القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦

ظلمه ويحسن اليه ، وأعار داره التي بالدير لابن أخيه عز الدين ابي الفتح مدة يسكن فيها ثم لم يعد الى سكناها ولم يكن له غيرها ، وكان يقضي صلوات وربما قضى في عمره الصلاة الواحدة مائة سنة (١) وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، وكان كثير الدعاء بالليل والنهار ، واذا دعا كاد القلب يشهد باجابة دعائه من كثرة ابتهاله ، ولا يكاد يقطعه ، ويتوخى اوقات الاجابة وأماكنها ، ويواظب في الدعاء يوم الاربعاء بين الظهر والعصر بمقابر الشهداء من باب الصغير ، وقال ما رأيت أسرع اجابة من قول : يا لله يا لله ، أنت الله ، بلى والله ، أنت الذي لا إله الا أنت الله الله والله انه لا اله الا الله ، وحكى علي بن ابي بكر الطحان قال : كان لي ابن مريض فقلت ادعو بدعاء مقاتل بن سليمان مائة مرة فدعوت به ثم جئت اليه فالتفت الي والى الحاضرين وقال : دعاء بلا عمل لا ينفع.

وذكر الضياء في كتاب الحكايات المقتبسة من كرامات مشايخ الارض المقدسة فصلا في كراماته ، وحدث عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار أن زوجته عائشة بنت خلف بن راجح حدثته أنها رأت في النوم قائلا يقول للعماد : قل له يدعو لكم فانه من السبعة الذين تقوم بهم الارض ، وقد ذكره ابو المظفر سبط ابن الجوزي في تاريخه وأثنى عليه ثناء كثيرا وقال : ما تحرك بحركة ولا مشى خطوة ولا تكلم بكلمة إلا لله ، وكان يتعبد بالاخلاص ، ولقد رأيته مرارا في الحلقة بجامع دمشق والخطيب يوم الجمعة فيقوم ويأخذ الابريق ويضع بلبلته على فيه [ص ١٤٧] على رؤوس الاشهاد ويوهم الناس انه يشرب وانه لصائم ، قال : وكان يحضر مجالسي دائما بجامع دمشق وقاسيون ويقول : صلاح

__________________

(١) هذا من اختيارات تقي الدين احمد بن تيمية من أن الصلاة الفائتة لا تعاد وانما يكثر من السنن بدلا عنها.

٤٦١

الدين يوسف فتح الساحل واظهر الاسلام ، وانت يوسف احييت السنة بالشام. يشير بذلك الى ما يذكره ابو المظفر على المنبر من كلام جده في امرار الصفات واثباتها ، وقال ابو شامة هو الذي سن الجماعة في الصلوات المقضية ، فكان يصلي بالجماعة بحلقتهم بين المغرب والعشاء ما قدره الله تعالى ، وبقي ذلك بعده مدة.

توفي ليلة الخميس وقت عشاء الآخرة سادس عشر ، وقال المنذري : سابع عشر ذي القعدة سنة اربع عشرة وستمائة ، ودفن يوم الخميس ، وكان صلى تلك الليلة المغرب بالجامع ثم مضى الى البيت وكان صائما فأفطر على شيء يسير ، وغسل وقت السحر وأخرجت جنازته الى جامع دمشق فما وسع الناس الجامع حتى صار كأنه يوم الجمعة ، وصلى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد وكان يوما لم ير في الاسلام مثله ، كان اول الناس عند مغارة الدم وراس الجبل الى الكهف ، وآخرهم بباب الفراديس الى قريب الميطور ، ولو لا المبارز المعتمد واصحابه لقطعوا اكفانه ، وما وصل الى الجبل الى آخر النهار ومعه القضاة والاعيان ، ولو رمى الانسان على من معه ابرة لما ضاعت. قال سبط ابن الجوزي : فلما كان في الليل نمت وانا متفكر في جنازته وذكرت ابيات سفيان الثوري التي أنشدها في المنام :

نظرت الى ربى كفاحا فقال لي

هنيئا رضائي عنك يابن سعيد

فقد كنت قواما اذا أقبل الدجى

بعبرة مشتاق وقلب عميد

فدونك فاختر أي قصر أردته

وزرني فاني منك غير بعيد

٤٦٢

وقلت ارجو ان العماد يرى ربه كما رآه سفيان عند نزول حفرته ، ونمت فرأيت العماد في النوم وعليه حلة خضراء وعمامة خضراء وهو في مكان متسع كانه روضة وهو يرقى في درج مرتفع فقلت يا عماد كيف تر فاني والله متفكر فيك؟ فنظر الي وتبسم على عادته وقال :

رأيت الهي حين أنزلت حفرتي

وفارقت أصحابي وأهلي وجيرتي

فقال جزيت الخير عني فانني

رضيت فها عفوي لديك ورحمتي

دأبت زمانا تأمل الفوز والرضى

فوقيت نيراني ولقيت جنتي

قال فانتبهت مرعوبا وكتبت الابيات ، ورآه آخر على حصان فقال له : الى اين؟ قال أزور الجبار ، ورآه آخر فقال له : ما فعل الله بك؟ قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ، وسمع منه خلق من الحفاظ كالضياء والمنذري ، وروى عنه ابن خليل وابن البخاري وسيأتي تعيين قبره في المزارات.

* * *

ومنهم ـ محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى ابن موسى بن الفتح بن زريق المقدسي ثم الدمشقي الفقيه المناظر شهاب الدين ابو عبد الله.

ولد سنة خمسين وخمسمائة بجماعيل ، ثم قدم دمشق وسمع بها من ابي المكارم بن هلال ، وقدم مصر فسمع بالاسكندرية من السلفي ، ورحل الى بغداد فسمع بها من ابي محمد بن الخشاب وابي

٤٦٣

الحسين اليوسفي وشهدة وطبقتهم ، وتفقه بها على مذهب احمد على ابن المنى حتى برع ، ثم صار شافعيا ، وولي قضاء دمشق نيابة ، وكان بحاثا مناظرا مفحما للخصوم ذا حظ من صلاح واوراد وسلامة الصدر ، امارا بالمعروف نهاء عن المنكر ، وكتب بخطه كثيرا من الحديث وغيره من العلوم ، قال المنذري : لقيته بدمشق وسمعت منه ، وكان كثير المحفوظات ، متحريا في العبادات ، حسن الاخلاق ، وقال السبط : كان زاهدا عابدا ورعا فاضلا في فنون العلم وحفظ مقامات الحريري في خمسين ليلة فتشوش خاطره ، وكان مما يغسل باطن عينيه قل نظره ، وكان سليم الصدر من الابدال ، ما خالف أحدا قط ، رأيته يوما وقد خرج من جامع الجبل فقال له انسان ما تروح الى بعلبك؟ فقال : بلى ، فمشى من ساعته الى بعلبك بالقبقاب.

قال أبو شامة : كنت أراه يوم الجمعة قبل الزوان يجلس على درج المنبر السفلي بجامع الجبل وبيده كتاب من كتب الحديث واخبار الصالحين يقرأه على الناس الى أن يؤذن المؤذن للجمعة.

توفي يوم الاحد سلخ صفر أو تاسع عشريه سنة ثمان عشرة وستمائة و [ص ١٤٨] دفن من الغد بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي بن الحنبلي الفقيه ابو الفضائل بن ابي العلاء بن شرف الاسلام ويلقب شهاب الدين ، أخو ناصح الدين عبد الرحمن ، وهو أصغر من الناصح بتسع سنين.

سمع ببغداد من نصر الله القزاز ، وأجاز له الحافظ ابو موسى

٤٦٤

المديني وعبد الحق بن عبد الخالق ، وتفقه وبرع وافتى وناظر ودرس بمدرسة جده بدمشق.

قال ابو شامة : هو اخو الناصح والبهاء وهو اصغرهم ، وكان ابرعهم في الفقه والمناظرة والمحاكمات ، بصيرا بما يجري عند القضاة في الدعاوى والبينات ، وقال ابن الساعاتي في تاريخه : كان فقيها فاضلا خيرا عالما عارفا بالمذهب والخلاف ، وقال غيره : كان ذا قوة وشهامة وانتزع مسجد الوزير (١) من يد العلم السخاوي وبقي للحنابلة الى الان. قال المنذري : حدث ، ولقيته بدمشق ولم يتفق لي السماع منه ، ولنا منه اجازة.

توفي في سابع ربيع الاول سنة تسع عشرة وستمائة ودفن من الغد بسفح قاسيون ، كذا قال ابن رجب في طبقاته ولم يذكر انه دفن بتربتهم.

* * *

ومنهم ـ عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد شيخ الاسلام واحد الاعلام.

ولد في شعبان سنة احدى واربعين وخمسمائة بجماعيل ، وقدم دمشق مع اهله وله عشر سنين ، فقرأ القرآن وحفظ مختصر الخرقي واشتغل ، وسمع من والده وابي المكارم بن هلال وابي المعالي

__________________

(١) جاء في ثمار المقاصد ص ٩٩ : مسجد الوزير. قلت بسوق صاروجا عند الجوزة مسجد يقال له مسجد الوزير وبه قراء. وهو منسوب الى الوزير ابي علي المزدقاني المتوفي سنة (٥٢٤) انظر النجوم الزاهرة (٥ / ٢٣٥) وانظر مكانه في مخطط الصالحية برقم (١٢٢).

القلائد الجوهرية م ـ ٣٠

٤٦٥

ابن صابر وغيرهم ، ورحل الى بغداد هو وابن خالته الحافظ عبد الغني سنة احدى وستين ، وسمعا الكثير من هبة الله الدقاق وابن البطي وسعد الله الدجاجي ، والشيخ عبد القادر وابي بكر بن النقور وشهدة وخلق ، وسمع بمكة من المبارك بن الطباخ ، وبالموصل من خطيبها ابي الفضل ، واقام عند الشيخ عبد القادر بمدرسته مدة يسيرة فقرأ عليه الخرقي ثم توفي الشيخ فلازم ابا الفتح بن المنى وقرأ عليه مذهب احمد والخلاف والاصول حتى برع ، واقام ببغداد نحوا من اربع سنين. هكذا ذكر الضياء عن أمه وهي اخت الشيخ ، ثم رجع الى دمشق ، ثم عاد الى بغداد سنة سبع وستين ، كذا قال السبط وذكر الناصح انه حج سنة اربع وسبعين ، ورجع مع وفد العراق الى بغداد واقام بها سنة ، فسمع درس ابن المنى قال : وكنت انما دخلت بغداد سنة اثنتين وسبعين واشتغلنا جميعا على ابي الفتح ، ثم رجع الى دمشق واشتغل بتصنيف كتاب المغني في شرح الخرقي فبلغ الامل في انهائه وهو كتاب بليغ في عشر مجلدات قرأه عليه جماعة ونشأ على سمت ابيه واخيه في الخير والعبادة.

قال ابن الجوزي : كان اماما في فنون ولم يكن في زمانه بعد اخيه ابي عمر والعماد ازهد منه ، وكان كثير الحياء هينا متواضعا محبا للمساكين جوادا ، من رآه كأنما رأى بعض الصحابة ، وكان النور يخرج من وجهه ، يقرأ كل يوم وليلة سبعا من القرآن ، ولا يصلي ركعتي السنة في الغالب الا في بيته اتباعا للسنة ، وكان يحضر مجالسي دائما في جامع دمشق وقاسيون ، وشاهدت من الشيخ ابي عمر واخيه الموفق ونسيبه العماد ما نرويه عن الصحابة والاولياء الافراد ، فأنساني حالهم اهلي واوطاني ، ثم عدت اليهم على نية الاقامة ، عسى ان اكون معهم في دار المقامة.

٤٦٦

وقال ابن النجار : كان الموفق إمام الحنابلة بالجامع ثقة نبيلا كامل العقل دائم السكوت عليه الوقار والهيبة ، سار اسمه في البلاد ، وكان حسن المعرفة بالحديث ، وله يد في علم العربية.

وقال ابن الحاجب في معجمه : ما أظن الزمان يسمح بمثله ، حسن الاعتقاد ذو اناءة ، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدثين وأهل الخير. وقال أبو شامة : كان عارفا بمعاني الآثار وأمّ بعد أخيه أبي عمر بالجامع المظفري ، ويخطب يوم الجمعة اذا حضر ، فإن لم يحضر فعبد الله بن أبي عمر هو الخطيب والامام ، وكان بين العشاءين يتنفل حذاء محراب الحنابلة بجامع دمشق ، فجاءه مرة الملك العزيز بن العادل يزوره فصادفه يصلي فجلس بالقرب منه الى ان فرغ من صلاته ، ثم اجتمع به ولم يتجوز في صلاته ، وكان إذا فرغ من صلاة العشاء الآخرة يمضي الى بيته بالرصيف ومعه من فقراء الحلقة من قدره الله تعالى فيقدم لهم ما يتيسر يأكلونه معه.

ومن أطرف ما حكي عنه انه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة فيها رمل [ص ١٤٩] يرمل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والاجازات وغيرها فاتفق ليلة [أن] خطفت عمامته فقال لخاطفها يا أخي خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها ورد العمامة أغطي بها رأسي ، وأنت في اوسع الحل مما في الورقة ، فظن الخاطف أنها فضة ورآها ثقيلة فأخذها وردّ العمامة وكانت صغيرة عتيقة فرأى أخذ الورقة خيرا منها بدرجات ، فخلص الشيخ عمامته بهذا الوجه اللطيف وقد افرد الحافظ الضياء سيرته في جزأين ، وكان اماما في أصول الفقه والحساب والنجوم السيارة والمنازل ، وكذا افردها الذهبي الحافظ.

وقال الامام ابو بكر بن غنيمة : ما اعد واحدا في زمننا ادرك درجة

٤٦٧

الاجتهاد الا الموفق ، وقال الشيخ عبد الله اليونيني : كان الموفق لا يكاد يناظر احدا الا وهو يتبسم حتى قال بعض الناس هذا الشيخ يقتل خصمه بتبسمه ، وأقام مدة يعمل حلقة يوم الجمعة بجامع دمشق يناظر فيها بعد الصلاة ثم ترك ذلك في آخر عمره ، وكان يشتغل عليه الناس من بكرة الى ارتفاع النهار ثم يقرأ عليه بعد الظهر اما من الحديث او من تصانيفه الى المغرب وربما قرىء عليه بعد المغرب وهو يتعشى ، وكان لا يري لاحد ضجرا وربما تضرر في نفسه ، ولا يقول لاحد شيئا.

وقال الفقيه محمد اليونيني رأيت الموفق يمشي على الماء.

ومن تصانيفه في أصول الدين : البرهان في مسألة القرآن ، جزء ، جواب مسألة وردت من صرخد في القرآن جزء ، الاعتقاد ، جزء ، مسألة العلو ، جزآن ، ذم التأويل ، جزء ، كتاب القدر ، جزآن ، فضائل الصحابة ، جزآن ، وأظنه : منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين ، رسالة الى الفخر بن تيمية في تخليد أهل البدع في النار ، مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام.

وفي الحديث : مختصر العلل للخلال ، مجلد ضخم ، مشيخة شيوخه ، جزء وأجزاء كثيرة خرجها.

وفي الفقه : المغني ، في عشر مجلدات ، والكافي ، اربع مجلدات ، المقنع ، مجلد ، مختصر الهداية ، مجلد ، العمدة ، مجلد لطيف ، مناسك الحج ، جزء ، ذم الوسواس ، جزء ، وفتاوى.

وفي أصول الفقه : روضة الناظر ، مجلد.

٤٦٨

وفي اللغة : متعة الاريب في الغريب ، مجلد صغير.

وفي الانساب : التبيين في نسب القرشيين ، مجلد ، الاستبصار في نسب الانصار ، مجلد.

وفي الزهد والرقائق : كتاب التوابين ، جزآن ، كتاب المتحابين في الله ، جزآن ، كتاب الرقة والبكاء ، جزآن ، فضائل عاشوراء ، جزء ، فضائل العشرة ، جزء ، الوصية ، جزء.

وانتفع الناس بتصانيفه ، المسلمون عموما وأهل مذهبه خصوصا سيما المغني ، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ما رأيت في كتب الاسلام في العلم مثل المغني ـ للموفق في الفقه ـ والمحلى والمجلي في جودتها وتحقيق ما فيها (١) ، وله نظم كثير حسن.

توفي يوم السبت عيد الفطر سنة عشرين وستمائة بمنزله بدمشق ، وصلي عليه من الغد وحمل الى السفح فدفن به وكان له جمع عظيم امتد الناس في طرق الجبل فملؤوها. وقال السبط حكى اسماعيل بن حماد الكاتب البغدادي قال : رأيت ليلة عيد الفطر كأن مصحف عثمان قد رفع من جامع دمشق الى السماء فلحقني غم شديد فتوفي الموفق يوم العيد ، قال ورأى أحمد بن سعد المقدسي وكان من الصالحين ليلة عيد الفطر ملائكة ينزلون من السماء جملة وقائل يقول : انزلوا بالنوبة ، فقلت ما هذا؟ قالوا ينقلون روح الموفق الطيبة من الجسد الطيب ، قال : وقال عبد الرحمن بن محمد العلوي : رأيت كأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات وقبر بقاسيون يوم عيد الفطر. قال : وكنا بجبل بني

__________________

(١) في الاصل : والمحلى والمجلي فيه جودة وتحقيقا. والتصحيح من طبقات ابن رجب مخطوطة الظاهرية رقم (٦٠).

٤٦٩

هلال (١) فرأينا على قاسيون ليلة العيد ضوءا عظيما فظننا ان دمشق قد احترقت وخرج أهل القرية ينظرون اليه فوصل الخبر بوفاة الموفق يوم العيد ودفن بقاسيون. وسيأتي ذكر قبره في المزارات.

وكان له أولاد : أبو الفضل محمد وأبو الخير يحيى وابو المجد عيسى ماتوا في حياته وله بنات ماتوا وانقطع عقبه.

* * *

ومنهم ـ احمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد [ص ١٥٠] ابن علي بن سرور المقدسي الفقيه الامام تقي الدين ابو العباس ابن الحافظ عز الدين ابي الفتح ابن الحافظ الكبير ابي محمد.

ولد في صفر سنة احدى وتسعين وخمسمائة ، وسمع بدمشق من ابي طاهر الخشوعي وحنبل الرصافي وابن طبرزد والكندي وغيرهم ، ورحل في طلب الحديث ، وسمع بأصبهان من اسعد بن روح والمؤيد بن الاخوة وعفيفة الفارقانية وخلق ، وببغداد من سليمان الموصلي وغيره ، وقرأ الحديث بنفسه كثيرا الى آخر عمره ، وتفقه على الشيخ الموفق وهو جده لامه حتى برع ويقال انه حفظ كتاب الكافي له ، وببغداد على الفخر اسماعيل ، وانتهت اليه مشيخة المذهب بالجبل. قال ابو شامة : كان من أئمة الحنابلة ، وقال الشريف الحسيني : كان احد المشايخ المشهورين بالفقة والحديث ، وقال ابن الحاجب : سألت عنه الحافظ الضياء [فقال](٢) حصل ما لم يحصله غيره ، وحدث ، روى [عنه] سليمان بن حمزة ومحمد ابن مشرف وغيرهما واجاز لابن الشيرازي.

__________________

(١) هو جبل صرخد المسمى حاليا بجبل العرب.

(٢) زيادة من شذرات الذهب.

٤٧٠

توفي في ثامن عشري ربيع الآخر سنة ثلاث واربعين وستمائة بسفح قاسيون ودفن به.

* * *

ومنهم ـ حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الصالحي الفقيه شرف الدين ابو محمد بن الحافظ ابي موسى بن الحافظ ابي محمد.

ولد سنة خمس وستمائة وسمع الكثير من ابي اليمن الكندي وجماعة بعده ، وتفقه على الموفق بن قدامة ، وبرع وافتى ودرس بالجوزية مدة ، قال ابو شامة : وكان رجلا خيرا دينا صالحا.

توفي ليلة ثامن المحرم سنة تسع وخمسين وستمائة بدمشق ودفن بالجبل.

* * *

ومنهم ـ اسماعيل بن نباتة الصالحي الامام الفقيه فخر الدين ابو العجائب.

قال ناصح الدين : سمع درس عمي الشهاب عبد الملك بن شرف الاسلام لما قدم من خراسان وعلق عنه من تعليق ابي الفضل الكرماني ، ثم سمع درس والدي وحفظ الهداية لابي الخطاب حفظا متقنا واصول الفقه للبستي ، وحفظ كثيرا من مسائل التعليق ، وكان يدرس القرآن كثيرا ، ويقوم به من نصف الليل ، وكان يصلي الفجر على نهر بردى حضرة القلعة ، ثم يصلي العصر على عين بعلبك وبالعكس ، وربما قرأ في طريقه القرآن او كتاب الهداية الشك مني ، قال : ولما قدمت من بغداد سنة ست وسبعين وتكلمت معه في مسألة فرح بي.

ومات قبل الثمانين وخمسمائة ودفن بالجبل جوار دير الحوراني.

٤٧١

[العلماء الواردون اليها]

واما العلماء الواردون اليها فمنهم :

مسعود بن شجاع الحنفي الفقيه برهان الدين مدرس المدرسة النورية بدمشق ، وكان هو وابن العقاده (١) ممن يشتغل على الشيخ علي البلخي ، وكان ممن ورد الى الصالحية ثم سكن دمشق ، وولي المدرسة المذكورة ثم الخاتونية الجوانية [توفي] في خامس عشر جمادى الاولى سنة تسع وتسعين وخمسمائة ودفن بالمقبرة التي بجبل قاسيون غربي دار ابن سميدمار (٢) قال ابو شامة في ذيله [](٣).

[الزهاد منها]

[ص ١٥١] وأما الزهاد منها فمنهم :

ابراهيم بن احمد بن محمد بن معالي الرقي الصالحي العالم القدوة الزاهد.

قرأ بالروايات العشر ببغداد على يوسف بن جامع ، وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصمد. قال البرزالي : كان رجلا صالحا عالما كثير الخير قاصدا للنفع زاهدا في الدنيا صابرا على مر العيش عظيم السكون ملازما للخشوع والانقطاع وكان عارفا بالتفسير والحديث والفقه والاصلين وغيرها ، وأعطاه الله حسن العبارة وسرعة الجواب ، وله خطب حسنة واشعار في الزهد والمواعظ سمع منه البرزالي والذهبي ، وسكن بآخرة باهله في أسفل المئذنة الشرقية.

وبها توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم سنة ثلاث وسبعمائة ،

__________________

(١) كذا في الاصل. وفي ذيل الروضتين لابي شامة ص ٣٤ : ابن العقادية.

(٢) كذا في الاصل. وفي ذيل الروضتين لابي شامة : ابن سمندار.

(٣) فراغ في الاصل مقدار ستة اسطر.

٤٧٢

وصلي عليه عقيب الجمعة بالجامع الاموي ، وحمل على الاعناق ، ودفن بمقبرة الشيخ ابي عمر وتأسف المسلمون عليه.

* * *

ومنهم ـ محمد بن احمد بن تمام بن حسان التلي ثم الصالحي القدوة الزاهد ابو عبد الله.

ولد سنة احدى وخمسين وستمائة وسمع من ابي حفص عمر بن عترة الجزري صاحب البوصيري وهو آخر من حدث عنه ، ومن ابي طالب بن السروري وابن عبد الدائم وجماعة ، وصحب الشيخ شمس الدين بن الكمال وغيره من العلماء والصلحاء ، وكان صالحا تقيا من خيار عباد الله يقتات من عمل يده ، وكان عظيم الحرمة مقبول الكلمة عند الملوك وولاة الامور ويرجع الى قوله ورأيه ، أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر.

ذكره الذهبي في معجم شيوخه وقال : كان مشارا اليه في الوقت بالإخلاص وسلامة الصدر والتقوى والزهد والتواضع التام والبشاشة ما أعلم فيه شيئا يشينه في دينه اصلا ، قال ابن رجب : حدث بالكثير وسمع منه خلق واجاز لي ما يجوز له روايته بخط يده.

وتوفي في ثالث عشر ربيع الاول سنة احدى واربعين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ داود بن محمد بن عبد الله الصالحي الشيخ الزاهد الصالح الامام شرف الدين اخو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي.

قال ابن رجب : سمع الكثير متأخرا على التقي سليمان وأجاز له جماعة في سنة ثمان وسبعين منهم : الشيخ محيي الدين والفخر بن

٤٧٣

البخاري وغيرهما ، نقل عن محمد بن احمد المروروذي عن الامام أحمد انه قال : اذا دخلتم المقابر فاقرؤوا آية الكرسي وقل هو الله أحد ثلاث مرات ثم قولوا : اللهم اجعل فضله لاهل المقابر ، وقال مرة :

اذا دخلتم المقابر فاقرؤوا الفاتحة والمعوذتين والاخلاص واجعلوا ثواب ذلك لاهل المقابر فانه يصل اليهم.

توفي في رمضان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ودفن بالسفح.

* * *

ومنهم ـ عبد الله بن احمد بن تمام بن حسان التلي ثم الصالحي الزاهد الاديب تقي الدين ابو محمد.

ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من ابن قميرة والمرسي وابراهيم بن خليل واليلداني وخطيب مردا وجماعة ، وقرأ النحو والادب على الشيخ جمال الدين بن مالك وعلى ولده بدر الدين وصحبه ولازمه مدة ، وأقام بالحجاز مدة واجتمع بالشيخ تقي الدين الحواري الزاهد وغيره ، وسافر الى الديار المصرية واقام بها مدة ، وله نظم كثير حسن رائق.

قال البرزالي : كان شيخا فاضلا بارعا في الادب حسن الصحبة مليح المحاضرة صحب الفقراء والفضلاء وتخلق بالاخلاق الجميلة وخرج له فخر الدين بن البعلبكي مشيخة قرأتها عليه ، وكتبنا عنه من [ص ١٥٢] نظمه ، وكان زاهدا متقللا من الدنيا لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا سراج ولا زبدية ، بل كان بيته خاليا من ذلك كله ، حدثني بذلك أخوه الشيخ محمد ، وقال لي القاضي شهاب الدين محمود الكاتب : صحبته اكثر من خمسين سنة واثنى عليه ثناء جميلا وعظمه وبجله ووصفه بالزهد والفراغ عن الدنيا ، وذكر نحو ما ذكره اخوه.

٤٧٤

توفي ليلة السبت ثالث ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة ودفن من الغد بمقابر المرداويين بالقرب من تربة الشيخ ابي عمر.

* * *

ومنهم ـ عبد الرحمن بن ابراهيم بن احمد بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن منصور المقدسي الزاهد الفقيه بهاء الدين ابو محمد بن عم البخاري.

ولد سنة ست ـ ويقال سنة خمس ـ وخمسين وخمسمائة ودخل بغداد وسمع بها من شهدة وعبد الحق اليوسفي وطبقتهما ، وسمع بحران من احمد بن أبي الوفاء الفقيه ، وسمع بدمشق من ابي عبد الله بن ابي الصقر وغيره ، ويقال انه تفقه ببغداد على ابن المنى ، وبدمشق على الموفق ولازمه وعلق عنه الفقه وكذا اللغة ، وقرأ العربية وصنف في الفقه والحديث والرقائق ، فمن تصانيفه : شرح العمدة للموفق في مجلد ، وهو شرح مختصر ، ونصّ في أوله : ان الماء لا ينجس حتى يتغير مطلقا ، ويقال انه شرح المقنع أيضا.

قال السبط : كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس ثم انتقل الى دمشق ، قال :

وكان صالحا ورعا مجاهدا جوادا.

قال المنذري : كان فيه تواضع وحسن خلق واقبل في آخر عمره على الحديث اقبالا كليا وكتب منه الكثير وحدث بنابلس ودمشق.

توفي في سابع ذي الحجة سنة اربع وعشرين وستمائة ودفن من يومه بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحراني الزاهد الفقيه

٤٧٥

ناصح الدين ابو محمد نزيل دمشق سمع بحران من عبد القادر الرهاوي متأخرا ، قال ابن حمدان : كان فاضلا في الاصلين والخلاف والعربية والنظم والنثر وغير ذلك ، رحل الى بغداد ، وقرأت عليه الجدل الكبير لابن المنى وبعض تعليقه ومنتهى السول وغير ذلك ، وكان كثير الادب والمروءة حسن الصحبة ، ورثيته بأبيات وذكر المنذري انه حدث بشيء من شعره ، قال : وجميع ، بضم الجيم وفتح الميم.

وتوفي في خامس ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة بدمشق ودفن من الغد بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ احمد بن احمد بن محمد بن بركة بن صدقة بن صروف الحراني الزاهد الفقيه أبو عبد الله ويلقب موفق الدين.

ولد سنة ثلاث ـ او اربع ـ وخمسين وخمسمائة بحران ، وسمع بها من ابي ياسر عبد الوهاب بن ابي حبة وابي الفتح بن ابي الوفا الفقيه ، ورحل الى بغداد وسمع بها من عبد الحق اليوسفي وابن شاتيل وعبد المغيث الحربي وشافع بن صالح الجيلي وغيرهم ، وتفقه ببغداد على ابن المنى وابي البقاء العكبري وابن الجوزي ولازمه واخذ عنه كثيرا ، ثم رجع الى حران واعاد بالمدرسة بها مدة وحدث بحران ودمشق سمع منه المنذري والابرقوهي وابن حمدان ، وقال : كان شيخا صالحا من قوم صالحين.

وتوفي في سادس عشر صفر سنة اربع وثلاثين وستمائة بدمشق ودفن بسفح قاسيون.

٤٧٦

قال [ابن](١) نقطة والمنذري : وصديق بضم الصاد وفتح الدال الخفيفة المهملتين ، زاد المنذري : وصروف بفتح الصاد المهملة وضمها وبعدها واو ساكنة وفاء.

* * *

ومنهم ـ عبد الرحمن بن عبد الغني بن عبد الواحد [ص ١٥٣] ابن علي بن سرور المقدسي الزاهد الفقيه ابو سليمان بن الحافظ ابي محمد.

ولد سنة ثلاث ـ أو أربع ـ وثمانين وخمسمائة في شوال ، وسمع بدمشق من الخشوعي وغيره ، ورحل ، وسمع بمصر من البوصيري والارتاحي واسماعيل بن ياسين وغيرهم ، وسمع ببغداد من ابن الجوزي وطبقته ، وتفقه على الشيخ موفق الدين حتى برع ، وكان يؤم معه في جامع بني أمية بمحراب الحنابلة ، وأفتى ودرس الفقه ، وكان اماما عالما فاضلا ورعا حسن السمت دائم البشر كريم النفس مشتغلا بنفسه وبالقاء الدروس المفيدة على أصحابه وطلبته ، سئل عنه الحافظ الضياء فقال : فاضل دين خير كثير التلاوة ، وقال ابو شامة : كان من أئمة الحنابلة ، وكان من الصالحين ، حدث ، وروى عنه ابن البخاري.

توفي في تاسع عشري صفر سنة ثلاث وأربعين وستمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصالحي الزاهد الفقيه الامام ضياء الدين ابو ابراهيم ، سمع

__________________

(١) زيادة من ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب مخطوطة الظاهرية رقم (٦٠).

٤٧٧

بدمشق من الخشوعي ، وتفقه على الشيخ موفق الدين حتى برع وافتى وكان فقيها عارفا بمذهب احمد ، زاهدا ما نافس في منصب قط ، ولا دنيا قط ، ولا دخل حماما ، ولا تنعم في ملبس ولا مأكل ، ولا زاد على ثوب وعمامة في طول عمره ، وكان على خير كثير قل من يماثله في عبادته واجتهاده وسلوك طريقته ، ولم يأكل من وقف بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران ، وما آذى مسلما قط ، قرأ عليه جماعة ، وحدث.

توفي ليلة الرابع من جمادى الآخرة سنة ثلاث واربعين وستمائة بجبل قاسيون ودفن به.

* * *

ومنهم ـ عبد الله بن محمد بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الاصل الصالحي الزاهد الخطيب شرف الدين ابو محمد وابو بكر ابن الشيخ ابي عمر.

ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق ، وسمع بها من يحيى بن محمود الثقفي وابي عبد الله بن صدقة وغيرهما ، وسمع ببغداد من أبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وطبقتهم ، وبمصر من البوصيري والارتاحي وفاطمة بنت سعد الخير ، وتفقه على والده وعمه الموفق ، وحدث. وخرج له الحافظ الضياء جزءا عن جماعة من شيوخه ، وخطب بجامع الجبل مدة ، وكان شيخا حسنا يشار اليه بالعلم والدين والورع والزهد وحسن الطريقة وقلة الكلام.

قال الحافظ الضياء عنه : كان فقيها فاضلا دينا ثقة ، وكتب عنه مع تقدمه.

٤٧٨

توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث واربعين وستمائة بسفح قاسيون ودفن به.

* * *

ومنهم ـ احمد بن احمد بن عبيد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الزاهد الفقيه الفرضي شرف الدين ابو العباس.

ولد في رابع عشر المحرم سنة اربع عشرة وستمائة ، وسمع من الشيخ الموفق وهو جده لأمه وعم أبيه ، ومن البهاء عبد الرحمن وابن ابي لقمة وابن صصرى والحسين بن الزبيدي ، وحضر على موسى بن عبد القادر ، وأجاز له ابن الحرستاني وجماعة وتفقه على التقي بن العز ، وكان شيخا صالحا زاهدا عابدا ذا عفة وقناعة باليسير ، وله معرفة بالفرائض والجبر والمقابلة ، وله حلقة بالجامع المظفري يشغل بها احتسابا من غير معلوم ، وانتفع به جماعة وروى عنه جماعة.

توفي ليلة الثلاثاء خامس المحرم سنة سبع وثمانين وستمائة ، ودفن من الغد عند جده الموفق بالروضة بالجبل.

* * *

ومنهم ـ احمد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطي الزاهد القدوة العارف عماد الدين ، ألهمه الله تعالى من صغره طلب الحق ومحبته والنفور عن البدع وأهلها ، وكان شافعيا فلما قدم الشام ورأى الشيخ تقي الدين بن تيمية فأمره [ص ١٥٤] بمطالعة السيرة النبوية ، فأقبل على سيرة ابن اسحاق فلخصها ، واقبل على مطالعة كتب الحديث والسنة ، وتخلى من جميع طرائقه ، واقتفى آثار سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهديه وطرائقه المأثورة عنه ، واعتنى بأمر السنة أصولا وفروعا ، ورد على طوائف المبتدعة ، وانتقل الى مذهب احمد ، وكان يقرأ في الكافي على المجد الحراني ، واختصره في مجلدة ،

٤٧٩

وكان الشيخ تقي الدين يعظمه ويقول هو جنيد وقته ، وألف تآليف كثيرة ، وكتب عنه البرزالي والذهبي.

توفي آخر يوم السبت سادس عشري ربيع الآخر سنة احدى عشرة وسبعمائة بالمارستان الصغير ، وصلي عليه بالجامع الاموي ودفن بقاسيون قبالة زاوية السيوفي.

* * *

ومنهم ـ احمد بن عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الزاهد شرف الدين ابو الحسن ابن الشيخ الموفق.

سمع من أبي الفرج بن كليب وغيره ، وكان فقيها فاضلا ثقة دينا ، جمع الله له بين حسن الخلق والتهجد ، وكان يقول الحق ولا يحابي أحدا.

مات ليلة رابع عشر ذي القعدة ، سنة ثلاث عشرة وستمائة ، ودفن من الغد بالسفح ، ذكره ابن مفلح في طبقاته ، وليس هو بابن الشيخ موفق الدين صاحب المغني.

* * *

ومنهم ـ ابراهيم بن عبد الله بن محمد بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الاصل الصالحي الزاهد الخطيب عز الدين بن الخطيب شرف الدين ، سمع من الشيخ موفق الدين والشيخ العماد وخلق ، وأجاز له القاسم الصفار وجماعة ، وكان إماما في العلم والعمل ، بصيرا بمذهب احمد ، صاحب احوال وكرامات ، وقد حدث وسمع منه جمع ، وآخر من روى عنه بالاجازة ابو العباس احمد بن عبد الرحمن الحيري.

توفي ليلة التاسع عشر من ربيع الاول سنة ست وستين وستمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

٤٨٠