رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

إلاّ أنّ ظاهر المتأخّرين وفاقاً منهم للحلّي (١) الإطباق على خلافه ، فقالوا بعد نقلها ، والاعتراف بشهرتها : ( غير أنّ في السكوني ضعفاً ، والأولى اعتبار التفريط ) من صاحب الدابة في ضمانه ما أفسدته ( ليلاً كان ) الإفساد ( أو نهاراً ) فلو لم يفرّط في حفظها بأن آواها إلى مبيتها وأُغلق عليها الباب مثلاً فوقع الحائط أو نقب اللّصّ نقباً فخرجت ولم يعلم به وأفسدت فلا ضمان عليه ؛ لأنّه غير مفرّط.

وهو حسن ؛ للأُصول ، إلاّ أنّ في العدول عن الرواية المشهورة المدّعى عليها إجماع العصابة إشكالاً ، بل اللازم المصير إليها ؛ لانجبار ضعفها لو كان بالشهرة ، مع قوّة راويها كما عرفته غير مرّة ، سيّما وأن روى عنه عبد الله بن مغيرة المدّعى على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (٢).

ومع ذلك المستند غير منحصر فيها ، بل النصوص بمعناها بعد حكاية الإجماع المتقدمة مستفيضة مرويّة جملة منها في التهذيب في باب الزيادات من كتاب التجارة (٣) ، وكذا في الكافي في أواخر ذلك الكتاب (٤).

منها الصحيح على الظاهر : عن البقر والغنم [ والإبل ] بالليل تكون بالمرعى فتفسد شيئاً ، هل عليها ضمان؟ فقال : « إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان ، من أجل أنّ أصحابه يحفظونه ، وإن أفسدت ليلاً فإنّ عليها ضمان » (٥).

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٢٤.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٢٤.

(٤) الكافي ٥ : ٣٠١.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠١ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢٤ / ٩٨١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٧ أبواب موجبات الضمان ب ٤٠ ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

٥٦١

ومنها : عن قول الله عزَّ وجلَّ ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) (١) فقال : « لا يكون النفش إلاّ باللّيل ، إنّ على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار ، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار ، وإنّما رعيها بالنهار وأرزاقها ، فما أفسدت فليس عليها ، وعلى أصحاب الماشية حفظ الماشية باللّيل عن حرث الناس ، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش » الخبر (٢) ، وقريب منه غيره (٣).

وفي جملة من النصوص أنّ ذلك ممّا قضى به سليمان على نبينا وآله وعليه السلام (٤).

وظاهر سياقها كما ترى صريح في أنّه ليس على صاحب الدابّة ضمان ما أفسدته نهاراً ولو قصر المالك في حفظها ؛ لتعليلها بأنّه ليس عليه في النهار حفظها ؛ لأنّ فيه رعيها وأرزاقها ، وظاهر استناد الأصحاب إليها.

فما ذكره بعض الأفاضل (٥) وفاقاً للشهيد (٦) رحمه‌الله من كون النزاع بين القوم لفظيّاً ، وأنّ القدماء إنّما ذكروا الليل والنهار تبعاً للرواية ، وتمثيلاً للتفريط وعدمه ؛ لكون الغالب حفظ الماشية ليلاً. ليس بجيّد.

ولذا اعترضه شيخنا في المسالك والفاضل المقداد والمولى الأردبيلي (٧) رحمه‌الله فقال بعد نقله : وهو جيّد ، ولكن خلاف ظاهر‌

__________________

(١) الأنبياء : ٧٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠١ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٢٤ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٨ أبواب موجبات الضمان ب ٤٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٠٢ / ٣ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٨ أبواب موجبات الضمان ب ٤٠ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢٩ : ٢٧٦ أبواب موجبات الضمان ب ٤٠.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٥٢٤.

(٦) اللمعة ( الروضة البهية ١٠ ) : ٣٢٧.

(٧) المسالك ٢ : ٥١١ ، التنقيح ٤ : ٥٢٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٤ : ٣٥٤.

٥٦٢

عباراتهم ؛ إذ لا يجب الجمع بين أقوالهم كالروايات والآيات والأدلّة ، وأيضاً إنّ عادة بعضهم مثل الشيخ عدم الخروج عن لفظ الرواية ولا ينظر الوجه والعلّة ، فتأمّل. انتهى.

ومن أخبار المسألة أيضاً النبوي المروي في كلام جماعة ، ومنهم ابن زهرة (١) : أنّ ناقة براء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدته فقضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ على أهل الأموال حفظها نهاراً ، وعلى أهل المواشي حفظها ليلاً ، وأنّ على أهلها الضمان في الليل (٢).

ويؤيّده ما ورد من أنّ « العجماء جُبار » (٣) بناءً على أنّ غالب جنايتها وقوعها في النهار.

( الثالثة (٤) : في ) بيان ( كفّارة القتل )

وقد مرّ في كتابها أنّه ( تجب كفّارة الجمع ) بين الخصال الثلاث : العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ( بقتل العمد ، و ) تجب ( المرتّبة بقتل الخطإ ) وفي معناه شبيه العمد ، كما صرّح به في التحرير والقواعد (٥).

وذكر الفاضلان هنا وفي الشرائع والتحرير والقواعد والشهيدان في اللمعتين والمسالك (٦) وغيرهم (٧) أنّها إنّما تجب الكفّارة مطلقا كما يقتضيه‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٢) عوالي اللئلئ ١ : ٣٨٢ / ٩ ، المستدرك ١٨ : ٣٣٠ أبواب موجبات الضمان ب ٢٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٩ : ٢٧١ أبواب موجبات الضمان ب ٣٢.

(٤) أي : من اللواحق.

(٥) التحرير ٢ : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٣٤٥.

(٦) الشرائع ٤ : ٢٨٧ ، التحرير ٢ : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٣٤٥ ، اللمعة والروضة ١٠ : ٢٩٤ ، المسالك ٢ : ٥١١.

(٧) كشف اللثام ٢ : ٥٣٠.

٥٦٣

إطلاق العبارة ونحوها وصريح بعضهم ، أو في الخطأ خاصّة كما هو ظاهر التحرير ( مع المباشرة ) للقتل خاصّة ( دون التسبيب ) له ( فلو طرح حجراً في ملك غيره أو سابلة فهلك بها عاثر ضمن الدية ولا كفّارة ) مطلقاً ، كان التسبيب عمداً أو خطأً.

ولم أجد لهم على ذلك دليلاً صالحاً عدا ما قيل من الأصل ، وعدم تبادره إلى الفهم من القتل الوارد في النصوص (١). وفيه نظر ؛ لمنع التبادر بعد الاتفاق على شموله له بالإضافة إلى الدية ، إلاّ أن يمنع الاتفاق على الشمول له لفظاً ، بل يجعل مورده ثبوت أصل الدية لا دخوله تحت إطلاق لفظ القتل. وفيه بُعد.

وكيف كان فالعمدة هو عدم الخلاف في الحكم ، بل ربما أشعر عبارة المسالك وغيره بالإجماع عليه ، حيث نسبه في الأوّل إلى الأصحاب (٢) من غير ذكر خلاف ولا دليل عليه ، بل اقتصر منه على النسبة مشعراً بأنّ ذلك هو الحجة في المسألة ، وفي الثاني لم ينقل الخلاف فيه منّا ، بل قال : خلافاً للشافعي (٣).

ولعلّه كاف في الحجة ، سيما بعد التأيّد بالأصل ، واحتمال عدم ظهور المخصّص كما عرفته.

( وتجب ) الكفّارة ( بقتل المسلم ، ذكراً كان أو أُنثى ، صبيّاً أو مجنوناً ، حراً أو عبداً ) مطلقا ( ولو كان ملكاً للقاتل ) على الأظهر الأشهر ، بل لا خلاف فيه يظهر ، إلاّ ما يحكى عن كفّارات النهاية والقاضي (٤) في‌

__________________

(١) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٣٠.

(٢) المسالك ٢ : ٥١١.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٥٣٠.

(٤) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ٥٣٠ ، وهو في النهاية : ٥٧٣ ، والمهذّب ٢ : ٤٢٤.

٥٦٤

العبد.

قيل : للصحيح : في الرجل يقتل مملوكه متعمّداً ، قال : « يعجبني أن يعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين ، ويطعم ستّين مسكيناً ، ثم تكون التوبة بعد ذلك » (١) لإشعار « يعجب » بالفضل (٢).

وفيه نظر ؛ لظهور السياق في رجوع الفضل إلى الترتيب بين الكفّارة والتوبة بتقديم الاولى على الثانية ، لا إلى أصل الكفّارة.

ثم لو سلّم إشعاره أو دلالته فلا يعترض به إطلاقات الكتاب والسنّة ، وخصوص المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « من قتل عبده متعمّداً فعليه أن يعتق رقبة ، وأن يطعم ستّين مسكيناً ، وأن يصوم شهرين » (٣) ونحوه الموثقان (٤).

والحسنان : عن رجل قتل مملوكاً له متعمّداً ، قال : « يعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين » (٥) إلى غير ذلك من النصوص (٦).

( وكذا تجب بقتل الجنين ) الآدمي المؤمن ( إن ولجته الروح ) مطلقا ( ولا تجب قبل ذلك ) كما مضى.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٢ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٩٣ / ٣٠٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٥ / ٩٣٢ ، الوسائل ٢٩ : ٩١ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧ ح ١.

(٢) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٣٠.

(٣) الكافي ٧ : ٣٠٣ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٤ / ٩٢٩ ، الوسائل ٢٩ : ٩١ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٢ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٥ / ٩٣١ ، الوسائل ٢٩ : ٩٢ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧ ح ٤.

(٥) انظر الوسائل ٢٩ : ٩١ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧ ح ٢ ، وص ٩٩ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ١٢.

(٦) الوسائل ٢٩ : ٩١ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧.

٥٦٥

وقد خالف الفاضل في التحرير (١) هنا ، فأوجب الكفّارة فيه مطلقاً ، ولو لم يلجه الروح ، مع أنّه في بحث ديته صرّح بما هنا ، وهو الأقوى ؛ للأصل ، بل قد عرفت أنّ عليه في بعض العبارات إجماعنا (٢) ، مع أنّي لم أجد له موافقاً إلاّ الشافعي فيما حكي عنه (٣) ، ومع ذلك فلم أعرف له مستنداً.

( ولا تجب بقتل الكافر ذمّيّاً كان ) أو حربيّا ( أو معاهداً ) بلا خلاف أجده ، بل قيل : عندنا ، خلافاً للعامّة ، لتوهّمهم ذلك من الآية (٤).

( ولو قتل المسلم مثله في دار الحرب عالماً ) عامداً ( لا لضرورة ) التترّس ونحوه ( فعليه القود والكفّارة ) بلا خلاف أجده ، بل بإجماعنا كما يشعر به عبارة بعض الأجلّة (٥) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى إطلاقات الكتاب والسنّة.

( ولو ظنّه حربيّا ) (٦) فقتله ( فلا دية ) له ( وعليه الكفّارة ) بلا خلاف في لزومها ، ووفاقاً للأكثر في عدم الدية ، بل في ظاهر المسالك وغيره وعن ظاهر المبسوط الاتفاق عليه (٧) ؛ لقوله سبحانه ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) مع قوله بعد‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٧٩.

(٢) راجع ص ٥٣٧.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٥٣٠ وانظر المجموع ١٩ : ١٨٨ ، والمبسوط للسرخسي ٢٦ : ٨٨.

(٤) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٣٠.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٥٣٠.

(٦) في المطبوع زيادة : فبان مسلماً.

(٧) المسالك ٢ : ٥١١ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٥٣٠ ، المبسوط ٧ : ٢٤٥.

٥٦٦

ذلك ( فَإِنْ كانَ ) يعني المقتول خطأً ( مِنْ قَوْمٍ ) أي في قوم ؛ لأنّ حروف الصفات بعضها يقوم مقام بعض ( عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) وقوله بعد ذلك ( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) لفهمنا من الثاني أنّ المؤمن يكون في دار الحرب فيظنّ كافراً فيُقتل لا دية له ، وإلاّ لم يظهر وجه للتفصيل وإهمال الدية فيه.

خلافاً للحلّي ، فأوجب الدية لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم (٢). وقوله عليه‌السلام : « في النفس مائة من الإبل » (٣) قال : والدية وإن لم تذكر في الآية ، فقد علمناها بدليل آخر إلى أن قال ـ : وأيضاً فإجماع أصحابنا منعقد على ذلك ، ولم يخالف أحد منهم في ذلك (٤).

وهو نادر ، ولذا لم ينقل الخلاف عنه هنا إلاّ نادر. ووهن إجماعه لعدم الوقوف على موافق له ظاهر ، مع معارضته بالمثل. وما ذكره من الإطلاقات غير معلوم الشمول لنحو الفرض ؛ لعدم التبادر ، وعلى تقديره فهي مقيّدة بالآية الشريفة النافية بظاهرها من حيث السياق للدية ، فتكون بالإضافة إلى الإطلاقات أخصّ فلتكن عليها مقدّمة.

ومنه يظهر أنّ وجه دلالة الآية ليس أنّه لم يذكر فيها الدية كما زعمه وقدّم لذا عليها الإطلاقات المزبورة ، بل إنّما هو ظهور سياقها في نفيها ،

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ١٦٠ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٤١٣ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ٢.

(٣) عوالي اللئالي ٣ : ٦٠٨ / ١ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٩٦ أبواب ديات النفس ب ١ ح ٣.

(٤) السرائر ٣ : ٣٢١.

٥٦٧

فينعكس الأمر كما عرفته.

ثم إنّ إطلاق الآية والعبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ظهور كون المقتول أسيراً أم غيره.

خلافاً للشيخ في المبسوط والخلاف والفاضل في التحرير والقواعد والصيمري في شرح الشرائع (١) ، فقيّدوه بالثاني.

وتردّد فيه الماتن في الشرائع (٢) : من ذلك ، ومن إطلاق ما دلّ على لزوم الدية.

وفيه ما قد عرفته ، فإذاً الأولى الأخذ بإطلاق الآية ، مضافاً إلى أصالة البراءة.

( الرابعة : في ) بيان ( العاقلة ) التي تحمل دية الخطأ.

( والنظر ) هنا يقع ( في ) أُمور ثلاثة ( المحل ، وكيفية التقسيط ) أي توزيع الدية وتقسيمها عليهم ( واللواحق ).

أمّا المحلّ ( فـ ) هو ( العصبة ، والمعتق ، وضامن الجريرة ، والإمام عليه‌السلام ) مرتّبين كترتيبهم في الإرث على تفصيل يأتي إليه الإشارة.

( و ) ضابط ( العصبة ) كل ( من يتقرب إلى الميت بالأبوين أو بالأب ) خاصّة وإن لم يكونوا وارثين في الحال ( كالإخوة وأولادهم ) وإن نزلوا ( والعمومة وأولادهم ) كذلك ( والأجداد وإن علوا ) وفاقاً للمقنعة والمبسوط والخلاف والمهذّب والفاضلين هنا وفي الشرائع والإرشاد‌

__________________

(١) المبسوط ٧ : ٢٤٦ ، الخلاف ٥ : ٣٢١ ، التحرير ٢ : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٣٤٥ ، غاية المرام ٤ : ٤٨٣.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٨٧.

٥٦٨

والتحرير والقواعد والمختلف والشهيد في اللمعة (١) ، وغيرهم (٢) ، وبالجملة : المشهور على الظاهر ، المصرّح به في المختلف والروضة والمسالك (٣).

وفي السرائر أنّهم العصبات من الرجال ، سواء كان وارثاً أو غير وارث ، الأقرب فالأقرب ، ويدخل فيها الولد والوالد. وقال : إجماع أصحابنا منعقد على أنّ العاقلة جماعة الورّاث من الرجال دون من يتقرب بالأُمّ (٤).

وظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه ، وإن زعم مخالفة قوله لقولهم فعدّ قولاً آخر (٥) ، ولم أفهم الوجه فيه ، إلاّ من حيث إطلاقه الرجال في صدر العبارة بحيث يتوهّم منه الشمول لمثل الإخوة من الامّ والأخوال ، لكن تصريحه أخيراً باستثناء من يقترب منهم بالأُمّ يدفع ذلك ، ويوجب اتحاد قوله مع قولهم ، ولذا لم يجعله كثير مخالفاً لهم.

وعبارته صريحة في دعوى الإجماع ، وهو الحجة المعتضدة بالشهرة المحققة والمحكية ، المحتملة كونها إجماعاً ، كما ربما يستفاد من المختلف (٦) حيث استند بها لهذا القول ، والحال أنّ الشهرة بالمعنى المصطلح ليست عنده بحجة ما لم تبلغ درجة الإجماع ، فاستناده بها لعلّه كاشف عن بلوغها تلك الدرجة ، هذا.

__________________

(١) المقنعة : ٧٣٥ ، المبسوط ٧ : ١٧٣ ، الخلاف ٥ : ٢٧٧ ، المهذّب ٢ : ٥٠٣ ، الشرائع ٤ : ٢٨٨ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٩ ، التحرير ٢ : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٣٤٢ ، المختلف : ٧٨٧ ، اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ٣٠٨.

(٢) انظر المفاتيح ٢ : ١٥٦.

(٣) المختلف : ٧٨٧ ، الروضة ١٠ : ٣٠٨ ، المسالك ٢ : ٥١١.

(٤) السرائر ٣ : ٣٣١.

(٥) كما في المهذّب البارع ٥ : ٤١٥.

(٦) المختلف : ٧٨٧.

٥٦٩

مضافاً إلى ما قيل من أنّ ما ذكروه هو المعروف من معناها (١). ويوافقه ما في مجمع البحرين : عَصَبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه ، قال : والجمع العصائب (٢) ، قال الجوهري : وإنّما سمّوا عَصَبة لأنّهم عصبوا به أي أحاطوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف ، والأخ جانب ، والعمّ جانب (٣). فتدبّر.

( وقيل ) في النهاية والغنية والإصباح فيما حكي (٤) أنّهم ( هم الذين يرثون القاتل ديته لو قتل ) ولا يلزم من لا يرث ديته شيئاً مطلقا.

واعترضه جماعة ، ومنهم الماتن في الشرائع ، فقال : وفي هذا الإطلاق وهم ؛ فإنّ الدية يرثها الذكور والإناث ، والزوج والزوجة ، ومن يتقرّب بالأُمّ على أحد القولين ، ويختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال ، وليس كذلك العقل ، فإنّه يختصّ الذكور من العَصَبة دون من يقترب بالأُمّ ، ودون الزوج والزوجة (٥).

وهو حسن ، إلاّ أنّ بعض الأفاضل وجّه كلامهم بما يرجع به إلى ما عليه القوم ، فقال : وعبارة النهاية هكذا : وأمّا دية الخطأ فإنّها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل أن لو قتل ، ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئاً على حال ، وهي توهِم العموم ، وليست صريحة فيه ، فإنّ الوصف يجوز أن يكون للتعليل دون التفسير ، ولذا قال المحقّق : وفي هذا الإطلاق وهم ،

__________________

(١) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٢٦.

(٢) كذا ، وفي المصدر : العصاب.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ١٢٢ ، وهو في الصحاح ١ : ١٨٢.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٥٢٦.

(٥) الشرائع ٤ : ٢٨٨.

٥٧٠

فيكون كقول المفيد ، ولا يؤخذ لإخوته من امّه شي‌ء ، ولا من أخواله ؛ لأنّه لو قتل وأُخذت ديته ما استحق إخوته لأُمّه وأخواله منها شيئاً ، فلذلك لم يكن عليهم منها شي‌ء ، ثم ليس في عبارة النهاية تفسير العصبة. وعبارة الغنية والإصباح ، كذا : وعاقلة الحرّ المسلم عَصَبته الذين يرثون ديته. وظاهرها أيضاً التعليل ، والاتّكال في معنى العصبة على وضوحه ، وأنّ المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال ، أو التوضيح أو التنصيص على الاختصاص بالمتقرّبين بالأب (١). انتهى.

ويؤيدّه فهم الحلّي (٢) من النهاية ما يوافقه ، ولذا لم يعترضه ، بل اعتضد به ، فتأمّل.

( و ) كيف كان فالقول ( الأوّل أظهر ) لما مرّ.

( ومن الأصحاب من ) خصّ به الأقرب (٣) ممّن يرث بالتسمية ، ومع عدمه ( يشترك ) في العقل ( بين من يتقرّب بالأُمّ مع من يتقرّب بالأب والأُمّ أو بالأب ) أثلاثاً كالإرث ، وقد يستدل له بالنصوص الواردة فيمن هرب ولم يظفر به حتى مات أنّه يؤخذ من تركته ، فإن لم يكن فمن الأقرب فالأقرب (٤).

والمرسل : في الرجل إذا قتل رجلاً خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية : « إنّ الدية على ورثته ، فإن لم يكن له عاقلة فعلى‌

__________________

(١) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٥٢٦ ، وهو في النهاية : ٧٣٧ ، والمقنعة : ٧٣٥ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٢) السرائر ٣ : ٣٣١.

(٣) في « ن » زيادة : فالأقرب.

(٤) الوسائل ٢٩ : ٣٩٥ أبواب العاقلة ب ٤.

٥٧١

الوالي من بيت المال (١).

وفي الجميع نظر ؛ لضعف المرسل كبعض تلك النصوص ، مع خروجها على تقدير القول بها في تلك المسألة عن مفروض المسألة ؛ لكونه دية الخطأ لا العمد كما هو موردها ، وأحدهما غير الآخر ، هذا.

مضافاً إلى قصور الجميع عن المكافأة لما قدّمناه من الأدلة.

ونسب جماعة (٢) من الأصحاب هذا القول إلى الإسكافي ، قالوا : ( وهو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل ) قال : اتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل من أهل الموصل قد قتل رجلاً خطأ ، فكتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى عامله بها في كتابه : « أسأل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فادعهم إليك ، ثمّ انظر ، فإن كان هناك رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذها منه في ثلاث سنين ، وإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في النسب ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه ، وعلى قرابته من قبل امّه من الرجال الذكور المسلمين ، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية واجعل على قرابته من قبل امّه الثلث » الحديث (٣).

( و ) سلمة الراوي ( فيه ضعف ) لكونه بترياً مذموماً. انتهى محصّل‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٧٢ / ٦٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٧ أبواب العاقلة ب ٦ ح ١.

(٢) منهم العلاّمة في المختلف : ٧٨٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٥٣٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥١١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٦٤ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٠٥ / ٣٥٦ ، التهذيب ١٠ : ١٧١ / ٦٧٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٢ أبواب العاقلة ب ٢ ح ١.

٥٧٢

ما ذكروه.

وناقشهم في النسبة بعض الفضلاء ، فقال : وعبارة الإسكافي كذا : العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء ، سواء كانوا من قبل أبيه أو امّه ، فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب والإخوة للُامّ كان على الإخوة للأب الثلثان ، وعلى الإخوة للُامّ الثلث ، سواء كان المستحق للميراث واحداً أو جماعة ، ولا يلزم ولد الأب شي‌ء إلاّ بعد عدم الولد والأب ، ولا يلزم ولد الجدّ شي‌ء إلاّ بعد عدم الولد للأبوين. وهي ليست نصّاً في استحقاق الإرث بالتسمية ، ولا في شمول العقل كلّ من يرث بالتسمية ، بل ظاهر قوله : سواء كان من قبل أبيه أو امّه ، اختصاصه بالأجداد وبالإخوة والأعمام والأخوال وأولادهم ، ثم ليس فيها اشتراط التشريك بين المتقرب بالأب والمتقرب بالأُمّ بعدم الوارث.

ثم قال : ولكن ظاهر المختلف أنّه نزّلها على مضمون خبر سلمة بن كهيل (١). انتهى. وهو جيّد.

واعلم أنّ الرواية لا دلالة لها على القول المحكي في العبارة بإطلاقه ؛ لشموله المتقرب بالأُمّ والمتقرب بالأب الذكور والإناث ، وكذا الأقرب ممّن يرث بالتسمية يشمل نحو الامّ والبنت والأُخت ، مع أنّ الرواية مصرّحة بالتقييد بالرجال ، فالاستدلال بها لذلك كما في العبارة وغيرها لا يخلو عن إشكال ، ولذا عدلت عنه إلى الاستدلال بتلك النصوص المزبورة وإن كانت قريبة منها في وجه الضعف والإشكال.

اللهم إلاّ أن ينزّل إطلاق القول على الرواية بتقييده بما فيها من إرادة‌

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٥٢٧.

٥٧٣

الرجال خاصّة ، كما وجّه به كلام النهاية (١) ، ويجعل الاستدلال بها له على ذلك قرينة ، فافهم.

( ويدخل الآباء والأولاد في العقل على الأشبه ) وفاقاً للمفيد والإسكافي والشيخ في النهاية والحائريات والسرائر والجامع وأبي العباس كما حكي (٢) ، وهو خيرة الفاضلين هنا وفي الشرائع والتحرير والقواعد والصيمري والشهيد في اللمعة (٣) ، وهو ظاهر التنقيح (٤) ، وبالجملة : المشهور على الظاهر ، المصرّح به في الإيضاح (٥) ، بل ادّعى الحلّي عليه الإجماع (٦) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى دخولهم في مفهوم العَصَبة لغةً كما يستفاد من كلام الجوهري المتقدّم (٧) وكثير من أهلها.

خلافاً للمحكي عن الخلاف والمبسوط والمهذّب والوسيلة (٨) ، فلا يدخلون ؛ لأصالة البراءة.

ويجب الخروج عنها بما عرفته ، مع ضعف التمسك بها هنا بناءً على‌

__________________

(١) راجع ص ٥٦٦.

(٢) المقنعة : ٧٣٥ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٨٧ ، النهاية : ٧٣٧ ، الحائريات ( الرسائل العشر ) : ٢٩٦ ، السرائر ٣ : ٣٣١ ، الجامع للشرائع : ٥٧٣ ، والمقتصر : ٤٦٩ ، والمهذب البارع ٥ : ٤١٦.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٨٨ ، التحرير ٢ : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٣٤٢ ، غاية المرام ٤ : ٤٨٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ١٠ ) : ٣٠٨.

(٤) التنقيح ٤ : ٥٣٢.

(٥) الإيضاح ٤ : ٧٤٤.

(٦) السرائر ٣ : ٣٣٢.

(٧) راجع ص ٥٦٦.

(٨) حكاه عنهم في المختلف : ٧٨٦ ، وهو في الخلاف ٥ : ٢٧٧ ، والمبسوط ٧ : ١٧٣ ، والمهذّب ٢ : ٥٠٣ ، والوسيلة : ٤٣٧.

٥٧٤

إيجابه اشتغال ذمّة أُخرى مع أنّ الأصل براءتها أيضاً ، ومرجعه إلى معارضتها بالمثل كما لا يخفى.

وللإجماع.

وفيه وهن ظاهر ، كدعوى شيخنا في المسالك والروضة (١) عليه الشهرة ، مع معارضتهما بالمثل كما عرفته.

ولخروجهم عن مفهوم العَصَبة.

وفيه منع ظاهر عرفت وجهه.

ولنصوص عامية.

نعم في الصحيح : « أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في امرأة أعتقت رجلاً ، واشترطت ولاءه ، ولها ابن ، فألحق ولاءه بعَصَبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها » (٢).

لكنّه غير واضح الدلالة ؛ لاحتمال كون « دون ولدها » استثناءً من العَصَبة ، والأصل في الاستثناء الاتصال ، وعليه فتكون الرواية واضحة الدلالة على المختار ، مع استفادته أيضاً من رواية سلمة بن كهيل المتقدّمة ، لكن ضعف سندها كما عرفته ، مع اشتمالها على أحكام غريبة لم يقل بجملة منها أحد من الطائفة ربما أوجب الوهن في الاستدلال بها وجعلها حجّة ، وإن أمكن الذبّ عنه بجبره بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة.

( ولا يشركهم ) أي العاقلة في العقل ( القاتل ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في ظاهر عبارة بعض الأجلّة ، قال : خلافاً لأبي حنيفة (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥١٢ ، الروضة ١٠ : ٣١٠.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٣ / ٩٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ كتاب العتق ب ٣٩ ح ١.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٥٢٧.

٥٧٥

والحجة عليه بعده أصالة البراءة ، مع ظهور النص والفتوى باختصاص الدية بالعاقلة.

( ولا تعقل المرأة ، ولا الصبي ، ولا المجنون ، وإن ورثوا من الدية ) بلا خلاف على الظاهر ، المحكي عن المبسوط (١).

قيل : لخروجهم عن مفهوم العصبة عرفاً ، وأصل البراءة (٢).

وفي أصل البراءة ما عرفته. وأمّا دعوى الخروج فهي حسنة بالإضافة إلى المرأة ، أمّا الصبي والمجنون فدعوى خروجهما عن مفهومها لعلّها لا تخلو عن إشكال.

والأصل على تقدير صحته يخرج عنه بالإطلاقات ، إلاّ أن يذبّ عنها بعدم معلومية شمولها لهما ؛ لعدم تباردهما منها جدّاً ولو كانا داخلين تحت مفهوم العصبة حقيقةً.

( وتحمّل العاقلة دية الموضحة وما فوق ) الموضحة كالهاشمة والمنقّلة ونحوهما ( اتفاقاً ) منّا على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (٣) حدّ الاستفاضة ، وفيه الحجة ؛ مضافاً إلى الإطلاقات ، وخصوص الموثقة الآتية.

( وفي ) تحمّلها ( ما دون الموضحة ) من الحارصة والدامية ونحوهما ( قولان ) أحدهما : نعم ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف والحلّي في السرائر (٤) مدّعياً عليه الإجماع ؛ للإطلاقات.

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٥٢٧ ، وهو في المبسوط ٧ : ١٧٥.

(٢) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٢٧.

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٣٤٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٥٣٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٣١٣.

(٤) المبسوط ٧ : ١٧٨ ، الخلاف ٥ : ٢٨٣ ، السرائر ٣ : ٣٣٤.

٥٧٦

والثاني : وهو ( المروي ) في الموثق (١) ( أنّها لا تحمله ) وهو خيرة الشيخ في النهاية والحلبي والقاضي في أحد قوليه والغنية والإصباح والوسيلة كما حكي (٢) ، وإليه ذهب الفاضل في المختلف وولده في الإيضاح والفاضل المقداد والصيمري (٣) ، وغيرهم من المتأخّرين (٤) ، والظاهر أنّه المشهور كما صرّح به في التحرير والروضة (٥).

وهو الأقوى ؛ لاعتبار سند الرواية بالموثقية.

مضافاً إلى الاعتضاد أو الانجبار بالشهرة الظاهرة والمحكية ، وبالاعتبار ؛ للزوم الضرر الكثير بالتحمّل ، بناءً على غلبة وقوع التنازع وحصول الجنايات الكثيرة من الناس ، فلو وجب كلّ جرح قلّ أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقّة لهم ، وتساهل الناس في الجنايات ؛ لانتفاء الضمان عنهم ، فتأمّل.

وبذلك يذبّ عن الإجماع المنقول ، مع وهنه بمصير الأكثر على خلافه ، ويتعيّن الخروج به عن الإطلاقات ، مع إمكان التأمّل في شمولها لمحل البحث ؛ لاحتمال اختصاصها بحكم التبادر بدية النفس.

ولا ينافيه الاتفاق على التحمّل في نحو الموضحة ؛ لاحتمال كون‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٦٥ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٧٠ / ٦٦٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٦ أبواب العاقلة ب ٥ ح ١.

(٢) النهاية : ٧٣٧ ، الكافي في الفقه : ٣٩٦ ، وقال به القاضي في الكامل على ما حكاه عنه في غاية المراد ٤ : ٤٨٥ ، والمهذب البارع ٥ : ٥٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٢٠ ، الإصباح ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٨٩ ، الوسيلة : ٤٣٧ ، وحكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٥٢٨.

(٣) المختلف : ٨١٢ ، الإيضاح ٤ : ٧٤٦ ، التنقيح ٤ : ٥٣٥ ، غاية المرام ٤ : ٤٨٧.

(٤) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٢٩١.

(٥) التحرير ٢ : ٢٨٠ ، الروضة ١٠ : ٣١٤.

٥٧٧

ذلك بمجرّد الاتفاق ، لا للإطلاق ، وحينئذٍ يجب الرجوع إلى حكم القاعدة من كون الأصل في الجناية تعلّق ديتها برقبة الجاني ، لا غيرها ؛ إذ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) خرجنا عنها فيما عدا موضع الخلاف بالوفاق ، ويبقى ما عداه داخلاً تحتها.

وربما يستفاد من قول الماتن هنا والفاضل في القواعد (٢) : ( غير أنّ في الرواية ضعفاً ) ميلهما إلى القول الأوّل ، أو توقّفهما فيه.

وهو ضعيف ، كدعوى ضعف الرواية ؛ لأنّها من الموثّق لا الضعيف بمعنى المصطلح ، لكنّ الأمر في هذا سهل ، سيّما على طريقة الماتن.

( وإذا لم يكن ) للجاني ( عاقلة من قومه ) ضمن المعتق جنايته إن كان ، وإلاّ فعصباته ، ثمّ معتق المعتق ، ثمّ عصباته ، ثم معتق أبي المعتق ، ثم عصباته ، كترتيب الميراث ، ومع عدمهم أجمع فعلى ضامن جريرته إن كان.

( و ) حيث ( لا ضامن جريرة ) له أيضاً ( ضمن الإمام جنايته ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده في الجملة ، ولكن استفادتها كما هي من النصوص مشكلة.

نعم النصوص مستفيضة بضمان ضامن الجريرة العقل وكذا الإمام مع فقده ، ففي الصحيح : « من لجأ إلى قوم فأقرّوا بولايته كان لهم ميراثه ، وعليهم معقلته » (٣).

وبمعناه الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المروية في باب‌

__________________

(١) الأنعام : ١٦٥.

(٢) القواعد ٢ : ٣٤٤.

(٣) التهذيب ١٠ : ١٧٥ / ٦٨٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٧ أبواب العاقلة ب ٧ ح ١.

٥٧٨

ميراث ضامن الجريرة ، وفيها : « إذا ولي الرجل الرجل فله ميراثه ، وعليه معقلته » (١).

وفيها إشعار بتلازم الإرث وضمان العقل ، وقد تقدّم في المواريث ثبوت إرث المعتق وضامن الجريرة والإمام مترتّبين ، فيعقلون كذلك.

وفي الصحيح : « من مات وليس له وارث من قرابته ، ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال » (٢) وهو كالنص في ضمان المعتق الجريرة والعقل.

وفي الصحيح : « السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلاّ الله تعالى ، فما كان ولاؤه لله سبحانه فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ ولاءه للإمام عليه‌السلام ، وجنايته على الإمام ، وميراثه له » (٣) إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على أنّ ميراث من لا وارث له للإمام عليه‌السلام ، ومعقلته عليه (٤) ، هذا.

وفي المرسل : الرجل إذا قتل رجلاً خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية « إنّ الدية على ورثته ، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال » (٥).

وهو صريح في ضمان الأشخاص الثلاثة الدية حيث يستحقون‌

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٢٤٣ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ١.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٢ / ٧٧٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨٧ / ١٣٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٦ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٧١ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٩٥ / ١٤١٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٨ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٦.

(٤) الوسائل ٢٦ : ٢٤٦ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٧٢ / ٦٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٧ أبواب العاقلة ب ٦ ح ١.

٥٧٩

الإرث ، وهو وإن شمل العاقلة الأُنثى من القرابة مثلاً ، لكنّه مقيّد بغيرها من الذكران ؛ لما مضى ، فيبقى الباقي تحته مندرجاً ، والعام المخصّص حجة في الباقي ، كما حقّق في محلّه مستقصى.

وفيه إشعار بلزوم الدية في مال الجاني أوّلاً ، ومع عدمه فعلى عاقلته ، وبه صرّح جماعة (١) ، لكن بالنسبة إلى ضمان الإمام خاصّة ، فقالوا : إنّ ضمانه مؤخّر عن ضمان الجاني ، ومنهم ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع الإمامية (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المرسلة ، والقاعدة المتقدّم إليها قريباً الإشارة ، وبه صرّح جملة من النصوص في جناية الأعمى : « أنّها خطأ ويلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً ، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله تؤخذ بها في ثلاث سنين » كما في الصحيح (٣).

وفي الموثق : « إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية في ماله ، فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام » (٤).

خلافاً لآخرين ، فقالوا : ضمان الإمام مقدّم على ضمان الجاني ، ومنهم الحلّي مدّعياً عليه أيضاً الإجماع (٥) ، وهو الحجّة.

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ٧٣٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٣٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٥٣٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٣) الفقيه ٤ : ١٠٧ / ٣٦١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٢ / ٩١٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٩ أبواب العاقلة ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٢ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٨٥ / ٢٧١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٢ / ٩١٧ ، الوسائل ٢٩ : ٨٩ أبواب القصاص في النفس ب ٣٥ ح ١.

(٥) السرائر ٣ : ٣٣٥.

٥٨٠