رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

ذلك عن المقاومة لما مرّ ؛ لرجحانه بعمل الأكثر ، بل عامّة من تأخّر كما سبق ، وبه يجاب عن النصوص الآتية في المسألة الثانية وإن تضمّنت الصحيح وغيره ونصّت برجم المحصنة ، مع احتمالها الاختصاص بمورد تلك المسألة ، إلاّ أنّه خلاف ظاهر الجماعة ، فالمسألة لذلك لا تخلو عن شبهة ، إلاّ أنّ درء الحدود بها يوجب المصير إلى الجلد مطلقاً.

هذا ، ويستفاد من الروضة أنّ به أخباراً صحيحة ، حيث قال في المسألة الآتية : وقيل : ترجم الموطوءة ؛ استناداً إلى رواية ضعيفة السند ، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة (١). انتهى.

لكن دعواه ضعف سند رواية الرجم مع الإحصان ، وصحّة ما دلّ على عدمه مطلقاً غريبة ، بل الأمر بالعكس كما عرفته ، وهو ظاهر الجماعة ، حتى هو في المسالك (٢) ، ولأجله مال فيه إلى هذا القول ، ويشبه أن يكون ذلك منه غفلة ، فلا يمكن أن يتّخذ ما ادّعاه من الأخبار الصحيحة حجّة أو معاضدة.

نعم ، لو لم يدّع ضعف سند رواية الرجم أمكن ذلك باحتمال وقوفه على تلك الأخبار وإن بعد ، حيث لم نقف عليها ، ولم يتعرّض لها ولو إشارةً غيره. إلاّ أنّ دعواه ذلك أوجبت عدم الإمكان ؛ لما عرفت ، سيّما مع اعتضاده بما ذكرناه هنا.

( وتقتل المساحقة ) مطلقاً ( في الرابعة مع تكرّر الحدّ ثلاثاً ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، حتى بعض من أوجب القتل في‌

__________________

(١) الروضة ٩ : ١٦٢.

(٢) المسالك ٢ : ٤٣٣ ، ٤٣٤.

٢١

الثالثة في الزناء واللواط ، كالشهيد في اللمعة ، بل يفهم من الروضة عدم ظهور خلاف منهم هنا في القتل في الرابعة ، حيث قال : وظاهرهم هنا عدم الخلاف ، وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة ، كما اتّفق في عبارة المصنّف (١). انتهى.

ولكن ظاهر جماعة منهم كالحلّي في السرائر ، والفاضل في المختلف (٢) جريان الخلاف المتقدّم هنا أيضاً ، واختار الحلّي الخلاف هنا صريحاً.

( ويسقط الحدّ بالتوبة قبل ) ثبوته بالإقرار أو ( البيّنة ، كاللواط ) فإنّه كذلك أيضاً يسقط حدّه بها قبل ثبوته بأحد الأمرين.

( ولا يسقط بعد ) الثبوت بالإقرار أو ( البيّنة ).

ويجب على الإمام إجراؤه إن ثبت بالثاني ، وليس له العفو عنه فيه.

ويتخيّر بين الأمرين إذا ثبت بالأول بعين (٣) ما مرّ في الزناء (٤).

لاشتراك الجميع في هذه الأحكام وأمثالها ، كما يستفاد من ظاهر الأصحاب ، من غير أن يعرف بينهم في ذلك خلاف ، وبه صرّح في الغنية ، مدّعياً عليه الإجماع (٥).

( ويعزّر ) المرأتان ( المجتمعتان تحت إزار واحد مجرّدتين ) من ثلاثين إلى تسعة وتسعين ، كما مرّ في الذَّكَرين المجتمعين (٦).

__________________

(١) الروضة ٩ : ١٥٩ ١٦٠.

(٢) السرائر ٣ : ٤٦٧ ، المختلف : ٧٦٦.

(٣) في « ب » : لعين.

(٤) راجع ج ١٥ : ٤٥٨ ٤٦٠.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٦) راجع ص ١٥.

٢٢

( ولو تكرّر ) منهما الاجتماع ( مرّتين مع التعزير ) بينهما ( أُقيم عليهما الحدّ في ) المرّة ( الثالثة ) بلا خلاف أجده ، إلاّ من الحلّي في السرائر ، فظاهره القتل في الثالثة ؛ لأنّه كبيرة ، وكلّ كبيرة يقتل بها في الثالثة (١). وكلّية الكبرى ممنوعة كما ستعرفه ، ومع ذلك يردّه الأصل وصريح الرواية الآتية ، المنجبرة في محلّ البحث بالشهرة العظيمة ، التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

( ولو عادتا ) رابعةً ( قال ) الشيخ ( في النهاية ) (٢) وجماعة (٣) : ( قتلتا ) للخبر : « لا ينبغي لامرأتين أن تناما في لحافٍ واحد إلاّ وبينهما حاجز ، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك ، فإن وجدتا بعد النهي في لحافٍ واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدّا ، فإن وجدتا الثالثة حدّتا ، فإن وجدتا الرابعة قتلتا » (٤).

ولأنّه كبيرة يقتل بها في الرابعة (٥).

وفيهما نظر ؛ لضعف سند الأول ، مع اشتماله على ما لا ( يقولون به ) (٦) من الحدّ في المرّة الثانية ، وظاهره أيضاً عدم شي‌ء في المرتبة الأُولى عدا النهي خاصّة ، ولم يقل به أحد من الطائفة.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٤٢ ، ٤٦٧.

(٢) النهاية : ٧٠٨.

(٣) منهم ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٣٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤١٠ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ١٦٠ ، العلاّمة في المختلف : ٧٦٦.

(٤) التهذيب ١٠ : ٤٤ / ١٥٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٧ / ٨١١ ، الوسائل ٢٨ : ٩١ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ٢٥.

(٥) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٩٤.

(٦) في « ب » : يقول به أحد.

٢٣

ومنع كلّية الكبرى في الثاني ؛ لما في المسالك من أنّه إن أُريد أنّه مع إيجابها الحدّ فمسلّم ، لكن لا يقولون به هنا ، وإن أرادوا مطلقاً فظاهرٌ منعه (١).

ومن ثمّ اختار الفاضلان والشهيدان وأكثر المتأخّرين كما في المسالك (٢) الاقتصار على التعزير مطلقاً ، إلاّ في كل ثالثة ، فالحدّ.

ولا ريب أنّه أحوط.

وهنا‌ ( مسألتان ) :

( الاولى : لا كفالة في حدّ ) زناء ولا غيره من الحدود ؛ للنبويّ (٣) والمرتضويّ (٤) الخاصّيّين ، ولأدائه إلى التأخير والتعطيل.

( ولا تأخير ) فيه مع القدرة على إقامته ، كما في المرتضويين :

في أحدهما : « ليس في الحدود نظرة ساعة » (٥).

وفي الثاني : « إذا كان في الحدّ لعلّ وعسى فالحدّ معطّل » (٦).

( إلاّ لعذر ) ومصلحة ، كبرء المريض ، ووضع الحبلى ، والإرضاع ، واجتماع الناس ، كما مرّ (٧).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٣٤.

(٢) المحقّق في الشرائع ٤ : ١٦١ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٢٥ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٩ : ١٦٠ ، المسالك ٢ : ٤٣٤.

(٣) الكافي ٧ : ٢٥٥ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١٢٥ / ٤٩٩ ، الوسائل ٢٨ : ٤٤ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢١ ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ٢ : ٤٦٦ / ١٦٥٢ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٩ ح ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٣٦ / ٥٦ ، التهذيب ١٠ : ٤٩ ، ٥١ / ١٨٥ ، ١٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٥ ح ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٥ ح ٢.

(٧) راجع ج ١٥ : ٤٩٦ ٤٩٨.

٢٤

( ولا شفاعة في إسقاطه ) لقوله تعالى ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) (١) وللمستفيضة :

ففي الخبرين : « لا تشفع في حدّ » (٢).

وفي آخر : « لا يشفعنّ أحدٌ في حدّ إذا بلغ الإمام ، فإنّه لا يملكه ، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم ، واشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له ، ولا تشفع في حقّ امرئ مسلم ولا غيره إلاّ بإذنه » (٣) ، وقريب منها الصحيح وغيره (٤).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده.

( الثانية : لو وطئ زوجته ، فساحقت بكراً ، فحملت ) البكر ( فالولد له ) أي للواطئ لأنّه مخلوق من مائه ، ولا موجب لانتفائه عنه ، فلا يقدح كونها ليست له فراشاً مع صدق الولد عليه عرفاً ولغةً.

ولا يلحق بالزوجة قطعاً ، ولا بالبكر على قول مشهور. ويقوى الإلحاق ؛ للصدق العرفي ، وانتفاء المانع الشرعي ؛ إذ ليس إلاّ الزناء ، والسحق ليس منه لغةً ولا عرفاً ، فيشمله إطلاق ما دلّ على أحكام الولد ، من حرمة التناكح ، وثبوت التوارث ، مع أنّ الأول ثابت في ولد الزناء اتّفاقاً ،

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) أحدهما في : الكافي ٧ : ٢٥٤ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٤٣ أبواب مقدمات الحدود ب ٢٠ ح ٣.

والآخر في : الكافي ٧ : ٢٥٤ / ٤ ، الوسائل ٢٨ : ٤٣ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٢٤ / ٤٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ٤٣ أبواب مقدمات الحدود ب ٢٠ ح ٤.

(٤) انظر الوسائل ٢٨ : ٤٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٠.

٢٥

فهنا أولى.

فالإلحاق أقوى ، إلاّ أن يتردّد في شمول الإطلاق لنحو المقام ؛ لعدم تبادره منه. وشمول الحكم لولد الشبهة بالإجماع لا يصلح قرينة على التعميم للتبادر (١) بناءً على كونه منه أيضاً ؛ لاحتمال كون الإجماع دليلاً مستقلا على الشمول لا قرينة على الدخول تحت الإطلاق.

( وعلى زوجته ) المساحقة ( الحدّ ) للسحق ، جلداً أو رجماً ، على الخلاف الذي مضى (٢).

( والمهر ) للبكر ؛ لأنّها سبب في إذهاب عذرتها ، وديتها مهر نسائها. وليست كالزانية المطاوعة ؛ لأنّ الزانية أذنت في الاقتضاض (٣) ، بخلاف هذه.

( وعلى الصبيّة الجلد ) مائة إذا كانت مطاوعة ، بلا خلاف فيه أجده ، وكذا فيما سبقه. إلاّ من الحلّي ، فلم يلحق الولد بالرجل ؛ لعدم ولادته على فراشه ، والولد للفراش. ولم يثبت المهر ؛ لأنّ البكر بغيّ بالمطاوعة ، فلا مهر لها (٤). وقد عرفت جوابه.

ويدلّ على أصل المسألة زيادةً عليه النصوص المستفيضة :

منها الصحيح : « يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة ؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتى تشقّ فتذهب عذرتها ، ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة ، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويردّ إلى أبيه‌

__________________

(١) في « ح » و « ب » : للنادر.

(٢) في ص ١٩.

(٣) في « ب » : الافتضاض.

(٤) السرائر ٣ : ٤٦٥.

٢٦

صاحب النطفة ، ثم تجلد الجارية الحدّ » الخبر (١) ، وفي معناه غيره (٢).

وهي مع استفاضتها ، وصحّة بعضها لا قصور فيها إلاّ من حيث الدلالة على رجم المحصنة ، مع أنّ الأكثر لم يقولوا به ، وهذا القصور مع اختصاصه بهم ، دون الشيخ (٣) ومن تبعه (٤) غير قادح في الحجّية ؛ فإنّ خروج بعض الرواية عنها بدلالة خارجيّة أقوى لا يوجب خروجها عنها طرّاً ، وإن هي (٥) إلاّ كالعامّ المخصَّص ، الذي هو حجّة في الباقي كما عرفته مراراً.

مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصّة ؛ عملاً بهذه النصوص في موردها ، وجمعاً بينها وبين ما مرّ من الدليل على عدم رجم المساحقة مطلقاً ، كما ذكره بعض الأجلّة (٦).

لكن فيه زيادةً على ما عرفته من كونه خلاف ظاهر الجماعة عدم قبول الصحيح منها لهذا الجمع من حيث تعليله رجم الزوجة بأنّها محصنة ، وهو كالصريح في عدم مدخليّة للخصوصيّة ، وأنّ (٧) الإحصان من حيث هو هو العلّة في رجمها.

( وأمّا القيادة ، فهي : الجمع بين الرجال والنساء للزناء ، والرجال

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠٢ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ١٦٧ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ١٠ : ٥٨ / ٢١١ ، الوسائل ٢٨ : ١٦٩ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٣ ح ٣.

(٣) النهاية : ٧٠٧.

(٤) كالقاضي في المهذب ٢ : ٥٣١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١٤.

(٥) في « ن » زيادة : حينئذ.

(٦) انظر مجمع الفائدة ١٣ : ١٢٣.

(٧) في « س » ، « ن » : فإنّ.

٢٧

والصبيان ) والنساء ( للّواط ) والسحق.

( ويثبت بشاهدين ) عدلين ( أو الإقرار ) من القائد البالغ العاقل المختار ( مرّتين ) بلا خلاف ؛ للعموم ، ومقتضاه الثبوت بالثاني ولو مرّة ، ولكن لا قائل به أجده ، بل ظاهرهم الاتّفاق على اعتبار المرّتين ، ومستندهم من دونه غير واضح.

وعن المراسم والمختلف (١) : أنّ كلّ ما فيه بيّنة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه مرّتين.

( والحدّ فيه خمس وسبعون جلدة ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية والمسالك (٢) ، وبه صريح الرواية الآتية ( و ) ليس فيها ما ( قيل ) من أنّه ( يحلق ) مع ذلك ( رأسه ويشهّر ) في البلد ، لكنّه مشهور بين الأصحاب ، مدّعى عليه في الانتصار والغنية الإجماع ، وهو كافٍ في الثبوت ، سيّما مع الاعتضاد بفتوى المشهور ، سيّما مثل الحلّي (٣) ، الذي لا يعمل بالآحاد ، مع أنّه لا مخالف فيه صريحاً ، وإنّما ظاهر المتن وغيره التردّد فيه ، ولا وجه له بعد ما عرفته.

( ويستوي فيه الحرّ والعبد ، والمسلم والكافر ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية (٤) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى إطلاق الرواية الآتية.

( وينفى ) عن بلده إلى غيره من الأمصار من غير تحديد لمدّة نفيه‌

__________________

(١) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ٤١٠ ، وهو في المراسم : ٢٥٩ ، انظر المختلف : ٧٦٣.

(٢) الانتصار : ٢٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، المسالك ٢ : ٤٣٤.

(٣) السرائر ٣ : ٤٧١.

(٤) الانتصار : ٢٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

٢٨

( بأوّل مرّة ) وفاقاً للنهاية (١) وجماعة (٢).

( وقال المفيد ) وابنا زهرة وحمزة والديلمي (٣) وغيرهم (٤) : إنّه إنّما ينفى ( في الثانية).

( والأول مرويّ ) في رواية عبد الله بن سنان التي هي الأصل في هذه المسألة ـ : عن القوّاد ، قال : « يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة وسبعين سوطاً ، وينفى من المصر الذي هو فيه » (٥) ونحوه الرضوي (٦).

والتصريح بأوّل مرّة وإن لم يقع في شي‌ء منهما ، لكنّه مقتضى الإطلاق جدّاً (٧).

والأحوط القول الثاني ، بل لعلّه المتعيّن ؛ للأصل ، ودعوى الإجماع عليه في الغنية ، وهو أرجح من الرواية المذكورة من وجوه ، منها : صراحة الدلالة ، فتقيّد به الرواية.

( ولا نفي على المرأة ، ولا جزّ ) ولا شهرة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية (٨) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ،

__________________

(١) النهاية : ٧١٠.

(٢) منهم ابن البرّاج في المهذب ٢ : ٥٣٤ ، ابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٧١ ، ابن سعيد في الجامع : ٥٥٧.

(٣) المفيد في المقنعة : ٧٩١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٤ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٧.

(٤) كالحلبي في الكافي في الفقه : ٤١٠.

(٥) الكافي ٧ : ٢٦١ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ٣٤ / ١٠٠ ، التهذيب ١٠ : ٦٤ / ٢٣٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٧١ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٥ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣١٠ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٨٧ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٥ ح ١.

(٧) ليست في « س ».

(٨) الانتصار : ٢٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

٢٩

واختصاص الفتوى والرواية بحكم التبادر بالرجل دون المرأة ؛ مع منافاة النفي والشهرة لما يجب مراعاته من ستر المرأة.

وظاهر النفي في الفتوى والنصّ إنّما هو الإخراج من البلد ، ولكن في الرضوي (١) وغيره (٢) : روي أنّ المراد به الحبس سنة أو يتوب. والرواية مرسلة ، فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣١٠ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٨٧ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٥ ح ١.

(٢) لم نعثر عليه.

٣٠

( الفصل الثالث )

(في ) بيان ( حدّ القذف )

وهو لغةً : الرمي بالحجارة ، وشرعاً : قيل : رمي المسلم الحرّ الكامل المستتر بالزناء أو اللواط (١).

وهو حرامٌ بنصّ الكتاب (٢) ، والسنّة المستفيضة بل المتواترة (٣) ، مضافاً إلى إجماع الأُمّة.

( ومقاصده أربعة ) :

( الأول : في ) بيان ( الموجب ) للحدّ ( وهو الرمي بالزناء أو اللواط ) بمثل قوله : زنيت بالفتح أو : لطت ، أو : أنت زان ، أو : لائط ، وشبهه من الألفاظ الدالّة على القذف صريحاً.

( وكذا لو قال : يا منكوحاً في دُبُره ) أو : زنى بك فلان ، وشبهه من الألفاظ الظاهرة فيه عرفاً ، على إشكال فيها ؛ لمجامعة الظهور الاحتمال الذي يدرأ به الحدود.

لكن ظاهرهم الاتّفاق على الحدّ في العبارة الأُولى منها ، وبه صرّح في المسالك (٤) وغيره (٥).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٣٥٨.

(٢) النور : ٤ ، ٢٣.

(٣) الوسائل ٢٨ : ١٧٥ أبواب حد القذف ب ٢.

(٤) المسالك ٢ : ٤٣٥.

(٥) الإيضاح ٤ : ٥٠٤ ، التنقيح ٤ : ٣٦١.

٣١

وبالحدّ فيها صرّح بعض المعتبرة : « كان عليّ عليه‌السلام يقول : إذا قال الرجل للرجل : يا معفوج (١) ، يا منكوحاً في دبره ، فإنّ عليه الحدّ حدّ القاذف » (٢).

وقصور السند مجبور بالعمل ، وبابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

فلا إشكال في الحدّ بها ، وإنّما الإشكال فيما عداها إن لم يكن ثبوته به إجماعاً.

وأيضاً يعتبر في القاذف معرفته بموضع (٣) اللفظ ( بأيّ لغةٍ اتّفق ) وإن لم يعرف المواجه معناه ( إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل ) أي عرف لغته التي يتلفّظ بها.

( ولا حدّ مع جهالة قائلها ) (٤) بمدلوله اتّفاقاً ؛ للأصل ، وعدم صدق القذف حينئذٍ قطعاً. فإن عرف أنّها تفيد فائدةً يكرهها المواجه عُزِّر ، وإلاّ فلا.

( وكذا لو قال لمن أقرّ ببنوّته ) أو حكم الشرع بلحوقه به : ( لستَ ولدي ) أو قال لغيره : لستَ لأبيك ، فيُحَدّ لُامّه ، بلا خلاف ، بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه كما في المسالك (٥) ؛ وهو الحجّة الدافعة للإشكال‌

__________________

(١) في حاشية « ب » : يا موطوء. وفي الصحاح ١ : ٣٢٩ ، العفج : يكنّى به عن الجماع.

(٢) الكافي ٧ : ٢٠٨ / ١٦ ، التهذيب ١٠ : ٦٧ / ٢٤٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٧ أبواب حدّ القذف ب ٣ ح ٢.

(٣) في « ب » : بموضوع.

(٤) في المختصر المطبوع : .. جهالته فائدتها.

(٥) المسالك ٢ : ٤٣٥.

٣٢

المتقدم إليه الإشارة ، الجاري هنا أيضاً ؛ بناءً على عدم صراحة الألفاظ المزبورة في القذف باحتمال الإكراه في وطء الأُمّ أو الشبهة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة :

ففي القويّ بالسكوني وصاحبه : « من أقرّ بولد ثم نفاه جُلِد الحدّ وأُلزم الولد »(١).

وفي الخبر : الرجل ينتفي من ولده وقد أقرّ به ، فقال : « إن كان الولد من حرّة جُلد خمسين سوطاً ، وإن كان من أمة فلا شي‌ء عليه » (٢) فتأمّل.

وفي آخر : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يعزِّر في الهجاء ، ولا يجلد الحدّ إلاّ في الفرية المصرّحة ، بأن يقول : يا زاني ، أو : يا ابن الزانية ، أو : لست لأبيك » (٣) ونحوه آخر (٤).

قيل : وفي الحسن مثلهما (٥). ولم أقف عليه (٦).

وظاهرها كما ترى كون : « لست لأبيك » من الألفاظ الصريحة ، وبه صرّح في المسالك ، فقال : هذه الصيغة عندنا من الألفاظ الصريحة لغةً وعرفاً ، فيثبت بها الحدّ لُامّة (٧).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٦١ / ٨ ، الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٣ ، التهذيب ١٠ : ٨٧ / ٣٣٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٣ / ٨٧٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٩ أبواب حدّ القذف ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٦٢ / ١١ ، الفقيه ٤ : ٣٨ / ١٢٢ ، التهذيب ١٠ : ٨٣ / ٣٢٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٣ / ٨٧٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٩ أبواب حدّ القذف ب ٢٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ١٠ : ٨٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٤ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٦.

(٤) الفقيه ٤ : ٣٥ / ١٠٥ ، قرب الإسناد : ٥٤ / ١٧٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٥ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٩.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٤١١.

(٦) والمراد به هو حسن عبد الله بن سنان المصرَّح به في عبارة القائل. الكافي ٧ : ٢٠٥ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٦ أبواب حدّ القذف ب ٢ ح ٢.

(٧) المسالك ٢ : ٤٣٥.

٣٣

واستشكله بعض الأجلّة لما عرفته ، قال : إلاّ أن يقال : قد صار عرفاً صريحاً في الرمي به ، وهو حسن ، إلاّ أنّه لا ينفع عذراً لما في المسالك من دعوى الصراحة لغةً (١).

( ولو قال : زنى بك أبوك ) أي ولدت من الزناء أو : يا ابن الزاني ( فالقذف لأبيه ) خاصّة ( أو ) قال : ( زنت بك أُمّك ، فالقذف لُامّه ) كذلك ، فيُحَدّ للأب أو الأُمّ دون المواجه ؛ لأنّه قذفٌ لهما حقيقةً دونه ؛ لأنّه لم ينسب إليه فعلاً. لكن يعزّر له كما سيأتي ؛ لتأذّيه به.

( ولو قال : يا ابن الزانيين ، فالقذف لهما ) دون المواجه ؛ لما عرفته ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال ، وفي النصوص دلالة عليه :

ففي الصحيح : « وإن قال لابنه وأُمّه حيّة : يا ابن الزانية ، ولم ينتف من ولدها ، جُلِد الحدّ لها ، ولم يفرّق بينهما » الخبر (٢) ، فتدبر.

( و ) إنّما ( يثبت الحدّ ) عليه لهما ( إذا كانا مسلمَين ) عاقلَين ، حرَّين ، محصَنَين ، فلا يحدّ مع عدم الشرائط أو أحدها فيهما وإن كان المواجه متّصفاً بها ، بل يعزّر لهما.

كما أنّه لو اتّصفا بها يحدّ لهما ( ولو كان المواجه كافراً ) أو عبداً .. وبالجملة : فاقد الشرائط ولو بعضاً ؛ لأنّهما المقذوف دونه ، فيتبع كلاًّ منهم حكمه.

( ولو قال للمسلم : يا ابن الزانية ) مثلاً ( وأُمّه كافرة ، فالأشبه : ) أنّ عليه ( التعزير ) وفاقاً للحلّي (٣) وعامّة المتأخّرين ؛ للأصل ، وانتفاء التكافؤ‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١٣ : ١٣٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢١٢ / ١٣ ، التهذيب ١٠ : ٧٧ / ٢٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٦ أبواب حدّ القذف ب ١٤ ح ١.

(٣) السرائر ٣ : ٥٢٠.

٣٤

للقاذف أو علوّ المقذوف المشترط في ثبوت الحدّ ، فإنّ المقذوف هنا الامّ ، وهي غير مكافئة.

( و ) قال الشيخ ( في النهاية ) والقاضي : إنّه ( يُحَدّ ) كاملاً (١) ؛ لحرمة الولد ، وللخبر عن مولانا الصادق عليه‌السلام : عن اليهوديّة والنصرانيّة تحت المسلم فيُقذَف ابنها ، قال : « يُضرَب القاذف ؛ لأنّ المسلم قد حصنها » (٢).

ويضعف بعدم كفاية حرمة الولد ، وضعف الخبر سنداً ، فإنّ فيه بنان ابن محمّد المجهول ، ودلالةً :

تارةً : بأنّ قذف الابن أعمّ من نسبة الزناء إلى الأُمّ ؛ مع أنّ القذف بذلك ليس قذفاً لابنها ، بل لها.

وأُخرى : بأنّ ضرب القاذف أعمّ من الحدّ ، فيحتمل التعزير ، ونحن نقول به.

وفي هذين الوجهين نظر ؛ لمنافاة الأول قوله : « إنّ المسلم قد حصنها ».

والثاني موجّه على النسخة المتقدّمة والمرويّة في التهذيب ، ولكن في الكافي بدل « يضرب القاذف » : « يضرب حدّا ».

فإذاً الجواب عنه بضعف السند بمن مرّ كما في سنده في التهذيب ، أو بمعلّى بن محمّد كما في سنده في الكافي.

ومنه يظهر ما في المختلف من أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية ، فإنّها‌

__________________

(١) النهاية : ٧٢٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٤٨.

(٢) الكافي ٧ : ٢٠٩ / ٢١ ، التهذيب ١٠ : ٦٧ ، ٧٥ / ٢٤٨ ، ٢٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٠ أبواب حدّ القذف ب ١٧ ح ٦.

٣٥

واضحة الطريق (١).

ولو سلّم وضوح الطريق ، فالخبر غير مكافئ لما مرّ ، من حيث اعتضاده بعمل الأكثر ، وحصول الشبهة من جهة الخلاف الدارئة.

ولكن يعضد الخبر ما عن الإسكافي من أنّه مرويّ عن مولانا الباقر عليه‌السلام ، وأنّ الطبري روى : أنّ الأمر لم يزل على ذلك إلى أن أشار عبد الله بن عمر ( على عمر بن عبد العزيز ) (٢) بأن لا يُحَدّ مسلم في كافر ، فترك ذلك (٣).

( ولو قال : يا زوج الزانية ، فالحدّ لها ) خاصّة ( و ) كذا ( لو قال : يا أبا الزانية ، أو : يا أخا الزانية فـ ) إنّ ( الحدّ للمنسوبة إلى الزناء دون المواجه ) بالخطاب.

ولو عطف : يا أبا الزانية وما بعده ، على : يا زوج الزانية ، وأسقط قوله : فالحدّ لها ، مكتفياً للجميع بقوله : فالحدّ للمنسوبة كما فعله غيره كان أخصر ، بل وأحسن ، فإنّ ما ذكره ربما يوهم خصوصيّة في الشرطيّة الأُولى دون ما بعدها ، أو بالعكس ، حيث فصلت إحداهما عن الأُخرى ، مع اتّحاد حكمهما ، وانتفاء الخصوصيّة قطعاً ، وكون دليلهما واحداً.

( ولو قال : زنيتَ بفلانة ، فللمواجه حدٌّ ) قطعاً ؛ لقذفه بالزناء صريحاً.

( وفي ثبوته للمرأة ) المنسوب إليها زناه ( تردّد ) ينشأ :

من احتمال الإكراه بالنسبة إليها ، ولا يتحقّق الحدّ مع الاحتمال ،

__________________

(١) المختلف : ٧٨٠.

(٢) بدل ما بين القوسين في « س » : بن عبد العزيز.

(٣) حكاه عنه في غاية المراد ٤ : ٢٣١.

٣٦

ولظاهر الصحيح الوارد في نظير البحث : في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك ، قال : « عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها ، وأمّا قوله : أنا زنيت بك ، فلا حدّ عليه فيه ، إلاّ أن يشهد على نفسه أربع مرّات بالزناء عند الإمام » (١).

فإنّه يعطي بظاهره أنّ قوله : زنيت بك ، ليس قذفاً ؛ حيث نفى الحدّ فيه أصلاً ، ومنه حدّ القذف ، فتأمّل جدّاً.

ومن أنّ الزناء فعل واحد ، فإن كذب فيه بالنسبة إلى أحدهما كذب بالنسبة إلى الآخر. ووهنه واضح.

ولعدم الاعتداد بشبهة الإكراه في الشرع ، ولذا يجب الحدّ إجماعاً على من قال : يا منكوحاً في دبره ، ونحوه. وفيه منع ، وإثباته بالمجمع عليه قياس.

ولتطرّق الاحتمال بالنسبة إلى كل منهما ، فينبغي اندراء الحد عنه بالكلّية. وفيه : أنّ المكرَه على الزناء ليس زانياً.

وإلى الاحتمال الأول ذهب الحلّي ، ومال إليه في التحرير (٢). وإلى الثاني الشيخان (٣) وجماعة (٤) ، وفي الغنية وعن الخلاف (٥) الإجماع عليه .. ولولاه لكان الأول أقوى ؛ للشبهة الدارئة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢١١ / ١ ، الفقيه ٤ : ٣٧ / ١١٦ ، التهذيب ١٠ : ٧٦ / ٢٩١ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٥ أبواب حد القذف ب ١٣ ح ١.

(٢) الحلّي في السرائر ٣ : ٥٢٠ ، التحرير ٢ : ٢٤٧.

(٣) المفيد في المقنعة : ٧٣٩ ، الطوسي في النهاية : ٧٢٥ ، المبسوط ٨ : ١٦.

(٤) منهم ابن البراج في المهذّب ٢ : ٥٤٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤١٤ ، العلاّمة في المختلف : ٧٨٠ ، فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٥٠٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٣٥.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، انظر الخلاف ٥ : ٤٠٥.

٣٧

( والتعريض ) بالقذف كقوله لمن ينازعه ويعاديه : لست بزان ولا لائط ولا أُمّي زانية ، وقوله : يا حلال ابن الحلال ، ونحو ذلك ـ ( يوجب التعزير ) بلا خلاف ؛ للصحيح : عن رجل سبّ رجلاً بغير قذف فعرّض به ، هل يحدّ؟ قال : « لا ، عليه تعزير » (١) ، ولما فيه من الإيذاء المحرّم الموجب له كما يأتي (٢).

( وكذا ) يعزّر ( لو قال لامرأته : لم أجدك عذراء ) قاصداً به وهنها (٣) ، كما صرّح به الحلّي (٤) ، لا مطلقاً ، كما هو ظاهر العبارة وغيرها (٥) ، ويمكن حملها على الأول ، كما هو الغالب في هذا القول جدّاً.

والحكم بالتعزير هنا في الجملة أو مطلقاً هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في المختلف (٦) ؛ لظاهر الموثّق أو الصحيح : في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، قال : « يضرب » قلت : فإنّه عاد ، قال : « يضرب ، فإنّه يوشك أن ينتهي » (٧).

والضرب فيه وإن لم يكن صريحاً في التعزير ، بل أعمّ منه ومن الحدّ ، لكنّه مع ظهوره فيه محمول عليه ؛ للأصل ، وصريح الصحيح الآتي ، المترجّح على مثله ، المثبت للحدّ بما يأتي.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٤٠ ، ٢٤٣ / ٣ ، ١٧ ، التهذيب ١٠ : ٨١ / ٣١٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٢ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) في ص : ٣٨.

(٣) في « ب » : الأذى.

(٤) السرائر ٣ : ٥٣٢.

(٥) كعبارة الشرائع ٤ : ١٦٤ ، والتحرير ٢ : ٢٣٨ ، والقواعد ٢ : ٢٥٩ ، والمختلف : ٧٨٢.

(٦) المختلف : ٧٨٢.

(٧) التهذيب ١٠ : ٧٧ / ٢٩٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٧ كتاب اللعان ب ١٧ ح ٢.

٣٨

خلافاً للعماني ، فأوجب الحدّ (١) ؛ للصحيح : « إذا قال الرجل لامرأته : لم أجدك عذراء ، وليست له بيّنة قال : يجلد الحدّ ويخلّى بينه وبينها » (٢).

ويحتمل الحدّ فيه التعزير ، أو اختصاصه بما إذا قصد بقوله المذكور الرمي بالزناء صريحاً ولو بقرينة الحال ، وينبّه عليه قوله عليه‌السلام : « وليست له بيّنة ».

ومنه يظهر عدم إمكان الجمع بينه وبين الموثّق المتقدّم بحمل الضرب فيه على الحدّ ؛ لكونه أعمّ منه ، مضافاً إلى عدم إمكانه من وجه آخر ، وهو اعتضاد ما ذكرناه من الجمع بالأصل ، والشهرة ، وصريح بعض المعتبرة بوجود المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده فلا يضرّ ما فيه من الجهالة : في رجل قال لامرأته بعد ما دخل بها : لم أجدك عذراء ، قال : « لا حدّ عليه » (٣).

وظاهر الصحيح : في رجل قال لامرأته : لم تأتني عذراء ، قال : « ليس عليه شي‌ء ؛ لأنّ العذرة تذهب بغير جماع » (٤) بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد من الشي‌ء المنفيّ فيه إنّما هو خصوص الحدّ ، لا التعزير ، وإلاّ لشذّ وما ارتبط التعليل ؛ فإنّ مقتضاه عدم القذف الصريح الذي هو مناط للحدّ ، لا عدم الأذى الموجب للتعزير ؛ لحصوله عادةً وإن احتمل الذهاب بغير جماع بل وتعيّن.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٨٢.

(٢) التهذيب ١٠ : ٧٨ / ٣٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٨ أبواب اللعان ب ١٧ ح ٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٣٤ / ١٠٣ ، التهذيب ١٠ : ٧٨ / ٣٠١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٨ كتاب اللعان ب ١٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٧ : ٢١٢ / ١٢ ، التهذيب ١٠ : ٧٨ / ٣٠٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٧٧ / ١٣٤٥ ، علل الشرائع : ٥٠٠ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٦ كتاب اللعان ب ١٧ ح ١.

٣٩

وعن الإسكافي الموافقة له فيما لو قال ذلك عند مَرد (١) وسباب ، والمخالفة له في غيره (٢). وهو ضعيف.

وبالجملة : فالظاهر ثبوت التعزير لو قال لها ذلك ، ( أو قال لغيره ) مواجهاً أو غائباً ( ما يوجب أذى له ، كالخسيس والوضيع ) والحقير ، ( وكذا لو قال ) له : ( يا فاسق ) أو : يا خائن ( أو : يا شارب الخمر ) ونحو ذلك ممّا يوجب الأذى ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ؛ للنصوص المستفيضة عموماً وخصوصاً في بعض الأمثلة :

كالخبر : عن رجل قال لآخر : يا فاسق ، فقال : « لا حدّ عليه ويعزّر » (٤).

وفي آخر : « إذا قال الرجل : أنت خبيث (٥) وأنت خنزير ، فليس فيه حدّ ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة » (٦).

وفي ثالث : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دعا آخر : ابن المجنون ، فقال له الآخر : أنت ابن المجنون ، فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين جلدة ، وقال له : اعلم أنّه مستعقب (٧) مثلها عشرين ، فلمّا جلده‌

__________________

(١) وهو هتك العرض ( القاموس ١ : ٣٥٠ ) كذا في « ب » ، وفي « ن » : حرد. وهو الغضب ( القاموس ١ : ٢٩٧ ) ، وفي « ح » : جرد.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٨٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٤) الكافي ٧ : ٢٤٢ / ١٥ ، التهذيب ١٠ : ٨٠ / ٣١٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٣ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٤.

(٥) في « س » ، « ن » : خنث.

(٦) الكافي ٧ : ٢٤١ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٨١ / ٣١٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٣ أبواب حدّ القذف ب ٩ ح ٢.

(٧) في الكافي : مستحق.

٤٠