رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

تقدير تسليمه لا يعترض به الرواية الصريحة المعمول بها بين الطائفة.

( وفي الأُذنين ) إذا استؤصلا ( الدية ) كاملة ( وفي ) استئصال ( كل واحدة ) منهما ( نصف الدية ، وفي بعضها بحساب ديتها ) بأن يعتبر مساحة المجموع من أصل الاذن وينسب المقطوع إليه ويؤخذ له من الدية بنسبته إليه ، فإن كان المقطوع النصف فالنصف ، أو الثلث فالثلث ، وهكذا ، ويعتبر الشحمة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة.

والأصل في جميع ذلك مضافاً إلى الإجماع الظاهر ، المصرَّح به في الغنية (١) المعتبرة المستفيضة عموماً وخصوصاً ، فمن الأوّل ما مرّ في أنّ ما في الإنسان منه اثنان فالدية ، وفي أحدهما نصفها (٢).

ومن الثاني الصحيح : « وفي الأُذنين الدية ، وفي إحداهما نصف الدية » (٣).

ونحوه الصحيح الآخر (٤) ، لكن في إحداهما.

والموثقان : « وفي الاذن نصف الدية إذا قطعها من أصلها ، وإذا قطعها من طرفها ففيها قيمة عدل » (٥) وربما كان فيهما الدلالة على الأخير.

وأظهر منهما في ذلك ما في خبرين ، أحدهما في كتاب ظريف‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٢) راجع ص ٤٢٨.

(٣) الكافي ٧ : ٣١١ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٥ / ٩٧٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٤ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٤.

(٤) الكافي ٧ : ٣١٢ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٦ / ٩٧٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٥ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٥.

(٥) الكافي ٧ : ٣١٢ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٧ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٥ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٧ ، والآخر في : التهذيب ١٠ : ٢٤٦ / ٩٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٨ / ١٠٨٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٦ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ١٠.

٤٤١

المروي بعدّة طرق من قوله عليه‌السلام : « وما قطع منها فبحساب ذلك » (١).

( و ) لكن ( في شحمتها ثلث ديتها ) على الأشهر الأقوى ، بل لا أجد فيه خلافاً من أحدٍ صريحاً ، مع أنّ في الغنية وعن الخلاف (٢) أنّ عليه إجماعنا ، وهو الحجة.

مضافاً إلى بعض النصوص المنجبر ضعف سنده ولو من وجوه بالشهرة : « أنّ عليّاً عليه‌السلام قضى في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن » (٣).

( وفي خرم الشحمة ) وشقها ( ثلث ديتها ) أي الشحمة على الظاهر ، المصرّح به في كلام الحلّي (٤) ، أو الاذن كما تميل إليه جماعة (٥) ، وبه صرح ابن حمزة (٦) ، ولا خلاف في أصل الحكم أجده هنا أيضاً ، بل عن الخلاف (٧) أنّ عليه إجماعنا ، وهو الحجة.

مضافاً إلى ما في كتاب ظريف السابق ذكره من قوله عليه‌السلام : « وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية ذلك العضو الذي هي فيه » (٨).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣٣ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٥ / ١١٤٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٦ أبواب ديات الأعضاء ب ٧ ح ١ ، والآخر في : مجمع الفائدة ١٤ : ٣٦٨ ، وكشف اللثام ٢ : ٥٠٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، الخلاف ٥ : ٢٣٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٣٣ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٦ / ١٠١٣ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٧ أبواب ديات الأعضاء ب ٧ ح ٢.

(٤) السرائر ٣ : ٣٨٢.

(٥) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٢٠٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٠٠.

(٦) الوسيلة : ٤٤٦.

(٧) الخلاف ٥ : ٢٣٤.

(٨) الكافي ٧ : ٣٣٥ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ٦٠ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٠١ أبواب ديات الأعضاء ب ١١ ح ١.

٤٤٢

وقريب منه الخبر : « في كل فتق ثلث الدية » (١) وأصل الفتق الشقّ ، وضعف السند منجبر بالعمل.

مضافاً إلى التأيّد بورود مثله في خرم الأنف ، ففي الخبر : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف » (٢).

فالعجب من شيخنا في المسالك والروضة كيف نفى المستند للحكم في المسألة فقال بعد نقله عن الحلّي تفسير العبارة بما عرفته ما لفظه : مع احتمال إرادة الاذن أو ما هو أعم ، ولا مستند لذلك يرجع إليه (٣) ، انتهى.

واعلم أنّ ظاهره كالماتن في الشرائع (٤) عدم قبول تفسير الحلّي ، وبه صرّح الفاضل في المختلف ، فقال : إنّه تأويل بلا دليل ، ومخالف لظاهر كلام الشيخ (٥). لكن ظاهر الماتن هنا والمحكي عن الجامع (٦) المصير إلى ما عليه الحلّي ، وهو الأجود ؛ لإجمال العبارات والنصوص المتقدمة ، وعدم ظهور يعتدّ به في شي‌ء منها ، فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها ، وهو ما صرنا إليه ، ويدفع الزائد بالأصل.

مضافاً إلى التأيّد بأنّ مع اعتباره لم يبق فرق بين قطع الشحمة وخرمها‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٢ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٨ / ٩٧٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٧ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٢ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٣١ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٦ / ١٠١٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٣ أبواب ديات الأعضاء ب ٤ ح ٢.

(٣) المسالك ٢ : ٥٠١ ، الروضة ١٠ : ٢٠٦.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٦٣.

(٥) المختلف : ٨٠٤.

(٦) الجامع للشرائع : ٥٩٣.

٤٤٣

في مقدار الدية أصلاً ، وهو مستبعد جدّاً ، وبهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلاّ ما صرّح فيه بثلث دية الاذن.

ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص والفتاوي يقتضي عدم الفرق في الخرم الموجب لثلث الدية بين الملتئم منه وغيره ، وعن ابن حمزة (١) التخصيص بالثاني ، وقال في الأوّل بالحكومة ، وهو ظاهر رواية ظريف المتقدمة ، وربما يعضده الاستقراء لما مرّ في الشعر ونحوه ، ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه.

( وفي ) استئصال ( الشفتين الدية ) بالإجماع الظاهر ، المستفيض النقل (٢) ، المعتضد بالعمومات المتقدمة في الأُذنين ، وخصوص النصوص المستفيضة (٣) ، وفيها الصحيح وغيره.

( و ) لكن ( في تقدير دية كل واحدة ) منهما ( خلاف ) فـ ( قال ) الشيخ ( في المبسوط ) (٤) ( في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، واختاره المفيد ) في المقنعة وجماعة كالمراسم والكافي والجامع والإصباح (٥) على ما حكي عنهم ، وهو خيرة الغنية (٦) مدّعياً في ظاهر كلامه كالمبسوط إجماع الإمامية ، قال المفيد : لأنّها تمسك الطعام والشراب ، وشينها أقبح من شين‌

__________________

(١) الوسيلة : ٤٤٦.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٦٣ ، القواعد ٢ : ٣٢٥ ، التحرير ٢ : ٢٧٢ ، المهذّب البارع ٥ : ٣١٨ ، كشف اللثام ٢ : ٥٠٠.

(٣) الوسائل ٢٩ : ٢٨٣ أبواب ديات الأعضاء ب ١.

(٤) المبسوط ٧ : ١٣٢.

(٥) المقنعة : ٧٥٥ ، المراسم : ٢٤٤ ، الكافي : ٣٩٨ ، انظر الجامع للشرائع : ٥٩٠ ، ٦١٣ ، ٦١٤ ، إصباح الشيعة ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩٣ ، وحكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٥٠٠.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

٤٤٤

العليا ، وبهذا ثبتت الآثار عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام.

والإجماع معارض بمثله كما يأتي.

والتعليل لا يفيد سوى التفضيل (١) في السفلى ونحن نقول به كما ستدري ، ولكنّه لا يعيّن الثلثين كما يقولون ، فيحتمل الثلاثة أخماس كما في القول الآتي.

والآثار مرسلة لم نقف عليها ، مع أنّ الموجود منها على خلافها ، إلاّ ما في كتاب ظريف (٢) الذي وصل إلينا ، وهو وإن تضمّن الثلثين في السفلى لكنّه صرّح بالنصف في العليا ، ولم يقولوا به ، فهو وإن وافق من جهة لكن خالف من اخرى ، مع أنّ المحكي عنه أيضاً المخالفة مطلقا كما ستعرفها.

( وقال في الخلاف (٣) : في العليا أربعمائة دينار ، وفي السفلى ستمائة ، وكذا ) قال ( في النهاية ) وكتابي الحديث (٤) ، وحكي عن المقنع والهداية والمهذّب والوسيلة والصهرشتي والطبرسي واختاره في المختلف (٥).

( وبه رواية ) أبي جميلة ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في السفلى ستّة آلاف ، وفي العليا أربعة آلاف ، لأنّ السفلى يمسك‌

__________________

(١) في النسخ : التفصيل ، والأنسب ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٧ : ٣٣١ باب الشفتين ، التهذيب ١٠ : ٢٩٥ / ١١٤٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٤ أبواب ديات الأعضاء ب ٥ ح ١.

(٣) الخلاف ٥ : ٢٣٨.

(٤) النهاية : ٧٦٦ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٦.

(٥) حكاه عنهم في غاية المراد ٤ : ٥٣١ ، وهو في المقنع : ١٨٠ ، الهداية : ٧٧ ، المهذّب ولم نعثر عليه في المهذب ، الوسيلة : ٤٤٣ ، الصهرشتي انظر الإصباح ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩٣ ، الطبرسي في المؤتلف من المختلف ٢ : ٣٤١ ، المختلف : ٨٠٤.

٤٤٥

الماء » (١).

و ( فيها ) كما ترى ( ضعف ) بأبي جميلة ، وإن روى عنه الحسن بن محبوب المحكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (٢) ، وحكى الماتن مضمونها عن كتاب ظريف أيضاً (٣) ؛ لعدم بلوغها بالأوّل درجة الاعتبار والصحة ، وضعف الحكاية بمخالفتها لما يروى عن ذلك الكتاب في الكتب المشهورة ممّا ستعرفه.

نعم عن الخلاف (٤) دعوى الإجماع ، لكنّه بعد الإغماض عن وهنه في نحو المضمار معارض بالمثل ، بل وأجود ؛ للتعدّد ، كما مضى.

( وقال ) الإسكافي و ( ابن بابويه ) (٥) على ما حكاه الماتن : ( في العليا نصف الدية ، وفي السفلى الثلثان ) لما في كتاب ظريف المروي (٦) في الكتب المشهورة بعدّة طرق معتبرة كما عرفته ، لكن ندرة القول به ومتروكيته كما في الشرائع وشرحه للصيمري (٧) ، وعدم مقاومته لما سبق من الأدلّة وما يأتي يضعِّف العمل به ، سيّما مع مخالفته للأدلّة فتوًى ونصّاً على أنّ في الشفتين الدية لا زائداً ، إلاّ أن يخصّ ذلك بصورة الجناية عليهما معاً لا منفرداً.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٢ / ٥ ، الفقيه ٤ : ٩٩ / ٣٣٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٦ / ٩٧٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٤ أبواب ديات الأعضاء ب ٥ ح ٢.

(٢) راجع رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٦٤.

(٤) الخلاف ٥ : ٢٣٩.

(٥) حكاه عنهما في المختلف : ٨٠٤.

(٦) الكافي ٧ : ٣٣١ باب الشفتين ، التهذيب ١٠ : ٢٩٥ / ١١٤٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٤ أبواب ديات الأعضاء ب ٥ ح ١.

(٧) الشرائع ٤ : ٢٦٤ ، غاية المرام ٤ : ٤٤٩.

٤٤٦

( وقال ابن أبي عقيل : ) إنّ ( في كل واحدة نصف الدية ) لا يفضل إحداهما على الأُخرى بزيادة (١) ( وهو قوي ) متين ؛ لعموم الأدلّة على أنّ : ما كان اثنين ففي كل منهما نصف الدية ، وخصوص الموثق : « الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية » (٢).

وحمله على التساوي في وجوب الدية لا قدرها بعيد.

وإليه ذهب الفاضلان هنا وفي الشرائع والتحرير والإرشاد والقواعد ، والشهيدان في اللمعتين ، والفاضل المقداد في الشرح (٣) ، وغيرهم من المتأخرين (٤).

ولكن في النفس منه شي‌ء ؛ لندرة القول به بين القدماء ، بل كاد أن يكون خلاف المجمع عليه بينهم ، كما نصّ عليه الحلّي ، فقال بعد تقويته هذا القول ـ : إلاّ أن يكون على خلافه إجماع ، ولا شك أنّ الإجماع منعقد على تفضيل السفلى ، والاتفاق حاصل على الستمائة دينار ، والأصل براءة الذمة ممّا زاد عليه ، قال : وبهذا القول الأخير أعمل وأُفتي ، وهو قول شيخنا في الاستبصار (٥).

ويعني القول بالأربعمائة والستمائة ، وقد كان اختار أوّلاً القول الأوّل ، ولنعم ما استدرك.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٨٠٤.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٤٦ / ٩٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٨ / ١٠٨٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٦ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ١٠.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٦٤ ، التحرير ٢ : ٢٧٢ ، الإرشاد ٢ : ٢٣٧ ، القواعد ٢ : ٣٢٥ ، اللمعة والروضة البهية ١٠ : ٢٠٩ ، التنقيح ٤ : ٤٩٨.

(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ٥٠٠ ، المفاتيح ٢ : ١٤٨.

(٥) السرائر ٣ : ٣٨٣.

٤٤٧

وبه يضعّف قول من تأخّر ، سيّما مع دعاوي الإجماعات المتقدّمة ، وورود الروايات العديدة على خلافه.

ولكن ما حقّقه في اختيار ما في الاستبصار ضعيف ؛ فإنّ حاصله الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد على الستمائة ، وهو جارٍ في الزائد عن الثلث في العليا أيضاً ، فهو وإن أبرأ ذمّة إلاّ أنّه شغل اخرى ، والتمسك به مشروط بأن لا يلزم منه ثبوت تكليف ولو من وجه آخر ، ولو لزم لم يجز قطعاً.

ولو تمسك به في العليا أيضاً لزم خرق الإجماع جدّاً ؛ لعدم قائل بالثلث في العليا وثلاثة أخماس في السفلى كما يقتضيه الأصل فيهما ، بل كلّ من قال بالأوّل في الأُولى قال بضعفِه في الثانية ، وكلّ من قال بالثلاثة أخماس فيها قال بالخُمسَين في الاولى ، مع أنّ هذا خيرة الإستبصار (١) الذي اختاره لا ما سبقه ، فالتمسك لإثباته بأصالة البراءة ضعيف في الغاية.

ومن جميع ما مرّ ظهر أنّ المسألة محل تردّد وشبهة ، لكن الذي يقتضيه النظر ضعف الأخيرين جدّاً ، ويبقى الكلام في تعيين أحد الأوّلين وترجيحه على الآخر ، ولا مرجّح يظهر ، فليؤخذ بما هو الأحوط ، وهو الأخذ بالمتيقن من الثلث في العليا والثلاثة أخماس في السفلى ، ويرجع في الزائد في المقامين إلى الصلح.

( و ) على الأقوال ( في ) (٢) ( بعضها ) يؤخذ له ( بحساب ديتها ) كما سبق في نظائرها.

( وفي ) استئصال ( اللسان الصحيح الدية كاملةً ) إجماعاً ؛ لما مرّ‌

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ٢٨٨.

(٢) في المختصر المطبوع زيادة : قطع.

٤٤٨

من النصوص في أنّ ما في الإنسان منه واحد فيه الدية (١).

مضافاً إلى خصوص المعتبرة ، وفيها الموثق وغيره (٢) : « في اللّسان إذا استؤصل الدية كاملة ».

وكذا في إذهاب النطق جملة ولو بقي اللسان بحاله ، بلا خلاف فيه وفي أنّه إذا ذهب بعضه قسّمت الدية على الحروف وأُعطي بقدر الفائتة ، لا إشكال فيه ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة : في رجل ضرب رجلاً في رأسه فثقل لسانه ، أنّه « يعرض عليه حروف المعجم كلّها ، ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها » (٣).

( ولو قطع بعضه ) أي بعض اللسان ( اعتبر بحروف المعجم ) أيضاً دون مساحته عند أكثر الأصحاب على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جماعة (٤) ، وحجتهم غير واضحة ؛ لاختصاص المستفيضة المتقدمة بالجناية على المنفعة دون الجارحة التي هي مفروض المسألة.

نعم في الموثق : رجل طرف لغلام طرفة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم يفصح ببعض ، قال : « يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية ، وما لم يفصح به أُلزم الدية » قال : قلت : فكيف هو؟ قال : « على‌

__________________

(١) راجع ص ٤٢٨.

(٢) الكافي ٧ : ٣١٢ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٧ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٥ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٧.

وغيره : التهذيب ١٠ : ٢٩٦ / ١١٤٨ ، الفقيه ٤ : ٥٥ / ١٩٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٤ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٩ : ٣٥٨ أبواب ديات المنافع ب ٢ ح ١.

(٤) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٣٧٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٠١.

٤٤٩

حساب الجمل : ألف ديتها واحد ، والباء ديتها اثنان ، والجيم ثلاثة ، والدال أربعة ، والهاء خمسة ، والواو ستة ، والزاي سبعة ، والحاء ثمانية ، والطاء تسعة ، والياء عشرة ، والكاف عشرون ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والنون خمسون ، والسين ستّون ، والعين سبعون ، والفاء ثمانون ، والصاد تسعون ، والقاف مائة ، والراء مائتان ، والشين ثلاثمائة ، والتاء أربعمائة ، وكل حرف يزيد بعد هذا من : أ ، بـ ، ت ، ث ، زدت له مائة درهم » (١).

وهو ظاهر فيما ذكروه ؛ لقوله : فقطع بعض لسانه ، وبه صرّح بعض الأصحاب ، بل قال : إنّه نصّ (٢) فيه.

ومنه يظهر ما في اعتراض المولى الأردبيلي رحمه‌الله على الأصحاب بعدم الدليل ، قال : فإنّ الدليل على ما سمعت وأشار به إلى الأخبار المتقدمة إنّما دلّ على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب من الجرم شي‌ء ؛ إذ ما كان في الدليل ما يشمل على قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف ، وأنّه قد يسقط من اللسان ولا يحصل قصور في صدور الحروف ، فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما إذا كان فيها فقط ، وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه فقط (٣) ، إلى آخر ما ذكره رحمه‌الله.

ولعلّه غفل عن دلالة هذه الموثقة ، أو حمل قطع بعض اللسان في قوله : فقطع ، على قطع بعض النطق والكلام ؛ لإطلاق اللسان عليه كثيراً ،

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٦٣ / ١٠٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٩٣ / ١١٠٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٠ أبواب ديات المنافع ب ٢ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٥٠١.

(٣) مجمع الفائدة ١٤ : ٣٧٧.

٤٥٠

وهو وإن كان مجازاً إلاّ أنّ القرينة قائمة عليه فيها ، وهي عطف « قطع » على طرف ، والطرف في الأصل الضرب على طرف العين ، ثم نقل إلى الضرب على الرأس ، كما في النهاية الأثيرية (١) ، وظاهر أنّ الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي ، بل المجازي ، وعلى هذا يكون سبيل هذه الرواية سبيل المستفيضة في اختصاصها بجناية المنفعة ، لا الجارحة.

مضافاً إلى منافاة ما فيها من بسط الدية بحسب حروف الجمل لما عليه الأصحاب كافّة فيما أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٢) من بسطها على حروف المعجم بالسوية ، كما هو ظاهر المستفيضة ، بل صريح بعضها ، وهو قوية السكوني : « اتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي بعض كلامه ، فجعل ديته على حروف المعجم كلّها ، ثم قال : تكلّم بالمعجم ، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك ، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً ، فجعل ثمانية وعشرين جزءاً ، فما نقص من ذلك فبحساب ذلك (٣).

فالأصحّ ما ذكره من عدم دليل بذلك من نصّ ولا رواية.

والذي يقتضيه النظر ويعضده الأُصول وجوب دية للذّاهب من جرم اللّسان بالمساحة ، وأُخرى للذّاهب من الحروف بالنسبة ، ويحتمله ما عن الحلبي والإصباح وفي الغنية (٤) : من أنّه إذا قطع بعض اللسان ففيه بحساب‌

__________________

(١) النهاية الأثيرية ٣ : ١٢١.

(٢) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٠١ ، وفيه : إلا المفيد في بعض نسخ المقنعة.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٦٣ / ١٠٤٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٩٣ / ١١٠٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٠ أبواب ديات المنافع ب ٢ ح ٦.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٩٧ ، الإصباح ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

٤٥١

الواجب في جميعه ويقاس بالميل ، وإذا ذهب بعض اللسان يعنون الكلام اعتبر بحروف المعجم.

لكن يحتمل إرادتهم بذلك الاعتبار بالمساحة إن لم يذهب من الكلام شي‌ء ، أو ذهب منه أقلّ من مساحة اللسان بالنسبة إلى الدية ، كأن ذهب منه ربعه ومن اللسان نصفه ، فيؤخذ من الدية بنسبته دون الكلام.

والاحتمال الأوّل أوفق بالأُصول ، لكن القائل به من الأصحاب غير معلوم ؛ لإطباقهم ظاهراً على تداخل الديتين مطلقا ، حتى لو تفاوت نسبة كل منهما إلى الدية الكاملة ، بأن كان إحداهما بالربع والأُخرى بالنصف ، أو بالعكس.

لكن اختلفوا في أخذ الزيادة عن القدر المتداخل فيه مطلقاً ، كما عليه المبسوط (١) نافياً الخلاف عنه ، وحكى في المختلف عن الحلبي أيضاً (٢) ، أو إذا كانت الزيادة للمنفعة خاصّة ، ولو انعكس فلا زيادة ، كما عليه الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع (٣) ، بناءً منهم على أنّه لا اعتبار بقدر المقطوع هنا ، ودليلهم غير واضح عدا ما قيل (٤) : من إطلاق ما مرّ من المستفيضة. وفيه ما عرفته.

فإذاً الأجود القول الأوّل ؛ أخذاً بالأصل الدالّ على لزوم ديتي الجارحة والمنفعة وأبعاضهما بالنسبة ، خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهة الإجماع ، والأولوية المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتفاقاً ،

__________________

(١) المبسوط ٧ : ١٣٤.

(٢) المختلف : ٨٠٥.

(٣) منه ابن فهد في المهذب البارع ٥ : ٣٢٣ والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٣٧٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٠١.

(٤) قاله الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٢١٣.

٤٥٢

فتوًى ورواية ، ففي البعض أولى ، فتأمّل جدّاً ، ويبقى الزائد عنه مندرجاً تحته ؛ مضافاً إلى التأيّد بنقل عدم الخلاف المتقدم.

وقد اختار هذا القول من محقّقي المتأخّرين جماعة ، ومنهم الفاضل في المختلف والتحرير والقواعد ، وشيخنا في المسالك والروضة (١) ، وغيرهم (٢).

( وهي ) أي الحروف ( ثمانية وعشرون حرفاً ) في المشهور بين الفقهاء ، وبه نصّت القوية المتقدمة (٣) ، ونحوه رواية أُخرى صحيحة (٤) وثالثة عن مولانا الرضا عليه‌السلام مروية (٥) ، وقصور السند فيها وفي الاولى مجبور بالشهرة بين الفقهاء.

( و ) لكن ( في رواية ) أُخرى صحيحة (٦) أنّها ( تسعة وعشرون حرفاً ، وهي ) مع أنّها معارضة بمثلها لراويها أيضاً ، وزيادةً عليه عرفتها ( مطرحة ) لم أجد بها عاملاً عدا يحيى بن سعيد فيما يحكى عنه (٧) ، وهو شاذّ ، بل على خلافه في ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع وغيره (٨) الإجماع‌

__________________

(١) المختلف : ٨٠٥ ، التحرير ٢ : ٢٧٠ ، القواعد ٢ : ٣٢٥ ، المسالك ٢ : ٥٠١ ، الروضة ١٠ : ٢١٥.

(٢) انظر المفاتيح ٢ : ١٤٩.

(٣) في ص ٤٤٩.

(٤) الفقيه ٤ : ٨٣ / ٢٦٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥٨ أبواب ديات المنافع ب ٢ ذيل الحديث ٢.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣١٨ ، المستدرك ١٨ : ٣٩٢ أبواب ديات المنافع ب ٢ ح ٣.

(٦) التهذيب ١٠ : ٢٦٣ / ١٠٤٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٩٢ / ١١٠٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥٩ أبواب ديات المنافع ب ٢ ح ٥.

(٧) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٥٠١ ، وهو في الجامع للشرائع : ٥٩١.

(٨) الشرائع ٤ : ٢٦٤ ، المقتصر : ٤٥١.

٤٥٣

من العلماء ، بل من اللغة والعرف أيضاً كما في المسالك وغيره (١) ، لكن قيل : إنّه المشهور عند أهل العربية (٢) ، وعن الكشّاف في تفسير أوّل سورة البقرة أنّ حروف المعجم تسعة وعشرون واسمها ثمانية وعشرون (٣).

وكيف كان فالمذهب هو الأوّل ؛ لما مرّ ، مع ضعف المعارض ، وعدم تعرضه لبيان الزائد ما هو؟ وإن قيل : الظاهر أنّه فرّق بين الهمزة والألف (٤).

( وفي ) استئصال ( لسان الأخرس ثلث الدية ) بلا خلاف أجده ، بل عليه في ظاهر المبسوط والسرائر وصريح الخلاف والغنية (٥) إجماع الإمامية ، وفيه الحجة.

مضافاً إلى الصحيح : « في لسان الأخرس وعين الأعمى ثلث الدية » (٦).

ولا فرق بين كون الخرس خلقيّاً أو عرضيا ؛ لإطلاق النص والفتوى ، ولكن مرّ في بعض الصحاح (٧) ما يفيد تقييده بالثاني ، ولزوم تمام الدية في الأوّل ، ولم أَرَ به عاملاً ، فيكون على الظاهر شاذّاً.

( وفي ) قطع ( بعضه بحساب ديته ) بمساحته ، كما سبق في‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥٠١ ، المفاتيح ٢ : ١٤٩.

(٢) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٠١.

(٣) انظر الكشاف ١ : ٢٩.

(٤) المفاتيح ٢ : ١٤٩.

(٥) المبسوط ٧ : ١٣٥ ، السرائر ٣ : ٣٨٥ ، الخلاف ٥ : ٢٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٦) الكافي ٧ : ٣١٨ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٩٨ / ٣٢٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٠ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٦ أبواب ديات الأعضاء ب ٣١ ح ١.

(٧) الفقيه ٤ : ١١١ / ٣٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٦ أبواب ديات الأعضاء ب ٣١ ذيل الحديث ٢.

٤٥٤

نظائره.

( ولو ادّعى ) المجني عليه ( ذهاب نطقه ) بالجناية ( ففي رواية : « يضرب لسانه بالإبرة ، فإن خرج الدم ) أحمر فقد كذب ، وإن خرج ( أسود ) فقد ( صدق ) » ) وقد عمل بها الحلبي وابنا زهرة وحمزة والشيخ في الخلاف (٢) مدّعياً عليه الوفاق.

فإن تمّ إجماعاً أو شهرة جابرة ، وإلاّ فالسند ضعيف بجماعة ، ولذا أعرض عنها المتأخّرون ، وقالوا بالتصديق بالقسامة خمسين يميناً بالإشارة أو ستّة على الخلاف المتقدم إليه الإشارة (٣) ؛ لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك ، وحصول الظن المستند إلى الأمارة بصدقه وهي الجناية ، فيكون لوثاً تثبت به القسامة ؛ لما تقدم في بحثها من الأدلّة ، وحكي القول بهذا أيضاً عن النهاية (٤).

وظاهر الماتن التوقّف في الحكم ، مع أنّه في الشرائع (٥) حكم بالقسامة ، ولعلّه نشأ من ضعفها كما عرفته ، ومن قوّة احتمال انجبارها بفتوى هؤلاء القدماء ، وسيّما ابن زهرة الذي لا يعمل بالآحاد المجرّدة عن القرائن القطعية ، مع احتمال عبارته دعوى الإجماع عليه كالشيخ ، ومع ذلك الرواية مروية في الكتب الثلاثة ، مع قوة احتمال فتوى الصدوق والكليني‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٢٣ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١١ / ٣٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٨ / ١٠٥٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٣ أبواب ديات المنافع ب ٤ ح ١.

(٢) الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٩٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٤٩ ، الخلاف ٥ : ٢٤٠.

(٣) راجع ص ٢٩٢.

(٤) النهاية : ٧٦٧.

(٥) الشرائع ٤ : ٢٤٨.

٤٥٥

بها ، ولا سيّما الأوّل ، فتأمّل جدّاً.

( وفي الأسنان ) بفتح الهمزة لو كسرت فذهبت أجمع ( الدية ) كاملاً ، بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (١) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٢) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى المعتبرة الآتية.

( وهي ) أي الأسنان المقسوم عليها الدية ( ثمانية وعشرون ) سنّاً توزّع عليها متفاوتة كما يذكر ( منها المقاديم اثنا عشر ) الثنيّتان وهما وسطها ، والرباعيتان خلفهما ، والنابان وراءها ، كلّها من أعلى ، ومثلها من أسفل ، وفيها ستّمائة دينار موزّعة عليها بالسوية ( في كل واحد خمسون ديناراً ، والمآخير ستّة عشر ) أربعة من كل جانب من الجوانب الأربعة ضاحك وأضراس ثلاثة ، وفيها أربعمائة دينار موزّعة عليها بالسوية ( في كل واحد خمسة وعشرون ) ديناراً.

والأصل في هذا التفصيل رواية حكم بن عتيبة (٣) أنّه قال لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ بعض الناس في فيه اثنتان وثلاثون سنّاً ، وبعضهم له ثمان وعشرون سنّاً ، فعلى كم تقسم دية الإنسان؟ فقال : « الخلقة إنّما هي ثمان وعشرون سنّاً اثنتا عشرة في مقاديم الفم وست عشرة سنّاً في مآخيره ، فعلى هذا قسّمت دية الأسنان ، فدية كل سنّ من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم ، وهي اثنتا عشرة سنّاً ، فديتها كلّها ستة آلاف درهم ، وفي كل سنّ من المآخير مائتان وخمسون درهماً ، وهي ست عشرة‌

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ٢٤٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥٠٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٣٨٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٠٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٣) في « ب » : عيينة.

٤٥٦

سنّاً ، فديتها أربعة آلاف درهم ، فجميع دية المقاديم والمآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم ، وإنّما وضعت الدية على هذا ، فما زاد على ثمان وعشرين سنّاً فلا دية له ، وما نقص فلا دية له ، هكذا وجدناه في كتاب علي عليه‌السلام » (١).

وضعف سندها منجبر بفتوى أصحابنا كافّة على الظاهر ، المصرَّح به في المسالك وغيره (٢) ، بل الإجماع كما في ظاهر الغنية وغيره (٣) ، وهو حجة أُخرى في المسألة.

مضافاً إلى المرسلة المروية في الفقيه قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام .. (٤) ‌وذكر مضمون الرواية.

فلا إشكال في المسألة ، وإن ورد فيها نصوص مستفيضة (٥) ، فيها الصحيح وغيره ظاهرة المخالفة من حيث الدلالة على التسوية بين الأسنان كلّها في [ نصف (٦) ] عشر الدية ؛ لشذوذها على إطلاقها ، واحتمالها لذلك الحمل على المقاديم خاصّة ، سيّما مع كونها أقرب إلى التلف بالجناية ، مع أنّه لو لم تحمل عليها لكانت الدية تزيد على الدية الكاملة ، ولا يبعد أيضاً حملها على التقية كما ذكره خالي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله قال : لاتفاق العامّة على أنّ في كل سنّ خمساً من الإبل ، وأنّه لا فرق بين المقاديم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٢٩ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٠٤ / ٣٥١ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٤ / ١٠٠٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٨ / ١٠٨٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٤٣ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٨ ح ٢.

(٢) المسالك ٢ : ٥٠٢ ، المفاتيح ٢ : ١٥٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، وانظر الخلاف ٥ : ٢٤٣.

(٤) الفقيه ٤ : ١٠٣ / ٣٤٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣٤٢ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٨ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٩ : ٣٤٢ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٨.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

٤٥٧

والمآخير (١).

وأمّا القوي : « الأسنان إحدى وثلاثون ثغرة وفي كل ثغرة ثلاثة أبعرة وخُمس بعير » (٢). فقد حمله الشيخ على التقية ، قال : لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة ، ولسنا نعمل به.

( ولا دية للزائدة ) عن العدد المذكور ( لو قلعت منضمّة ) إلى العضو المقدّر ديته المشتمل على غيره ؛ للأصل والرواية المتقدمة المعتضدين بثبوت الحكم في نظير المسألة ، كالإصبع الزائدة لو قطعت مع الكفّ جملة ، مع أنّه لا خلاف فيه أجده إلاّ من إطلاق ما في الغنية وعن المقنعة والكافي والإصباح ونكت النهاية (٣) من أنّ فيها حكومة من دون تفصيل بين قطعها منضمّة أو منفردة ، ولكن الأصحاب لم يحكوا عنهم الخلاف هنا ، بل حكوه عنهم في الثانية ، ولعلّهم فهموا ما يفيد اختصاص كلامهم بها ( فيكون الحكم هنا وفاقيّاً لكن الفاضل في المختلف (٤) حكم بالأرش في المقامين مستدلاًّ بأنّ فيه ألماً ونقصاً في خلقته ، وهذا يتمّ في القلع منفرداً لا منضمّاً ) (٥).

وكيف كان لا إشكال في عدم شي‌ء فيها هنا ( و ) إنّما الإشكال في أنّه هل ( لها ثلث دية الأصل ) الذي يجنيه كما عن الوسيلة والتحرير (٦) ،

__________________

(١) ملاذ الأخيار ١٦ : ٥٤٧.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٦٠ / ١٠٢٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٩٠ / ١٠٩٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٤٤ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٨ ح ٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، المقنعة : ١١٩ ، الكافي في الفقه : ٣٩٨ ، الإصباح ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩٣ ، نكت النهاية ٣ : ٤٣٦.

(٤) المختلف : ٨٠٥.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ب » و « س ».

(٦) الوسيلة : ٤٤٨ ، التحرير ٢ : ٢٧٤.

٤٥٨

فيكون لها ثلث دية المقاديم إن كان بينها ، وثلث دية المآخير إن كان كذلك ، وإن كانت فيما بينهما فالأقلّ ؛ للأصل ( لو قلعت منفردة ) عنه ، أم يثبت فيها الحكومة فينظر فيما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه لو كان عبداً ، ويعطى بحساب دية الحرّ منه ، كما في كلام هؤلاء الجماعة ، وقوّاه الحلّي ، قال : وبه أخبار كثيرة معتمدة (١). واعترضه الماتن فيما حكي عنه بأنّا لا ندري قوّته من أين عرفها؟ ولا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها؟ ولا الكثرة من أين حصّلها؟ ونحن مطالبوه بدعواه (٢).

أقول : ولعلّه لذا اختار الأكثر كما في المسالك والروضة وغيرهما (٣) الأوّل ، وفاقاً للفقيه والنهاية والسرائر والجامع (٤) ، وعن الخلاف (٥) دعوى الإجماع عليه ، فإن تمّ كان هو الحجة ، لا ما ذكره من فساد ما ادّعاه الحلّي من الأخبار المعتمدة ؛ لاحتمال دليل آخر غيره ، ولعلّه الإجماع كما ادّعاه في الغنية (٦) ، وبه يذبّ عن حكاية الإجماع المتقدّمة.

مع تأيّد هذا بالقاعدة المسلّمة (٧) بثبوت الحكومة فيما لم يرد بتقديره نصّ في الشريعة كما هو مفروض المسألة ، بل روي عن مولانا الرضا عليه‌السلام : « أضراس العقل لا دية فيها إنّما على من أصابها أرش كأرش الخدش » (٨).

__________________

(١) انظر السرائر ٣ : ٣٨٦ ، فإنّه قوّى القول بالثلث ظاهراً ، وكذا اعتراض الماتن إليه يكون بالنسبة إلى القول بالثلث.

(٢) نكت النهاية ٣ : ٤٣٦.

(٣) المسالك ٢ : ٥٠٢ ، الروضة ١٠ : ٢١٨ ، وانظر المفاتيح ٢ : ١٥٠.

(٤) الفقيه ٤ : ١٠٣ ، النهاية : ٧٦٧ ، السرائر ٣ : ٣٨٦ ، الجامع للشرائع : ٥٩٢.

(٥) الخلاف ٥ : ٢٠٥.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٧) ليست في « ب » و « س ».

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣١٩ ، المستدرك ١٨ : ٣٧٨ أبواب ديات الأعضاء ب ٣٥ ح ٣.

٤٥٩

وهذه تعاضد القول بالحكومة ، ويظهر منها بيان السنّ الزائدة ، وأنّها أضراس العقل المتأخّرة عن مجموع الأسنان الموزّع عليها الدية ، مع أنّ ذلك مقتضى تقسيمها بما عرفته ، وصرّح به جماعة (١) ، فلا اشتباه في الزائدة والأصلية ، فما في المسالك وغيره (٢) من الإشكال مع عدم التميّز بينهما لا أعرف وجهه ، سيّما مع تصريحهم بالتقسيم بما عرفته.

وأمّا الاستدلال للقول بالثلث بوروده في غيره كالإصبع الزائدة فقياس فاسد في الشريعة ، فالقول بالحكومة في غاية القوّة ، واختاره من المتأخّرين الفاضل في المختلف (٣) كما عرفته ، ويميل إليه بعض الميل شيخنا في الروضة والمسالك (٤).

وهنا قول آخر حكي عن المقنع (٥) ، وهو أنّه لا شي‌ء في الزائدة ، ولم يفصّل بين صورتي قلعها منضمّة أو منفردة ، وربما استدل له برواية الحكم المتقدمة (٦) ، ولا دلالة فيها على نفي الأرش ، بل الدية خاصّة.

( وفي اسوداد السنّ ) بالجناية ولم تسقط ( ثلثا الدية ) لها وهي صحيحة ، بلا خلاف أجده حتى من الشيخ في المبسوط (٧) ، إلاّ أنّه قيّده بما إذا ذهب كل منافعها حتى لا يقوى على أن يمضغ بها شيئاً ، وقال فيها من دونه بالحكومة.

والأصل في المسألة مضافاً إلى عدم الخلاف فيها في الجملة ، بل‌

__________________

(١) انظر التحرير ٢ : ٢٧٤ ، واللمعة ( الروضة ١٠ ) : ٢١٦.

(٢) المسالك ٢ : ٥٠٢ ، المفاتيح ٢ : ١٥٠.

(٣) المختلف : ٨٠٥.

(٤) الروضة ١٠ : ٢١٨ ، المسالك ٢ : ٥٠٢.

(٥) المقنع : ١٩٠.

(٦) راجع ص ٤٥٤.

(٧) المبسوط ٧ : ١٤١.

٤٦٠