رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

وفيه نظر أيضاً ؛ لاختصاص موردهما بجنين الأمة لا مطلقاً.

واستقرب في التحرير عشر دية أُمّه ما لم تزد على عشر قيمة أبيه (١).

قيل : جمعاً بين عموم النص والفتوى باعتبار قيمتها ، ورقّ الجنين الموجب لعدم زيادة ديته على أبيه الرقيق (٢).

وفي عموم النص ما مرّ ، ووجه الأخير للعبد لم يظهر ، فالمسألة محل نظر ، ولكنّ الأخذ بالأقلّ أجدر ؛ عملاً بالأصل ؛ وأخذاً بالمتيقّن.

( و ) اعلم أنّه ( لا كفّارة ) في ؛ قتل الجنين في جميع أحواله ؛ للأصل ؛ واختصاص ما دلّ على وجوبها بصورة القتل المشروط بحياة القتيل ، ولا خلاف فيه هنا ظاهراً ، بل عليه في (٣) بعض العبارات إجماعنا (٤) ، وهو حجة أُخرى.

( ولو ) جني عليه بعد أن ( ولجته الروح فالدية ) دية النفس ( كاملة للذّكر ، ونصفها للأُنثى ) بلا خلاف أجده (٥) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة تقدّم إلى جملة منها الإشارة (٦).

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين موت الجنين في البطن أم خارجه.

خلافاً للغنية ، فخصّ وجوب كمال الدية بالصورة الثانية ، قال : وإن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية (٧).

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٧٧.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٥١٩.

(٣) في « ن » زيادة : ظاهر.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٥١٩.

(٥) في « ن » زيادة : في الجملة.

(٦) في ص ٥٣٣ ٥٣٥.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

٥٤١

ولم أعرف مستنده سوى ما ادّعاه في ظاهر كلامه من إجماع الإمامية ، ووهنه ظاهر ؛ إذ لا موافق له أجده عدا الحلبي والعماني والإسكافي (١) ، لكنّهما ذكرا ذلك في الجنين المملوك خاصّة ؛ للرواية : في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها ، فقال : « إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة امّه ، وإن كان ضربها فألقته حيّاً فمات فإنّ عليه عشر قيمة امّة » (٢).

وهي ضعيفة السند قاصرة المتن عن إفادة ما ذكره ابن زهرة ؛ لاختصاصها ككلام القديمين بالجنين المملوك خاصّة ، ومع ذلك صريحة ككلامهما بإثبات العشر ونصفه في الصورتين مع ولوج الروح ، وهو رحمه‌الله قد صرّح بلزوم دية النفس أو نصفها حينئذٍ لو مات خارجاً ، ونصفهما (٣) لو مات في بطنها.

ومن هنا ظهر عدم موافقته للقديمين أصلاً إلاّ في أصل التفصيل بين الموت في البطن أو خارجه.

( ولو لم يكتس اللّحم ففي ديته قولان ، أحدهما : ) أنّها ( غرّة ) عبد أو أمة مطلقاً ، ذهب إليه الشيخ في جملة من كتبه (٤) وفاقاً للإسكافي (٥) ، لكنّه أطلق ولم يفصّل بين اكتسائه اللحم وعدمه كما مرّ ، والشيخ فصّل بين الصورتين ووافق الأصحاب في لزوم المائة في الأُولى ، ووافقه في الثانية ؛

__________________

(١) الحلبي في الكافي : ٣٩٣ ، وحكاه عن العماني والإسكافي في المختلف : ٨١٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٤٤ / ٥ ، الفقيه ٤ : ١١٠ / ٣٧٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٨ / ١١١٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٢٢ أبواب ديات الأعضاء ب ٢١ ح ١.

(٣) في « ح » و « ب » و « س » : ونصفها.

(٤) المبسوط ٤ : ١٢٥ ، الخلاف ٤ : ١١٣.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٨١٣.

٥٤٢

جمعاً بين النصوص المتقدّمة الدالّة على المائة والنصوص الدالّة على الغرّة بقول مطلق ، كالصحيح :

« جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً ، فقال الأعرابي : لم يهلّ ولم يصح ومثله يطلّ ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اسكت سجّاعة ، عليك غرّة وصيف أو أمة » (١) ونحوه الصحيح (٢).

والقوي في قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك في مثل تلك القضية (٣).

والصحيح : عن رجل قتل امرأة خطأً وهي على رأس الولد تمخض؟ فقال عليه‌السلام : « عليه خمسة آلاف درهم ، وعليه دية الذي في بطنها غرّة وصيف أو وصيفة » (٤).

والخبر : « إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتاً فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة يدفعه إليها » (٥).

بحمل الأوّلة على تامّ الخلقة كما هو صريحها ، والأخيرة على ناقصها كأن طرح علقةً أو مضغةً ، واستشهد عليه بالصحيح : في امرأة شربت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها ، قال : « إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشقّ له السمع والبصر فإنّ عليها ديته تسلّمها إلى أبيه ، وإن كان‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٣ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٠٩ / ٣٦٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٦ / ١١١٠ ، الإستبصار ٤ : ٣٠٠ / ١١٢٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٩ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٨٦ / ١١١١ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٩ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٤٤ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٦ / ١١٠٩ ، الإستبصار ٤ : ٣٠٠ / ١١٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٩ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ٢٩٩ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٦ / ١١١٢ ، الإستبصار ٤ : ٣٠١ / ١١٢٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٢٠ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ٣٤٤ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٦ / ١١٠٨ ، الإستبصار ٤ : ٣٠٠ / ١١٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٢٠ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٥.

٥٤٣

جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه » (١).

وفي هذا الجمع نظر ؛ لأنّ فيه اطراحاً للأخبار الأوّلة في صورة عدم تمام الخلقة ، لتصريحها بالتفصيل الذي عرفته وسيأتي إليه الإشارة.

وينافيه إطلاق أخبار الغرّة ، إلاّ أن يجمع بينهما بحمل إطلاقها على تفصيل تلك بتقييده بغرّةٍ تساوي عشرين ديناراً في النطفة ، وأربعين في العلقة ، وهكذا ، لكنّه لا يلائم ما اختاره من لزوم الغرّة على الإطلاق.

وينافيه صريح الصحيحة الأخيرة ؛ لنصها بلزوم الغرّة أو أربعين ديناراً في المضغة ، مع أنّ مقتضى تلك النصوص لزوم ستّين ديناراً فيها.

مع أنّ المستفاد من المعتبرة تعيين قيمة الغرّة بخمسين ديناراً كما في الصحيح والقوي : الغرّة قد تكون بمائة دينار وتكون بعشرة ، فقال : « بخمسين » (٢) وعليه الإسكافي (٣). أو بأربعين كما في ظاهر الصحيحة المتقدّمة ، والموثّق : « إنّ الغرّة تزيد وتنقص ولكن قيمتها أربعون ديناراً » (٤) هذا.

مع أنّ جملة من أخبار الغرّة قضية في واقعة ، فليس فيها حجة ، والباقية بعضها ضعيف ، والصحيح منها كما عداه لا يقاوم الأخبار السابقة من وجوه عديدة ، أعظمها اشتهارها ومخالفتها للعامّة ، دون هذه لموافقتها‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٤ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٠٩ / ٣٦٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٧ / ١١١٣ ، الإستبصار ٤ : ٣٠١ / ١١٣٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٨ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٤٦ / ١٣ ، الفقيه ٤ : ١٠٩ / ٣٦٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٧ / ١١١٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٢١ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٧ ، وانظر الحديث ٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٨١٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٤٧ / ١٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٧ / ١١١٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٢١ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ٨.

٥٤٤

لمذهب كثير منهم ، كما صرّح به الشيخ ، واحتمل لذلك حملها على التقية ، قال : لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة وقد روي ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

أقول : ويؤيّده كون جملة من رواياتها عن السكوني الذي هو من قضاتهم ، ومصير الإسكافي إليه أيضاً ، ( و ) لذا اختار أكثر الأصحاب بل المشهور على الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر (٢) القول ( الثاني ) ..

وهو ( توزيع الدية ) أي المائة وتقسيمها ( على ) مراتب ( حالاته ، ففيه وهو عظم ثمانون ) ديناراً ( ومضغة ستّون ، وعلقة أربعون ، ونطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون ) كما فصّلته تلك الأخبار السابقة وغيرها من المعتبرة ، وادّعي عليه الإجماع في الغنية (٣) ، وعلى هذا فلا حاجة بنا إلى تحقيق معنى الغرّة وذكر الاختلاف فيها.

ثم إنّ إطلاق أكثر النصوص والفتاوي على المختار بإثبات الديات المقدّرة في محالّها يقتضي ثبوت كلٍّ منها فيما يصدق عليه مبدأ كلٍّ منها ، حتى أنّ في النطفة قبل تمام الأربعين يوماً من وضعها في الرحم ولو بيومٍ يكون فيها مقدّرها عشرون ديناراً ، وهكذا.

( وقال الشيخ ) في النهاية (٤) : ( وفيما بينهما ) أي بين الحالتين ، أي حالة وضعها في الرحم وحالة انتقالها إلى العلقة ، وحالة وانتقالها إليها وانتقالها إلى المضغة ، وهكذا ( بحسابه ) وهو مجمل ، وفسّره الحلّي (٥) بأنّ‌

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ٣٠٢.

(٢) الروضة ١٠ : ٢٩٢ ، المفاتيح ٢ : ١٥٤ ، كشف اللثام ٢ : ٥٢٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) النهاية : ٧٧٨.

(٥) السرائر ٣ : ٤١٦.

٥٤٥

النطفة تمكث عشرين يوماً ثم تصير علقة ، وكذا ما بين العلقة والمضغة ، فيكون لكلّ يوم دينار.

واعترضه الماتن فقال في الشرائع : نحن نطالبه بصحة ما ادّعاه الأوّل ، ثم بالدلالة على أنّ تفسيره مراد ، على أنّ المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوماً ، وكذا بين العلقة والمضغة ، روى ذلك سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين عليه‌السلام (١) ، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) ، وأبو جرير القمي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام (٣) ، وأمّا العشرون فلم نقف لها على رواية.

ولو سلّمنا المكث الذي ذكره من أين أنّ التفاوت في الدية مقسوم على الأيّام؟ مع أنّه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق عليه‌السلام : أنّ لكلّ قطرة أي من الدم تظهر على النطفة دينارين (٤). إلى آخر ما ذكره (٥).

وقريباً منه ذكر الفاضل في التحرير (٦) ، وحكى عنه أيضاً في نكت النهاية (٧).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٧ / ١٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٨١ / ١١٠١ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٦ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ٨.

(٢) الكافي ٧ : ٣٤٥ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٣ / ١١٠٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٤ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٨٢ / ١١٠٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٧ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ٩.

(٤) الكافي ٧ : ٣٤٥ / ١١ ، الفقيه ٤ : ١٠٨ / ٣٦٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٣ / ١١٠٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٤ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ٥.

(٥) الشرائع ٤ : ٢٨١.

(٦) التحرير ٢ : ٢٧٨.

(٧) نكت النهاية ٣ : ٤٥٩.

٥٤٦

وهو حسن ، إلاّ ما فهماه من الحلّي من كون مدّة المكث من حالة إلى أُخرى عشرين يوماً ، وذلك فإنّ الظاهر من كلامه خلافه ، واعتباره في المكث أربعين كما ذكروه ، فإنّه قال : الجنين : الولد ما دام في البطن ، وأقلّ ما يكون نطفة ، وفيها بعد وضعها إلى عشرين يوماً عشرون ديناراً ، ثم بعد العشرين يوماً لكل يوم دينار إلى أربعين يوماً وهي دية العلقة ، فهذا معنى قولهم : وفيما بينهما بحساب ذلك ، ثم تصير مضغة وفيها ستّون ديناراً ، وفيما بين ذلك بحسابه (١).

وهو كما ترى ظاهر بل صريح فيما قلناه.

( ولو قتلت المرأة فمات ) (٢) ( معها ) الجنين ( فللأولياء دية المرأة ) كملاً خمسمائة دينار ( ونصف الديتين ) أي نصف دية ذكر ونصف دية أُنثى يصير مجموعهما سبعمائة وخمسين ديناراً يؤخذ ( على الجنين إن جهل حاله ) ذكورة وأُنوثة.

( فإن علم ) حاله ( ذكراً كان أو أُنثى كانت الدية ) للجنين ( بحسابه ) ألف دينار على الأوّل ، ونصفه على الثاني ، بلا خلاف في الحكم الأخير نصّاً وفتوى ، وعلى الأظهر في الأوّل أيضاً ، وهو الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخر ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٣) ؛ للمعتبرة ، وفيها الصحيح وغيره : وإن قتلت امرأة وهي حبلى فتم (٤) فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أم أُنثى ولم يعلم أبعدها مات أو قبلها فديته نصفان ، نصف‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤١٦.

(٢) في المختصر المطبوع زيادة : ولدها.

(٣) الخلاف ٥ : ٢٩٤.

(٤) في غير « ب » : متمّ.

٥٤٧

دية الذكر ونصف دية الأُنثى ، ودية المرأة كاملة بعد ذلك (١).

وربما أُيّدت بالنصوص الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل على القول به.

( وقيل ) والقائل الحلّي (٢) : إنّ ( مع الجهالة يستخرج ) ذكورة الجنين وأُنوثته ( بالقرعة ؛ لأنّه ) لكل أمر ( مشكل. وهو ) وإن كان حسناً على أصله لكنّه ( غير مستحسن ) (٣) على غيره ( لأنّه لا إشكال مع النقل ) الصحيح المشتهر (٤) بين الأصحاب ، بحيث لا يكاد يوجد مخالف فيه سواه ، وهو شاذّ ، بل على خلافه كما عرفت حكي الإجماع.

( ولو ألقته ) المرأة ( مباشرةً أو تسبيباً ) بأن شربت دواءً مثلاً فطرحته ( فعليها دية ما ألقته ) لورثته مطلقا ( ولا نصيب لها ) منها ، بلا خلاف ؛ للأُصول ، مضافاً إلى النصوص ، ففي الصحيح : فيمن شربت ما أسقطت به ، قال : فهي لا ترث من ولدها ( من ديته )؟ قال : « لا ، لأنّها قتلته » (٥).

( ولو كان ) الإلقاء ( بإفزاع مُفزعٍ فالدية عليه ) أي على ذلك المُفزِع ، بلا خلاف أيضاً ؛ للأُصول ، والنصوص ، ومنها زيادةً على أحاديث الغرّة المتقدّمة (٦) الصحيح : « في منيّ الرجل يفزع عن عرسه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٢ / ١ ، الفقيه ٤ : ٥٤ / ١٩٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٥ / ١١٠٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٢ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ١.

(٢) انظر السرائر ٣ : ٤١٧.

(٣) بدل ما بين القوسين في المختصر المطبوع : غلط.

(٤) في « س » : المشهور.

(٥) الكافي ٧ : ٣٤٤ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٠٩ / ٣٦٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٧ / ١١١٣ ، الإستبصار ٤ : ٣٠١ / ١١٣٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٨ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٠ ح ١.

(٦) في « ن » زيادة : الخبر : كانت امرأة تؤتى فبلغ ذلك عمر فبعث إليها فروّعها وأمر أن يجاء بها ففزعت المرأة فأخذها الطلق إلى بعض الدور فولدت غلاماً فاستهل الغلام ثمّ مات ، فدخل عليه من روعة المرأة ومن موت الغلام ما شاء الله تعالى ، فقال له بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين! ما عليك من هذا شي‌ء ، وقال بعضهم : وما هذا؟ قالوا : سلوا أبا الحسن عليه‌السلام ، فقال لهم أبو الحسن عليه‌السلام : « لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم ، ولئِن كنتم قلتم برأيكم أخطأتم » ثم قال : « عليك دية الصبي ». الكافي ٧ : ٣٧٤ / ١١ ، التهذيب ١٠ : ٣١٢ / ١١٦٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٧ أبواب موجبات الضمان ب ٣٠ ح ١. ونحوه المرسل المروي عن إرشاد المفيد ١ : ٢٠٤ ، إلاّ أنّه قال : فقال علي عليه‌السلام : « الدية على عاقلتك لأنّ قتل الصبي خطأ تعلّق بك » ويؤيده .. الوسائل ٢٩ : ٢٦٨ أبواب موجبات الضمان ب ٣٠ ح ٢.

٥٤٨

فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير ، وإذا أفرغ فيها عشرين ديناراً » الخبر (١).

( ويستحق دية الجنين وارثه ) المتقدّم بيانه في كتاب الإرث ، ويظهر ممّا مرّ ثمّة دليل أصل الحكم في المسألة ، مضافاً إلى الإجماع منّا عليه المحكي في ظاهر السرائر وعن صريح الخلاف (٢) ، وصريح النصوص المستفيضة منها زيادةً على ما مرّ في أحاديث الغرّة والصحيحة المتقدّمة قريباً ما ورد في دية الميت ، وفيه : « وهي » أي دية الجنين « لورثته ، ودية هذا » أي الميت « له لا للورثة » (٣) إلى غير ذلك من النصوص.

( ودية ) أعضائه و ( جراحاته ) يعتبر ( بنسبة ديته ) ففي قطع يده خمسون ديناراً ، وفي حارصته دينار ، وهكذا ، بلا خلاف ؛ للصحيح : « وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٢ / ١ ، الفقيه ٤ : ٥٤ / ١٩٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٥ / ١١٠٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٢ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ١.

(٢) السرائر ٤ : ٤٠١ ، الخلاف ٤ : ١١٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٤٩ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١١٧ / ٤٠٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٧٣ / ١٠٧٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٩٨ / ١١٢١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٢٥ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٤ ح ٢.

٥٤٩

الذكر والأُنثى الرجل والمرأة كاملة ، وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي مائة دينار » (١).

( ومن أفزع مجامعاً فعزل ) بذلك النطفة ( فعليه ) دية ضياع النطفة ( عشرة دنانير ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع عن الانتصار والخلاف وفي (٢) الغنية (٣) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة قريباً.

( ولو عزل عن زوجته ) الحرّة ( اختياراً ) بغير إذنها ( قيل : يلزمه ) أيضاً ( دية النطفة عشرة دنانير ، والأشبه الاستحباب ) لما مرّ في النكاح ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه في المقام ؛ لدعوى الشيخ في الخلاف وابن زهرة على الوجوب الإجماع (٤) ، مع مصير كثير من الأصحاب إليه ، وهو خيرة الفاضل في القواعد والمقداد في شرح الكتاب (٥).

( الثانية : في ) بيان أحكام ( الجناية على الحيوان ) الصامت.

اعلم أن ( من أتلف حيواناً مأكولاً ) لحمه شرعاً ( كالنعم ) من الإبل والبقر والغنم ( بالذكاة ) متعلّق بقوله : أتلف ( لزمه الأرش ) وهو تفاوت ما بين قيمته حيّاً ومذكى ، بلا خلاف فيه في الجملة ؛ دفعاً لضرر الجناية الغير المندفع حيث لا يعفو المالك عنها إلاّ به.

( وهل لمالكه دفعه ) إلى الجاني ( والمطالبة ) له ( بقيمته ) يوم إتلافه مخيّراً بينه وبين الأرش؟

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤٢ / ١ ، الفقيه ٤ : ٥٤ / ١٩٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٥ / ١١٠٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣١٢ أبواب ديات الأعضاء ب ١٩ ح ١.

(٢) ليست في « ن ».

(٣) الانتصار : ٢٦٥ ، الخلاف ٥ : ٢٩٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) الخلاف ٥ : ٢٩٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٥) القواعد ٢ : ٣٣٦ ، التنقيح ٤ : ٥٢٢.

٥٥٠

( قال الشيخان ) والقاضي والديلمي وابن حمزة (١) : ( نعم ) له ذلك كذلك ، نظراً إلى كونه مفوِّتاً لمعظم منافعه فصار كالتالف ، وضعفه ظاهر ؛ لأنّ فوات معظمها لا يقتضي دفع ماليته رأساً حتى يلزم بالقيمة بتمامها.

( والأشبه ) الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر وفاقاً للمبسوط والحلّي (٢) أنّه ( لا ) يجوز له ذلك ( لأنّه إتلاف لبعض منافعه ) لا جميعها ( فيضمن ) عوض ( التالف ) خاصّة ؛ لأصالة براءة ذمّة الجاني عمّا زاد عنه ؛ ولأنّه باقٍ على ملك مالكه فلا ينتقل عنه إلاّ بالتراضي من الجانبين ، ولا كلام في الجواز معه ، كما لا كلام في جوازه لو فرض عدم القيمة له أصلاً ، كذبحه في برية لا يرغب أحد في شرائه ، فيلزمه القيمة ؛ لأنّها حينئذٍ مقدار النقص.

( ولو أتلفه لا بالذكاة ) كأن خنقه أو قتله بما لا يجوز الذكاة به ( لزمته قيمته يوم إتلافه ) بلا خلاف ، بل عليه في ظاهر الغنية وصريح الإيضاح الإجماع (٣) ؛ للضرر الغير المندفع مع عدم العفو إلاّ بها.

ويوضع منا ما له قيمة من الميتة كالشعر ، والصوف ، والوبر ، والريش ، ونحو ذلك ، كما صرّح به جماعة (٤) من غير خلاف بينهم أجده ، ووجهه واضح لمن تدبّره ، وعليه ينزل إطلاق العبارة.

( ولو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئاً من عظامه ) أو جرحه‌

__________________

(١) المقنعة : ٧٦٩ ، النهاية : ٧٨٠ ، المهذّب ٢ : ٥١٢ ، المراسم : ٢٤٢ ، الوسيلة : ٢٤٨.

(٢) المبسوط ٨ : ٣٠ ، السرائر ٣ : ٤٢٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، الإيضاح ٤ : ٧٢٩.

(٤) منهم الشهيدين في اللمعة والروضة البهية ١٠ : ٣٢١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٢٣.

٥٥١

( فللمالك الأرش ) إن كانت حياته مستقرّة ، وإلاّ فالقيمة ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ للأُصل المتقدّم إليه الإشارة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة بربع ثمن الدابّة لو فقأ عينها ، ومنها الصحيحان (٢) وغيرهما (٣) ، لكن ظاهرها تعيّن الربع كما عليه الماتن ويحكى عن الشيخ وجماعة (٤).

ولا بأس به ، إلاّ أن تحمل الروايات وكلماتهم على صورة اتفاق كون الربع أرشاً وتوافقهما مقداراً ، لا تعيّن الربع مطلقا حتى لو زاد عن الأرش أو نقص عنه ، لكنّه بعيد جدّاً.

( وإن كان ممّا لا يؤكل ) لحمه شرعاً ( ويقع عليه الذكاة كالأسد والنمر ) والفهد ونحو ذلك فأتلفه بها ( ضمن أرشه ) كالمأكول ، وفيه القول بتخيّر المالك الذي مضى.

( وكذا ) يجب الأرش ( في قطع أعضائه ) وجراحاته وكسر عظامه ( مع استقرار حياته ) وإلاّ فقيمته.

( ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيّاً ) ويوضع منها ما مضى ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، ويدلُّ عليه بعده ما مرّ من الأدلّة.

( ولو كان ممّا لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير ففي كلب الصيد )

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٣٢٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣٦٨ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٩ / ١١٤٩ ، ١١٥٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥٥ أبواب ديات الأعضاء ب ٤٧ ح ١ ، ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٣٦٧ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٩ / ١١٥٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٥٦ أبواب ديات الأعضاء ب ٤٧ ح ٤.

(٤) المختصر النافع : ٣١٤ ، وحكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٥٢٣ ، وهو في النهاية : ٧٨١ ، والمهذب ٢ : ٥١٢ ، والوسيلة : ٤٢٨ ، وحكاه عن ابن جنيد أيضاً في المختلف : ٨١٨.

٥٥٢

مطلقا ( أربعون درهماً ) على الأشهر الأقوى ؛ للنصوص المستفيضة ، ففي الخبرين ، المروي أحدهما في الفقيه مرسلاً (١) ، وثانيهما عن الخصال مسنداً بطريق حسن : « دية كلب الصيد أربعون درهماً » (٢).

وفي آخرين ، أحدهما الموثق : « دية الكلب السلوقي أربعون درهما » (٣) وبإطلاقهما أفتى الشيخ في النهاية (٤).

ويحتملان ككلامه التقييد بالمعلّم منه للصيد ، كما صرّح به المفيد وغيره (٥) ، ونزّل عليه عبارته في السرائر فقال : وإنّما أطلق ذلك ؛ لأنّ العادة والعرف أنّ الكلب السلوقي الغالب عليه أنّه يصطاد ، والسلوقي منسوب إلى سلوق قرية باليمن (٦). انتهى.

وهو الظاهر من الأصحاب ، حيث لم ينقلوا الخلاف عنه في ذلك ، بل أنّما نقلوا الخلاف عنه وعن المفيد والقاضي وابن حمزة من حيث التقييد بالسلوقي خاصّة (٧) ، قال الماتن في الشرائع : ومن الناس من خصّه بالسلوقي وقوفاً على صورة الرواية (٨).

وفي عبارته هذه إشعار بما مرّ من فهمه من الرواية وكلام الشيخ‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٢٦ / ٤٤٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٧ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٤.

(٢) الخصال : ٥٣٩ / ٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٧ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٥.

(٣) الكافي ٧ : ٣٦٨ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٣١٠ / ١١٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٦ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٢.

والآخر في : الخصال : ٥٣٩ / ١٠ ، الوسائل / ٢٩ ٢٢٧ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٦.

(٤) النهاية : ٧٨٠.

(٥) المقنعة : ٧٦٩ ؛ المراسم : ٢٤٣.

(٦) السرائر ٣ : ٤٢١.

(٧) حكاه عنهم في المختلف : ٨١٥ ، وهو في النهاية : ٧٨٠ ، والمقنعة : ٧٦٩ ، والمهذّب ٢ : ٥١٢ ، والوسيلة : ٤٢٨.

(٨) الشرائع ٤ : ٢٨٥.

٥٥٣

وغيره كلب الصيد لا مطلق السلوقي ، وكأنّه رحمه‌الله لم يقف على الخبرين الأوّلين ، وإلاّ فصورتهما مطلق كلب الصيد من دون تقييد فيهما بالسلوقي ، بل إنّما هو في الخبرين الأخيرين.

( وفي رواية ) النوفلي عن ( السكوني ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن قتل كلب الصيد ، قال : ( يقوّم ) وكذلك البازي ( وكذلك كلب الغنم و ) كذلك ( كلب الحائط ) (١).

وأفتى بها الإسكافي ، إلاّ أنّه قال : لا يتجاوز بالقيمة أربعين درهماً (٢). وكأنّه جمع به بين الأخبار ، واستحسنه في المختلف (٣).

وهو ضعيف ؛ لقصور سند الرواية ، وإن وافقت الأصل العام بلزوم القيمة فيما لم يرد به تقدير في الشريعة ؛ لتوقّف ذلك على ردّ الروايات الأوّلة التي هي مع استفاضتها واشتهارها جملة منها معتبرة ، وهو ضعيف في الغاية ، سيّما مع رفع اليد عن الأصل بها في الجملة اتفاقاً.

( و ) بموجب ذلك يتعيّن القول ( الأوّل ) مع كونه كما عرفت ( أشهر ) بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

( وفي كلب الغنم كبش ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير والقواعد واللمعتين والمسالك (٤) ، وعزي فيه إلى الأكثر ؛ للخبر (٥). وفي سنده‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٦٨ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٣١٠ / ١١٥٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٦ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٨١٥.

(٣) المختلف : ٨١٥.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٨٥ ، التحرير ٢ : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٣٣٩ ، اللمعة والروضة البهية ١٠ : ٣٢٣ ، المسالك ٢ : ٥١٠.

(٥) الكافي ٧ : ٣٦٨ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٣١٠ / ١١٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٦ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٢.

٥٥٤

ضعف.

( وقيل ) والقائل الصدوق والشيخان والديلمي والقاضي والحلّي (١) ، والظاهر أنّه المشهور ، كما صرّح به في الشرائع والتحرير (٢) وغيرهما (٣) ـ : فيه ( عشرون درهماً ) وهو أقوى ؛ للمرسل (٤) المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة والمحكية.

وللفاضل هنا قولان آخران ، أحدهما لزوم القيمة ، اختاره في المختلف (٥) ؛ للأصل العام بناءً على ضعف الخبرين ؛ وللقويّة المتقدّمة.

وهو حسن لولا الرواية المنجبرة المترجّحة بذلك على الأصل والقوية.

وثانيهما التخيير بين الخبرين الأوّلين ، اختاره في الإرشاد (٦).

ولا وجه له سوى الجمع بينهما ، وهو في الحقيقة اطراح لهما بعد عدم شاهد عليه أصلاً ، مع رجحان ما اخترناه منهما بما مضى.

( وكذا قيل ) أي بالعشرين درهماً ( في كلب الحائط ) أي البستان ، ويحتمل الشمول للدار ( ولا أعرف الوجه ) فيه ، وبه اعترف جماعة (٧) ، لكنّه مشهور شهرة عظيمة على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (٨) ، فإن‌

__________________

(١) المقنع : ١٩٢ ، المقنعة : ٧٦٩ ، النهاية : ٧٨٠ ، المراسم : ٢٤٣ ، المهذّب ٢ : ٥١٢ ، السرائر ٣ : ٤٢١.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٨٥ ، التحرير ٢ : ٢٧٩.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ٥٢٣.

(٤) الفقيه ٤ : ١٢٦ / ٤٤٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٧ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٤.

(٥) المختلف : ٨١٥.

(٦) الإرشاد ٢ : ٢٣٥.

(٧) منهم المحقق في الشرائع ٤ : ٢٨٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٥٢٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٦٠.

(٨) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٣٢٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٢٣ ، ونسبه الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٣٤٩ ، إلى أكثر العبارات.

٥٥٥

بلغت الإجماع ، وإلاّ فالقول بالقيمة في غاية القوّة ؛ للأصل العام المؤيّد بالقوية المتقدّمة ، ومال إليه من المتأخّرين جماعة (١) ، بل صرّح به شيخنا في الروضة (٢).

وللصدوق (٣) قول آخر في المسألة. وهو أنّ فيه زنبيلاً من تراب ؛ للمرسل : « ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب ، على القاتل أن يعطي وعلى صاحبه أن يقبل » (٤).

وقريب منه ما يحكى عن الإسكافي من أنّ دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب (٥).

( وفي كلب الزرع قفيز من برّ ) في المشهور على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٦) ، بل في التنقيح : لم نعرف قائلاً بغير ما ذكر المصنّف (٧).

مع أنّه حكي عن الصدوق ما مرّ (٨) ، وهو يعطي الخلاف فيه ، كالمرسل ، ويوافقهم (٩) ما يحكى عن المفيد (١٠) هنا.

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٥٢٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٣٤٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٦٠.

(٢) الروضة ١٠ : ٢٢٤.

(٣) المقنع : ١٩٢.

(٤) الفقيه ٤ : ١٢٦ / ٤٤٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٧ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٤.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٨١٥.

(٦) انظر كشف اللثام ٢ : ٥٢٣.

(٧) التنقيح ٤ : ٥٢٦.

(٨) حكاه عنه في المهذّب البارع ٥ : ٣٩٦.

(٩) كذا ، ولعلّ الأنسب : يوافقه.

(١٠) حكاه عنه العلاّمة في المختلف : ٨١٥ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٥ : ٣٩٦.

٥٥٦

وفي الخبر : « ودية كلب الزرع جريب من برّ » (١).

وربما استدل به للأكثر (٢). وفيه نظر ؛ لعدم معلومية توافق مقدار الجريب مع القفيز ، بل عن الأزهري أنّه أربعة أقفزة (٣) ، ويستفاد من مجمع البحرين أنّه عشرة أقفزة (٤) ، والقفيز ثمانية مكاكيك ، والمَكّوك ثلاث كيلجات ، والكيلجة مَنا وسبعة أثمان مَنا ، والمَنا : رطلان ، كما عن الصحاح (٥).

( ولا يضمن المسلم ما عدا ذلك ) من الكلاب ، بل مطلق ما لا يملكه المسلم ، على الأظهر الأشهر ، بل (٦) عليه عامّة من تأخّر ؛ للأصل ، مع عدم الملكية الموجب لعدم صدق الضرر الذي هو الأصل في إيجاب الضمان في نحو المقام.

وما دلّ على وجوب قفيز أو زنبيل من تراب في بعض الكلاب من النص والفتوى لعلّه محمول على إرادة الكناية عن عدم الدية لا وجوبه البتّة ، وإلاّ لكان لزوم دفعه وقبوله خالياً عن الفائدة ، مضافاً إلى ندرة الفتوى ، وقصور سند الرواية.

( أمّا ما يملكه الذمّي كالخنزير فالمتلف له يضمن قيمته عند مستحلّيه ) إذا استجمع شرائط الذمّة ، بلا خلاف أجده ؛ لأنّه إذا فعل ذلك‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٦٨ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٣١٠ / ١١٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٦ أبواب ديات النفس ب ١٩ ح ٢.

(٢) انظر المهذّب البارع ٥ : ٣٩٦ ، ومجمع الفائدة ١٤ : ٣٤٩.

(٣) تهذيب اللغة ١١ : ٥١.

(٤) مجمع البحرين ٢ : ٢٢.

(٥) الصحاح ٣ : ٨٩٢ ، و ٤ : ١٦٠٩.

(٦) في « ن » زيادة : لعلّه.

٥٥٧

حقن دمه وماله ؛ وللنصوص : « أنّ عليّا عليه‌السلام ضمّن رجلاً أصاب خنزيراً لنصراني قيمته » (١).

( و ) لا فرق ( في الجناية على ) ما يملكه بين وقوعها على نفسه أو ( أطرافه ) لإطلاق الدليل ، إلاّ أنّ في الأخير يلزم ( الأرش ، ويشترط في ضمانه استتار الذمّي به ) وإلاّ الحق بالحربي ، فلا حرمة لنفسه فضلاً عن ماله.

وهنا‌ ( مسائل ) ثلاث :

( الاولى : قيل ) (٢) بل روي في الصحيح على الصحيح : أنّه ( قضى علي عليه‌السلام في بعير بين أربعة عقله أحدهم ) فعبث في عقاله ( فوقع في بئر فانكسر ) فقال أصحابه للذي عقله : اغرم لنا بعيرنا ( أنّ على الشركاء ) غرامة ( حصّته ) أي العاقل ( لأنّه أوثق حظّه فذهب حظّهم بحظه (٣). ومفهوم هذا التعليل غير ما أشار إليه الماتن وغيره (٤) بقولهم : ) (٥) ( لأنّه حفظه وضيّعه الباقون ).

وكيف كان هو مشكل على إطلاقه ، وإن حكي القول به في التنقيح عن الشيخ والقاضي (٦) ، وذلك فإنّ مجرّد وقوعه أعمّ من تفريطهم فيه ، بل‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٦٣ / ٧١٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٤ / ٨٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٢ أبواب موجبات الضمان ب ٢٦ ح ٢.

(٢) قاله في كشف اللثام ٢ : ٥٤٢.

(٣) الفقيه ٤ : ١٢٧ / ٤٥٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٣١ / ٩١٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٦ أبواب موجبات الضمان ب ٣٩ ح ١.

(٤) الروضة ١٠ : ٣٢٨.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ح » و « ب » و « س ».

(٦) التنقيح ٤ : ٥٢٦.

٥٥٨

من تفريط العاقل ، ومن ثمّ أوردها أكثر الأصحاب بلفظ الرواية ، مشعرين بالتوقّف فيها أو ردّها ، كما هو ظاهر الماتن هنا وحكي عنه في النكت (١) أيضاً ، حيث أجاب عنها بقوله : ( وهو حكم في واقعة فلا يتعدّى ) بها إلى غيرها.

ويمكن حملها على ما لو عقله وسلّمه إليهم ففرّطوا ، أو نحو ذلك من الوجوه المقتضية للضمان. لكنّه ينافي سياق الرواية ، سيّما تعليلها الوارد فيها ، ولعلّه لذا لم يجسر الأصحاب على ردّها صريحاً عدا شيخنا في المسالك والروضة ، فقال : والأقوى ضمان المفرِّط منهم دون غيره (٢).

( الثانية : في جنين البهيمة عشر قيمتها ) كما هنا وفي السرائر مدّعياً عليه إجماع أصحابنا وتواتر أخبارنا (٣).

ولم أقف على شي‌ء منهما ، إلاّ على عبارة الماتن والقوي : « في جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها » (٤) وهو قاصر السند ، يشكل الخروج به عن مقتضى الأصل.

ولعلّه لذا اختار الفاضل في التحرير أرش ما نقص من أُمّها ، قال : فيقوّم حاملاً وحائلاً ويلزم الجاني بالتفاوت (٥).

وهو حسن لولا دعوى الإجماع وتواتر الأخبار وقوّة سند الرواية ، مع اعتضادها بما ورد من نظيره في دية جنين الأمة (٦).

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٥٢٦ ، وهو في نكت النهاية ٣ : ٤٦٨.

(٢) المسالك ٢ : ٥١١ ، الروضة ١٠ : ٣٢٨.

(٣) السرائر ٣ : ٤١٩.

(٤) الكافي ٧ : ٣٦٨ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٨ / ١١٢٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٢٥ أبواب ديات النفس ب ١٨ ح ٢.

(٥) التحرير ٢ : ٢٧٩.

(٦) الوسائل ٢٩ : ٣٢٢ أبواب ديات الأعضاء ب ٢١.

٥٥٩

( وفي عين الدابة ربع قيمتها ) وفاقاً للمحكي عن الشيخ وجماعة (١) ؛ للمستفيضة المتقدمة في مسألة لزوم الأرش بالجناية على أطراف الحيوان ، مع تأمّل ما فيها تقدّم إليه الإشارة (٢).

وعن الشيخ في المبسوط والخلاف (٣) أنّه حكى عن الأصحاب أنّ في عين الدابّة نصف قيمتها ، وفي العينين كمال قيمتها ، وكذا كل ما في البدن منه اثنان.

ولم نقف على مستنده عدا القياس على الإنسان ، وهو ضعيف.

( الثالثة : روى ) الشيخ في التهذيب في آخر باب الجناية على الحيوان في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ، عن ( السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام قال : « كان عليه‌السلام لا يضمّن ما أفسدته البهائم نهاراً ) ويقول : على صاحب الزرع حفظه ( و ) كان ( يضمّن ما أفسدت ليلاً ) » ).

( و ) هذه ( الرواية مشهورة ) بين قدماء الأصحاب حتى لا يكاد يعرف بينهم خلاف ، حتى أنّ ابن زهرة ادّعى عليها إجماع الإمامية (٥) ، وادّعى جملة من الأصحاب الشهرة هنا ، ومنهم الشهيد في نكت الإرشاد (٦) ، بل زاد فادّعى إجماع الأصحاب.

__________________

(١) حكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٥٢٣.

(٢) راجع ص ٥٤٨.

(٣) المبسوط ٣ : ٦٢ ، الخلاف ٣ : ٣٩٧.

(٤) التهذيب ١٠ : ٣١٠ / ١١٥٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٦ أبواب موجبات الضمان ب ٤٠ ح ١.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٦) الروضة ١٠ : ٣٢٦ ، نكت الإرشاد ( غاية المراد ٤ ) : ٥٢٠.

٥٦٠