رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

منهما أن الآخر قصد القتل أمكن أن يقال بالقسامة وإلزام القاتل القود (١) ، انتهى.

وبه قطع الحلّي (٢) ، ولا بأس به إن بلغت التهمة اللوث المعتبر في القسامة.

ثم إنّ ظاهر النصّ والفتوى والأُصول أنّ عليه دية شبيه العمد ، خلافاً للمفيد (٣) ، فجعلها مغلظة ، وحجته غير واضحة.

( و ) قال الشيخ ( في النهاية ) وعن الجامع (٤) أنه ( إن كانا مأمونين فلا ضمان ) عليهما ؛ للمرسل : عن رجل أعنف على امرأة أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر؟ قال : « لا شي‌ء عليهما إذا كانا مأمونين ، فإن كانا متّهمين أُلزما (٥) اليمين بالله أنّهما لم يريدا القتل » (٦).

( وفي ) هذه ( الرواية ) كما ترى ( ضعف ) بالإرسال ، والمخالفة للأُصول ، وخصوص ما مرّ من النصوص ، مع أنّها عامّة لا تصريح فيها بنفي الدية ، فيحتمل الحمل على نفي القود والمؤاخذة خاصّة حمل المطلق على المقيّد ، ويحمل اليمين فيها مع التهمة على يمين القسامة إثباتاً للقود دون الدية ، وفيها الدلالة حينئذٍ على ما حكم الماتن بإمكانه وقطع به الحلّي من‌

__________________

(١) نكت النهاية ٣ : ٤١٣.

(٢) السرائر ٣ : ٣٦٦.

(٣) المقنعة : ٧٤٧.

(٤) النهاية : ٧٥٨ ، انظر الجامع للشرائع : ٥٨٣.

(٥) في « ح » و « س » و « ن » : الزمتهما ، وفي « ب » : ألزمهما ، والأنسب ما أثبتناه من الكافي والوسائل.

(٦) الكافي ٧ : ٣٧٤ / ١٢ ، الفقيه ٤ : ٨٢ / ٢٦٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٩ / ٨٢٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٩ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٠ أبواب موجبات الضمان ب ٣١ ح ٤.

٣٨١

ثبوت القسامة هنا مع التهمة.

وبهذا الجمع صرّح الشيخ في التهذيب والاستبصار اللذين هما بعد النهاية.

( ولو حمل إنسان ) (١) ( على رأسه متاعاً فكسره ، أو أصاب به إنساناً ) أو غيره فقتله أو جرحه ( ضمن ذلك في ماله ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير والقواعد والإرشاد واللمعة (٢) ، لكن في الجناية على الإنسان خاصة ، وعن النهاية والمهذّب وفي السرائر (٣) ، لكن في ضمان المتاع خاصّة ، ومع ذلك قالوا : إلاّ أن يدفعه غيره ، فضمانه عليه.

والأصل في المسألة رواية داود بن سرحان الثقة ، المروية بعدّة طرق ، وفيها الصحيح وغيره : في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فمات أو انكسر منه ، فقال : « هو ضامن » (٤).

وردّها في المسالك بأنّ في طريقها سهل بن زياد ، وهو ضعيف ، وهي بإطلاقها مخالفة للقواعد ؛ لأنّه إنّما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى فعله وخطائه في القصد ، فلو لم يقصد الفعل كان خطأً محضاً ، كما تقرّر ، وأمّا المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أميناً عليه كغيره من الأموال (٥) ، انتهى.

وفيه نظر ؛ لعدم الضعف إلاّ بالطريق المروي في الكافي والتهذيب‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : إنسان.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٤٩ ، التحرير ٢ : ٢٦٢ ، القواعد ٢ : ٣١٣ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٣ ، اللمعة ( الروضة البهية ١٠ ) : ١١٢.

(٣) النهاية : ٧٥٩ ، المهذّب ٢ : ٤٩٥ ، السرائر ٣ : ٣٦٨.

(٤) الكافي ٧ : ٣٥٠ / ٥ ، الفقيه ٤ : ٨٢ / ٢٦٣ ، وفيه : هو مأمون. التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٤ أبواب موجبات الضمان ب ١٠ ح ١.

(٥) المسالك ٢ : ٤٩٠.

٣٨٢

في باب ضمان النفوس ، وأمّا الطريق الآخر المروي في الأخير والفقيه (١) في كتاب الإجارات منهما فليس بضعيف ، بل صحيح ، ومع ذلك الضعف بسهل سهل ، سيّما بعد الانجبار بعمل الأصحاب (٢) ، كما يظهر منه في الروضة ، حيث إنّه بعد ما استشكل في إطلاق الحكم بمخالفة القاعدة بنحو ما في المسالك قد ذكره قال : إلاّ أنّهم أطلقوا الحكم هنا (٣).

ومن هنا ينقدح الجواب عنها بمخالفتها القاعدة ؛ إذ هي لا توجب قدحاً في الرواية المعمولة ، بل سبيلها كسبيل الروايات المخصّص بها القاعدة.

نعم لو لا صحة السند وعمل الأصحاب لاتّجه ما ذكره ، ولكنّهما يصححان ما في العبارة ، بل لعلّ الصحة مع فتوى جماعة أيضاً كافية.

ولقد أيّد المختار بعض الأجلة مع زعمه ضعف الرواية ، ومخالفتها القاعدة ، فقال بعد تضعيفها بهما ـ : إلاّ أنّه قد يقال : إنّه من الأسباب ، وإنّه غير معلوم دخوله في الخطأ ؛ لما مرّ من تفسيره في الروايات وسيأتي أيضاً ، وتضمين شخص بجناية غيره خلاف القواعد العقلية والنقلية ، فلا يصار إليه إلاّ في المجمع عليه والمتيقن (٤).

أقول : وفيما ذكره أخيراً نظر واضح لا يحتاج وجهه إلى بيان ، وإن استسلفه واعتمد عليه في غير مقام ، هذا.

ويؤيّد المختار في ضمان المتاع على الإطلاق الخبر : أنّه اتي بحمّال‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٦٣ / ٧١٩ ، التهذيب ٧ : ٢٢٢ / ٩٧٣ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٤ أبواب موجبات الضمان ب ١٠ ذيل الحديث ١.

(٢) في « ن » زيادة : كافة.

(٣) الروضة ١٠ : ١١٤.

(٤) مجمع الفائدة ١٤ : ٢٣٤.

٣٨٣

كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه ، وكان عليه‌السلام يقول : « كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن » فسألته من المشترك : فقال : « الذي يعمل لي ولك ولذا » (١) ونحوه آخر (٢) ، منجبر ضعف سندهما بالعمل.

وأمّا الصحيح : في الحمّال (٣) يكسر الذي حمل أو يهريقه ، قال : « إن كان مأموناً فليس عليه شي‌ء ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن » (٤).

فشاذّ غير معلوم العامل ، والتفصيل بالتفريط وعدمه غير مذكور فيه ، وحمل التفصيل فيه عليه ليس بأولى من حمله على ما إذا ادّعى كسر الحمل من دون علم صاحبه به ، ويكون المراد حينئذٍ أنّه يستحب أن لا يكلّفه البينة إذا كان مأموناً ، وإلاّ فهو ضامن ، ويكون حينئذٍ سبيله كسبيل كثير من الأخبار الدالّة على هذا التفصيل ، هذا.

وعن المرتضى (٥) دعوى الإجماع على ضمان الأجير ما يتلف في يده ولو بغير سببه ، وتمام الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب الإجارة.

( وفي رواية ) النوفلي عن ( السكوني أنّ عليّاً عليه‌السلام ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام ) (٦) ( ، وهي ) وإن قصر سندها بهما إلاّ أنّها ( مناسبة للمذهب ) وإن حملت على غير (٧) صورة التفريط ؛ لما مرّ في ضمان الطبيب دية‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٢٢ / ٩٧٦ ، الوسائل ١٩ : ١٥٢ كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ١٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٦١ / ٧٠٧ ، الوسائل ١٩ : ١٥٣ كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ١٦.

(٣) في « ن » والكافي والوسائل : الجمّال ..

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٤ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٦٣ / ٧١٥ ، التهذيب ٧ : ٢١٦ / ٩٤٤ ، الوسائل ١٩ : ١٥٠ كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ٧.

(٥) حكاه عنه في المسالك ١ : ٣٣٠ ، وهو في الانتصار : ٢٢٥.

(٦) التهذيب ١٠ : ٢٣٤ / ٩٢٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٠ أبواب موجبات الضمان ب ٢٤ ح ٢.

(٧) ليست في « ب ».

٣٨٤

ما يجنيه في ماله.

( ولو وقع إنسان من علوّ على آخر فقتله ) (١) أو جرحه ( فإن قصد ) الوقوع عليه ( وكان ) ممّا ( يقتل غالبا ) أو نادراً لكن مع قصده القتل أيضاً ( قتل به ) لأنه عمد يوجب القود ( وإن لم يقصد ) القتل مع الندرة ، بل قصد الوقوع عليه خاصّة فاتفق موته ( فهو شبيه عمد يضمن الدية ) في ماله ، وإن قصد الوقوع لكن لا عليه فصادفه فهو خطأ محض ديته على العاقلة.

( وإن دفعه الهواء أو زلق ) فوقع عليه بغير اختيار منه ولا قصد للوقوع ( فلا ضمان ) عليه ، ولا على عاقلته ؛ لعدم استناد القتل إلى فعله ، بل إلى أمر خارجي ، وليس هو كالنائم المنقلب على غيره ؛ لحصول الجناية فيه بفعله ولو من غير اختياره ، بخلاف ما نحن فيه ؛ لحصولها بفعل غيره ولو بواسطته ، هذا.

مضافاً إلى النصوص ، منها الصحيح : في رجل يسقط على الرجل فيقتله ، فقال : « لا شي‌ء عليه » (٢).

والصحيح : عن رجل وقع على رجل فقتله؟ فقال : « ليس عليه شي‌ء » (٣).

والخبر : عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما؟

فقال : « ليس على الأعلى شي‌ء ، ولا على الأسفل شي‌ء » (٤).

__________________

(١) في المطبوع من المختصر النافع : ولو وقع على إنسان من علو فقتل.

(٢) الفقيه ٤ : ٧٥ / ٢٣٠ ، التهذيب ١٠ : ٢١٢ / ٨٣٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٨٠ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٩ : ٥٦ أبواب القصاص في النفس ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨٨ / ١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٨ أبواب موجبات الضمان ب ٥ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨٩ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢١١ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢٩ : ٥٧ أبواب القصاص في النفس ب ٢٠ ح ٣.

٣٨٥

قيل (١) : ويحتمل أن يكون كمن انقلب على غيره في النوم فقتله في وجوب الدية عليه أو على عاقلته ، وأن يكون كقتيل الزحام في وجوبها في بيت المال كما في السرائر والتحرير (٢) ؛ لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم.

والاحتمال الأوّل لما عرفت بعيد ، والثاني ليس بذلك البعيد وإن نافته ظواهر النصوص المتقدمة الواردة في مقام الحاجة ، فلو وجبت الدية على بيت المال لبيّنته ، فتأمّل.

مضافاً إلى أصالة البراءة ، هذا كلّه في الواقع عليه ، وأمّا الواقع هو فدمه لو مات هدر على جميع التقادير ، بلا خلاف (٣) ؛ لأنّ قتله لم يستند إلى أحد يحال عليه الضمان.

وفي الموثّق : في رجل يقع على رجل فيقتله فمات الأعلى ، قال : « لا شي‌ء على الأسفل » (٤).

( ولو دفعه دافع ) وهو إنسان ( فالضمان ) أي ضمان المدفوع عليه لو مات أو انجرح ( على الدافع ) فيقاد منه إن قصد جنايته بذلك مطلقاً ، وكذا إن لم يقصد جنايته مع كون الدفع ممّا يقتل غالباً ، وإن كان ممّا يقتل نادراً فالدية في ماله إن قصد الدفع عليه ، وإلاّ فخطأ محض إن قصد مطلق الدفع تؤخذ من عاقلته.

والحكم بكون الضمان على الدافع دون المدفوع هو الأشهر بين المتأخّرين على الظاهر ، بل صرّح بالشهرة المطلقة شيخنا في الروضة (٥) ،

__________________

(١) قال به في مجمع الفائدة ١٤ : ٢٤٦.

(٢) السرائر ٣ : ٣٦٦ ، التحرير ٢ : ٢٦٣.

(٣) في « ن » زيادة : أجده.

(٤) الفقيه ٤ : ٧٦ / ٢٣٧ ، الوسائل ٢٩ : ٥٧ أبواب القصاص في النفس ب ٢٠ ح ٤.

(٥) الروضة ١٠ : ١٢١.

٣٨٦

وهو خيرة الحلّي والمفيد (١) على ما حكي عنه ، ووجهه واضح ؛ لأنّه هو السبب القوي ، والمباشر ضعيف بالإلجاء أو منتفٍ.

مضافاً إلى إطلاق النصوص النافية للضمان عن الواقع ، بل عمومها الشامل لمفروض المسألة ، حيث لم يستفصل فيها عن كون الوقوع منه أو من غيره ، وهو وإن استلزم عدم ضمان الواقع مطلقاً حتى في جملة من الصور المتقدمة المحكوم عليه فيها بضمانه ، لكنّها مخرجة عنه بالإجماع ، ولا إجماع هنا حتى يخرج به عنه أيضاً.

( و ) قال الشيخ ( في النهاية ) وكتابي الحديث (٢) ، وتبعه الجامع (٣) كما حكي : إنّ ( دية المقتول على الواقع ، ويرجع ) هو ( بها على الدافع ) للصحيح : في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله ، قال : « الدّية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول ، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه » قال : « وإن أصاب المدفوع شي‌ء فهو على الدافع أيضاً » (٤).

ولا يخلو عن قوة من حيث الصحة والصراحة لولا ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، فالخروج به عنها في غاية الجرأة ، مع إمكان حمله على أنّ أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له ، هذا كلّه في ضمان المدفوع عليه.

وأمّا المدفوع فضمانه على الدافع قولاً واحداً ، وبه صرّح الصحيح المتقدّم. ( ولو ركبت جارية ) على ( اخرى فنخستها ) أي المركوبة ( ثالثة

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٦٦ ، المقنعة : ٧٤٢.

(٢) النهاية : ٧٥٨ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٠ ، التهذيب ١٠ : ٢١٢.

(٣) الجامع للشرائع : ٥٨٤.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨٨ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٧٩ / ٢٤٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٨ أبواب موجبات الضمان ب ٥ ح ٢.

٣٨٧

فقمصت ) المركوبة ، أي : نفرت ورفعت يديها وطرحتها ( فصرعت الراكبة ) ووقعت ( فماتت قال ) الشيخ ( في النهاية ) وأتباعه على ما حكاه جماعة (١) ، بل ادّعى عليه في الشرائع والتحرير والمسالك (٢) الشهرة : إن ( الدية بين الناخسة والقامصة نصفان ).

( و ) قال المفيد رحمه‌الله ( في المقنعة : عليهما ثلثا الدية ويسقط الثلث ) بإزاء الراكبة ( لركوبها عبثاً ) (٣)

ونحوه عن الإصباح والكافي (٤) وفي الغنية (٥) ، وفيهما أنّ الراكبة كانت لاعبة ، ولو كانت راكبة بأُجرة كان كمال ديتها على الناخسة والمنخوسة.

( و ) مستند ( الأوّل رواية أبي جميلة ) المفضّل بن صالح ، المروية في الفقيه والتهذيب ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ بن نباته ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في جارية ركبت اخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت : أنّ « ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة » (٦).

( وفي أبي جميلة ضعف ) مشهور غير مختلف فيه ، ولعلّه لذا خصّه الماتن بالتضعيف ، وإلاّ فباقي الرواة المذكورون هنا بل وغيرهم أيضاً مشاركون له في القصور.

__________________

(١) النهاية : ٧٦٣ ، المهذب ٢ : ٤٩٩ ، حكاه عنهم في التنقيح ٤ : ٤٧٤ ، غاية المرام ٤ : ٤٢٧ ، المسالك ٢ : ٤٩٢.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٥١ ، التحرير ٢ : ٢٦٧ ، المسالك ٢ : ٤٩٢.

(٣) المقنعة : ٧٥٠.

(٤) إصباح الشيعة ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩١ ، الكافي في الفقه : ٣٩٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٦) الفقيه ٤ : ١٢٥ / ٤٣٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٤١ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٠ أبواب موجبات الضمان ب ٧ ح ١.

٣٨٨

ويمكن جبر جميع ذلك ، وكذا مخالفة الرواية لما سيأتي من الأُصول ، بكون القول بها باعتراف الماتن ونحوه ممّن مضى هو المشهور ، فلا قصور ، ولكن الاعتماد على نقل مثل هذه الشهرة مع عدم وجدان موافق للنهاية صريحاً سوى القاضي لعلّه ممنوع.

( وما ذكره المفيد حسن ) عند الماتن هنا وفي النكت والفاضل في المختلف (١) ؛ لموافقة الأُصول ، فإنّ القتل إذا استند إلى جماعة يكون أثره موزّعاً عليهم ، والراكبة من الجملة.

ومع ذلك رواه في الإرشاد مرسلاً ، فقال : إنّ عليّاً عليه‌السلام رفع إليه باليمن خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثاً ولعباً ، فجاءت جارية أُخرى فقرصت الحاملة فقفزت لقرصها فوقعت الراكبة فاندق عنقها فهلكت ، فقضى عليه‌السلام على القارصة بثلث الدية ، وعلى القامصة بثلثها ، وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة (٢) فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمضاه (٣).

ورواه في المقنعة كذلك أيضاً كالحلبي وابن زهرة (٤) ، ولكنّها مرسلة لا تصلح للحجية ، وإفادة الأُصول لهذا القول مطلقا ممنوعة.

( وخرّج المتأخّر ) وهو الحلّي (٥) ( وجهاً ثالثاً فأوجب الدية ) بأجمعها ( على الناخسة إن كانت ملجئةً ) للمركوبة إلى القموص ( وعلى القامصة إن لم تكن ملجئة ).

__________________

(١) نكت النهاية ٣ : ٤٢٣ ، المختلف : ٧٩٧.

(٢) في الوسائل ونسخة من الإرشاد : الواقصة. والوقص هو كسر العنق ، النهاية لابن أثير ٥ : ٢١٤.

(٣) إرشاد المفيد ١ : ١٩٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٤٠ أبواب موجبات الضمان ب ٧ ح ٢.

(٤) الكافي : ٣٩٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٥) السرائر ٣ : ٣٧٤.

٣٨٩

وهو خيرة الفاضل في الإرشاد ومستحسنه في التحرير (١) ، ومحتمل الماتن في الشرائع (٢) ، وقوّاه فخر الدين (٣) وشيخنا في الروضة ، قال :

أمّا الأوّل فلأنّ فعل المكرَه مستند إلى مكرِهِه ، فيكون توسّط المكرَه كالآلة ، فيتعلّق الحكم بالمكرِه.

وأمّا الثاني فلاستناد القتل إلى القامصة وحدها ، حيث فعلت ذلك مختارة.

قال : ولا يشكل بما أورده المصنف في الشرح من أنّ الإكراه على القتل لا يسقط الضمان ، وأنّ القمص في الحالة الثانية ربما كان يقتل غالباً فيجب القصاص ؛ لأنّ الإكراه الذي لا يسقط الضمان ما كان معه قصد المكرَه إلى الفعل ، وبالإلجاء يسقط ذلك ، فيكون كالآلة ، ومن ثمّ وجب القصاص على الدافع دون الواقع حيث يبلغ الإلجاء ، والقمص لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته ، فضلاً عن كونه مما يقتل غالباً ، فيكون من باب الأسباب لا الجنايات.

نعم لو فرض استلزامه له قطعاً وقصدته توجّه القصاص ، إلاّ أنّه خلاف الظاهر (٤). انتهى.

وهو قوي متين لولا مخالفته للروايات المشهورة قطعاً بين الأصحاب ، وإن اختلفت بعضها مع بعض ، إلاّ أنّها متفقة في ردّ هذا الوجه وغيره من الوجوه المخرجة أيضاً ، كالمحكي عن الراوندي (٥) من التفصيل‌

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٢٤ ، التحرير ٢ : ٢٦٧.

(٢) الشرائع ٤ : ٢٥١.

(٣) إيضاح الفوائد ٤ : ٦٧٧.

(٤) الروضة ١٠ : ١٣٤.

(٥) حكاه عنه في التنقيح الرائع ٤ : ٤٧٤.

٣٩٠

بين بلوغ الراكبة واختيارها فما عليه المفيد ، وصغرها وكرهها فما عليه الشيخ. وما في التنقيح (١) من التفصيل بين ما إذا كان الركوب عبثاً فالأوّل ، ولغرض صحيح فالثاني إن كانت القامصة غير ملجأة ، وإلاّ فعلى الناخسة.

فهذه الأوجُه ضعيفة ، سيّما الأخيرين ؛ لعدم شاهد لهما سوى محاولة الجمع بين الأقوال والروايات ، ولا يصحّ إلاّ بعد شاهد ، وليس بواضح.

ولو صحّ الجمع من دونه لكان ما عليه الحلبي وابن زهرة في غاية القوة ؛ عملاً بروايتهما المفصّلة بين كون الركوب عبثاً فما في المقنعة ، وكونه بأُجرة فما في النهاية ، وروايتها وإن كانت مطلقة بتنصيف الدية إلاّ أنّها محمولة على الصورة الثانية حمل المطلق على المقيد ، فتأمّل ، هذا.

مع أنّ الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة كلية ، وإنّما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة والمنخوسة ، وأمّا صورة الجهل بها فليست لحكمها مفيدة.

فالمسألة محل تردد وشبهة ، وإن كان مختار الحلّي في الصورة الاولى لا يخلو عن قوّة ؛ لإمكان الذبّ عن الروايات المشهورة بأنّها قضية في واقعة فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية ، والمختار فيها خيرة المفيد ومن تبعه ؛ للأُصول المتقدمة ؛ مضافاً إلى أصالة البراءة.

( وإذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات ، ضمن الآخران ) الباقيان ( الدية ) على رواية أبي بصير (٢) المروية في الكتب الثلاثة بأسانيد متعدّدة عن علي بن أبي حمزة عنه ، وهو ضعيف بلا شبهة‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٤٧٤.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨٤ / ٨ ، الفقيه ٤ : ١١٨ / ٤١٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٤١ / ٩٥٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٦ أبواب موجبات الضمان ب ٣ ح ١.

٣٩١

( و ) لأجله تحقّق ( في الرواية ضعف ) وإن روى عنه في بعض طرقها (١) ابن أبي عمير مع صحة الطريق إليه ؛ لعدم بلوغها بذلك درجة الصحة ، هذا.

مضافاً إلى ما فيها من المخالفة للأُصول الآتية ، ومع ذلك شاذّة لا عامل بها صريحاً.

نعم رواها الشيخ في النهاية والصدوق في الفقيه والمقنع (٢) ، وظاهرهما وإن كان العمل بها إلاّ أنّ الأوّل قد رجع عنها في المبسوط كما حكاه عنه الحلّي (٣) ، فانحصر العامل بها في الصدوق ، وهو نادر قطعاً.

( والأشبه ) وفاقاً للحلّي (٤) وعامّة المتأخّرين ( أن يضمن كل واحد ثلثاً ) من دية الميت ( ويسقط ثلث لمساعدة التالف ) لهما وشركته في تلف نفسه معهما ، فيسقط ما قابل فعله ، وإلاّ لزم أن يضمن الشريك في الجناية جناية شريكه ، وهو باطل قطعاً ، قال تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٥) ويمكن حمل الرواية عليه ؛ لعدم التصريح فيها بأنّ عليهما الدية كملاً ، فإنّ متنها هكذا : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات ، فضمّن الباقيين ديته ؛ لأنّ كل واحد منهما ضامن لصاحبه » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١١٨ / ٤١٠.

(٢) النهاية : ٧٦٤ ، الفقيه ٤ : ١١٨ ، المقنع ، لم نعثر عليها فيه لكن حكاه عنه في المختلف : ٧٩٨.

(٣) السرائر ٣ : ٣٧٧ ، وهو في المبسوط ٧ : ١٦٦.

(٤) السرائر ٣ : ٣٧٧.

(٥) فاطر : ١٨.

(٦) راجع ص ٣٨٩.

٣٩٢

و « ديته » وإن كان ظاهراً في كمالها إلاّ أنّه ليس صريحاً فيه ، فيحتمل ما ذكرناه من إرادة ثلثيها.

( ومن اللواحق لهذا الباب ( مسائل ) أربع :

( الاولى : من دعا غيره ) بالتماسه ( فأخرجه من منزله ليلاً ضمنه حتى يرجع ) المدعوّ ( إليه ) أي إلى منزله ، بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عليه الوفاق كذلك في الروضة (١) وكلام جماعة (٢) ، وادّعى الإجماع عليه مطلقاً ابن زهرة في الغنية وعن الماتن في نكت النهاية (٣) ، وهو الحجة.

مضافا إلى الخبرين ، في أحدهما : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلاّ أن يقيم البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله » (٤).

وفي الثاني : « إذا دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن له حتى يرجع إلى بيته » (٥).

وهما وإن ضعفا وخالفا الأصل المجمع عليه على الظاهر ، المصرّح به في التنقيح (٦) من أنّ الحرّ الكامل لا يضمن ما لم يثبت الجناية عليه ، إلاّ أنّهما منجبران بفتوى الطائفة والإجماعات المحكية.

وعليه فلو لم يرجع ولم يعلم خبره بموت ولا حياة ضمن الداعي‌

__________________

(١) الروضة ١٠ : ١٢٢.

(٢) المهذّب البارع ٥ : ٢٧٤ ، انظر مجمع الفائدة ١٤ : ٢٥١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، نكت النهاية ٣ : ٤٠٩.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨٧ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٨٦ / ٢٧٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٢١ / ٨٦٨ ، الوسائل ٢٩ : ٥١ أبواب القصاص في النفس ب ١٨ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ٢٢٢ / ٨٦٩ ، الوسائل ٢٩ : ٢٧٤ أبواب موجبات الضمان ب ٣٦ ح ١.

(٦) التنقيح الرائع ٤ : ٤٧٦.

٣٩٣

ديته في ماله دون عاقلته ، بلا خلاف كما في التنقيح وشرح الشرائع للصيمري (١) ، ولم يذكره هنا أحد من الطائفة ، كما صرّح به المقدّس الأردبيلي (٢) رحمه‌الله وهو كذلك ، فإنّ عبائر المتقدّمين والمتأخّرين ممّن وقفت على كلامه متفقة الدلالة على ضمان الدية في هذه الصورة ، إطلاقاً في بعض ، وتصريحاً في جملة.

نعم يستفاد من اللمعة عدم الضمان مطلقاً هنا ، وعلّله في الروضة (٣) بأصالة البراءة منه ديةً ونفساً حتى يتحقق سببه ، وهو في غير حالة القتل مشكوك فيه.

وفيه نظر ؛ فإنّ سبب الضمان هنا نصّاً وفتوى إنّما هو إخراجه من بيته ، وليس المخرَج عنه فيهما سوى عوده إليه حيّاً ، ولا يشترط في صدق الضمان تحقّق تلفه ، بل يكفي فيه صدق ضياعه وعدم العلم بخبره ، فضياعه كتلفه ، وضمانه حينئذٍ كضمان المال الضائع بعينه ، هذا.

مع أنّ عدم الخلاف الظاهر المحكي في تلك العبائر كافٍ في ردّه.

( ولو وجد مقتولاً ) فإن أقرّ الداعي بقتله أو أُقيمت البيّنة عليه به أُقيد به ، بلا خلاف فيه ( و ) في أنّه ( ادّعى قتله على غيره ) وأقام به عليه البيّنة وفي معناها الإقرار ونحوه صرف عنه الضمان إلى ذلك الغير.

( و ) لو ( عدم البيّنة ) منه عليه أو لم يدّع القتل على أحد ( ففي القود ) من الداعي أو إلزامه بالدية ( تردّد ) واختلاف بين الأصحاب ، ولكن ( أشبهه ) وأشهره على الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة (٤) ( أنّه

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٤٧٦ ، غاية المرام ٤ : ٤٢٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٤ : ٢٥١.

(٣) الروضة ١٠ : ١٢٣.

(٤) قال في كشف الرموز ٢ : ٦٤٢ : فعليه الدية على الأظهر من أقوال الأصحاب ، ونسبه في غاية المرام ٤ : ٤٢٩ إلى الأكثر.

٣٩٤

لا قود ) للأصل ، مع حصول الشك في موجب القصاص ؛ لصدق الضمان المحكوم به في الفتوى والنص بضمان الدية التي هي بدل النفس كصدقه بالقود ، وحيث لا معيِّن لهذا تعيّن الأوّل قطعاً ؛ للشبهة الدارئة ، هذا.

مع احتمال تعيينه من وجه آخر ، وهو الاتفاق على أنّ المراد من الضمان المذكور فيهما بالنسبة إلى الصورة السابقة والآتية إن قلنا به فيها هو ضمان الدية ، فليكن هو المراد منه أيضاً بالنسبة إلى هذه الصورة ، إمّا (١) لاتحاد اللفظة المفيدة للحكم في الصور الثلاثة ، أو (٢) إلحاقاً للأقلّ بالأكثر ، فتأمّل ، هذا.

مضافاً إلى تصريح ابن زهرة (٣) بضمان الدية في عبارته المحكي فيها على الحكم مطلقاً إجماع الإمامية ، وهو خيرة النهاية والحلّي (٤) ، مصرِّحين بأنّه عليه رواية ، بل روايات كما في كلام الأخير ، لكنّه والفاضل في المختلف وشيخنا في المسالك والروضة (٥) خصّوا ذلك بصورة عدم اللوث والتهمة ، وقالوا في صورتها بالقسامة فيلزم بموجب ما أقسم عليه الوليّ من عمد أو خطأ أو شبهه ، ومع عدم قسامته يُقسم المُخرِج ولا دية.

وهو تقييد للنصّ والفتوى من غير دلالة ، مع احتمال دعوى ظهورهما بحكم الغلبة في صورة اللوث خاصّة ، وأنّه لأجله حكم فيهما بالضمان قوداً أو ديةً كلّيّة ؛ حسماً لمادّة الفساد ، فتأمّل جدّاً.

وعموم أدلّة القسامة باللوث وإن شمل هذه الصورة إلاّ أنّه لا بُعد في تخصيصها وإخراج هذه الصورة منها بالأدلّة في المسألة ، كما خصّصت من‌

__________________

(١) ليست في « س ».

(٢) في « س » : و.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٤) النهاية : ٧٥٧ ، السرائر ٣ : ٣٦٤.

(٥) المختلف : ٧٩٨ ، المسالك ٢ : ٤٩٣ ، الروضة ١٠ : ١٢٦.

٣٩٥

الأُصول بعدم ضمان الحرّ وأُخرجت منها بلا شبهة ، فهذا القول ضعيف.

وأضعف منه القول بالقود هنا إمّا مطلقا ، كما عن المفيد رحمه‌الله في الإرشاد (١) ، أو إذا لم يدّع البراءة من قتله ، كما عن ابن حمزة والديلمي (٢) ، لكنّه خيّر أولياء المقتول بينه وبين أخذ الدية ، ولعلّ حجته العمل بإطلاق الضمان الصادق بهما كما مضى.

لكنه يدفعه ما قدّمناه ، مع أنّ ذلك على تقدير تسليمه لم يدل على التفصيل بين دعوى البراءة فالدية ، وعدمها فالقود مخيّراً أو معيّناً ، كما ذكره هو ومن قبله.

وأمّا المفيد رحمه‌الله فلعلّه استند إلى ظاهر الرواية الأُولى المتضمن صدرها لقضاء مولانا الصادق عليه‌السلام في مثل هذه القضية بالقود ، فقال : « يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه » إلى آخر القضية (٣).

لكن يمكن الجواب عنها بعد ضعف سندها ، وعدم جابر له هنا بأنّه لعلّه لمصلحة التقرير وإيضاح الأمر كما ربما يشعر به سياقه ، ومع ذلك فظاهره على تقدير التسليم الضمان بالقود مطلقاً حتى في الصورة السابقة والآتية ، ولم يقل به قطعاً.

( و ) على المختار يكون ( عليه ) في ماله ( الدية ) قولاً واحداً ؛ لعموم النص والفتوى بالضمان الصادق بضمانها كما عرفته.

( ولو وجد ميتاً ) ولم يوجد فيه أثر قتل أصلاً لا قود ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في التنقيح (٤).

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٢٤.

(٢) الوسيلة : ٤٥٤ ، المراسم : ٢٤١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨٧ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٨٦ / ٢٧٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٢١ / ٨٦٨ ، الوسائل ٢٩ : ٥١ أبواب القصاص في النفس ب ١٨ ح ١.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ٤٧٦.

٣٩٦

لكن ( في لزوم الدية ) عليه ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما ، على الظاهر ، المصرَّح به في عبائر (١) ( اللزوم ) لعموم الخبرين المنجبرين بما مرّ ، ولئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم ، مضافاً إلى إطلاق الإجماع المنقول ، وما في السرائر (٢) من أنّ به رواية.

خلافاً للفاضلين في الشرائع والتحرير وشيخنا في المسالك والروضة (٣) ، فلا شي‌ء عليه مطلقاً ؛ للأصل. ويضعّف بما مرّ.

وللحلّي (٤) ، ففصّل بين صورتي عدم اللوث فكما قالا ، وثبوته فالقسامة ، ويلزم بموجب ما يقسم عليه الوليّ من عمد فقود ، وغيره فدية ، ونحوه الفاضل في المختلف (٥) ، إلاّ أنّه أثبت مع القسامة الدية مطلقاً.

وهما ضعيفان يظهر ضعفهما ممّا مضى ، مضافاً إلى ضعف الأخير من وجه آخر لو ابقي على إطلاقه بحيث يشمل ما لو كان المقسم عليه عمداً كما لا يخفى.

وقد تردّد الفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيد في اللمعة (٦). ولا وجه له.

وللمسألة فروعات جليلة تطلب من الروضة (٧) ، فإنّ ما حقّق فيها وأفاده في غاية الجودة (٨).

__________________

(١) قال في غاية المرام ٤ : ٤٢٩ : وهو المشهور بين الأصحاب.

(٢) السرائر ٣ : ٣٦٤.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٥٢ ، التحرير ٢ : ٢٦٣ ، المسالك ٢ : ٤٩٣ ، الروضة ١٠ : ١٢٥.

(٤) السرائر ٣ : ٣٦٤.

(٥) المختلف : ٧٩٨.

(٦) الإرشاد ٢ : ٢٢٤ ، القواعد ٢ : ٣١٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ١٠ ) : ١٢٣.

(٧) الروضة ١٠ : ١٢٨ ١٣٠.

(٨) في « ح » : القوّة.

٣٩٧

( الثانية : لو عادت (١) الظئر بالطفل ) الذي ائتمنت على إرضاعه في بيتها ( فأنكره أهله ) أنّه طفلهم ( صدّقت ) الظئر ؛ لأنّها أمينة ( ما لم يثبت كذبها ، وتلزمها ) مع ثبوته ( الدية ، أو إحضاره ، أو ) إحضار ( من يحتمل أنّه هو ) لأنّها لا تدّعي موته وقد تسلّمته فتكون في ضمانها ، ولو ادّعت الموت فلا ضمان.

وحيث تحضر من يحتمله يقبل وإن كذبت سابقاً ؛ لأنّها أمينة لم يعلم كذبها ثانياً.

ولو استأجرت أُخرى لإرضاعه ودفعته إليها بغير إذن أهله فجهلت خبره ضمنت الدية ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى ما مرّ ، والصحيح في الأوّل : عن رجل استأجر ظئراً فدفع إليها [ ولده (٢) ] فغابت بالولد سنين ثم جاءت بالولد وزعمت أمّه أنّها لا تعرفه وزعم أهلها أنّهم لا يعرفونه ، قال : « ليس لهم ذلك فليقبلوه فإنّما الظئر مأمونة » (٣).

ومثله في الأخير : عن رجل استأجر ظئراً فأعطاها ولده فكان عندها ، فانطلقت الظئر فاستأجرت اخرى فغابت الظئر بالولد فلا تدري ما صنع به؟ قال : « الدية كاملة » (٤).

وهل يعتبر اليمين حيث يقبل قولها كما في كلّ أمين ، أم لا؟ إطلاق‌

__________________

(١) في النسخ : أعادت ، وما أثبتناه من المختصر المطبوع هو الأنسب.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٣) الفقيه ٤ : ١١٩ / ٤١٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٢ / ٨٧٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٦ أبواب موجبات الضمان ب ٢٩ ح ٢.

(٤) الفقيه ٤ : ١١٩ / ٤١٣ ، ٤١٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٢٢ / ٨٧١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٧ أبواب موجبات الضمان ب ٢٩ ح ٣.

٣٩٨

النص والفتوى يقتضي الثاني ، وبالأوّل صرّح بعض الأصحاب (١) ، وهو أحوط ، ويمكن تنزيل إطلاقهما عليه.

( الثالثة : لو دخل لصّ ) منزلاً ( فجمع متاعاً ووطئ صاحبة المنزل قهراً فثار ولدها فقتله اللصّ ثم قتلته المرأة ذهب دمه ) أي اللص ( هدراً ) باطلاً لا عوض له ( وضمن مواليه ) وورثته ( دية الغلام ) الذي قتله ( وكان لها أربعة آلاف درهم ) من تركته عوضاً عن البضع ( لمكابرتها على فرجها ) فليست بغيّاً.

ولمّا كانت هذه الجملة بإطلاقها مخالفة للأُصول القطعية كما صرّح به الحلّي وغيره (٢) نسبها الماتن إلى الرواية فقال : ( وهي رواية ) محمّد بن حفص ، عن ( عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) (٣) وكذا باقي الأصحاب.

لكنّها محتملة للانطباق مع الأُصول كما ذكروه ، فوجّهوا الأوّل : بأنّه محارب يقتل إذا لم يندفع إلاّ به.

والثاني : بفوات محلّ القصاص فيضمن الورثة دية الغلام إذا لم يكن للّص تركة كما مرّ.

والثالث : بحمل المقدّر من الدراهم على أنّه كان مهر أمثالها ، بناءً على أنّه لا يتقدّر بالسنّة ؛ لأنّه جناية يغلب فيه جانب الماليّة ، وبهذا التنزيل لا تنافي الأُصول ، لكن لا يتعيّن ما قدّر فيها من عوض البضع إلاّ في الفرض المزبور.

ولو فرض قتل المرأة اللصّ قصاصاً عن ولدها ، أو أسقطنا الحقّ بفوات‌

__________________

(١) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٨٣.

(٢) السرائر ٣ : ٣٦٢ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٤٩٣ ، ومجمع الفائدة ١٤ : ٢٥٦.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩٣ / ١٢ ، الوسائل ٢٩ : ٦٢ أبواب القصاص في النفس ب ٢٤ ح ٢.

٣٩٩

محل القصاص ، سقط غرم الأولياء ؛ ولو قتلته لا قصاصاً ولا دفاعاً اقيدت به ، وذلك لما مرّ ، مع ضعف إسنادها بجهالة الراويين ، وكونها قضية في واقعة محتملة لما تنطبق به مع الأُصول.

( وعنه ) عليه‌السلام بالطريق السابق ( في امرأة أدخلت الحجلة صديقاً لها ليلة بنائها ) وزفافها ، فلمّا ذهب الرجل يباضع أهله ثار الصديق ( فاقتتل هو وزوجها ) في البيت ( فقتله الزوج ) لما وجده عندها ( فقتلت المرأة الزوج ) قال : ( ضمنت ) المرأة ( دية الصديق وقتلت بالزوج ) (١) ولا إشكال في هذا ، وإنما هو في سابقه ؛ فإنّ الصديق إمّا كان يستحق القتل لقصده قتل الزوج ( أو بهجمه عليه ) (٢) ومحاربته معه مع عدم اندفاعه إلاّ بالقتل ، أولا ، فإن كان الأوّل لم تستحق الدية ، وإن كان الثاني ضمنها الزوج لا المرأة.

( والوجه أنّ دم الصديق هدر ) في الشق الأوّل ، كما هو ظاهر الخبر ؛ ولذا أطلق الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في التحرير وولده في شرحه والصيمري والفاضل المقداد في الشرح (٣) وغيرهم (٤) ، وفاقاً منهم للحلّي (٥) ؛ لما مرّ ، ومقتضاه عدم الفرق بين علم الصديق بالحال وعدمه.

خلافاً للّمعة (٦) ، فقيّده بالثاني. ولم أعرف وجهه.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٢٢ / ٤٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٥٨ أبواب موجبات الضمان ب ٢١ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « س ».

(٣) الشرائع ٤ : ٢٥٣ ، التحرير ٢ : ٢٦٤ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٦٦١ ، غاية المرام ٤ : ٤٣٠ ، التنقيح الرائع ٤ : ٤٨٠.

(٤) مجمع الفائدة ١٤ : ٢٥٧.

(٥) السرائر ٣ : ٣٦٣.

(٦) اللمعة ( الروضة البهية ١٠ ) : ١٤١.

٤٠٠