رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني رحمه‌الله المناقشة لهم في الحكم ، فقال بعد تعليله له بأنّ للزوج قتل من يجد في داره للزناء فسقط القود عن الزوج ـ : ويشكل بأنّ دخوله أعمّ من قصد الزناء ، ولو سلّم منعنا الحكم بجواز قتل مريده مطلقاً (١) ، انتهى.

وهو حسن لو كان الدليل منحصراً فيما ذكره ، وقد عرفت وجود غيره ، وهو كونه متهجّماً على الزوج ومحارباً معه ، ودمه هدر حينئذٍ اتفاقاً فتوًى وروايةً ، فالأصحّ ما ذكره الجماعة ؛ لما عرفته.

مع ضعف الرواية ، وكونها قضية في واقعة ، فلعلّه عليه‌السلام علم بموجب ما حكم به من ضمان الدية ، وربما يوجّه تارةً بأنّها غرّته ، وأُخرى بأنّها أخرجته من بيته ليلاً.

( الرابعة : لو شرب أربعة ) مسكراً ( فسكروا فوجد ) بينهم ( جريحان وقتيلان ، ففي رواية محمّد بن قيس : أنّ علياً عليه‌السلام قضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن أسقط جراحة المجروحين ) أي دية جراحتهما ( من الدية ) وقال عليه‌السلام : « إن مات أحد المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شي‌ء » (٢).

( وفي رواية ) النوفلي ، عن ( السكوني ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام )) (٣) ( أنّه ) قضى في ( نحو ) (٤) هذه القضية فـ ( جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية المجروحين من دية المقتولين ) (٥).

__________________

(١) الروضة ١٠ : ١٤١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٤ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٠ / ٩٥٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٣ أبواب موجبات الضمان ب ١ ح ١.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « س » و « ن ».

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » و « س » و « ن ».

(٥) الفقيه ٤ : ٨٧ / ٢٨٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٠ / ٩٥٥ ، إرشاد المفيد ١ : ٢١٩ ، المقنعة : ٧٥٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٣ أبواب موجبات الضمان ب ١ ح ٢.

٤٠١

والرواية الأُولى مشهورة بين الأصحاب ، كما صرّح به جماعة ومنهم الفاضل المقداد في التنقيح ، قال : حتى أنّ ابن الجنيد قال : لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قُضي بالدية على الباقي ووضع منها أرش الجناية (١).

ومع ذلك صحيحة ؛ لكون الراوي هو الثقة بقرينة ما قبله وما بعده ، وبذلك صرّح من المحقّقين جماعة (٢) ، لكنّها مخالفة للأُصول ، إمّا لعدم استلزام الاجتماع المذكور والاقتتال كون القاتل هو المجروح وبالعكس ، أو لما ذكره الشهيد من أنّه إذا حكم بأنّ المجروحين قاتلان فلِمَ لا يستعدي منهما ، وأنّ إطلاق الحكم بأخذ دية الجرح وإهدار الدية لو ماتا لا يتم أيضاً ، وكذا الحكم بوجوب الدية في جراحتهما ؛ لأنّ موجَب العمد القصاص (٣). وقريب منه ما ذكره الحلّي (٤).

ويمكن دفع هذا بكون القتل وقع منهما حالة السكر ، فلا يوجب إلاّ الدية في مال القاتل ، وفاقاً لجماعة (٥). ومنه يظهر الجواب عن الرواية الثانية ، مع ما هي عليه من قصور السند وعدم المقاومة للرواية الصحيحة المشهورة.

ويدفع الإشكال بإهدار الدية لو ماتا : بفرض الجرح غير قاتل ؛ ووجوب دية الجرح لوقوعه أيضاً من السكران ، أو لفوات محل القصاص ، فانحصر الوجه في مخالفتها للأصل فيما ذكرنا.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٤٨٢.

(٢) منهم المجلسي في ملاذ الأخيار ١٦ : ٥٠٩ ، ومرآة العقول ٢٤ : ٣٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٩٣.

(٣) غاية المراد ٤ : ٤٦٧.

(٤) السرائر ٣ : ٣٧٤.

(٥) انظر التنقيح ٤ : ٤٨٢ ، والروضة ١٠ : ١٤٥.

٤٠٢

( والوجه أنّها ) كالثانية ( قضية في واقعة ) لا عموم لها يعمّ جميع الصور حتى ما يخالف منها للأُصول ( وهو أعلم بما أوجب ذلك الحكم ) الذي حكم به فيها ، فلعلّه كان شيئاً يوافق الحكم معه مع الأُصول.

والشهرة بنفسها سيّما المحكية منها ليست بحجة ، ومع ذلك ليس بمعلوم كونها على الفتوى ، فيحتمل كونها على الرواية خاصّة ، ولو سلّم فهي ليست بمحقّقة ، وحكايتها موهونة ؛ إذ لم نجد مفتياً بها صريحاً أصلاً ، ولم يحك عن أحدٍ إلاّ عن الإسكافي والقاضي (١) ، وهما نادران جدّاً.

نعم رواها الكليني والصدوق والشيخان وابن زهرة وغيرهم (٢) من غير أن يقدحوا فيها بشي‌ء بالكلية ، وهو بمجرّده ليس صريحاً في الفتوى بها ، بل ولا ظاهراً ظهوراً يعتدّ به.

وعلى هذا الوجه فما الذي ينبغي أن يحكم في هذه القضية؟ ذكر جماعة (٣) أنّها صورة لوث ، فلأولياء المقتولين القسامة على المجروحين ؛ لأنّ كلّ واحد من المقتولين والمجروحين يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة ، ويجوز أن تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدراً.

وهو حسن ، لكنّه منحصر فيما إذا كان هناك أولياء مدّعون ، ويشكل مع عدمهم ، ولعلّ الأخذ بالرواية الصحيحة في هذه الصورة غير بعيد ؛ لعدم أصل ظاهر يرجع إليه فيها ، ويمكن تنزيلها عليها ، بل لعلّها ظاهرها ، فتأمّل‌

__________________

(١) حكاه عن ابن الجنيد في التنقيح ٤ : ٤٨٢ ، وعنهما في المهذّب البارع ٥ : ٢٨٣ ، ٢٨٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، وراجع ص ٣٩٩.

(٣) منهم ابن فهد الحلّي في المهذب البارع ٥ : ٢٨٣ ، والصيمري في غاية المرام ٤ : ٤٣٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٤٧.

٤٠٣

جدّاً.

( ولو كان في الفرات ستّة غلمان فغرق واحد ) منهم ( فشهد اثنان منهم على الثلاثة أنّهم غرّقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين ) أنّهما غرّقاه ( فـ ) (١) قضى عليه‌السلام فيهم بما ( في رواية ) النوفلي عن ( السكوني و ) رواية ( محمّد بن قيس جميعاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) في الرواية الأُولى ( وعن أبي جعفر عليه‌السلام ) في الرواية الثانية : ( أنّ عليّاً عليه‌السلام قضى بالدية أخماساً بنسبة الشهادة ) فجعل ثلاثة أخماس على الاثنين وخُمسين على الثلاثة (٢).

( وهي ) وإن صحّ سندها بالطريق الثاني لكنّها مخالفة لأُصول المذهب ، والموافق لها من الحكم أنّ شهادة السابقين إن كانت مع استدعاء الوليّ وعدالتهم قبلت ، ثم لا تقبل شهادة الآخرين ؛ للتهمة ، وإن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهم ، ويكون ذلك لوثاً يمكن إثباته بالقسامة.

ويذبّ عن الرواية مع كونها على ما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع (٣) ( متروكة ) بما أشار إليه بقوله : ( فإن صحّ النقل فهو واقعة في عين فلا يتعدّى ؛ لاحتمال ما يوجب الاختصاص ) بها.

وبالجملة : الكلام في هذه الرواية كما مضى في سابقتها ، حتى في‌

__________________

(١) في النسخ : و ، وما أثبتناه من المختصر المطبوع هو الأنسب.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٤ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٨٦ / ٢٧٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٩ / ٩٥٣ ، إرشاد المفيد ١ : ٢٢٠ ، المقنعة : ٧٥٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٥ أبواب موجبات الضمان ب ٢ ح ١.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٥٣.

٤٠٤

اشتهارها روايةً وفتوى القاضي (١) بها ، وادّعى السيّدان (٢) شهرتها بحيث يظهر منهما الاعتماد عليها ، فليت شعري؟! كيف ادّعى الماتن متروكيّتها مع مساواتها في جميع ذلك لسابقتها ، بل لعلّها أقوى منها ؛ لاختلافها دون هذه ؛ لعدم اختلاف فيها ، فلا بُعد في العمل بها حيث لأقسامه ولا قبول شهادة ، مع تأمّل ما فيه أيضاً.

واعلم أنّ عادة الأصحاب جرت بحكاية هذه الأحكام هنا منسوبة إلى الرواية ؛ نظراً إلى مخالفتها الأُصول ، واحتياجها أو بعضها في الردّ إليها إلى التأويل أو التقييد ، أو للتنبيه على مأخذ الحكم المخالف لها ، وقد يزيد (٣) بعضهم التنبيه على ضعف المستند أو غيره تحقيقاً (٤) لعذر اطراحها.

( البحث الثاني : في التسبيب )

وهو في الجملة موجب للضمان ، بلا خلاف أجده ؛ للاعتبار المؤيد بحديث نفي الضرار ؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الآتية في المضمار.

( وضابطه : ما لولاه لما حصل التلف ، لكن علّته غير السبب كحفر البئر ) وما في معناها ( ونصب السكين ) ونحوه ( وطرح المعاثر ) من نحو قشور البطيخ ( والمزالق ) كرشّ الماء ونحوه ( في الطرق ) مثلاً ( وإلقاء الحجر ) ونحوه فيها ( فـ ) إنّ التلف لم يحصل من شي‌ء منها ، بل من‌

__________________

(١) المهذّب ٢ : ٤٩٩.

(٢) الانتصار : ٢٥٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٣) في « ح » : يريد.

(٤) في « ب » : تخفيفاً.

٤٠٥

العثار المسبّب عنها ، وليس الضمان فيها كلّياً ، بل على تفصيل ذكره الماتن وغيره من أصحابنا (١).

وهو أنّه ( إن كان ) إحداث شي‌ء من ( ذلك في ملكه لم يضمن ) التالف بها فيه إمّا مطلقاً ، كما يقتضيه الأصل وإطلاق النصوص الآتية والعبارة ونحوها.

أو مقيّداً بما إذا لم يتضمن غروراً ، وإلاّ فيضمن ، كما لو جهل الداخل بإذنه لكونه أعمى ، أو كون ذلك مستوراً ، أو الموضع مظلماً ، أو نحو ذلك.

ولعلّه أظهر ، وفاقاً لجمع ممّن تأخّر (٢) ؛ عملاً بأدلّة نفي الضرر ؛ وقدحاً في دلالة الإطلاقات بقوة احتمال اختصاصها بحكم التبادر بغير محل الفرض.

وربما يشعر به الخبر : « لو أنّ رجلاً حفر بئراً في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شي‌ء ولا ضمان ، ولكن ليغطّها » (٣).

وألحق جماعة (٤) بالملك المكان المباح ؛ لإباحة التصرف فيه ، فلا عدوان يوجب ضمان ما يتلف فيه ويقتضيه.

وهو حسن لولا ما سيأتي من إطلاق الأخبار بالضمان بالإحداث فيما لا يملكه ، بل عمومها الشامل لما نحن فيه ، إلاّ أن يذبّ عنه بنحو مما ذبّ عن سابقه.

__________________

(١) كالفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤٨٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٥١.

(٢) انظر الإيضاح ٤ : ٦٦٨ ، والمسالك ٢ : ٤٩٤ ، وكشف اللثام ٢ : ٤٨٩.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥٠ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٢ أبواب موجبات الضمان ب ٨ ح ٤.

(٤) منهم المفيد في المقنعة : ٧٤٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٧٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٩٤.

٤٠٦

( ولو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن ) ديته إمّا مطلقاً ، كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها والنصوص الآتية أو مقيّداً في الأوّل : بوقوع الإحداث فيه من غير إذن المالك ، وأمّا معه ولو بعده (١) فكوقوعه في ملكه.

وفي الثاني : بعدم كون الإحداث لمصلحة المسلمين ، وأمّا معه فلا ضمان ، كما ذكره جماعة (٢) ، وإن اختلفوا في نفي الضمان مع الإحداث للمصلحة هل هو مطلق ، أو مشروط بما إذا كان بإذن الإمام؟

ولعلّه غير بعيد ؛ لإلحاق إذن المالك للمُحدِث بالحدث ملكَه بملِكه في عدم العدوان الذي هو الأصل في شرعية الضمان بالإتلاف حيث لا دليل على العموم ، كما فيما نحن فيه ؛ لعدم عموم فيه سوى الإطلاق الممكن أن يذبّ عنه بما ذبّ به في سابقه.

وبنحوه يجاب عن نفي الضمان في الإحداث مع المصلحة ؛ مضافاً إلى أنّه محسن وما على المحسنين من سبيل.

والأصل في هذه المسائل مضافاً إلى ما عرفته المعتبرة المستفيضة ، منها زيادةً على ما مرّ وما سيأتي الصحاح : « من أضر بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن » (٣).

والموثّقان : عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه؟ فقال : « أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان ، وأمّا ما حفر في الطريق أو في غير‌

__________________

(١) ما بين المعترضتين ليس في « ب ».

(٢) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٦٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٥١ ، والمسالك ٢ : ٤٩٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥٠ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١١٥ / ٣٩٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٥ ، ٢٣١ / ٩١١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤١ أبواب موجبات الضمان ب ٨ ح ٢.

٤٠٧

ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه » (١).

والحسن : « كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان » (٢).

وأمّا الموثّق : عن غلام دخل دار قوم يلعب فوقع في بئرهم ، هل يضمنون؟ قال : « ليس يضمنون ، فإن كانوا متّهمين ضمنوا » (٣) ونحوه المرفوع : « إن كانوا متهمين ضمنوا » (٤) فمحمول على وقوع القسامة.

( ومنه ) أي من التسبيب ( نصب الميازيب ، وهو جائز ) إلى الطرق النافذة ( إجماعاً ) كما في كلام جماعة (٥) حدّ الاستفاضة ، ولكن عن ابن حمزة (٦) أنّه للمسلمين المنع عنه ، ويمكن تخصيصه بالمضرّ ، فلا خلاف كما ذكروه.

( و ) لكن ( في ضمان ما يتلف به قولان ، أحدهما : ) أنّه ( لا يضمن ) إلاّ مع التفريط في نصبه ، كأن يثبت على غير عادة أمثاله ( وهو الأشبه ) وفاقاً للمفيد والحلّي وجماعة (٧) ؛ للإذن في نصبها شرعاً ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٩ / ١ ، الفقيه ٤ : ١١٤ / ٣٩٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٩ / ٩٠٣ ، ٩٠٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤١ أبواب موجبات الضمان ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٥٠ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤١ أبواب موجبات الضمان ب ٨ ح ١.

(٣) الفقيه ٤ : ١١٥ / ٣٩٤ ، التهذيب ١٠ : ٢١٢ / ٨٤٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٥ أبواب موجبات الضمان ب ١٨ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٧٤ / ١٣ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٥ أبواب موجبات الضمان ب ١٨ ح ٢.

(٥) منهم الحلّي في السرائر ٣ : ٣٧١ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤٨٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٨٧.

(٦) الوسيلة : ٤٢٦.

(٧) المفيد في المقنعة : ٧٤٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٧٠ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ١٥٤ ، الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤٨٦ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٢٦٩.

٤٠٨

فلا يستعقب ضماناً ؛ ولأصالة البراءة.

( وقال ) آخرون ، ومنهم ( الشيخ ) في المبسوط والخلاف (١) ، مدّعياً فيه عليه إجماع الأُمّة : إنّه ( يضمن ) وإن جاز وضعه ؛ لأنّه سبب الإتلاف وإن أُبيح السبب كالطبيب والبيطار والمؤدِّب ، وللنصوص وهي كثيرة ، وإن اختلفت في الدلالة ظهوراً وصراحةً ، ففي الصحاح المتقدمة ( ورواية ) (٢) النوفلي عن ( السكوني ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أخرج ميزاباً ، أو كنيفاً ، أو أوتد وتداً ، أو أوثق دابّة ، أو حفر شيئاً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن » (٣).

وللنظر في هذه الأدلّة مجال ؛ لعدم الدليل على الضمان بمطلق الإتلاف حتى ما أبيح سببه ، والطبيب والبيطار خارجان بالنص المعتمد عليه ، وليس في محل البحث ؛ لقصور دلالة الروايات الصحيحة ، وعدم صحة سند الرواية الأخيرة ، ولا جابر لها من شهرة أو غيرها سوى حكاية إجماع الأمّة ، وهي موهونة بلا شبهة ، سيّما مع مخالفة نحو المفيد بل الناقل نفسه أيضاً في النهاية ، حيث قال : فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه شي‌ء (٤). وهو ممّن قد ادّعى الإجماع في المبسوط على جواز نصب الميزاب.

وبالجملة : الخروج عن أصالة البراءة القطعية بهذه الأدلّة جرأة عظيمة ، ولكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة ، فهي محل تردّد ، كما هو‌

__________________

(١) المبسوط ٧ : ١٨٩ ، الخلاف ٥ : ٢٩١.

(٢) في المختصر المطبوع : وهو رواية.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥٠ / ٨ ، الفقيه ٤ : ١١٤ / ٣٩٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٥ أبواب موجبات الضمان ب ١١ ح ١.

(٤) النهاية : ٧٦١.

٤٠٩

ظاهر الفاضل في التحرير وشيخنا في المسالك والروضة وغيرهم (١) ، حيث اقتصروا على نقل القولين مع ذكر ثالث احتمالاً في الأوّل وقولاً لجماعة في الأخير ، وهو الحكم بالضمان مطلقاً إن كان الساقط الخارج منه عن الحائط ؛ لأنّ وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار ، كالروشن والساباط ، وبضمان النصف إن كان الساقط الجميع ؛ لحصول التلف بأمرين أحدهما غير مضمون ؛ لأنّ ما في الحائط منه بمنزلة أجزائه ، وهو لا يوجب ضماناً حيث لا تقصير في حفظها. وأصل هذا التفصيل من المبسوط (٢) ، وتبعه في القواعد وولده في شرحه وغيرهما (٣) مفتين به.

وكذا القول في الجناح والروشن لا يضمن ما يتلف بسببهما إلاّ مع التفريط ؛ لما ذكرنا.

واعلم أنّ هذا كلّه في الطرق النافذة ، أمّا المرفوعة فلا يجوز فعل ذلك فيها إلاّ بإذن أربابها أجمع ؛ لأنّها ملك لهم ، وإن كان الواضع أحدهم فبدون الإذن يضمن مطلقاً إلاّ القدر الداخل في ملكه ؛ لأنّه سائغ لا يتعقّبه ضمان.

( ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها ، ولم يضمن صاحب المدخول عليها ) بلا خلاف في الأخير مطلقا ؛ للأصل وما سيأتي من النص.

وأمّا الأوّل : فقد أطلقه الشيخ والقاضي (٤) أيضاً ، بل نسبه في‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٦٥ ، المسالك ٢ : ٤٩٦ ، الروضة ١٠ : ١٥٤ ، المهذّب البارع ٥ : ٢٨٨ ، ٢٨٩.

(٢) المبسوط ٧ : ١٨٨.

(٣) القواعد ٢ : ٣١٥ ، الإيضاح ٤ : ٦٦٥ ، كشف اللثام ٢ : ٤٨٧.

(٤) النهاية : ٧٦٢ ، المهذّب ٢ : ٤٩٧.

٤١٠

المسالك والروضة (١) بعد الشيخ إلى جماعة ؛ لإطلاق النص بذلك في قضاء علي عليه‌السلام في جناية ثور على حمار : « فقال : إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار قد دخل على الثور في مراحه فلا ضمان عليهم » (٢) ونحوه آخر في هذه الواقعة (٣) لكن مع اختلافات يسيرة.

وضعف سندهما يمنع عن العمل بهما ، مع مخالفة إطلاقهما الأصل والقاعدة ، وكونهما قضية في واقعة.

( والوجه ) وفاقاً للمتأخّرين كافّة ( اعتبار التفريط في ) جناية الدابّة ( الاولى ) فلو لم يفرّط في حفظها بأن انفلتت من الإصطبل الموثق ، أو حلّها غيره ، فلا ضمان عليه ؛ للأصل ، وعدم تقصير يوجب الضمان.

مضافاً إلى فحوى المرسل : « بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً عليه‌السلام إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو ، فمرّ برجل فنفحه (٤) برجله فقتله ، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي عليه‌السلام ، فأقام صاحب الفرس البيّنة عند عليّ عليه‌السلام أنّ فرسه أفلت من داره فنفح (٥) الرجل ، فأبطل علي عليه‌السلام دم صاحبهم » الحديث (٦).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٩٦ ، الروضة ١٠ : ١٥٩.

(٢) الكافي ٧ : ٣٥٢ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٩ / ٩٠١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٦ أبواب موجبات الضمان ب ١٩ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥٢ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٩ / ٩٠٢ ، إرشاد المفيد ١ : ١٩٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٦ أبواب موجبات الضمان ب ١٩ ح ٢.

(٤) في « ب » : فعجّه ، وفي غيرها من النسخ : فبعجه ، وما أثبتناه من المصادر هو الأنسب. النفح هو الضرب والرمي. النهاية الأثيرية ٥ : ٨٩.

(٥) في النسخ : وبعج ، وما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.

(٦) الكافي ٧ : ٣٥٢ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٨ / ٩٠٠ ، أمالي الصدوق : ٢٨٥ / ٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٧ أبواب موجبات الضمان ب ٢٠ ح ١.

٤١١

وضعف السند مجبور بما مر ، ويمكن تنزيل الخبرين على هذا ، وكذا كلام القائل بهما ، سيّما مع أنّه ذكر في النهاية ما يوافقه ، فقال : إذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه حبسه وحفظه ، فإن جنى قبل أن يعلم به لم يكن عليه شي‌ء ، فإن علم به وفرّط في حفظه كان ضامناً لجميع ما يصيبه من قتل نفس وغيرها (١) ، إلى آخر ما قال.

وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه ، بل بإطلاقه يشمل محل البحث ، فليس بمخالف لما عليه أصحابنا.

( ولو دخل ) أحد ( داراً ) لغيره ( فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم ، وإلاّ ) يدخلها بإذنهم ( فلا ضمان ) عليهم ، بغير خلاف ظاهر مستفاد من كثير من العبائر (٢) ، بل عن ظاهر المبسوط (٣) الإجماع عليه ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة ، وفيها القويّ وغيره.

وإطلاقها كالفتاوي يقتضي عدم الفرق في الكلب بين كونه حاضراً في الدار وعدمه ، ولا بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه.

ولو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممّن يجوز الدخول بإذنه اختصّ الضمان به ، وإلاّ فكما لو لم يأذن إن لم يتضمّن إذنه تغريراً للداخل ، وإلاّ فيضمن مع جهله بحال الآذن وأنّه ممّن لا يجوز الدخول بإذنه.

ولو اختلفا في الإذن قدّم المنكر ؛ للأصل.

( ويضمن راكب الدابّة ما تجنيه بيديها ) دون رجليها ( وكذا القائد )

__________________

(١) النهاية : ٧٦١.

(٢) مجمع الفائدة ١٤ : ٢٦٤ ، المفاتيح ٢ : ١١٦ ، كشف اللثام ٢ : ٤٨٨.

(٣) المبسوط ٨ : ٨٠.

٤١٢

لها يضمن ما تجنيه باليدين خاصّة ، هذا إذا سارا بها ( و ) أما ( لو وقف ) أحدهما ( بها ضمن ) كل منهما ( جنايتها ) مطلقا ( ولو برجليها ، وكذا لو ضربها ) أحدهما ( فجنت ) ضمنا جنايتها مطلقاً ( ولو ضربها غيرهما ضمن الضارب ) مطلقا ( وكذا السائق ) لها ( يضمن جنايتها ) مطلقا.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في الغنية وشرح الشرائع للصيمري (١) ، لكن في الجملة.

وهذا التفصيل وإن لم يستفد من رواية واحدة إلاّ أنّه مستفاد من الجمع بين المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيحين : عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابّته إنساناً برجلها؟ قال : « ليس عليه ما أصابته برجلها ، ولكن عليه ما أصابته بيدها ؛ لأنّ رجلها خلفه إن ركب ، فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن الله تعالى يدها يضعها حيث يشاء » (٢).

والتعليل ظاهر في أنّ الضمان حالة الركوب خاصّة ، وكذا هو مع قوله في القائد : « فإنّه يملك يدها » ظاهر في اختصاص ضمانه بما تجنيه بيديها خاصّة دون رجليها.

وأظهر منهما القوي : أنّه عليه‌السلام ضمّن القائد والسائق والراكب ، فقال : « ما أصاب الرِّجل فعلى السائق ، وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب » (٣).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، غاية المرام ٤ : ٤٣٦.

(٢) الأول : الكافي ٧ : ٣٥١ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١١٥ / ٣٩٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٥ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٤ / ١٠٧٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٧ أبواب موجبات الضمان ب ١٣ ح ٣.

الثاني : التهذيب ١٠ : ٢٢٦ / ٨٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٤ / ١٠٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٩ أبواب موجبات الضمان ب ١٣ ح ٩.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥٤ / ١٥ ، الفقيه ٤ : ١١٦ / ٤٠٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٥ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٤ / ١٠٧٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٨ أبواب موجبات الضمان ب ١٣ ح ٥.

٤١٣

وظاهره في السائق وإن كان اختصاص ضمانه بما تجنيه بالرجل خاصّة بقرينة المقابلة ، إلاّ أنّه محمول على إرادة بيان الفرق بينه وبين الأخيرين بعدم ضمانهما ما تجنيه بالرجل ، بخلافه فيضمنه أيضاً ، والشاهد عليه بعد فتوى الأصحاب التعليل المتقدم في الصحيحين للحكم بضمان ما تجنيه باليدين من كونهما قدّامه يضعهما حيث يشاء ، وهو جارٍ في الرجلين أيضاً بالنسبة إلى السائق جدّاً.

مضافاً إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بابن سنان على المشهور بالعمل : عن رجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها؟ قال : « ليس عليه ما أصابت برجلها ، وعليه ما أصابت بيدها ، وإذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها ، وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها » (١).

وفيه الدلالة على الضمان مع الوقوف بالدابة لما تجنيه مطلقا ، وعليه يحمل إطلاق ما مرّ ، مع ظهوره في حالة السير خاصّة.

وكذا يحمل عليه إطلاق ما دلّ على ضمان الراكب لما تجنيه ولو بالرجلين مطلقاً ، كالخبر : « أنّ عليّاً عليه‌السلام كان يضمن الراكب ما وطأت بيدها أو رجلها ، إلاّ أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها » (٢) بحمله على ما إذا ساقها خاصّة.

وفيه الدلالة على ضمان الضارب مطلقا ، مالكاً كان أو غيره ؛ للإطلاق‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٥١ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٥ / ٨٨٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٥ / ١٠٧٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٧ أبواب موجبات الضمان ب ١٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٢٦ / ٨٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٤ / ١٠٧٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٩ أبواب موجبات الضمان ب ١٣ ح ١٠.

٤١٤

مضافاً إلى الاعتبار ، والصحيح : عن الرجل ينفر بالرجل فيعقره وتعقر (١) دابّته رجلاً (٢) آخر؟ فقال : « هو ضامن لما كان من شي‌ء » (٣).

وفي آخر : « أيّما رجل فزع رجلاً عن الجدار أو نفر به دابة فخرّ فمات فهو ضامن لديته ، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه » (٤).

ونحوه في ذلك الموثق كالصحيح وغيره : في صاحب الدابة : أنّه « يضمن ما وطئت بيدها ورجلها ، وما نفحت (٥) برجلها فلا ضمان عليه إلاّ أن يضربها إنسان » (٦).

والمراد بضمان ما تجنيه بيدها ورجلها ما تجنيه بها أجمع ويكون الضمان باليدين خاصّة ، وإلاّ فلا معنى لقوله عليه‌السلام : « وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه ».

وقوله عليه‌السلام : « إلاّ أن يضربها » استثناء منقطع ، أو عن قوله سابقاً : « يضمن ما وطئت بيدها ورجلها ».

وينبغي تقييد الضرب بما إذا كان عبثاً كما في الرواية الأُولى ، وإلاّ فلو قصد الدفع لم يكن ضامناً قطعاً ؛ للأصل ، وخصوص الخبر : عن رجل كان راكباً على دابّة فغشي رجلاً ماشياً حتى كاد أن يوطئه ، فزجر الماشي الدابّة‌

__________________

(١) في النسخ : ويعقر ، وما أثبتناه من المصادر هو الأنسب.

(٢) في الكافي والوسائل : رجلٌ.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥١ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٥ / ٨٨٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٢ أبواب موجبات الضمان ب ١٥ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٥٣ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٧ / ٨٩٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٢ أبواب موجبات الضمان ب ١٥ ح ٢.

(٥) في النسخ : بعجت ، وما أثبتناه من الكافي والفقيه والوسائل هو الأنسب.

(٦) الكافي ٧ : ٣٥٣ / ١١ ، الفقيه ٤ : ١١٦ / ٤٠٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٤ / ٨٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٧ أبواب موجبات الضمان ب ١٣ ح ٤ ، وانظر الحديث ٧.

٤١٥

عنه فخرّ عنها فأصابه موت أو جرح؟ قال : « ليس الذي زجر ضامناً ، إنّما زجر عن نفسه » (١) ونحوه آخر (٢) ، هذا.

مضافاً إلى إطلاق النصوص بعدم الضمان بالدفاع أو فحواها.

ثم إنّ مقتضى التعليل لضمان ما تجنيه باليدين في الصحيحين ثبوته فيما تجنيه برأسها أيضاً ، بل مطلق مقاديم بدنها التي هي قدّام الراكب ، سيّما أعاليها ؛ لثبوت الحكم فيها ( مع ذلك ) (٣) بطريق أولى ، وعليه أكثر أصحابنا وفاقاً للمبسوط (٤) ، وعن الخلاف (٥) الاقتصار على اليدين ؛ جموداً فيما خالف الأصل على مورد النص ، ولأجله تردّد الماتن في الشرائع (٦) ، إلاّ أنّه اختار ما اخترناه ، قال : لتمكّنه من مراعاته. وهو حسن ، ومرجعه إلى ما ذكرنا.

واعلم أنّ هنا نصوصاً دالّة بإطلاقها على عدم الضمان بجناية الدابّة إمّا مطلقاً كما في القوي : « العجماء جبار » (٧) وغيره : « بهيمة الأنعام لا يغرم أهلها شيئاً » (٨) أو ما دامت مرسلة كما في المرسل (٩) ، فمع ضعف أسانيدها‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٧٦ / ٢٣٥ ، التهذيب ١٠ : ٢١٢ / ٨٣٩ ، الوسائل ٢٩ : ٥٨ أبواب قصاص النفس ب ٢١ ح ٣.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٢٣ / ٨٧٧ ، الوسائل ٢٩ : ٥٨ أبواب القصاص في النفس ب ٢١ ح ٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « س ».

(٤) المبسوط ٨ : ٨٠.

(٥) الخلاف ٥ : ٥١١.

(٦) الشرائع ٤ : ٢٥٧.

(٧) الكافي ٧ : ٣٧٧ / ٢٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٥ / ٨٨٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧١ أبواب موجبات الضمان ب ٣٢ ح ٢.

(٨) التهذيب ١٠ : ٢٢٥ / ٨٨٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٥ / ١٠٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧١ أبواب موجبات الضمان ب ٣٢ ح ٣.

(٩) الفقيه ٤ : ١١٦ / ٣٩٩.

٤١٦

محمولة على ما إذا فلتت عن صاحبها من غير تفريط منه في حفظها ، أو ما اعتيد إرسالها للرعي ، فإنّ المشهور عدم الضمان هنا ، كما ذكره الخال العلاّمة المجلسي (١) رحمه‌الله.

( ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان ) لما تجنيه بيديها ورأسها ، بلا خلاف ؛ لاشتراكهما في اليد والسببية ، إلاّ أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغر أو مرض فيختصّ الضمان بالآخر ؛ لأنّه المتولّي أمرها.

وفي الخبر : في دابة عليها ردفان فقتلت الدابة رجلاً أو جرحت ، فقضى في الغرامة بين الردفين بالسوية (٢).

قيل (٣) : وفيه تردّد ، ولكن الأصحاب قاطعون به ، هذا إذا كانا هما المتولّين لأمرها.

( و ) أمّا ( لو كان معها صاحبها ) مراعياً لها ( ضمن ) هو ( دون الراكب ) مطلقا ، ويأتي في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً.

( ولو ألقت الراكب لم يضمن المالك ) للأصل ( إلاّ أن يكون ) الإلقاء ( بتنفيره ) أي المالك ، فيضمن حينئذٍ ؛ للسببية ؛ مضافاً إلى ما مرّ من النصوص الصحيحة وغيرها بإيجاب الضرب ضمان الجناية.

ولو اجتمع للدابّة سائق وقائد ، أو أحدهما وراكب ، أو الثلاثة اشتركوا في ضمان مشترك مع الاشتراك في الحفظ والرعاية ، واختصّ السائق بجناية‌

__________________

(١) ملاذ الأخيار ١٦ : ٤٧٦.

(٢) الفقيه ٤ : ١١٦ / ٤٠١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٤ / ٩٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨١ أبواب موجبات الضمان ب ٤٣ ح ١.

(٣) قاله في كشف اللثام ٢ : ٤٨٩.

٤١٧

الرجلين ، وغير المشارك في الحفظ كالعدم.

( ولو أركب مملوكه دابّة ) (١) ( ضمن المولى ) جناية الدابّة بيديها ، بلا خلاف إذا كان صغيراً ؛ للصحيح الآتي وغيره : عن رجل حمل غلاماً يتيماً على فرس استأجره بأُجرة وذلك معيشة ذلك الغلام قد يعرف ذلك عصبته فأجراه في الحَلبة (٢) فنطح الفرس رجلاً فقتله ، على من ديته؟ قال : « على صاحب الفرس » قلت : أرأيت لو أنّ الفرس طرح الغلام فقتله؟ قال : « ليس على صاحب الفرس شي‌ء » (٣).

وكذا إذا كان كبيراً في ظاهر إطلاق المحكي عن الشيخ والقاضي والإسكافي (٤) ، بل الأكثر كما في التنقيح (٥) ، ونسبه في الروضة بعد الشيخ إلى جماعة (٦) ؛ لإطلاق الصحيح : في رجل حمل عبده على دابّته فوطئت رجلاً ، فقال :« الغرم على مولاه »(٧).

( ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك ) وهو الحلّي ، قال : لأنّه فرّط بركوبه له الدابّة ، وإن كان بالغاً عاقلاً فإن كانت الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كانت الجناية بقدر قيمته ، أو يفديه السيّد ، وإن كانت على الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك ، ولا يستسعى ،

__________________

(١) في المختصر المطبوع : دابّته.

(٢) وزان سَجدة : خيل تجمع للسباق من كلّ أوب. المصباح المنير : ١٤٦.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٢٣ / ٨٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٣ أبواب موجبات الضمان ب ١٦ ح ٢.

(٤) حكاه عنهم في المهذب البارع ٥ : ٢٩٢ ، وغاية المرام ٤ : ٤٣٦.

(٥) التنقيح ٤ : ٤٨٧.

(٦) انظر الروضة ١٠ : ١٥٩.

(٧) الكافي ٧ : ٣٥٣ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ١١٦ / ٣٩٨ ، قرب الاسناد : ١٦٥ / ٦٠٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٣ أبواب موجبات الضمان ب ١٦ ح ١.

٤١٨

ولا يلزم مولاه ذلك (١).

واستحسنه كثير من المتأخّرين (٢) وزادوا في الأخير أنّه يتعلّق برقبته يتبع به بعد عتقه ، وهو كذلك ؛ للأصل ؛ وعموم ما دلّ على جناية الراكب ، مع ضعف دلالة إطلاق الصحيح ، بل الظاهر اختصاصه بالصغير بشهادة السياق ولفظ الحمل والإركاب ، ونحوه جار في كلام الشيخ والأتباع.

واعلم أنّ في التنقيح (٣) نسب إلى الحلّي أنّه اشترط شيئين : ما مرّ ، وآخر وهو : وقوع الجناية على آدمي فقط.

وفيه نظر ، فإنّه اشترط الأخير في البالغ ، وأمّا الصغير فلم يذكر فيه إلاّ الصغر وبعده فأطلق.

( البحث الثالث : في تزاحم الموجبات )

اعلم أنه ( إذا اتفق ) اجتماع ( السبب والمباشر ) وتساويا في القوة ، أو كان المباشر أقوى ( ضمن المباشر ) اتفاقاً على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٤) ، وذلك ( ك‍ ) اجتماع ( الدافع مع الحافر ، والممسك مع الذابح ) فيضمن الدافع والذابح دون المجامع ، وقد مرّ من النصوص ما يدل على الأخير ، وفيه الحجة على أصل هذه القاعدة ، مضافاً إلى الاتفاق الذي عرفته ، هذا مع علم المباشر بالسبب.

( ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبِّب ) بكسر الباء الأُولى ، أي‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٧٢.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٤ : ٢٥٧ ، والعلاّمة في المختلف : ٨٠١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٩٧.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٤٨٧.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٤٨٩.

٤١٩

ذو السبب ( كمن غطّى بئراً ) (١) ( في غير ملكه فدفع غيره ثالثاً ) مع جهله بالحال ( فالضمان على الحافر ) بلا خلاف ظاهر إلاّ من الماتن هنا ، فقد حكم به ( على تردّد ) مع أنّه حكم به في الشرائع (٢) كباقي الأصحاب من غير تردّد ؛ لضعف المباشر هنا بالغرور ، وقد اشترط في تقديمه على السبب قوّته ، وهي مفقودة في المفروض.

مع أنّي لم أجد وجهاً لتقديم المباشر هنا إلاّ ما ذكره في التنقيح (٣) : من عموم : إذا اجتمع المباشر والسبب فالضمان على المباشر ، وهو كما ترى ؛ إذ لم أجد به نصّاً حتى يكون عمومه معتبراً ، وإنّما المستند فيه مجرّد الوفاق المعتضد بالاعتبار ، وهما كما عرفت مفقودان في المضمار.

( ومن ) هذا ( الباب واقعة الزبية ) بضم الزاء المعجمة ، وهي الحفرة التي تحفر للأسد ، وقضاء علي عليه‌السلام فيها مشهورة بين الخاصّة والعامّة ، لكن بكيفيات مختلفة.

( وصورتها : ) أنّه ( وقع ) فيها ( واحد فتعلّق بآخر والثاني بثالث وجذب الثالث رابعاً ) فوقعوا جميعاً ( فأكلهم الأسد ) و ( فيه ) أي فيما حكم به عليه‌السلام فيها ( روايتان ) من طرقنا مختلفتان ( إحداهما : رواية محمد ابن قيس ) الصحيحة إليه قطعاً ، وهو الثقة بقرينة ما قبله وما بعده ، وهو روايته ( عن أبي جعفر عليه‌السلام ) أنه ( قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الأوّل ) أنّه ( فريسة الأسد ) لا يلزم أحداً ( وأغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرّم الثالث لأهل الرابع ) كمال‌

__________________

(١) في المختصر المطبوع زيادة : حفرها.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٥٧.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٤٨٨.

٤٢٠