رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

قيل : ولعلّه مبني على الرواية المحكية عن الإيضاح (١) ، مع إطلاق سائر الأخبار بالردّ إلى دية الحرّ ، وكون الردّ خلاف الأصل ، فيقتصر على المتيقن (٢).

( ولو قتل العبد حرّا ) عمداً قتل به اتفاقاً ، فإنّ النفس بالنفس ، وفيما سيأتي من الأدلّة دلالة عليه.

ولا فرق فيه بين كون الحرّ مولاه أم غيره ، ويفرّق بينهما في قتله خطأً بثبوت الدية للحرّ المجنيّ عليه لو لم يكن مولاه ، وعدمه لو كان مولاه ، وفي القوي : عبد قتل مولاه متعمّداً ، قال : « يقتل به ، وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك » (٣).

و ( لم يضمن مولاه ) جنايته ، بل يتعلّق برقبته ( و ) يكون ( وليّ الدم بالخيار بين قتله واسترقاقه ) للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا استرقّوه » (٤) ونحوه غيره (٥).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في الغنية (٦).

وإطلاق هذه الأدلّة يقتضي جواز الاسترقاق ولو مع عدم رضى‌

__________________

(١) إيضاح القواعد ٤ : ٥٨١ ، ٥٨٢.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٥٠.

(٣) التهذيب ١٠ : ١٩٧ / ٧٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٩٨ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ١٠.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٤ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٩٤ / ٧٦٧ ، الوسائل ٢٩ : ٩٩ أبواب القصاص في النفس ب ٤١ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٣٠٤ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١٩٤ / ٧٦٦ ، الوسائل ٢٩ : ٩٩ أبواب القصاص في النفس ب ٤١ ح ٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

٢٢١

المولى ، كما صرّح به (١) جماعة (٢) معلّلين زيادةً على ما مرّ من النصوص بأنّ الشارع سلّط الوليّ على إتلافه بدون رضاء المولى المستلزم لزوال ملكه عنه ، فإزالته مع بقاء نفسه أولى ؛ لما يتضمّن من حقن دم المؤمن ، وهو مطلوب للشارع.

واحتمل توقف استرقاقه على رضاه ؛ لأنّ ثبوت المال في العمد بدل القود يتوقّف على التراضي ، وربما حكي هذا قولاً (٣) ، ولم أجد له قائلاً.

وكيف كان فالأوّل أقوى ؛ لإطلاق النصّ والفتوى ، مع الأولويّة التي عرفتها.

( وليس للمولى فكّه مع كراهة الوليّ ) كما ليس للقاتل دفع الدية إلى وليّ المقتول إلاّ برضاه.

( ولو جرح ) العبد ( حرّا فللمجروح القصاص ) منه ، فإنّ الجروح قصاص ( وإن شاء ) المجروح ( استرقّه إن استوعبته الجناية ) بحيث لا يبقى من قيمته بعد إخراجها شي‌ء بالمرّة ( وإن قصرت ) الجناية عن قيمته ( استرقّ ) المجني عليه ( منه بنسبة الجناية ، أو يباع ) العبد ( فيأخذ من ثمنه حقه ) من أرش الجناية ، ( ولو افتداه المولى ) وفكّه ( فداه بأرش الجناية ).

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، إلاّ في الحكم الأخير ، فقيل بما في العبارة : من الفكّ بأرش الجناية زادت عن قيمته أم نقصت ؛ لأنّه الواجب لتلك الجناية ، وإليه ذهب في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (٤) ،

__________________

(١) في « ح » زيادة : في المسالك و.

(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ٥٧٦ ، المسالك ٢ : ٤٦٢ ، المفاتيح ٢ : ١٣٤.

(٣) المفاتيح ٢ : ١٣٤ ، مرآة العقول ٢٤ : ٧١.

(٤) الخلاف ٥ : ١٤٩.

٢٢٢

قيل : وفي المبسوط أنّه الأظهر في الروايات. وقال المحقق : إنه مروي ؛ وهو ظاهر النهاية وابن إدريس وكثير من الأصحاب (١).

وقيل : بل يفكّه بأقلّ الأمرين من القيمة وأرش الجناية ؛ لأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه ، والمولى لا يعقل مملوكه ، فالزائد لا يلزمه (٢). وإليه ذهب في المبسوط (٣).

وفي الصحيح في عبد جرح حرّا : « إن شاء الحرّ اقتصّ منه ، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته ، وإن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه ، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحته ، والباقي للمولى ، يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه ، ويردّ الباقي على المولى » (٤).

( ويقاد العبد بمولاة ) أي يقتصّ منه له لو جنى عليه متعمّداً ( إن شاء الوليّ ) للمولى الاقتصاص منه ؛ لإطلاق ما دلّ على الاقتصاص من العبد للحرّ ، أو فحواه ؛ ولخصوص القويّ : في عبد قتل مولاه متعمّداً ، قال : « يقتل به ، قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك » (٥).

( ولو قتل عبد مثله ) أو جرحه ( عمداً فإن كانا ) أي العبدان ( لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص ) من الجاني منهما ( أو العفو )

__________________

(١) غاية المراد ٤ : ٣٦٧ ، مجمع الفائدة ١٤ : ٦٤ ، وفي المبسوط ٧ : ٧ ، والشرائع ٢ : ٢٠٨ ، النهاية : ٧٥٢ ، السرائر ٣ : ٣٥٧.

(٢) المفاتيح ٢ : ١٣٤.

(٣) المبسوط ٧ : ٣٩.

(٤) الكافي ٧ : ٣٠٥ / ١٢ ، الفقيه ٤ : ٩٤ / ٣٠٩ ، التهذيب ١٠ : ١٩٦ / ٧٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٦٦ أبواب قصاص الطرف ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٩٧ / ٧٨٠ ، الوسائل ٢٩ : ٩٨ أبواب القصاص في النفس ب ٤٠ ح ١٠.

٢٢٣

عنه ؛ لعموم الأدلّة ؛ وخصوص الموثّق كالصحيح : عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه ، إله أن يقيده به دون السلطان إن أحبّ ذلك؟ قال : « هو ماله يفعل فيه ما شاء ؛ إن شاء قتل ، وإن شاء عفا » (١).

( وإن كانا لاثنين فـ ) يأتي فيه ما مرّ : من أنّ ( للمولى ) أي مولى المجني عليه ( قتله ) أي الجاني ، من دون ردّ فيما لو زاد الجاني المجني عليه قيمةً ، أو مع ردّ الزيادة ، على اختلاف القولين المتقدم إليهما الإشارة.

( إلاّ أن يتراضى الموليان ) عن قتله أو جرحه ( بدية أو أرش ) فلا يقتصّ منه بعده ، بل يلزم ما تراضيا عليه ، كما هو واضح ، وسيظهر وجهه ممّا دلّ على جواز الصلح بالدية عن القصاص.

ثم إنّ كلّ ما ذكر في جناية العبد عمداً.

( ولو كانت الجناية ) على مثله أو حرّ ( خطأ كان لمولى القاتل فكّه بـ ) أقلّ الأمرين من أرش الجناية و ( قيمته ) أو بالأرش مطلقا ، على الخلاف الذي مضى.

( وله دفعه ) أي العبد الجاني إلى المجني عليه أو وليّه ليسترقّه ( وله ) أي للمولى حينئذٍ ( منه ) أي من العبد ( ما فضل من قيمته عن قيمة المقتول ) وأرش الجناية ( ولا يضمن ) المولى ( ما يعوز ) وينقص من قيمة الجاني عن الدية أو أرش الجناية ، فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه ، ولإطلاق الخبر : « إذا قتل العبد الحرّ فدفع إلى أولياء الحرّ فلا شي‌ء على مواليه » (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٧ / ١٩ ، التهذيب ١٠ : ١٩٨ / ٧٨٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٣ أبواب القصاص في النفس ب ٤٤ ح ١.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٩٥ / ٧٧٢ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٠ أبواب القصاص في النفس ب ٤١ ح ٦.

٢٢٤

مع أنّه لا خلاف فيه ، ولا في ثبوت الخيار المزبور لمولى الجاني دون وليّ المجنيّ عليه ، وسيأتي من النصوص في المدبّر ما يدل عليه.

واستدل عليه بأنّه لا يتسلّط وليّ المقتول هنا على إزالة ملكه عنه بالقتل ليحمل عليه الاسترقاق ، وإنّما تعلّق حقّه بالدية من مال المولى فله الخيار.

وفي الصحيح : عن مكاتب قتل رجلاً خطأً؟ قال : فقال : « إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو ردّ في الرقّ فهو بمنزلة المملوك ، يدفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا » الحديث (١).

وظاهره تعيّن الدفع ، وهو شاذّ ، إلاّ أن يحمل كونه على وجه الخيار لكن يشكل ما فيه من الحكم بالقصاص في الخطأ ، إلاّ أن يحمل الخطأ فيه على ما يقابل الصواب لا العمد ، وحينئذٍ يخرج الخبر عن محل البحث.

( والمدبّر ) في جميع ذلك ( كالقنّ ) فيقتل إن قتل عمداً حرّا أو عبداً ، أو يدفع إلى وليّ المقتول يسترقّه ، أو يفديه مولاه بالأقلّ ، كما مرّ.

ثم إن فداه أو بقي منه شي‌ء بعد أرش الجناية بقي على تدبيره ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في القواعد (٢).

( ولو استرقّه ) كلّه ( وليّ الدم ففي خروجه عن التدبير قولان ) اختار أوّلهما الحلّي (٣) وأكثر المتأخرين ، بل عامّتهم ؛ لأنّه انتقل إلى ملك غير المدبِّر ، فيخرج عن التدبير ، كالبيع ؛ وللصحيح : عن مدبَّر قتل رجلاً‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٨ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٩٥ / ٣١٦ ، التهذيب ١٠ : ١٩٨ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٥ أبواب القصاص في النفس ب ٤٦ ح ٢.

(٢) القواعد ٢ : ٢٨٥.

(٣) السرائر ٣ : ٣٥٤.

٢٢٥

عمداً؟ فقال : « يقتل به » قال : وإن قتله خطأ؟ قال : « يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم ، فإن شاؤوا استرقّوه ، وليس لهم قتله ، إنّ المدبّر مملوك » (١).

وثانيهما الشيخان والصدوق والإسكافي (٢) ؛ لقولهم بلزوم الاستسعاء كما حكي ، وهو فرع بقاء التدبير لاستصحاب بقائه إلى أن يعلم المزيل.

وللصحيح : عن مدبّر قتل رجلاً خطأً ، من يضمن عنه؟ قال : « يصالح عنه مولاه ، فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبّره ، ثم يرجع حرّا لا سبيل عليه » (٣).

مضافاً إلى النص الآتي الدالّ على الاستسعاء المتفرّع عليه كما عرفت.

ويضعّف الأوّل : بثبوت المزيل ، وهو ما مرّ من الدليل.

والصحيح : بمعارضته بمثله ، بل وأجود منه ، مع احتمال ضعف دلالته ؛ إذ ليس فيه استرقاق وليّ الدم له ، بل غاية ما فيه دفعه إليه يخدمه ، وهو أعمّ من استرقاقه وعدمه ، لو لم نقل بظهوره في الثاني ، فيحمل عليه ، ويكون المقصود من الدفع للخدمة احتساب أُجرتها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية ، وحينئذٍ يصح الحكم ببقاء التدبير بلا شبهة ، ويكون من قبيل ما لو افتداه المولى ببذل الدية أو أرش الجناية.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٥ / ٨ ، الفقيه ٤ : ٩٥ / ٣١٥ ، التهذيب ١٠ : ١٩٧ / ٧٨٢ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٢ أبواب القصاص في النفس ب ٤٢ ح ١ ؛ بتفاوت.

(٢) المفيد في المقنعة : ٧٥١ ، الطوسي في النهاية : ٧٥١ ، الصدوق في المقنع : ١٩١ ، حكاه عن الإسكافي في كشف اللثام ٢ : ٢٠٣.

(٣) الكافي ٧ : ٣٠٥ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ١٩٧ / ٧٨٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٥ / ١٠٤٢ ، الوسائل ٢٩ : ٢١١ أبواب ديات النفس ب ٩ ح ١.

٢٢٦

ويحتمل الحمل على هذا ما سيأتي من الرواية في الاستسعاء ؛ إذ ليس فيها التصريح بدفعه رقّاً لأولياء الدم ، بل غايتها الدفع إليهم مطلقاً ، فيحتمل الحمل على ما ذكرنا.

مع ضعفها سنداً ، وعدم مكافأتها كما قبلها لأدلّة القول الأوّل جدّاً ، سيّما مع اشتهارها شهرة عظيمة بين أصحابنا ، فالقول الأوّل أقوى.

( وبتقدير أن لا يخرج ) عن التدبير ( هل يسعى ) بعد موت المولى ( في فكّ رقبته ) من أولياء الدم ، أم لا؟ ( المرويّ ) في بعض النصوص : ( أنّه يسعى ) وفيه : عن مدبّر قتل رجلاً خطأً؟ قال : « أيّ شي‌ء رويتم في هذا؟ » قال : روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول ، فإذا مات الذي دبره عتق » قال : « سبحان الله ، فيطلّ دم امرئٍ مسلم » قلت : هكذا روينا ، قال : « غلطتم على أبي عليه‌السلام يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول ، فإذا مات الذي دبّره استسعى في قيمته » (١).

وضعف سنده كما مرّ يمنع عن العمل به ، مع مخالفته الأصل ، وظاهر الصحيح الثاني ؛ لقوله : « ثم يرجع حرّا لا سبيل عليه » (٢) ولعلّه لذا قال المفيد بالعدم كما حكي (٣).

وظاهر الرواية الاستسعاء في قيمة نفسه ، كما عن الصدوق والإسكافي (٤) ، وعن الشيخ في النهاية والكتابين (٥) الاستسعاء في دية‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٧ / ٢٠ ، التهذيب ١٠ : ١٩٨ / ٧٨٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٥ / ١٠٤٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢١٢ أبواب ديات النفس ب ٩ ح ٥.

(٢) المتقدّم في ص ٢٢٥.

(٣) حكاه عنه في المهذّب البارع ٥ : ١٦٥ ، وهو في المقنعة : ٧٥١.

(٤) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ٢٠٣ ، وهو في المقنع : ١٩١.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧٩٢ ، وهو في النهاية : ٧٥١ ، والتهذيب ١٠ : ١٩٨ ، والاستبصار ٤ : ٢٧٥.

٢٢٧

المقتول ، وهو مع منافاته لظاهرها ، والنصوص القائلة : إنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه لا دليل عليه ، ولذا نسبه الماتن في الشرائع إلى الوهم (١).

وأوّلَ بعض الفقهاء كلام الشيخ بأنّ دية المقتول الآن هي قيمة العبد ؛ لأنّه لا يطالب بأكثر من نفسه ، فجاز أن يطلق عليها أنّها دية المقتول (٢).

ولا بأس به ، وإن لم يرتضه في التنقيح ، قائلاً : إنّه عدول عن الحقيقة إلى المجاز بغير دليل (٣) ؛ صوناً لفتوى الشيخ عن المخالفة للخبر الذي استند هو إليه لها.

( والمكاتب إن لم يؤدّ ) من مكاتبته شيئاً ، أ ( وكان مشروطاً كان كالرقّ المحض ) بلا خلاف ، للصحيحين ، مضى أحدهما في جناية العبد خطأً (٤) ، وفي الثاني : « فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئاً فإنه يقاصّ للعبد منه ، ويغرم المولى كلّ ما جنى المكاتب ؛ لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً » (٥).

( وإن كان مطلقاً وقد أدّى شيئاً ) تحرر منه بقدر ما أدّى ( فإن قتل حرّا مكافئاً ) له في الحرّية ولو كان عبداً من جهة ، ما لم تنقص حرّيته عن حرّيته ، وإلاّ فلا يقتصّ له منه ما لم يتساو حرّيتهما أو يزد حرّية المقتول على حرّية القاتل ( عمداً قتل به ).

( وإن قتل مملوكاً ) محضاً أو مبعّضاً مع نقصان حرّيته عن حرّية‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٢٠٦.

(٢) لم نعثر على قائله ولكن حكاه عنه في التنقيح ٤ : ٤٢٠.

(٣) التنقيح ٤ : ٤٢٠.

(٤) في ص : ٢٢٤.

(٥) الفقيه ٤ : ٩٦ / ٣١٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢١٤ أبواب ديات النفس ب ١٠ ح ٥.

٢٢٨

القاتل ( فلا قود ) عليه ؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه ( وتعلّقت الجناية ) حينئذٍ بذمّته و ( بما فيه من الرقّية مبعّضة ) فبقدر ما فيه من الحرّية بذمّته ، وبما فيه من الرقية برقبته ( ويسعى في نصيب الحرّية ) من قيمة المقتول وما بإزائها منها ( ويسترقّ ) وليّ الدم ( الباقي منه ، أو يباع في نصيب الرقّ ) من قيمته وإن أمكنه ، أو كان ما في يده يفي بتمام قيمة المقتول ؛ لأنّه لما فيه من الرقّية يتعلّق من جنايته ما بإزائها برقبته ، وتبطل الكتابة حينئذٍ ؛ لانتقاله إلى ملك الغير.

( ولو قتل ) حرّا ، أو قنّاً ، أو مبعّضاً ( خطأً فعلى الإمام ) أن يؤدّي عنه ( بقدر ما فيه من الحرّية ) إن لم يكن له عاقلة ، فإنّه عاقلته ، بلا خلاف أجده.

وللصحيح : « إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه ، وكان قد أدّى من مكاتبته شيئاً فإنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : يعتق من المكاتب بقدر ما أدّى من مكاتبته ، وإنّ على الإمام أن يؤدّي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أُعتق من المكاتب ، ولا يبطل دم امرئ مسلم ، وأرى أن يكون ما بقي على المكاتب ما لم يؤدّه ، فلأولياء المقتول أن يستخدموه حياته بقدر ما بقي عليه وليس لهم أن يبيعوه » (١).

( وللمولى الخيار بين فكّ ما فيه من ) نصيب ( الرقّية بالأرش أو ) بأقلّ الأمرين ، على الخلاف المتقدم ، وتبقى الكتابة بحالها باقية ، وبين ( تسليم حصّة الرّق ) إلى وليّ المقتول ( ليقاصّ بالجناية ) وتبطل الكتابة ، وله التصرف فيه كيف شاء من بيع ، أو استخدام ، أو غيرهما.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٨ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٩٥ / ٣١٦ ، التهذيب ١٠ : ١٩٨ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٥ أبواب القصاص في النفس ب ٤٦ ح ٢.

٢٢٩

هذا هو الذي يقتضيه الأُصول ، وعليه أكثر المتأخرين على الظاهر ، المصرّح به في المسالك (١) ، بل المشهور بين الأصحاب مطلقاً ، كما في المهذّب وغيره (٢) ، وفي المسالك أنّ في بعض الأخبار دلالةً عليه. ولم أقف عليه ، بل في الصحيح المتقدّم قريباً ما ينافي جواز بيعه لوليّ الدم ، وأن ليس له سوى استخدامه حياته ولم يقولوا به ، بل حكي القول به عن الصدوق والمفيد والديلمي (٣) ، ونفى عنه البأس في المختلف (٤) ، ويمكن حمله على كراهة البيع أو حرمته إذا أُريد بيعه أجمع.

( وفي رواية علي بن جعفر ) المروية بطريق مجهول : أنّه ( إذا أدّى ) المكاتب ( نصف ما عليه فهو بمنزلة الحرّ ) وهي طويلة في آخرها : عن المكاتب إذا أدّى نصف ما عليه؟ قال : « هو بمنزلة الحرّ في الحدود وغير ذلك من قتل وغيره » (٥) ولم أرَ مفتياً بها صرحياً.

نعم الشيخ جمع في الاستبصار (٦) بينها وبين الصحيح : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب قتل ، قال : يحتسب منه ما أعتق منه فيؤدّي به دية الحرّ ، وما رقّ منه دية الرقّ » (٧) بحمله على التفصيل الذي تضمّنته الرواية ، ولذا نسبه الأصحاب إلى القول بها.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٦٣.

(٢) لم نعثر عليه في المهذّب ، مجمع الفائدة ١٤ : ٦٩ ، مرآة العقول ٢٤ : ٨٠.

(٣) حكاه عنهم في المهذّب البارع ٥ : ١٦٨ ، الصدوق في المقنع : ١٩٢ ، المفيد في المقنعة : ٧٥٢ ، الديلمي في المراسم : ٢٣٧.

(٤) المختلف : ٧٩٥.

(٥) التهذيب ١٠ : ٢٠١ / ٧٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٧ / ١٠٤٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢١٣ أبواب ديات النفس ب ١٠ ح ٣.

(٦) الاستبصار ٤ : ٢٧٧.

(٧) الكافي ٧ : ٣٠٧ / ١ ، الفقيه ٤ : ٩٤ / ٣٠٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٠ / ٧٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٦ / ١٠٤٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢١٣ أبواب ديات النفس ب ١٠ ح ٢.

٢٣٠

وفيه نظر ؛ لاحتمال إرادته بذلك مجرّد الجمع لا الفتوى ، مع أنّه ذكر بعض الأفاضل أنّ الذي في الاستبصار أنّ حكمه حكم الحرّ في دية أعضائه ونفسه إذا جني عليه ، لا في جناياته ، وإن تضمّنها الخبر ، فيحتمل أن يكون إنّما يراه كالحرّ في ذلك خاصّة ، كما يرى الصدوق مع نصّه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين ، قال : وإذا فقأ حرّ عين مكاتب أو كسر سنّه فإن كان أدّى نصف مكاتبته فقأ عين الحرّ ، أو أخذ ديته إن كان خطأً ، فإنّه بمنزلة الحرّ وإن كان لم يؤدّ النصف قوّم فأدّى بقدر ما أُعتق منه ، وإن فقأ مكاتب عين مملوك وقد أدّى نصف مكاتبته قوّم المملوك وأدّى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه (١) ؛ انتهى.

وأشار بما سمعته إلى ما حكاه عنه سابقاً ، فقال : وفي المقنع : والمكاتب إذا قتل رجلاً خطأً فعليه من الدية بقدر ما أدّى من مكاتبته ، وعلى مولاه ما بقي من قيمته ، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له فإنّما ذلك على إمام المسلمين (٢).

ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة جماعة (٣) مختار المفيد إلى الصدوق ، فإنّ بين مختاريهما فرقاً واضحاً ، وكذا في نسبة مختاره إلى الديلمي ؛ على ما يظهر من عبارته التي حكاها الفاضل المتقدم عنه في المراسم ، وهي هذه : على الإمام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه ، ويستسعي في البقيّة (٤).

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٤٤٩.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٤٩.

(٣) منهم ابن فهد في المهذّب ٥ : ١٦٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٦٨ ، انظر مرآة العقول ٢٤ : ٨٠.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٤٤٩ ، وهو في المراسم : ٢٣٧.

٢٣١

وهنا‌ ( مسائل ) ثلاث :

( الاولى : لو قتل الحرّ حرّين ) فصاعداً عمداً ( فليس للأولياء إلاّ قتله ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع عن المبسوط والخلاف كما ستسمعه ، وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى الأصل ، وقولهم عليهم‌السلام : « إنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه » (١).

فلو قتلوه لم يكن لهم المطالبة بالدية.

ولو قتله أحدهم ، فهل للباقي المطالبة بالدية؟ فيه وجهان ، بل قولان ، من أنّ الجناية لم توجب سوى القصاص ، ومن عموم قوله عليه‌السلام: « لا يطلّ دم امرئ مسلم » (٢) واختار هذا الفاضل في القواعد في هذا الكتاب ، وإن تردّد فيه في الديات ، وتبعه ولده في الشرح ، والفاضل المقداد في شرح الكتاب ، وشيخنا في المسالك ، وإن كان ظاهره التردّد فيه في الروضة ، وحكي عن الإسكافي وابن زهرة (٣).

وظاهر العبارة ونحوها الأوّل ، كما عن النهاية والوسيلة والسرائر والجامع والمبسوط والخلاف (٤) ، مدّعى فيهما الإجماع ، وهو الأوفق بالأصل.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٨٩ / ٢٨٦ ، الوسائل ٢٩ : ٨٥ أبواب القصاص في النفس ب ٣٣ ح ١٨ ؛ بتفاوت يسير ؛ وكذا الحديث ١٠ من نفس الباب.

(٢) عوالي اللئلئ ٢ : ١٦٠ / ٤٤١.

(٣) القواعد ٢ : ٢٨٤ و ٣٠٠ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٥٧٣ ، التنقيح الرائع ٤ : ٤٢١ ، المسالك ٢ : ٤٦٣ ، الروضة ١٠ : ٥٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨١٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٤) النهاية : ٧٤٦ ، الوسيلة : ٤٣٢ ، السرائر ٣ : ٣٤٨ ، الجامع للشرائع : ٥٧٩ ، المبسوط ٧ : ٦١ ، الخلاف ٥ : ١٨٢.

٢٣٢

( ولو قتل العبد حرّين ) فصاعداً ( على التعاقب ) واحداً بعد واحد ( ففي رواية ) علي بن عقبة ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام : في عبد قتل أربعة أحرار ، واحداً بعد واحد ، قال : « ( هو لأولياء الأخير ) من القتلى ، إن شاءُوا قتلوه ، وإن شاءُوا استرقّوه ؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّه أولياؤه ، فإذا قتل الثاني استُحقّ من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني » (١) وهكذا.

( وفي ) رواية ( أُخرى ) صحيحة أنّهما ( يشتركان فيه ما لم يحكم به لوليّ الأوّل ) (٢) وباختلافهما اختلف الأصحاب ، فبين مفتٍ بالأُولى ، كالشيخ في النهاية (٣) ، ومفتٍ بالثانية كهو في الاستبصار وعن الإسكافي والحلّي (٤) ، وعليه عامّة المتأخّرين.

وهو الأقوى ؛ لصحة سندها ، واعتضادها بفتوى أكثر الأصحاب ، بل كلّهم ؛ لرجوع الشيخ عن الأُولى إليها. وبالاعتبار ؛ لاشتراكهما في الاستحقاق ، وعدم الانتقال بمجرّد الجناية بدون الاسترقاق ، فإنّ الأصل في مقتضى العمد القصاص ، فلا وجه لتردّد الماتن هنا ، مع فتواه في الشرائع (٥) بالثانية صريحاً ، بل طرح الاولى متعيّن جدّاً.

ويمكن حملها على ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٩٥ / ٧٧٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٤ / ١٠٤٠ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٤ أبواب القصاص في النفس ب ٤٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ٤ : ٩٤ / ٣١١ ، التهذيب ١٠ : ١٩٥ / ٧٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٤ / ١٠٤١ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٤ أبواب القصاص في النفس ب ٤٥ ح ١.

(٣) النهاية : ٧٥٢.

(٤) الاستبصار ٤ : ٢٧٤ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٩٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٥٧.

(٥) الشرائع ٤ : ٢٠٧.

٢٣٣

على اللاحق ؛ جمعاً.

واحترز بالتعاقب عمّا لو قتلهما دفعةً ، فإنّ أولياء المقتولين يشتركون فيه حينئذٍ اتفاقاً ، كما في شرح الشرائع للصيمري والمسالك وغيرهما (١) ، وفي غيرها نفي الخلاف عنه (٢).

قالوا : ويكفي في الحكم به للأوّل اختياره استرقاقه قبل جنايته على الثاني ، وإن لم يحكم به حاكم ، ومع اختياره الاسترقاق لو قَتَل بعد ذلك فهو للثاني ، فإن اختار استرقاقه ثم قَتَل فهو للثالث ، وهكذا.

ونبّهوا بذلك على خلاف الشيخ في الاستبصار (٣) ، حيث اشترط في ذلك حكم الحاكم به ، وظاهر الرواية الصحيحة معه ، فإنّ فيها : عبد جرح رجلين ، قال : « بينهما إن كانت الجناية محيطة بقيمته » قيل له : فإن جرح رجلاً في أوّل النهار وآخر في آخر النهار؟ قال : « هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل » قال : « فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير » (٤).

وحمله في المختلف (٥) على ما يجب أن يحكم به ، وهو الانتقال المستند إلى الاختيار ، وفي المسالك بعد نقل ما مرّ عن الشيخ قال : ولعلّه جعل حكم الحاكم به كناية عن اختيار الأوّل الاسترقاق (٦). وهو غير بعيد.

__________________

(١) غاية المرام ٤ : ٣٧٧ ، المسالك ٢ : ٤٦٣ ؛ ملاذ الأخيار ١٦ : ٤٠٠.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٥١.

(٣) الإستبصار ٤ : ٢٧٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٩٤ / ٣١١ ، التهذيب ١٠ : ١٩٥ / ٧٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٤ / ١٠٤١ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٤ أبواب القصاص في النفس ب ٤٥ ح ١.

(٥) المختلف : ٧٩٦.

(٦) المسالك ٢ : ٤٦٤.

٢٣٤

( الثانية : لو قطع ) حرّ ( يمين رجلين ) حرّين ( قطعت يمينه للأوّل ويساره للثاني ) كما لو قطع يمينه ولا يمين له ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في المسالك ، وعن الخلاف والغنية (١) ، وهو الحجّة المخصِّصة لعموم ما دلّ على اعتبار المماثلة ؛ مضافاً إلى ما سيأتي من الرواية الدالّة عليه صريحاً وفحوى.

و ( قال الشيخ في النهاية (٢) : ولو قطع يداً وليس له يدان قطعت رجله باليد ، وكذا لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأوّل فالأوّل والرجل بالأخير فالأخير ، ولمن يبقى بعد ذلك الدية ) ونحوه في الخلاف (٣) ، وتبعه أكثر الأصحاب بل لم نقف لهم على مخالف ، عدا الحلّي وشيخنا الشهيد الثاني (٤) ، حيث اعتبرا المماثلة ، فلم يجوّزا قطع الرجل باليد ، وأوجبا الدية ؛ عملاً منهما بالعمومات المتقدّمة.

وهما شاذّان ، محكي على خلافهما الإجماع عن الخلاف وفي الغنية (٥) ، وهو الحجّة ، مضافاً إلى الرواية المشار إليها بقوله : ( ولعلّه استناداً إلى رواية حبيب السجستاني ) الصحيحة إليه ، وكالصحيحة من أصلها ؛ لرواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، ومع ذلك مروية في الكتب الثلاثة والمحاسن للبرقي عنه ( عن أبي جعفر عليه‌السلام) : عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، قال : فقال : « يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أوّلاً ، وتقطع يساره للذي قطع يمينه‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٦٣ ، الخلاف ٥ : ١٩٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٢) النهاية : ٧٧١.

(٣) الخلاف ٥ : ١٩٣.

(٤) الحلّي في السرائر ٣ : ٣٩٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦٣.

(٥) الخلاف ٥ : ١٩٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

٢٣٥

أخيراً ؛ لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأوّل » قال : فقلت : إن عليّاً عليه‌السلام إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، قال : فقال : « إنّما يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله تعالى ، فأمّا ما كان من حقوق المسلمين فإنّه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص ، اليد باليد إذا كان للقاطع يدان ، والرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان » فقلت له : أو ما توجب عليه الدية وتترك له رجله؟ فقال : « إنّما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثمّ توجب عليه الدية ؛ لأنّه ليس له جارحة يقاصّ منها » (١).

وهذه الرواية مع اعتبار سندها بما عرفته من القرب من الصحّة معلّلة سليمة عن المعارض بالكلّية عدا العمومات المتقدّم إليها الإشارة ، وهي بها مخصَّصة ؛ لحصول المكافأة ، سيّما مع عمل الأصحاب بها ووصفهم لها بالصحة ، وإن لم يظهر وجهه ؛ لأنّ حبيباً لم ينصّوا على توثيقه ، وإنّما ذكروا أنّه كان شارياً (٢) وانتقل إلينا (٣) ، وفي إلحاقه بذلك بالحسن فضلاً عن الصحيح بُعد.

ويحتمل كون الوصف بها إضافيّاً ؛ لصحة الطريق إلى الراوي ، ولكن مثله غير نافع لحجّية الحديث إن لم يكن الراوي بصفة الصحيح ، ولذا استجود الشهيد الثاني في الروضة (٤) طرح الرواية ، والعمل بعمومات المماثلة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٩ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٩٩ / ٣٢٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٥٩ / ١٠٢٢ ، الوسائل ٢٩ : ١٧٤ أبواب قصاص الطرف ب ١٢ ح ٢.

(٢) قيل : أي خارجياً. منه رحمه‌الله.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٣٧.

(٤) الروضة ١٠ : ٥١.

٢٣٦

وهو ضعيف في الغاية ؛ لعدم انحصار الحجة في الرواية الصحيحة ، بل القربية منها كذلك ، والرواية كذلك كما عرفته ، وعلى تقدير ضعفها ففتوى الأصحاب لها جابرة ، سيّما مع دعوى جملة منهم عليه إجماع الإمامية ، وعدم ظهور مخالف لهم بالكلّية عدا الحلّي ، وهو شاذّ كما عرفته.

ومن هنا يظهر أنّ تردّد الماتن لا وجه له.

وعلى المختار يجب الاقتصار في مخالفة العمومات على مورد النص ، وهو التقاصّ في الرجل باليد ، وبه قطع الفاضل في التحرير وغيره (١).

خلافاً للحلبي (٢) ، فعمّم الحكم فقال : وكذلك القول في أصابع اليدين والرجلين والأسنان. ولعلّه نظر إلى ما مرّ في الرواية من العلّة.

واعلم أنّ ذكر هذه المسألة في قصاص الطرف كما فعله جماعة أولى من ذكرها هنا.

( الثالثة : إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه ) بعد ذلك ( مولاه ففي ) صحة ( العتق تردّد ) :

من بقاء ملكه عليه ، وتغليب الحرّية ، وكون الأصل في قضية العمد القتل دون الاسترقاق ، وهو باق مع العتق ؛ لأنّ المقتول مكافئ للحرّ لو كانت الحرّية ابتداءً ، فمع طريانها أولى ، هذا ، مع كون العتق أقوى من الجناية ؛ لنفوذه في ملك الغير وهو الشريك ، بخلافها.

ومن تسلّط الوليّ على إزالة ملكه عنه بالقتل أو الاسترقاق ، فيضعف ملك المولى له ، وتعلّق حق الغير به قصاصاً أو استرقاقاً ، وهو يمنع‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٤٦ ، الإرشاد ٢ : ٢٠٩ ، القواعد ٢ : ٣٠٤.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٨٩.

٢٣٧

الاسترقاق.

( والأشبه ) عند الماتن هنا وفي الشرائع وشيخنا في شرحه وفخر الدين والفاضل المقداد في الشرح (١) : ( أنه لا ينعتق ؛ لأنّ للوليّ التخيير في ) الاقتصاص و ( الاسترقاق ) بالنصّ والوفاق ، وهو ينافي صحة العتق ؛ لعدم إمكان أحد فردي متعلّق الخيار معه ، وإن أمكن الفرد الآخر الذي هو الاقتصاص ، فإنّ إلزام الوليّ به إجبار لا تخيير.

نعم لو قلنا ببقاء الخيار معه وأنّه إن اقتصّ منه أو استرقّه بطل عتقه ، وإن عفا على مال وافتكّه مولاه عتق ، وكذا لو عفا عنه مطلقا ، كما في التحرير وغيره (٢) لم يلزم المحذور ، لكن يلزم محذور آخر ، وهو كون العتق موقوفاً مع أنّ من شرطه التنجيز وعدم التعليق.

اللهم إلاّ أن يمنع عن ضرر مثل هذا التعليق ، ويخصّ التعليق الممنوع منه بما ذكره في صيغة العتق ، لا ما كان موجباً لتوقّفه من خارج كما نحن فيه ، فتدبّر.

( ولو كان ) قتله له ( خطأً ففي رواية عمرو بن شمر عن جابر ) الجعفي ( عن أبي جعفر عليه‌السلام) قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في عبد قتل حرّا خطأً ، فلمّا قتله أعتقه مولاه » قال : « فأجاز عتقه ، وضمّنه الدية » (٣) ومقتضاها كما ترى أنه ( يصحّ ) العتق ( ويضمن المولى الدية ) وبه أفتى في النهاية والفاضل في القواعد (٤) ؛ لها ؛ ولأنّ الخيار في الخطأ إلى السيّد إن‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٢٠٩ ، المسالك ٢ : ٤٦٤ ، فخر الدين في الإيضاح ٤ : ٥٨٤ ، التنقيح ٤ : ٤٢٣.

(٢) التحرير ٢ : ٢٤٦ ، القواعد ٢ : ٢٨٨.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٠٠ / ٧٩٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢١٦ أبواب ديات النفس ب ١٢ ح ١.

(٤) النهاية : ٧٥١ ، القواعد ٢ : ٢٨٧.

٢٣٨

شاء سلّمه ، وإن شاء فداه ، فعتقه دليل على اختياره الافتداء.

( و ) يضعّف الرواية : بأنّ ( في عمرو ضعف ) مشهور ، ومع ذلك مرسلة ، فلا تصلح للحجّية.

والتعليل : بجواز إعسار السيّد وعجزه عن الدية ، فلو حكمنا بصحة العتق لزم أن يطلّ دم امرئ مسلم ، وهو باطل ، ومن ثمّ قيّدها الفاضل (١) بصورة يسار المولى المعتق. ويضعّف هذا بأنّه قد يدافع مع يساره.

( و ) حينئذٍ فـ ( الأشبه اشتراط الصحة بتقديم ) المولى ( الضمان ) للدية على العتق مع رضاء وليّ الدم به ، أو أدائه لها قبله ؛ فراراً عن ذينك المحذورين ، وهو حسن.

وربما يقيّد الصحة بأداء المولى الدية من دون اعتبار تقديم الأداء ، حتى لو أدّاها بعد العتق صحّ ولو لم يضمنها قبله ، كما في المسالك (٢).

ويشكل حينئذٍ بأنّ العتق لا يقع موقوفاً ؛ لبنائه على التغليب ، بل إمّا أن يحكم بصحته منجّزاً أو ببطلانه رأساً ، فلا وجه للحكم بالصحة متزلزلاً إلى الأداء.

وظاهر عبارة الماتن هنا وفي الشرائع (٣) كفاية تقديم الضمان للدية قبل العتق في لزوم صحته مطلقاً ، أدّاها قبله أم لا ، رضي الوليّ بالضمان أم لا.

ويشكل في صورة عدم الأداء مع عدم ظهور رضاء الوليّ بضمانها ، بأنّه قد يضمنها ويدافع بعد ذلك عن الأداء ، كما ورد على الفاضل في‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٨٨.

(٢) المسالك ٢ : ٤٦٤.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٠٩.

٢٣٩

القواعد.

فالأجود التعبير بما قدّمناه ، وفاقاً للفاضل المقداد في شرح الكتاب (١) ، حيث لم يعبّر عن الأشبه بما في المتن ، بل قال : والتحقيق هنا أن نقول : إن دفع الدية أوّلاً أو ضمن ورضي الوليّ صحّ العتق ، وإلاّ فلا.

الشرط الثاني : التساوي في ( الدين ).

( فلا يقتل مسلم بكافر ) مطلقاً ( ذمّيا كان أو غيره ) إجماعاً من العلماء كافّة في الحربي على الظاهر ، المصرَّح به في الإيضاح (٢) ، ومن الإمامية خاصة مطلقاً ، حتى الذمّي مع عدم اعتياد قتله ، كما ادّعاه جماعة حدّ الاستفاضة ، كالحلّي في السرائر وفخر الدين في الإيضاح وشيخنا في المسالك (٣) ، ونفى عنه الخلاف في التنقيح (٤) وشرح الشرائع للصيمري (٥).

وكأنّهم لم يعتدّوا بما يحكى عن الصدوق في المقنع (٦) من تسويته بين المسلم والذمّي في أن الوليّ إن شاء اقتصّ من قاتله المسلم بعد ردّ فاضل الدية ، وإن شاء أخذ الدية.

مع أنّه يدل عليه جملة من المعتبرة ، كالصحيح : « إذا قتل المسلم النصراني ثم أراد أهله أن يقتلوه قتلوه وأدّوا فضل ما بين الديتين » (٧).

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٤٢٣.

(٢) الإيضاح ٤ : ٥٩٢.

(٣) السرائر ٣ : ٣٩٧ ، الإيضاح ٤ : ٥٩٢ ، المسالك ٢ : ٤٦٥.

(٤) التنقيح ٤ : ٤٢٤.

(٥) غاية المرام ٤ : ٣٨٣.

(٦) المقنع : ١٩١.

(٧) الكافي ٧ : ٣١٠ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٨٩ / ٧٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧١ / ١٠٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ١٠٨ أبواب القصاص في النفس ب ٤٧ ح ٤.

٢٤٠