رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

وجود الفارق بين الرجم وغيره ، من حيث تضمّنه تلف النفس المأمور بحفظها شرعاً ، بخلاف صورة الفرض (١) وذلك لعدم انحصار حدّ الزناء (٢) في الرجم ، بل يثبت فيه الجلد مائة أيضاً على بعض الوجوه ، وقد قدّمنا سقوطه أيضاً كالرجم بالتوبة بعد الإقرار ، ولا ريب أنّه أكثر عقوبةً من الجلد ثمانين ، وموجبه أعظم ذنباً من موجبه ، فليكن سقوط الحدّ هنا بالتوبة أولى ( بعده ) (٣).

هذا ، مضافاً إلى عموم مفهوم التعليل في بعض المعتبرة الواردة في اللواط ، وفيه : « وأمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة ، وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه ، وإذا كان للإمام الذي من الله تعالى أن يعاقب عن الله سبحانه كان له أن يمنّ عن الله تعالى ؛ أما سمعت قول الله تعالى ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٤) » (٥).

( ومنهم من حَتَم الحدّ ) وأوجبه ، وهو : الحلّي والشيخ في المبسوط والخلاف (٦) ، وقوّاه الماتن في الشرائع والفاضل في التحرير (٧) وجماعة من المتأخّرين (٨) ؛ لاستصحاب ثبوت الحدّ إلى ظهور المسقط ، وليس بظاهر.

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٣٧٢ ، المفاتيح ٢ : ٨٩ ، كشف اللثام ٢ : ٤١٨.

(٢) في « ن » زيادة : الساقط بالتوبة بعد الإقرار.

(٣) ليست في « س » و « ب » و « ن ».

(٤) سورة ص : ٣٩.

(٥) تحف العقول : ٣٦٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤١ أبواب مقدمات الحدود ب ١٨ ح ٤.

(٦) الحلّي في السرائر ٣ : ٤٧٨ ، الشيخ لم نعثر على كلامه في المبسوط والخلاف ، نعم حكاه عنه جماعة منهم : الحلّي في السرائر ٣ : ٤٧٨ ، والعلاّمة في المختلف : ٧٦٨.

(٧) الشرائع ٤ : ١٧١ ، التحرير ٢ : ٢٢٧.

(٨) منهم الشهيد الأوّل في غاية المراد ١٤ : ٢٤٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٤٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٩٨.

٨١

وفيه بعد ما عرفت من وجود الدليل نظر واضح.

وأمّا ما ذكره الحلّي (١) من ظنّه عدم الخلاف فيما ذكره ؛ لرجوع الشيخ في الكتابين عمّا في النهاية فواضح وهنه ، سيّما بعد ما عرفت من دعوى الشهرة الظاهرة على خلافه في كلام جماعة.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٧٩.

٨٢

( الفصل الخامس )

( في ) بيان ( حدّ السرقة )

( وهو يعتمد فصولاً ) خمسة :

الأول ( في ) بيان ( السارق ) الذي يجب قطعه.

( ويشترط فيه : التكليف ) بالبلوغ والعقل والاختيار ( وارتفاع الشبهة ) الدارئة للحدّ من نحو توهّم الملك كما في سائر الحدود ( وأن لا يكون والداً ) سرق ( من ولده ، وأن يهتك الحرز و ) يزيله ، فـ ( يخرج المتاع ) المحرز فيه (١) ، ( ويأخذه سرّاً ) مختفياً.

( فالقيود ) المشترطة في قطع السارق ( إذن ستّة ).

( فلا يحدّ الطفل ) ولو راهق الحلم ( ولا المجنون ) ولو أدواريّاً إذا سرق حال جنونه ( لكن يعزّران ) ويؤدّبان بما يراه الحاكم وإن تكرّر منهما مراراً.

بلا خلاف في الثاني ، بل ادّعي الوفاق على عدم حدّه (٢) ؛ وهو الحجّة فيه ، مضافاً إلى حديث رفع القلم عنه (٣) من غير معارض فيه ، وهو وإن دلّ على نفي التعزير أيضاً إلاّ أنّه لا خلاف فيه ، ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس (٤) من باب التكليف ، بل وجوب التأديب على‌

__________________

(١) في المختصر المطبوع زيادة : بنفسه.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٢٠.

(٣) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٤) في « س » و « ن » زيادة : ذلك.

٨٣

الحاكم ؛ لاشتماله على المصلحة ودفع المفسدة ، كما في كل تعزير.

وهذان الدليلان جاريان في عدم حدّ الصبي وتعزيره ، كما أطلقه المصنّف وعامّة المتأخّرين (١) ، وفاقاً للمفيد والحلّي كما حكي (٢).

( و ) قال الشيخ ( في النهاية ) وتبعه القاضي (٣) : إنّه ( يعفى عن الطفل أوّلاً ، فإن عاد أُدِّب ، فإن عاد حُكَّت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قُطِعت أنامله ، وإن عاد قطع كما يقطع البالغ ).

واختاره في المختلف بعد أن نسبه إلى الأكثر (٤) ، ونحوه شيخنا في الروضة ، فقال : ومستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة ، وعليه الأكثر. ولا بعد في تعيين الشارع نوعاً خاصّاً من التأديب ؛ لكونه لطفاً وإن شارك خطاب التكليف في بعض أفراده (٥).

وهو حسن إن تمّ ما ذكره من دلالة الأخبار الصحيحة عليه ؛ مع أنّا لم نجد شيئاً منها يدلّ عليه بالتفصيل المذكور فيه ؛ مع أنّها بأنفسها متعارضة غير متّفقة على تفصيل واحد ، والجمع بينها وتطبيقها على ما في النهاية في غاية الإشكال والصعوبة ، بل لعلّه متعذّر ، ومع ذلك خالٍ عن شاهدٍ عليه وحجّة ، فيشكل التعويل عليها مطلقاً في إثبات حكم مخالف للأصل ، كما أشار إليه الماتن في نكت النهاية ، فقال ولنعم ما قال ـ :

والذي أراه تعزير الصبيّ ، والاقتصار على ما يراه الإمام أردع له ، وقد اختلف الأخبار في كيفية حدّه ، فيسقط حكمها لاختلافها وعدم الوقوف (٦)

__________________

(١) في « ن » زيادة : عدا النادر منهم.

(٢) حكاه عنهما في التنقيح ٤ : ٣٧٣ ، وهو في المقنعة : ٨٠٣ ، والسرائر ٣ : ٤٨٥.

(٣) النهاية : ٧١٦ ، ولم نعثر عليه في كتب القاضي ، نعم حكاه عنه في الإيضاح ٤ : ٥١٩.

(٤) المختلف : ٧٧٠.

(٥) الروضة ٩ : ٢٢٢.

(٦) كذا ، وفي المصدر : الوثوق.

٨٤

بإرادة بعضها دون بعض. وما ذكره الشيخ رحمه‌الله خبر واحد لا يحكم به في الحدود ؛ لعدم إفادته اليقين ، والحدّ يسقط بالاحتمال (١). انتهى.

ومنه يظهر الجواب عمّا عن المقنع (٢) من العفو عنه أولاً ، فإن عاد قطعت أنامله أو حكَّت حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك ؛ كما في الصحيح (٣).

وفي آخر رواه في الفقيه : « إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه ، فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكّت حتى تدمى ، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه ، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطعت يده ولا يضيّع حدّ من حدود الله تعالى » (٤).

ولا يخفى ما بينهما من التعارض ولو من جهة الإطلاق والتقييد ، والجمع بينهما بالتقييد وإن أمكن ، إلاّ أنّه لم يقل به في المقنع ولا غيره ، ولم يحك عن أحد.

وعمّا عن ابن سعيد (٥) من العمل بما في الصحيح : « إذا سرق الصبيّ عفي عنه ، فإن عاد عُزِّر ، فإن عاد قطع أطراف الأصابع ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك » (٦) لمعارضته ما سبقه وغيره من النصوص المعارضة لهما ،

__________________

(١) نكت النهاية ٣ : ٣٢٤.

(٢) المقنع : ١٥٠.

(٣) الكافي ٧ : ٢٣٣ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١١٩ / ٤٧٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٥ أبواب حدّ السرقة ب ٢٨ ح ٧.

(٤) الفقيه ٤ : ٤٤ / ١٤٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٧ أبواب حدّ السرقة ب ٢٨ ح ١٢.

(٥) الجامع للشرائع : ٥٦٣.

(٦) الكافي ٧ : ٢٣٢ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١١٨ / ٤٧٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٤ أبواب حدّ السرقة ب ٢٨ ح ٢.

٨٥

ومنها الصحيحان الدالاّن على العفو عنه مرّتين ، فإن عاد قطع أطراف أصابعه كما في أحدهما ، وبنانه بدلاً عنه في الثاني ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك كما في الأوّل ، ومن بنانه كما في الثاني ، وزيد فيه : « فإن عاد قطع أسفل من ذلك » (١).

وفي الغنية : روى أصحابنا : « أنّ الصبي إذا سرق هُدِّد ، فإن عاد ثانيةً أُدِّب بحك أصابعه بالأرض حتى تدمى ، فإن عاد ثالثةً قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول ، فإن عاد رابعةً قطعت من المفصل الثاني ، فإن عاد خامسةً قطعت من أُصولها » (٢).

وأكثر النصوص تخالف هذا التفصيل. نعم ، في بعضها ما يومئ إليه (٣) ، لكن فيه العفو بدل التهديد. ولا يخفى ما بينهما من التنافي ، إلاّ أن يحمل المعفوّ عنه على القطع والإدماء ، فلا ينافي التهديد ، لكن السند قاصر. وعبارته وإن أشعرت بالإجماع عليه إلاّ أنّه موهون بمخالفته الأكثر ، بل الكلّ ، كما يظهر من نقل الأقوال الذي مرّ.

وبالجملة : العمل بهذه الأخبار محلّ نظر وإن استفاض صحاحها وقرب من التواتر عددها ؛ لما مضى ، فينبغي حملها على كون الواقع تأديباً منوطاً بنظر الحاكم ، لا حدّا ، كما ذكره في المسالك شيخنا (٤) ، ومقتضاه‌

__________________

(١) الأول في : الكافي ٧ : ٢٣٢ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١١٩ / ٤٧٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٣ أبواب حدّ السرقة ب ٢٨ ح ١.

الثاني في : الكافي ٧ : ٢٣٢ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١١٩ / ٤٧٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٤ أبواب حدّ السرقة ب ٢٨ ح ٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ٦٢٤.

(٣) التهذيب ١٠ : ١٢١ / ٤٨٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٨ ح ١٥.

(٤) المسالك ٢ : ٤٤١.

٨٦

جواز بلوغ التعزير الحدّ هنا ولو في بعض الصور ، ولا بأس به ؛ لاتّفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه ، ولكنّه لا يلائم ما أطلقه المتأخّرون (١) من التعزير ؛ بناءً على ما قرّروه من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحدّ ، وفي جريانه في محلّ البحث نظر ؛ لما مرّ ، لكن ينبغي الاحتياط بعدم القطع إلاّ فيما اتّفقت في الدلالة عليه ، وهو في الخامسة.

( ولو سرق الشريك ) من المال المشترك ( ما يظنّه نصيباً ) له ، مع ظنّه جواز مباشرته القسمة بنفسه ( لم يقطع ) ولو زاد نصاباً ؛ للشبهة الدارئة للحدّ الذي منه القطع ، بلا خلاف.

ولو علم عدم جواز تولّي القسمة كذلك ، قطع إن بلغ نصيب الشريك نصاباً ؛ للعموم ، وارتفاع الشبهة بالعلم.

قيل (٢) : ويحتمل القطع مطلقاً مع بلوغ نصيب الشريك النصاب ؛ لفساد القسمة ، ووجود حقّ الشريك فيما أخذه ( بقدر النصاب ) (٣). ويحتمل العدم كذلك ؛ لوجود حقّه فيه ، مع التأيّد بعموم ما سيأتي من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذه شركاء » (٤) والخبر الوارد فيمن سرق من بيت المال : « لا يقطع ، فإنّ له فيه نصيباً » (٥).

وفي الاحتمالين نظر ؛ لأنّ فساد القسمة في الشريعة لا يرفع أثر‌

__________________

(١) في « ب » و « ح » : بعض المتأخرين.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٢٢.

(٣) ليست في المصدر ، وفي « ب » : بقدره.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٣ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٠٤ / ٤٠٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٤١ / ٩١٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٨٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٤ ح ١ ، وفي الجميع : « له فيما أخذ شِرك » أي نصيب.

(٥) الكافي ٧ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١٠٥ / ٤٠٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٤١ / ٩١١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٨٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٤ ح ٢.

٨٧

الشبهة الحاصلة من مظنّة جواز المباشرة لها بنفسه. ووجود حقّه فيه لا ينافي صدق أخذه النصاب من مال غيره الموجب هو للقطع بمقتضى العموم ، ولا إشارة فيما دلّ عليه باشتراط خلوص النصاب عن مال السارق ، فتأمّل.

والخبران قاصرا السند ، فلا يصلحان لتخصيص العموم ، سيّما مع اعتضاده بفتوى المشهور ، ومعارضتهما بما سيأتي ممّا هو أوضح منهما سنداً.

( وفي سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان ) باختلافهما اختلف الأصحاب.

ففي ( إحداهما ) : أنّه ( لا يقطع ) والمراد بها الجنس ؛ لتعدّدها.

منها : « في رجل أخذ بيضة من المغنم وقالوا : قد سرق اقطعه ، فقال : إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذه شركاء » (١).

ومنها : « أربعة لا قطع عليهم : المختلس ، والغلول ، ومن سرق من المغنم ، وسرقة الأجير ؛ لأنّها خيانة » (٢).

وعمل بمضمونها المفيد والديلمي وفخر الدين والفاضل المقداد في شرح الكتاب (٣) ، وغيرهم (٤).

وقصور سندهما ـ بسهل في الأوّل وإن كان سهلاً ، والسكوني‌

__________________

(١) تقدّمت في ص ٨٥.

(٢) الكافي ٧ : ٢٢٦ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١١٤ / ٤٤٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٤١ / ٩١٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٨ أبواب حدّ السرقة ب ١٢ ح ٣.

(٣) المفيد في المقنعة : ٨٠٣ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٨ ، فخر الدين في الإيضاح ٤ : ٥٢٥ ، الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٧٤.

(٤) كابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٦٠ وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٥ : ٩٣.

٨٨

وصاحبه في الثاني وإن كان قويّاً يمنع عن العمل بهما وإن اعتضدا بمفهوم التعليل في الخبر الذي مضى ؛ لضعف سنده أيضاً من وجوه شتّى.

( و ) في الرواية ( الأُخرى ) : أنّه ( يقطع لو زاد عن نصيبه قدر النصاب ) وإلاّ فلا (١) ، وقد عمل بها الشيخ في النهاية والقاضي والإسكافي والماتن في الشرائع والفاضل في التحرير وشيخنا في المسالك والروضة (٢) ، مدّعياً هو وبعض من تبعه أنّ عليها عمل الأكثر (٣).

ولا بأس به ؛ لصحّتها ، وصراحتها في التفصيل المحتمل (٤) الجامع بين الرواية السابقة بحملها على ما إذا لم يزد عن حصّته نصاباً ، وإن نافاه ظاهر ما فيها من التعليل ؛ لإمكان حمله على ما يوافقه وبين الموثّقة كالصحيحة : عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه » (٥) بحملها على صورة أخذه الزيادة عن حصّته بما يبلغ نصاباً ، ويحتمل حملها على كون السارق ليس من الغانمين ، كما ربما يشعر به ظاهر سياقها. وعلى أيّ حال ، فليس في ظاهرها ما ينافي القولين ؛ لكونها قضيّة في واقعة لا عموم لها ، محتملة للورود مورداً لا يخالفهما.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤٥ / ١٥١ ، التهذيب ١٠ : ١٠٦ / ٤١٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٢ / ٩١٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٨٩ أبواب حدّ السرقة ب ٢٤ ح ٤.

(٢) النهاية : ٧١٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٤٢ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٦٩ ، الشرائع ٤ : ١٧٣ ، التحرير ٢ : ٢٢٨ ، المسالك ٢ : ٤٤٢ ، الروضة ٩ : ٢٢٨.

(٣) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٩٠.

(٤) ليست في « ن ».

(٥) التهذيب ١٠ : ١٠٥ / ٤٠٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٤١ / ٩١٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٨٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٤ ح ٣. وبيضة الحديد : الخُوذَة نهاية ابن الأثير ١ : ١٧٢.

٨٩

هذا ، والمسألة بَعدُ لا تخلو عن تردّد ، كما هو ظاهر المتن والقواعد وصريح اللمعة (١) ؛ لحصول الشبهة باختلاف الفتوى والرواية وإن كان ما دلّ منها على التفصيل أوضح سنداً وأظهر دلالةً ؛ لوحدته ، وتعدّد مقابله ( وقوّة دلالته بما فيه من التعليل ) (٢) مع اعتبار سند بعضه ؛ لما عرفت من سهولة أمر سهل ، بل قيل بوثاقته (٣) ، وقوّة السكوني وصاحبه ، مع أنّ الاولى مرويّة عن الكافي صحيحة ، ولكن لم أقف عليها كذلك فيه في هذا الكتاب (٤) ، ولعلّه رواها فيه في كتاب الجهاد ، ومقتضى التردّد حصول الشبهة الدارئة.

وبموجب ذلك يظهر للقول الأول قوّة.

ولو سرق الوالد من مال ولده لم يقطع ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (٥) ؛ وهو الحجّة ، المعتضدة بفحوى ما دلّ على عدم قتله بقتله (٦) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت ومالك لأبيك » (٧).

وصرّح جماعة (٨) بعموم الأب لمن علا ، وظاهر المسالك الإجماع‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٦٦ ، اللمعة ( الروضة ٩ ) : ٢٢٧.

(٢) ليست في « ن ».

(٣) رجال الطوسي : ٤١٦.

(٤) السند في الكافي كذا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن ابن أبي نجران .. ولا يخفى أنّ السند الأوّل صحيح على مبناه.

(٥) كالفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٧٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٤٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٩٣.

(٦) انظر الوسائل ٢٩ : ٧٧ أبواب القصاص في النفس ب ٣٢.

(٧) الكافي ٥ : ١٣٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦١ ، الإستبصار ٣ : ٤٨ / ١٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٦٢ أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ١.

(٨) كالعلاّمة في التحرير ٢ : ٢٢٨ ، والقواعد ٢ : ٢٦٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٤٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٢٢.

٩٠

عليه (١).

ولو سرق الولد من مال أحد والديه وإن علا ، أو الأُمّ من مال ولدها ، وجب القطع بلا خلاف ، إلاّ من الحلبي (٢) ، فألحق الامّ بالوالد في عدم قطعها لو سرقت من مال ولدها ، وهو شاذّ محجوج بعموم الآية (٣) والأخبار (٤) بقطع السارق مطلقاً ، خرج منه الوالد بالإجماع ، فيبقى الباقي.

ومنه يظهر انسحاب الحكم في الأقارب لو سرق بعضهم من بعض ، ولا خلاف فيه ظاهراً ، وما سيأتي من الصحيح بعدم القطع بسرقة مال الأب والأخ والأُخت ، محمول على عدم الحرز دونه كما هو الغالب ومقتضى التعليل فيه.

وقيّد جماعة قطع الولد بسرقته من مال الوالدين والأُمّ بسرقة مال ولدها بما إذا قام المسروق منه بنفقة السارق إن وجبت عليه وإلاّ فلا قطع ، وصريح الغنية الإجماع عليه (٥).

ولا بأس به إذا كان المسروق مأخوذاً بدلاً من النفقة بقدرها ، أو مع الزيادة بما لا يبلغ النصاب ؛ وفي النصوص إيماء إليه (٦).

( ولو ) لم يكن المال محروزاً ، أو ( هتك الحرز غيره وأخرج هو ، لم يقطع ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (٧) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٤٢.

(٢) الكافي في الفقه : ٤١١.

(٣) المائدة : ٣٨.

(٤) الوسائل ٢٨ : ٢٥١ أبواب حد السرقة ب ٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.

(٦) انظر الوسائل ٢٨ : ٢٨٨ أبواب حد السرقة ب ٢٤.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.

٩١

إلى النصوص المستفيضة الآتية في الأول ، وعدم تحقّق السرقة من الهتك ، ولا الأخذ من الحرز من المخرج.

نعم ، يجب على الأول ضمان ما أفسده من جدار أو غيره ، وعلى الثاني ضمان المال ؛ لحديثي نفي الضرر (١) وضمان اليد (٢).

ولو تعاونا على الهتك وانفرد أحدهما بالإخراج ، قطع المخرج خاصّة ؛ لصدق السرقة في حقّه دون المتفرّد بالهتك. ولو انعكس ، فلا قطع على أحدهما ، إلاّ إذا أخرجا نصابين.

ولو تعاونا على الأمرين وأخرجا أقلّ من نصابين ، ففي وجوب القطع قولان يأتيان.

ولا فرق في الإخراج بين المباشرة والتسبيب ، مثل : أن يشدّ بحبل ويجرّ به ، أو يؤمر صبي غير مميّز بإخراجه ، أو نحو ذلك. أمّا لو أمر مميّزاً به فلا قطع على التسبّب (٣) على ما ذكره جماعة (٤).

ولو خان المستأمن لم يقطع ؛ لأنّه لم يحرز من دونه. وكذا لو هتك الحرز قهراً ظاهراً وأخذ ؛ لأنّه ليس بسارق ، بل هو غاصب ، وللنصوص المستفيضة فيهما.

ففي الصحيح : عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء ، فسرق بعضهم متاع بعض ، فقال : « هذا خائن لا يقطع ، ولكن يتبع بسرقته وخيانته » قيل له : فإن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٧ / ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٥١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٨ أبواب إحياء الموات ب ١٢ ح ٣.

(٢) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٤ / ١٠٦.

(٣) في « ب » و « ح » : السبب.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٤٢ ، الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٩١ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٢٤.

٩٢

سرق من أبيه؟ فقال : « لا يقطع ؛ لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه ، هذا خائن ، وكذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول » (١).

وفي المعتبرة المستفيضة : « لا أقطع في الدغارة (٢) المعلنة ، ولكن أقطع من يأخذ ثم يخفي » (٣).

( و ) لا فرق في السارق الذي يجب قطعه بين ( الحرّ والعبد ) إذا سرق من غير مولاه ، ولم يكن عبد غنيمة سرق منها ( والمسلم ) ولو سرق من ذمّي كما صرّح به في التحرير (٤) ( والكافر ) بأقسامه ( والذكر والأُنثى ) فهم في ذلك ( سواء ) بلا خلاف ظاهر ولا محكيّ ؛ للعموم السالم عمّا يوجب التخصيص.

مضافاً إلى خصوص المرسل في العبد ، قال : « المملوك إذا سرق من مال مواليه لم يقطع ، فإذا سرق من غير مواليه قطع » (٥).

( و ) إنّما قيّدنا العبد بما مرّ إذ ( لا يقطع عبدُ الإنسان بسرقة ماله ) كما قطع به الأصحاب ظاهراً ، وادّعاه بعضهم صريحاً (٦) ، وعن المبسوط نفي الخلاف عنه إلاّ من داود (٧) ؛ ودلّت عليه النصوص أيضاً‌ :

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٢٨ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١١٠ / ٤٢٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧٦ أبواب حدّ السرقة ب ١٨ ح ١.

(٢) الدغرة : أخذ الشي‌ء اختلاساً الصحاح ٢ : ٦٥٨.

(٣) انظر الوسائل ٢٨ : ٢٦٨ أبواب حدّ السرقة ب ١٢.

(٤) التحرير ٢ : ٢٢٨.

(٥) الكافي ٧ : ٢٣٧ / ٢٢ ، التهذيب ١٠ : ١١١ / ٤٣٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٩ أبواب حدّ السرقة ب ٢٩ ح ٣.

(٦) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٢٣.

(٧) المبسوط ٨ : ٤٤.

٩٣

ففي الصحيح : « إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع » (١).

وأظهر منه الخبر : « عبدي إذا سرقني لم أقطعه » (٢).

وقريب منه آخر : « في عبد سرق واختان من مال مولاه ، ليس عليه قطع » (٣) ونحوهما المرسل المتقدّم.

وعلّل مع ذلك في الشرائع بأنّ في قطعه زيادة إضرار (٤) (٥).

وفيه لولا النصّ نظر.

وفيه الفقيه بأنّه مال الرجل سرق بعضه بعضاً (٦).

وهو نظير ما سيأتي من التعليل.

( و ) كذا ( لا ) يقطع ( عبد الغنيمة بالسرقة منها ) لأنّه إنّما أخذ من مال مواليه ، وللنصوص :

منها : في رجلين قد سرقا من مال الله تعالى ، أحدهما عبد لمال الله ، والآخر من عرض الناس ، فقال : « أمّا هذا فمن مال الله تعالى ليس عليه شي‌ء ، مال الله تعالى أكل بعضه بعضاً ، وأمّا الآخر فقدّمه وقطع يده » (٧).

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١١١ / ٤٣٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٩ أبواب حدّ السرقة ب ٢٩ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٢٣٧ / ٢٠ ، التهذيب ١٠ : ١١١ / ٤٣٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٢٣٤ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١١١ / ٤٣٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٩ ح ١.

(٤) الشرائع ٤ : ١٧٤.

(٥) في « ن » زيادة : على المالك.

(٦) الفقيه ٤ : ٤٩.

(٧) الكافي ٧ : ٢٦٤ / ٢٤ ، التهذيب ١٠ : ١٢٥ / ٥٠١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٩ أبواب حدّ السرقة ب ٢٩ ح ٤.

٩٤

وفي القويّ : « وعبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه ؛ لأنّه في‌ء » (١).

( ويقطع الأجير إذا أحرز المال ) الذي سرق منه ( من دونه ، على ) الأشبه ( الأشهر ) (٢) بل عليه عامّة من تأخّر ، كما في المسالك (٣) وغيره (٤) ؛ للعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، كما سيظهر.

خلافاً للنهاية ، فأطلق أنّه لا قطع عليه (٥) ؛ وحجّته غير ظاهرة إن قصد الإطلاق ، عدا ما استدلّ له من المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح والموثّق وغيرهما من المعتبرة ـ : أنّه لا قطع عليه لأنّه مؤتمن (٦).

والتعليل صريح في صورة عدم الإحراز عنه ، وليس عدم القطع فيها محلّ خلاف.

وإليه أشار في الجواب عنها شيخنا في الروضة ، فقال بعد نقل هذا القول ـ : استناداً إلى أخبار ظاهرة في كون المال غير محرز عنهما (٧) ، فالتفصيل حسن (٨).

( و ) كذا يقطع كلّ من ( الزوج والزوجة ) بسرقة مال الآخر مع الإحراز عنه وإلاّ فلا ، بلا خلاف ؛ لما مرّ من العمومات.

وينبغي تقييد القطع في الزوجة حيث تقطع بما إذا لم تسرق عوضاً‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٣٧ / ٢٠ ، التهذيب ١٠ : ١١١ / ٤٣٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩٨ أبواب حدّ السرقة ب ٢٩ ح ٢.

(٢) في المختصر المطبوع : الأظهر.

(٣) المسالك ٢ : ٤٤٢.

(٤) التنقيح ٤ : ٣٧٥ ، المفاتيح ٢ : ٩٤ ، كشف اللثام ٢ : ٤٢٢.

(٥) النهاية : ٧١٧.

(٦) انظر الوسائل ٢٨ : ٢٧١ أبواب حدّ السرقة ب ١٤.

(٧) أي الضيف والأجير.

(٨) الروضة ٩ : ٢٤١.

٩٥

عن النفقة الممنوعة عنها من دون زيادة عليها ، وإلاّ فلا قطع عليها ، كما مضى في نظيره قريباً (١).

( وكذا الضيف ) يقطع مع الإحراز عنه ، ولا مع العدم ، على الأشبه الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ لما مرّ.

( وفي رواية ) صحيحة : أنّه ( لا يقطع ) بقول مطلق ، من دون تفصيل بين الإحراز عنه وعدمه ، وفيها : « إذا سرق الضيف لم يقطع ، وإذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف » (٢).

ولا عامل بها عدا الشيخ في النهاية (٣) ، وقد رجع عنه إلى التفصيل في المبسوط والخلاف (٤). والحلّي (٥) ، وهو شاذّ ، مع اضطرابه في الباب ، حيث رجّح أولاً التفصيل (٦) ، ثم عدم القطع على الإطلاق ، وهو غريب ، وأغرب منه دعواه الإجماع على الثاني.

وربما يحكى هذا القول عن الإسكافي والصدوق في الفقيه والمقنع (٧).

مع أنّ عبارة الأول المحكيّة في المختلف صريحة في التفصيل ، فإنّه قال : وسرقة الأجير والضيف والزوج فيما اؤتمنوا عليه خيانةٌ لا قطع عليهم‌

__________________

(١) راجع ص ٨٩.

(٢) الكافي ٧ : ٢٢٨ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١١٠ / ٤٢٨ ، علل الشرائع : ٥٣٥ / ٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧٥ أبواب حدّ السرقة ب ١٧ ح ١.

(٣) النهاية : ٧١٧.

(٤) المبسوط ٨ : ٣٣ ، وحكاه عن الخلاف في السرائر ٣ : ٤٨٧.

(٥) السرائر ٣ : ٤٨٨.

(٦) السرائر ٣ : ٤٨٧.

(٧) حكاه عنهما الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٤٢.

٩٦

فيه ، فإن سرقوا ممّا لم يؤتمنوا عليه قطعوا (١).

وقريب منها عبارة الصدوق في الكتابين ، فإنّه قال : ليس على الأجير ولا على الضيف قطع ؛ لأنّهما مؤتمنان (٢).

ووجه الظهور هو التعليل الظاهر في كون سبب عدم القطع إنّما هو الاستئمان المنافي للإحراز عنه المشترط في القطع ، وهذا لا نزاع فيه.

وحيث شذّت الرواية ينبغي طرحها ، أو حملها على صورة الاستئمان كما هو الغالب ، ويشعر به ذيلها ؛ للحكم فيه بقطع ضيف الضيف ، وليس ذلك إلاّ من حيث إنّ المالك لم يأمنه.

وأظهر منه ما في بعض النصوص : « الأجير والضيف أمينان ليس يقع عليهما حدّ السرقة ولا غيره » (٣) فتدبّر.

( و ) يجب ( على السارق إعادة المال ) بعينه مع وجوده وإمكان إعادته ، أو ردّ مثله إن كان مثليّا أو قيمته إن كان قيميّاً مع تلفه أو تعذّر ردّه.

ولو عاب ضَمِن الأرش.

ولو كان ذا اجرة لزمته مع ذلك ( ولو قطع ) لأنّهما حكمان متغايران : الإعادة لأخذ مال الغير عدواناً ، والقطع حدّا عقوبة على الذنب.

والأصل فيه بعد ذلك وإجماعنا ( الظاهر ) (٤) المصرّح به في بعض العبائر (٥) المعتبرة المستفيضة :

__________________

(١) المختلف : ٧٧٠.

(٢) الفقيه ٤ : ٤٧ ، المقنع : ١٥١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٢٨ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٠٩ / ٤٢٥ ، علل الشرائع : ٥٣٥ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧٢ أبواب حدّ السرقة ب ١٤ ح ٤ ؛ وليس في الجميع : ولا غيره.

(٤) ليست في « ن ».

(٥) كشف اللثام ٢ : ٤٣٠.

٩٧

منها الصحيح : « إذا سرق السارق قطعت يده وغرم ما أخذ » (١).

والموثّق كالصحيح : « السارق يتبع بسرقته وإن قطعت يده ، ولا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم » (٢).

والخبر : عن رجل يسرق فيقطع يده ولم يردّ ما سرق ، كيف يصنع به في مال الرجل الذي سرق منه؟ أو ليس عليه ردّه؟! وإن ادّعى أنّه ليس عنده قليل ولا كثير وعلم ذلك منه؟ قال : « يستسعى حتى يؤدّي آخر درهم سرقه » (٣).

ونبّه بذلك على ( ردّ ) (٤) مالك وأبي حنيفة ، حيث قال الأول : إن تلفت العين غرمها إن كان موسراً ، ولم يغرمها إن كان معسراً ولو أيسر بعد ذلك (٥).

وقال الثاني : لا أجمع بين القطع والغرم للعين التالفة ، فإن غرم له سقط حدّ القطع ، وإن سكت المالك حتى يقطع سقط الغرم (٦).

( الثاني : في ) بيان ( المسروق ) الذي يجب بسرقته القطع وشروطه.

( و ) منها : اشتراط بلوغه ( نصاب القطع ) بلا خلاف ، بل عليه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٢٥ / ١٥ ، التهذيب ١٠ : ١٠٦ / ٤١٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٤ أبواب حدّ السرقة ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٠٦ / ٤١٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٥ أبواب حدّ السرقة ب ١٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٢٦١ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ١٣٠ / ٥١٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٤ أبواب حدّ السرقة ب ١٠ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) في « س » و « ن » : خلاف.

(٥) حكاه عنه النووي في المجموع ٢٠ : ١٠٢.

(٦) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١٠ : ٢٧٤ و ٢٩٤.

٩٨

إجماعنا في المسالك (١) وغيره (٢) ؛ وهو الحجّة المخصِّصة لإطلاق الآية والرواية بقطع السارق بقول مطلق ، مضافاً إلى الأدلّة الآتية من الإجماعات المحكيّة والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

وقدره ( ربع دينار ، ذهباً خالصاً ، مضروباً بسكّة المعاملة أو ما ) بلغ ( قيمته ذلك ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي الخلاف والاستبصار والغنية والسرائر وكنز العرفان (٣) : أنّ عليه إجماع الإماميّة ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة الخاصّية والعامّية.

ففي الصحيح : « لا يقطع إلاّ في ربع دينار أو أكثر » (٤).

وفي آخر : « لا يقطع يد السارق إلاّ في شي‌ء تبلغ قيمته مِجَنّاً (٥) ، وهو ربع دينار » (٦).

وفي الخبرين : عن أدنى ما يقطع فيه السارق ، فقال : « في بيضة حديد » ، قلت : وكم ثمنها؟ قال : « ربع دينار » (٧).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٤٣.

(٢) المفاتيح ٢ : ٩١.

(٣) الخلاف ٥ : ٤١٣ ، الاستبصار ٤ : ٢٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، السرائر ٣ : ٤٨٣ ، كنز العرفان ٢ : ٣٥٠.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢١ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٩٩ / ٣٨٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٨ / ٨٩٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٣ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ح ١.

(٥) المِجَنّ : الترس الذي يتّقي به المحارب ضرب عدّوه الصحاح ٥ : ٢٠٩٤.

(٦) الكافي ٧ : ٢٢١ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٠٠ / ٣٨٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٩ / ٨٩٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٣ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ح ٢.

(٧) أحدهما في : الكافي ٧ : ٢٢١ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٩٩ / ٣٨٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٨ / ٨٩٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٥ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ح ٥ ، ٦.

والآخر في : التهذيب ١٠ : ١٠٠ / ٣٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٩ / ٩٠١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٥ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ذيل الحديث ٦.

٩٩

وزيد (١) في أحدهما : وقال عليه‌السلام : « لا يقطع يد السارق حتى تبلغ سرقته ربع دينار ».

وقول الصدوق بالخُمس (٢) ، والعماني بالدينار الكامل (٣) ، شاذّان ضعيفان ، وإن دلّ على الأول منهما الموثّق (٤) والصحيحان (٥) : « أدنى ما يقطع فيه السارق خُمس دينار » كما في الأول وأحدهما ، وفي الثاني : « يقطع السارق في كلّ شي‌ء يبلغ قيمته خُمس دينار وإن سرق من زرع أو ضرع أو غير ذلك ».

وعلى الثاني الصحيح : في كم يقطع السارق؟ فجمع كفّيه ثم قال : « في عددها من الدراهم » (٦) بناءً على كونها قيمة الدينار في ذلك الزمان ، كما يستفاد من كثير من الأخبار (٧) وجمع من الأصحاب (٨).

ووجه ضعف القولين مع اعتبار سند هذه النصوص وكثرتها‌

__________________

(١) الزيادة موجودة في كليهما ، مضافاً إلى قول المجلسي ( ره ) في الملاذ ١٦ : ١٩٦ باتحادهما مع تقديم وتأخير وزيادة أحمد في أول السند ، ولعلّه أخذه من كتابه وهذا من كتاب الحسين.

(٢) المقنع : ١٥٠.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٧٧٢.

(٤) التهذيب ١٠ : ١٠٢ / ٣٩٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٤ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ذيل ح ٣.

(٥) أحدهما في : التهذيب ١٠ : ١٠١ / ٣٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٠ / ٩٠٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٤ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ذيل ح ٣.

والآخر في : التهذيب ١٠ : ١٠٢ / ٣٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٠ / ٩٠٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٦ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ح ١٢.

(٦) التهذيب ١٠ : ١٠٠ / ٣٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٩ / ٩٠٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٥ أبواب حدّ السرقة ب ٢ ح ٩.

(٧) وسائل الشيعة ٢٩ : ١٩٣ أبواب ديات النفس ب ١.

(٨) كالشيخ في التهذيب ٤ : ١٠ ذيل الحديث ٢٨ ، والحر العاملي في الوسائل ٢٨ : ٢٤٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٩٥.

١٠٠