رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

ويمكن توجّه النظر إلى جميع هذه الأجوبة :

أمّا الأخير : فبمخالفته لظاهر سياقها ، حيث سئل عليه‌السلام في صدرها : عن رجل ضرب رأس رجل بمِعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله ، وأجاب عليه‌السلام بأنّ « هذين متعديان جميعاً ، فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً ؛ لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى ، والأعمى جنايته خطأ » إلى آخر ما مضى ، وهو ظاهر في كون القتل عمداً من جوه شتّى ، منها : قوله : فقتله ، بعد أن أعماه الظاهر في ذلك بمعونة الغالب.

ومنها : قوله عليه‌السلام : « هذان متعدّيان » والتعدّي لا يجامع قتل الخطأ كما هو ظاهر.

ومنها : تعليله عليه‌السلام نفي القود بوقوع قتله حال العمى لا كونه خطأً ، ولا تلازم بينهما جدّاً ، مع كون قوله : « والأعمى جنايته خطأ » تتمة التعليل ، ولو كان المراد التعليل بالخطإ للغا ذكر الأعمى ؛ لعدم اختصاص عدم القود بالخطإ به قطعاً.

وبالجملة : لا ريب في ظهور دلالتها كما فهموه حتى المعترض أيضاً ، حيث نفى الصراحة دون الظهور ، وهو كافٍ ، سيّما بعد أن انضمّ إليه الرواية الثانية الصريحة ، مع قرب الظهور من الصراحة بمعونة ما عرفته من القرائن الظاهرة غاية الظهور القريب من الصراحة ، بل لعلّها سيّما الأخيرة منها صريحة.

وأمّا الثالث : فمتوجّه إن وافقنا الجماعة على كون الآحاد غير مخصِّصة للعمومات القطعية ، وإلاّ كما هو الظاهر وفاقاً للأكثر فغير متوجّه ، والتحقيق في الأُصول.

وأمّا الثاني : فلأنّ خروج بعض الرواية عن الحجية وشذوذها من جهة لا تستلزم خروجها عنها بالكلّية ، وشذوذ الروايتين إنّما هو من غير‌

٢٦١

جهة الدلالة على كون عمده خطأ ، بل من الجهة المتقدّمة ، وإحداهما غير الأُخرى ، وخروجها عن الحجية بالجهة الأخيرة غير مستلزم لخروجها عنها في الجهة الأُخرى كما عرفته.

وحيث ثبت بهما كون العمد خطأ ثبت كون الدية على العاقلة ؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، إلاّ ما يظهر من الصدوق في الفقيه ، حيث روى الرواية الاولى في باب العاقلة بسنده عن العلاء بن رزين ، عن الحلبي الراوي (١) ، وظاهره العمل بها بمعونة ما قرّره في صدر كتابه من أنّه لا يذكر فيه إلاّ ما يفتي به ويحكم بصحته (٢).

ومن هنا ينقدح الوجه في صحة التأمّل في دعوى الماتن شذوذ الرواية.

مع القدح فيما ضعّفت به من ضعف سندها ؛ لاختصاص ضعفه برواية التهذيب ، وإلاّ فهي برواية الفقيه صحيحة ؛ لأنّ سنده إلى العلاء صحيح في المشيخة ، وبه صرّح الفاضل في الخلاصة (٣).

وكذلك الرواية الثانية ليست بضعيفة ، بل موثّقة ؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه سوى عمّار الساباطي ، وهو وإن كان فطحيّاً إلاّ أنّه ثقة ، ومع ذلك في السند قبله الحسن بن محبوب ، وقد ظهر لك حاله مراراً من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، فيقرب من الصحيح.

فالروايتان معتبرتا السند ، صالحتان للحجية ، سيّما مع التعدّد ، والاعتضاد بفتوى هؤلاء الجماعة الذين لا يبعد أن يدّعى في حقّهم الشهرة كما ادّعاها بعض الأجلة (٤) ، مع عدم ظهور مخالف لهم من القدماء بالمرة‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٠٧.

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) رجال العلاّمة : ٢٧٨.

(٤) وهو الشهيد الأول في غاية المراد ٤ : ٣٤٣.

٢٦٢

عدا الحلّي (١) خاصّة ؛ لأصله الغير الأصيل من طرحه الأخبار الآحاد ، سيّما في مقابلة الكتاب والسنة القطعية.

وممّا ذكرنا ظهر وجه التردّد وصحته والإشكال في الترجيح ، مع قوّة احتمال جعله في جانب الرواية ، مع أنّ لزوم الاحتياط في الدماء يقتضيه بلا شبهة.

( الشرط الخامس : أن يكون المقتول محقون الدم ) شرعاً ، أي غير مباح القتل شرعاً ، فمن أباح الشرع قتله لزناء أو لواط أو كفر لم يقتل به قاتله وإن كان بغير إذن الإمام ؛ لأنّه مباح الدم في الجملة ، وإن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم ، فيأثم بدونه خاصّة.

ولو قتل من وجب عليه القصاص غير الوليّ قتل به ؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره.

والأصل في هذا الشرط بعد الإجماع الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر ، كالغنية والسرائر (٢) الاعتبار ، والمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي الصحيح وغيره : عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال : « لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد » وقال : « من قتله الحدّ فلا دية له » (٣).

وبمعناهما كثير من المعتبرة (٤) ، ونحوها النصوص الواردة في إباحة الدفاع وقتل المحارب ، وقد مرّ جملة منها (٥).

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٦٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩ ، السرائر ٣ : ٣٢٤. وفيهما نفي الخلاف.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩٢ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٧ / ٨١٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٩ / ١٠٥٦ ، الوسائل ٢٩ : ٦٣ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ١.

(٤) الوسائل ٢٩ : ٦٣ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤.

(٥) في ص ١٦٣.

٢٦٣

( القول : فيما يثبت به ) موجب القصاص

( وهو ) أُمور ثلاثة : ( الإقرار ، أو البيّنة ) عليه ( أو القسامة ) وهي الأيمان :

( أمّا الإقرار : فتكفي ) فيه ( المرّة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) وهو متحقق بالمرّة ، حيث لا دليل على اعتبار التعدّد كما في المسألة ؛ لما ستعرفه.

مضافاً إلى التأيّد بخصوص الروايات الدالّة بإطلاقها على أخذ المقرّ والحكم عليه بمجرّد إقراره ، مثل ما في قضاء مولانا الحسن عليه‌السلام الآتي إليه الإشارة (٢) ، وما يدل على كون دية الخطأ على المقرّ (٣) ، فإنّ المذكور فيه الإقرار مرّة ، وما يدل على حكم أنّه لو أقرّ واحد بالعمد وآخر بالخطإ ، كما يأتي (٤) ، ونحو ذلك.

( وبعض الأصحاب ) كالشيخ والحلّي والقاضي وجماعة (٥) ( يشترط التكرار مرّتين ).

ولا يظهر له وجه صحة عدا الحمل على السرقة ، وهو قياس فاسد في الشريعة. والاحتياط في الدماء ، ويعارَض بمثله هنا في جانب المقتول ؛ لعموم : « لا يطلّ دم امرئ مسلم » (٦).

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ كتاب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٢) سيأتي في ص ٢٦٥.

(٣) الوسائل ٢٩ : ٣٩٤ أبواب العاقلة ب ٣ ، و ٣٩٨ ب ٩.

(٤) في ص ٢٦٤.

(٥) الشيخ في النهاية : ٧٤٢ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٤١ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٠٢ ؛ يحيى بن سعيد في الجامع : ٥٧٧ ، وحكاه عن الطبرسي في غاية المراد ٤ : ٤٠٨.

(٦) عوالي اللئلئ ٢ : ١٦٠ / ٤٤١.

٢٦٤

ومنه يظهر جواب آخر عن الأوّل ، وهو وجود الفارق ؛ لكون متعلّق الإقرار هنا حقّ آدمي ، فيكفي فيه المرّة كسائر الحقوق الآدمية ، ولا كذلك السرقة ، فإنّها من الحقوق الإلهيّة المبنيّة على التخفيف والمسامحة.

( ويعتبر في المقرّ البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والحرّية ) كما في سائر الأقارير ؛ لعموم الأدلّة ، وخصوص الصحيح على الحرّية : عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها؟ قال : « لا يجوز إقرار العبد على سيّده ، فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على العبد أُخذ العبد بها ، أو يفتديه مولاه » (١).

( ولو أقرّ واحد بالقتل ) لمن يقتصّ به ( عمداً وآخر ) بقتله له ( خطأً تخيّر الوليّ ) للمقتول في ( تصديق أحدهما ) وأيّهما شاء ، وإلزامه بموجب إقراره ؛ لاستقلال كلّ من الإقرارين في إيجاب مقتضاه على المقرّ به ، ولمّا لم يمكن الجمع ولا الترجيح تخيّر الوليّ وإن جهل الحال كغيره ، وليس له على الآخر بعد الاختيار سبيل.

وللقريب من الصحيح بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلى وليّه ، فقال أحدهما : أنا قتلته عمداً ، وقال الآخر : أنا قتلته خطأً؟ فقال : « إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل » (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠٥ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ٩٥ / ٣١٤ ، التهذيب ١٠ : ١٥٣ / ٦١٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٦١ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٩ / ١ ، الفقيه ٤ : ٧٨ / ٢٤٤ ، التهذيب ١٠ : ١٧٢ / ٦٧٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٤١ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ٣ ح ١.

٢٦٥

ولا خلاف فيه إلاّ من الغنية (١) ، فخيّره بين قتل المقرّ بالعمد وأخذ الدية منهما نصفين ، ويحكى عن التقي (٢) أيضاً.

ولم أجد لهما مستنداً ، مع مخالفتهما للنصّ المتقدم المعتضد بعمل الأصحاب كافّة عداهما ، مع أنّ المحكي عن الانتصار (٣) أنّه ادّعى عليه إجماعنا ، وهو حجة أُخرى زيادةً على ما مضى.

( ولو ) اتّهم رجل بقتل من يقتصّ به و ( أقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله ورجع الأوّل ) عن إقراره فأنكر قتله ( درئ عنهما القصاص والدية ، وودي ) المقتول ( من بيت المال ، وهو ) أي هذا الحكم وإن كان مخالفاً للأصل ، إلاّ أنّه ( قضاء مولانا الحسن بن علي عليهما‌السلام ) في حياة أبيه معلّلاً بأنّ الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا ، وقد قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً ) (٤) (٥).

والرواية وإن ضعف بالإرسال والرفع سندها ، وبالمخالفة للأصل متنها ، إلاّ أنّ عليها عمل الأصحاب كافّة إلاّ نادراً ، على الظاهر ، المصرَّح به من دون استثناء في التنقيح وشرح الشرائع للصيمري (٦) ، وعن الانتصار (٧) التصريح بالإجماع عليها ، كما هو ظاهر السرائر أيضاً ، حيث قال : وروى‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٨٦.

(٣) الانتصار : ٢٧٢.

(٤) المائدة : ٣٢.

(٥) الكافي ٧ : ٢٨٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤ / ٣٧ ، التهذيب ١٠ : ١٧٣ / ٦٧٩ ، الوسائل ٢٩ : ١٤٢ أبواب دعوى القتل ب ٤ ح ١.

(٦) التنقيح ٤ : ٤٣٤ ، غاية المرام ٤ : ٣٩٣.

(٧) الانتصار : ٢٧٣.

٢٦٦

أصحابنا في بعض الأخبار أنه متى أتاهم (١). ثم ذكر مضمون الرواية ولم يقدح فيها أصلاً ، ولم يذكر حكم المسألة رأساً مقتصراً عنه بما فيها.

فعلى هذا لا محيص عن العمل بها ، وإن كان يرغب عنه شيخنا في المسالك والروضة (٢) ، مقوّياً فيهما العمل بالأصل من تخيير الولّي في تصديق أيّهما شاء والاستيفاء منه ، كما مضى ، مع أنّه اعترف باشتهار العمل بالرواية بين أصحابنا ، فهي لما فيها من وجهي الضعف جابرة ، ولو لم تكن إلى درجة الإجماع بالغة ( مع أنّها بالغة ) (٣) كما عرفته ، سيّما مع ظهور دعواه في عبائر جماعة والتصريح بها في كلام من عرفته ، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

نعم لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص والدية عنهما ، وإذهاب حق المقرّ له رأساً. وكذا لو لم يرجع الأوّل عن إقراره ، والرجوع فيهما إلى حكم الأصل غير بعيد ؛ لخروجهما عن مورد النصّ ، فليقتصر فيما خالف الأصل عليه ، إلاّ أن يدّعى شموله لهما من حيث التعليل.

( وأمّا البيّنة : فهي شاهدان عدلان ) ويثبت بهما اتّفاقاً ، فتوًى ونصّاً ( ولا يثبت بشاهد ويمين ) اتفاقاً ، كما مرّ في كتاب القضاء ( ولا بشهادة رجل وامرأتين ) مطلقاً ، على أصحّ الأقوال ، المتقدمة هي مع تمام التحقيق في المسألة في كتاب الشهادات.

( و ) إنّما ( يثبت بذلك ) أي بكلّ من الشاهد واليمين ، ومنه‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٤٣.

(٢) المسالك ٢ : ٤٧٠ ، الروضة ١٠ : ٧٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب ».

٢٦٧

وامرأتين ( ما يوجب الدية ) لا القود ( كال ) قتل ( خطأ ، ودية الهاشمة ، والمنقّلة ، والجائفة ، وكسر العظام ) وبالجملة : ما لا قود فيه ، بل الدية خاصّة ؛ لأنّها مال ، وقد مرّ في الكتابين ثبوته بل كلّ ما يقصد به المال بهما ، مع ما يدل عليه من النصّ والفتوى ، ولا وجه لإعادته هنا.

( ولو شهد اثنان ) بـ ( أنّ القاتل زيد ) مثلاً ( وآخران ) بـ ( أنّه هو عمرو ) دونه ( قال الشيخ في النهاية ) والمفيد والقاضي (١) : إنّه ( يسقط القصاص ووجبت الدية ) عليهما ( نصفين ) لو كان القتل المشهود عليه عمداً أو شبيهاً به ( ولو كان خطأً كانت الدية على عاقلتهما ) ومستندهم من النصّ غير واضح ( ولعلّه الاحتياط في عصمة الدم لما عرض من ) الشبهة بـ ( تصادم البيّنتين ).

وتوضيح هذه الجملة مع بيان دليل لزوم الدية عليهما بالمناصفة ما ذكره الفاضل في المختلف حيث اختار هذا القول وشيّده ، وهو أنّه : ليس قبول إحدى البيّنتين أولى من قبول الأُخرى ، ولا يمكن العمل بهما ، فيوجب قتل الشخصين معاً ، وهو باطل إجماعاً ، ولا العمل بإحداهما ؛ لما قلنا من عدم المرجّح ، فلم يبق إلا سقوطهما معاً فيما يرجع إلى القود ؛ لأنّ التهجّم على الدماء المحقونة بغير سبب معلوم أو مظنون ممنوع شرعاً ؛ لأنّ كل واحدة من البيّنتين مكذِّبة للأُخرى. وإنّما أوجبنا الدية عليهما لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم قد ثبت أنّ قاتله أحدهما ، لكن لجهلنا بالتعيين أسقطنا القود الذي هو أقوى العقوبتين وأوجبنا أخفّهما (٢).

ولمانع أن يمنع سقوط البيّنتين عند تعارضهما بعدم إمكان العمل‌

__________________

(١) النهاية : ٧٤٢ ، المقنعة : ٧٣٧ ، المهذّب ٢ : ٥٠٢.

(٢) المختلف : ٧٨٩.

٢٦٨

بهما وعدم المرجّح للعمل بإحداهما ، بل هنا احتمال ثالث ، وهو تخيير الوليّ بينهما ، كما ذكروه في تعارض الإقرارين بالقتل عمداً في أحدهما وفي الثاني بالخطإ ، ودلّ عليه النص الذي مضى ، مع تأيّده بما عليه الأصحاب ودلّ عليه بعض الأخبار.

مضافاً إلى الاعتبار من التخيير بين الخبرين المتعارضين مثلاً بحيث لا يترجّح أحدهما على الآخر أصلاً.

ومن جميع ما ذكر ولو بضمّ بعضه إلى بعض لعلّه يحصل الظن بجواز قتل من شهدت عليه إحدى البيّنتين ممن اختاره الأولياء ، فليس فيه التهجّم على الدماء الممنوع عنه شرعاً ، وحينئذٍ فلا يبعد المصير إلى ما عليه الحلّي (١) من التخيير ، وإن كان ما ذكره من الأدلّة كلّها أو جلّها لا يخلو عن مناقشة.

لكن شهرة ما عليه الشيخان مع قوّة احتمال استنادهما إلى رواية كما هو السجيّة لهما والعادة ، ونبّه عليه شيخنا في المسالك (٢) ، وادّعى وجودها لهما الحلّي في السرائر والفاضل في التحرير (٣) ، أوجب التردّد في المسألة ، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل ، وهو عدم القود ، بل وعدم الدية أيضاً ، كما حكي عن الشيخ رحمه‌الله أنّه احتمله ، قال : لتكاذب البيّنتين ، ووجود شبهة دارئة للدعوى (٤).

ولكن احتمال دعوى عدم القول بالفصل بين القول بعدم التخيير‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٤١.

(٢) المسالك ٢ : ٤٧٢.

(٣) السرائر ٣ : ٣٤١ ، التحرير ٢ : ٢٥١.

(٤) حكاه عنه في غاية المراد ١٤ : ٤١٧.

٢٦٩

والدية وبين القول به مع عدمها ؛ لكون ذلك من الشيخ رحمه‌الله احتمالاً لا فتوًى ، يعيّن القول بثبوت الدية ، سيّما مع التأيّد بما ذكره الفاضل في المختلف (١) لإثباتها ، وإن كان في صلوحه لذلك حجة نوع مناقشة ، فالعمل على ما في النهاية.

ثم إنّ مقتضى إطلاقه كعبائر أكثر الأصحاب عدم الفرق بين أن يدّعي أولياء المقتول القتل على أحدهما ، أو عليهما ، أو لا يدّعوا شيئاً منهما.

خلافاً للماتن في النكت (٢) ، فخصّ الحكم بالصورة الثالثة ، وأثبت في الأُولى تسلّط الأولياء على المدّعى عليه ، قال : لقيام البيّنة بذلك ، وثبوت السلطنة شرعاً بالآية (٣) ، فلهم القتل في العمد والدية في الخطأ وشبهه ، وليس لهم على الآخر شي‌ء منهما ، واحتمل في الثانية ثبوت اللوث فيهما ، قال : لأنّ الأربعة يتفقون أنّ هناك قاتلاً ومقتولاً وإن اختلفوا في التعيين ، فيحلف الأولياء مع دعوى الجزم ، ويثبت حينئذٍ القصاص مع ردّ فاضل الدية عليهما ، وإليه يميل الشهيدان وغيرهما (٤) ، لكن لم يذكروا عنه حكم الصورة الثانية ، وناقشهم في ذلك بعض الأجلّة (٥) بما لا يخلو عن قوّة ، ويطول الكلام بذكره.

وبالجملة : المسألة من المشكلات ، فلا يترك الاحتياط فيها حيث يمكن على حال.

__________________

(١) المختلف : ٧٨٩.

(٢) نكت النهاية ٣ : ٣٧٤.

(٣) الإسراء : ٣٣.

(٤) الشهيد الأول في غاية المراد ٤ : ٤١٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٧٢ ؛ التنقيح الرائع ٤ : ٤٣٥.

(٥) مجمع الفائدة ١٤ : ١٧٣.

٢٧٠

( ولو شهدا بأنّه قتل عمداً فأقرّ آخر أنّه هو القاتل ) كذلك ( دون المشهود عليه ، ففي رواية زرارة ) الصحيحة ( عن أبي جعفر عليه‌السلام ) أنّ ( للوليّ قتل المقرّ ، ثم لا سبيل ) له ولا لورثة المقرّ ( على المشهود عليه ، وله قتل المشهود عليه ) ولا سبيل له على المقرّ ( ويردّ المقرّ على أولياء المشهود عليه نصف الدية ، وله قتلهما ) معاً ( ويردّ على أولياء المشهود عليه خاصّة ) دون أولياء المقرّ ( نصف الدية ) ثم يقتل به ، قال زرارة : قلت : فإن أرادوا أن يأخذوا الدية؟ فقال : « الدية بينهما نصفان ؛ لأنّ أحدهما أقرّ والآخر شُهد عليه » قلت : وكيف جُعل لأولياء الذي شُهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حين قُتل ، ولم يُجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شُهد عليه ولم يقرّ؟ فقال : « لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ ، الذي شُهد عليه لم يقرّ ولم يبرئ صاحبه ، والآخر أقرّ وبّرأ صاحبه ، فلزم الذي أقرّ وبرّأ ما لم يلزم الذي شُهد عليه ولم يبرئ صاحبه » (١).

( وفي ) ما تضمّنته من جواز ( قتلهما ) معاً ( إشكال ؛ لانتفاء العلم بالشركة ) المجوّزة لذلك ، فإنّ القاتل ليس إلاّ أحدهما.

( وكذا في إلزامهما بالدية ) بينهما ( نصفين ) لما ذكر ، ولعلّه لذا ردّه الحلّي مضافاً إلى قاعدته وحكم بالتخيير ، كالمسألة السابقة ، فقال : لي في قتلهما جميعاً نظر ؛ لعدم شهادة الشهود وإقرار المقرّ بالشركة ، قال : أمّا لو شهدت البيّنة بالاشتراك وأقرّ الآخر به جاز قتلهما ، ويردّ عليهما معاً دية (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٩٠ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٧٢ / ٦٧٨ ، الوسائل ٢٩ : ١٤٤ أبواب دعوى القتل ب ٥ ح ١.

(٢) السرائر ٣ : ٣٤٢.

٢٧١

واستقر به فخر الدين في الإيضاح صريحاً كوالده في التحرير ، وهو ظاهره في القواعد والإرشاد (١).

وقوّاه الماتن في الشرائع (٢) ( لكن ) قال : غير أنّ ( الرواية من المشاهير ) وبشهرتها صرّح الفاضل في كتبه المتقدمة وغيره من الجماعة ، مشعرين ببلوغها درجة الإجماع.

ولعلّه كذلك ، فقد أفتى به الشيخ وأتباعه والإسكافي والحلبي وغيرهم (٣) ، بل لم نر لهم مخالفاً عدا من مرّ ، وعبائرهم غير صريحة في المخالفة عدا الحلّي وفخر الدين ، وهي مشكلة ؛ لصحة الرواية ، واعتضادها بعمل الطائفة ، فيخصَّص بها القاعدة ، وليس هذه بأوّل قارورة ، فكم من أُصول قويّة وقواعد كلّية خصّصت بمثل هذا الرواية ، بل وبما دونها ، كما لا يخفى على ذي اطّلاع وخبرة.

ولكن المسألة مع ذلك لعلّها لا تخلو عن شبهة ، فالأحوط الاقتصار فيها بقتل أحدهما خاصّة ؛ لعدم الخلاف فيه ظاهراً ، فتوًى وروايةً ، وحكى الإجماع عليه الحلّي في السرائر (٤) صريحاً.

وهنا‌ ( مسائل ) ثلاث :

( الاولى : قيل ) كما عن النهاية والقاضي والصهرشتي والطبرسي‌

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ٦٠٨ ، التحرير ٢ : ٢٥١ ، القواعد ٢ : ٢٩٥ ، الإرشاد ٢ : ٢١٦.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٢١.

(٣) الشيخ في النهاية : ٧٤٣ ، وتبعه القاضي في المهذّب ٢ : ٥٠٢ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٨٩ ، الحلبي في الكافي : ٣٨٧ ، يحيى بن سعيد في الجامع : ٥٧٨.

(٤) السرائر ٣ : ٣٤٢.

٢٧٢

والإسكافي وابن حمزة (١) : إنّه ( يحبس المتّهم بالدم ستّة أيّام ) كما عمّن عدا الأخيرين ، وبدّلها الأخير بالثلاثة ، والإسكافي بالسنة ، وهو كالنهاية إن قرئ « ستّة » بالتاءين على احتمال ظاهر ، وإن قرئ « سنة » بالنون بدل التاء الاولى كان قولاً ثالثاً في المسألة. ومستنده غير واضح كقول ابن حمزة.

وبعد انقضاء المدّة ( فإن ثبتت الدعوى ) بإقرار أو بيّنة ( وإلاّ خلّي سبيله ).

والأصل في المسألة قوية السكوني عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام ، فإن جاء أولياء المقتول ببيّنة ، وإلاّ خلّى سبيله » (٢).

وعمل بها من المتأخّرين جماعة ، كالفاضل في التحرير والمختلف (٣) ، لكن في الأخير قيّده بما إذا حصلت التهمة للحاكم بسبب ، قال : عملاً بالرواية ، وتحفّظاً للنفوس عن الإتلاف. وإن حصلت التهمة لغيره فلا عملاً بالأصل ، واستحسنه الفاضل المقداد في التنقيح وغيره من الأصحاب (٤).

ولا يخلو عن قرب يظهر وجهه زيادةً على ما مرّ في المختلف ممّا سبق في كتاب القضاء في بحث جواز تكفيل المدّعى عليه مع دعوى‌

__________________

(١) النهاية : ٧٤٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٠٣ ، حكاه عن الصهرشتي في مجمع الفائدة ١٤ : ٢١٤ ، وعن الطبرسي والإسكافي في غاية المراد ٤ : ٤٣٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٦١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧٠ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٧٤ / ٦٨٣ ، الوسائل ٢٩ : ١٦٠ أبواب دعوى القتل ب ١٢ ح ١.

(٣) التحرير ٢ : ٢٥٤ ، المختلف : ٧٩٠.

(٤) التنقيح ٤ : ٤٣٨ ، المهذّب البارع ٥ : ٢١٠.

٢٧٣

المدّعى البيّنة وغيبتها ثم التمسه.

خلافاً لصريح الحلّي وفخر الدين وجدّه على ما حكاه عنه ، وظاهر الماتن هنا وفي الشرائع (١) ، فردّوا الرواية رأساً ؛ لما أشار إليه بقوله : ( وفي المستند ضعف و ) مع ذلك ( فيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها ).

وظاهر الفاضل في القواعد والإرشاد (٢) التردّد ، وهو حسن لولا ما قدّمناه ، ويجبر به الضعف وما بعده ، مع إمكان جبره بدعوى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايات الراوي (٣) ، ولذا قيل بوثاقته أو موثّقيته ، كما يحكى عن الماتن في بعض تحقيقاته (٤) ، ويعضده كثرة رواياته ، وعمل الأصحاب بها غالباً ، وغير ذلك ممّا حقّق في وجه تقويته وتقوية صاحبه ، هذا.

مع ما عرفت من عمل هؤلاء الجماعة بروايته في المسألة.

ثم إنّ إطلاقها كإطلاق عبائر أكثرهم يشمل صورتي التماس المدّعى للحبس وعدمه ، وقيّده بعضهم (٥) بصورة التماسه ، وهو حسن ، ولعلّه المراد من الإطلاق ؛ فإنّه عقوبة لحقّه ، فلا يكون إلاّ بعد التماسه ، ويؤيّده عدم الحكم بدون التماسه مع ثبوته.

وهل المراد بالدم ما يشمل الجراح كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها وصدر الرواية أيضاً ، أم القتل خاصّة ؛ لاحتمال اختصاص الإطلاق بحكم التبادر به ، مع اشتمال ذيل الرواية على ما يعرب عن إرادة القتل من الدم‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٤٣ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٦١٩ ، الشرائع ٤ : ٢٢٧.

(٢) القواعد ٢ : ٢٩٨ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٠.

(٣) عدة الأُصول ١ : ٣٨٠.

(٤) حكاه عنه في الرواشح السماوية : ٥٧ ، الوسائل ٣٠ : ٣١٨.

(٥) القواعد ٢ : ٢٩٨ ، مجمع الفائدة ١٤ : ٢١٣.

٢٧٤

المطلق في صدرها خاصة؟ وجهان ، والحوالة إلى الحاكم ليراعى أقلّ الضررين كما قدّمناه في التكفيل غير بعيد.

الثانية : ( لو قتل ) رجلاً ( وادّعى أنّه وجد المقتول مع امرأته ) يزني بها ( قتل به ) مع اعترافه بقتله صريحاً ( إلاّ أن يقيم البيّنة بـ ) صدق ( دعواه ) فلا يقتل حينئذٍ ، بلا خلاف في المقامين فتوًى ونصّاً ، ففي المرتضوي : رجل قتل رجلاً وادّعى أنّه رآه مع امرأته ، فقال عليه‌السلام : « القود ، إلاّ أن يأتي ببيّنة » (١).

مضافاً في الأوّل إلى الأصل ، وعموم : « البيّنة على المدّعى » (٢) وخصوص الصحيح (٣) وغيره (٤) : « إنّ أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا لسعد بن عبادة : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً؟ قال : كنت أضربه بالسيف ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ماذا يا سعد؟ قال سعد : قالوا : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت تصنع به؟ فقلت : أضربه بالسيف ، فقال : يا سعد ، وكيف بالأربعة الشهود؟ فقال : يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله تعالى أن قد فعل؟! قال : إي والله بعد رأي عينك وعلم الله تعالى أن قد فعل ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قد جعل لكل شي‌ء حدّا ، وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّا ».

وظاهر إطلاقه وإن كان ربما يتوهّم منه المنافاة للحكم الثاني ، إلاّ أنّه‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٣ : ٦٠٠ / ٥٩.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب ٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٧٦ / ١٢ ، التهذيب ١٠ : ٣ / ٥ ، الفقيه ٤ : ١٦ / ٢٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٤ أبواب مقدمات الحدود ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٧٥ / ١٥ ، التهذيب ١٠ : ٣١٢ / ١١٦٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٣٤ أبواب القصاص في النفس ب ٦٩ ح ١.

٢٧٥

محمول على كون اعتبار الشهود لدفع القود عن نفسه في ظاهر الشرع وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه وبين الله تعالى ، كما ظهر من الرواية السابقة وفتاوي أصحابنا ، وإن اختلفت في تقييد الحكم بعدم إثم الزوج في قتله الزاني بكونه محصناً ، كما عن الشيخ والحلّي (١) ، أو إبقائه على إطلاقه فيشمل غير المحصن ، كما هو ظاهر أكثر الفتاوي وعن صريح الماتن في النكت (٢) ، وبه صرّح غيره كشيخنا في الروضة ، حيث قال في جملة شرحه لقول المصنف : ولو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما ـ : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لا نعلم فيه مخالفاً ، وهو مروي أيضاً ، ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمتمتع بها ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، ولا بين الحرّة والأمة ، ولا في الزاني بين المحصن وغيره ؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك (٣).

ونحوه المولى المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله مدّعياً شهرته ، بل كونه مجمعاً عليه (٤).

( الثالثة : خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال ) كما في الموثّق (٥) وغيره (٦) : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين.

__________________

(١) النهاية : ٧٤٤ ، السرائر ٣ : ٣٤٣.

(٢) نكت النهاية ٣ : ٣٧٩.

(٣) الروضة البهية ٩ : ١٢١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١٣ : ٩٥.

(٥) الكافي ٧ : ٣٥٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٣ / ٨٠١.

(٦) الفقيه ٣ : ٥ / ١٦ ، التهذيب ٦ : ٣١٥ / ٨٧٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٦ أبواب آداب القاضي ب ١٠ ح ١.

٢٧٦

ولعلّه لا خلاف فيه ، كما يظهر من التنقيح (١) ، حيث لم يتكلم في المسألة مع أنّ دابة التكلم في المسائل الخلافية.

وقال الخال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في حواشيه على الأخبار بعد ذكر الرواية : وعليه الفتوى سواء كان في مال لا يمكن استرجاعه ، أو قصاص مع عدم تقصير (٢).

( ومن ) جنى على أحد بعد أن ( قال : حذار (٣) ، لم يضمن ) عاقلته جنايته ، كما في الخبر : « كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب عليه‌السلام يلعبون بأخطار (٤) لهم فرمى أحدهم بخطره فدقّ رباعية صاحبه ، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأقام الرامي البيّنة بأنّه قال : حذار ، فدرأ عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام القصاص ، ثم قال : قد أعذر من حذّر » (٥).

ولم أر من تعرّض لهذا الحكم هنا عدا الماتن ، وإلاّ فباقي الأصحاب تعرّضوا لذكره في كتاب الديات في بحث ضمان النفوس وغيرها.

وظاهرهم عدم الخلاف فيه ، كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (٦) رحمه‌الله ويحتمل الإجماع ، كما يظهر من ابن زهرة وغيره (٧) ، فيجبر بذلك قصور سند الرواية.

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٤٣٨.

(٢) ملاذ الأخيار ١٦ : ٩ ، انظر مرآة العقول ٢٣ : ٢٦٦.

(٣) في « س » زيادة : قيل : هو بفتح الحاء وكسر آخره مبنيّاً عليه ، هذا هو الأصل في الكلمة ، لكن ينبغي أن يراد هنا ما دلّ على معناها.

(٤) الخطر : المقلاع الذي يُرمى به. مجمع البحرين ٣ : ٢٩٠.

(٥) الكافي ٧ : ٢٩٢ / ٧ ، الفقيه ٤ : ٧٥ / ٢٣١ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٧ / ٨١٩ ، الوسائل ٢٩ : ٦٩ أبواب القصاص في النفس ب ٢٦ ح ١.

(٦) مجمع الفائدة ١٤ : ٢٤٤.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، وانظر التنقيح ٤ : ٤٣٨.

٢٧٧

ولكن اشترطوا إسماع الحذار للمجني عليه في وقت يتمكن منها ، قالوا : فلو لم يقل : حذار ، أو قالها في وقت لا يتمكن المرمي من الحذر ، أو لم يُسمع فالدية على العاقلة. ولا بأس به ؛ لشهادة الاعتبار به.

( ومن اعتدي عليه فاعتدى بمثله ) على المعتدي ( لم يضمن ) جنايته ( وإن تلفت ) فيها النفس ، كما في الصحيح : « من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له » (١).

وفي آخر : عن رجل أتى رجلاً وهو راقد ، فلمّا صار على ظهره ليقربه (٢) فبعجه بعجة فقتله ، قال : « لا دية له ولا قود ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له ولا قود » (٣).

ويعضده النصوص المتقدمة (٤) في محاربة اللص ، وجواز قتله إذا لم يمكن دفعه بدونه.

( وأمّا القَسامة فـ ) هي لغة من القَسَم بالتحريك ، وهو اليمين ، وشرعاً الأيمان التي تقسم على الأولياء في الدم ، وقد يسمّى الحالفون قسامة على طريق المجاز لا الحقيقة ، وصورتها : أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله ، ولا يقوم عليه بيّنة ولا إقرار ، ويدّعي الوليّ على واحد أو جماعة فيحلف على ما يدّعيه ، ويثبت به دم صاحبه.

و ( لا تثبت إلاّ مع ) اقتران الدعوى بـ ( اللوث ) بلا خلاف أجده ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٩٢ / ٩ ، الفقيه ٤ : ٧٤ / ٢٢٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٨ / ٨٢١ ، الوسائل ٢٩ : ٦٠ أبواب القصاص في النفس ب ٢٢ ح ٤.

(٢) في « ب » والكافي والوسائل : أيقن به.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩٣ / ١٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٩ / ٨٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ٦٩ أبواب القصاص في النفس ب ٢٧ ح ١ ، ٣.

(٤) في ص ١٦٢.

٢٧٨

حتى من نحو الحلّي (١) ، وظاهرهم الإجماع عليه ، كما صرّح به في الغنية (٢) ، ولكن ناقشهم بعض الأجلّة ، حيث قال بعد نقله جملةً من الأخبار المتعلّقة بالقَسامة ، الدالّة على ثبوتها في الشريعة من طرق العامة والخاصّة ، كالنبوي : « البيّنة على المدّعى ، واليمين على من أنكر ، إلاّ في القسامة » (٣) والصحيح : عن القسامة كيف كانت؟ فقال : « هي حقّ ، وهي مكتوبة عندنا ، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً ثم لم يكن شي‌ء ، وإنّما القسامة نجاة للناس » (٤) والصحيح : عن القسامة؟ فقال : « الحقوق كلّها البيّنة على المدّعى ، واليمين على المدّعى عليه ، إلاّ في الدم خاصّة » (٥) ما لفظه :

هذه الأخبار خالية عن اعتبار اللوث لفظاً ، يعني لم يؤخذ للقسامة شرط اللوث ، نعم في بعضها : وجد القتيل في قليب (٦) أو قرية وغير ذلك ، وليس ذلك بواضح ولا صريح في اشتراطه إلى أن قال ـ : فكأنّ لهم على ذلك إجماعاً أو نصّاً ما اطّلعت عليه (٧).

أقول وبالله سبحانه التوفيق ـ : لعلّ الوجه فيما ذكروه من اشتراط اللوث مخالفة القسامة للقاعدة ، فإنّ إثبات الدعوى بقول المدّعى ويمينه على خلاف القاعدة ؛ لأنّه حكم بغير دليل ؛ ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو يعطى الناس‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٣٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٣) الكافي ٧ : ٤١٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ / ٥٥٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٦٠ / ١ ، الوسائل ٢٩ : ١٥١ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ٩ ح ٢.

(٥) الكافي ٧ : ٣٦١ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٦٦ / ٦٦١ ، الوسائل ٢٩ : ١٥٢ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ٩ ح ٣.

(٦) القليب : البئر وهو مذكّر. المصباح المنير : ٥١٢.

(٧) مجمع الفائدة ١٤ : ١٨٢.

٢٧٩

بأقوالهم لاستباح قوم دماء قوم وأموالهم » (١).

فيجب الاقتصار فيها على المتيقن من النص والفتوى ، وليس إلا ما ذكرنا ؛ لورود أكثر النصوص في قضية عبد الله بن سهل المشهورة ، وفيها اللوث بلا شبهة ، وهي الأصل في شرعية القسامة.

وأمّا باقي النصوص فبين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل في محل التهمة كالقليب والقرية ، وهي كالأوّلة ، وبين مطلقه بالمرّة ، كالروايات المتقدّمة ، وإطلاقها غير نافع ؛ لورودها لبيان حكم آخر هو أصل الشرعية أو نحوه ، لا ثبوتها مطلقاً أو في الجملة ، ولذا لم يمكن الاستدلال بها على عدم اعتبار الشرائط الأُخر ، وبالجملة : فمثل هذا الإطلاق يعدّ من قبيل المجملات بلا شبهة ، هذا.

مع أنّ عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد في قرية أو محلّة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية للّوث ، وقتيلٍ يوجد في سوق أو فلاة أو جمعة ، مع أنّ الفتاوي والنصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت القسامة في الأول دون الثاني.

ومن جملة تلك النصوص زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح عن مولانا الباقر عليه‌السلام (٢) قال : « كان أبي رضي‌الله‌عنه إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه ، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً بالله تعالى ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً ، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل ، ذلك إذا قتل في حيّ واحد ، فأمّا إذا قتل في عسكر ، أو سوق‌

__________________

(١) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ بتفاوت يسير.

(٢) كذا ، وفي المصادر : عن جعفر عليه‌السلام.

٢٨٠