رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

حيث يكون ثبوته إجماعيّاً أو ضروريّاً.

ولا ريب أنّ الاستيذان أحوط ، سيّما مع نقل نفي الخلاف الذي مرّ ، مع عدم ظهور وهنه من الخارج ؛ إذ لم يخالف فيه من القدماء عدا الشيخ في أحد قوليه ، وهو بمجرّده لا يوجب القدح فيه ، سيّما مع نفيه هو أيضاً عنه الخلاف في الخلاف ، وشهرة الخلاف إنّما هو بين المتأخّرين ، هذا.

مع إشعار جملة من النصوص باعتبار الإذن ، كالخبر : « من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة » (١) وقريب منه غيره (٢) ، فتأمّل.

وظاهر العبارة عدم الكراهة ، ولكن حكم بها في الشرائع (٣) ، ونحوه الفاضل في التحرير (٤) ، ولا ريب فيها ؛ لشبهة الخلاف الموجبة لها لا أقلّ منها.

قالا : وتتأكّد الكراهة في قصاص الطرف. قيل : لأنّه بمثابة الحدّ ، وهو من فروض الإمام ؛ ولجواز التخطّي مع كون المقصود معه بقاء النفس بخلاف القتل ، ولأنّ الطرف في معرض السراية ، ولئلاّ تحصل مجاحدة (٥).

( ولو كانوا ) أي الأولياء ( جماعة ) لم يجز لأحدهم الاستيفاء بنفسه ، بل ( يتوقف على الاجتماع ) إمّا بالوكالة لأجنبي أو أحدهم ، أو‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٧٩ / ١٠٩١ ، الوسائل ٢٩ : ٦٥ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٠٦ / ٨١٣ ، الوسائل ٢٩ : ٦٥ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ٩.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٢٨.

(٤) التحرير ٢ : ٢٥٥.

(٥) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٧٧.

٣٠١

بالإذن ، وفاقاً للفاضلين والشهيدين (١) وغيرهم من المتأخّرين (٢) ، وبالجملة : المشهور ، كما في شرح الشرائع للصيمري (٣) ؛ لتساويهم في السلطان ، ولاشتراك الحقّ فلا يستوفيه بعضهم ، ولأنّ القصاص موضوع للتشفّي ولا يحصل بفعل بعضهم.

و ( قال الشيخ ) في المبسوط والخلاف (٤) : ( لو بادر أحدهم ) بالاستيفاء ( جاز ) له ذلك ( وضمن الدية عن حصص الباقين ) وهو خيرة السيّدين (٥) ، مدّعيين عليه الإجماع كالشيخ في الكتابين ، وهو الحجّة ، لا ما يقابل لهم أو قالوه : من قوله تعالى ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (٦) وبناء القصاص على التغليب ، وأنّه لو عفا بعضهم على مال أو مطلقاً كان للآخر القصاص مع أنّ القاتل قد أحرز بعض (٧) نفسه ، فهنا كذلك بطريق أولى.

لإمكان المناقشة في الجميع ؛ لعدم ظهور الآية في المطلوب ، والتغليب ليس بحجّة ، بل غير مسلم ، فإنّه يسقط بالشبهة مثل سائر الحدود ، وجواز استقلال البعض بالاستيفاء والقصاص بعد أخذ الباقي حقه بالعفو وغيره لا يستلزم جوازه بدون أخذهم ذلك ، فكيف الأولوية؟! فتأمّل.

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٢٢٨ ، القواعد ٢ : ٢٩٩ ، اللمعة والروضة البهية ١٠ : ٩٥.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٤٤٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١٣ : ٤٣٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٣٩.

(٣) غاية المرام ٤ : ٤٠٢.

(٤) المبسوط ٧ : ٥٣ ، الخلاف ٥ : ١٧٩.

(٥) لم نعثر على قول السيد المرتضى في كتبه لكن حكاه عنه الشهيد في غاية المراد ٤ : ٣٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٦) الإسراء : ٣٣.

(٧) أثبتناه من « ب ».

٣٠٢

وهذه الوجوه وإن لم تصلح للحجية ، لكنّها معاضدات قويّة للإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة ، السليمة مع ذلك عمّا يوجب وهنها سوى الشهرة المتأخّرة ، وهي ليست بموهنة كما عرفته ، والشهرة المطلقة المحكية معارضة بدعوى المولى الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد (١) على هذا القول الأكثرية ، وبعد التساقط تبقى الإجماعات عن الوهن بها سليمة.

فإذاً هذا القول في غاية القوّة ، سيّما مع التأيّد بما قيل (٢) من أنّ الباقي إمّا أن يريد قتله ، أو والدية ، أو العفو ، فإن أراد القتل فقد حصل ، وإن أراد الدية فالمباشر باذل ، وإن أراد العفو فيعفو فيه أيضاً ؛ إذ المقصود منه المثوبة من الله سبحانه ، وهي على التقديرين حاصلة ، فتأمّل.

ولا ريب أنّ القول الأوّل أحوط.

( ولا قصاص ) في النفس ( إلاّ بالسيف ، أو ما جرى مجراه ) من آلة الحديد.

( ويقتصر ) المستوفي ( على ضرب العنق ) حال كونه ( غير ممثِّل ) بقطع اذن ، أو أنف ، أو نحو ذلك مطلقاً ( ولو كانت الجناية ) من الجاني ( بالتحريق ) للمجني عليه ( أو التغريق ) له ( أو الرضخ ) (٣) أي الرمي عليه ( بالحجارة ) ونحوها من كل مثقل ، على الأشهر الأقوى ، بل نفى في الغنية (٤) عنه الخلاف بين أصحابنا ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه ، كالفاضل المقداد في التنقيح وشيخنا في الروضة ، حيث قالا بعد نقل القول بجواز‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٣ : ٤٣٠.

(٢) قاله المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٣ : ٤٣١.

(٣) في النسخ : الرضح بالحاء المهملة والأنسب ما أثبتناه من المختصر.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

٣٠٣

قتله بمثل القتلة التي قتل بها ودليله ـ : وهو متّجه لولا انعقاد الإجماع على خلافه (١). وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، ففي جملة منها تضمّنت الصحيح وغيره : عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال : « نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف » (٢).

وفي المرسل : عن قول الله عزّ وجلّ ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) (٣) ما هذا الإسراف الذي نهى الله تعالى عنه؟ قال : « نهى أن يقتل غير قاتله ، أو يمثّل بالقاتل » (٤).

وفي المروي عن قرب الإسناد : « أنّ عليّاً عليه‌السلام لمّا قتله ابن ملجم قال : احبسوا هذا الأسير » إلى أن قال عليه‌السلام : « فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به » (٥).

وفي آخر عنه أيضاً : « أنّ الحسن عليه‌السلام قدّمه فضرب عنقه بيده » (٦) إلى غير ذلك من النصوص.

خلافاً للإسكافي ، فقال ( بما مرّ ) (٧) إمّا مطلقاً ، كما يحكى عنه‌

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٤٤٦ ، الروضة ١٠ : ٩٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢٧٩ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٥٧ / ٦٣٠ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٦ أبواب القصاص في النفس ب ٦٢ ح ١.

(٣) الإسراء : ٣٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٧٠ / ٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٧ أبواب القصاص في النفس ب ٦٢ ح ٢.

(٥) قرب الإسناد : ١٤٣ / ٥١٥ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٧ أبواب القصاص في النفس ب ٦٢ ح ٤.

(٦) قرب الإسناد : ١٤٣ / ٥١٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٨ أبواب القصاص في النفس ب ٦٢ ح ٥.

(٧) بدل ما بين القوسين في « ب » : يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها.

٣٠٤

كثيراً (١) ، أو مشروطاً بما إذا وثق بأنّه لا يتعدّى ، كما حكاه عنه في المختلف وبعض أصحابنا (٢) ؛ لقوله تعالى ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (٣) والنبوي : « من حرّق حرّقناه ، ومن غرّق غرّقناه » (٤).

قيل : وروى أنّ يهوديّاً رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرضخ رأسه (٥). ولأنّ المقصود من القصاص التشفّي ، وإنّما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به (٦).

وفي الجميع نظر ، عدا الآية الكريمة ، فإنّها فيما ذكره ظاهرة ، والمصير إليه لا يخلو عن قوّة لولا ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع كما عرفته من هؤلاء الجماعة ، والمخالف شاذّ ، وإن مال إليه جماعة مرّ إليهم الإشارة ، لكن لم يجسروا على المخالفة ، ولكنّها صريح المسالك والمحكي عن المختلف والجامع (٧) ، حيث قال : ويقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها.

وعلى هذا القول يستثني ما إذا حصل الجناية بمحرّم كالسحر ، ووطء الدبر ، ووجور الخمر أو البول مثلاً في الحلق ، ووجهه واضح.

وعلى المختار لو خالف فأسرف في القتل أساء ولا شي‌ء عليه من القصاص والدية ، وأمّا التعزير فلا يسقط ؛ لفعله المحرّم.

__________________

(١) كما في المسالك ٢ : ٤٧٨ ، والتنقيح ٤ : ٤٤٦ ، والمفاتيح ٢ : ١٤٢.

(٢) المختلف : ٨٢٠ ، كشف اللثام ٢ : ٤٦٨.

(٣) البقرة : ١٩٤.

(٤) سنن البيهقي ٨ : ٤٣.

(٥) سنن البيهقي ٨ : ٤٢ ، في النسخ : رضح بالحاء المهملة ، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٧٨.

(٧) المسالك ٢ : ٤٧٨ ، المختلف : ٨٢٠ ، الجامع للشرائع : ٥٩٩.

٣٠٥

( ولا يضمن سراية القصاص ) في الطرف إلى النفس أو غيرها ( ما لم يتعدّ المقتصّ ) فيقتصّ منه في الزائد إن اعترف به عمداً ، وإن قال : خطأ ، أُخذت منه دية الزيادة ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده.

والنصوص بأصل الحكم بعد الاعتبار مستفيضة كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة ، ففي الصحيح : « أيّما رجل قتله الحدّ والقصاص فلا دية له » الحديث (١).

وفي القوي : « من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن » (٢).

وفي الموثّق : عمّن أُقيم عليه الحدّ فمات (٣) ، إيقاد منه ، أو يؤدى ديته؟ قال : « لا ، إلاّ أن يزاد على القود » (٤).

وفيه الدلالة على الضمان في صورة التعدّي والزيادة.

وينبغي حمل الدية المطلقة فيه على ديتها خاصّة ؛ لأن المستوفى من دونها حقه ، فلا وجه لأخذ الدية من أجله.

ويدلُّ عليه أيضاً أنّه بالنسبة إلى الزائد جانٍ ، فيلزمه القصاص أو الدية على حسب الجناية ؛ للعمومات من الكتاب والسنّة.

( وهنا مسائل ) أربع :

( الاولى : لو اختار بعض الأولياء الدية ) عن القود ( فدفعها ) إليه‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٠٦ / ٨١٣ ، الوسائل ٢٩ : ٦٥ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ٩.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧٧ / ١٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٩ / ١٠٩٠ ، الوسائل ٢٩ : ٦٤ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ٢.

(٣) أثبتناه من « ب » والمصدر.

(٤) التهذيب ١٠ : ٢٧٨ / ١٠٨٦ ، الوسائل ٢٩ : ٦٥ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ٧.

٣٠٦

( القاتل لم يسقط القود ) لو أراده غيره ( على الأشهر ) (١) بل لا خلاف فيه يظهر ، كما في عبائر جمع ممّن تأخّر ، كالفاضل المقداد في الشرح وشيخنا في الروضة وغيرهما (٢) ، وفي شرح الشرائع للصيمري أنّ عليه فتوى الأصحاب (٣) ، وظاهرهم الإجماع عليه كما ادّعاه بعض الأصحاب (٤) ، وبه صرّح في الغنية (٥) ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، وقوله سبحانه ( فَقَدْ جَعَلْنا ) الآية (٦).

وخصوص الصحيحة الصريحة : في رجل قتل وله أب وأُمّ وابن ، فقال الابن : أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب : أنا أعفوه ، وقالت الأُمّ : أنا آخذ الدية ، قال : « فليعط الابنُ أُمّ المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا ، وليقتله » (٧).

ونحوها رواية أُخرى : في رجل قتل وله وليّان فعفا أحدهما وأبى الآخر أن يعفو ، قال : « إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل وردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه » (٨).

وقريب منهما الصحيح : عن رجل قتل رجلين عمداً ولهما أولياء ،

__________________

(١) في المختصر المطبوع : الأشبه.

(٢) التنقيح ٤ : ٤٤٦ ، الروضة ١٠ : ٩٦ ، وانظر ملاذ الأخيار ١٦ : ٣٥٩.

(٣) غاية المرام ٤ : ٤٠٤.

(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٦٦.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٦) الإسراء : ٣٣.

(٧) الكافي ٧ : ٣٥٦ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٠٥ / ٣٥٣ ، التهذيب ١٠ : ١٧٥ / ٦٨٦ ، الوسائل ٢٩ : ١١٣ أبواب القصاص في النفس ب ٥٢ ح ١.

(٨) الكافي ٧ : ٣٥٦ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١٧٧ / ٦٩٤ ، الوسائل ٢٩ : ١١٣ أبواب القصاص في النفس ب ٥٢ ح ٢.

٣٠٧

فعفا أولياء أحدهما وأبى الآخرون؟ قال : فقال : « يقتل الذي لم يعف ، وإن أحبّوا أن يأخذوا الدية أخذوا » (١).

( و ) على هذا فـ ( للآخرين ) الباقين ( القصاص ) لكن ( بعد أن يردّوا على المقتصّ منه ) الجاني ( نصيب من فاداه ) من الدية ، كما يستفاد من الصحيح السابق وما بعده.

( و ) كذلك ( لو عفا البعض ) من الأولياء مطلقا لم يسقط القود ، و ( لم يقتصّ الباقون حتى يردّوا عليه ) أي على الجاني ( نصيب من عفا ) أيضاً ، بلا خلاف في هذا أيضاً ، ودلّ عليه الخبران الأوّلان.

فلا إشكال في الحكم في المسألتين بحمد الله ، وإن خالفته روايات مشتملة على الصحيح وغيره ، دالّة على سقوط القود بالعفو (٢) ، لكنّها مع قصور أكثرها سنداً ، وعدم مكافأتها لما مضى شاذّة لا قائل بها ، كما مضى ، وإن أشعر عبارة الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في التحرير والشهيد في اللمعة (٣) بوجود مخالفٍ في هذا الحكم ، لكن الظاهر عدم كون الخلاف منّا ، بل من العامّة العمياء ، كما حكاه عنهم جماعة من أصحابنا (٤) ، ولذا حملوا هذه الأخبار على التقيّة ، قالوا : لاشتهار ذلك بينهم.

وهذا أجود من حمل هذه على الاستحباب ، أو ما ذكره الشيخ في‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٥٨ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٧٦ / ٦٨٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٣ / ٩٩١ ، الوسائل ٢٩ : ١١٣ أبواب القصاص في النفس ب ٥٢ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ٢٩ : ١١٥ أبواب القصاص في النفس ب ٥٤.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٣٠ ، التحرير ٢ : ٢٥٥ ، اللمعة ( الروضة البهية ١٠ ) : ٩٦.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ١٨١ والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٣٩ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٦ : ٣٥٩.

٣٠٨

الاستبصار (١) من تقييدها بصورة ما إذا لم يؤدّ مريد القود الدية ، وإن كان لا بأس بهما أيضاً ؛ جمعاً بين الأدلّة.

( الثانية : لو فرّ القاتل ) عمداً ( حتى مات ، فالمروي ) في الموثقين وغيرهما (٢) ( وجوب الدية في ماله ) إن كان له مال ( ولو لم يكن له مال أُخذت من الأقرب ) إليه ( فالأقرب ) وزيد في الموثقين : « فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام ، فإنّه لا يطلّ دم امرئ مسلم » وبه أفتى أكثر الأصحاب ، بل في الغنية (٣) الإجماع عليه ، وهو حجة أُخرى ؛ مضافاً إلى الروايات المعتبر سند أكثرها ، والمنجبر بالشهرة باقيها.

( وقيل ) كما في السرائر وعن المبسوط (٤) : إنّه ( لا دية ) لأنّ الثابت بالآية والإجماع هو القصاص ، فإذا فات محلّه فات.

وهو حسن لولا ما مرّ من الإجماع المحكي والروايات ، مع إمكان أن يقال بوجوب الدية ولو فرض عدمهما ؛ من حيث إنّه فوّت العوض مع مباشرة إتلاف المعوّض فيضمن البدل ، كما يستفاد من الصحيح : عن رجل قتل رجلاً عمداً فدفع (٥) إلى الوالي ، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟ فقال : « أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل » قيل‌

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ٢٦٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٦٥ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٧٠ / ٦٧١ ، الإستبصار ٤ : ٢٦١ / ٩٨٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٥ أبواب العاقلة ب ٤ ح ١ و ٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٤) السرائر ٣ : ٣٣٠ ، المبسوط ٧ : ٦٥.

(٥) كذا ، وفي المصادر عدا التهذيب : فرُفع.

٣٠٩

فإن مات القاتل وهم في السجن؟ فقال : « إن مات فعليهم الدية » (١).

وحيث ثبت بذلك وجوب الدية في ماله لو كان ثبت وجوبها في مال الأقرب فالأقرب مع عدمه بالإجماع المركّب ، إذا لا قائل بالفرق.

وأما ما يجاب عن هذا الاعتبار من أنّه لو مات فجأةً ولم يمتنع من القصاص ولم يهرب حتى مات لم يتحقق منه تفويت فهو متوجّه إن لم يخصّص الدعوى بالهارب ، وأمّا مع التخصيص فلا ، وهو ظاهر العبارة هنا وفي النهاية والغنية (٢) ، بل أكثر الأصحاب كما في المسالك والنكت (٣) ، بل عامّتهم عدا الفاضل في الإرشاد كما في التنقيح (٤) ولعلّه الأقرب ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص ، ويحتمل العموم ؛ لما في بعضه من التعليل المفيد له.

ثم الموثّقان ليس فيهما اعتبار الموت ، بل علّق الحكم فيهما على مطلق الهرب ، وليس في غيرهما ما يقتضي التقييد به فيعتبر ، وإنّما وقع قيد الموت فيه في كلام الراوي ، وهو لا يوجبه ، وإن أوجب اختصاص الحكم في الجواب منه عليه‌السلام بمورده ، ولكنّه غير التقييد ، هذا.

مع أنّ في الكافي بعد نقل الموثّقين (٥) قال : وفي رواية أُخرى : « ثمّ للوالي بعد حبسه وأدبه » (٦) وهي وإن كانت مرسلة إلاّ أنّها للتأكيد صالحة ، ولكن ظاهر الأصحاب يفيد اعتباره.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ٨٠ / ٢٥٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٣ / ٨٧٥ ، الوسائل ٢٩ : ٤٩ أبواب القصاص في النفس ب ١٦ ح ١.

(٢) النهاية : ٧٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٣) المسالك ٢ : ٤٨١ ، غاية المراد ٤ : ٣١٩.

(٤) التنقيح ٤ : ٤٤٨ ، وهو في الإرشاد ٢ : ١٩٨.

(٥) كذا في النسخ ، وليس في الكافي إلاّ أحد الموثقين.

(٦) الكافي ٧ : ٣٦٥ / ذيل الحديث ٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٥ أبواب العاقلة ب ٤ ح ٢.

٣١٠

( الثالثة : لو قتل واحد رجلين أو رجالاً عمداً قتل بهم ) لاستحقاق وليّ كل مقتول القصاص عليه بسبب قتله ، فلو عفا بعض المستحقّين لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ دية ، وبه ينصّ الصحيح المتقدم ذيل المسألة الأُولى.

وإن اجتمعوا على المطالبة استوفوا حقوقهم ( ولا سبيل ) لهم ( إلى ماله ) فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه.

( ولو تراضوا ) أي الأولياء مع الجاني ( بالدية فلكلّ واحد ) منهم ( دية ) كاملة ، بلا خلاف أجده ؛ لما مرّ من استحقاق كلّ منهم عليه نفساً كاملة ؛ ولذا لو عفا أحدهم استحقّ الباقي القصاص من دون ردّ (١) ، والدية المصالح بها من كل إنّما هي على ما يستحقّه ، وليس إلاّ نفساً كاملة كما عرفته ، فما بإزائها أيضاً دية كاملة إن لم يتراضوا بالأقلّ.

ثم كل ذا إذا اتفقوا على أحد الأمرين ، وأمّا لو اختلفوا ، فطلب بعضهم الدية والباقي القصاص ، فهل لهم ذلك؟ وجهان : من أنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه ، ومن أنّ لكل قتيل (٢) حكمه بانفراده ، ولو انفرد كان لوليّه القصاص والعفو على الدية.

ولا فرق في جميع ذلك بين جنايته على الجميع دفعةً أو على التعاقب ، لكن في الأوّل لم يكن أحد الأولياء أولى (٣) من الآخر ، حتى لو بادر أحدهم (٤) بالقرعة أو مطلقا لم يكن آثماً ، بل مستوفياً حقه ؛ لأنّ له نفساً كاملة.

__________________

(١) أثبتناه من « ن » وفي سائر النسخ : دية.

(٢) في « ب » : قتل.

(٣) في « س » و « ن » زيادة : بالقود.

(٤) في « ن » زيادة : به.

٣١١

وفي استحقاق الباقين حينئذٍ الدية وجهان : من أنّ الواجب في العمد القصاص ، وقد فات محلّه ، ومن استلزامه أن يطلّ دم امرئ مسلم ، فينتقل إلى بدلها ، وهو الدية إن لم يكن الواجب ابتداءً أحد الأمرين ، والأوّل مختار الشيخ (١) ، وهو الأوفق بالأصل ، والثاني مختار شيخنا الشهيد الثاني وغيره (٢).

وفي الثاني يقدّم السابق في الاستيفاء ؛ لاستحقاقه القصاص منفرداً من غير معارض قبل تعلّق حقّ الباقين ، فيقضى له بحكم الاستصحاب ، وفي أخذ الدية للباقين الوجهان المتقدمان.

ويحتمل مساواتهم ، فلا يحكم للسابق كالسابق ؛ لأنّ السبب الموجب لاستحقاق القصاص هو قتل النفس المكافئة عمداً ظلماً ، وهو متحقق في الجميع ، فيستوون فيه ، ويقدّم أحدهم بالقرعة ، أو يجتمعون على الاستيفاء.

وعلى كلّ تقدير فإن بادر أحدهم واستوفى وقع موقعه ؛ لأنّ له نفساً مكافئة فقد استوفى تمام حقّه من غير زيادة وإن أساء ، حيث لا يكون هو السابق على القول بتقديمه أو لم نقل بالتخيير ، ويبقى الإشكال في سقوط حق الباقين من حيث فوات محل القصاص أو الانتقال إلى الدية.

( الرابعة : إذا ضرب الوليّ الجاني وتركه ظنّاً ) منه ( أنّه مات فبرئ ففي رواية ) (٣) أنّه ( يقتصّ ) بمثل ذلك الضرب ( من الوليّ ، ثم يقتله

__________________

(١) النهاية : ٧٤٦.

(٢) المسالك ٢ : ٤٨٠ ؛ وانظر المختلف : ٨١٩.

(٣) الكافي ٧ : ٣٦٠ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٢٨ / ٤٥٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٨ / ١٠٨٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٥ أبواب القصاص في النفس ب ٦١ ح ١.

٣١٢

الوليّ ، أو يتتاركا ) (١) أي يترك كل واحد الآخر ويتجاوز عنه. وعمل بإطلاقها الشيخ وأتباعه كما في المسالك وغيره (٢).

( و ) لم يرتضه المتأخّرون ، كالماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد والتحرير والقواعد ، وولده في شرحه ، والفاضل المقداد في التنقيح ، وشيخنا في المسالك (٣) ، وغيرهم (٤) ، قالوا : لأنّ ( الراوي أبان بن عثمان ، وفيه ضعف ) بفساد عقيدته بالناووسية ، على ما ذكره علي بن الحسن بن فضّال (٥) ( مع إرسالـ ) ـه ( الرواية ) عمّن أخبره.

( و ) اختاروا في ذلك التفصيل ، فقالوا : ( الوجه ) في ذلك ( اعتبار الضرب ) وملاحظته ( فإن كان ) ضربه ( بما يسوغ ) له قتله ( به ) و ( الاقتصاص لم يقتصّ من الوليّ ) بل جاز له قتله من غير قصاص ، كما لو ضرب عنقه فظنّ أنّه مات والحال أنّه لم يمت ، وذلك لأنّه استحق إزهاق نفسه من غير قصاص ، وما فعله به كان مباحاً له ، والإباحة لا تستعقب ضماناً كما مضى.

وإن كان ضربه بما لا يسوغ له قتله به ، كأن ضربه بالعصا والحجر ونحوهما ، كان للجاني أن يقتصّ من الوليّ ثم يسلّم نفسه للقتل ، أو يتتاركا.

وهو حسن ، ويمكن حمل الرواية عليه ؛ لعدم صراحتها في‌

__________________

(١) في المختصر المطبوع : أو يتتاركان.

(٢) المسالك ٢ : ٤٨٢ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٤٧٠.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٣٣ ، الإرشاد ٢ : ١٩٩ ، التحرير ٢ : ٢٥٦ ، القواعد ٢ : ٣٠٢ ، الإيضاح ٤ : ٦٣٢ ، التنقيح ٤ : ٤٥١ ، المسالك ٢ : ٤٨٢.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٤٧٠.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٤٠ / ٦٦٠.

٣١٣

الإطلاق ، مع كونها قضية في واقعة ، فلا عموم فيها ، بل لعلّها ظاهرة في القسم الثاني.

وهذا هو الوجه في الذبّ عنها ، لا ما ذكروه من ضعف الراوي ؛ لعدم ثبوته إلاّ بإخبار من يضاهيه في فساد العقيدة ، فإن ثبت بإخباره قُبِل روايته ؛ إذ كما لا يمنع فساد العقيدة في المخبِر كذا لا يمنع في المخبَر عن حاله ، مع عدم صراحة خبره في فساد عقيدته بعد احتمال أن يراد به أنّه من قوم ناووسية ، لا أنّه ناووسي العقيدة.

ولو سلّم جميع ذلك فقول علي بن الحسن معارض بقول الكشّي : إنّ العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له بالفقه (١) ، وهو أعدل من الجارح ، فليقدّم عليه. ولو سلّمنا ، الجمع بينهما أفاد كونه موثقاً كما هو المشهور ، أو قويّاً على الأقوى ، بناءً على عدم ظهور دعوى الإجماع في التوثيق ، وإن جعلوها صريحة فيه ، أو ظاهرة ، وبالجملة : فلا ريب في قوّة الراوي وجواز الاعتماد على روايته ، كما هو ظاهر المشهور ، وصرّح به في الخلاصة (٢).

وأمّا الإرسال بعده فمنجبر بحكاية الإجماع المتقدّمة ، كما عرفته غير مرّة ، فتأمّل ، هذا.

مضافاً إلى عمل الشيخ بها والتبعة ، مع أنّ الرواية مروية في الكتب الثلاثة ، وسندها في الكافي والتهذيب وإن كان ضعيفاً قبل إبان بالإرسال أيضاً في الأوّل ، والجهالة في الثاني ، لكنّه في الفقيه إليه صحيح ، ومع ذلك فليس بعده أيضاً إرسال ، فإنها رويت فيه هكذا :

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٢) رجال العلاّمة : ٢١.

٣١٤

وفي رواية أبان بن عثمان : « أنّ عمر بن الخطاب اتي برجل قد قتل أخا رجلٍ ، فدفعه إليه وأمره أن يقتله ، فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله ، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه حتى برئ ، فلمّا خرج أخذه أخو المقتول الأوّل فقال : أنت قاتل أخي ولي أن أقتلك ، فقال له : قد قتلتني مرّة ، فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله ، فخرج وهو يقول : يا أيّها الناس قد قتلني والله مرّة ، فمرّوا به على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأخبره بخبره ، فقال : لا تعجل عليه حتى أخرج إليك ، فدخل علي عليه‌السلام على عمر فقال : ليس الحكم فيه هكذا ، فقال : ما هو يا أبا الحسن؟ فقال : يقتصّ هذا من أخ المقتول الأوّل ما صنع به ثم يقتله بأخيه ، فظنّ الرجل أنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه ، فعفا عنه وتتاركا » (١) فتأمّل جدّاً.

( ولو قتل ) رجل ( صحيح مقطوعَ اليد فأراد الوليّ قتله ردّ دية اليد ) عليه ( إن كانت قطعت في قصاص أو أخذ ) المقطوع ( ديتها ، وإن شاء ) الوليّ ( طرح دية اليد وأخذ الباقي ) من دية النفس ، وهو النصف.

( وإن ) كانت يده ( ذهبت من غير جناية جناها ) كما لو سقطت بآفة سماوية أو غيرها ( ولا أخذ لها دية كاملة ) مع الجناية عليه ( قتل قاتله ولا ردّ ) هنا ، بلا خلاف فيه ولا شبهة يعتريه ؛ لعموم النفس بالنفس كتاباً وسنّة ، السليم هنا عن المعارض بالكلّية ، ومقتضاه وإن كان عدم الردّ في الصورة (٢) السابقة أيضاً ، إلاّ أنّه إنّما نشأ فيها من رواية وردت في المسألة : ( وهي رواية سورة بن كليب ) المروية في الكافي والتهذيب ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) قال : سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول اقطع‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٢٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٥ أبواب القصاص في النفس ب ٦١ ح ١.

(٢) في غير « ح » : الصور.

٣١٥

اليد اليمنى؟ فقال : « إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه ، أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها ، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه ، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي » قال : « وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً ، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة » وقال : « هكذا وجدناه في كتاب علي عليه‌السلام » (١).

وعمل بها الحلّي في السرائر والفاضل في التحرير وغيرهما (٢) ، وهو مشكل ؛ لجهالة الراوي ، وعدم ظهور ما يوجب حسنه ، وإن ادّعاه في المسالك (٣) ، ولذا ردّها فخر الدين في الإيضاح (٤). ولكن في السند قبله الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه ، فيجبر به الجهالة.

مع التأيّد بما قيل (٥) من أنّه لا يقتصّ للناقص من الكامل إلاّ بعد الردّ ، كالمرأة من الرجل ، فهنا كذلك.

وبأنّه لو قطع كفّه بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع ، كما يأتي (٦) (٧).

وفي الاستدلال بهذين المؤيّدين نظر ؛ لمنع الكلّية في الأوّل ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٦ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٧ / ١٠٨٣ ، الوسائل ٢٩ : ١١١ أبواب القصاص في النفس ب ٥٠ ح ١.

(٢) السرائر ٣ : ٤٠٤ ، التحرير ٢ : ٢٥٦ ، الشرائع ٤ : ٢٣٣.

(٣) المسالك ٢ : ٤٨٢.

(٤) الإيضاح ٤ : ٦٣١.

(٥) قال به الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤٥٣.

(٦) في ص : ٣٣٧.

(٧) في « ح » زيادة : في الخبر.

٣١٦

وما ذكره في بيانها من قصاص المرأة قياس غير مسموع ، ومع ذلك مع الفارق ؛ لنقص المرأة نفساً لا طرفاً ، مع معارضته بالقسم الأخير المتقدم فيما نحن فيه الذي لا ردّ فيه اتفاقاً.

وكذا الكلام في الثاني بعد تسليمه ، فإنّ مقتضاه الردّ على الإطلاق ، ولا يقولون به فيما نحن فيه ، فهو وإن قوي من جهة لكن ضعف من اخرى.

وبالجملة : ليس المستند في المسألة عدا الرواية المتقدمة ، فإن قلنا باعتبارها سنداً كانت هي الحجّة ، وإلاّ فالقول بما عليه الفخر أقوى ، لكن الشأن في إثباته ، وفي الاكتفاء فيه بما ذكرنا إشكال ، فالمسألة محل تردّد وإشكال ، كما هو ظاهر الماتن وصريح الفاضل في الإرشاد والقواعد وغيرهما (١).

ثم إنّ إطلاق العبارة بجواز الاقتصاص من القاتل بعد ردّ الدية عليه أو مطلقاً يقتضي عدم الفرق بين كونه هو القاطع أو غيره ، عفا عنه المقطوع أم لا ، كما هو الأشهر الأقوى ، بل عن المبسوط أنّه مذهبنا (٢) ؛ للعمومات السليمة عن المعارض أصلاً.

وعن المبسوط (٣) أنّه حكى وجهاً بعدم الجواز في الصورة الاولى مع كون الجناية الأُولى معفوّاً عنها ؛ أخذاً من أنّ القتل بعد القطع كسراية الجناية الأُولى وقد سبق العفو عن بعضها فليس له القصاص في الباقي أيضاً.

وهو كما ترى ، فإنّ القتل إحداث قاطع للسراية ، فكيف يتوهّم أنّه‌

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٩٩ ، القواعد ٢ : ٣٠٢ ، وانظر غاية المراد ( مخطوط ) الورقة : ٣٠٤.

(٢) المبسوط ٧ : ٦٧.

(٣) المبسوط ٧ : ٦٧.

٣١٧

كالسراية؟! وعلى تقديره فاستلزام العفو عن البعض لسقوط القود ممنوع ، ويشير إليه المرسل : في رجل شجّ رجلاً موضحة ثم يطلب فيها فوهبها له ، ثم انتقضت (١) به فقتلته ، فقال : « هو ضامن للدية إلاّ قيمة الموضحة ؛ لأنّه وهبها ولم يهب النفس » الحديث (٢) ، فتدبّر.

__________________

(١) انتقض الجرح : فسد بعد برئه. لسان العرب ٧ : ٢٤٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٧ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٢ / ١١٣٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٧ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٧ ح ١. في غير التهذيب : انتقضت.

٣١٨

( القسم الثاني)

( في قصاص الطرف )

والمراد به ما دون النفس ، وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد ، والرجل ، والاذُن ، والأنف ، وغيرها ، كالجرح على البطن ، والظهر ، وغيرهما.

( ويشترط فيه التساوي ) في الإسلام والحرّية ، أو كون المقتصّ منه أخفض ، وانتفاء الأُبوّة ، إلى آخر ما فصّل سابقاً.

وبالجملة : الحكم هنا في الشروط ، بل العمد وشبهه والخطاء ( كما في قصاص النفس ) قد مضى ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في صريح الغنية وظاهر غيره (١) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع القطعي ، بل الضرورة ، والكتاب والسنّة المتقدم بعضها ، والآتي إلى جملة منها الإشارة في أصل ثبوت القصاص في الأطراف ، قال سبحانه ( وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (٢) و ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا ) الآية (٣).

وفي الخبر في أمّ الولد : « يقاصّ منها للمماليك ، ولا قصاص بين الحرّ والعبد » (٤) وهو ظاهر في اشتراك التساوي في الحرّية حتى في‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٢) المائدة : ٤٥.

(٣) البقرة : ١٩٤.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٦ / ١٧ ، التهذيب ١٠ : ١٩٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٣ أبواب القصاص في النفس ب ٤٣ ح ١.

٣١٩

الأطراف ؛ للإطلاق.

ويستفاد اشتراط التساوي في غيرها بعد الإجماع المركّب ، مضافاً إلى الإجماع البسيط من تتبّع النصوص ، بل الاعتبار أيضاً ، فتدبّر.

( فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس ، و ) لا يشترط التساوي في الذكورة والأُنوثة ، بل ( يقتصّ للرجل من المرأة ، ولا ردّ ، وللمرأة من الرجل مع الردّ فيما زاد عن الثلث ) أو بلغه ، على الخلاف المتقدّم هو ، مع نقل الإجماع والنصوص المستفيضة على ثبوت أصل التقاصّ بينهما في بحث الشرط الأوّل من شرائط القصاص الخمسة ، فلا وجه للإعادة.

( ويعتبر ) هنا زيادةً على شروط النفس المتقدمة ( التساوي ) أي تساوي العضوين المقتصّ به ومنه ( في السلامة ) من الشلل ، أو فيه مع انتفاء التعزير في المقتصّ منه.

والشلل : قيل : هو يبس اليد والرجل بحيث لا يعمل ، وإن بقي فيها حسّ أو حركة ضعيفة (١). وربما اعتبر بطلانهما (٢). وهو ضعيف.

وكيف كان ( فلا يقطع العضو الصحيح ) منه من يد أو رجل ( بالأشلّ ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٣) ، وهو الحجة المخصّصة للعمومات ، مضافاً إلى الاعتبار ، وإطلاق خصوص بعض المعتبرة : في رجل قطع يد رجل شلاّء ، قال : « عليه ثلث الدية » (٤).

__________________

(١) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٧١.

(٢) لم نعثر على قائله ولكن حكاه في المسالك ٢ : ٤٨٣ عن بعضهم.

(٣) الخلاف ٥ : ١٩٤.

(٤) الكافي ٧ : ٣١٨ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٠ / ١٠٦٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٣٢ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٨ ح ١.

٣٢٠