رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩
١
٢

٣
٤

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين.

٥
٦

( كتاب الطهارة )

( وأركانه أربعة ) :

( الأوّل في المياه‏‏ )

جمعه باعتبار تعدّد أفراده ، والمراد بها الأعمّ من الحقيقة والمجاز.

( والنظر في : المطلق ، والمضاف ، والأسآر ).

٧

( أمّا المطلق ).

وهو ما يستحق إطلاق الاسم من دون توقّف على الإضافة ، ولا يخرجه عنه وقوع التقييد بها في بعض الأفراد.

( فهو ) مطلقا ( طاهر ) في نفسه ( مطهّر ) له ولغيره بالكتاب والسنّة والإجماع.

قال اللّه تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (١).

وقال ًأيضاً ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (٢).

والمناقشة فيهما بأخصّيّتهما من وجهين ، من حيث إنّ الماء فيهما مطلق فلا يعمّ جميع مياه السماء ، مع اختصاصهما بمائها فلا يعمّان غيره ، فلا يعمّان المدّعى.

مدفوعة بورودهما في مقام الامتنان المناسب للتعميم ، كما صرّح به جمع (٣) ، مضافا إلى عدم القول بالفصل ، فيندفع به أحدهما.

ويندفع الآخر بالإجماع المزبور ، وبما يستفاد من الكتاب والسنّة من كون مياه الأرض بأجمعها من السماء ، صرّح به الصدوق في الفقيه ، وغيره (٤).

قال اللّه تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى‏‏ ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ ) (٥).

وروى القمي في تفسيره عن مولانا الباقر عليه‌السلام قال : « هي الأنهار

__________________

١ ـ الأنفال : ١١.

٢ ـ الفرقان : ٤٨

٣ ـ منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان ١ : ٤١ ، صاحب معالم الفقه : ٤ صاحب المدراك ١ : ٢٧ ، صاحب الحدائق ١ : ١٧٣.

٤ ـ الفقيه ١ : ٦ ؛ وانظر الحبل المتين : ٣٤٦ ، الحدائق ١ : ١٧٣.

٥ ـ المؤمنون : ١٨.

٨

والعيون والآبار » (١).

وقال تعالى أيضاً : ( ألم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ) (٢).

وقال تعالى أيضاً : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ ـ إلى قوله ـ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ ) (٣) فتأمّل.

وفي الأخير بعدم جواز حمل الطهور على بابه من المبالغة في أمثاله ، بناء على أنّ المبالغة في « فعول » إنما هي بزيادة المعنى المصدري فيه كأكول ، وكون الماء مطهّرا لغيره أمر خارج عن أصل المعنى ، فلا بدّ أن يكون بمعنى الطاهر.

مدفوعة أيضاً إمّا : بكون المراد منه المعنى الاسمي ، أي ما يتطهر به ، الذي هو أحد معانيه ، كما هو المشهور بين أهل اللغة (٤) ، نقله جمع من العامة والخاصة (٥) ، وإن احتيج في وصفه به حينئذ إلى نوع تأويل.

أو : بكونه بمعنى الطاهر المطهّر ، كما هو المصرّح في كتب جماعة من أهل اللغة ، كالفيّومي (٦) ، وابن فارس عن ثعلب (٧) ، والأزهري (٨) ، وابن الأثير (٩) ، ونقل بعض : أن الشافعية نقلت ذلك عن أهل اللغة ، ونقله عن‏

__________________

١ ـ تفسير القمي ٢ : ٩١.

٢ ـ الزمر : ٢١.

٣ ـ النحل : ١٠ و ١١.

٤ ـ راجع القاموس المحيط ٢ : ٨٢ ، الصحاح ٢ : ٧٢٧ ، لسان العرب ٤ : ٥٠٥ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٨٠ ، أقرب الموارد ١ : ٧١٩.

٥ ـ كما في المدارك ١ : ٢٧ ، الذخيرة : ١١٤ ، الحدائق ١ : ١٧٤ ؛ وانظر التفسير الكبير ٤ : ٩٠ ، والكشاف ٣ : ٢٨٤.

٦ ـ المصباح المنير : ٣٧٩.

٧ ـ مجمل اللغة ٣ : ٣٣٥.

٨ ـ تهذيب اللغة ٦ : ١٧٢.

٩ ـ النهاية ٣ : ١٤٧.

٩

الترمذي وهو من أئمة اللغة (١).

ويستفاد من الأول كون الأكثر عليه ، بل وعن الشيخ كونه متفقا عليه بين أهل اللغة ، قال : وليس لأحد أن يقول : إن الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهّرا لأنه خلاف على أهل اللغة ، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل : هذا ماء طهور ، وهذا ماء مطهّر.

ثمَّ دفع القول بعدم كونه بمعناه من جهة عدم تعدية اسم فاعله ، والمتعدي من الفعول في لغة العرب مستلزم لكون فاعله كذلك ، بعدم الخلاف بين النحاة في أنه موضوع للمبالغة ، وعدم حصول المبالغة على ذلك الوجه لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر ، والمراد هنا باعتبار كونه مطهراً (٢).

وبما ذكرنا يظهر ما في الاعتراض عليه بأنه إثبات اللغة بالترجيح وذلك لأنّه اعتمد حقيقة على اتّفاق أهل اللغة ، وإنّما ذكر ذلك تعليلا بعد الورود ، وغرضه في ذلك الرّد على أبي حنيفة ، لإنكاره ذلك معللاً بما ذكر (٣).

وإنكار وروده في كلام أهل اللغة بهذا المعنى ـ كما وقع لجماعة من متأخّري الأصحاب (٤) ـ لا وجه له بعد ملاحظة ما ذكرنا ، وخصوص صحيحة داود بن فرقد ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام ، قال : « كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع اللّه تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض ، وجعل لكم الماء طهورا » الحديث (٥).

مضافا إلى قولهم عليهم‌السلام في تعليل الأمر بالتيمّم : « جعل اللّه‏

__________________

١ ـ حكاه عنه في المعتبر ١ : ٣٥.

٢ ـ كما في التهذيب ١ : ٢١٤.

٣ ـ المغني ١ : ٣٥.

٤ ـ منهم صاحب معالم الفقه : ١ صاحب المدارك ١ : ٢٧.

٥ ـ الفقيه ١ : ٩ / ١٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ / ١٠٦٤ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٤.

١٠

التراب طهورا ، كما جعل الماء طهوراً » (١).

وممّا ذكرنا ظهر الدليل على أصل المطلب من جهة السنّة ، مضافاً إلى قول الصادق عليه‌السلام فيما رواه المشايخ الثلاثة : « الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر » (٢).

وهذه الأدلّة ـ سوى الأخير ـ عامة فيما ذكرنا من المطهّرية لنفسه ولغيره.

إلّا أنّه ورد في بعض الأخبار أنّ : « الماء يطهّر ولا يطهّر » (٣).

وهو ـ مع الضعف بالسكوني على الأشهر ، وعدم المقاومة لما تقدّم ـ قابل للتأويل القريب ، بحمله إمّا على أنه لا يطهّره غيره ، أو على حصول التطهير له مع بقائه على حاله ، وهو في تطهيره به مفقود.

والمراد بمطهّريّته أنّه ( يرفع الحدث ) وهو الأثر الحاصل للإنسان عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة ، المتوقف رفعه على النيّة.

( ويزيل الخبث ) مطلقاً (٤) ، وهو النجس ـ بفتح الجيم ـ مصدر قولك : نجس الشي‏ء ينجس فهو نجس ـ بالكسر ـ بالنص والإجماع.

( وكلّه ) حتى ما كان عن مادّة توجب عدم الانفعال بالملاقاة ( ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه ) الثلاثة المعروفة ، أعني : اللون والطعم‏

____________

١ ـ الكافي ٣ : ٦٦ / ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٤ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٢١٥ / ٦٢٠ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٥ ، الهداية : ١٣ ، المستدرك ١ : ١٨٦ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٧.

٣ ـ الكافي ٣ : ١ / ١ ، التهذيب ١ : ٢١٥ / ٦١٨ ، المحاسن ٥٧٠ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٣٤ ، ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٦ و ٧

٤ ـ أي ولوكان بدون النية وبغير وجه شرعي. منه رحمه الله.

١١

والرائحة بالإجماع والنصوص المستفيضة ، العامية (١) والخاصية (٢). دون غيرها ، كالحرارة والبرودة بلا خلاف عندنا على الظاهر تمسكا بالأصل ، والعمومات ، واختصاص ما دلّ على التنجّس به بما تقدّم.

ويظهر من بعض نوع تردّد في حصول النجاسة له بالتغيّر اللوني لما تقدّم ، واختصاص النصوص بما سواه (٣).

وهو ليس في محلّه للإجماع ، ووقوع التصريح به في النبوي المشهور (٤) المعتضد ضعفه في المقام بالإجماع ، وغيره من المعتبرة :

منها : الصحيح المنقول عن بصائر الدرجات عن الصادق عليه‌السلام وفيه : « وجئت تسأل عن الماء الراكد ، فما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة » قلت : فما التغيّر؟ قال : « الصفرة فتوضأ منه » (٥).

ومنها : الرضوي وفيه : « كلّ غدير فيه من الماء أكثر من كرّ لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات ، إلّا أن يكون فيه الجيف فتغيّر لونه وطعمه ورائحته ، فإذا غيّرته لم يشرب منه ولم يتطهر » (٦).

ومنها : رواية العلاء بن الفضيل ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الحياض يبال فيها ، قال : « لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول » (٧).

__________________

١ ـ سنن الدار قطني ١ : ٢٨.

٢ ـ الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣.

٣ ـ كما في المدارك ١ : ٥٧ ، الحبل المتين : ١٠٦ ، والذخيرة : ١١٦.

٤ ـ السرائر ١ : ٦٣ ، المعتبر ١ : ٤٠ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٩ ، ورواه ابن ماجة في سننه ١ : ١٧٤ / ٥٢١ بتفاوت متنه : « خلق الله الماء طهوراً لاينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أوطعمه أو ريحه ».

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٣٨ / ١٣ ، الوسائل ١ : ١٦١ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١١.

٦ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٩١ ، المستدرك ١ : ١٨٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٧.

٧ ـ التهذيب ١ : ٤١٥ / ١٣١١ / الاستبصار ١ : ٢٢ / ٥٣ الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٧.

١٢

واحترز بالاستيلاء عن المجاورة ، وبالنجاسة عن المتنجس. وهو كذلك على الأشهر الأظهر ، لما تقدّم.

خلافاً لمن شذّ في الأخير (١) ، ولعلّه لعموم النبوي.

وضعفه ـ بعد ضعف السند وعدم الجابر في المقام ـ ظاهر ، فتأمّل ، ولكنه أحوط.

وهل التغير التقديري كافٍ أم لا بدّ من الحسّي؟

الأكثر على الثاني للأصل ، والعمومات ، وكون المتبادر من التغيير والغلبة في الأخبار : الحسّي ، تبادرا حقيقياً أو إطلاقياً.

وقيل بالأول (٢) ، وهو شاذ ومستنده مضعّف ، والاحتياط معه غالباً.

ولا فرق في ذلك بين حصول المانع من ظهور التغير كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر أحمر دم مثلا ، وعدمه كما إذا توافق الماء والنجاسة في الصفات. وقول البعض بالفرق (٣) لا وجه له. فتأمل.

وعلى الأول يشترط بقاء الإطلاق وعدم حصول الاستهلاك ، وأما مع عدمهما فنجس قولا واحدا ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٤). وليس بمطهر مع فقد الأول خاصة قطعا. وفي زوال طهارته حينئذ احتمال مدفوع بالأصل السالم عن المعارض لتعارض الاستصحابين من الجانبين ، ومراعاة الاحتياط أولى.

( ولا ينجس الجاري منه ) وهو النابع عن عين بقوة أو مطلقاً ولو بالرشح ، على إشكال في الأخير ( بالملاقاة ) للنجاسة مطلقاً ولو كان قليلا على الأشهر الأظهر ، بل عن ظاهر الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى (٥) الإجماع عليه ،

____________

١ ـ انظر المبسوط ١ : ٨.

٢ ـ قال به العلامة في القواعد ١ : ٤ ، والمنتهي ١ : ٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٣٣ ، ولولده في الإيضاع ١ : ١٦ ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١١٥.

٣ ـ كالشهيد في البيان : ٩٨ ، وصاحب المدارك ١ : ٣٠ ، وصاحب الحدائق ١ : ١٨٢.

٤ ـ أنظر المدارك ١ : ٣٠ ، والحدائق ١ : ١٨٢.

٥ ـ الخلاف ١ : ١٩٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١ ، المعتبر ١ : ٤١ ، المنتهي ١ : ٦.

١٣

وربما أشعر به عبارة الذكرى (١).

والدليل عليه بعده : الأصل ، وعموم قوله عليه‌السلام : « كلّ ماء طاهر » (٢) وخصوص الصحيح في البئر : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأن له مادة » (٣).

والتمسّك به : إمّا بناء على رجوع التعليل إلى الحكمين فيه كما هو الظاهر. أو بناء على ثبوت الأولوية لعدم تأثر الماء بالملاقاة من جهة المادة ، لو اختص بالرجوع إلى الأخير لظهور أنها لو صلحت لرفع النجاسة الثابتة للماء بالتغير فصلوحها لدفعها ومنعها عن التأثر بالملاقاة أولى. فتأمل.

ويخرج ما قدّمناه من الأدلة على طهورية الماء شاهداً عليه ، مع سلامة الجميع عمّا يصلح للمعارضة ، بناءً على عدم عموم فيما دلّ على نجاسة القليل واشتراط الكرّية في الماء ، لفقد اللفظ الدال عليه ، وغاية ما يستفاد منه الإطلاق ، والمقام غير متبادر منه ، مضافاً إلى عدم شيوع القليل منه ، وما هو مورد للترديد بالكرّ وعدمه في زمان الصدور.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف القول بإلحاقه بالراكد ـ كما نسب إلى العلّامة والسيّد في الجمل (٤) ـ ومستنده.

( ولا ) ينجس ( الكثير من ) الماء ( الراكد ) أيضا في الجملة إجماعاً للأصل ، والعمومات السالمة عن المعارض ، وخصوص ما يأتي في القليل من المعتبرة ومطلقا على المشهور ، بل كاد أن يكون إجماعاً.

____________

١ ـ الذكرى : ٨.

٢ ـ الفقيه ١ : ٦ / ١ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٢.

٣ ـ التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٧ الوسائل ١ : ١٤١ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٢.

٤ ـ العلاّمة في نهايه الإحكام ١ : ٢٢٩ والمنتهي ١ : ٦ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضي ٣ ) : ٢٢.

١٤

خلافاً لمن شذّ (١) ، حيث خص ذلك بما عدا مياه الأواني والحياض لعموم النهي عن استعمال ماء الأواني (٢).

وهو ـ مع كونه أخص من المدعى ـ معارض بعموم ما دلّ على عدم انفعال الكر مطلقا (٣) ، وهو أقوى ، لقوة احتمال ورود الأول على ما هو الغالب في مياه الأواني من نقصها عن الكر ، ومع التساوي فالترجيح لجانب الأول يحتاج إلى دليل ، مع أن الأصول والعمومات الخارجة على ترجيح الثاني أوضح دليل.

هذا ، مع أنّ المفيد ـ الذي نسب إليه هذا القول ـ عبارته في المقنعة وإن أوهمت ذلك ، إلّا أنّ ورودها كمستنده مورد الغالب محتمل ، بل لعلّه ظاهر كما فهمه تلميذه الذي هو أعرف بمذهبه في التهذيب (٤) ، ولا يبعد أن يكون غيره كذلك.

ثمَّ إنه هل يعتبر في عدم الانفعال تساوي سطوح الماء ، أم يكفي الاتصال مطلقاً ، أو مع الانحدار خاصة دون التسنيم؟

احتمالات ، بل أقوال (٥) ، خيرها أوسطها ، إمّا بناء على اتّحاد الماءين عرفا وإن تغايرا محلّا ، فيشمله عموم ما دلّ على عدم انفعال الكرّ. أو بناء على عدم العموم فيما دلّ على انفعال القليل ، نظرا إلى اختصاص أكثره بصورة مخصوصة ليس المقام منها ، وظهور بعض ما لم يكن كذلك في المجتمع وعدم ظهور غيره في غيره بحيث يشمل المفروض ، فيسلم حينئذ الأصل والعمومات‏

__________________

١ ـ وهو المفيد في المقنعة : ٦٤.

٢ ـ الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨.

٣ ـ راجع الوسائل ا : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٢١٨

٥ ـ ذهب إلى الأول : صاحب معالم الفقه : ١٢ ، وإلي الثاني : الشيهد الثاني في روض الجنان : ١٣٨ ، وصاحب المدارك ١ : ٤٥ ، وإلي الثالث : الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٦٤.

١٥

المقتضية للطهارة بحالها.

وما استدلّ به للأول ، من ظهور اعتبار الاجتماع في الماء وصدق الوحدة والكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمنة لحكم الكر اشتراطا أو كمية ، وتطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة في كثير من الصور.

منظور فيه أوّلا : بأن ظهور اعتبار الاجتماع ممّا ذكره ليس ظهورا بعنوان الاشتراط ، وإنما الظهور نشأ عن كون مورده ذلك ، وهو لا ينافي ما دلّ على العموم الشامل لغيره.

وثانياً : بأنّ ظهور الاجتماع وصدق الوحدة والكثرة عرفا أخص من التساوي الذي اعتبره ، لصدق المساواة باتصال ماءي الغديرين مع عدم صدق الأمور المذكورة عليه عرفا ، فلا يتم المدعى.

وثالثاً : بأنه كما دلّ على اعتبار ما ذكر في الكر منطوقاً فانقدح منه اعتبار المساواة فيه ، كذا دلّ على اعتباره فيما نقص عنه ، وينقدح منه اختصاص التنجّس بصورة الاجتماع دون ما إذا اتصل بما يصير معه كراً ، فيكون المفروض حينئذ خارجا عن عموم ما دلّ على تنجّس القليل ، فيتعيّن فيه القول بالطهارة ، للأصول السليمة عن المعارض.

وما ذكرناه من الوجه لعدم اعتبار المساواة وإن اقتضى إلحاق ما يشابه المفروض من القليل في الحكم ، إلّا أنّ ثبوت التنجّس في المجتمع منه يوجب ثبوته فيه بطريق أولى ، مضافا إلى الاتفاق على نجاسة القليل بأقسامه.

( وحكم ماء الحمّام ) أي ما في حياضه الصغار ونحوها ، في عدم الانفعال بالملاقاة ( حكمه ) أي الجاري أو الكثير إذا كانت له مادة متصلة بها حين الملاقاة بالإجماع منّا على الظاهر ، والمعتبرة.

منها : الصحيح : عن ماء الحمّام ، فقال : « هو بمنزلة الجاري » (١).

____________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٠ ، الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ١.

١٦

ومنها : « ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة » (١) ومثلها الرضوي (٢).

ومنها : « ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً » (٣).

ومنها : « ماء الحمّام لا ينجّسه شيء » (٤).

ومطلقها يحمل على مقيدها ، وقصور الإسناد فيما سوى الأول منجبر بالشهرة.

وفي اعتبار الكرية في المادة خاصة ، كما نسب إلى الأكثر (٥).

أو مع ما في الحياض مطلقاً ، كما نسب إلى الشهيد الثاني (٦).

أو مع تساوي سطحي المادة وما في الحوض ، أو اختلافهما بالانحدار ، ومع عدمهما فالأول ، كما اختاره بعض المتأخرين ، وربما نسب إلى العلّامة جمعا بين كلماته في كتبه (٧).

أو العدم مطلقا ، كما هو مختار المصنف (٨).

أقوال ، ما عدا الأخير منها مبني على ما تقدم من الاختلاف في اعتبار تساوي السطوح في الكثير وعدمه ، وحيث قد عرفت عدم الاعتبار ظهر لك صحة القول الثاني ، فيتحد حينئذ حكم المفروض مع غيره كما نسب إلى الأكثر.

____________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٨ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٤.

٢ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٦ ، المستدرك ١ : ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٢.

٣ ـ الكافي ١ / ١٤ : ٣ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

٤ ـ قرب اللإسناد : ٣٠٩ / ١٢٠٥ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٨.

٥ ـ نسبه إليهم في المسالك ١ : ٣.

٦ ـ نسبه إليه في المدارك ١ : ٣٥ ومعالم الفقه : ١٥.

٧ ـ نسبه إليه صاحب المدارك ١ : ٣٥ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٦.

٨ ـ المعتبر ١ : ٤٢.

١٧

ومستند الأخير إطلاق ما تقدم من الأخبار. وهو ضعيف لفقد ما يدل فيه على العموم ، وضعف دلالة الإطلاق عليه من حيث قوة احتمال وروده مورد الغالب ، وهو زيادة موادّ الحمّامات عن الكرّ غالباً.

ثمَّ إن هذا لدفع النجاسة عن مياه الحياض ، وأمّا لتطهيرها لو انفعلت بالملاقاة فلا ، بل لا بد في المادة من اعتبار الكرية بلا خلاف حتى من المصنف على ما قيل.

وهل يكفي مقدار الكرّ فيها ، أم لا بدّ فيها من الزيادة بمقدار ما يحصل به الامتزاج لما في الحياض؟

قولان (١) مبنيّان على الاختلاف في اعتبار الامتزاج بالماء الطاهر في تطهير القليل أو الاكتفاء بمجرد الاتصال.

ولا ريب أن الأول أحوط وأولى لو لم نقل بكونه أقوى.

وابتناء القول الأول على الثاني دون الأول مبنيّ على ما هو المشهور من اعتبار الدفعة العرفية. وأما مع عدم اعتبارها ـ كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا (٢) بناءً على عدم الدليل عليها ـ فيكفي مقدار الكرّ فيها ولو قلنا بالأول كما لا يخفى ، وهو غير بعيد. واللّه العالم.

وفي نجاسة ماء الحياض بالملاقاة حين الاتصال بالمادة مع الشك في كريتها ـ بناء على اعتبارها فيها خاصة أو مع ما في الحياض وجهان ، بل قيل :قولان.

وينبغي القطع بالطهارة لو طرأ الشك بعد تيقن الكرية فيها ؛ لاستصحابي بقاء الطهارة والمادة على الكرية ، وعمومي الأصلين : البراءة ، وكل ماء طاهر

__________________

١ ـ ذهب إلى الأول : المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١١٣ ، الشهيد الثاني في روض الجنان ١٣٧ ، وإلي الثاني : صاحب المدارك ١ : ٣٧.

٢ ـ منهم الشهيد في الذكرى : ٨ ، وصاحب المدارك ١ : ٤٠.

١٨

حتى تعلم أنه قذر.

ولو طرأ الشكّ بعد تيقن نقصها من الكر بكثرة مجيء الماء إليها فلا يبعد ذلك لتعارضهما من الجانبين فيبقى الأصلان سالمين عن المعارض.

ومنه يظهر الحكم فيما لو طرأ مع فقد اليقينين.

وأما لو انفعل ما في الحوض ثمَّ اتصل بالمادة المزبورة المشكوك كريتها فالأقرب البقاء على النجاسة لاستصحابها السليم عن المعارض ، وإن احتمل الطهارة أيضا في الجملة بمعنى عدم تنجيسه ما يلاقيه بإمكان وجود المعارض من جانب الملاقي الطاهر لمثله ، إلّا أنّ الظاهر كون الاستصحاب الأول مجمعاً عليه.

( وكذا ) حكم مطلقا ( ماء الغيث ) مطلقاً ( حال نزوله ) من السحاب حكم الجاري في عدم الانفعال إذا جرى من ميزاب ونحوه إجماعا ظاهرا حتى من المعتبر للكرية فيه (١).

وعبارته في بعض كتبه وإن أوهمت في بادئ النظر خلافه وإلحاقه بالجاري مطلقاً (٢) ، إلّا أنّ عبارته فيما بعدها تدفع ذلك وتنبئ عن صحة ما ذكرناه.

وكذلك إذا لم يجر على الأشهر للأصل ، واختصاص ما دلّ على الانفعال بغير موضع النزاع ، وللمعتبرة المستفيضة :

ففي الصحيح : عن رجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلي قبل أن يغسله؟ فقال : « لا يغسل ثوبه ولا رجليه ، ويصلّي فيه ،

____________

١ ـ كالعلامة في التحرير ١ : ٦ ، القواعد ١ : ٤.

٢ ـ أي حتي في اعتبار الكرية فيه أيضاً. منه رحمه الله تعالي.

١٩

ولا بأس » (١).

وفي آخر : عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب ، فقال : « لا بأس به ، ما أصابه من الماء أكثر منه » (٢).

وفي المرسل : « كل شيء يراه المطر فقد طهر » (٣).

خلافاً للشيخ في التهذيب والمبسوط (٤) وابني حمزة وسعيد (٥) لأخبار أخر :

منها الصحيح : عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثمَّ يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال : « إذا جرى فلا بأس » (٦). وفي معناه غيره (٧).

ومنها : الحسن : في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك (٨). وفي معناه غيره (٩).

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٧ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤١٨ / ١٣٢١ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٢.

٢ ـ الفقيه ١ : ٤ / ٧ الوسائل ١ : ١٤٤ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ١.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٣ / ٣ ، الوسائل ١ : ١٤٦ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٥

٤ ـ التهذيب ١ : ٤١١ ، ١ المبسوط ١ : ٦.

٥ ـ ابن حمزة في الوسيلة : ٧٣ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٠.

٦ ـ الفقيه ١ : ٧ / ٦ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٧ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٢.

٧ ـ الفقيه ١ : ٧ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٤٤ ، أبواب الماء المطلق ٦ ح ١.

٨ ـ الكافي ٣ : ١٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٥ الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٤.

٩ ـ الكافي ٣ : ١٢ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٦ ، الوسائل ١ : ١٤٤ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٦.

٢٠