القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: محمّد أحمد دهمان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربيّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٥٦

العادة في هذا المكان بأن النساء يذهبون اليه كل يوم جمعة عقيب الصلاة جميع السنة ويقيمون به الوقت المرة بعد الاخرى ويسترزق عليهم المتسببة [ص ١٨٨] هناك.

* * *

وقبر الشيخ أبي عمر صاحب المدرسة العمرية وهو الاوسط من القبور الثلاثة التي في وسط الحواقة بالخميسات الواطيات ، ويقال ان والده الشيخ احمد بن قدامة.

وقد حكى الحافظ الضياء في مناقب الشيخ أبي عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رؤي في النوم فقال : من زار الشيخ في قبره فكأنما حج ، وفي بعض الروايات ليلة الجمعة أو يومها ، وفي بعضها فكأنما زارني.

ومن المعروف بين الناس ان الدابة الممغولة (١) اذا داروا بها حول مقبرته سبع مرات يزول عنها المغل ، ويقال من علق عليه سبع حصوات من قبره وكان أخذته الحمى فانها تذهب ويبرأ صاحبها منها.

ونظير ذلك أحمد بن سالم بن أبي عبد الله بن عبد الله بن سالم بن أبي الفتح بن حسن بن قدامة ، سمع السلفي وابن بري النحوي وغيرهما ، قال الضياء : وكان يحفظ كثيرا من الاحاديث والفقه ، وكان ثقة دينا خيرا كثير النفع قليل الشر لا يكاد أحد يصحبه الا انتفع به ، ويقال من أخذته الحمى فانه اذا علق عليه من تراب قبره فانه يبرأ باذن الله تعالى مات سنة احدى وستمائة بزرع انتهى.

ومن رغبة الشيخ في أفعال الخير أنه لا يكاد يسمع دعاء الا حفظه ودعا به ، ولا يسمع ذكر صلاة الا صلاها ، ولا يسمع حديثا الا عمل به ، وقد كان يصلي بالناس في نصف شعبان مائة ركعة وهو شيخ كبير ، وكان

__________________

(١) دابة مغلة وممغولة ، وهي وجع في البطن من اكل التراب (أساس البلاغة).

القلائد الجوهرية م ـ ٣٦

٥٦١

أنشط الجماعة ، واذا جاءه النوم في قيام الليل عنده قضيب يضرب به على رجله فيذهب عنه النوم ، وكان كثير الصيام وخصوصا في السفر ، وفي آخر عمره سرده الا في عيد أو عذر ، فلامه أهله ، فقال : أغتنم أيامي ، وكان يقرأ كل ليلة سبعا من القرآن ، وآخر بين الظهر والعصر ، واذا صلى الفجر وقرأ من الدعاء والتهليل والتسبيح ما تيسر قرأ آيات الحرس ويس والواقعة وتبارك وقل هو الله أحد والمعوذات ، وكان قد كتب ذلك في كراسة (١) وهي معلقة في المحراب [و] ربما قرأ فيها خوفا من النعاس ، ثم يقرأ القرآن ويلقنه الى أن يصلي الضحى [طويلة ويصلي](٢) بعد أذان الظهر قبل سنتها كل يوم ركعتين يقرأ في الاولى أول المؤمنين ، وفي الثانية آخر الفرقان من قوله [تعالى](تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) وبين المغرب والعشاء أربع ركعات يقرأ فيهن السجدة وتبارك ويس والدخان ، وكل ليلة جمعة بين العشائين صلاة التسبيح أربع ركعات ، وقبل صلاة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) خمسين مرة ، وكل يوم الاخلاص يقرأها ألف مرة ويقول : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ألف مرة ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ولا اله الا الله الملك الحق المبين ألف مرة ، واذا دخل منزله قرأ الاخلاص خمس مرات ، وكان يزور المقابر كل جمعة بعد العصر ولا يكاد يأتي الا ومعه شيء من الشيح في ميزره [يفرقه على الارامل والفقراء] ولا يترك الغسل فيها ، ولا يكاد يخرج اليها الا ومعه شيء يتصدق به ، وكان اذا أوى الى فراشه قرأ : الحمد ، وآية الكرسي ، والواقعة ، وتبارك ، وقل ايها الكافرون ، وربما قرأ : يس ،

__________________

(١) في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب مخطوطة الظاهرية : كتب في ذلك كراسة.

(٢) زيادة من المصدر السابق.

٥٦٢

ويسبح ويحمد ثلاثا وثلاثين ويكبر أربعا وثلاثين : ويقول ، «اللهم أسلمت نفسي اليك الخ» وكان يقول بين سنة الفجر والفرض اربعين مرة : يا حي يا قيوم لا اله الا أنت ، وكان يقرأ بعد العشاء آيات الحرس ويحوط بها بيته وجيرانه فكان الناس يسرقون وينهبون ايام قتال السلطان وهم لا يرو [ن] الا خيرا ، وكان يستفتح الوضوء بالبسملة ويقول : اللهم اني أسألك الامن والبركة ، وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ، (رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) الآية ، وكان اذا عبر في الدير يقف على باب بيت فلانة وفلان الموتى فيسترجع لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وان قدم عهدها فيحدث عندها استرجاعا الا أعطاه الله مثل أجر مصيبته يوم أصيب بها) وكان يكتب الخرقي من حفظه [ص ١٨٩] ، وكان يحمل هم الاهل والاصحاب كوالدهم ، ومن سافر منهم يتفقد أهاليهم ويدعو للمسافرين ، ويتفقد الاشياء التي فيها النفع والخاص من النهر والمصانع ومواضع حفر التراب مع كثرة مرضه ، وهو الذي سفر الموفق والجماعة الى بغداد ، ولما رجعوا زوجهم وبنى دورا خارجة عن الدير فضلا عن الدير ، وكان كثير الغزوات وتأتيه ناس في الخصومات والقضايا فيصلح بينهم ، وربما سافر من دمشق الى جبل نابلس لاجل ذلك ، وكان يمشي الى دير البياتمة فيه يتفقد المساكين ، وأقام بالجبل عمره وفيه مواضع ما عرفها ، وكان يتصدق بثيابه ويبقى معوزا وربما تصدق بالجبة [وليس له غيرها] وأعطى فراشه ونام على الحصير ، واذ مات صغير قطع له قطعة من عمامته وكانت بطانة مروية لطيفة ، وكم قميصه الى رسغه وذيله الى نصف ساقه ، وقال : يقول الناس : لا علم الا ما دخل مع صاحبه الى الحمام ، وأنا أقول لا علم الا ما دخل مع صاحبه القبر ، وقال : ان لم يكن معطي الصدقة يعلم أنه الى صدقته احوج من الفقير اليها لم تنفعه صدقته ، قالوا وكيف ذلك؟ قال لانكم اذا لم تتصدقوا لم يتصدق احد عنكم ، وأما

٥٦٣

السائل فان لم تعطوا أنتم أعطاه غيركم ، وكان يحب اللبن اذا صفى بمئزر فكانوا يعملونه له فيأكل نصفه ويتصدق بالنصف الباقي ثم لم يأكل منه شيئا فقيل له أوما تحبه فقال بلى ما أحب شيئا مثله ولكن لحبي اياه تركته حتى يأكله غيري ، وكان يسمع جماعته على المشايخ المقيمين والواردين بقراءته وكانت عجلة بغير لحن سواء كان المسموع عاليا أو نازلا.

وكتب بخطه المليح عدة مصاحف ، والحلية لابي نعيم ، والابانة لابن بطة ، وتفسير البغوي ، والمغني لاخيه الموفق ، وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير وربما كتب المصحف والخرقي بغير أجر ، واذا علقت كتبه على من به مرض برأ أو حمى زالت ، ولما سكن الدير عمل ليلة في صحن فطيرة سمن ودعي فجاء فوضع أصبعه فيه وغطاه وقال ادعوا أهل الدير فدعوناهم فأكل منه أهل الدير وفضل ما فرقنا منه ، ودعا ليلة أبا عبد الله محمد بن عمر بن أبي بكر وكان يخاف من ضرر الاكل فابتدأه وقال اذا قرأ انسان قبل الاكل : (شهد الله أنه لا اله الا هو) ، و (لايلاف قريش) ثم أكل فانه لا يضره.

وقال ابو اسحاق الشبراوي الواعظ سكنت مرة في الجبل فأصابني قولنج وكان في رمضان فحرصوا بي على أن أفعل فلم أفعل فخرجت من شدة ما أصابني الى موضع الجامع وكان يصلي فأنا قاعد واذا الشيخ أبو عمر أقبل من الجبل فلما رآني أسرع الي وفي يده حشيشة فمدها اليّ وقال شمّ هذه تنفعك فأخذتها وشممتها فزال عني المرض فلما كان وقت العشاء صليت معه فقال الذي أصابك أظنه ريحا ، قال وهذه كرامة أعرفها للشيخ أبي عمر فان أحدا ما اعلمته بمرضي ، وقال الشيخ عبد الله عتيق بن عامر كنت في مراغة فرأيت رجلا متزهدا يقال له أبو الحسن فذكر عنده الزهاد فقال : ليس مثل الشيخ أبي عمر الذي بجبل قاسيون ،

٥٦٤

فقلت له : أي شيء من فضله؟ فقال : تعرفه؟ فقلت : أنا أقرب الناس اليه في المعرفة ، فقال جاءنا الخبر من الشيخ أبي الفرج من سرنديل (؟) أن الشيخ أبا عمر قطب من سنة ونصف قال فمضيت الى مكة. وحدثنا الشيخ ربيع فقال : هو أحق الناس بذلك ، وقال بعض الصالحين : أقام ابو عمر في القطابة ست سنين ، وكان لا يسمع بشيء منكر الا اجتهد في تغييره حتى قال بعض ملوك الشام : هذا الشيخ شريكي في ملكي ، وكان من هيبته اذا دخل المسجد لا يجسر أحد أن يرفع صوته بحديث ولا غيره ، واذا أمر بشيء لا يحسن أن يخالفه ، واذا عبر في طريق هرب الصبيان منه. واذا دخل سوقا يريد أن يشتري شيئا يعطاه بغير ثمن من محبة الناس له وكان ليس بالطويل ولا بالقصير أزرق العينين وليس بالكثير ، يميل الى الشقرة كث اللحية نحيف الجسم.

وكان أول زوجاته أم عمر فاطمة عمة الحافظ الضياء وكانت أكبر سنا منه ، وبقيت حتى كبرت وأقعدت ، وماتت قبل موته بأعوام وولدت له عمر وخديجة وآمنة [ص ١٩٠] وأولادا ذكورا واناثا ماتوا صغارا.

وتزوج عليها طاوس من بيرة العرب بأرض بيت المقدس وولدت له ابنتين وماتتا وهي في حياته.

ثم تزوج أم عبد الله فاطمة بنت أبي المجد من دمشق وولدت له عبد الله وزينب وماتت في حياته وحياة أم عمر.

ثم تزوج أم عبد الرحمن آمنة بنت أبي موسى فولدت له أولادا عاش منهم حتى كبر أحمد وعبد الرحمن وعائشة وحبيبة وخديجة الصغرى ومن شعره :

ألم يك منهاة عن الزهو أنني

بدا لي شيب الرأس والضعف والالم

٥٦٥

ألم بي الخطب الذي لو بكيته

حياتي حتى ينفد الدمع لم ألم

ولما حضرته الوفاة أوصى واستقبل القبلة ، وقال اقرؤوا سورة يس ـ وهو يقول : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ـ الله يثبتكم على الكتاب والسنة.

وقال أبو محمد بن عبد الجبار : رأيت في النوم وقت موته إنسانا يستأذن على الباب ، فخرجت اليه فرأيت انسانا لم أر أحسن منه وعليه ثياب حسنة فقال استأذن لي على الشيخ فقلت له : من أنت؟ قال : أنا ملك الموت فأخذتني منه فزعة ، فقال بعض الجماعة من هذا؟ فقال الشيخ : هذا ملك الموت ، ادخل ، فدخل ومعه منديل كأنها من نور من حسنها فمسح بها فم الشيخ ، ولما غسل كان الخارج من السدر وغيره تنشفه الناس في خرقهم ومقانعهم ولما خرجوا بجنازته كان يوما حارا فأرسل الله سحابة أظلت الناس وسمع فيها الصوت والدوي أكثر من الارض ، وحزر من حضر جنازته بأكثر من عشرين ألفا ، وكان ابن محارب وغلمانه ، والمعتمد وغلمانه ، وعبدان غلام سامة وغلمانه ، يمنعون الناس عن الجنازة من كثرة تزاحم الخلق عليها.

وحدث عبد الولي بن طرخان أنه قرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة وكان وحده فبلغ الى قوله (بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) فقال : ولا ذلول ـ يعني غلط ـ فرد عليه الشيخ من القبر فخاف وارتعد وقام.

وحدثت عزة بنت يونس أنها رأت في المنام امرأة ماتت من مدة وكانت الميتة ربما قطعت الصلاة فسألتها عن حالها فقالت قد ارتفع العذاب عنا كارتفاع السماء عنكم بسبب هذا الرجل الزاهد ، فقلت من هو؟ فقالت : الشيخ أبو عمر.

وحدث ابن الدرجي امام مقصورة الحنفية فقال رأيت ليلة فتح باب

٥٦٦

من السماء واذا صوت يقول : هذا من سيدي اهل الجنة فنظرت فاذا الشيخ أبو عمر.

وأما ولده شيخ الاسلام أبو الفرج عبد الرحمن شمس الدين فليس هو عنده في الحو [ا] قة فانه يحكى عنه أنه لما حضرته الوفاة أوصى ألا يدفن عند أبيه ، وقال : أنا وليت القضاء فأخاف أن اشوش عليه وعلى جيرانه ، فدفن خارجا منها فوق التربة الى جهة الشرق خلف الحائط والله أعلم.

وقبر الشيخ عماد الدين الواسطي بالروضة وقد مرت ترجمته.

وقبر مصطبة الدعاء قال شيخنا الجمال ابن المبرد : مصطبة الدعاء أسفل الروضة ، يقال : ان الدعاء فيها مستجاب ، وفي وسطها صورة قبر ، وبلغنا أنه ليس بقبر وانما تحتها أربعة أواوين فيها موتى وأن في بعض القول : وضع فيها ألف ميت وقد أدركنا جماعة من شيوخنا منهم القاضي نظام الدين بن مفلح يقف عندها ويدعو لما يقال : ان السلف كانوا يقفون عندها ويدعون انتهى.

«قلت» قد دفن في هذه الصفة الى جانب صورة القبر فيها الحاج عمر بن الحداد البصراوي التاجر في سوق الذراع وكان مباركا ، ولم أتحقق متى دفن فيها.

* * *

ثم دفن في قبليها أمام جامع الحنابلة الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد الديوان المقدسي الحنبلي المقري وكانت وفاته فجأة ليلة الجمعة خامس عشري المحرم سنة أربعين وتسعمائة ، واستقر بعده في الامامة الشيخ شرف الدين موسى الحجاوي الحنبلي.

* * *

ثم دفن في شماليها بشرق خطيب الجامع المذكور الشيخ المفيد عماد الدين اسماعيل ابن الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن ابراهيم

٥٦٧

الزباني الصالحي الحنبلي وكانت وفاته ليلة السبت تاسع عشري شعبان سنة ثمان وتسعمائة بدار الحديث الاشرفية.

* * *

[ص ١٩١] وقد اختار الدفن جماعات بسفح قاسيون منهم :

محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد (١) بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الصالحي الشيخ الامام المسند المعمر الاصيل شمس الدين أبو عبد الله.

حضر على ابن البخاري وتفرد عنه برواية جزء ابن نجيب ، وحضر على الشريف علي بن الرضا عبد الرحمن أربعين حديثا منتقاة من موطأ يحيى بن بكير وحدث ، سمع منه الحفاظ الزين العراقي ونور الدين الهيثمي والشهاب بن حجي.

توفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة سنة تسع وستين وسبعمائة بالصالحية وأوصى أن يدفن بالروضة بالسفح.

* * *

ومنهم ـ محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحافظ أبو الفتح ابن الحافظ ابي محمد.

أسمعه والده صغيرا من أبي المعالي بن صابر والخضر بن طاوس ، وارتحل الى بغداد فسمع من أبي الفتح بن شاتيل ، ثم ارتحل الى أصبهان فسمع بها من عبد الرحيم الكاغدي ، ثم عاد الى بغداد وأقام بها مدة فسمع من أبي الفرج بن الجوزي وطبقته وقرأ بها مسند الامام أحمد ، وتفقه في المرة الاولى على أبي الفتح بن المنى ، وفي الثانية على ابي البقاء ، وكان من أئمة المسلمين حافظا للحديث متنا واسنادا

__________________

(١) في الاصل : عبد المجيد ، والتصحيح من الدرر الكامنة ٣ / ٤٨٢ والشذرات ٦ / ٢١٦ ومر هذا النسب في أولاد ابن عبد الهادي عدة مرات بلفظ : عبد الحميد.

٥٦٨

عارفا معانيه وغريبه ومشكله متقنا لأسامي المحدثين وكناهم ومقدار أعمارهم وما قيل فيهم من جرح وتعديل ومعرفة أنسابهم واختلاف أسمائهم مع ثقة وعدالة وصدق وأمانة وحسن طريقة وديانة وجميل سيرة ورضى أخلاق وتودد وكيس ومروءة ظاهرة وقضاء حقوق الاخوان ومساعدة الغرباء وأثنى عليه الضياء والشهاب القوصي والشمس بن ابي عمر.

توفي ليلة الاثنين تاسع عشر شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة ، ودفن من الغد بوصية منه بالروضة بالسفح.

* * *

ومنهم ـ محمد بن عبد الرحمن بن الشيخ ابي عمر المقدسي الصالحي الشيخ الامام الفقيه العدل عز الدين ابن الشيخ شمس الدين والد الشيخ نجم الدين.

سمع من اليلداني وخطيب مردا وجماعة ، وأجاز له سبط السلفي ، سمع منه الذهبي.

وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وستمائة ، ودفن بوصية منه عند جده أبي عمر.

* * *

ومنهم ـ محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الشيخ شرف الدين أبو عبد الله ابن الشيخ زين الدين.

سمع الكثير من أبي عمر وجماعة ، وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه وافتى ودرس بالمسمارية ، وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدين ومشهور بالتقوى والديانة وروى عنه الذهبي في معجمه ، وقال كان فقيها اماما حسن الفهم صالحا متواضعا.

توفي في رابع شوال سنة أربع وعشرين وسبعمائة وشيعه خلق كثير ، ودفن بوصية منه بسفح قاسيون.

* * *

٥٦٩

ومنهم ـ محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر المعروف [ص ١٩٢] بابن البطائحي الشيخ العدل الاصيل بدر الدين أبو عبد الله.

سمع من ابن شيبان وابن البخاري والشرف ابن عساكر ، وحدث ، سمع منه المقري ابن رجب والحسيني وغيرهما ، باشر نيابة الحسبة بالشام وتولى قضاء الركب الشامي.

توفي يوم الجمعة سادس رجب سنة ست وخمسين وسبعمائة بدمشق ، وصلي عليه من الغد بالجامع الاموي ، ودفن بوصية منه بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي الصالحي الشيخ الامام المحدث شمس الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ المحدث المفيد محب الدين السعدي المعروف بابن المحب.

حضر في الثانية على أسماء بنت صصرى جزء اسحاق بن راهويه ، وحضر على عائشة بنت مسلم وابي بكر بن الرحبي والمزي فضائل الاوقات للبيهقي ، وعلى الجمال يوسف المعظمي مشيخة ابن عبد الدائم ، وحضر في الرابعة على أبي الحسن علي بن غانم ، قال ابن حجي : وحدث سمعت منه ومن أخيه صاحبنا شهاب الدين ، وكان أسن منه ، وقد اشتغل على الشيخ برهان الدين ابن قيم الجوزية وأدرك أباه ، وكان رجلا جيدا يقرأ الحديث على الكرسي بالجامع الاموي ، ويقصد جماعة مواعيده ، وله فضيلة ، وكتب بخطه الجيد كثيرا من الطباق وغيرها.

توفي يوم الاربعاء سابع جمادى الاولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة بالصالحية ، وصلي عليه بعد الظهر بالجامع المظفري ، ودفن بوصية منه

٥٧٠

بالروضة عن ست وخمسين سنة وخمسة أشهر وسبعة ايام.

* * *

ومنهم ـ محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الصالحي الشيخ المسند الأصل المقريء ناصر الدين ابن الشيخ عز الدين ابن الشيخ ناصر الدين.

أجاز له اسحاق النحاس وجماعة وسمع من القاضي سليمان وكان امام المسجد المعروف بأبيه عز الدين المنسوب الى جده كأبيه وجده ، وقد أضر في آخر عمره.

توفي ليلة الجمعة ثامن رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، وصلي عليه عقيب صلاة الجمعة بالجامع المظفري ، ودفن بوصية منه بتربة جده الشيخ أبي عمر على والده ، وانقطع ثلاثة أيام مطعونا.

* * *

ومنهم ـ محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي المقدسي الاصل الشيخ العالم المحدث المفيد الاديب أبو عبد الله.

أحضره والده في السنة الاولى من (١) مجالس الحديث ، وأسمعه كثيرا على عدة شيوخ منهم عبد الله بن القيم وأحمد بن الحوفي وعمر بن القيم وست العرب (٢) بنة محمد بن الفخر وحدث قبل الفتنة وبعدها صنف شرحا على البخاري وهو مسودة ، وقد وقفت عليه ، وله نظم ونثر وكان يقرأ الصحيحين في الجامع الاموي في نسخته الحسنة التي أوقفها بجامع الحنابلة ، وحصل به النفع.

توفي بطيبة المشرفة في أنناء سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وقد رأى في منامه من نحو عشرين سنة ما يدل على موته هناك.

__________________

(١) كذا في الاصل : والظاهر أن تكون : في مجالس الحديث.

(٢) في شذرات الذهب ٧ / ١٧٨ : ست العز والصواب ما ورد هنا. انظر ترجمتها هنا ص ٤٢٤.

٥٧١

وكان يتمنى قبل ذلك أن يدفن بالسفح فأعطي ما هو خير منه ، قريء عليه سنن ابن ماجة بالناصرية البرانية بالصالحية بحضور قاضي القضاة النجم بن حجي والشرف بن مفلح [ص ١٩٣] وجماعة كثيرين وكان القاريء الحافظ بن ناصر الدين.

* * *

ومنهم ـ أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي الشيخ الامام عماد الدين أحد أعيان شهود الحكم العزيز.

سمع سنة نيف وعشرين من جماعة ، وحدث عن ابن الشحنة وغيره ، ذكره الذهبي في معجمه المختص وقال : كان من فضلاء المقادمة مليح الكتابة حسن الفهم له المام بالحديث ، سمع من جماعة وقرأ بنفسه قليلا ، ونسخ لنفسه وللناس.

توفي يوم الثلاثاء ثامن جمادى الاولى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ، ودفن بوصية منه بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن ابي الفتح ، الشيخ الجليل عماد الدين الحلبي الاصل الدمشقي المولد الصالحي المنشأ المعروف بابن الحبال ، وكان والده يعرف بابن الصائغ ، حضر على هدية بنت عسكر وسمع من القاضي تقي الدين سليمان وعيسى المطعم ، وكان له ثروة ، ووقف أوقاف بر على جماعة الحنابلة ، وعنده فضيلة ، وقسم ماله قبل موته بين ورثته ، وانقطع لسماع الحديث في بستانه بالزعيفرينة.

توفي ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الآخر سنة احدى وثمانين وسبعمائة ، وصلي عليه من الغد بالجامع المظفري ودفن بوصية منه بالروضة عند والده.

* * *

٥٧٢

ومنهم ـ أبو بكر بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن سليمان ابن حمزة المقدسي الاصل الصالحي القاضي عماد الدين وهو أخو الحافظ ناصر الدين بن زريق المتقدم ذكره كذا قال والد شيخنا المحدث القاضي ناصر الدين بن زريق.

سمع من الصلاح وغيره واشتغل يسيرا ، وكان يصوم الاثنين والخميس وولي نيابة عز الدين البغدادي مدة يسيرة ، ثم عزل ثم ولي نيابة القاضي شهاب الدين بن الحبال ، ثم ورد مرسوم بعزل نوابه فعزله ، وأجاز للحافظ أبي الفضل بن حجر سنة تسع وعشرين وثمانمائة.

توفي بالصالحية سنة احدى وثلاثين وثمانمائة ، ودفن بوصية منه بالروضة قبلي الشيخ موفق الدين.

* * *

ومنهم ـ أبو بكر بن ابراهيم بن العز محمد بن العز ابراهيم [ابن عبد الله](١) بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الاصل الصالحي الشيخ عماد الدين بن ناصر الدين بن عز الدين مسند الصالحية المعروف بالفرائضي.

سمع من الحجار وأجاز له القاسم ابن عساكر وابو نصر الشيرازي وآخرون ، سمع عليه ابن حجر وغيره.

وتوفي في حدود الثلاثين وثمانمائة ، ودفن بوصية منه بالروضة بالسفح.

* * *

ومنهم ـ يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان المقدسي ثم الدمشقي الشيخ الامام العالم العابد الخير جمال الدين أبو الحجاج.

__________________

(١) زيادة من الضوء اللامع ١١ / ١٢.

٥٧٣

سمع سنن ابن ماجه ، من الحافظ ابن بدران النابلسي وسمع من التقي سليمان وأبي بكر بن عبد الدائم وعيسى المطعم ووزيرة بنت المنجا وغيرهم ، وسمع منه ابن كثير والحسيني وابن رجب ، قال ابن كثير : وكان من العلماء العباد الورعين ، كثير التلاوة وقيام الليل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمواظبة على الخير ومحبة الحديث والسنة.

توفي في العشر الاوسط من جمادى الآخرة سنة اربع وخمسين وسبعمائة بالمدرسة الصدرية ، وصلي عليه بالجامع الاموي ودفن بوصية منه بالسفح.

* * *

ومنهم ـ يوسف بن أحمد بن العز بن ابراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر المقدسي [ص ١٩٤] الصالحي امام مدرسة جده أبي عمر.

سمع من الحجار وغيره ، قال ابن حجي : كان فاضلا جيد الذهن صحيح الفهم وكان معروفا بذلك ، وكان مولعا بالفتوى بمسألة الطلاق على ما ذكره التقي بن تيمية ويسأل المناظرة عليها ، وهو أخو الصلاح بن أبي عمر راوي المسند الاحمدي.

توفي يوم الاحد ثامن عشر رمضان سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وصلي عليه من الغد ودفن بوصية منه بمقبرة جده.

* * *

ومنهم ـ نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي ثم الدمشقي الانصاري الشيخ نجم الدين ابن شيخ الاسلام (١) ابن الشيخ أبي الفرج شيخ الحنابلة في وقته.

__________________

(١) كذا في الاصل ، والصواب : ابن شرف الاسلام. راجع تنبيه الطالب ٢ / ٦٨ و ٦٩.

٥٧٤

سمع وافتى ودرس وهو ابن نيف وعشرين سنة الى أن مات ، عاش هنيا مرفها (١) لم يل ولاية من جهة السلطان ، وما زال محترما معظما ممتعا قويا ، وقال : رأيت الحق عزوجل في منامي ـ قبل أن يموت بسنة ـ فقال : يا نجم ، أما علمت (٢) وكنت جاهلا؟ قلت : بلى يا رب ، قال : أما أغنيتك وكنت فقيرا؟ قلت : بلى يا رب ، قال : أما امت سواك واحييتك؟ وجعل يعدد النعم ، ثم قال : اعطيتك ما اعطيت موسى بن عمران.

وكان الشيخ موفق الدين واخوه ابو عمر اذا اشكل عليهما شيء سألا والدي ، وخرج أبو الخير سلامة بن ابراهيم الحداد له مشيخة ، وذكر المنذري : أن له اجازة من أبي الحسن بن الزاغوني وغيره.

توفي في ثاني عشري ربيع الآخر سنة ست وثمانين وخمسمائة ، ودفن بوصية منه بالسفح وكان له عدة اخوة : منهم بهاء الدين عبد الملك.

ومنهم ـ [أخوه] سديد الدين عبد الكافي قال ناصح الدين : كان فقيها مطهرا (٣) ووعظ في شبابه ، وكان يذكر الدرس في الحلقة مستندا الى خزانة أبيه ، وكان شجاعا.

مات بعد الثمانين والخمسمائة ودفن تحت مغارة الدم.

* * *

ومنهم ـ الشيخ شمس الدين عبد الحق ، قال الناصح : كان فقيها عاقلا عفيفا حسن العشرة كثير الصدقة ، سافر في طلب العلم وقرأ الهداية ، ورحل الى بلاد العجم ورأى أمة خراسان ، ثم عاد الى دمشق.

__________________

(١) كذا في الاصل ، وفي ذيل ابن رجب مخطوطة الظاهرية : مرهفا

(٢) في تنبيه الطالب ٢ / ٦٩ : أما علمتك وكنت جاهلا ، وكذلك في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب.

(٣) كذا في الاصل وفي ذيل ابن رجب : متطهرا.

٥٧٥

مات في جمادى الآخرة سنة احدى وأربعين وستمائة ودفن بسفح قاسيون.

* * *

ومنهم ـ الشيخ شرف الدين محمد كان فقيها فرضيا يعرف الغزوات ويعبر المنامات ويتجر دفن داخل باب الصغير.

* * *

ومنهم ـ الشيخ عز الدين بن عبد الهادي ، كان فقيها واعظا شجاعا حسن الصوت بالقرآن ، شديدا في السنة ، شديد القوى ، حكي عنه أنه بارز فارسا من الافرنج فضربه بدبوس فقطع ظهره وظهر الفرس فوقعا معا ، ويقال : انه رفع الحجر الذي على بير جامع دمشق فمشى به خطوات ثم رده الى مكانه ، بنى مدرسة بمصر ومات قبل تمامها.

* * *

ومنهم ـ محمد بن أبي بكر بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان الشيخ العالم المدرس القاضي شمس الدين بن النقيب.

ولد تقريبا سنة اثنتين وسبعين وستمائة وأخذ شيئا من الفقه عن الشيخ محيي الدين النووي ، وخدمه ، وسمع الحديث ، قال الحسيني : وحدث عن ابن البخاري وولي قضاء حمص ثم طرابلس ثم حلب ثم صرف عنها وعاد الى دمشق ، وولي تدريس الشامية البرانية عوضا عن ابن جملة ، ودرس بعده بها شيخ الاسلام السبكي وكان أحد أوعية العلم ، قال السبكي له الديانة والعفة والورع الذي طرد به الشيطان وأرغم أنفه ، وكان من أساطين المذهب ، وجمرة نار ذكاء الا أنها لا تلتهب ، سمعته يقول : قال لي النووي يا قاضي شمس الدين لا بد أن تلي تدريس الشامية فوليها.

توفي سنة خمس واربعين وستمائة ودفن بالسفح بوصية منه.

* * *

٥٧٦

[ص ١٩٥] ومنهم ـ أحمد بن محمد بن [ابراهيم] بن ابي بكر بن خلكان قاضي القضاة شمس الدين ابو العباس البرمكي الاربلي.

ولد باربل سنة ثمان وستمائة ، قال الذهبي : سمع البخاري [من ابن مكرم] وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة ، وتفقه بالموصل على الكمال بن يونس ، وأخذ بحلب عن القاضي بهاء الدين بن شداد وغيرهما ، وقرأ النحو على ابي البقاء يعيش بن علي النحوي ، وقرأ في شبيبته ، وأخذ عن ابن الصلاح ، ودخل الديار المصرية وسكنها ، وناب في القضاء عن القاضي بدر الدين السنجاري مدة طويلة ثم قدم الشام على القضاء في ذي الحجة سنة تسع منفردا بالامر ، ثم أقيم معه القضاة الثلاثة في سنة اربع وستين وأضيف (١) اليه مع القضاء نظر الاوقاف والجامع والمارستان وتدريس سبع مدارس : العادلية والناصرية والعذراوية والفلكية والركنية والاقبالية والبهنسية ، وقرىء تقليده يوم عرفة يوم الجمعة بعد الصلاة بالشباك الكمالي من جامع دمشق وسافر القاضي المعزول [مرسما](٢) عليه وقد تكلم فيه الشيخ أبو شامة (٣) وذكر أنه جار في وديعة ذهب جعلها فلوسا والله أعلم.

ثم عزل سنة تسع وستين بالعز بن الصايغ ، ثم أعيد بعد سبع سنين ، وصرف ابن الصايغ في أول سنة سبع وسبعين ، ثم عزل ثانيا في آخر محرم سنة ثمانين بالعز بن الصايغ.

قال ابن كثير في سنة تسع وستين وستمائة : دخل السلطان الى دمشق يوم الاربعاء خامس شوال فعزل القاضي ابن خلكان وكان له في القضاء عشر سنين وولي القضاء عز الدين بن الصايغ وخلع عليه وكان

__________________

(١) في الاصل : وأضاف ، والتصحيح من تنبيه الطالب ١ / ١٩٢.

(٢) كلمة غير ظاهرة في الاصل رجحنا ما اثبتناه بين المعكوفتين.

(٣) انظر ذيل الروضتين لابي شامة ص ٢١٤.

القلائد الجوهرية م ـ ٣٧

٥٧٧

تقليده قد كتب بظاهر طرابلس الشام بسفارة الوزير ابن الحنا فسار ابن خلكان في ذي القعدة الى مصر انتهى.

وقال في سنة سبع وسبعين وفي أوائل المحرم اشتهر بدمشق ولاية القاضي ابن خلكان قضاء دمشق عودا على بدء في أواخر ذي الحجة بعد عزل سبع سنين فامتنع القاضي عز الدين بن الصايغ من الحكم في سادس المحرم ، وخرج الناس لتلقي ابن خلكان فمنهم من وصل الى الرملة وكان دخوله يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم ، فخرج نائب السلطنة ايدمر بجميع الامراء والمواكب لتلقيه وفرح الناس بذلك ومدحه الشعراء وأنشد الفقيه شمس الدين محمد بن جعفر :

لما تولى قضاء الشام حاكمه

قاضي القضاة أبو العباس ذو الكرم

من بعد سبع شداد قال خادمه

ذا العام فيه بغاث الناس بالنعم

وقال سعد الدين بن مرزوق (١) الفارقي :

أذقت الشام سبع سنين جدبا

غداة هجرته هجرا جميلا

فلما زرته من أرض مصر

مددت عليه من كفيك نيلا

وقال آخر :

رأيت أهل الشآم طرا

ما فيهم قطّ غير راضي

نالهم الخير بعد شر

فالوقت بسط بلا انقباض

__________________

(١) في ابن كثير : مروان.

٥٧٨

وعوضوا فرحة بحزن

قد أنصف الدهر في التقاضي

وسرهم بعد طول غم

قدوم (١) قاضي وعزل قاضي

وكلهم شاكر وشاك

بحال مستقبل وماض

وقال في سنة تسع وسبعين : وأمر الملك الكامل سنقر الاشقر أن تضاف البلاد الحلبية الى ولاية القاضي شمس الدين بن خلكان وولاه تدريس الامينية وانتزعها من ابن سني الدولة انتهى.

ولما عزل ابن خلكان في أوائل سنة ثمانين استمر معزولا وبيده الامينية والنجيبية.

قال التاج الفزاري في تاريخه : كان قد جمع حسن الصورة وفصاحة المنطق وغزارة العقل وثبات الجأش ونزاهة النفس.

وقال الذهبي : وكان اماما فاضلا بارعا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الادب والشعر وايام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة من سروات الناس كريما جوادا مسدحا ذكيا اخباريا ، وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الاعيان.

وقال ابن كثير : وقد درس في عدة مدارس لم تجمع لغيره ولم يبق معه في آخر وقته سوى الامينية ، وبيد ابنه كمال الدين النجيبية وله التاريخ المفيد الذي وسمه بوفيات الاعلام من أبدع المصنفات وكان له نظم حسن رائق وكانت محاضرته في غاية الحسن.

__________________

(١) في الاصل : مذقة قاض ، والنص عن ابن كثير ١٣ / ٢٨٠ وفي النجوم الزاهرة : قدوم ٧ / ٢٥٥

٥٧٩

توفى بايوان النجيبية في سادس عشري رجب سنة احدى وثمانين وستمائة ودفن بالسفح بوصية منه.

* * *

وكان له أخ. قال في العبر في سنة ثلاث وثمانين : وابن خلكان قاضي بعلبك البهاء أبو عبد الله محمد بن محمد بن ابراهيم كان أسن من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين سمع الصحيح من ابن مكرم واجاز له المؤيد الطوسي وجماعة ، وكان حسن الاخلاق رقيق القلب سليم الصدر ذا دين وخير وتواضع.

توفي في رجب.

«وخلكان» قال الاسنوي قرية وقال الاسدي وهو وهم وانما هو (١) اسم لبعض أجداده.

* * *

ومنهم ـ يحيى بن هبة الله بن سني الدولة الحسن بن يحيى قاضي القضاة شمس الدين [ص ١٩٦] أبو البركات الدمشقي قاضيها.

ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، وتفقه على ابن أبي عصرون واشتغل بالخلاف على القطب النيسابوري ، وسمع من جماعة ، وولي قضاء الشام ، قال الذهبي : وحمدت سيرته.

وقال ابن كثير في تاريخه : كان اماما عالما عفيفا فاضلا عادلا منصفا نزها. كان الملك الاشرف يقول ما ولي دمشق مثله وقد ولي الحكم ببيت المقدس مدة وناب في القضاء ثم استقل بالحكم.

وقال الاسدي : وكان مهيبا جليلا حدث بمكة وبيت المقدس وحمص.

توفي يوم الاحد سادس ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وستمائة

__________________

(١) في الاصل : وانما هم.

٥٨٠