رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

( ولو اشترك ) في قتله ( رجل وامرأة ) حرّان ( فللوليّ قتلهما ) بعد أن يردّ فاضل دية صاحبه ، وهو نصفها إجماعاً ؛ لما مضى.

( ويختص الرجل بالردّ ) وفاقاً للنهاية والقاضي والحلّي (١) وعامة المتأخّرين ، وعزاه شيخنا في المسالك (٢) إلى الأكثر ، وفي الروضة (٣) إلى المشهور ؛ استناداً إلى أنّهما نفسان جنتا على نفس واحدة ، فكان على كل واحد نصف الدية ، ومع قتلهما فالفاضل للرجل خاصّة ؛ لأنّ القدر المستوفى منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضعفه ، والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها ، فلا شي‌ء لها.

( و ) خالف في ذلك ( المفيد ) (٤) رحمه‌الله خاصّة ، حيث ( جعل الردّ ) بين الرجل والمرأة ( أثلاثاً ) للرجل ثلثان ، وللمرأة ثلث.

ووجهه غير واضح ، عدا ما يتخيل له من أنّ جناية الرجل ضعف جناية المرأة ؛ لأنّ الجاني نفس ونصف نفس جنت على نفس ، فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك.

وضعفه بعد ما عرفت ظاهر ، مع ظهور الصحيح في خلافه ، وفيه : عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً خطأً ، فقال : « إنّ خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما وردّوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم ، وإن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وتردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية ، وإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوا‌

__________________

(١) النهاية : ٧٤٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٦٨ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٤٥.

(٢) المسالك ٢ : ٤٦٠.

(٣) الروضة ١٠ : ٣٤.

(٤) المقنعة : ٧٥٢.

٢٠١

المرأة قتلوها ويردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية ، وإن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية ، وعلى المرأة نصف الدية » (١).

لكنّه مختلّ المتن من وجوه غير خفيّة ، ولذا لم نجعله على المختار حجة.

( ولو قتل ) الوليّ ( الرجل ردّت ) المرأة ( عليه نصف الدية ) (٢) لأنّه مقدار جنايتها.

( ولو قتل المرأة ) خاصّة ( فلا ردّ لها ) إذ لا فاضل لها عن جنايتها.

( وله ) أي للوليّ ( مطالبة الرجل ) الباقي ( بنصف الدية ) في مقابل جنايته ، بلا خلاف في المقامين ، إلاّ من النهاية والقاضي (٣) في الأوّل ، فأوجبا على المرأة ردّ ربع الدية مائتين وخمسين ديناراً ، وهو نصف ديتها.

ووجهه غير واضح ، عدا ما يتخيّل للمفيد رحمه‌الله وقد عرفت ما فيه ، مع أنّه لا يجامع حكمهما سابقاً باختصاص الردّ بالرجل.

نعم في الصحيحة السابقة إشارة إلى ما قالا ، ولكن قد عرفت ما فيها.

( الرابعة : لو اشترك ) في قتله ( حرّ وعبد ، قال ) الشيخان ( في النهاية ) والمقنعة والقاضي في المهذب (٤) : إنّ ( له ) أي للوليّ ( قتلهما

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠١ / ١ ، الفقيه ٤ : ٨٣ / ٢٦٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٢ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٦ / ١٠٨٤ وفيه : عن هشام بن سالم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، الوسائل ٢٩ : ٨٧ أبواب القصاص في النفس ب ٣٤ ح ١.

(٢) في المختصر المطبوع : ديته.

(٣) النهاية : ٧٤٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٦٨.

(٤) النهاية : ٧٤٥ ، المقنعة : ٧٥١ ، المهذب ٢ : ٤٦٨.

٢٠٢

ويردّ على سيّد العبد قيمته ، وله قتل الحرّ ) خاصّة ( ويردّ عليه ) أي على الحرّ المقتول ( سيّد العبد خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم ) أي إلى أولياء الحرّ الشريك في القتل ( أو يقتل العبد ) خاصّة ( وليس لمولاه على ) شريكه ( الحرّ سبيل ).

ولا خلاف ولا إشكال فيما ذكروه من الخيار في قتلهما معاً ، أو قتل أحدهما ؛ لما مضى ، ونفى الخلاف عن الجميع في الغنية (١) هنا صريحاً.

وإنّما الإشكال فيما ذكروه في صورة قتلهما من ردّ قيمة العبد إلى سيّده خاصّة من وجهين : تخصيص الردّ بالسيّد مع أنّ الحرّ إنّما جنى نصف الجناية ، وردّ تمام ثمنه مع أنّه إنّما جنى نصف الجناية ، فلا يستحقّ سيّده إلاّ ما زاد عليه ولم يزد على دية الحرّ ، وإن لم يزد قيمته عن نصف دية الحرّ فلا شي‌ء لسيّده ؛ لاستيفائه بجنايته ، كما لا شي‌ء عليه لو نقص القيمة عنه ؛ إذ لا يجني الجاني على أكثر من نفسه ، كما يأتي.

وكذا يشكل ما ذكروه في الصورة الثانية من ردّ السيّد على الحرّ نصف الدية ، فإنّه على إطلاقه لا وجه له ؛ لأنّه إنّما يلزمه ذلك لو زادت قيمة العبد على نصف دية الحرّ بمثله ، أمّا لو زادت عنه بما دونه فليس عليه إلاّ الزيادة ، كما لا شي‌ء عليه سوى القيمة فيما لو نقصت عنه أو ساواه (٢).

وكذا ما ذكروه في الثالثة من أنّه ليس لمولى العبد على الحرّ شي‌ء بالكلّيّة ، فإنّه على إطلاقه أيضاً لا وجه له ، بل ذلك مع عدم زيادة القيمة عن النصف ، أمّا مع الزيادة عنه فيلزم الحرّ للسيّد تلك الزيادة ، وللولي‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٢) كذا ، ولعلّ الأنسب : ساوته.

٢٠٣

ما زاد عليها إلى نصف الدية ، يعني تتمّته.

ومن هنا يظهر وجه الإشكال أيضاً فيما أطلقه الحلبي والحلّي (١) في الصورة الاولى من ردّ قيمة العبد على السيّد وورثة الحرّ ، وفي الثانية من ردّ السيّد على ورثة الحرّ نصف ديته ، وفي الثالثة من ردّ الحرّ نصف قيمة العبد على سيّده ، إلاّ أن يبني قولهما على فرضهما بلوغ القيمة تمام الدية من دون زيادة ولا نقيصة.

( و ) بالجملة ( الحقّ ) الذي يقتضيه قواعد الأصحاب في الجنايات ، وعليه عمل أكثرهم ، بل جميع المتأخرين على الظاهر ، المصرّح به في المسالك (٢) ( أنّ نصف الجناية على الحرّ ، ونصفها على العبد ) بمقتضى الشركة ( فلو قتلهما الوليّ ردّ على الحرّ نصف ديته ) لأنّه الفاضل عن جنايته ( وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية ) إن كان له فضل ، ما لم يتجاوز دية الحرّ ، فيردّ إليها ، وإن لم يكن له فضل فلا شي‌ء للمولى ، ولا عليه إن نقص عنه.

( ولو قتل الحرّ يردّ مولى العبد عليه ) أي على الحرّ الشريك في القتل ( نصف الدية ) بل أقلّ الأمرين منه ومن القيمة ؛ لأنّ الأقل إن كان هو الأوّل فلا يلزم الجاني سواه ، وإن كان الثاني فلا يجني الجاني على أكثر من نفسه ، ويلزم الوليّ هنا كمال نصف الدية لأولياء الحرّ ، ولا يلزم على المولى ، بل عليه أقل الأمرين خاصّة.

( أو دفع العبد ) إليهم يسترقّونه ، وليس لهم قتله إجماعاً كما في‌

__________________

(١) الحلبي في الكافي : ٣٨٦ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٤٧.

(٢) المسالك ٢ : ٤٦١.

٢٠٤

الغنية ، وليس فيه شبهة ، ويختصّون بالعبد ( ما لم تزد قيمته عن النصف ) وإلاّ ( فتكون الزيادة للمولى ) ويكون معهم شريكاً بالنسبة.

( ولو قتل العبد ردّ ) شريكه الحرّ ( على المولى ما فضل عن نصف الدية ، إن كان في ) قيمة ( العبد فضل ) عن جنايته ، بأن تجاوزت قيمته نصف دية الحرّ.

ثم إن استوعب قيمته الدية فله جميع المردود من الحرّ ، وإن كانت أقلّ فالزائد من المردود عن قيمته بعد حطّ مقابل جنايته لوليّ المقتول.

وإن لم يكن فيها فضل ، بأن كانت نصف دية الحرّ أو أنقص ردّ الحرّ عوض جنايته وهو نصف الدية على الوليّ إن شاء ، وإلاّ قتله الوليّ إن لم يعف عنه ، وردّ عليه نصف ديته.

ومستند هذه القواعد المقتضية لهذا التفصيل يظهر ممّا مضى ويأتي من الكلام في جناية العبد على الحرّ وديته ، وربما يشير إليه ولو في الجملة الصحيح الآتي في المسألة الآتية.

وأمّا الخبر : في عبد وحرّ قتلا رجلاً ، قال : « إن شاء قتل الحرّ ، وإن شاء قتل العبد ، فإن اختار قتل الحرّ ضرب جنبي العبد » (١) فمع ضعف سنده قال الشيخ : إنّه لا يدل على أنّه لا يجب على مولاه أن يردّ على ورثة الحرّ نصف الدية أو يسلّم العبد إليهم ؛ لأنّه لو كان حرّا لكان عليه ذلك ، على ما بيّناه ، فحكم العبد حكمه على السواء ، وإنّما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على الأحرار (٢).

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٤١ / ٩٥٩ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٢ / ١٠٧٠ ، وفيهما : قتلا رجلا حرّا. الوسائل ٢٩ : ١٠١ أبواب القصاص في النفس ب ٤١ ح ٧ ، وفيه : قتلا حرّا.

(٢) الاستبصار ٤ : ٢٨٣.

٢٠٥

( ولو قتلت امرأة ) حرّة ( وعبد ) على الشركة رجلاً حرّا ( فعلى كل واحد منهما نصف الدية ) لاشتراكهما في الجناية ، وللوليّ الخيار في قتلهما معاً أو أحدهما.

( فلو ) قتلهما أو ( قتل العبد ) خاصّة فلا ردّ على المرأة بلا شبهة.

( و ) أمّا العبد فإن ( كانت قيمته بقدر جنايته فلا ردّ ) على مولاه أيضاً ( فإن زادت ) قيمته عن جنايته ( ردّت ) المرأة أو الولي ( على مولاه الزيادة ) ما لم تزد على الدية فتردّ إليها ، ولو قصرت الزيادة عنها ردّت المتمّم لها على الوليّ.

ولو قتل المرأة خاصّة ردّ السيّد على الوليّ نصف الدية إن بلغته قيمة العبد ، وإلاّ فلا شي‌ء عليه له سوى القيمة ، أو دفع العبد إليهم يسترقّونه.

والمستند في هذه المسألة بعين ما مرّ في سابقتها من القواعد المقررة.

مضافاً إلى الصحيح في الجملة : عن امرأة وعبد قتلا رجلاً خطأً ، فقال : « إنّ خطأ المرأة والعبد مثل العمد ، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ، فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم ، فليردّوا على سيّد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ، وإن أحبّوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا ، إلاّ أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم ، فليردّوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيّده ، وإن كانت قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلاّ العبد » (١).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٨٤ / ٢٦٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٢ / ٩٦٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٦ / ١٠٨٣ ، الوسائل ٢٩ : ٨٨ أبواب القصاص في النفس ب ٣٤ ح ٢.

٢٠٦

( القول : في الشرائط المعتبرة في القصاص ، وهي خمسة : )

( الأوّل : ) التساوي في ( الحرّية ) والرقية.

( فـ ) لا ( يقتل الحرّ ) بالعبد ، بل يقتل ( بالحرّ ) مثله ، كما في نصّ الكتاب ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) (١) ( ولا ردّ ) إجماعاً ، وللأصل.

( و ) كذا يقتل ( بالحرة ) لكن ( مع الردّ ) من وليّها عليه نصف ديته ؛ لأنّ ديته ضعف ديتها ؛ وللصحاح المستفيضة وغيرها ، الآتي إلى جملة منها الإشارة.

( و ) تقتل ( الحرّة بالحرّة ) إجماعاً ، ولا ردّ كما في نظيره ( وبالحرّ ) إجماعاً ، ولتلك المستفيضة ، ففي الصحيح : في رجل قتل امرأته متعمداً ، قال : « إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية ، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم » وقال : في امرأة قتلت زوجها متعمّدة ، قال : « إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها ، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه » (٢).

وفيه : الرجل يقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه ، قال : « ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية ، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ، وإن قتلت المرأة الرجل قتلت به ، ليس لهم إلاّ نفسها » الحديث (٣).

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) الكافي ٧ : ٢٩٩ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٨١ / ٧٠٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٥ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢٩ : ٨٠ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩٨ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٨٠ / ٧٠٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٥ / ٩٩٧ ، الوسائل ٢٩ : ٨١ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ٣.

٢٠٧

ونحوهما أخبار كثيرة هي ما بين صحيحة ومعتبرة (١).

( وهل يؤخذ منها ) أي من الحرّة في الفرض الأخير ( الفضل ) من دية الرجل الذي قتلت به ، وهو نصف ديته ، كما يتوهّم من كون ديتها نصف ديته ، ويوجد في بعض الروايات : « في امرأة قتلت رجلاً ، قال : تقتل ، ويؤدّي وليّها بقية المال » (٢)؟.

و ( الأصحّ ) أنّه ( لا ) يؤخذ منها ؛ للأصل ، وقوله تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٣) وللتصريح به في تلك الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، معلّلة بأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه.

والرواية المخالفة مع وحدتها ، وقصور سندها محتملة للتقية ، كما صرّح به بعض الأجلة (٤) ، شاذّة ، كما صرّح به الشيخ وجماعة كالشهيدين وغيرهما (٥) ، واحتمل أوّلهما دعوى الإجماع على خلافها ، وذكر ثانيهما وبعض من تبعه أنّه لا نعلم قائلاً من الأصحاب بمضمونها ، وإن كان قول المصنف وكلام غيره يشعر بالخلاف ، واحتمل التابع وغيره كون الإشارة إلى الخلاف للرواية لا للقول.

وهو حسن ، إلاّ أنّه يحكى عن الراوندي (٦) حمل الرواية على يسار‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٩ : ٨٠ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٨٣ / ٧١٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٧ / ١٠٠٩ ، الوسائل ٢٩ : ٨٥ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ١٧.

(٣) المائدة : ٤٥.

(٤) انظر التنقيح ٤ : ٤١٦.

(٥) الشيخ في الاستبصار ٤ : ٢٦٨ ، الشهيد الأول في غاية المراد ٤ : ٣٦٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٤٠ ، والمسالك ٢ : ٤٦١ ؛ الفيض في المفاتيح ٢ : ١٣٢ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٤٦.

(٦) الحاكي هو الشهيد الأول في غاية المراد ٤ : ٣٦٣ فقد حكاه عنه في الشرائع.

٢٠٨

المرأة ، والصحاح على إعسارها ؛ جمعاً ، وظاهره المخالفة في الجملة.

وعن تفسير علي بن إبراهيم : أنّ قوله تعالى ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) و ( الْأُنْثى بِالْأُنْثى ) (١) ناسخ لقوله تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٢) (٣) وظاهره أنه لا يكتفى بالاقتصاص منها.

ويدلُّ عليه المروي في الوسائل عن المرتضى في رسالته المحكم والمتشابه ، بإسناده عن علي عليه‌السلام في حديث قال : « ومن الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص ، وهو قوله تعالى ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) إلى آخر الآية ، فكان الذكر والأُنثى والحرّ والعبد شرعاً ، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) فنسخت هذه الآية ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) » (٤).

قيل (٥) : والمراد بالنسخ في الرواية التخصيص لا معناه المعروف ؛ جمعاً بينها وبين الموثق كالصحيح : في قول الله عزّ وجلّ ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) الآية ، فقال : « هي محكمة » (٦).

وهو حسن ، وإلاّ فطرح الرواية الأُولى متعيّن ؛ للإجماع على جواز‌

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) المائدة : ٤٥.

(٣) تفسير القميّ ١ : ١٦٩ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٤٠ أبواب القصاص في النفس ب ٣٠ ح ٤.

(٤) المحكم والمتشابه : ٨ ، الوسائل ٢٩ : ٨٦ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ١٩.

(٥) الوسائل ٢٩ : ٨٦.

(٦) التهذيب ١٠ : ١٨٣ / ٧١٧ ، الوسائل ٢٩ : ٨٣ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ١١.

٢٠٩

الاقتصاص من الذكر بالأُنثى وبالعكس على الظاهر ، المصرّح به في كنز العرفان وغيره (١) ، والاختلاف في الثاني في أخذ الفاضل منها على تقديره لا ينافيه ، فإنّه أمر آخر ، هذا.

وقد نقل في الكنز في النسخ قولاً بالعكس ، فقال في تفسير قوله تعالى ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) الآية : قيل : هذا منسوخ بقوله ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) قال : وليس بشي‌ء ، أمّا أوّلاً : فلأنّه حكاية ما في التوراة ، فلا ينسخ القرآن ، وأمّا ثانياً : فلأصالة عدم النسخ ؛ إذ لا منافاة بينهما ، وأمّا ثالثاً : فلأنّ قوله ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) عامّ ، وهذا خاصّ ، وقد تقرّر في الأُصول بناء العام على الخاص (٢).

( وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصاً وديةً ، حتى تبلغ ثلث دية الحرّ ) أو تتجاوزه على الاختلاف ( فينتصف ) بعد ذلك ( ديتها ويقتصّ لها ) منه ( مع ردّ التفاوت ) عليه ( وله منها ، ولا ردّ ) عليها مطلقاً ، كما في قصاص النفس قد مضى ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، إلاّ ما تقدّم إليه الإشارة.

واعتبار البلوغ إلى الثلث مذهب المشهور على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٣) ، بل وعن الخلاف (٤) الإجماع عليه ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها؟ قال : « عشر من‌

__________________

(١) كنز العرفان ٢ : ٣٥٥ : أحكام القرآن للأردبيلي : ٦٧٢ ، المفاتيح ٢ : ١٣١.

(٢) كنز العرفان ٢ : ٣٥٥.

(٣) المسالك ٢ : ٤٦١ ، كشف اللثام ٢ : ٤٤٦.

(٤) الخلاف ٥ : ٢٥٦.

٢١٠

الإبل » قلت : قطع اثنين؟ قال : « عشرون » قلت : قطع ثلاثاً؟ قال : « ثلاثون » قلت : قطع أربعاً؟ قال : « عشرون » قلت : سبحان الله! يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ، هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ، ونقول : الذي جاء به شيطان ، فقال : « مهلاً يا أبان ، هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، وإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق الدين » (١).

وفي الصحيحين : عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص؟ قال : « نعم ، في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء ، فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة » (٢).

خلافاً للنهاية والسرائر والإرشاد (٣) ، فاعتبروا التجاوز ؛ للنصوص ، منها الصحيح : « الرجال والنساء في القصاص السنّ بالسنّ ، والشجّة بالشجّة ، والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية ، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية ، ودية النساء ثلث الدية » (٤).

والخبر : عن رجل قطع إصبع امرأة؟ قال : « تقطع إصبعه حتى ينتهي‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٩٩ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٨٨ / ٢٨٣ ، التهذيب ١٠ : ١٨٤ / ٧١٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥٢ أبواب ديات الأعضاء ب ٤٤ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠٠ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٨٤ / ٧٢٠ ، الوسائل ٢٩ : ١٦٤ أبواب قصاص الطرف ب ١ ح ٣.

(٣) النهاية : ٧٤٨ ، السرائر ٣ : ٤٠٣ ، الإرشاد ٢ : ٢٠٦.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٠ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٨٥ / ٧٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٦٥ أبواب قصاص الطرف ب ١ ح ٦.

٢١١

إلى ثلث دية المرأة ، فإذا جاز الثلث أُضعف الرجل » (١).

وهي مع قصور سند جملة منها ، وعدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى غير واضحة الدلالة إلاّ من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل ، وهو معارض بمفهوم الغاية في الصدر ، والجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس ، فلا يمكن الاستدلال بها إلا مع المرجّح ، المفقود في المقام ، إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة ، والصحاح المستفيضة ، وحكاية الإجماع المتقدّمة.

وبالجملة : فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة ؛ لتعارض المفهومين فيها بلا شبهة.

ومن هنا ينقدح وجه التردّد في نسبة الخلاف إلى النهاية ، حيث اشتركت مع النصوص في العلّة التي نشأ منها عدم وضوح الدلالة ، حيث قال : وتتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية نقصت المرأة وزيد الرجل (٢).

وقريب منها عبارة الفاضل في الإرشاد ، حيث قال : ويقتصّ للرجل من المرأة وبالعكس ، ولا ردّ ما لم يتجاوز ثلث الدية ، فينتصف المرأة ، وكذا يتساويان في الدية ما لم تبلغ الثلث ، فينتصف المرأة (٣).

ولو لا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لكدت أن أقول : لا خلاف في المسألة ، وإنّ التعبير بالتجاوز عن الثلث إنّما وقع مسامحةً ، أو نظراً إلى كون‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠١ / ١٤ ، التهذيب ١٠ : ١٨٥ / ٧٢٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٦٤ أبواب قصاص الطرف ب ١ ح ٤.

(٢) النهاية : ٧٧٣.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢٠٦.

٢١٢

البلوغ إلى الثلث من دون زيادة ونقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة.

وعلى التقديرين فلو قطع أربعاً من أصابعها لم يقطع منه الأربع إلاّ بعد ردّ دية إصبعين.

وهل لها القصاص في إصبعين من دون ردّ؟ وجهان : من إيجاب قطع إصبعين ذلك ، فالزائد أولى.

ومن النصّ الدالّ على أنّه ليس لها الاقتصاص له في الجناية الخاصّة إلاّ بعد الردّ.

ويقوى الإشكال لو طلبت القصاص في الثلاث والعفو في الرابعة ، وعدم إجابتها هنا أقوى.

هذا إذا كان القطع بضربة واحدة ، ولو كان بأزيد من ضربة ثبت لها دية الأربع ، أو القصاص في الجميع من غير ردّ ؛ لثبوت الحكم السابق ، فيستصحب ، وكذا حكم الباقي.

( ويقتل العبد بالعبد ) كما في صريح الكتاب والسنّة ، وبالأمة ( والأمة بالأمة وبالعبد ) بلا خلاف ؛ لإطلاق ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ).

وهل يشترط التساوي في القيمة ، فلا يقتصّ من الجاني مع زيادة قيمته إلاّ بعد ردّ الزيادة ، أم لا يشترط ، كما هو ظاهر إطلاق الأدلّة والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة؟ احتمالان ، بل قيل : قولان (١) ، من الإطلاق ، ومن أنّ ضمان المملوك يراعى فيه المالية ، فلا يستوفي الزائد بالناقص ، بل بالمساوي ، وثبوت ردّ الزائد من هذا الوجه لا ينافي الإطلاق بالقصاص ؛ لصدقه معه.

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٤٦٢.

٢١٣

وقوّى هذا في المسالك (١) ، وحكي السابق عن صريح ابن حمزة (٢) ، وربما يميل إليه الفاضل في التحرير (٣) ، حيث نسب إطلاق القصاص مع عدم اعتبار الردّ إلى الأصحاب ، وظاهر الشهيدين في اللمعتين (٤) التوقّف ( وهو الوجه ) (٥) ولكنّ القول بعدم الاشتراط أوفق بالأصل ، مضافاً إلى ما سبق من إطلاق النص وكلام الأصحاب.

( ولا يقتل الحرّ بالعبد ) ولا بالأمة مطلقا ، ولو كان لغيره ( بل يلزم قيمته يوم قتل ) بإجماعنا ، على الظاهر ، المصرّح به في المسالك والروضة وغيرهما (٦).

والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، ففي الصحيح : « لا يقتل حرّ بعبد ، ولكن يضرب ضرباً شديداً ، ويغرم ثمنه دية العبد » (٧).

وفي آخر : « لا يقتل الحرّ بالعبد ، وإذا قتل الحرّ العبد غرم ثمنه وضرب ضرباً شديداً » (٨). ونحوه الموثق كالصحيح (٩) وغيره (١٠).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٦٢.

(٢) الوسيلة : ٤٣٥.

(٣) التحرير ٢ : ٢٤٥.

(٤) اللمعة والروضة ١٠ : ٤٤.

(٥) ليست في « ب ».

(٦) المسالك ٢ : ٤٦٢ ، الروضة ١٠ : ٤٥ ، الخلاف ٥ : ١٤٨.

(٧) الكافي ٧ : ٣٠٤ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١٩١ / ٧٥٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٢ / ١٠٣٢ ، الوسائل ٢٩ : ٩٦ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ١.

(٨) الكافي ٧ : ٣٠٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٩١ / ٧٥١ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٢ / ١٠٢٩ ، الوسائل ٢٩ : ٩٦ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ٢.

(٩) الكافي ٧ : ٣٠٤ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٩١ / ٧٥٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٢ / ١٠٣١ ، الوسائل ٢٩ : ٩٦ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ٣.

(١٠) التهذيب ١٠ : ١٩١ / ٧٥٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٢ / ١٠٣٣ ، الوسائل ٢٩ : ٩٨ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ٧‌

٢١٤

( و ) إطلاقها بلزوم القيمة مقيّد بما إذا ( لا يتجاوز دية الحرّ ) فإنّ مع التجاوز يردّ إليها ، بإجماعنا على الظاهر ، المصرَّح به في كثير من العبائر ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : « إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته وأُدّب » قيل : وإن كان قيمته عشرين ألف درهم؟ قال : « لا يجاوز بقيمة عبد دية الأحرار » (١).

( ولو اختلفا ) أي الحرّ الجاني ومولى العبد المجنيّ عليه ( في القيمة فالقول قول الجاني ) لأصالة عدم الزيادة ؛ وكونه منكراً فيقدّم قوله.

وللخبر (٢) الصريح : عن رجل قتل عبداً خطأً ، قال : « عليه قيمته ، ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم » قال : ومن يقوّمه وهو ميت؟ قال : « إن كان لمولاه شهود أنّ قيمته يوم قتله كانت كذا وكذا أخذ بها قاتله ، وإن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله ( مع يمينه ) يشهد بالله تعالى ماله قيمة أكثر ممّا قوّمته ، فإن أبى أن يحلف وردّ اليمين على المولى ، فإن حلف المولى اعطي ما حلف عليه ، ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف » (٣).

( ويعزّر القاتل ) بما يراه الحاكم ( ويلزمه الكفّارة ) لقتل المؤمن عمداً ، وهي عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، والمعتبرة بها مع ذلك مستفيضة ، وقد تقدّم ما يتعلق منها بالكفّارة في كتابها ، والنصوص الدالّة على التعزير قد عرفتها ، مضافاً إلى ما سبق في الحدود من الدليل عليه في فعل كلّ محرّم كلّيّة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٥ / ١١ ، الفقيه ٤ : ٩٥ / ٣١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٩٣ / ٧٦١ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٤ / ١٠٣٩ ، الوسائل ٢٩ : ٩٧ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ٤.

(٢) في « ن » : للصحيح.

(٣) الفقيه ٤ : ٩٦ / ٣١٨ ، التهذيب ١٠ : ١٩٣ / ٧٦٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٨ أبواب ديات النفس ب ٧ ح ١.

٢١٥

( ولو كان العبد ) المجني عليه ( ملكه ) أي ملك الجاني ( عزّر وكفّر ) ولا يقتل به ، كما لو كان ملك غيره.

ولا فرق في الجاني هنا بين كونه حرّا أو عبداً ، كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من سائر الفتاوي ، وبه صرّح بعض أصحابنا ، ولهذا يحسن تخصيصه بالذكر مع معلوميّة عدم قتل الحرّ بالعبد مطلقا ، لكنّه يتّجه على القول بملكيّة العبد لا مطلقاً.

ويحتمل التخصيص وجهاً آخر ، وهو الاتفاق على غرامة الجاني قيمة المجني عليه لو كان لغيره ، والاختلاف فيها لو كان له ، فبين مفتٍ بها مع التصدّق على الفقراء كأكثر القدماء ، بل لم يُرَ فيهم مخالف عدا الإسكافي (١) ، فإنّه أورده بصيغة « روي » مشعراً بالتردّد ، كالماتن هنا ؛ لقوله : ( وفي الصدقة بقيمته رواية ) مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام رفع إليه رجل عذّب عبده حتى مات ، فضربه مائة نكالاً ، وحبسه سنة ، وغرّمه قيمة العبد وتصدّق بها عنه » (٢).

و ( فيها ضعف ) لسهل الضعيف على المشهور ، ومحمد بن الحسن ابن شمون الغالي ، وعبد الله بن عبد الرحمن الضعيف ، مع تضمّنها الحبس بسنة ، ولم نَرَ به قائلاً ، ومع ذلك معارضة بظواهر المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحاح والموثقات وغيرها ، الواردة في مقام الحاجة خالية عن ذكر التصدّق بالقيمة ، ولم يذكر فيها سوى الكفّارة.

ونحوه عبارته في الشرائع ، وعبارة الفاضل في كتبه التي وقفت عليها (٣).

__________________

(١) حكاه عنه في غاية المراد ٤ : ٣٦٥.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠٣ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١١٤ / ٣٨٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٥ / ٩٣٣ ، الوسائل ٢٩ : ٩٢ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧ ح ٥.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٠٥ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٢٤٥ ، القواعد ٢ : ٢٨٦ ، الإرشاد ٢ : ٢٠٥.

٢١٦

لكن يجبر جميع ذلك فتوى الأصحاب بمضمونها ، سيّما نحو ابن زهرة والحلّي (١) اللذين لا يعملان بالأخبار الصحيحة فضلاً عن مثل هذه الرواية ، فعملهما بها أقوى قرينة على قيام قاطع لهما على العمل بها من إجماع أو غيره ، وأيّهما كان كفى.

مع أنّ ظاهر الأوّل نفي الخلاف عنها بين أصحابنا ، حيث قال بعد ذكر هذا الحكم وأحكام أُخر ـ : بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كلّه.

ومع ذلك مروية في الفقيه بطريقه إلى السكوني ، وهو قوي ، ومعتضدة بالمرسل (٢) وغيره (٣) : في رجل قتل مملوكه « أنه يضرب ضرباً وجيعاً ، ويؤخذ منه قيمته لبيت المال » بحملها على الأخذ للتصدّق ؛ إجماعاً وجمعاً ، هذا.

مع أنّ الضعف بسهل سهل ، والتضمّن للحبس سنة غير قادح ، إمّا لعدم استلزام خروج بعض الرواية عن الحجية خروجها عنها كملاً ، أو لأنّ الحبس قد رآه عليه‌السلام مصلحة فيكون تتمّة لتعزيره ، كما جعله الضرب مائة ، ولعلّه لهذا لم يقدح بهذا في الرواية أحد من أصحابنا عدا بعض متأخّري المتأخّرين (٤) ، وهو لما عرفت ضعيف ، كضعف ما قدح به فيها أيضاً من عدم ظهورها في القتل عمداً ، بل ظاهرها أنّه قصد الضرب خاصّة.

وهو غريب جدّاً فإنّ مضمونها صريح في ضربه حتى مات ، ولفظة‌

__________________

(١) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٥٥.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٦ / ٩٤٠ ، الوسائل ٢٩ : ٩٤ أبواب القصاص في النفس ب ٣٧ ح ١٠.

(٣) الكافي ٧ : ٣٠٣ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٩٢ / ٧٥٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٣ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٩ : ٩٥ أبواب القصاص في النفس ب ٣٨ ح ٢.

(٤) مجمع الفائدة ١٤ : ٥٦.

٢١٧

« حتى » كالصريحة في القتل عمداً.

ولئن سلّمنا فمثل هذا الضرب ممّا يقتل غالباً ، بل قطعاً ، فيكون قتلاً عمداً ، ولو لم يكن للقتل قاصداً ، كما مضى.

وخلوّ الروايات البيانية عن ذلك غايته الظهور في نفيه ، وهو لا يعارض الروايات الصريحة بإثباته ، بل هي بالنسبة إليها كالعام بالنسبة إلى الخاصّ مقدّم عليه قطعاً ، والتكافؤ المشترط في التقدّم حاصل بما عرفت من فتوى الأصحاب بمضمونها ، كما هو الحال في سائر المواضع.

وإليه أشار الشهيد في النكت ، فقال : إنّ المذهب قد يعرف بخبر الواحد الضعيف ؛ لاشتماله على القرائن ، كما يعرف مذاهب الطوائف ، وقد نبّه الشيخ المحقّق على هذا في المعتبر ، وبالجملة : العمدة فتوى مشاهير الأصحاب (١) ، إلى آخر ما قال.

ولنعم ما قال ، وإن لم يرتضه كثير من الأبدال ؛ لوجوه مدخولة بيّنتها مع صحة ما ذكره في رسالة مفردة في الإجماع ، هذا.

مع أنّ المعتبرة المستفيضة المتقدمة المتضمنة للصحاح والموثقات وغيرها ، الدالّة على عدم قتل الحرّ بالعبد ، وأنّه يلزم الجاني بالقيمة ويعزّر ، مطلقة لا تنصيص في شي‌ء منها بكون الجاني مولى المجني عليه أم غيره ، فينسحب الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضاً ، غاية الأمر سكوتها عن مصرفها ، وحيث ثبتت القيمة بإطلاقها هنا كان مصرفها الفقراء إجماعاً.

وليت شعري كيف غفل الأصحاب عن هذه الروايات فلم يستدلّوا بها مع وضوح دلالتها على الحكم هنا بمعونة ما ذكرنا ، وأظنّ الاستدلال بها من خصائص الكتاب ، والحمد لله تعالى.

ولعلّ الوجه في عدم استدلالهم بها تخيّل اختصاصها بحكم التبادر‌

__________________

(١) غاية المراد ٤ : ٣٦٦.

٢١٨

بالجاني غير المولى ، وأثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم ، كما اندفع بها ما توجّه على ما مرّ من النصوص.

ثم إنّ ما ذكرناه من عدم قتل الحرّ بالعبد مطلقاً مذهب الأكثر ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض ، قال : كالشيخين والقاضي وابن حمزة وابن إدريس والفاضلين (١).

أقول : وغيرهم أيضاً من المتأخرين ؛ تمسّكاً بظاهر الكتاب ، وما مرّ من صحاح الأخبار.

( و ) لكن ( في رواية : إن اعتاد ) الجاني ( ذلك ) أي قتل العبيد ( قتل به ) والمراد بالرواية : الجنس ؛ لتعدّدها ، منها : في رجل قتل مملوكه أو مملوكته ، قال : « إن كان المملوك له أُدّب وحبس ، إلاّ أن يكون معروفاً بقتل المماليك ، فيقتل به » (٢).

ومنها : عن رجل قتل مملوكه؟ قال : « إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديداً ، وأُخذ منه قيمة العبد ، فتدفع إلى بيت مال المسلمين ، وإن كان [ متعوّداً (٣) ] للقتل قتل به » (٤).

ومنها : « أنّ عليّاً عليه‌السلام قتل حرّا بعبد » (٥) بحملها على المعتاد.

وبمضمونها أفتى جماعة من الأصحاب ، ومنهم ابن زهرة نافياً‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٤١٨.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠٣ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٩٢ / ٧٥٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٣ / ١٠٣٦ ، الوسائل ٢٩ : ٩٤ أبواب القصاص في النفس ب ٣٨ ح ١.

(٣) في النسخ : معوداً ، وما أثبتناه من المصادر هو الصحيح.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٣ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٦ / ٩٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٣ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٩ : ٩٥ أبواب القصاص في النفس ب ٣٨ ح ٢.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٩٢ / ٧٥٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٣ / ١٠٣٥ ، الوسائل ٢٩ : ٩٨ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ٩.

٢١٩

الخلاف عنه في ظاهر كلامه ، قال : لفساده في الأرض لا على وجه القصاص ، وكذا لو كان معتاداً لقتل أهل الذّمة (١).

وهو وجه حسن ، والنصوص شاهدة ، ولا منافاة بينها وبين ما مرّ من الأدلّة بعدم قتل الحرّ بالعبد ؛ لظهورها في النفي على جهة القصاص ، ونحن نقول به ، ولكنّه لا ينافي ثبوته من جهة الفساد.

( ودية ) الأمة ( المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة ) فتردّ إليها مطلقا ، لذكرٍ كانت أم لأُنثى ، كما في العبد ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في بعض العبائر (٢).

( وكذا لا يتجاوز بدية العبد الذمّي دية الحرّ منهم ) أي من أهل الذمّة ( ولا بدية الأمة ) الذمّية ( دية ) الحرّة ( الذمّية ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين كون المولى مسلماً أم ذمّيا ، وبه صرّح المولى الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد (٣) ، ولكن ظاهر الفاضلين في الشرائع والإرشاد وصريح التحرير والقواعد (٤) الفرق بينهما ، واختصاص الحكم بما في العبارة بكون المولى ذمّيا ، ولو كان مسلماً اعتبر في دية عبده الذمّي عدم تجاوز دية الحرّ المسلم ، وتبعهما الشهيد الثاني في المسالك (٥) من غير نقل خلاف ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فوجهه غير واضح.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٢) مجمع الفائدة ١٤ : ٥٩ ، كشف اللثام ٢ : ٤٥٠.

(٣) مجمع الفائدة ١٤ : ٦٠.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٠٥ ، الإرشاد ٢ : ٢٠٣ ، التحرير ٢ : ٢٤٥ ، القواعد ٢ : ٢٨٧.

(٥) المسالك ٢ : ٤٦٢.

٢٢٠