رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

( كتاب القصاص )

بالكسر ، وهو اسم لاستيفاء مثل الجناية من قتل ، أو قطع ، أو ضرب ، أو جرح ، واصلة اقتفاء الأثر ، يقال : قصّ أثره ، إذا تبعه ، فكأنّ المقتصّ يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله.

( وهو إمّا في النفس وإمّا في الطرف ) فالكلام في هذا الكتاب يقع في قسمين :

القسم الأول :

في‌ ( القود ) في النفس ، وهو بفتح الواو القصاص ، يقال : أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به ، وسمّي قوداً لأنّهم يقودون الجاني بحبل أو غيره ، قاله الأزهري (١).

و ( موجبه إزهاق البالغ العاقل ) أي إخراجه ( النفس المعصومة ) التي لا يجوز إتلافها ( المكافأة ) لنفس المزهق لها في الإسلام ، والحرّية ، وغيرهما من الاعتبارات الآتية ( عمداً ) قيد في الإزهاق ، أي إزهاقها في حالة العمد.

وزاد جماعة قيد العدوان ، محترزين به عن نحو المقتول قصاصاً ، فإنّه يصدق عليه التعريف لكن لا عدوان فيه ، فخرج به.

__________________

(١) تهذيب اللغة ٩ : ٢٤٧ ، ٢٤٨.

١٨١

ولعلّه مستغنى عنه ؛ لإمكان إخراجه (١) بقيد المعصومة ، فإنّ غير المعصوم أعمّ من كونه بالأصل كالحربي ، والعارض كالقاتل على وجه يوجب القصاص ، فلا احتياج إلى الزيادة كما فعلوه.

إلاّ أن يراد بالمعصومة في كلامهم ما لا يباح إزهاقها للكلّ ، وبالقيد الزائد إخراج ما يباح قتله بالنسبة إلى شخص دون آخر ، فإنّ القاتل معصوم بالنسبة إلى غير وليّ القصاص.

والأصل في هذه القيود يظهر من القول الآتي في الشروط ، فلا احتياج إلى ذكره هنا.

( ويتحقّق العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل ولو نادراً ) إذا اتفق القتل به ، كما هنا وفي الشرائع ، وكتب الفاضل ، ومحتمل السرائر ، وصريح الفاضل المقداد في الكنز وشرح الكتاب ، وعن ابن حمزة ، وهو ظاهر الغنية نافياً الخلاف عنه ، وعليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه ، وغيره من المتأخّرين (٢) ، ولعلّه عليه عامّتهم ، بل لم أجد الخلاف فيه وإن نقلوه.

نعم ظاهر اللمعة (٣) التردّد فيه ، حيث نسب ما في العبارة إلى القيل ، مشعراً بتمريضه ، أو متردّداً فيه ، ولعلّه ينشأ :

من أنّ العمد يتحقق بقصد القتل لغةً وعرفاً من غير نظر إلى الآلة ، فيدخل في عموم أدلّة العمد.

__________________

(١) في « ب » : خروجه.

(٢) الشرائع ٤ : ١٩٥ ، القواعد ٢ : ٢٧٧ ، التحرير ٢ : ٢٤٠ ، السرائر ٣ : ٣٢١ ، كنز العرفان ٢ : ٣٦٦ ، التنقيح ٤ : ٤٠٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٣١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩ ، المسالك ٢ : ٤٥٦ ، الروضة ١٠ : ١٦ ، المهذب البارع ٥ : ١٤٣ ، مجمع الفائدة ١٣ : ٣٧٢.

(٣) اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ١٦.

١٨٢

مضافاً إلى ظاهر المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إنّ العمد كلّ من اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة ، أو بحجر ، أو بعصاً ، أو بوكزة ، فهذا كلّه عمد ، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره » (١).

وقريب منه الصحيح الآخر : « إنّ من عندنا ليقيدون بالوكزة ، وإنّما الخطأ أن يريد الشي‌ء فيصيب غيره » (٢).

( والمرسل كالصحيح بابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج : « قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب ففيه القود ، وإنّما الخطأ أن يريد الشي‌ء فيصيب غيره » (٣) ) (٤).

( ونحوه المرسل الآخر المروي عن تفسير العياشي : « كلما أُريد به ففيه القود ، وإنّما الخطأ أن يريد الشي‌ء فيصيب غيره » (٥) ) (٦).

ونحوه الخبر الآخر المروي عنه أيضاً (٧) ، إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على القول الأول عموماً ، بل ظهوراً في بعضها.

ومن الاحتياط ، وأنّه لمّا لم يكن الآلة مما يقتل عادةً فمجامعة القصد معها كالقصد بلا ضرب.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٧٨ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٥٥ / ٦٢٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٢٧٨ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٥٦ / ٦٢٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٧٨ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١٥٥ / ٦٢٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ٦.

(٤) ما بين القوسين ساقط من « س ».

(٥) تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٤ / ٢٢٣ ، الوسائل ٢٩ : ٤٠ أبواب القصاص ب ١١ ح ١٦.

(٦) ما بين القوسين ساقط من « ن ».

(٧) تفسير العياشي ١ : ٢٦٤ / ٢٢٣ ، الوسائل ٢٩ : ٤٠ أبواب القصاص ب ١١ ح ١٦.

١٨٣

مضافاً إلى المعتبرة الأُخر المستفيضة ، منها زيادةً على النصوص الدالّة على عدم العمد بضرب الرجل بالعصا أو الحجر بضربة واحدة فمات بها قبل أن يتكلم (١) الموثق : أرمي الرجل بالشي‌ء الذي لا يقتل مثله ، قال : « هذا خطأ إلى أن قال ـ : والعمد الذي يضرب بالشي‌ء الذي يقتل بمثله » (٢).

والصحيح والمرسل : « الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسيف (٣) أو بالعصا أو بالحجارة ، إنّ دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل » (٤).

مع إمكان الجواب عن النصوص المتقدمة بحمل العمد فيها على ما يشمل شبه العمد ؛ لمقابلته بالخطإ المحض.

وفيه : أنّه معارض بإمكان حمل الأخبار الأخيرة على صورة عدم القصد إلى القتل ، كما هو الغالب في الضرب بما لا يقتل إلاّ نادراً ، مع ضعف الشاهد على الحمل الأوّل بتضمن جملة منها التصريح بالقود في العمد ، وهو لا يجامع حمله على شبه العمد ، أو ما يعمّه ، هذا.

مع أنه لا داعي إلى هذا الحمل سوى الاحتياط الغير اللازم مراعاته بعد قيام الدليل من العمومات والنصوص الصحيحة الظاهرة على خلافه ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨٠ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ١٥٧ / ٦٢٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٠ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ١٥٧ / ٦٣١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ٧.

(٣) كذا في النسخ ، وسيأتي كلامه رحمه‌الله فيه قريباً ، وفي المصادر : بالسوط ، وهو الصحيح.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٧٧ / ٢٤٠ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٩ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ١١.

١٨٤

والتعليل بعده في غاية من الضعف ، سيّما في مقابلتها.

والنصوص المعارضة مع ضعف دلالتها جملةً كما عرفته أكثرها ضعيفة السند ، والمعتبرة منها بحسبه غير مكافئة للأدلّة من وجوه عديدة ، مع مخالفة الصحيح منها وما في معناه للإجماع ظاهراً ؛ لجعلهما القتل بالسيف من قسم شبه العمد مطلقاً ، ولا قائل به مطلقاً ولو لم يقصد القتل به ؛ لكونه ممّا يقتل غالباً ، ولا خلاف بينهم في أنّ القتل بمثله عمد مطلقاً ، كما أشار إليه الماتن بقوله :

( أو القتل بما يقتل غالباً ) فإنّه عمد ( وإن لم يقصد القتل ) بل قصد الفعل خاصّة ، ويفهم من الغنية (١) دعوى الإجماع عليه.

ويعضده المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع عنه حتى قتل ، أيدفع إلى أولياء المقتول؟ قال : « نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجاز عليه » (٢) وبمعناه غيره (٣) ، وفيها الصحيح أيضاً وغيره.

وهي كما ترى عامّة لصورتي قصد القتل بذلك الضرب وعدمه ، من حيث ترك الاستفصال ، ولا ريب أنّ مثل الضرب الواقع فيها ممّا يقتل غالباً.

وعلّل مع ذلك بأنّ القصد إلى الفعل حينئذٍ كالقصد إلى القتل. وهو‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٢) الفقيه ٤ : ٧٧ / ٢٣٨ ، التهذيب ١٠ : ١٥٧ / ٦٣٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ١٢.

والمراد ب « يجاز عليه » الإجهاز والإسراع في قتله ، من أجاز يجيز. راجع القاموس المحيط ٢ : ١٧٧.

(٣) الكافي ٧ : ٢٧٩ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١٥٧ / ٦٢٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ١٠.

١٨٥

حسن ، وبموجب ذلك يترجّح القول الأوّل.

( ولو قتل بما لا يقتل غالباً ولم يقصد القتل ) به ، بل قصد الفعل خاصّة ( فاتفق ) قتله به ( فـ ) الأظهر ( الأشهر ) كما هنا وفي المسالك (١) ( أنّه خطأ ) شبيه عمد ، وعليه عامّة من تأخّر ، حتى الشهيد في اللمعة (٢) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأدلّة المتقدّمة سنداً للقول الثاني في المسألة السابقة ، ومنها أخبارها المنجبرة هنا بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المزبورة ، مع وضوح الدلالة من غير جهة الإطلاق ، وهو ظهورها في صورة عدم القصد إلى القتل بمقتضى ما عرفت من كونها الغالب من أفراد إطلاقها ، وبموجب ذلك تترجّح على المعتبرة المقابلة لها في الصورة السابقة ، الشاملة بإطلاقها أو عمومها لمفروضنا هنا ، فتقيد أو تخصّص بها.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (٤) ، فعمد كالسابق ، إمّا مطلقا ، كما حكاه عنه جماعة (٥) ، أو في الأشياء المحدّدة خاصّة ، كما حكاه عنه بعض الأجلة (٦).

ومستنده غير واضح ، عدا النصوص التي عرفت جوابها ، مع شذوذها بإطلاقها لو صحّ النقل الثاني ، فلا بدّ من تقييدها اتفاقاً على هذا التقدير ، إمّا بحملها على صورة القصد إلى القتل أيضاً ، كما عليه الأصحاب ، أو ما إذا‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٥٦.

(٢) اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ١٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٤) المبسوط ٧ : ١١٥.

(٥) المهذب البارع ٥ : ١٤٥ ، المسالك ٢ : ٤٥٦ ، مجمع الفائدة ١٣ : ٣٧٣.

(٦) كشف اللثام ٢ : ٤٣٩.

١٨٦

كانت الآلة محدّدة خاصّة ، كما عليه شيخنا ، وليس هذا التقييد أولى من سابقه ، بل هو أولى ؛ لما عرفت من الأدلّة المرجّحة لقولنا.

ومثال الفرض ( كالضرب بالحصاة ) الصغار ( والعود الخفيف ) ونحوهما في غير مقتل بغير قصد القتل ؛ لانتفاء القصد إلى القتل ، وانتفاء القتل بمثل ذلك عادةً.

( أمّا الرمي بالحجر الغامز ) أي الكابس على البدن لثقله ( والسهم المحدّد ، فإنّه يوجب القود لو قتل ) مطلقا ، ولو لم يقصد القتل به بعد أن قصد به المقتول ( وكذا لو ألقاه في النار ) فمات منها ( أو ضربه بعصا مكرّراً ما لا يحتمله مثله ) أي مثل المقتول بالنسبة إلى بدنه لصغره ، أو مرضه ، وزمانه لشدّة الحرّ أو البرد ( فمات ، أو ألقاه إلى الحوت فابتلعه ، أو إلى الأسد فافترسه ) فجميع ذلك عمد يوجب القود ( لأنّه كالآلة ) للقتل ( عادةً ) يوجبه غالباً وإن لم يكن مقصوداً.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ظاهراً ، وقد مرّ من النصوص ما يدل على الحكم في الضرب بالعصا مكرّراً.

ونحو الإلقاء في النار الطرح في اللُّجّة في الحكم بالقود ، إلاّ أن يعلم قدرة الملقى على الخلاص منهما لقلّتهما ، أو كونه في طرفهما يمكنه الخروج بأدنى حركة فيترك ، فلا قود هنا ؛ لأنّه حينئذٍ قاتل نفسه.

( ولو أمسك واحد ) شخصاً ( وقتله آخر ونظر ) إليهما ( ثالث ، فالقود على القاتل ، ويحبس الممسك أبداً ) حتى يموت ( وتفقأ عين الناظر ) كما في القوي (١) المعتضد بالشهرة الظاهرة ، والمحكية (٢) ، بل عليه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨٨ / ٤ ، الوسائل ٢٩ : ٥٠ أبواب القصاص في النفس ب ١٧ ح ٣. في « س » زيادة : بالسكوني.

(٢) المفاتيح ٢ : ١١٣.

١٨٧

الإجماع عن الخلاف وفي الغنية (١) ، ويشعر به عبارة المسالك (٢) ، وصرّح به في الروضة وغيره (٣) ، لكن في الحكمين الأوّلين ، وبهما وقع التصريح في الصحيحين : في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر ، قال : « يقتل القاتل ، ويحبس الآخر حتى يموت غمّاً ، كما حبسه حتى مات غمّاً » (٤) ونحوهما الموثق (٥).

والنبوي : « يقتل القاتل ، ويصبر الصابر » (٦) قيل : معناه أنّه يحبس أبداً (٧).

( ولو أكره ) حرّا ( على القتل ، فالقصاص على القاتل ) المباشر ؛ لأنّه القاتل عمداً ظلماً لاستبقاء نفسه ، فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله ، فيدخل في عمومات الكتاب والسنّة بالقود ممّن قتل غيره ( لا المكرِه ).

( وكذا ) أي ومن هذا الباب ( لو أمره بالقتل ، فالقصاص على المباشر ) خاصة ( ويحبس الآمر أبداً ) حتى يموت ، في المشهور ، بل عليه الإجماع في الروضة وغيرها (٨) ، وهو الحجّة.

__________________

(١) الخلاف ٥ : ١٧٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٢) المسالك ٢ : ٤٥٨.

(٣) الروضة ١٠ : ٢٧ ؛ كشف اللثام ٢ : ٤٤٥.

(٤) أحدهما في : الفقيه ٤ : ٨٦ / ٢٧٥ ، التهذيب ١٠ : ٢١٩ / ٨٦٢ ، الوسائل ٢٩ : ٤٩ أبواب القصاص في النفس ب ١٧ ح ١.

والآخر في : الكافي ٧ : ٢٨٧ / ١ ، الوسائل ٢٩ : ٤٩ أبواب القصاص في النفس ب ١٧ ذيل. ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٢٨٧ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢١٩ / ٨٦٠ ، الوسائل ٢٩ : ٥٠ أبواب القصاص في النفس ب ١٧ ح ٢.

(٦) سنن البيهقي ٨ : ٥١.

(٧) المسالك ٢ : ٤٥٨.

(٨) الروضة ١٠ : ٢٧ ؛ مجمع الفائدة ١٣ : ٣٩٤.

١٨٨

مضافاً إلى الصحيح : في رجل أمر رجلاً بقتل رجل ، فقال : « يقتل الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في السجن حتى يموت » (١).

ويستفاد منه عدم تحقق الإكراه في القتل ، كما عليه أصحابنا ، وادّعى جمع منهم عليه إجماعنا (٢) ، ووجهه واضح ، مصرَّح به في الصحيح : « إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقية » (٣) ونحوه الموثّق (٤).

هذا إذا كان المكره بالغاً عاقلاً ، ولو اكره المجنون أو الصبي غير المميّز فالقصاص على مكرِههما ، على الأقوى ؛ لأنّ المباشر حينئذٍ كالآلة.

ولا فرق فيهما بين الحرّ والعبد ؛ لعموم الدليل.

ولو اكره الصبي المميّز فلا قود عليه مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ، كما سيأتي الكلام فيه مفصّلاً ، ولا على الآمر ؛ لعدم المباشرة ، مع خروج الصبي بالتمييز عن كونه كالآلة.

ولا فرق فيه أيضاً بين كونه حرّا أو عبداً ، وإن افترقا بالإضافة إلى الدية عند جماعة (٥) ، حيث جعلوها على العاقلة في الأوّل ، ومتعلّقاً بالرقبة في الثاني.

( ولو كان المأمور ) القاتل ( عبده ) أي عبد الآمر ( فـ ) في القود‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ٨١ / ٢٥٤ ، التهذيب ١٠ : ٢١٩ / ٨٦٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٣ / ١٠٧١ ، الوسائل ٢٩ : ٤٥ أبواب القصاص في النفس ب ١٣ ح ١.

(٢) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ؛ والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٨١ ، والشهيد في المسالك ٢ : ٤٥٨ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٣ : ٣٩٤ ، وصاحب المفاتيح ٢ : ١١٨.

(٣) الكافي ٢ : ٢٢٠ / ١٦ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٤ أبواب الأمر والنهي ب ٣١ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ١٧٢ / ٣٣٥ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٤ أبواب الأمر والنهي ب ٣١ ح ٢.

(٥) الشرائع ٤ : ١٩٩ ، القواعد ٢ : ٢٨٢ ، المفاتيح ٢ : ١١٩.

١٨٩

منه وحبس المولى مخلّداً ، أم العكس ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ( أنّه ) أي العبد ( كغيره ) من الأحرار ، يقاد منه مع بلوغه وعقله ويخلّد سيّده السجن ، ومن سيّده مع جنونه أو صباوته وعدم تمييزه ، ولا يقاد منهما إذا كان صبيّاً مميّزاً كما مضى ؛ لعموم الدليل على هذه الأحكام.

غير أنّ الصحيحة الدالّة على سجن الآمر وقتل المأمور غير معلوم الشمول لنحو المفروض ؛ لإطلاقها الغير المنصرف إليه ، بناءً على تبادر الحرّ من الرجل الآمر والمأمور فيها ، مع التصريح به في المأمور في نسختها الأُخرى المروية في الفقيه ، فإنّ فيها : « رجل أمر رجلاً حرّا » إلاّ أنّ في العمومات كفاية إن شاء الله تعالى ، لكن لا يستفاد منها حبس الآمر مخلّداً ، ولعلّه لا قائل بالفرق ، فتدبّر.

( والمروي ) في المعتبرين أنه ( يقتل به السيّد ) الآمر ، ويخلّد (١) العبد السجن ، ففي الموثّق كالصحيح : « في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً ، فقتله ، فقال : يقتل السيّد به » (٢).

وفي القوي : « هل عبد الرجل إلاّ كسوطه أو سيفه ، يقتل السيّد ، ويستودع العبد السجن حتى يموت » (٣).

وعمل بهما الإسكافي بشرط كون العبد جاهلاً أو مكرهاً (٤).

__________________

(١) في « ن » زيادة : في أحدهما.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٥ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٣ / ١٠٧٢ ، الوسائل ٢٩ : ٤٧ أبواب القصاص في النفس ب ١٤ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨٥ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٨٨ / ٢٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٠ / ٨٦٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٣ / ١٠٧٣ ، الوسائل ٢٩ : ٤٧ أبواب القصاص في النفس ب ١٤ ح ٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٩٢.

١٩٠

وهو شاذّ ، كالمعتبرين ، مع قصورهما سنداً ، ومكافأة لما مضى ، فليطرحا ، أو يؤوّلا بما يؤولان إليه ، بحملهما على ما إذا كان العبد صغيراً ، كما قيل (١).

وهو مع بعده موقوف على جواز تخليد العبد الصغير الغير المميّز السجن ، كما دل أحدهما عليه ، ولم أر قائلاً به ، مع منافاته الأُصول.

وجمع الشيخ (٢) بينهما وبين الصحيحة المقابلة لهما عموماً بحسب نسختها التي رواها بحملهما على من اعتاد أمر عبيده بقتل الناس وإكراههم عليه ، فيقتل ؛ لإفساده في الأرض ، وربما يعدّ ذلك فتوًى له ، قيل : ووافقه الحلبيّان (٣).

وهذا الجمع مع بعده إنّما يرفع التعارض بالإضافة إلى ما دلاّ عليه من قتل السيّد ، وأمّا بالإضافة إلى ما فيهما من تخليد العبد السجن فلا ، بل ظاهر الصحيحة يفيد قتله ، والخبران صريحان في تخليده.

والأوفق بالأُصول ترجيح الصحيحة وإن حمل الخبران على صورة إفساد السيّد ؛ فإنّ إفساده بمجرّده لا يدرأ القتل عن العبد بعد مباشرته للقتل.

و ( قال ) الشيخ ( في الخلاف ) والحلّي في السرائر (٤) ( إن كان العبد ) القاتل بأمر الغير ( صغيراً أو مجنوناً سقط القود ) عن المأمور ؛ لنقصه ، وعن الآمر ؛ لعدم قتله ( ووجبت الدية على المولى ) لئلاّ يطلّ دم المقتول.

__________________

(١) قاله في المختلف : ٧٩٣.

(٢) الاستبصار ٤ : ٢٨٣.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٤٤٤ ، وهو في الكافي : ٣٨٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٤) الخلاف ٥ : ١٦٩ ، السرائر ٣ : ٣٤٩.

١٩١

واضطرب كلام المبسوط (١) ، فتارة أوجب القود على الآمر حرّا كان المأمور أو عبداً ، وأُخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرّا أو عبداً.

وعن ابن حمزة : أنّ المأمور إن كان حرّا بالغاً عاقلاً أو مراهقاً اقتصّ منه ، وإن كان حرّا صبيّاً أو مجنوناً ولم يكره لزمت الدية عاقلته ، وإن اكره كان نصف الدية على عاقلته ونصفها على الآمر المكرِه ، وإن كان عبداً للآمر صغيراً أو كبيراً غير مميّز أقتص من الآمر ، وإلاّ فمن القاتل ، قال : وإذا لزم القود المباشر خلّد الآمر في الحبس ، وإن لزم الآمر خلّد المباشر فيه إلاّ أن يكون صبيّاً أو مجنوناً (٢).

( ولو جرح جان ) عمداً ( فسرت الجناية ) إلى النفس فقتل المجروح ( دخل قصاص الطرف في ) قصاص ( النفس ) اتفاقاً في الظاهر ، وبعدم الخلاف فيه صرّح في بعض العبائر (٣) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.

( أمّا لو جرحه وقتله ) بعد ذلك ( فـ ) في الدخول مطلقاً وعدمه كذلك ( قولان ، أحدهما : ) أنّه ( لا يدخل قصاص الطرف في ) قصاص ( النفس ) كما في السرائر وعن نكت النهاية وموضع من الخلاف والمبسوط ، وإليه مال ابن زهرة (٤) ؛ لعموم نصوص القصاص من الكتاب والسنّة ، وقوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى

__________________

(١) المبسوط ٧ : ٤٣ و ٤٤.

(٢) الوسيلة : ٤٣٧.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٤٤٥.

(٤) السرائر ٣ : ٤٠٦ ، نكت النهاية ٣ : ٤٤٦ ، الخلاف ٥ : ٢١٠ ، المبسوط ٧ : ١١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

١٩٢

عَلَيْكُمْ ) (١) مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة.

( و ) القول ( الآخر : ) أنّه ( يدخل ) كما عن موضع آخر من المبسوط والخلاف وعن التبصرة والجامع (٢) ؛ لظاهر الصحيح : عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ وذهب عقله ، فقال : « إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنّه ينتظر به سنة ، فإن مات فيما بينه وبين السنة أُقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله » قال : فما ترى في الشجة شيئاً؟ قال : « لا ؛ لأنّه إنّما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين ، وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائناً ما كان ، إلاّ أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه بواحدة ، وتطرح الأُخرى » قال : « وإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاثة ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنة ما كانت ، ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه » قال : « وإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت ، ما لم يكن فيها الموت » (٣).

قال الشيخ : ولما روى الأصحاب من أنّه إذا مثّل إنسان بغيره وقتله لم يكن عليه إلاّ القتل ، ولم يجز التمثيل به (٤).

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

(٢) المبسوط ٧ : ٢٢ ، الخلاف ٥ : ١٦٣ ، التبصرة : ٢٠٢ ، الجامع للشرائع : ٥٩٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٢٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ٩٨ / ٣٢٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٣ / ١٠٠٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٦ أبواب ديات المنافع ب ٧ ح ١.

(٤) المبسوط ٧ : ٢٢.

١٩٣

( و ) فصّل ( في النهاية ) (١) فقال : ( إن فرّقه ) أي الجرح أو الضرب واحداً بعد واحد ( لم يدخل ) وإلاّ دخل ، وعليه الفاضلان في الشرائع والتحرير والإرشاد والتلخيص ، والشهيد الثاني في المسالك والروضة (٢) مدّعياً فيها كونه قول أكثر المتأخّرين.

( ومستندها ) أي النهاية ( رواية محمّد بن قيس ) الصحيحة إليه ، واشتراكه مجبور بابن أبى عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، الراوي عنه ولو بواسطة محمد بن أبي حمزة ، وفيها : رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأُذنيه ثم قتله ، فقال : « إن كان فرّق (٣) ذلك اقتصّ منه ثم يقتل ، وإن كان ضربه ضربة واحدة ضرب عنقه ولم يقتصّ منه » (٤).

ونحوها رواية أُخرى صحيحة : عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات ، فقال : « إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثم قتل ، وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتصّ منه » (٥) هذا.

مضافاً إلى اعتضاد الحكم في الشقّ الأوّل بجميع ما مرّ دليلاً للقول الأوّل.

( و ) في الثاني : بأنّه من باب السراية التي ( يدخل ) معها ( قصاص

__________________

(١) النهاية : ٧١١.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٠١ ، التحرير ٢ : ٢٥٤ ، الإرشاد ٢ : ١٩٩ ، المسالك ٢ : ٣٥٩ ، الروضة ١٠ : ٩٢.

(٣) في « ب » والكافي زيادة : بين.

(٤) الكافي ٧ : ٣٢٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ٩٧ / ٣٢٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٢ / ١٠٠٠ ، الوسائل ٢٩ : ١١٢ أبواب القصاص في النفس ب ٥١ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ٢٥٣ / ١٠٠٢ ، الوسائل ٢٩ : ١١٢ أبواب القصاص في النفس ب ٥١ ح ٢.

١٩٤

الطرف في النفس اتفاقاً ) كما عرفته ، فينبغي عدم الخلاف فيه ، وعموم أدلّة القول الأوّل لعلّه لا ينافيه ؛ لقضاء العرف بأنّه ما جنى عليه إلاّ جناية واحدة ، فيكون قتله خاصّة اعتداءً بما اعتدى ، واقتصاص الزائد تعدّياً خارجاً ، مع دلالة الصحيح المستدل به للقول الثاني عليه أيضاً ؛ لقوله : فما ترى في الشجّة شيئاً؟ فقال : « لا ؛ لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة ».

وبالجملة : ينبغي القطع بالتداخل مع اتحاد الضرب مثلاً ؛ لاتفاق النصوص عليه وأكثر الفتاوي ، مع عدم منافاة العمومات لها ، كما مضى ، وعلى تقديرها فلتكن بها مخصَّصة ، فإن الخاص أقوى.

بقي الكلام في التداخل مع التعدّد ، والأقرب فيه العدم ، لتعدّد ما يدل عليه خصوصاً وعموماً ، كتاباً وسنّةً ، مضافاً إلى الاستصحاب كما تقدّم ، والتأيّد بالاعتبار قطعاً ، كما نبّه عليه بعض أصحابنا ، فقال على القول الثاني : وفيه بُعد ؛ إذ يلزم أن لو قطع يده مثلاً في وقت ، ثم يده الأُخرى في سنة ، ثم رجله في سنة ، وأُخرى في أُخرى ، ثم قتله في سنة ، لم يلزمه إلاّ القود ، أو دية النفس ، فينبغي اشتراط اتحاد الوقت أو تقاربها ، ولكنه غير منضبط (١) ، انتهى.

وهو حسن ، ولا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد ، مع أنّه عارضه الماتن في نكت النهاية (٢) بالخبر « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه ، وبصره ، ولسانه ، وعقله ، وفرجه ، وانقطع جماعه وهو حي ، بستّ ديات » (٣).

__________________

(١) مجمع الفائدة ١٣ : ٤٤٤.

(٢) نكت النهاية ٣ : ٤٤٦.

(٣) الكافي ٧ : ٣٢٥ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٢ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٥ أبواب ديات المنافع ب ٦ ح ١.

١٩٥

ولكن وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضحة.

وظاهر الماتن هنا التوقف ، كالفاضل في القواعد والشهيد في اللمعة ، وبه صرّح في المختلف (١). ولا وجه له.

( مسائل ) أربع ( من ) مسائل ( الاشتراك ) في الجناية.

( الاولى : لو اشترك جماعة في قتل حرٍّ مسلم ) بأن ألقوه من شاهق ، أو في بحر ، أو جرحوه جراحات مجتمعة ، أو متفرقة ، ولو مختلفة كمّية وكيفية ، فمات بها ( فللوليّ ) وليّ المقتول ( قتل الجميع ) مع التكافؤ ( ويردّ على كل واحد ) منهم ما فضل عن ديته ، فيأخذ كلّ منهم ( ما فضل من ديته عن جنايته ، وله قتل البعض ) أيضاً ( ويردّ الآخرون ) الباقون من الدية بـ ( قدر جنايتهم ، فإن فضل للمقتولين فضل ) عمّا ردّه شركاؤهم ( قام به الوليّ ).

فلو اشترك ثلاثة في قتل واحد واختار وليّه قتلهم أدّى إليهم ديتين يقتسمونهما بينهم بالسوية ، فنصيب كل واحد منهم ثلثا دية ، ويسقط ما يخصّه من الجناية وهو الثلث الباقي.

ولو قَتَل اثنين أدّى الثالث ثلث الدية عوضاً عما يخصه من الجناية ، ويضيف إليه الولي دية كاملة ليصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية ، وهو فاضل ديته عن جنايته ، ولأن الوليّ استوفى نفسين بنفس فيردّ دية نفس.

ولو قَتَل واحداً أدّى الباقيان إلى ورثته ثلثي الدية ، ولا شي‌ء على الوليّ.

( وإن فضل منهم ) لقصور ديتهم عن دية المقتول ، بأن كانوا عبدين أو امرأة حرّة وأمة وقتلوا رجلاً ونقصت القيمة عن الدية ( كان ) الفاضل‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٣٠٦ ، اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ٩٢ ، المختلف : ٨٠٩.

١٩٦

من دية المقتول على ديتهم ( له ) أي للولي.

والأصل في المسألة قبل إجماعنا الظاهر ، المصرّح به في الغنية وغيرها من كتب الجماعة (١) الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : في رجلين قتلا رجلاً ، قال : « إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما ، وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، وإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه وادّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول » الخبر (٢).

وفي آخر : في عشرة اشتركوا في قتل رجل ، قال : « يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاؤوا قتلوا ، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية » (٣) ونحوه الحسن والموّثق (٤).

وأمّا الخبر : « إذا اجتمع العشرة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاؤوا ، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٥) وإذا قتل ثلاثة واحداً خيّر الولي أيّ الثلاثة شاء أن يقتل ، ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول » (٦).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩ ؛ التنقيح الرائع ٤ : ٤٠٩.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٣ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢١٧ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٤٢ أبواب القصاص في النفس ب ١٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ٨٦ / ٢٧٦ ، التهذيب ١٠ : ٢١٨ / ٨٥٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٨١ / ١٠٦٧ ، الوسائل ٢٩ : ٤٢ أبواب القصاص في النفس ب ١٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨٣ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٨٥ / ٢٧٤ ، التهذيب ١٠ : ٢١٧ / ٨٥٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٨١ / ١٠٦٤ ، الوسائل ٢٩ : ٤٣ أبواب القصاص في النفس ب ١٢ ح ٦.

(٥) الإسراء : ٣٣.

(٦) الكافي ٧ : ٢٨٤ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ٢١٨ / ٨٥٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٢ / ١٠٦٨ ، الوسائل ٢٩ : ٤٣ أبواب القصاص في النفس ب ١٢ ح ٧ و ٨. وفي الجميع : إذا اجتمع العدّة ..

١٩٧

فمع قصور سنده عن الصحة وإن قرب منها بابن أبي عمير الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة شاذّ ، لا يعترض به الأخبار السابقة ؛ لما هي عليه من الاستفاضة ، وصحة سند أكثرها ، واعتبار باقيها ، وإطباق الفتاوي عليها ، ولذا حمله الشيخ تارةً على التقية ، قال : لأنّ في الفقهاء من لا يجوّز ذلك ، وأُخرى على أنّ المراد أنّه ليس له ذلك إلاّ بشرط أن يردّ ما يفضل عن دية صاحبه ، قال : وهو خلاف ما ذهب إليه قوم من العامّة ، وهو مذهب بعض من تقدّم على أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنّه كان يجوّز قتل الاثنين وما زاد عليهما بواحد ولا يردّ فضل ذلك ، وذلك لا يجوز على حال (١).

وهذان الحملان لا بأس بهما جمعاً وإن بَعُدا ، ولا سيّما الأوّل منهما ، كما نبه عليه غير واحد من الأصحاب (٢) ، معلّلين بأنّه خلاف المشهور بينهم ؛ إذ أكثرهم ذهبوا إلى جواز قتل الجميع كما ذهب إليه أصحابنا ، لكنّهم لم يوجبوا ردّاً ، بل جعلوا دم كلّ منهم مستحقّاً للوليّ مجّاناً ، قالوا : فالأولى حمله على الاستحباب ، ولا بأس به أيضاً.

( الثانية : يقتصّ من الجماعة في الأطراف كما يقتصّ ) منهم ( في النفس ) لفحوى الأدلّة المتقدّمة.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة الصريحة : في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال : « إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية واقتسماها ثم‌

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ٢٨٢.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٤٦٠.

١٩٨

يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد » ، قال : « وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية » (١).

( فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع ) يد ( الجميع ويردّ فاضل الدية ) أي دية يده عليهم ، يقتسمونه بينهم بالسويّة ( وله قطع ) يد ( البعض ) منهم ، واحداً أو متعدّداً ( ويردّ عليهم ) أي على المقطوعين وإنّما جمع الضمير تنبيهاً على ما ذكرنا من دخول المتعدّدين في البعض الذي له الخيار في قطعهم البعض ( الآخرون ) بقدر جنايتهم ، فإن فضل للبعض المقطوع فضل بأن تعدّد قام به المجنيّ عليه.

وبالجملة : الأمر هنا كما سبق في المسألة السابقة من دون فرق بينهما إلاّ من حيث إنّ الشركة في النفس يتحقق بموته بالأمرين أو الأُمور ، سواء اجتمعت أم تفرّقت ، وهنا لا يتحقق إلاّ مع صدور الفعل عنهم أجمع ، إمّا بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثم يرجعوا ، أو يكرهوا إنساناً على قطعه ، أو يلقوا صخرة على طرفه فيقطعه ، أو يضعوا حديدة على المفصل ويعتمدوا عليها جميعاً ، ونحو ذلك.

فلو قطع كل واحد منهم جزءاً من يده لم يقطع أحدهم ، بل يكون على كلّ منهم حقّ جنايته ؛ لانفراده بها ، وكذا لو وضعوا منشاراً ونحوه على عضوه ومدّه كل واحد مرّة إلى أن حصل القطع ؛ لأنّ كل واحد لم يقطع بانفراده ولم يشارك في قطع الجميع ، فإن أمكن الاقتصاص من كلّ واحد على حدة ثبت بمقدار جنايته ، وإلاّ فلا.

( الثالثة : لو اشتركت في قتله ) أي قتل الحرّ المسلم ( امرأتان )

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨٤ / ٧ ، الفقيه ٤ : ١١٦ / ٤٠٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٠ / ٩٥٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٨٦ أبواب قصاص الطرف ب ٢٥ ح ١.

١٩٩

قتلتا ) به ( ولا ردّ ) هنا ( إذ لا فاضل لهما ) عن ديته ، بناءً على أنّ المرأة نصف الرجل وديتها نصف ديته ، كما يأتي.

وفي الخبر ، بل الصحيح ( كما قيل ) (١) : عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً ، فقال : « تقتلان به ، ما يختلف في هذا أحد » (٢).

وكما أنّ للولي قتلهما كذا له قتل إحداهما ، وتردّ الأُخرى ما قابل جنايتها وهو ديتها على الولي ، ولا شي‌ء للمقتولة أصلاً ؛ لاستيفائها بجنايتها بدل نفسها.

( ولو كنّ ) أي النساء المشتركات في القتل ( أكثر ) من امرأتين ( ردّ ) الوليّ عليهنّ ( الفاضل ) عن ديته ( إن قتلهنّ ) جُمع ، فإن كنّ ثلاثاً وقتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة بينهنّ بالسوية ، أو أربعاً فدية امرأتين كذلك ، وهكذا.

( وإن قتل بعضاً ) منهنّ ( ردّ البعض الآخر ) ما فضل عن جنايتها ، فلو اختار في الثلاث قتل اثنتين ردّت الباقية ثلث ديته بين المقتولتين بالسوية ؛ لأنّ ذلك هو الفاضل لهما عن جنايتهما ، وهو ثلث ديتهما ، أو قتل واحدة ردّت الباقيتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل ؛ لأنّ جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل ، وأولياؤه قد استوفوا بقتل الواحدة نصفها ، بقي لهم النصف الآخر يستوفونها من الباقيتين ، وكلّ منهنّ إنّما جنت الثلث ، فزادت دية كلٍّ على جنايتها بقدر ثلث ديتها.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب ». والقائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٤٧.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٨٣ / ٧١٦ ، الوسائل ٢٩ : ٨٤ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ١٥.

٢٠٠