رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

والتثليث في الشابّ (١).

وهما مع مخالفتهما ولا سيّما الأوّل الأدلّة المتقدمة ، بل الإجماع لا شاهد عليهما عدا الثاني ، فربما يتخيّل له الجمع بين النصوص بذلك ، ولا شاهد عليه عدا إشعار التعليل به ، وهو قريب إن عملنا بالنص المعلّل به ، والإشكال إنّما هو فيه.

( وفي أُدْرَة الخصيتين ) بضمّ الهمزة فسكون الدال ففتح الراء المهملتين ، وهي انتفاخهما ( أربعمائة دينار ، فإن فَحَجَ ) بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم ، أي تباعدت رجلاه أعقاباً مع تقارب صدور قدميه ( فلم يقدر على المشي ) أو مشى مشياً لا ينتفع به ( فثمانمائة دينار ) بلا خلاف حتى من نحو الحلّي (٢) ممّن لا يعمل بالآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية.

والمستند كتاب ظريف (٣) المروي بعدّة طرق معتبرة ، كما عرفته ، وعلى تقدير ضعفه فهو مجبور بالشهرة ، كما اعترف به الماتن في الشرائع (٤) وجماعة (٥).

وفي الخبر : تزوّج رجل امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها ففقأت (٦) بيضته فصار آدر ، فكان بعد ذلك ينكح ( ولا يولد له ) (٧) ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، وعن رجل أصاب [ سرة (٨) ] رجل ففتقها؟

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد ٤ : ٥٤١.

(٢) السرائر ٣ : ٣٩٣.

(٣) انظر التهذيب ١٠ : ٣٠٧ ٣٠٨.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٦٩.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥٠٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٥٠٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٥٢.

(٦) كذا ، وفي المصادر : ففتقت.

(٧) في الكافي والوسائل : ويولد له.

(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : صرّة ، وما أثبتناه من المصادر.

٤٨١

فقال عليه‌السلام : « في كل فتق ثلث الدية » (١) وهو ظاهر المنافاة للحكم الأوّل ، إلاّ أنّه قاصر السند ، شاذّ ، لا يوجد به عامل ، فليطرح ، أو يحمل على ما إذا لم يبلغ الفتق الأُدرة كما قيل (٢) ، فتأمّل.

( وفي ) قطع ( الشفرتين ) بالضمّ ، وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم ، كما في مجمع البحرين والشرائع والقواعد والروضة وعن المبسوط (٣) ، ولكن عن موضع آخر منه وفي السرائر (٤) تفسيرهما بما يخالف ذلك ، وهو حاشية لحم الفرج ، مع نسبتهما له إلى أهل اللغة ، ووافقهم على النسبة بعض الأجلة (٥) ( الدية ) كاملة ( وفي كل واحد ) منهما ( نصف الدية ) بلا خلاف أجده ؛ للقاعدة المتقدمة غير مرّة.

مضافاً إلى الخبرين ، أحدهما الصحيح : عن رجل قطع فرج امرأته؟ قال : « أُغرمه لها نصف الدية » (٦).

ونحوه الثاني ، لكن فيه : « لُاغرمنّه ديتها » (٧).

وهو محمول على قطع الشفرتين معاً ، والأوّل على قطع إحداهما ، والشاهد عليه بعد الاتفاق القاعدة التي قدّمناها.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٢ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٨ / ٩٧٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٧ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٢ ح ١.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٥٠٩ ، ولمزيد التوضيح انظر مفتاح الكرامة ١٠ : ٤٤٨.

(٣) مجمع البحرين ٣ : ٣٥٢ ، الشرائع ٤ : ٢٦٩ ، القواعد ٢ : ٣٢٩ ، الروضة ١٠ : ٢٣٨ ، المبسوط ٧ : ١٤٩.

(٤) السرائر ٣ : ٣٩٢.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٥٠٩.

(٦) الكافي ٧ : ٣١٤ / ١٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٢ / ٩٩٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٤٠ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٦ ح ٢.

(٧) الكافي ٧ : ٣١٣ / ١٥ ، الفقيه ٤ : ١١٢ / ٣٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٥١ / ٩٩٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٤٠ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٦ ح ١.

٤٨٢

وليس في الخبرين كما ترى لفظ الشفرتين حتى يحتاج إلى تحقيق معناهما ، بل غاية ما فيهما قطع الفرج ، والمتبادر منه الشفرة بالمعنى الأوّل.

وإثبات الدية في قطعها بالمعنى الثاني بالقاعدة حسن إن سلّم شمول عموم ما دلّ عليها للشفرتين بهذا المعنى ، لكنّه محل إشكال ، والأصل يقتضي المصير فيه إلى الحكومة ، أو الدية بنسبة المساحة إلى ما تجب فيه الدية من الشفرة بالمعنى الأوّل ، فتأمّل.

( وفي الإفضاء ) للمرأة الحرّة فلم يندمل صحيحاً ( الدية ) أي ديتها كاملة ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في الغنيّة (١) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، منها زيادةً على ما يأتي الصحيح : عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟ قال : « الدية كاملة » (٢).

وأمّا ما في القوي (٣) من ثبوت الأرش فمع قصور سنده وعدم مقاومته للمستفيضة من وجوه عديدة محمول على التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة (٤).

أو على ما إذا كانت المفضاة جارية ، فقد روى الصدوق رحمه‌الله عن نوادر الحكمة : أنّ الصادق عليه‌السلام قال في رجل [ أفضت (٥) ] امرأته جاريته‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٢) الكافي ٧ : ٣١٣ / ١١ ، الفقيه ٤ : ١٠١ / ٣٣٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٨ / ٩٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٠ أبواب ديات الأعضاء ب ٩ ح ١.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٤٩ / ٩٨٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٩٥ / ١١١٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٢ أبواب موجبات الضمان ب ٤٤ ح ٣.

(٤) الإستبصار ٤ : ٢٩٥.

(٥) في النسخ : افتضت ، والأنسب ما أثبتناه كما في الوسائل.

٤٨٣

بيدها ؛ فقضى أن : « تقوّم قيمة وهي صحيحة وقيمة وهي مفضاة ، فيغرمها ما بين [ الصحة (١) ] والعيب ، وأجبرها على إمساكها ؛ لأنّها لا تصلح للرجال » (٢).

ولعلّه لذا خصّ الحكم بالحرّة في بعض العبائر كالغنية (٣) ، لكنّه خلاف ما يقتضيه إطلاق أكثر النصوص والفتاوي ، فتأمّل.

أو على ما ذكره الخال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله من تقييده بما إذا لم يبلغ حدّ الإفضاء المصطلح عليه (٤).

( وهو ) كما في مجمع البحرين (٥) ( أن يصير المسلكين ) أي مسلك الحيض والغائط ( واحداً ).

( وقيل : ) هو ( أن يخرق الحاجز بين مخرج البول ومخرج الحيض ) كما في المبسوط والسرائر والفاضل في القواعد والشهيدين في اللمعتين (٦) ، بل لم أرَ مخالفاً لهم عدا من مرّ والماتن هنا ، وغلّطاه في الكتابين الأوّلين بعد أن نسباه إلى كثير من أهل العلم ؛ ووجهه أنّ الحاجز بين القبل والدبر عصب قوي يتعذّر إزالته بالاستمتاع غالباً ، فيشكل أن يحمل عليه إطلاق النص والفتوى ، ولا كذلك الحاجز بين مدخل الذكر ومخرج البول ، فإنّه رقيق ربما انقطع بالتحامل عليها ، فهذا القول أقوى.

__________________

(١) في النسخ : الصحيحة ، والأنسب ما أثبتناه من المصدر.

(٢) الفقيه ٤ : ١١١ / ٣٧٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٠ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٦ ح ٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) ملاذ الأخيار ١٦ : ٥٣٢.

(٥) مجمع البحرين ١ : ٣٣١.

(٦) المبسوط ٧ : ١٤٩ ، السرائر ٣ : ٣٩٣ ، القواعد ٢ : ٣٣٠ ، اللمعة والروضة ١٠ : ٢٣٩.

٤٨٤

ويلحق به في الأحكام كلّها الإفضاء بالتفسير الأوّل بطريق أولى ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا ، كالفاضل في المختلف والتحرير والقواعد وولده في شرحه (١) ، قال : لصدق اسم الإفضاء على كلّ منهما حقيقة ، وعليه فيرجع النزاع لفظيّاً.

لكن لو رجّح الإفضاء بالتفسير الأوّل أشكل أن يلحق به الإفضاء بالتفسير الثاني ؛ لعدم الدليل ، إلاّ أن يعلّل أصل الحكم زيادةً على النص بإذهاب منفعة الوطء التي هي من أهمّ المنافع التي يجب بفواتها الدية ، وهو مشترك بين التفسرين.

وهو حسن بالإضافة إلى الحكم بوجوب الدية ، سيّما مع وقوع التصريح به له في بعض النصوص الصحيحة (٢).

واعلم أنّه لا فرق في لزوم الدية بين الزوج وغيره إذا كان قبل بلوغها ؛ لإطلاق النص والفتوى ؛ مضافاً إلى التصريح به في الزوج في جملة منهما ، ويختصّ بغيره بعده ؛ لإطلاقهما.

( ويسقط ذلك ) أي لزوم الدية ( عن الزوج لو أفضى ) (٣) زوجته ( بعد البلوغ ) بلا خلاف فيه في الجملة ؛ لأنّه فعل سائغ (٤) مأذون فيه شرعاً ، فلا ينبغي أن يوجب ضماناً ؛ وللصحيح وغيره المتقدّمين في كتاب النكاح (٥).

__________________

(١) المختلف : ٨٠٨ ، التحرير ٢ : ٢٧١ ، القواعد ٢ : ٣٣١ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٧٠٣.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٦٢ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٥ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٠ ح ٢.

(٣) في المختصر المطبوع : وطئها.

(٤) ليس في « ن » و « س ».

(٥) راجع ج ١١ : ٦٩ ، ٧٠.

٤٨٥

وإطلاقهما كالعبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الإفضاء بين صورتي وقوعه بتفريط وعدمه.

خلافاً للمختلف والروضة (١) فقيّداه بالصورة الثانية ، واستجوده أيضاً بعض الأجلّة (٢) ، ولا بأس به ، وإن كان بعد لا يخلو عن مناقشة.

( أمّا لو كان ) إفضاء الزوج زوجته ( قبله ) أي قبل البلوغ ( ضمن الدية ) لما عرفته من إطلاق الفتوى والرواية ؛ مضافاً إلى التصريح به في الصحيح وغيره المتقدمين ثمّة ، لكن فيهما أنّه لا شي‌ء عليه لو أمسكها ولم يطلّقها ، والشي‌ء المنفي يعمّ الدية أيضاً ، ولكن لم أجد به قائلاً ، وبه صرّح خالي العلاّمة المجلسي (٣) رحمه‌الله بل زاد فقال : ولم يقل به أحد ، وحمل على ما سوى الدية ، وأمّا هي فتجب عليه بلا شبهة.

( مع المهر ) إن وقع الإفضاء بالجماع ؛ لتحقّق الدخول الموجب لاستقراره ، ولو وقع بغيره كالإصبع مثلاً بني استقراره على عدم عروض موجب التنصيف كالطلاق والموت حيث قلنا به.

( ولزمه ) أي الزوج مع ذلك ( الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما ) وتحرم عليه مؤبّداً ، وقد مضى بيان ذلك مع ما يتعلق بالمسألة في كتاب النكاح مفصّلاً.

( وفي ) قطع ( الرجلين ) معاً ( الدية ) كاملة ( وفي كل واحدة نصف الدية ) إجماعاً ؛ لما مرّ في اليدين عموماً وخصوصاً.

مضافاً إلى الموثق : « في الرجل الواحدة نصف الدية » (٤).

__________________

(١) المختلف : ٨٠٨ ، الروضة ١٠ : ٢٤٠.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٥٠٩.

(٣) ملاذ الأخيار ١٦ : ٥٣٠ ، مرآة العقول ٢٤ : ٩٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣١٢ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٧ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٥ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٧.

٤٨٦

والخبر : « في أنف الرجل إذا قطع من المارن الدية تامّة » إلى أن قال : « والرجلان بتلك المنزلة » (١).

( وحدّهما مفصل الساق ) (٢) ، وإن اشتملت على الأصابع بلا خلاف.

( وفي أصابعهما ) وأظفارهما ( ما في أصابع اليدين ) وأظفارهما من التفصيل والأحكام ، بلا خلاف إلاّ من الحلبي والإسكافي (٣) ، حيث فرّق الأوّل بين إبهامي اليدين والرجلين ، فأثبت الثلث في الأوّل والعشر في الثاني ، وفرّق الثاني بين أظفارهما كما مضى ، ولكن ظاهر الأصحاب والأدلّة خلافهما واتحاد الرجلين مع اليدين وأبعاضهما حكماً من دون فرق أصلاً.

وهنا‌ ( مسائل ) ستّ :

( الأُولى : دية كسر الضلع خمسة وعشرون ديناراً إن كان ممّا خالط القلب ، وعشرة دنانير إن كان ممّا يلي العضدين ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير والإرشاد والقواعد واللمعتين وعن الوسيلة (٤) ، وبالجملة : لم أجد خلافاً فيه حتى من السرائر (٥) ، لكنّه أطلق المقدار الأوّل في مطلق الضلع ولم يفصّل.

والمستند في المسألة كتاب ظريف (٦) المروي بعدّة طرق معتبرة كما‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٢ / ٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٦ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٨.

(٢) في « ح » ، زيادة : والقدم.

(٣) الحلبي في الكافي : ٣٩٨ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨٠٧.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٧٠ ، التحرير ٢ : ٢٧٥ ، الإرشاد ٢ : ٢٤١ ، القواعد ٢ : ٣٢٩ ، اللمعة والروضة البهية ١٠ : ٢٥١ ، الوسيلة : ٤٥٠.

(٥) السرائر ٣ : ٤١١.

(٦) الكافي ٧ : ٣٣٨ ، الفقيه ٤ : ٦٢ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٠٤ أبواب ديات الأعضاء ب ١٣ ح ١.

٤٨٧

عرفته ، وهو مصرّح بالتفصيل الذي ذكره الجماعة.

وظاهرهم كالمستند أنّ الأضلاع قسمان ، قسم يخالط القلب ففيه المقدار الأوّل ، وقسم لا يخالطه ويلي العضدين وهو الأعلى منها ففيه المقدار الثاني.

ومن الأصحاب من نزّل العبارات على أنّ لكل ضلع جانبين ، ففي جانبها الذي يخالط القلب خمسة وعشرون وفي الجانب الآخر المقدار الآخر ، وهو الفاضل المقداد في شرح الكتاب (١) ، وتبعه شيخنا في المسالك والروضة (٢) ، ولم أعرف وجهه.

( الثانية : لو كسر بعصوص الإنسان أو عجانه فلم يملك ) بذلك ( غائطه ولا بوله ففيه الدية ) كاملة ، كما في الكتب المتقدمة من غير خلاف لهم أجده ، وبه صرّح الصيمري (٣) ، بل زاد فقال : بل فتاوي الأصحاب متطابقة. وبالشهرة صرّح في المسالك والروضة (٤) ، قال : وكثير من الأصحاب لم يذكر فيه خلافاً. وهذه العبارة ربما أشعرت بوجود ناقل للخلاف في المسألة ، ولم أعرفه ، وعلى تقدير وجوده فضعيف غايته.

للمعتبرة المعتضدة بالشهرة ، ففي الصحيح : عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه ، ما فيه؟ فقال : « الدية كاملة » الخبر (٥).

وفي الموثق ، بل الصحيح كما قيل (٦) : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٥٠٧.

(٢) المسالك ٢ : ٥٠٤ ، الروضة ١٠ : ٢٥١.

(٣) غاية المرام ٤ : ٤٥٩.

(٤) المسالك ٢ : ٥٠٤ ، الروضة ١٠ : ٢٥٢.

(٥) الكافي ٧ : ٣١٣ / ١١ ، الفقيه ٤ : ١٠١ / ٣٣٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٨ / ٩٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٠ أبواب ديات المنافع ب ٩ ح ١.

(٦) قال به في مجمع الفائدة ١٤ : ٤٢٢.

٤٨٨

الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله أنّ في ذلك الدية » (١).

ومع ذلك فيه إذهاب للمنفعة المهمّة ، فيناسبه إيجاب الدية كاملة.

والمراد بالبُعصوص : عظم الورك وعظم رقيق حول الدبر وهو العُصعُص كما في مجمع البحرين وغيره (٢) ، وبالعجان بكسر العين ما بين الخصية والفَقحة ، أي حلقة الدبر (٣).

( الثالثة : قال الشيخان ) في المقنعة والنهاية (٤) : إنّ ( في كسر عظم من عضو ) لقطعه مقدّر ( خمس دية ذلك العضو ، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره ) وبه قال الحلّي وابن زهرة (٥) مدّعياً عليه إجماع الإمامية ، وحكي عن المراسم والإصباح والجامع والتحرير والقواعد والتلخيص والإرشاد والتبصرة (٦).

وعن الخلاف (٧) أنّه قال : إذا كسرت يده فجبرت فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد ، وإن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره ، واستدلّ عليه بالإجماع والأخبار.

وعن الوسيلة (٨) أنّ في كسر كل من العضد والمنكب والمرفق وقصبة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٣ / ١٢ ، الفقيه ٤ : ٩٨ / ٣٢٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٨ / ٩٨١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧١ أبواب ديات المنافع ب ٩ ح ٢.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ١٦٤ ؛ وانظر لسان العرب ٧ : ٧.

(٣) مجمع البحرين ٦ : ٢٨١.

(٤) المقنعة : ٧٦٦ ، النهاية : ٧٧٦.

(٥) السرائر ٣ : ٤١٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٦) المراسم : ٢٤٥ ، الإصباح ( الينابيع الفقهية : ٢٤ ) : ٢٩٥ ، الجامع : ٥٩٦ ، التحرير ٢ : ٢٧٣ ، القواعد ٢ : ٣٢٩ ، الإرشاد ٢ : ٢٤١ ، التبصرة : ٢١٤.

(٧) الخلاف ٥ : ٢٥٠.

(٨) الوسيلة : ٤٥٣.

٤٨٩

الساعد وأحد الزندين أو الكفّين خمس دية اليد ، وفي كسر الأنملة الأولى من الإبهام ثلث دية كسر الكفّ ، وفي الثانية نصف دية كسر الكفّ ، وفي كسر المفصل الثاني من الأصابع سوى الإبهام أحد عشر ديناراً وثلثاً ، وفي كسر الأوّل نصفه ، وفي صدع العضو أربعة أخماس دية الكسر.

( و ) قالا ( في موضحته ربع دية كسره ) وبه قال أيضاً جميع من مرّ مدّعيا ابن زهرة فيه أيضاً الإجماع (١) ، ولم ينقل الخلاف هنا عمّن سبق نقل الخلاف عنه ولا غيره ، بل عن الخلاف الموافقة هنا مدّعياً عليه الوفاق أيضاً (٢).

( و ) قالا ( في رضّه ثلث دية ذلك العضو ) إن لم يبرأ أو عثم ( فإن بري‌ء على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه ) وبه قال أيضاً جميع من سبق ، مع دعوى ابن زهرة عليه أيضاً الإجماع (٣) ، وعن ابن حمزة أنّه قال : فإن رضّ أحد خمسة أعضاء : المنكب ، والعضد ، والمرفق ، والرسغ ، والكفّ ، وانجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد ، وقيل : مائة (٤) وثلاثون ديناراً وثلث (٥).

( و ) قالا ( في فكّه ) من العضو ( بحيث يتعطل ثلثا ديته ) أي دية ذلك العضو ( فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه ) وبه قال من مرّ أيضاً عدا ابن زهرة ، فلم يذكر هذه المسألة ، ولم ينقل الخلاف هنا عن أحد.

وظاهر المتأخّرين الموافقة لهم في جميع الأحكام المتقدمة ، وبه صرّح الماتن في النكت فيما حكي عنه ، لكن في مسألتي الكسر والرضّ ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٢) انظر الخلاف ٥ : ٢٦٣.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) في المصدر زيادة : وثلاثة.

(٥) الوسيلة : ٤٥٣.

٤٩٠

فقال مشيراً إليهما : ذكرهما الشيخان وتبعهما المتأخّرون ولم يشيروا إلى المستند (١).

وبشهرتها على الإطلاق صرّح شيخنا في الروضة ، فقال بعد الحكم بجميع ما مرّ ـ : هذا هو المشهور ، والأكثر لم يتوقّفوا في حكمه إلاّ المحقق في النافع فنسبه إلى الشيخين ، والمستند كتاب ظريف مع اختلاف يسير ، فلعلّه نسبه إليهما لذلك (٢).

وقريباً منه ذكر في المسالك (٣) ، لكن جعل المستند كتاب ظريف من دون ذكر ما فيه من الاختلاف ، وجعل وجه النسبة إلى الشيخين ضعف المستند دونه ، ولذا اعترضه المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله فقال :

وقد عرفت عدم الضعف ؛ فإنّ ما في كتابه منقول من غيره بطريق حسن ، بل صحيح ، ولكن ما رأيته ، وكأنّه يفهم من رواية كتاب ظريف من مثل : « في العضد إذا كسر وجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد ، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون ديناراً ».

ومن مثل : « وفي الركبة إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين [ مائتا (٤) ] دينار ، فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها مائة وستّون ديناراً ، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً » ولعلّ المراد كسر الركبتين معاً.

ومن قوله : « ودية المنكب إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار ، فإن‌

__________________

(١) نكت النهاية ٣ : ٤٥٥.

(٢) الروضة ١٠ : ٢٥٠.

(٣) المسالك ٢ : ٥٠٤.

(٤) في النسخ : مائة ، ولعل الصحيح ما أثبتناه ، كما في المصادر.

٤٩١

كان في المنكب صدع فديته أربعة أخماس دية كسره ثمانون ديناراً ، فإن أوضح فديته ربع دية كسره خمسة وعشرون ديناراً » (١).

وقال : في كتاب ظريف : « فإن رضّ أي المنكب فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار ، فإن فكّ فديته ثلاثون ديناراً » (٢).

وأمثالها كثيرة ، ولا يفهم ما ذكروه ، بل يفهم غيره من ثلث دية النفس في رضّ العضو إذا عثم ، ودية فكّه ثلاثون ديناراً ، فقول شارح الشرائع : ومستند هذا التفصيل كتاب ظريف ؛ غير واضح (٣) ، انتهى.

وهو حسن ، ولكن ما في الروضة لا يرد عليه شي‌ء ممّا ذكره ، وإنّما نقلنا كلامه بطوله لتكفّله مع ذلك لبيان مآخذ الأحكام من كتاب ظريف وما يتعلق به من النقض والإبرام ، لكن مرجعه إلى الإشكال في ثبوتها كما ذكروه ؛ لعدم دليل يدل عليها كما سطروه ؛ لما في كتاب ظريف من الاختلاف المعلوم.

وهو حسن ، إلاّ أنّ نقل الإجماع في الغنية المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة والمحكية ، وإجماع الخلاف في الموضحة ، مع عدم دليل واضح على صحة ما عليه الخلاف في مسألة الكسر ، وابن حمزة فيها وفي مسألة الرضّ ، عدا الإجماع في الخلاف الموهون بمصير من عداه إلى الخلاف ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣٤ ، الفقيه ٤ : ٥٩ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٠٧ أبواب ديات الأعضاء ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٣٤ ، الفقيه ٤ : ٥٩ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٠ ٣٠١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٩ أبواب ديات الأعضاء ب ٩ ح ١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٤ : ٤٢٣.

٤٩٢

مع معارضته بالمثل لعلّه كافٍ في إثباتها عدا الحكم الأخير ، فيشكل من حيث عدم نقل الإجماع فيه ، لكن الشهرة العظيمة مع عدم خلاف فيها أجده ولا نقله أحد من الطائفة لعلّها كافية في إثباته أيضاً ، سيّما مع إمكان دعوى عدم القائل بالفرق بينه وبين ما سبقه من الأحكام ، فكلّ من قال بها قال به أيضاً ، فتأمّل جدّاً.

مع إمكان الاستدلال عليه بما ذكره المولى الأردبيلي رحمه‌الله فقال : ويمكن أن يستدل على ما ذكره في المتن للفك بأنّه شلل ، وبقوله في كتاب ظريف في ذكر الورك : « ودية فكّها ثلثا ديتها » (١) ونحوها ، فافهم ، وما يفهم منه في المجبور والمصلح على غير عيب أربعة أخماس الفك والكسر كثير في كتاب ظريف ، وقد مرّ البعض (٢) ، انتهى المقصود من كلامه قدس‌سره.

( الرابعة : قال بعض الأصحاب ) ولعلّه الشيخ في المبسوط والخلاف (٣) ، كما يفهم من الماتن في الشرائع (٤) : أنّ ( في الترقوة ) بفتح التاء فسكون الراء فضمّ القاف ، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق ( إذا كسرت فجبرت على غير عيب فأربعون ديناراً ) وحكي أيضاً عن ابن حمزة (٥) ، وأفتى به من المتأخّرين جماعة (٦) ، بل في شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب (٧).

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٣٠٥.

(٢) مجمع الفائدة ١٤ : ٤٢٤.

(٣) انظر المبسوط ٧ : ١٥٥ ، الخلاف ٥ : ٢٦١.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٧١.

(٥) الوسيلة : ٤٤٩.

(٦) منهم العلاّمة في الإرشاد ٢ : ٢٤١ ، والتبصرة : ٢١٤ ، والشهيدان في اللمعة والروضة ١٠ : ٢٤٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٤٢٤.

(٧) غاية المرام ٤ : ٤٥٩.

٤٩٣

( والمستند كتاب ظريف ) (١) والرضوي (٢) كما حكي.

والمصنف لم يجزم بذلك ؛ لأنّ التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والكتاب المذكور لعلّه لم يصلح عنده حجة إمّا لضعفه كما زعمه غيره (٣) ، أو لتضمّنه ما لا يقول به الأصحاب كثيراً.

وفيهما نظر ، ولو سلّما لانجبرا بالشهرة المحكية ، بل الإجماع كما عن الخلاف (٤).

وليس في النص والفتوى حكم الترقوتين إذا لم تجبرا أو جبرتا على عيب ، فينبغي الرجوع فيهما إلى القاعدة ، ومقتضاها الحكومة ، ويشكل لو نقصت عن الأربعين ؛ لوجوبها فيما لو عدم العيب ، فكيف لا تجب معه! ولو قيل بوجوب أكثر الأمرين كما في الروضة (٥) كان حسناً.

وعن ابن حمزة والمهذّب وفي شرح الشرائع للصيمري (٦) أنّ فيهما الدية كاملة ، وفي إحداهما نصفها ؛ عملاً بضابطة أنّ ما في الإنسان منه اثنان فيهما الدية وفي أحدهما نصفها.

وهو حسن إن سلّم شمولها لنحو الترقوتين ، وهو محلّ تردّد ، والأصل يقتضي الرجوع إلى الحكومة كما قلنا.

( الخامسة : روي : أنّ من داس بطن إنسان حتى أحدث ) في ثيابه ببول‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣٤ ، الفقيه ٤ : ٥٩ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٩ أبواب ديات الأعضاء ب ٩ ح ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٢١ ، المستدرك ١٨ : ٣٤٧ أبواب ديات الأعضاء ب ٩ ح ٤.

(٣) المسالك ٢ : ٥٠٤.

(٤) انظر الخلاف ٥ : ٢٦١.

(٥) الروضة ١٠ : ٢٤٨.

(٦) الوسيلة : ٤٤٩ ، لم نعثر عليه في المهذب للقاضي ، وهو موجود في المهذب البارع ٥ : ٣٥٢ ، غاية المرام ٤ : ٤٦٠.

٤٩٤

أو غائط خاصّة كما هو ظاهر الرواية ، فلا يلحق بهما الريح كما فعله في الروضة (١) ، بل يجب القطع فيها بالحكومة ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٢) ( ديس بطنه ) حتى يحدث ( أو يفتدي بثلث الدية ، وهي رواية ) النوفلي عن ( السكوني ) عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى عليه‌السلام (٣) بذلك.

وعمل بمضمونها جماعة كالشيخين وابن حمزة (٤) ، ونسبه في الروضة إلى الأكثر (٥) ، وعن الشيخ في الخلاف عليه الإجماع (٦) ، فإن تمّ كان هو الحجّة ، وإلاّ فالرواية قضيّة في واقعة مخالفة للأُصول ، كما أشار إليه الحلّي ، فقال بعد نقلها : الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذا الرواية ؛ لأنّ فيه تغريراً (٧) بالنفس ، فلا قصاص في ذلك بحال (٨). وتبعه من المتأخّرين جماعة (٩) مختارين الحكومة.

وظاهر الفاضلين هنا وفي الشرائع والتحرير والشهيد في اللمعة (١٠) وغيرهم (١١) التوقّف في المسألة ، حيث أجابوا عن الرواية بأنّ راويها‌

__________________

(١) الروضة ١٠ : ٢٥٣.

(٢) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٠٧.

(٣) الكافي ٧ : ٣٧٧ / ٢١ ، الفقيه ٤ : ١١٠ / ٣٧٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٩ / ١٠٨٩ ، الوسائل ٢٩ : ١٨٢ أبواب قصاص الطرف ب ٢٠ ح ١.

(٤) المقنعة : ٧٦١ ، النهاية : ٧٧٠ ، الوسيلة : ٤٥٠.

(٥) الروضة ١٠ : ٢٥٣.

(٦) الخلاف ٥ : ٢٩٩.

(٧) في النسخ : التعزير ، والظاهر ما أثبتناه من المصدر.

(٨) السرائر ٣ : ٣٩٥.

(٩) منهم العلاّمة في المختلف : ٨٠٩ ، وابن فهد في المهذب البارع ٥ : ٣٥٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥٠٤.

(١٠) الشرائع ٤ : ٢٧١ ، التحرير ٢ : ٢٧٥ ، اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ٢٥٣.

(١١) مجمع الفائدة ١٤ : ٤٢٥.

٤٩٥

السكوني ( وفيه ضعف ) مشهور ، ولم يصرّحوا مع ذلك بالحكومة.

وهو حسن ؛ لما ذكرنا من القوادح. ولإمكان الذبّ عنها بالإجماع والشهرة المنقولين ، مضافاً إلى دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني (١) ، مع أنّ صاحبه لا ينفكّ عنه غالباً ، فيقوى قبول رواياتهما ، سيّما مع كثرتها وعمل الأصحاب بأكثرها ، مع ردّهم الروايات الصحيحة في مقابلها ، واعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بالرواية عنهما كثيراً ، ولذا يعدّ حديثهما قويّاً.

لكن الخروج بذلك عن مقتضى الأُصول محل إشكال ، والأصل معه يقتضي المصير إلى الحكومة إن لم يمكن الخروج عنه بنحو من المصالحة.

( السادسة : من افتضّ بكراً بإصبعه ) مثلاً ( فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه ديتها ) كملاً ( ومهر نسائها على ) الأظهر ( الأشهر ) كما هنا وفي التنقيح (٢) ، ونسبه في الفقيه إلى أكثر روايات الأصحاب (٣).

أقول : وممّا وصل إلينا منها صريحاً رواية هشام بن إبراهيم عن أبي الحسن عليه‌السلام أنّ فيه الدية (٤) ، ولم نقف على الباقي ، ولعلّها وصلت إليه ولم تصل إلينا ، أو أراد بها ما سيأتي من النصوص في أنّ السلس فيه الدية كاملة ، ولأجله اختار الفاضلان وجماعة (٥) مضمون الرواية فقالوا : إنّ استمساك البول منفعة واحدة ، فيجب في تفويتها الدية كاملة.

__________________

(١) العدّة ١ : ٣٨٠.

(٢) التنقيح ٤ : ٥٠٩.

(٣) الفقيه ٤ : ٦٦.

(٤) التهذيب ١٠ : ٣٠٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٥ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٠ ح ٣.

(٥) الشرائع ٤ : ٢٧١ ، التحرير ٢ : ٢٧١ ، الإيضاح ٤ : ٧٠٤ ، غاية المرام ٤ : ٤٦١.

٤٩٦

( و ) لكن ( في رواية ) ظريف المشهورة أنّ فيه ( ثلث ديتها ) (١) وهي وإن اعتبر سندها واعتضدت بغيرها كالخبر المتقدم مراراً أنّ في كل فتق ثلث الدية ، لكن لم أجد بها قائلاً ، فلا يعترض بها ما قدّمنا ، سيّما مع اعتضاده بالشهرة الظاهرة والمحكية ، وبها يجبر ضعف الرواية السابقة ، مضافاً إلى انجباره بالنصوص الآتية.

وفي التحرير (٢) أنّ في رواية أُخرى مهر نسائها ، ولم يشر غيره إليها ، ولعلّها قوية السكوني : « إنّ عليّاً عليه‌السلام رفع إليه جاريتان دخلتا الحمام فافتضّت إحداهما الأُخرى بإصبعها ، فقضى على التي فعلت عقلها » (٣) أي مهرها ، على ما فهمه جماعة (٤).

ويحتمل أن يكون المراد بـ « عقلها » ديتها ، وبه نصّ في مجمع البحرين ، فقال بعد تفسير العقل بالدية ـ : ومنه الحديث : « جاريتان افتضّت إحداهما الأُخرى » ثم ساق الرواية وقال بعدها : يعني ديتها (٥).

وعلى هذا فتكون هذه الرواية معاضدة للرواية الأُولى ، لكن ليس فيها ذكر المهر ، وربما يتوهّم منه نظراً إلى ورودها في مقام الحاجة عدم لزومه ، ولكن الأمر فيه سهل ؛ للاتفاق على ثبوته ، مضافاً إلى الرواية السابقة الصريحة والقاعدة ، فإنّ هنا جنايتين في منفعة وجارحة ، والأصل عدم‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٦٦ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٥ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٠ ح ٣.

(٢) التحرير ٢ : ٢٧١.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٤٩ / ٩٨٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥٤ أبواب ديات الأعضاء ب ٤٥ ح ١.

(٤) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٤١٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٠.

(٥) مجمع البحرين ٥ : ٤٢٧.

٤٩٧

التداخل إلاّ ما أخرجته الأدلّة ولا مخرج في المسألة ، وظاهر الأصل ثبوت مهر المثل كما أفتى به الجماعة.

قيل : ويحتمل أرش البكارة (١) ، كما يشعر به القوية المتقدّمة في إفضاء المرأة (٢).

__________________

(١) قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٤١٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٠.

(٢) راجع ص ٤٨١.

٤٩٨

( المقصد الثاني )

( في ) بيان أحكام ( الجناية على المنافع ) ودياتها.

اعلم أنّ ( في ) ذهاب ( العقل الدية ) كاملة ، بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في المبسوط والغنية وغيرهما من كتب الجماعة (١) ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة ، منها زيادةً على ما يأتي ظاهر الخبر : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه ، وبصره ، ولسانه ، وعقله ، وفرجه ، وانقطع جماعه وهو حي ، بستّ ديات » (٢) ويعضده القاعدة في أنّ كلّ ما كان في الإنسان منه واحد كان فيه الدية.

( ولو شجّه ) أو قطع عضواً منه ( فذهب ) عقله ( لم تتداخل الجنايتان ) بل لكل منهما ديته على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، وفاقاً للمبسوط والخلاف (٣) ، مدّعياً في ظاهر الأوّل وصريح الثاني الإجماع عليه ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى الرواية السابقة ، وأصالة عدم التداخل في الدية.

( و ) لكن ( في رواية ) (٤) صحيحة عمل بها في النهاية‌

__________________

(١) المبسوط ٧ : ١٢٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ وفيها : بالإجماع ، كما في الخلاف ٥ : ٢٣٤ ، ومجمع الفائدة ١٤ : ٤٢٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٥١٠.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٥ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٢ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٥ أبواب ديات المنافع ب ٦ ح ١.

(٣) المبسوط ٧ : ١٢٧ ، الخلاف ٥ : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٧ : ٣٢٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ٩٨ / ٣٢٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٣ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٦ أبواب ديات المنافع ب ٧ ح ١.

٤٩٩

وابن سعيد (١) أنّه ( إن كانت ) الجنايتان ( بضربة واحدة تداخلتا ) دية ، وإلاّ فلا ، وهي طويلة مضى ذكرها في أوائل كتاب القصاص في بحث تداخل جناية النفس والأطراف ، ولم يعمل بها الأكثر هنا وثمة ، حتى الشيخ في النهاية هناك ؛ لأنّ ظاهرها كما عرفته دخول جناية الطرف في النفس مطلقاً ولو افترقتا ، ولم يقل به في النهاية ، بل قال في صورة الافتراق بعدم التداخل ، فليت شعري كيف يمكن استناده إليها هنا مع مخالفتها لما ذكره ثمّة ، ويحتمل أن يكون له هنا مستند آخر غيرها لم يصل إلينا.

وبالجملة : هذه الرواية وإن كانت صحيحة إلاّ أنّ العامل بها هنا لم أجده سوى الشيخ وبعض من تبعة ، وهو قد رجع عنها في كتابيه المتقدّمين ، وصرّح به الحلّي فقال هنا بعد الحكم بعدم التداخل ـ : وقد كنّا قلنا من قبل : فإن كان أصابه مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة ، إلاّ أن يكون ضربه بضربتين أو ثلاث فجنت كل ضربة منها جناية كان عليه حينئذٍ جنايتها ، [ فأوردناه (٢) ] على ما أورده شيخنا في نهايته ، إلاّ أنّ هذا أظهر من ذلك ، وشيخنا فقد رجع عمّا أورده في نهايته ، وقال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه ، وهو الصحيح ؛ لأنّ تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (٣) ، انتهى.

وكأنّه لم يقف على كلامه هذا ، الفاضل المقداد في شرح الكتاب (٤) ، فنسب إليه الموافقة هنا للنهاية.

__________________

(١) النهاية : ٧٧١ ، الجامع : ٥٩٥.

(٢) في النسخ : وأوردنا ، وما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.

(٣) السرائر ٣ : ٤١٤.

(٤) التنقيح ٤ : ٥١٠.

٥٠٠