رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

( ولو أقرّ ) به ( مرّة ) واحدة ( اغرم ) (١) الذي أقرّ به بلا خلاف ، ( و ) لكن ( لم يقطع ) كما قطع به الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٢) ، بل فيه عن الخلاف التصريح بالإجماع (٣) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرين ولو بالشهرة ، المرويّ أحدهما هنا في الكافي والتهذيب : « لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة ، مرّتين ، فان رجع ضمن السرقة ، ولم يقطع إذا لم يكن شهود » (٤).

ونحوه الثاني المرويّ في التهذيب في باب حدّ الزناء (٥) ، وهو أوضح من الأول سنداً ؛ إذ ليس فيه إلاّ عليّ بن السندي ، وقد قيل بحسنه (٦) ، بخلافه ؛ لتضمّنه عليّ بن حديد الضعيف (٧) ، والإرسال بعده ، لكنّه لجميل ابن درّاج المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع ، فيقطع (٨) ؛ للعموم ، وإطلاق ما دلّ على‌

__________________

(١) في المختصر المطبوع : عُزِّر.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٢٧.

(٣) الخلاف ٥ : ٤٤٣.

(٤) الكافي ٧ : ٢١٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٤٣ / ١٤٥ ، التهذيب ١٠ : ١٢٩ / ٥١٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٠ / ٩٤٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٩ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ٨ / ٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٤ / ٧٦٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥١ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ٦.

(٦) انظر رجال الكشّي ٢ : ٨٦٠ ، ومنهج المقال : ٢٣٣ ، والخلاصة : ٩٦ ، وملاذ الأخيار ١٦ : ١٩.

(٧) في « ح » و « ن » زيادة : بالاتّفاق.

(٨) قال في المختلف (٧٧١) : وقال الصدوق في المقنع : والحرّ إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة واحدة بالسرقة قطع. ولكن ما في المقنع (١٥١) : والحرّ إذا أقرّ على نفسه لم يقطع.

١٢١

القطع بالسرقة من النصوص ، وخصوص الصحيح : « إن أقرّ الرجل الحرّ على نفسه بالسرقة مرّة واحدة عند الإمام قطع » (١). ونحوه آخر يأتي ذكره (٢) ، مع ضعف المعارض بما مرّ.

وهو حسن لولا ما مرّ من الجابر ، وبه يترجّح على المقابل ، فيخصّ به العموم ، وكذا الإطلاق يقيّد به ، والصحيحان يصرفان به عن ظاهرهما :

باحتمال أن يكون معنى القطع فيهما : قطعه عن الإقرار ثانياً ، كما روي : أنّ سارقاً أقرّ عند مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فانتهره ، فأقرّ ثانياً ، فقال : أقررت مرّتين ، فقطعه (٣) ؛ وهو حجّة أُخرى على المختار ، وبالجابر المتقدّم يجبر ما فيه من الضعف أو (٤) الإرسال.

أو يكون متعلّق الظرف بالسرقة ، فيكون مطلقاً في عدد الإقرار ، بل مجملاً ، كما صرّح به شيخ الطائفة. قيل : ويقر به إمكان توهّم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنّه لا قطع ما لم يتكرّر السرقة (٥).

ولكن الإنصاف بُعد هذين الحملين ، ولعلّه لذا لم يُجب الشيخ عنهما في الكتابين إلاّ بالحمل على التقيّة ، قال : لموافقتها لمذهب بعض العامّة.

وربما يشير إليه الموثّق كالصحيح بفضالة ، عن أبان ، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : « كنت عند‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٢٦ / ٥٠٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٠ / ٩٤٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٠ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ٣.

(٢) انظر ص ١٢٣.

(٣) دعائم الإسلام ٢ : ٤٧٤ / ١٧٠١ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ١٢٢ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ١.

(٤) في « س » : و.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٤٢٧.

١٢٢

عيسى بن موسى ، فأُتي بسارق وعنده رجل من آل عمر ، فأقبل يسألني ، فقلت : ما تقول في السارق إذا أقرّ على نفسه أنّه سرق؟ قال : يقطع ، قلت : فما تقولون في الزاني إذا أقرّ على نفسه أربع مرّات؟ قال : نرجمه ، قلت : وما يمنعكم [ من السارق ] إذا أقرّ على نفسه مرّتين أن تقطعوه ، فيكون بمنزلة الزاني؟! » (١).

وهو أيضاً ظاهرٌ في اعتبار الإقرار مرّتين هنا ، من حيث جعل السارق بمنزلة الزاني ؛ بناءً على أنّ الزناء لمّا كان بين اثنين يشترط فيه الأربعة ، كما ورد في بعض الأخبار في البيّنة (٢) ، فيكون لكلّ منهما إقراران ، ففي السرقة أيضاً لا بُدّ من إقرارين.

ولعلّ هذا إلزام عليهم بما يعتقدونه من الاستحسانات.

قيل : مع أنّه موافقٌ للعلّة الواقعيّة (٣).

هذا ، مع ظهور الدلالة فيه عليه من وجه آخر ، وهو : أنّ صدره ظاهرٌ في قطعهم السارق بالإقرار ولو مرّة ، فقوله عليه‌السلام في ذيله : « وما يمنعكم [ من السارق ] إذا أقرّ » إلى آخره. إن حُمِلَ على ظاهره من عدم قطعهم بالإقرار مرّتين نافي ذيله صدره ، فينبغي أن يحمل على أنّ المراد : ما يمنعكم أن تشترطوا في القطع بالإقرار وقوعه مرّتين ، بمناسبته لاعتبار تعدّده أربعاً في الزناء.

هذا ، ولو سلّم خلوصهما عن جميع ذلك ، فهما شاذّان لا عامل بهما‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٢٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٠ / ٩٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٠ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ٤ ؛ وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حدّ الزناء ب ١٢.

(٣) ملاذ الأخيار ١٦ : ٢٥٢.

١٢٣

ـ حتى الصدوق رحمه‌الله لظهورهما في اشتراط وقوع الإقرار مرّة عند الإمام في الاكتفاء بها ، وأنّه ليس مطلقاً ، ولم يقل به الصدوق رحمه‌الله لاكتفائه بها مطلقاً ، فتأمّل جدّاً.

نعم ، في المختلف (١) احتمل العمل بهما ، والفرق بين الإقرار عند الإمام فمرّة ، وعند غيره فمرّتين ، بوجهٍ لا يصلح له سنداً. هذا ، مع أنّ الاحتمال ليس بقول.

وكذا قول المقنع (٢) بما مرّ ليس بمتحقّق وإن حكي عنه في المختلف وغيره ، فقد قال بعض الأفاضل بعد نقل حكايته عنه ـ : لم أره فيما عندي من نسخه (٣) (٤).

وعلى هذا يتقوّى الإجماع الظاهر والمدّعى ، ويتعيّن القول الذي اخترناه قطعاً ، مضافاً إلى تأيّده زيادة على ما مضى بالاستقراء ؛ لاتّفاق الفتاوى على اعتبار المرّتين في جميع الحدود ما عدا الزناء ، مع بناء الحدود على التخفيف ، ودرئها بالشبهة الحاصلة في المسألة من الاختلاف المتقدّم إليه الإشارة ، ولا أقلّ منها.

( ويشترط في المُقِرّ : التكليف ) بالبلوغ والعقل ( والحرّية ، والاختيار ) بلا خلاف ، كما في سائر الأقارير ، بل على اعتبار الحرّية هنا بالخصوص الإجماع عن الخلاف (٥) ؛ وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى أنّ إقرار العبد إقرارٌ في حقّ الغير ، وهو المولى ، فلا يكون‌

__________________

(١) المختلف : ٧٧١.

(٢) المتقدّم في ص ١٢٠.

(٣) في « س » : نسخته.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٤٢٧.

(٥) الخلاف ٥ : ٤٥٣.

١٢٤

مسموعاً.

ولخصوص الصحيح : « إذا أقرّ العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع ، وإذا شهد عليه شاهدان قُطِعَ » (١).

وبهذه الأدلة يخصّ عموم الصحيح : « من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود الله تعالى مرّةً واحدةً ، حرّا كان أو عبداً ، حرّةً كانت أو أمةً ، فعلى الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان ، إلاّ الزاني المحصن » (٢).

مع منافاته الإجماع على اعتبار المرّتين في سائر الحدود ، وموافقته التقيّة كما عرفته (٣) ، فيحتمل الحمل عليها.

وبه يجاب عن الصحيح الآخر الذي لا يحتمل التخصيص ـ : « العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة أنّه سرق قطعه ، وإذا أقرّت الأمة على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها » (٤).

والشيخ حمله على أنّه إذا انضاف إلى الإقرار الشهادة عليه بالسرقة (٥).

وربما حُمِلَ على محامل أُخر‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٠ / ١٧٤ ، التهذيب ١٠ : ١١٢ / ٤٤٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٣ / ٩٢٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٠٥ أبواب حدّ السرقة ب ٣٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ١٠ : ٧ / ٢٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٣ / ٧٦١ ، الوسائل ٢٨ : ٥٦ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣٢ ح ١.

(٣) راجع ص ١٢١.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٠ / ٧ ، الفقيه ٤ : ٤٩ / ١٧٣ ، التهذيب ١٠ : ١١٢ / ٤٤١ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٤ / ٩٢١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٩ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ١٠ : ١١٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٤٤.

١٢٥

منها : أن يكون فاعل « قطعه » و « قطعها » مَن جرى اسمه من العامّة في مجلسه ، ويكون المعنى : أنّه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره (١).

ومنها : أنّ المراد بالعبد والأمة : عبد الله تعالى وأمته (٢).

ومنها : أنّ المراد إذا انضاف إليه إقرار المولى.

وفي الجميع بُعدٌ وإن أفتى بالأخير جماعة (٣) ؛ قيل : لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، ويحتمل العدم ؛ بناءً على أنّه لا عبرة بإقرار العبد أصلاً (٤).

وفيه نظر ؛ فإن عدم العبرة به إنّما هو لحقّ سيّده ، فإذا صدّقه فكأنّه أسقطه ، وكان كما إذا قام (٥) البيّنة عليه.

ثم إنّ عدم قبول إقراره إنّما هو بالإضافة إلى قطعه خاصّة ، وأمّا بالإضافة إلى الغرامة فيقبل ، ويتبع بالسرقة بعد الحرّية ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٦) ؛ للعموم ، مع انتفاء المعارض بالكلّية.

وهل يقطع حينئذ؟ وجهان : من ارتفاع المانع ، ومن اندرائه ابتداءً ، فيستصحب. ولعلّ هذا أقرب ؛ للشبهة الدارئة.

( و ) يتفرّع على اشتراط الاختيار : أنّه ( لو أقرّ بـ ) السرقة لـ ( الضرب ، لم ) يجز أن ( يقطع ) للأصل ، والنصوص :

منها زيادةً على ما يأتي الخبر : « من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو‌

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٤٢٨.

(٢) الوسائل ٢٨ : ٢٤٩.

(٣) المسالك ٢ : ٤٤٦ ، مجمع الفائدة ١٣ : ٢٨٣ ، كشف اللثام ٢ : ٤٢٨.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٤٢٨.

(٥) في « س » : أقام.

(٦) المفاتيح ٢ : ٩٥.

١٢٦

حبس أو تهديد فلا حدّ عليه » (١).

وفي آخر : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : لا قطع على أحد يخوّف من ضرب ولا قيد ولا سجن ولا تعنيف ، إلاّ أن يعترف ، فإن اعترف قطع ، وإن لم يعترف سقط عنه ؛ لمكان التخويف » (٢) وظاهرٌ أنّ المراد من الاعتراف فيه : ما وقع منه طوعاً لا خوفاً ، فيكون الاستثناء منقطعاً ، فتأمّل.

( نعم ، لو ردّ السرقة بعينها ) بعد الإقرار ( قطع ) وفاقاً للنهاية (٣) وجماعة ممّن تبعه (٤).

للصحيح : عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب ، فجاء بها بعينها ، هل يجب عليه القطع؟ قال : « نعم ، ولكن لو اعترف ولم يجي‌ء بالسرقة لم تقطع يده ؛ لأنّه اعترف على العذاب » (٥).

ولأنّ ردّها قرينة على السرقة ، كما يكون القي‌ء على الشرب قرينة.

وفيهما نظر ؛ لعدم دلالة الخبر على وقوع الضرب على الإقرار ، بل ظاهر السؤال أنّه علم سرقته ببيّنة أو إقرار ، وإنّما ضرب على ردّ المال.

ومنع دلالة الردّ على السرقة ؛ لأنّه أعمّ منها بلا شبهة ، كما أنّ القي‌ء أعمّ من الشرب أيضاً. والقول بدلالته عليه على تقدير تسليمه إنّما هو‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٦١ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١٤٨ / ٥٩٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦١ أبواب حدّ السرقة ب ٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٢٨ / ٥١١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦١ أبواب حدّ السرقة ب ٧ ح ٣.

(٣) النهاية : ٧١٨.

(٤) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٦١ ، والعلاّمة في المختلف : ٧٧١ ، وحكاه الشهيد في غاية المراد ٤ : ٢٦٢ ، عن القاضي والصهرشتي.

(٥) الكافي ٧ : ٢٢٣ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ١٠٦ / ٤١١ ، علل الشرائع : ٥٣٥ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٠ أبواب حدّ السرقة ب ٧ ح ١.

١٢٧

للرواية ، لا لوضوح الدلالة ؛ لما عرفت ما فيه من المناقشة ، فقياسه عليه مع ضعفه مع الفارق ، فلا يصلح حجّة.

( و ) لذا ( قيل ) كما عن الحلّي (١) ـ : إنّه ( لا يقطع ؛ لتطرّق الاحتمال ) ( بكونه ) (٢) عنده بالابتياع أو بالإيداع ( وهو أشبه ) بأُصول المذهب ودرء الشبهة للحدّ ، مع سلامتها كما عرفت عن المعارض ، وإليه ذهب أكثر المتأخّرين ، ومنهم : فخر المحقّقين ، وقد أجاب عن الصحيح بعدم دلالته على الإقرار مرّتين ولا مرّة (٣).

واعترضه بعض الأفاضل بأنّه إذا حكم عليه‌السلام بقطعه مع عدم الإقرار بالسرقة بمجرّد إحضار المسروق ، فمع الإقرار مرّتين وإحضاره أولى (٤).

وهو حسن إن قالوا بالأصل ، وإلاّ كما هو الظاهر من جملة من العبائر المحررة لمحلّ النزاع فلا ؛ إذ إلحاق الفرع بالأصل فرع قبوله لا من دونه ، وبناء الفخر على ذلك في الاعتراض.

ومنه يظهر جواب آخر عن الصحيح ، بل وعن التعليل ؛ فإنّ مقتضاه سيّما بمعونة ما فيه من ( التشبيه ) (٥) قطعه بمجرّد الردّ ولو من دون إقرار ، وقد عرفت خروجه عن محلّ النزاع ، وإنّه لا قائل به من الأصحاب. إلاّ أن يقال بمنع دلالة الردّ على السرقة مجرّداً عن الإقرار ، وقياسه على القي‌ء إنّما هو بمعونته وبعد ضمّه إليه لا على الإطلاق.

( ولو أقرّ مرّتين تحتّم القطع ) ولا يجوز العفو عنه ( ولو أنكر )

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٩٠.

(٢) في « ن » : بجواز أن يكون.

(٣) إيضاح الفوائد ٤ : ٥٣٩.

(٤) الحواشي على شرح اللمعة للخوانساري : ٤٨٨.

(٥) في « ن » : القياس.

١٢٨

ورجع عنه ، وفاقاً للمبسوط والحلّي ، وعليه الفاضلان في الشرائع والقواعد والإرشاد والشهيدان في اللمعتين (١) ، وربما نسب إلى الأكثر (٢). وفيه نظر ؛ لما سيظهر.

لاستصحاب (٣) بقاء التحتّم ، وعموم ما دلّ على أخذ العقلاء بإقرارهم ، وللصحيح (٤) وغيره (٥) : « إذا أقرّ الرجل على نفسه أنّه سرق ثم جحد فاقطعه وإن رغم أنفه ».

خلافاً للنهاية والقاضي والتقي وابن زهرة والفاضل في المختلف (٦) ، فيسقط عنه القطع ، ولعلّه بين القدماء أشهر ، فقد ادّعى عليه في الغنية إجماع الإماميّة ، وبه صريح مرسلة جميل السابقة (٧) : « لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين ، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود ».

وللخلاف وموضع آخر من النهاية (٨) ، فللإمام الخيار بين قطعه والعفو عنه ، مدّعياً عليه في الأول الإجماع.

ويدلّ عليه بعده الخبر : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأقرّ‌

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٤٠ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٩١ ، الشرائع ٤ : ١٧٦ ، القواعد ٢ : ٢٧٠ ، الإرشاد ٢ : ١٨٤ ، اللمعة والروضة ٩ : ٢٧٨.

(٢) المفاتيح ٢ : ٩٥.

(٣) إنّه رحمه‌الله في مقام الاستدلال للقول بتحتّم القطع.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٠ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٢٣ / ٤٩٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٢ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٢٦ / ٥٠٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦ أبواب مقدمات الحدود ب ١٢ ذيل ح ١.

(٦) النهاية : ٧١٨ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٤٤ ، التقي في الكافي : ٤١٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، المختلف : ٧٧١.

(٧) راجع ص ٧١٨٦.

(٨) انظر النهاية : ٧١٨ ، إلاّ أنّه في التوبة بعد الإقرار ، والخلاف ٥ : ٤٤٤.

١٢٩

عنده بالسرقة ، فقال : أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال : نعم ، سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، فقال الأشعث : أتعطّل حدّا من حدود الله تعالى؟

قال : وما يدريك ما هذا ، إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو عنه ، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام ، فإن شاء عفا ، وإن شاء قطع » (١) وقريب منه آخر (٢).

والإجماع موهون بعدم قائل به سواه.

والخبران بعد الإغماض عمّا في سندهما ليس فيهما التخيير بعد الرجوع ، بل ظاهرهما ثبوته للإمام مطلقا ولو لم يرجع ، ولا قائل به ، إلاّ أن يقيّدا بصورة الرجوع بالإجماع.

والمسألة محل تردّد كما هو ظاهر التحرير وغيره (٣) ، فللتوقف فيها مجال ، ولكن مقتضاه المصير إلى القول الثاني ؛ لبناء الحدود على التخفيف ، واندرائها بالشبهات.

وظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين الرجوع والتوبة ، فمن أسقط القطع حتماً أو تخييراً في الأوّل أسقطه في الثاني كذلك (٤) ، ومن قال بالعدم قال به في المقامين.

( الرابع : في ) بيان‌ ( الحدّ ) وكيفيته.

( وهو قطع ) اليد ، بالكتاب والسنّة وإجماع الأُمّة ، ويختص عندنا بـ ( الأصابع الأربع من اليد اليمنى ، وتترك ) له ( الراحة والإبهام ).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤٤ / ١٤٨ ، التهذيب ١٠ : ١٢٩ / ٥١٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٢ / ٩٥٥ ، الوسائل ٢٨ : ٤١ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٢٧ / ٥٠٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٢ / ٩٥٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٠ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ٥.

(٣) التحرير ٢ : ٢٣٠ ، التنقيح ٤ : ٣٨٤.

(٤) ليست في « ب » و « س » و « ح ».

١٣٠

( ولو ) عاد فـ ( سرق بعد ذلك ) أيضاً ( قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ، ويترك ) له.

( العقب ولو ) عاد فـ ( سرق ) مرّة ( ثالثة حبس ) في السجن ( دائماً ) وأُنفق عليه من بيت المال مع فقره ، لا مطلقاً.

( ولو ) عاد فـ ( سرق في السجن ) أيضاً ( قتل ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده إلاّ ما سيأتي إليه الإشارة بل عليه الإجماع في الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (١) حدّ الاستفاضة.

والنصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون متواترة ، ففي الصحيح : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه ، وإذا سرق مرَّة أُخرى قطعت رجله اليسرى ، ثم إذا سرق مرّة أُخرى سجنه وترك رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها ، وقال : إنّي لأستحيي من الله تعالى أن أتركه لا ينتفع بشي‌ء ، ولكني أسجنه حتى يموت في السجن » الخبر (٢).

وفيه : « يقطع رجل السارق بعد قطع اليد ، ثم لا يقطع بعد ، فإن عاد حبس في السجن وأُنفق عليه من بيت مال المسلمين » (٣) ونحوه آخر (٤).

وفي الموثّق : « إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ ، فإن عاد‌

__________________

(١) الخلاف ٥ : ٤٣٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، السرائر ٣ : ٤٨٩ ، المفاتيح ٢ : ٩٧ ، كشف اللثام ٢ : ٤٢٩.

(٢) الكافي ٧ : ٢٢٢ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ / ٤٠٢ ، علل الشرائع ٥٣٦ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حدّ السرقة ب ٥ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٢٣ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١٠٤ / ٤٠٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٦ أبواب حدّ السرقة ب ٥ ح ٦.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٤ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ١٠٧ / ٤١٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٧ أبواب حدّ السرقة ب ٥ ح ٧.

١٣١

قطعت رجله من وسط القدم ، فإن عاد استودع السجن ، فإن سرق في السجن قتل »(١).

وفي الخبر : أخبرني عن السارق لمَ تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ولا تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى؟ فقال : « ما أحسن ما سألت ، إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام ، وإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً » قلت : وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ فقال : « إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع ، إنّما يقطع الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله تعالى » قالت له : من أين تقطع اليد؟ قال : « تقطع الأربع أصابع ويترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة ، ويغسل بها وجهه » الخبر (٢).

وظاهرهما ولا سيّما الأوّل أنّ محل القطع في الرجل إنّما هو الكعب الذي هو عندنا وسط القدم عند معقد الشراك ، كما تقدّم في بحث الوضوء مشروحاً ، وصرّح به الرواية الأُولى منهما وجماعة من أصحابنا (٣) ، كالشيخ في المبسوط والخلاف والتبيان ، والسيّدين (٤) في الغنية والانتصار ، والحلّي في السرائر (٥) ، مدّعين عليه إجماع الإمامية.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٢٣ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ / ٤٠٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٦ أبواب حدّ السرقة ب ٥ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٢٢٥ / ١٧ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ / ٤٠١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٧ أبواب حدّ السرقة ب ٥ ح ٨.

(٣) في « ن » زيادة : هنا.

(٤) في النسخ : والسيّدان ، والظاهر ما أثبتناه.

(٥) المبسوط ٨ : ٣٥ ، الخلاف ٥ : ٤٣٧ ، التبيان ٣ : ٥١٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، الانتصار : ٢٦٢ ، السرائر ٣ : ٤٨٨.

١٣٢

وحكي التصريح به أيضاً عن الصدوق في المقنع والحلبي في الكافي و [ ابن سعيد و (١) ] وابن حمزة في الجامع والوسيلة ، والفاضل في التلخيص (٢) ، وغيرهم (٣).

وعلى هذا يكون المقطوع من عظامها الأصابع والمشط ، ويبقى الرسغ والعظم الزورقي والنردي والعقب وما بينه وبين الساق.

خلافاً لظاهر العبارة هنا وفي الشرائع والمقنعة والنهاية ومجمع البيان والمراسم ، وسائر كتب الفاضل ما عدا التلخيص ، والروضتين (٤) ، فعُبِّر فيها بمفصل القدم وترك العقب ، الظاهرين (٥) في كون القطع من أصل الساق ، أي المفصل بين الساق والقدم ، وصرّح به الشيخان في كتبهما المذكورة ، وعليه فلا تبقى من عظام القدم إلاّ عظم العقب وما بينه وبين عظم الساق ، وتسمّيه الأطبّاء كعباً.

واحتجّ عليه في المختلف (٦) بالموثق (٧) وغيره (٨) : « تقطع يد السارق‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٢) المقنع : ١٥٠ ، الكافي : ٤١١ ، الجامع : ٥٦١ ، الوسيلة : ٤٢٠ ، تلخيص المرام ( الينابيع الفقهية ٤٠ ) : ٢٠٦.

(٣) الصيمري في تلخيص الخلاف ٣ : ٢٤٨.

(٤) الشرائع ٤ : ١٧٦ ، المقنعة : ٨٠٢ ، النهاية : ٧١٧ ، مجمع البيان ٢ : ١٩٢ ، المراسم : ٢٥٩ ؛ وانظر القواعد ٢ : ٢٧٠ ، التحرير ٢ : ٢٣١ ، الإرشاد ٢ : ١٨٤ ، تبصرة المتعلمين : ١٩٧ ، اللمعة والروضة ٩ : ٢٨٤.

(٥) في « ب » : الظاهر.

(٦) المختلف : ٧٧٨.

(٧) الكافي ٧ : ٢٢٤ / ١٣ ، التهذيب ١٠ : ١٠٢ / ٣٩٩ ، علل الشرائع : ٥٣٧ / ٥ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٢ أبواب حدّ السرقة ب ٤ ح ٤.

(٨) الكافي ٧ : ٢٢٢ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٠٢ / ٣٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥١ أبواب حدّ السرقة ب ٤ ح ٢.

١٣٣

ويترك إبهامه وصدر راحته ، وتقطع رجله ويترك عقبه يمشي عليها ».

أقول : ونحوهما خبر آخر (١) ، والرضوي : « تقطع الرجل من المفصل ويترك العقب يطأ عليه » (٢).

والمسألة محل إشكال ، ومقتضاه المصير إلى الأوّل ؛ تقليلاً للعقوبة ودرءاً للحدّ ولو شي‌ء منه بالشبهة الحاصلة من اختلاف الفتوى والرواية.

مع إمكان ترجيحه أيضاً ؛ للإجماعات المحكيّة والروايتين المعتضدتين بها وبالشهرة بين القدماء ، وبالصحيح أيضاً ، وفيه : « وكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل ، فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب » الخبر (٣). بناءً على ما مرّ من كونه عندنا حقيقةً في وسط القدم دون أصل الساق.

ولا تعارضها النصوص المقابلة ؛ لضعف جملة منها ، وقصور باقيها عن الصحة والمقاومة لما مرّ من الأدلّة ، مع موافقتها للعامّة كما يستفاد من الشيخ في المبسوط والخلاف ، حيث قال : القطع عندنا في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ويترك ما يمشي عليه ، وعندهم المفصل الذي بين الساق والقدم (٤). انتهى.

فلتحمل على التقيّة.

وربما يؤيّده كون المروي عنه عليه‌السلام في الرواية الأُولى التي هي أوضحها طريقاً مولانا الكاظم عليه‌السلام ، والتقية في زمانه في غاية من الشدّة ، كما مرّ إليه الإشارة غير مرّة.

__________________

(١) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : ١٥١ / ٣٨٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حدّ السرقة ب ٤ ح ٧.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام القديم : ٧٧.

(٣) الفقيه ٤ : ٤٦ / ١٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حدّ السرقة ب ٤ ح ٨.

(٤) المبسوط ٨ : ٣٥ ، الخلاف ٥ : ٤٣٧.

١٣٤

ومع ذلك فهي غير صريحة الدلالة ؛ لما فيها من تعليل إبقاء العقب بحكمة ضرورة المشي عليها والوطء بها ، والظاهر أنّهما لا يتحققان بمجرّد العقب المجرّد ، بل به وبما يتّصل به إلى الكعب من عظام القدم ، فينبغي أن يصرف به لفظ العقب عمّا هو ظاهر فيه من التجرّد الى ما يوافق الأوّل ، بأن يراد منه ما يقابل صدر القدم من الأصابع والمشط إلى وسط القدم.

وهذا التعليل بعينه موجود في كلام الأصحاب حتى القائلين بالقول الأخير ، فيمكن حمل كلامهم أيضاً على ما حمل عليه النصوص ، وعليه فيرتفع الخلاف. ولعلّه لهذا لم ينقله عنّا أكثر الأصحاب ، بل عامّة من وقفت على كلامهم ، عدا الفاضل في المختلف (١) ، حيث نقل القولين ورجّح الثاني منهما ، وهذا وإن كان صريحاً في اختياره إيّاه ، بحيث لا يحتمل الحمل على ما قدّمناه ، لكنّه شاذّ.

( ولو تكرّرت السرقة من غير حدّ ) يتخلّلها ( كفى حدّ واحد ) إذا أقرّ بها دفعة ، أو شهدت بها البيّنات كذلك ، بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في الخلاف (٢) ، بل عليه في الغنية (٣) الوفاق ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، واختصاص ما دلّ على تعدّد القطع بتعدّد السرقة بصورة تخلّل القطع للأُولى ، لا مطلقاً.

وخصوص الصحيح : في رجل سرق فلم يقدر عليه ، ثم سرق مرّة أُخرى فلم يقدر عليه ، وسرق مرّة أُخرى ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الأُولى والسرقة الأخيرة فقال : « تقطع يده بالسرقة الأُولى ، ولا تقطع‌

__________________

(١) المختلف : ٧٧٨.

(٢) الخلاف ٥ : ٤٤١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.

١٣٥

رجله بالسرقة الأخيرة » فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : « لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأُولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى ، ( ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثم أمسكوا حتى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى ) (١) » (٢).

وظاهره كون القطع للأُولى ، كما في القواعد وعن المقنع والفقيه والكافي للحلبي (٣) واختاره في الغنية مدّعياً عليه إجماع الإمامية (٤) ، وهو حجة أُخرى بعد الرواية ؛ مضافاً إلى ثبوت القطع بها أوّلاً فيكون مستصحباً.

وقيل : للأخيرة ، كما في الشرائع والسرائر والنهاية (٥).

وقيل : كل منهما علّة مستقلّة ، كما اختاره شيخنا في المسالك والروضة (٦).

وحجّة القولين مع عدم وضوحها غير مكافئة لما تقدّم من الأدلّة.

وتظهر الفائدة في عفو المسروق منه.

وظاهر الصحيحة وما قبلها من الأدلّة حتى الإجماع الاكتفاء بالحدّ الواحد أيضاً لو شهدت بيّنة عليه بسرقة ثم شهدت اخرى عليه بأُخرى قبل القطع للأُولى ، وعليه شيخنا في كتابيه.

وقيل : تقطع يده ورجله ؛ لأنّ كل واحدة توجب القطع ، فتقطع اليد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في غير « ن ».

(٢) الكافي ٧ : ٢٢٤ / ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٠٧ / ٤١٨ ، علل الشرائع : ٥٨٢ / ٢٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٣ أبواب حدّ السرقة ب ٩ ح ١.

(٣) القواعد ٢ : ٢٧١ ، المقنع : ١٥٠ ، الفقيه ٤ : ٤٦ ، الكافي في الفقه : ٤١٢.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.

(٥) الشرائع ٤ : ١٧٨ ، السرائر ٣ : ٤٩٣ ، النهاية : ٧١٩.

(٦) المسالك ٢ : ٤٤٧ ، الروضة ٩ : ٢٨٨.

١٣٦

للأُولى والرجل للثانية (١).

وفيه نظر ؛ لعدم دليل على إيجاب كل منهما القطع مطلقا ، بل ما دلّ عليه من النصوص المتقدمة مختصّة بصورة تخلّل القطع بين السرقتين ، كما عرفته ، ولو سلّم فهو مخصّص بما ذكرناه من الأدلّة.

( ومقتضى الصحيحة ثبوت قطع الرجل للثانية إذا شهدت بيّنتها بعد قطع اليد للأولى ببيّنتها ، كما عليه الشيخ في النهاية والخلاف (٢) مدّعيا فيه الوفاق ، وعليه الصدوق وغيره (٣).

خلافا للمبسوط والسرائر والفاضلين في الشرائع والمختلف والتحرير والشهيدين (٤) ، ويعضدهم الأصل المتقدّم ، وبه استدلّ في المسالك والروضة (٥) ، مضافا إلى قيام الشبهة الدارئة ، وأجاب عن الرواية كغيره بضعف الطريق.

وفيه نظر ، لاختصاص الضعف بطريقه في التهذيب ، وإلاّ فهو في الكافي صحيح على الصحيح ، أو حسن كالصحيح على المشهور ، ومع ذلك الضعف في التهذيب بسهل الذي ضعفه سهل عندهم ، فالقول به غير بعيد ، سيّما مع اعتضاده بما مرّ عن الخلاف من الإجماع. لكنّه موهون ـ زيادة على ندرة القائل به ـ برجوعه عنه في المبسوط ، كما صرّح به الحلّي‌

__________________

(١) لم نعثر على قائله.

(٢) النهاية : ٧١٩ ، الخلاف ٥ : ٤٤١.

(٣) المقنع : ١٥٠ ، الوسيلة : ٤١٩ ، ٥٦١ ، الجامع للشرائع : ٥٦١.

(٤) المبسوط ٨ : ٣٨ ، السرائر ٣ : ٤٩٤ ، الشرائع ٤ : ١٧٨ ، المختلف : ٧٧٢ ، التحرير ٢ : ٢٣٢ ، الشهيد الأوّل في غاية المراد ٤ : ٢٦٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٩ : ٢٨٩ ، والمسالك ٢ : ٤٤٧.

(٥) المسالك ٢ : ٤٤٧ ، الروضة ٩ : ٢٨٩.

١٣٧

في السرائر (١) ) (٢).

( ولا يقطع اليسار مع وجود اليمين ) مطلقاً ( ولو كانت شلاّء ، وكذا ) تقطع و ( لو كانت اليسار شلاّء ) أو كانتا شلاّءين ، وفاقاً للأكثر ، بل المشهور كما قيل (٣) ، بل في الغنية والخلاف عليه إجماع الإمامية (٤) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى العمومات ، وخصوص الصحيح : في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق ، فقال : « تقطع يده اليمنى على كل حال » (٥).

وفي آخر وغيره : « أنّ الأشلّ إذا سرق قطعت يمينه على كل حال ، شلاء كانت أو صحيحة » الحديث (٦).

خلافاً للمبسوط والقاضي وابن حمزة والفاضل في المختلف وشيخنا في المسالك (٧) في قطع اليمين الشلاّء ، فقيّدوه بما إذا لم يخف معه التلف على النفس بإخبار أهل العلم بالطبّ أنّها متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتّحة.

ولا يخلو عن قوة ؛ احتياطاً لبقاء النفس ، مضافاً إلى الأصل ، وعدم‌

__________________

(١). السرائر ٣ : ٤٩٤.

(٢). ما بين القوسين ليس في غير « ن ».

(٣) كشف اللثام ٢ : ٤٢٩.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، الخلاف ٥ : ٤٤٣.

(٥) الكافي ٧ : ٢٢٥ / ١٦ ، التهذيب ١٠ : ١٠٨ / ٤١٩ ، الاستبصار ٤ : ٢٤٢ / ٩١٥ ، علل الشرائع : ٥٣٧ / ٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٦ أبواب حدّ السرقة ب ١١ ح ١.

(٦) الفقيه ٤ : ٤٧ / ١٦٠ ، علل الشرائع : ٥٣٧ / ٧ وفيه بتفاوت ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٧ أبواب حدّ السرقة ب ١١ ح ٤.

(٧) المبسوط ٨ : ٣٨ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٤٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٢٠ ، المختلف : ٧٧٧ ، المسالك ٢ : ٤٤٦.

١٣٨

معلومية شمول العمومات لمثل محل الفرض ؛ لاختصاصها بحكم التبادر باليد الصحيحة ، أو الشلاّء التي لا يخاف بقطعها تلف النفس المحترمة ، إذ ليس المقصود بالقطع هنا إتلافها ، وعليه يحمل الصحيحان بتخصيصهما بالشلل المأمون مع قطعه على النفس ، وكذا الكلام في الإجماعين المنقولين ، مع وهن ثانيهما برجوع الناقل له عنه في المبسوط.

وللإسكافي (١) في قطعها مع شلل اليسار فمنعه ، قال : بل يخلد الحبس ؛ للخبر : « إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاّء لم تقطع يمينه ولا رجله » (٢) مع أنّ المعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى يديه.

وهو شاذّ ، ومستنده مع ضعفه قاصر عن المقاومة لما قابلة من الصحيح والإجماع المنقول المعتضد بالشهرة والعموم.

( ولو لم يكن ) له ( يسار قطعت اليمين ) (٣) أيضاً ، وفاقاً للمشهور ؛ للعمومات ، وخصوص عموم الصحيح الأوّل.

خلافاً للإسكافي (٤) أيضاً ، فكشلاّء اليسار ؛ لبعض ما مرّ فيه ، مضافاً إلى خصوص الصحيح : لو أنّ رجلاً قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ فقال : « لا يقطع ولا يترك بغير ساق » (٥).

وأُجيب عنه بالحمل على إظهاره التوبة ، وهو بعيد بلا شبهة ، إلاّ أن‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٧٧.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٠٨ / ٤٢٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٢ / ٩١٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٦ أبواب حدّ السرقة ب ١١ ح ٢.

(٣) في المختصر المطبوع : قطع اليمنى ، ولعلّه هو الأنسب.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٧٧.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٠٨ / ٤٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٢ / ٩١٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٧ أبواب حدّ السرقة ب ١١ ح ٣.

١٣٩

يقال : لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.

وإلى هذه الرواية أشار بقوله : ( وفي الرواية أنّه لا يقطع).

( وقال الشيخ في النهاية : ولو لم يكن ) له ( يسار قطعت رجله اليسرى ، ولو لم يكن له رجل ) يسرى ( لم يكن عليه أكثر من الحبس ) (١).

وحجته غير واضحة عدا وجه الحكمة المتقدّمة سنداً للإسكافي ، وهو مع ضعفه وعدم مقاومته لأدلّة المشهور مقتضاه عدم قطع اليسار ، لا قطع الرجل كما ذكره ، أو التخليد في الحبس كما عليه الإسكافي ، فهو أعمّ منهما ، ولا دليل على التعيين إلاّ بعض الوجوه القياسية التي لا تصلح لإثبات الأحكام الشرعية.

مع أنّه يحتمل على قولهما بعدم قطع اليسار ثبوت التعزير ، كما هو الأصل في ارتكاب كل محرّم لم يرد فيه نصّ بالخصوص.

وممّا ذكرنا يظهر ما في قول الماتن :

( وفي الكل ) أي كلّ من العمل بالرواية وما في النهاية ( تردّد ) إذ لا وجه له بالإضافة إلى ما في النهاية كما عرفته ، بل بالإضافة إلى الرواية أيضاً ، إلاّ أنّ احتماله بالإضافة إليها أقرب (٢) ؛ لصحتها ، ووجود قائل بها ، ومناسبتها لوجه الحكمة ، وإن كان جميع ذلك لا يعارض أدلّة الأكثر.

ولو لم يكن له يمين فهل يقطع اليسار ، أم ينتقل إلى الرجل؟ ثم مع فقدهما هل يحبس ، أم لا ، بل يعزّر؟ وجوه وأقوال ، أحوطها الاكتفاء بالتعزير.

__________________

(١) النهاية : ٧١٧.

(٢) في « س » : أقوى.

١٤٠