلية.

(٣) في الاصل : وكان ست الشام.

١٠٨

[ربيعة خاتون]

قلت وهي ربيعة خاتون بنت ايوب (١) عمرت الى ان توفيت بدمشق بدار ابيها وهي دار العقيقي في شهر رمضان سنة ثلاث واربعين وستمائة وهي اخر اولاد ايوب لصلبه موتا (٢) وكان يحترمها الملوك من اولاد اخوتها واولادهم ويزورونها في دارها انتهى كلامه (٣).

وقال ابن قاضي شهبة في الكواكب الدرية في السيرة النورية : وقد كانت زوجته هذه يعني عصمة الدين ايضا من الصالحات الخيرات تكثر القيام فنامت ذات ليلة عن وردها فاصبحت وهي غضبى فسألها نور الدين عن امرها فذكرت له نومها الذي فوت عليها وردها فامر نور الدين عند ذلك بضرب طبلخانات في القلعة وقت السحر ليوقظ النائم ذلك الوقت لقيام الليل ورتب للضارب جراية وجامكية. قال ابن الاثير وكان لا يفعل فعلا الا بنية حسنة انتهى.

وفي شهور سنة تسعين وسبعمائة جعل هذه التربة جامعا بخطبة علم الدين سليمان بن حسين العقري (٤) التاجر.

* * *

[وصف الجامع الجديد]

وهذا الجامع على معزبة واحدة بثلاثة شبابيك الشرقي منها مطل

__________________

(١) هي اخت ست الشام وسيأتي الكلام عنها في المدرسة الصاحبية.

(٢) في الاصل آخر الاولاد لايوب لصلبه والتصحيح من الروضتين.

(٣) راجع الروضتين (٢ : ٦٦ و ٦٧).

(٤) على باب الجامع الجديد كتابة تؤيد ما ذكره المؤلف تحوي اسم الباني وتاريخ البناء في السنة المذكورة. ولا يزال هذا الجامع يحتفظ بشكله القديم.

١٠٩

على الطريق والاخران قبليان كانا مطلين على نهر يزيد ثم جعل قدام شرقيهما رواقا (؟) واستمر الآخر على حاله ولهذا الحرم ستة ابواب بينها المئذنة وقدامها ايوانان وبشرقيهما باب المئذنة وشماليها (١) صحن الجامع وهو الذي جدد وبه ثلاثة لواوين ولصيق غربيها ايوان بمحراب انشأه الخواجا ابو بكر بن العيني وبه شباكان وباب لتربته (٢).

[عشر فقاهات ـ مكتبة]

ثم جاء ولده بعده شيخ الاسلام زين الدين عبد الرحمن (٣) اوقف عليه وقفا ورتب به درسا للحنفية وعشر فقاهات وأول من درس به الشيخ شمس الدين بن الشيخ عيسى ثم عمي القاضي جمال الدين ابن طولون واوقف كتبه ثمة وجعل عمي المشار اليه متكلما عليها ورتب به وقفا للصوفية كل ليلة جمعة وقراءة قرآن وقراءة بخاري.

[دار حديث]

وبين هذا الصحن والايوانين طريق آخذ من باب الجامع الى التربة المذكورة وبه بئر وفي قبلي التربة المذكورة بشرق دار حديث.

__________________

(١) في الاصل : وشماليهما.

(٢) اتخذت وزارة المعارف القسم الشمالي من هذا الجامع مدرسة ابتدئية وجعلت تربة العيني صفا فدرس الفبر.

(٣) جاء في زيارات الشام المسمى الاشارات الى اماكن الزيارات ص (٢٣) ما يلي : عبد الرحمن العيني الصالحي صاحب التصانيف الجليلة له شرح الدرر ، وشرح البخاري ، وشرح النقاية وشرح الفية العراقي ، وشرح التسمية ، وغير ذلك ولي قضاء دمشق ثمانية عشر يوما ثم استعفى منه توفي سنة (٨٩٣) ودفن بتربته في الجامع الجديد بصالحية دمشق.

١١٠

[جامع الماردانية]

ومنها الماردانية على حافة نهر ثورى لصيق الجسر الابيض بشرق وهو مشهور بالمدرسة الماردانية.

قال القاضي عز الدين الحلبي انشأتها عزيزة الدين اخشا خاتون بنت الملك قطب الدين صاحب ماردين وهي زوجة السلطان الملك المعظم في سنة عشر وستمائة ووقفتها سنة اربع وعشرين وستمائة انتهى.

واظن قطب الدين مودود بن اتابك زنكي اخو نور الدين الشهيد هو والدها والله اعلم.

[اوقاف الماردانية]

والذي وجد من وقفها في سنة عشرين وثمانمائة بكشف سيدي محمد بن منجك الناصري بستان جوار الجسر الابيض وبستان آخر جوار المدرسة المذكورة وعدة ثلاثة حوانيت بالجسر المذكور والاحكار جوارها ايضا انتهى.

ومن شرط مدرسيها ان لا يكون مدرسا بغيرها.

[المدرسون بالماردانية]

ثم قال عز الدين اول من درس بها الصدر الخلاطي ، وبعده ابراهيم التركماني الى أن [ص ١٩] توفي فوليها شمس الدين ملكشاه المعروف بقاضي بيسان ثم عادت الى برهان الدين المذكور وبقي بها الى ان توفي ، ثم وليها بعده برهان الدين ابو اسحاق ضمرة بن خلف بن ايوب ثم اخذت منه ، ووليها الصدر ابراهيم بن عقبة ثم اخذت منه وعادت الى برهان الدين المذكور ، ثم اخذت منه في سنة

١١١

سبع وخمسين وستمائة وتولاها شمس الدين مشرف العجمي ولم يزل بها الى أن توفي في سنة سبعين وستمائة ثم عادت الى برهان الدين التركماني وهو بها الى الآن انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة في الذيل في جمادي الآخرة سنة احدى وثلاثين : وممن توفي فيه الشيخ زين الدين ابو عبد الله محمد بن القاضي تاج الدين عبد الله بن علي المارداني الاصل الدمشقي الحنفي المعروف بابن قاضي صور مولده على ما أخبرني به سنة تسعين وسبعمائة وتلقى عن والده تدريس الماردانية ونظرها ونظر التربة الجركسية بالصالحية وغير ذلك وباشر ذلك مباشرة سيئة وكان يقع بينه وبين المستحقين شر كثير ولم يكن قائما بشيء من العلوم. ثم ولي نيابة القضاء في شهر رمضان سنة تسع وعشرين بمال بذله وانكر الناس ولايته توفي بسكنه بالصالحية يوم الاحد حادي عشر الشهر وكان له مدة متضعفا ثم عوفي وكان يوم الخميس ثامن الشهر يحكم بالمدرسة النورية ودفن بتربتهم بسفح قاسيون بالقرب من المعظمية ووالده توفي في شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين انتهى.

[اسنك المدفون بالماردانية]

وقال الشيخ تقي الدين فيمن توفي في شهر جمادى الاولى سنة ست عشرة وثمانمائة : امسنك (١) بالسين والنون ابن ازدمر اخو الامير الكبير اسبك بن ازدمر بلغني انه كان حملا عند اسر ابيه واخيه ثم انه جاء من بلاده الى عند اخيه من مدة يسيرة دون السنة فمات يوم الجمعة عشرينه ودفن بتربة المدرسة الماردانية بالجسر الابيض لان الواقفة لم تدفن بها وحضر النايب يعني نوروز الحافظي والامراء جنازته واشترى اخوه وقفا ووقفه على مقرأين يقرآن على تربته واشترى

__________________

(١) كذا في الاصل وفي تنبيه الطالب : اسنك.

١١٢

للمدرسة بسطا وتردد الى قبره مرات وعمل ختم في ليالي الجمع وبات هناك وعمل اسمطة ومدت هناك انتهى.

وممن ادركناه من مدرسيها عمي القاضي جمال الدين يوسف بن طولون الصالحي ، ثم نزل عن تدريسها للشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ عيسى الفلوجي واستمر بها الى ان توفي فنزل عنه لاخيه البدري حسن فاستناب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن رمضان الاماصي سنة ، ثم استناب عمي القاضي جمال الدين المذكور فلما سافر الى مكة انتزعه من البدري حسن الشيخ محمد البعلبكي واستمر بها الى ان مات فعادت الى البدري حسن فاستناب بها عمي القاضي جمال الدين ثم انتزعها منه الشيخ حسن الرومي وهي بيده الآن.

* * *

[وصف الماردنية]

وهي (١) تشتمل على حرم برواق واحد به شباكان قبليان مطلان على حوض زراعة على حافة نهر ثورى وثمة بيت الخطابة ، وبشرقيه باب التربة المذكورة وبغربيه شباك مطل على صفة على حافة طريق الجسر وله ثلاثة ابواب اكبرها الاوسط وبالصحن بركة ماء وشرقيه ليوان كبير به باب للتربة المذكورة ثان وهو بدرج وشماليه عدة خلاوي

__________________

(١) هذه المدرسة لا تزال موجودة تحتفظ ببنائها القديم وهي في الجسر الابيض امام الساحة التي يقف فيها التزام المتوجه الى الشيخ محيي الدين والى المهاجرين وهي تقابل حارة نوري باشا من جهة الشرق وفي أعلى قاعة الصلاة قمريات من الجص احداها جميلة جدا وللقاعة المذكورة ثلاثة أبواب الاوسط منها حشوات ارتاجه عليها نقوش جميلة ترى من داخل القاعة وتوجد من هذه النقوش قطعة اخرى اسفل عتبة باب هذه المدرسة الخارجي فوق رأس الداخل اليها.

القلائد الجوهرية م ـ ٨

١١٣

ولصيق هذه التربة من الشرق قاعة (١) المدرس كانت ، وغربي الصحن ايوان لطيف بقبو ، وشمالي الدهليز الواصل الى باب المدرسة وهو محدد وبه باب بيت الماء وسلم الصاعد الى المئذنة وبيت البواب والساباط على باب المدرسة المذكورة : ويقال كان عليه خلاوي وقد آل الى الخراب ، وبحائطها الغربي تحت المئذنة جرنان (٢) للماء.

[جامع الخنكار] [السلطان سليم]

ومنها جامع الخنكار (٣) على حافة يزيد عند تربة المحيوي بن العربي (٤) ولصيق البيمارستان القيمري من جهة الشرق.

أنشأه سلطان الروم والعرب والعجم الملك المظفر سليم خان بن بايزيد خان بن محمد خان بن عثمان لما ملك ديار العرب عقيب رجوعه من مصر الى دمشق.

وكان دخوله اليها حينئذ يوم الاربعاء حادي عشري رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فاقام بها. وفي يوم السبت رابع عشريه طلع الولوي ابن الفرفور الى تربة المحيوي المذكور وكانت في الاصل تربة

__________________

(١) في الاصل قاقة. وقوله (قاعة المدرس كانت) تستعمل كانت بمعنى سابقا.

(٢) الجرنان اللذان ذكرهما موجود منهما واحد فقط امام حائطها الغربي خارج المدرسة وهو مستطيل اصله ناووس روماني من النواويس التي كانت تدفن فيها الاموات.

(٣) كلمة فارسية استعملها الاتراك بمعنى السلطان.

(٤) شاع في عصر المؤلف اختصار الالقاب المضافة الى الدين بالنسبة الى الجزء الاول فقالوا عن محيي الدين (المحيوي) وعن ولي الدين (الولوي) وعن بدر الدين (البدري) ولا يزال حتى وقتنا هذا تدعى بعض البيوتات بآل الصلاحي وآل التلجي.

١١٤

ابن الزكي قاضي القضاة ومعه معلم السلطان شهاب الدين بن العطار وجماعته وهندسوها لبناية جامع بخطبة باشارة الخنكار وفي يوم الاحد خامس عشرية طلع الولوي ابن الفرفور وقاضي العسكر ركن الدين ابن زيرك واشتروا بيت خير بك دوادار منشيء المدرسة الحاجبية من مالكه رزق الله الحنبلي بستة آلاف درهم ليوسعوا به الجامع وعين مشد (١) من الاروام يقال له المحوجب على العمارة وحط عنده عشرة آلاف دينار بسببها وسكن بزقاق الشهابي ابن القرعوني بالقرب من العمارة المذكورة.

وفي يوم الاثنين سادس عشرية شرع في هدم المسجد الذي كان جدده شهاب الدين بن الصميدي لصيق التربة المذكورة والخلاوي حين كان ناظرا على ذلك وطمت البحرة العميقة التي كانت قدام المسجد وكانت نحو رمحين ، ثم في هدم حمام الجورة لصيق ذلك وكان وقفا على المسجد المذكور ، ودفعت قدرتاه (٢) للناظر عليه حينئذ الجمالي ابن القرعوني مع خمسة آلاف درهم ، ثم هموا في العمارة وشرعوا فيها في يوم الاحد ثاني شوال منها.

وفي ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة منها امر السلطان ببناء قبة على المحيوي ابن العربي فشرعوا فيها ليلا وحفروا عدة قبور وخشاخيش (٣) وبنوا مكانهم اساساتها وفعلوا ذلك ليلا خوفا من كلام الناس وظنا منهم ان ذلك لا يطلع عليه احد ، ولا قوة الا بالله.

__________________

(١) استعمل في العصر المملوكي لفظ (مشد) بمعنى ناظر البناء.

(٢) تثنية قدر وهي الحلة بلغة دمشق.

(٣) جمع خشخاشة وهي باصطلاح اهل دمشق القبر الصغير الذي تدفن فيه الاطفال.

١١٥

وفي يوم الاربعاء عاشر ذي الحجة منها عيد الناس وارسل السلطان الى هذه العمارة مائتين وخمسين رأسا من الغنم وجملا فذبحت ثمة وفرقت.

والى بقية جوامع الصالحية غنما فقط عدة ثلاثين راسا فكثر الدعاء له وصلى العيد بالجامع الاموي واشعلت لاجله الثريات والسنوبرة (١) تحت قبة النسر والسراج بباب الجامع الشمالي ثم فرق ثمة مائة وخمسين رأسا من الغنم وخمسين جملا مذبوحين وكانت الاضحية في هذا العام قليلة.

وفي يوم الاثنين العشرين من محرم سنة اربع وعشرين المذكورة وهو اول شباط وضع منبر الجامع الجديد المذكور.

[انشاء التكية السليمية]

وفيه رسم ببناء تكية شمالي هذا الجامع ، وكان هناك : مسلخ اللحم وقف البيمارستان القيمري فعوض عنه بخمسة آلاف درهم ، وبيت رزق الله الحنبلي فاشتري منه بثلاثة الاف ، وتربة وصار القبر بها جانب مطبخ التكية المذكورة.

وفي يوم الجمعة رابع عشريه ركب السلطان وجاء الى الجامع المذكور وصلى به الجمعة وخطب بهم الولوي بن الفرفور وكان معه

__________________

(١) في الاصل السبوبرة. والسنوبرة لغة دمشقية في الصنوبرة واذا وردت في وصف القصور والمساجد فالمراد بها نوع من الثريات على هيئة الصنوبرة تشعل في المواسم الدينية وقد بطل استعمالها بسبب الكهرباء ولا تزال واحدة منها وهي أكبرها موجودة امام قبر رأس النبي يحيى في الجامع الاموي تنار بالكهرباء عوضا عن زيت الزيتون.

١١٦

قاضيا العسكر والوزراء فمن دونهم وخلق كثير حتى ان [ص ٢١] غالب اسواق دمشق قفلت في هذا اليوم وهرعت الفقراء والشحادون والنساء رجاء الصدقة ثم رجع السلطان الى منزله عقيب الصلاة وهذه الخلق داعية له وقد هم على الرحيل الى بلاده وتأخر أعيان جماعته بالجامع واكلوا ضيافة الذي اقامه السلطان متكلما على هذه العمارة ومتوليا وناظرا التقي باكير الرومي الحنفي.

ثم حبست النساء بالجامع المذكور والرجال بالبيمارستان القيمري لصيقة وفرق على كل منهم جراب (١) من فضة دمشق ما بين اربعة دراهم وستة وعشرة وعشرين وثلاثين ويقال انه اعطي الخطيب نحو العشرة الاف درهم.

[وظائف جامع الخنكار]

وتعينت الخطابة به لملا عثمان بن ملا شمس الحنفي وباشرها في الجمعة بعد هذه والامامة لكاتبه محمد بن طولون الحنفي وباشرها في هذا اليوم ، ومشيخة التكية لملا أحمد الاوعاني الحنفي وعين من القراء عدة ثلاثين يقرؤون القرآن كل يوم في ربعة.

وفي يوم الاثنين سابع عشريه طلع السلطان من دمشق مخرجا حسنا الى الصفة (٢) عند القابون الفوقاني.

__________________

(١) في الاصل : جرابا.

(٢) كان لدمشق في العصر المملوكي طريقان عظيمان احدهما طريق مصر وهو اعظمها لكونها العاصمة وكان عند قرية القدم قبة تدعى قبة يلبغا ربما كان مكانها موضع القبة التركية القائمة أمام زاوية الشيخ أحمد العسالي ، فكان السلطان أو النائب اذا كان قادما الى دمشق صحبته المواكب الرسمية منها حتى يدخل دمشق واذا كان خارجا

١١٧

وفي يوم الاثنين رابع صفر منها وهو خامس عشر شباط نودي بدمشق والسلطان بالمصطبة بان لا يبقى احد بدمشق بعد يوم الثلاثاء من الاروام بل الكل يسافرون وتوعد من يخفي احدا منهم.

[نقد المؤلف السلطان سليم]

وفي يوم الاحد عاشره سافر السلطان من المصطبة متوجها الى بلاد الروم مصحوبا بالسلامة ولم يجتمع به احد من علماء دمشق ولا صلحائها ولم يجلس للحكم اصلا بل هو في غاية التحجب.

وهذا مخالف لهدي جده ابي يزيد كما ذكره الحافظ ابو الفضل ابن حجر في كتابه انباء الغمر في حوادث سنة خمس وثمانمائة :

[السلطان ابو يزيد]

ابو يزيد بن مراد بك بن اورخان بك بن علي بن سليمان بن عثمان كان من أكابر ملوك الاسلام وائمتهم واكثرهم غزوا في الكفار وكان ينكر على ملوك عديدة تقاعدهم عن الجهاد واخذهم المكوس ولم يكن له لقب يلقب به ولا أحد من آبائه وذريته ولادعي بسلطان ولا ملك

__________________

الى مصر صحبته المواكب اليها. ولا شك أن موكب المحمل في موسم الحج من دمشق الى العسالي حين يخرج وحين يرجع كان يقوم على التقاليد القديمة التي كانت في العهد المملوكي وهو اشبه ما يكون بعرض عسكري ان لم يكنه. والطريق الاخر طريق حلب وكان في سهل قرية القابون الذي بينها وبين قرية برزة صفة وبلغة أهل الشام مصطبة بقي أثرها الى ما قبل خمسة عشر عاما من عصرنا ثم هدمت وسويت ارضها واصبحت مزرعة وكان الملك او النائب اذا كان قادما الى دمشق او ذاهبا منها الى جهة حلب تصحبه المواكب الرسمية الى صفة القابون.

١١٨

وانما يقال الامير تارة وخوند (١) خان تارة وكان مهابا يحب العلم والعلماء ويكرم اهل القرآن ، قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي انه سمع الامير حسين الكجكني يقول دخلت معه لما توجهت اليه رسولا الحمام فكان الحوض الذي يغتسل منه جميعه فضه وكانت اوانيه التي يأكل فيها ويشرب فيها ويستعملها فضة ايضا قال واخبرني شمس الدين بن الصغير الطبيب وكان الملك الظاهر وجهه اليه بسؤاله في طبيب حادق فلما وصل اليه اكرمه واعطاه قال وكان بعد أن رجع يحكي ان ابن عثمان كان يجلس بكرة النهار في براح (٢) متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها اليه فازالها في الحال ، وكان الامن في بلاده فاشيا يمر الرجل بالحمل مطروحا بالبضاعة فلا يتعرض له احد.

[الحياة الاجتماعية في بلاد أبي يزيد]

وكان يشرط على كل من يخدمه ان لا يكذب ولا يخون ولكنه يصنع من الشهوات ما اراد ، وكان الزنا واللواط وشرب الخمر والحشيش فاشيا في بلادهم يتظاهرون به ، ويكرمون كل من ينسب الى العلم غاية الاكرام ، وكان ابو يزيد لا يمكن احدا من التعرض لمال احد من الرعية حيا وميتا ، وان مات ولا وارث له يودع ماله عند

__________________

(١) استعمل هذا اللفظ كثيرا بالعهد الايوبي في مخاطبة الملوك وقد جاء في المعجم التركي المسمى (لغات برهان قاطع) ص (١٧٤ ـ ٨٨٤) ما يلي : (خوند) صاحب ومالك وافندي وخداوند وتندوتيز معناسنه.

اي معناه صاحب ومالك (وافندي) بمعنى سيد (وخداوند) بمعنى بك وحاكم (وتيز) بمعنى قاطع (وتند) بمعنى الحازم الخشن الشديد.

(٢) البراح الارض الواسعة كما في أساس البلاغة ، وفي شفاء الغليل : المرتفع الظاهر.

١١٩

القاضي ، وكل من غزا معه لا يتعرض لشيء مما يحصل في يده.

[اولاد ابي يزيد]

وترك لما مات من الاولاد سليمان (١) ومحمدا وموسى وعيسى فاستقل بالملك سليمان وسار على طريقة ابيه ثم ثار عليه اخوه عيسى فقتل ثم ثار اخوه موسى فغلب وقتل سليمان (٢) ثم ثار (٣) محمد فقتل موسى واستقل محمد بالملك الى ان مات وقام بعده مراد بن محمد بن ابي يزيد بن عثمان.

[ابو يزيد والتمرلنك]

ولم يدخل علي بني عثمان امر من قضية اللنك وهي انه لما رجع في سنة ثلاث من البلاد الشامية الى جهة الشرق ثم عرج على بغداد وكان احمد بن اويس وقرا يوسف قد فرا الى ابن عثمان فاجارهما فراسله اللنك بعد ان غلب على بغداد فيهما فامتنع فجعل ذلك ذريعة الى قتاله فتوجه اليه فوصل الى الروم في أواخر السنة الماضية ، وكان ابو يزيد بن عثمان قوي النفس فجمع العساكر لما بلغه قصده الى بلاده واستكثر منها ولم يجبه الى الصلح ورحل بعسكره الى جهة تمرلنك ليطرده عن بلاده فسار خمسة عشر يوما فراسله تمر يقول له : انك رجل مجاهد في سبيل الله وانا لا أحب قتلك ولكن انظر الى البلاد التي كانت معك من أبيك وجدك فاقتنع بها وسلم لي البلاد التي كانت مع أرطنا صاحب الروم في زمن الملك ابي سعيد فمال ابن عثمان الى ذلك ثم بلغه ان التمرلنكية اغاروا على كماخ (٤) ونهبوها فتحقق ابو

__________________

(١) في الاصل : سلمان والتصحيح من التواريخ التركية.

(٢) في الاصل : سار.

(٣) هي مركز قضاء في لواء أرزنجان التابع لولاية أرضروم تقع

١٢٠