رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

٥
٦

( كتاب الزكاة )

وهي لغةً : الزيادة والنموّ والطهارة ، وشرعاً : حقّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب ، قاله في المعتبر (١).

ونقض طرداً بخمس الكنز والغوص ، وعكساً بالصدقة المندوبة.

فالأجود أن يقال : إنها صدقة راجحة مقدّرة بأصل الشرع ابتداءً ؛ وقريب منه ما ذكره الشهيد رحمه‌الله من أنّها صدقة متعلّقة بنصاب بالأصالة (٢) ، هذا ، والأمر في هذه التعاريف هيّن.

ووجوبها ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأُمّة ، والنصوص في فضلها وعقاب تاركها متواترة بل لا تكاد تحصى.

( وهي قسمان )

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٨٥.

(٢) كما في الدروس ١ : ٢٢٨.

٧

( الأول زكاة الأموال )

( وأركانها أربعة ).

( الأوّل : من تجب عليه ، وهو : كلّ بالغٍ عاقلٍ حرّ مالكٍ للنصاب متمكّنٍ من التصرف ) فهذه شروط خمسة.

( و ) تفصيل الكلام فيها : أنّ ( البلوغ يعتبر ) في وجوبها ( في الذهب والفضّة إجماعاً ) منّا ظاهراً ، وحكاه جماعة مستفيضاً (١) ، ولحديث رفع القلم (٢) ، مضافاً إلى الأصل والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة : « ليس في مال اليتيم زكاة » (٣) وخصوص ما سيأتي فحوًى بل صريحاً في بعضه.

( نعم ، لو اتّجر مَن إليه النظر ) في مال الطفل أي وليّه الشرعي ( أخرجها ) عنه ( استحباباً ) على الأشهر الأقوى ، بل في المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام وظاهر الغنية (٤) كما حكى : أنّ عليه إجماع علمائنا ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما : « ليس على مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به » (٥).

وظاهرها وإن أفاد الوجوب كما هو ظاهر المقنعة (٦) ، إلاّ أنّه محمول‌

__________________

(١) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ١٤٠ ، والعلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٢٩٨ ، والمنتهى ١ : ٤٧١ ، والشهيد الأوّل في البيان : ٢٧٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٢.

(٢) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١ ، وقد رواه في عوالي اللآلي ١ : ٢٠٩ / ٤٨ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠.

(٣) الوسائل ٩ : ٨٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٨٧ ، المنتهى ١ : ٤٧٢ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٩٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩.

(٥) الوسائل ٩ : ٨٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢.

(٦) المقنعة : ١٣٨.

٨

على الاستحباب ؛ لما سيأتي في زكاة التجارة من عدم وجوبها على البالغ (١) ، فهنا أولى ، كما صرح به في التهذيب (٢) مُؤَوّلاً به عبارة المقنعة ، واستحسنه جماعة (٣).

خلافاً للحلّي ، فلا يستحبّ أيضاً (٤) ، ومال إليه بعض المتأخّرين (٥) ، وهو أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ، لاعتبار سند الروايات في أنفسها وإن ادّعي قصورها مضافاً إلى اعتضادها بشهرة الفتوى بها ، ودعوى الإجماع عليه كما مضى.

وليس فيها قصور دلالة كما ادّعاه أيضاً إلاّ من جهة ظهورها في الوجوب بلفظة في بعضها ، وما في معناه من نحو لفظة « على ». وقد عرفت الذبّ عنها بالحمل على تأكّد الاستحباب لما سيأتي في زكاة التجارة (٦). إلاّ أنّ المستفاد من بعض النصوص النافية لوجوبها ثمّة أن حكمهم عليهم‌السلام بوجوبها في هذه النصوص وأمثالها للتقيّة ، فلم يبق دليل للاستحباب إلاّ الإجماع المنقول مع الشهرة العظيمة بين الأصحاب ، وهو كافٍ في إثباته. هذا إذا اتّجر الوليّ للطفل إرفاقاً له.

( ولو ضمن الولي ) ماله ، بأن نقله إلى ملكه بناقل شرعي كالقرض ونحوه ( واتّجر لنفسه كان الربح له إن كان مليّاً ) بحيث يقدر على أداء‌

__________________

(١) انظر ص ٢٢٩٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧.

(٣) منهم الشهيد الأوّل في البيان : ٢٧٧ ، صاحب المدارك ٥ : ١٨ ، السبزواري في الذخيرة : ٤٢١.

(٤) السرائر ١ : ٤٤١.

(٥) كصاحب المدارك ٥ : ١٨.

(٦) انظر ٢٢٩٢ ، ٢٣٥٠ ، ٢٣٥١.

٩

المال المضمون من ماله لو تلف بحسب حاله ( وعليه الزكاة استحباباً ) بلا خلاف أجده إلاّ من المنتهى (١) ، فقد نَسَب ما في العبارة إلى الشيخ خاصّة من غير اعترافٍ به ولا ردّ له ، مشعراً بنوع تردّدٍ له فيه. ولم أعرف وجهه ولا متعلّقه ، أهو استحباب الزكاة وهو يقول به في التجارة على الإطلاق؟ أو استحقاق الربح ولا يمكن التأمّل فيه بعد جواز ضمانه الموجب له ، الثابت بلا خلاف إلاّ من الحلّي (٢) ، وهو نادر؟

مضافاً إلى الخبر المنجبر قصوره أو ضعفه بالعمل : عن مال اليتيم يعمل به ، فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال » (٣).

وقريب منه الصحيح : في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر فالربح لليتيم وهو ضامن » (٤) ونحوه غيره (٥) ، فتدبّر.

وهذه النصوص هي الحجة في اعتبار الملاءة ، وإطلاقها كالعبارة ونحوها مما وقفت عليه من عبائر الفقهاء هنا يقتضي عدم الفرق في الولي‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٧٢.

(٢) كما في السرائر ١ : ٤٤١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٩ ، الوسائل ٩ : ٨٩ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢ ح ٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٧ أبواب ما يكتسب به ب ٧٥ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٥ : ١٣١ / ١ و ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ / ٩٥٤ و ٩٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٧ و ٢٥٨ أبواب ما يكتسب به ب ٧٥ ح ١ و ٤.

١٠

بين الأب والجدّ له وسائر الأولياء.

خلافاً للمحكي عن المتأخّرين كافّة في كلام جماعة (١) حدّ الاستفاضة ، فقيّدوه بمن عدا الأوّلين.

واستشكله بعضهم (٢) ؛ ولعلّه لعدم وضوح المقيّد من النصّ إلاّ ما قيل (٣) من أنه ما ورد من أن الولد وماله لأبيه (٤). وفي صلوحه للتقييد نظر ، نعم يصلح للتأييد بعد وجود الدليل وليس إلاّ أن يكون إجماعاً ، كما يفهم من المقدس الأردبيلي حيث قال : وكأنه لا خلاف فيه على ما يظهر (٥).

ولا ريب أنّ اعتبار الملاءة مطلقاً أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر لما مرّ ، سيّما مع تأيّده بضعف الإطلاق بقوّة احتمال اختصاصه بحكم التبادر والسياق بغير الأب ، فيرجع إلى عموم ما دلّ على ثبوت الولاية لهما على الإطلاق.

( ولو لم يكن مليّاً ولا وليّاً ضمن ) مال الطفل مع التلف بمثله أو قيمته بلا خلاف إلاّ من الحلّي (٦) ، وهو نادر ؛ مضافاً إلى الأُصول وما مرّ من النصوص ، وإن اختصّت بصورة عدم الملاءة ، إذ لا فرق في سبب الضمان بينه وبين عدم الولاية ، فإنّ كلاّ منهما موجب له بمقتضى عموم القاعدة ، مع‌

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٥ : ١٩ ، والذخيرة : ٤٢٢ ، وخالي المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول ١٦ : ٧٣ ، وغيرهم. منه رحمه‌الله.

(٢) كصاحب المدارك ٥ : ١٩.

(٣) قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٤ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٢٥.

(٤) الكافي ٥ : ١٣٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦١ ، الإستبصار ٣ : ٤٨ / ١٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٦٢ أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ١.

(٥) مجمع الفائدة ٤ : ١٤.

(٦) السرائر ١ : ٤٤١.

١١

عدم القائل بالفرق بينهما بين الطائفة ، مضافاً إلى الأولوية (١).

( ولا زكاة ) هنا على العامل قطعاً ؛ للأصل ، والموثق : الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به ، أيضمنه؟ قال : « نعم » قلت : فعليه الزكاة؟ قال : « لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة » (٢).

ولا على اليتيم على الأقوى ، وفاقاً للفاضلين (٣) ؛ للأصل ، مع فقد ما يدلّ على الاستحباب هنا عدا إطلاق الأخبار المتقدمة ونحوها. وفي انصرافه إلى مفروض المسألة مناقشة ، لاختصاصها بحكم التبادر بصورة كون الاتّجار لليتيم لا غيره ، كما فيما نحن فيه.

هذا مع ما عرفت من قوّة احتمال ورودها للتقية ، وانحصار دليل استحباب الزكاة في الإجماع وهو مفقود في محل النزاع.

خلافاً لجماعة (٤) فيستحب ، للعموم ، وقد عرفت أنّه ممنوع.

( و ) أطلق الماتن وكثير أن ( الربح لليتيم ) لإطلاق ما مرّ من النصوص. وقيّده جماعة (٥) بصورة وقوع الشراء بالعين وكون المشتري وليّاً أو من أجازه ، وإلاّ كان الشراء باطلاً من أصله. وزاد بعضهم (٦) فاشترط‌

__________________

(١) فإنّ عدم الملاءة إذا أوجب الضمان مع الولاية فلأن يوجب الضمان عدم الولاية بطريق أولى. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨ / ٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠ / ٨٧ ، الوسائل ٩ : ٨٨ أبواب ما تجب عليه الزكاة ب ٢ ح ٥.

(٣) المحقق في الشرائع ١ : ١٤٠ ، والمعتبر ٢ : ٤٨٧ ، العلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٣٠٠ ، والتذكرة : ٢٠١ ، والتحرير : ٥٧ ، والقواعد : ٥١.

(٤) منهم : الشهيد ان في الدروس ١ : ٢٢٩ ، والبيان : ٢٧٧ ، والروضة ٢ : ١٢ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٠.

(٥) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٢٢.

(٦) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٠.

١٢

الغبطة.

وآخَر فقال : بل لا يبعد توقف الشراء على الإجازة (١) في صورة شراء الولي أيضاً ، لأن الشراء لم يقع للطفل ابتداءً وإنما أوقعه المتصرّف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة ، قال : ومع ذلك فيمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد وإن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة ، لأنّه لم يقع للطفل ابتداءً مِن غير مَن إليه النظر في ماله ، وإنّما وقع التصرف على وجه منهيّ عنه (٢). وقيل : ولما ذكره وجه ، إلاّ أنّه يدفعه ظاهر النصّ (٣). انتهى. وهو حسن.

( وفي وجوب الزكاة في غلاّت الطفل روايتان ، أحوطهما ) ما دلّ على ( الوجوب ) بلفظه ، وهو صحيح (٤) ، وعليه الشيخان وأتباعهما كما في المعتبر والمنتهى (٥) ، وفي الناصرية : أنه مذهب أكثر أصحابنا (٦).

وظاهر العبارة التردّد ؛ ولعلّه لذلك ، وللأصل مع اختصاص ما دلّ على الوجوب من العمومات كتاباً وسنّةً بالبالغ ، لأنّه تكليف وليس الطفل من أهله ؛ مضافاً إلى الرواية الثانية : « ليس على جميع غلاّته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك ، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على‌

__________________

(١) أي : من الطفل بعد بلوغه. منه رحمه‌الله.

(٢) انظر المدارك ٥ : ٢٠.

(٣) الذخيرة : ٤٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٣١ / ٩٠ ، الوسائل ٩ : ٨٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٨٧ ، المنتهى ١ : ٤٧٢.

(٦) الجوامع الفقهية : ٢٠٥.

١٣

غيره من الناس » (١).

وهي موثّقة ، ومع ذلك معتضدة بالأصل ، وعموم رفع القلم ، وخصوص ما استفاض من الصحاح وغيرها بنفي الزكاة عن مال اليتيم على الإطلاق (٢) ، مع دلالة بعضها على تلازم وجوب الصلاة والزكاة نفياً وإثباتاً (٣).

فهذه الرواية أولى ، وعليها جملة من أعاظم القدماء (٤) ، وتبعهم المتأخّرون كافة على الظاهر المصرّح به في المدارك (٥) ، وعزاها في التحرير إلى أكثر علمائنا (٦) ، وادّعى شهرتها غير واحد (٧).

وبالجملة : فهذه الرواية أرجح من الاولى وإن كانت صحيحةً ، سيّما وقد عُزي القول بمضمونها في المنتهى إلى الجمهور كافة (٨) ، فيتّجه حملها على التقيّة ، أو تأكّد الاستحباب ، لعدم خلاف فيه ، بل تأمّل جماعة (٩) في دلالتها على الوجوب ، وإن تضمّنت لفظه مع لفظة « على » ، لكثرة استعمالها في الاستحباب المؤكّد. وفيه نظر ، نعم هي موجبة لوهن الدلالة بالإضافة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩ / ٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٣١ / ٩١ ، الوسائل ٩ : ٨٦ أبواب ما تجب عليه الزكاة ب ١ ح ١١.

(٢) الوسائل ٩ : ٨٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٨٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٥.

(٤) منهم : الشيخ الصدوق في المقنع : ٥١ ، وابن أبي عقيل حكاه عنه في المختلف : ١٧٢ ، وابن الجنيد حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٤٨٨.

(٥) المدارك ٥ : ٢٢.

(٦) التحرير ١ : ٥٧.

(٧) كالسبزواري في الكفاية : ٣٤.

(٨) المنتهى ١ : ٤٧٢.

(٩) منهم : صاحب المدارك ٥ : ٢٢ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ١٩٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٢١.

١٤

إلى الموثق ، ولا ريب أنّه أصرح ، فيترجّح أيضاً من هذا الوجه.

وربما يرجّح الصحيحة باعتضادها بإطلاق ما دلّ على أنّ الصدقة في أربعة : في التمر والزبيب والشعير والحنطة (١).

ويضعّف : بوروده لبيان حكم آخر غير محلّ الفرض ، وهو يوهن دلالته بالإضافة إليه كما قرّر في محله. مع أنّه على تقدير تسليمه معارض بما مرّ من النصوص على أنه ليس في مال اليتيم زكاة ، لأنّه أصرح دلالة.

( و ) من هنا يظهر أنه لا وجه لما ( قيل ) من أن الزكاة ( تجب في مواشيهم ) أيضاً (٢) لضعف الإطلاق الدالّ على وجوبها بما عرفته هنا ، واختصاص الصحيح الموجب لها في الغلاّت بها ، ولذا لم يحتَط الماتن هنا بالوجوب. ( و ) قطع بأنّه ( ليس بمعتمد ) ونحوه غيره من جملة من المتأخّرين عنه (٣).

لكن ظاهر مَن عداهم من الأصحاب الموجبين والمستحبّين عدم الفرق بين المسألتين ، حتى أنّ ابن حمزة الذي هو أحد الموجبين ادّعى الإجماع منهم عليه ، كما حكاه في الإيضاح (٤). فينبغي الاحتياط هنا أيضاً ؛ للإجماع المنقول ، كما احتيط للصحيح سابقاً ، سيّما مع تأيّد الإجماع بعدم الخلاف إلاّ من نحو الماتن ممّن هو معلوم النسب ، الذين لا يضرّ خروجهم قطعاً ، مضافاً إلى بُعد الفرق اعتباراً.

( ولا تجب في مال المجنون صامتاً ) أي نقداً ( كان أو غيره ) من‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٧٥ أبواب زكاة الغلات ب ١.

(٢) القائل : المفيد في المقنعة : ٢٣٨ ، والشيخ في النهاية : ١٧٤.

(٣) كصاحب المدارك ٥ : ٢٢.

(٤) الإيضاح ١ : ١٦٧.

١٥

الغلاّت والمواشي ، وفاقاً لكلّ من مرّ.

( وقيل : حكمه حكم الطفل ) فتجب في غلاّته ومواشيه أيضاً.

والقائل جميع من قال به فيه (١) ، عدا ابن حمزة فلم ينقل عنه الحكم هنا بشي‌ء أصلاً.

( والأوّل أصح ) وإن كان الوجوب أحوط ، وإن لم يقم هنا عليه دليل صالح عدا الإطلاق والصحيح المتقدم ، المضعَّفين بما مضى ؛ وذلك لظهور عدم الفرق بين الطفل والمجنون فتوًى ، حتى من المستحبّين ، عدا الماتن وبعض من تأخّر عنه (٢). مع أنّه لم يظهر منه نفي الاستحباب صريحاً هنا ولا سابقاً ، وإنّما نفى الوجوب خاصّة ، مع تأيّده بالاعتبار والاستقراء ، لاشتراكهما في الأحكام غالباً ومنها استحباب إخراج الزكاة من مالهما إذا اتّجر به ، ففي الصحيح : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة مختلطة عليها زكاة؟

فقال : « إن كان عُمِل به فعليها زكاة ، وإن لم يُعمَل به فلا » (٣) ونحوه غيره (٤).

واعلم : أن الزكاة إنّما تسقط عن المجنون المطبق ، أما ذو الأدوار ففي تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة ، أم العدم إلاّ أن يحول الحول حالتها قولان.

أجودهما الثاني ، وفاقاً للتذكرة والنهاية (٥) ؛ للأصل ، مع اختصاص ما‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٢٧٨.

(٢) انظر المدارك ٥ : ٢٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٥ ، الوسائل ٩ : ٩٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٦ ، الوسائل ٩ : ٩٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٣ ح ٢.

(٥) التذكرة ١ : ٢٠١ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٠٠.

١٦

دلّ على اعتبار الحول بمن يكون المال عنده طُولَه بحيث يتمكن من التصرف فيه ، كما هو المتبادر من إطلاقه ، والمجنون للحجر عليه غير متمكّن منه اتّفاقاً.

ومن هنا يظهر عدم وجوبها على الطفل أيضاً إلاّ بعد حَوْل الحَول بعد بلوغه ، مضافاً إلى عموم الموثق السابق (١) : « وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة » وهو عامّ لما حال عليه أحوال عديدة أو حول عدا أيّام قليلة.

وأما قوله بعد ذلك : « ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك » فإن جُعل معطوفاً على الجزاء كما هو الظاهر فلا بُدّ من حمل الإدراك على غير البلوغ لينتظم الكلام ، فيكون المعنى : أنّه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أوّلاً حتى يدرك الحول ، فإذا أدركه وجبت عليه.

وإن جُعل جملة مستقلّة مع بعده يكون المعنى : أنّه ليس عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال عليه الحول حتى يحول وهو مدرك بالغ ، فإذا حال عليه وهو كذلك وجبت عليه زكاة واحدة ، فتدبّر.

ومحصّل الكلام اعتبار الشرطين طول الحول ؛ خلافاً لبعض المتأخّرين (٢) ، فاكتفى بحصولهما بعده ، لمستند قد عرفت وهنه.

( والحرّية معتبرة في ) جميع ( الأجناس ) (٣) بلا خلاف فيه من هذا الوجه (٤) وإن كان يظهر من المعتبر والمنتهى (٥) وقوعه في أصل‌

__________________

(١) في ص : ٢٢٧٨.

(٢) انظر الذخيرة : ٤٢١.

(٣) في النافع زيادة : كلّها.

(٤) أي : وجه تعميم الاشتراط إلى جميع الأجناس. منه رحمه‌الله.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٨٩ ، المنتهى ١ : ٤٧٣.

١٧

اعتبارها ، بناءً على الاختلاف في تملّك العبد شيئاً أم لا. وصرّحا بالعدم (١) على الأوّل ، مع أنّه صرّح في المنتهى أخيراً باعتبارها عليه أيضاً ، معلِّلاً له بنقص ملكه وتزلزله (٢) ، كما صرّح به أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (٣).

وعليه فيتوجّه اعتبارها مطلقاً ، كما يشهد به الأُصول ، وإطلاق ما ورد في نفي وجوب الزكاة على العبد من النصوص ، وفيها الصحيح وغيره (٤) ، وعليه الإجماع في الخلاف وعن التذكرة (٥). ولذا أنّ جملة من متأخّري المتأخّرين (٦) مع قولهم بأنّ العبد يملك في الجملة أو مطلقاً ، نفوا عنه وجوبها مطلقاً ، معلِّلين بإطلاقها.

هذا ، مع أن المختار أنّه لا يملك مطلقاً ، ويتفرّع عليه وجوب الزكاة على السيّد ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، ومنهم الفاضل في المنتهى قال : وعلى غيره لا يجب على العبد لما مرّ ، ولا على السيّد لأن المال لغيره (٧).

وربما يتوهّم تأيّد هذا القول بالصحيح : قلت له : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فعلى سيّده؟ فقال : « لا ، إنّه لم يَصل إلى السيّد وليس هو للمملوك » (٨) مع أنّه بطرف الضدّ من التأييد ، للتصريح‌

__________________

(١) أي : عدم اعتبار الحرية. منه رحمه‌الله.

(٢) المنتهى ١ : ٤٧٣.

(٣) كما في الروضة ٢ : ١٢.

(٤) الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤.

(٥) الخلاف ٢ : ٤٣ ، التذكرة ١ : ٢٠١.

(٦) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٦ ١٩ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٤ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٩٤.

(٧) المنتهى ١ : ٤٧٣.

(٨) الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٣ ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٤.

١٨

فيه بعدم مالكيّة العبد لما في يده ، وأنّه ليس له ، ونفي الزكاة من السيّد لا ينافي ملكه ، بل يحتمل استناده إلى عدم تمكّن السيّد من التصرّف فيه بجهله به مثلاً ، كما يومئ به التعليل بأنّه لم يَصل إلى السيّد ، والتعليل به دون عدم تملّك السيّد أو تزلزله ظاهر في تملّك السيّد لما في يد عبده ، سيّما مع تعليل الحكم من جهة العبد بعدم ملكه.

ولا فرق بين القنّ والمدبّر وأُمّ الولد والمكاتب الذي لم يتحرّر منه شي‌ء ، أمّا من تبعّضت رقّيته فتجب في نصيب الحرّية بشرطه.

وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو كان العبد مأذوناً من سيّده في التصرف في ماله أم لا. ويُحكى قول بتقييده بالثاني (١) ، لزعم استناده إلى الحجر ، وبالإذن يرتفع. وهو ضعيف لما مرّ.

نعم ، في الخبر المروي عن قرب الإسناد : « ليس على المملوك زكاة إلاّ بإذن مواليه » (٢) لكنّه قاصر السند ، بل والدلالة ، لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد ، لا التصرّف في المال الموجب لتعلّق الزكاة على العبد كما توهّم.

( وكذا التمكن من التصرف ) معتبر فيها عند علمائنا أجمع ، كما عن التذكرة وقريب منه في المنتهى (٣) ، وفي الغنية الإجماع عليه صريحاً (٤) ، وكذا في الخلاف لكن في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة ، ولم ينقله على القاعدة كليةً (٥) ، ولكنّ الظاهر أن ذكره لتلك الأفراد‌

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢٨.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٨ / ٨٩٣ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٢.

(٣) التذكرة ١ : ٢٠١ ، المنتهى ١ : ٤٧٥.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٣١.

١٩

للتمثيل لا للحصر ، كم يفهم منه في موضع آخر (١).

وكيف كان ( فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه ) ولا وكيله ( متمكّناً منه ) إجماعاً ، كما عرفته ؛ وللمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.

( و ) جملة منها صريحة في أنه ( لو عاد ) المال إليه وتمكّن من التصرّف ( اعتبر ) حَوْل ( الحول بعد عوده ) إليه وتمكّنه منه ، ففي الصحيح : الرجل يكون له الوديعة والدَّين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما ، متى تجب عليه الزكاة؟ قال : « إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكّي » (٢).

ونحوه الموثّق وغيره : « لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (٣) كما في الأوّل ، أو « وهو عنده » (٤) كما في الثاني.

وقريب منها النصوص الدالّة على أنّه لا شي‌ء فيما لم يحُل عليه الحول عند ربّه (٥). وعليها يحمل إطلاق نحو الصحيح : « لا صدقة على الدَّين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (٦).

( ولو مضت عليه ) أي على المال الغائب حين ما هو غائب‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١١١ ، حيث قال : لا خلاف بين الطائفة أن زكاة القرض على المستقرض دون القارض ، وأن مال الغائب إذا لم يتمكن منه لم تلزمه زكاته ، والرهن لا يتمكن منه ، فتدبّر. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨٠ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٧٩ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٧ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٩ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٣.

(٥) الوسائل ٩ : ١٢١ أبواب زكاة الأنعام ب ٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٨ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٦.

٢٠