رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

وفي ظاهر السرائر إجماعنا عليه ، لكن قال : حكمه حكم المحارب (١).

وظاهره الفرق بينهما ، وعدم كونه محارباً حقيقةً ، وعليه نبّه شيخنا في المسالك والروضة (٢) ، فقال فيها بعد قول المصنف : واللصّ محارب ـ : بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه ولو بالقتال ، ولو لم يندفع إلاّ بالقتل كان دمه هدراً ، أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدّ المحارب مطلقاً ، وإنّما أُطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص ، نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقا ، وبذلك قيّده المصنف في الدروس ، وهو حسن. انتهى.

وهو كذلك ؛ لما ذكره في المسالك من قصور النصوص سنداً عن إفادة الحكم مطلقا ، مع اختصاص النصوص الواردة بحكم المحارب بمن جرّد سلاحاً أو حمله ، فيرجع في غيره إلى القواعد المقرّرة.

أقول : ويعضده عدم عمل الأصحاب بما فيها من جواز القتل ، وأنّ دمه هدر مطلقاً ، بل قيّدوه بما إذا روعي فيه مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى.

( و ) كيف كان يجوز ( للإنسان دفعه ) عن نفسه مطلقاً ، وكذا عن ماله ( إذا ) تغلّب عليه ، و ( غلب ) على نفسه ( السلامة ) بل قالوا : يجب في الأوّل ولو ظنّ على نفسه التلف ؛ لإطلاق النصوص ، ووجوب حفظ النفس ، وغايته العطب ، وهو غاية عمل المفسد ، فيكون الدفاع أرجح.

نعم لو أمكن السلامة بالهرب كان أحد أسباب الحفظ ، فيجب عيناً إن‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥٠٧.

(٢) المسالك ٢ : ٤٥٠ ، الروضة ٩ : ٣٠٢ ، وهو في الدروس ٢ : ٥٩.

١٦١

توقّف عليه ، أو تخييراً إن أمكن به وبغيره.

وكذا في الثاني مع الاضطرار به والتضرر بفقده ضرراً يجب دفعه عقلاً.

قيل : أو كان المال لغيره أمانة في يده ، وربما وجب الدفع عنه مطلقاً من باب النهي عن المنكر (١).

وهو حسن مع عدم التغرير بالنفس ، وإلاّ فلا يجب ، بل لا يجوز.

والفرق بينه وبين النفس حيث يجب الدفع عنه مطلقا دون المال جواز المسامحة فيه بما لا يجوز التسامح به في النفس ، وللصحيح (٢) وغيره (٣) : « لو كنت أنا لتركت المال ولم أُقاتل ».

قالوا : ويجب أن يقتصر في جميع ذلك على الأسهل ، فإن لم يندفع به ارتقى إلى الصعب ، فإن لم يندفع فإلى الأصعب.

وهو حسن اقتصاراً على ما تندفع به الضرورة ، مع قصور النصوص المرخِّصة للمقاتلة على الإطلاق كما عرفته عن الصحة ، فلا يخرج بها عن مقتضى القواعد المقرّرة.

فلو كفاه التنبيه على تيقّظه بتنحنح ونحوه اقتصر عليه إن خاف من الصياح أن يؤخذ فيقتل أو يجرح ، ولو كفاه الصياح والاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه ، فإن لم يندفع به خاصمه باليد أو بالعصا ، فإن لم يفد فبالسلاح.

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٤٣٣.

(٢) الفقيه ٤ : ٦٨ / ٢٠٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٨٣ أبواب الدفاع ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩٦ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢١٠ / ٨٣٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٨٣ أبواب الدفاع ب ٤ ح ٢.

١٦٢

( ولا ضمان على الدافع ) لو جنى على اللصّ في هذه المراتب.

( ويذهب دم المدفوع ) ولو بالقتل ( هدراً ) إجماعاً ظاهراً ومحكيّاً (١) ، والنصوص به مستفيضة جدّاً ، منها زيادةً على ما مضى الحسن : « أيّما رجل عدا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شي‌ء عليه » (٢).

والمرسل كالموثق ، بل كالصحيح على ما قيل (٣) : « إذا دخل عليك اللصّ المحارب فاقتله ، فما أصابك فدمه في عنقي » (٤).

والخبر : اللصّ يدخل في بيتي يريد نفسي ومالي ، قال : « اقتل فاشهد الله ومن سمع أنّ دمه في عنقي » (٥).

وفي آخر : « إذا دخل عليك اللصّ يريد أهلك ومالك فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه » (٦).

وفي غيره : « من دخل على مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن وهو في عنقي » (٧) هذا.

مضافاً إلى الأصل ، مع اختصاص ما دلّ على الضمان بالجناية بحكم التبادر بها في غير مفروض المسألة ، مع وقوعها بأمر الشارع فلا تستعقب‌

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٤٣٣.

(٢) الكافي ٧ : ٢٩٠ / ١ ، الفقيه ٤ : ٧٥ / ٢٣٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٦ / ٨١٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧٨ / ١٠٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٥٩ أبواب القصاص في النفس ب ٢٢ ح ١.

(٣) روضة المتقين ١٠ : ٢٧٧.

(٤) الكافي ٥ : ٥١ / ٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٨٤ أبواب الدفاع ب ٦ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٢٩٧ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢١٠ / ٨٢٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٨٢ أبواب الدفاع ب ٣ ح ١.

(٦) التهذيب ١٠ : ١٣٦ / ٥٣٨ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٠ أبواب حدّ المحارب ب ٧ ح ٢.

(٧) أمالي الطوسي : ٦٨٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢١ أبواب حدّ المحارب ب ٧ ح ٣.

١٦٣

ضماناً كما في سائر المواضع.

( وكذا لو كابر امرأة ) أو جارية ( على نفسها ، أو غلاماً ) ليفعل بهما محرّماً ( فدفعه ) كلّ منهم ( فأدّى ) الدفع ( إلى تلفه ، أو دخل داراً فزجروه ولم يخرج ، فأدّى الزجر والدفع إلى تلفه ، أو ذهاب بعض أعضائه ) لم يكن على الدافع ضمان لو راعى في الدفع ما مرّ ، والمستند واحد.

مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة ، ففي الصحيح : في رجل راود امرأة على نفسها حراماً فرمته بحجر فأصاب (١) منه فقتل ، قال : « ليس عليها شي‌ء فيما بينها وبين الله عزّ وجلّ ، وإن قدّمت إلى إمام عادل أهدر دمه » (٢).

وفي المرسل : عن الرجل يكون في السفر ومعه جارية له ، فيجي‌ء قوم يريدون أخذ جاريته ، أيمنع جاريته من أن تؤخذ وإن خاف على نفسه القتل؟ قال : « نعم » قلت : وكذلك إن كانت معه امرأة؟ قال : « نعم » [ قلت : ] وكذلك الامّ والبنت وابنة العمّ والقرابة يمنعهنّ وإن خاف على نفسه القتل؟ قال : « نعم » قلت : وكذلك المال يريدون أخذه في سفره فيمنعه وإن خاف القتل؟ قال : « نعم » (٣).

وما فيه من جواز الدفع مع خوف التلف على النفس محمول على ما إذا لم يبلغ حدّ الظنّ ، ( و ) ذلك لما عرفت من أنّه ( لو ظنّ العطب )

__________________

(١) في غير « س » : فأصابت ، وما أثبتناه هو الأنسب كما في الكافي.

(٢) الكافي ٧ : ٢٩١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٢٢ / ٤٢٤ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٦ / ٨١٤ ، الوسائل ٢٩ : ٦١ أبواب القصاص في النفس ب ٢٣ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٥٢ / ٥ ، الوسائل ١٥ : ١٢٢ أبواب جهاد العدو ب ٤٦ ح ١٢ ؛ وما بين المعقوفين من المصادر.

١٦٤

والهلاك بالدفع ( سلّم المال ) ولم يجز له الدفع ؛ حفظاً للنفس ، مع ضعف هذا المرسل ومعارضته بالصحيح وغيره المتقدّمين (١) الدالين على جواز ترك الدفاع في المال على الإطلاق.

وظاهر العبارة اختصاص جواز الترك بالمال دون النفس والعرض ، وأنّه يجب الدفع فيهما مطلقاً ، وبه صرّح الأصحاب في النفس ، وتقدّم ما يدلّ عليه.

وأمّا في العرض مع ظنّ الهلاك فمحل نظر ، بل الظاهر جواز الاستسلام حينئذٍ ، كما صرّح به في التحرير وغيره (٢) ؛ لأولوية حفظ النفس من حفظ العرض ، كما يستفاد من جملة من الأخبار (٣) الواردة في درء الحدّ عن المستكرهة على الزناء ؛ معلّلةً بقوله تعالى ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٤).

ولو قتل الدافع كان كالشهيد في الأجر ؛ للنصوص النبوية : « من قتل دون ماله » كما في بعض (٥) ، أو « دون عقال » كما في آخر (٦) « فهو شهيد » كما فيهما ، أو « بمنزلة الشهيد » كما في ثالث (٧).

وإنّما يجوز الدفع إذا كان مقبلاً ، فإذا ولّى فضربه كان ضامناً لما يجنيه‌

__________________

(١) في ص ١٦١.

(٢) التحرير ٢ : ٢٣٤ ، روضة المتقين ١٠ : ٤٧.

(٣) انظر الوسائل ٢٨ : ١١٠ أبواب حد الزنا ب ١٨.

(٤) البقرة : ١٧٣.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٧٢ / ٨٢٨ ، الوسائل ١٥ : ١٢٢ أبواب جهاد العدو ب ٤٦ ح ١٣.

(٦) التهذيب ٦ : ١٥٧ / ٢٨٢ ، الوسائل ١٥ : ١٢٠ أبواب جهاد العدو ب ٤٦ ح ٥ ؛ بتفاوت.

(٧) الكافي ٥ : ٥٢ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٦٧ / ٣١٩ ، الوسائل ١٥ : ١٢١ أبواب جهاد العدو ب ٤٦ ح ١٠.

١٦٥

اتفاقاً ؛ إذ لا يجوز الضرب إلاّ للدفع ، ولا دفع مع الإدبار.

( ولا يقطع المستلب ) وهو الذي يأخذ المال جهراً ويهرب ، مع كونه غير محارب.

( ولا المختلس ) وهو الذي يأخذ المال خفيةً من غير الحرز.

( ولا المحتال ) على أموال الناس بالتزوير في الشهادة والرسائل الكاذبة.

( ولا المُبنِج ) قيل : هو من أعطى أحداً البنج حتى خرج من العقل ثم أخذ منه شيئاً (١).

( ولا من سقى غيره مُرقداً ) أي مُنَوّماً فأخذ منه شيئاً ، إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٢).

للأصل ، وخروجهم عن نصوص السرقة والمحارب ؛ لعدم صدق تعريفهما عليهم ، كما ظهر من تعريفهما وتعريفهم.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة في الأوّلين ، منها الصحيح : في رجل اختلس ثوباً من السوق ، فقالوا : قد سرق هذا الرجل ، فقال : « إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة ، ولكن أقطع من يأخذ ثم يخفي » (٣).

والموثّق : « لا أقطع في الدغارة المعلنة وهي الخلسة ولكن أُعزّره » (٤) ونحوهما كثير من الأخبار.

ويستفاد منها تفسير المختلس بما مرّ في تفسير المستلب ، كما في‌

__________________

(١) الروضة ٩ : ٣٠٥ ، مجمع الفائدة ١٣ : ٢٩١.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٣٣.

(٣) الكافي ٧ : ٢٢٦ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١١٤ / ٤٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٨ أبواب حدّ السرقة ب ١٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٥ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١١٤ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٨ أبواب حدّ السرقة ب ١٢ ح ١.

١٦٦

السرائر وعن النهاية والمهذّب (١).

قيل : ولعلّه أُريد به ما يعمّ المستلب (٢) ، وما ذكرناه في تفسيره أشهر بين الفقهاء ، وبه صرّح في مجمع البحرين (٣).

وفي الخبر : « ليس على الذي يستلب قطع » (٤).

( بل يستعاد منهم ما أخذوا ويعزَّرون بما يردعهم ) ويزجرهم ؛ لفعلهم المحرّم ، والنصوص ، منها زيادةً على ما مرّ الخبر : « اتي عليه‌السلام برجل اختلس درّة من اذن جارية ، فقال : هذه الدغارة المعلنة فضربه وحبسه » (٥).

وفي آخر : « من سرق خلسة اختلسها لم يقطع ، ولكن يضرب ضرباً » (٦).

وأمّا ما في الصحيح من قطع الكاذب في الرسالة (٧) ، فمحمول إمّا على ما ذكره الشيخ من كون القطع للإفساد لا للسرقة (٨). وفيه مناقشة للتعليل بها في آخر الرواية. أو على أنّه قضية في واقعة ثبت القطع فيها بالمصلحة ، وإلاّ فالرواية شاذّة ، لا عامل بها بالكلية ، مخالفة للأُصول كما عرفته.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥١٢ ، النهاية : ٧٢٢ ، المهذّب ٢ : ٥٥٤.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤٣٣.

(٣) مجمع البحرين ٤ : ٦٦.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١١٤ / ٤٥١ ، الإستبصار ٤ : ٢٤٤ / ٩٢٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧٠ أبواب حدّ السرقة ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٢٢٦ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١١٤ / ٤٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٩ أبواب حدّ السرقة ب ١٢ ح ٤.

(٦) الكافي ٧ : ٢٢٦ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١١٤ / ٤٥٢ ، الوسائل ٢٨ : ٢٦٩ أبواب حدّ السرقة ب ١٢ ح ٥.

(٧) الكافي ٧ : ٢٢٧ / ١ ، الفقيه ٤ : ٤٣ / ١٤٤ ، التهذيب ١٠ : ١٠٩ / ٤٢٦ ، علل الشرائع : ٥٣٥ / ٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧٣ أبواب حدّ السرقة ب ١٥ ح ١.

(٨) الاستبصار ٤ : ٢٤٣.

١٦٧

( الفصل السابع )

( في ) بيان حدّ ( إتيان البهائم ووطء الأموات ، وما يتبعه ) من الأحكام ، وحدّ الاستمناء.

اعلم أنّه ( إذا وطئ البالغ العاقل ) المختار ( بهيمةً مأكولة اللحم ) أي مقصودةً بالأكل عادةً ( كالشاة والبقرة ) ونحوهما ممّا يسمّى في العرف بهيمة ، دون نحو الطير ممّا لم يسمّ بها فيه وإن سمّي بها لغةً ، كما عن الزجّاج ، حيث قال : هي ذات الروح التي لا تميّز ، سمّيت بذلك لذلك (١).

وذلك للأصل ، وعدم انصراف الإطلاق إلى المستثنى بحكم العرف المرجّح على اللغة حيث حصل بينهما معارضة ، مع أنّه ذكر جماعة (٢) أنّها لغةً ذات الأربع من حيوان البرّ والبحر ، وهو الموافق للعرف ( حرم لحمها ولحم نسلها ) ولبنهما.

( ولو اشتبهت ) الموطوءة ( في قطيع ) محصور ( قسّم نصفين وأُقرع ) (٣) بينهما ، بأن يكتب رقعتان في كل واحدة اسم نصف منهما ، ثم يخرج على ما فيه المحرّم ، فإذا خرج أحد النصفين قسّم كذلك وأُقرع ، و ( هكذا حتى تبقى واحدة ، فـ ) يعمل بها ما يعمل بالمعلومة ابتداءً ، وهو‌

__________________

(١) معاني القرآن ٢ : ١٤١.

(٢) منهم الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ١٥١ ، الشهيد الثاني في الروضة ٩ : ٣٠٦ المصباح المنير : ٦٥ ، مجمع البحرين ٦ : ١٩.

(٣) في المختصر المطبوع : أفرغ.

١٦٨

أن ( تذبح وتحرق ، ويغرم ) الواطئ ( قيمتها ) يوم الوطء ( إن لم تكن له ولو كان المهمّ ) والمقصود منها ( ظهرها ، كالبغل ، والحمار ، والدابّة ، اغرم ثمنها إن لم تكن له ) أو مطلقاً ، على اختلاف القولين الآتيين في التصدق به أو ردّه على الواطئ ، وإنّما ذكر الشرط على مذهبه. ( وأُخرجت إلى غير بلده ) الذي فعل فيه ( وبيعت ) وجوباً.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (١).

للمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح وغيره : « إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت ، فإذا ماتت أُحرقت بالنار ولم ينتفع بها ، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع حدّ الزاني ، وإن لم تكن البهيمة له قوّمت وأُخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها وذبحت وأُحرقت بالنار ولم ينتفع بها ، وضرب خمسة وعشرين سوطاً » فقلت : وما ذنب البهيمة؟ قال : « لا ذنب لها ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل هذا وأمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم وينقطع النسل » (٢).

وفي الموثّق : عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو ناقة أو بقرة ، قال : فقال : « عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ ، ثم ينفى من بلاده إلى غيرها » وذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم ولبنها (٣).

__________________

(١) انظر المبسوط ٨ : ٧ ، الخلاف ٥ : ٣٧٣ ، المفاتيح ٢ : ٧٩ ، كشف اللثام ٢ : ٤١٠.

(٢) الكافي ٧ : ٢٠٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٦٠ / ٢١٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٢ / ٨٣١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٧ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٠٤ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٦٠ / ٢١٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٣ / ٨٣٢ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٧ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٢.

١٦٩

وفي الحسن : في الرجل يأتي البهيمة ، قال : « يجلد دون الحدّ ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها ؛ لأنّه أفسدها عليه ، وتذبح وتحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه ، وإن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحدّ ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف ، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها » (١).

وبه يقيّد إطلاق ما مرّ من الصحيح وغيره بحملها على مأكولة اللحم.

وهذه النصوص وإن كان ليس في شي‌ء منها ما يدل على تحريم النسل صريحاً إلاّ أنّه وتحريم اللبن أيضاً مستفاد من النهي عن الانتفاع بها في جملة منها ، وعمومه يستلزم تحريمهما جدّاً.

وفي الخبر بل الصحيح كما قيل (٢) ، ولا يبعد المروي في التهذيب في أواخر كتاب الصيد والذبائح : عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة ، قال : « إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً ، حتى يقع السهم بها ، فتذبح ، وتحرق ، وقد نجت سائرها » (٣).

والمذكور فيه كما ترى : « قسّمها نصفين أبداً » كما في العبارة وغيرها ، وأكثر العبارات خالية عنه.

وفي القواعد والتحرير (٤) : قسّم قسمين. وهو مع الإطلاق أعمّ من التنصيف ، إلاّ أن يحمل عليه بقرينة النصّ الذي هو المستند في هذا الحكم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠٤ / ١ ، الفقيه ٤ : ٣٣ / ٩٩ ، التهذيب ١٠ : ٦١ / ٢٢٠ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٣ / ٨٣٣ ، علل الشرائع : ٥٣٨ / ٣ ، المقنع : ١٤٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٨ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٤.

(٢) ملاذ الأخيار ١٤ : ٢٠٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٣ / ١٨٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٠ ح ١.

(٤) القواعد ٢ : ١٥٧ ، التحرير ٢ : ٢٢٦.

١٧٠

المخالف للأصل المقرّر في شبهة المحصور من وجوب اجتناب الجميع ولو من باب المقدمة ، وللأخبار المخالفة له فيها أيضاً ؛ لدلالتها على حلّ الجميع ما لم يعرف الحرام بعينه.

ويشكل التنصيف لو كان العدد فرداً ، وعلى النصّ يجب التنصيف ما أمكن ، والمعتبر منه العدد لا القيمة ، فإذا كان فرداً جعلت الزائدة مع أحد القسمين.

( وفي ) لزوم ( الصدقة بثمنها ) الذي بيعت به على الفقراء والمساكين كما عن المفيد وابن حمزة (١) ، أم دفعه إلى الواطئ كما عن الشيخ والحلّي (٢) ( قولان ) ووجّه الأوّل لعدم النص عليه بكون ذلك عقوبة على الجناية ، فلو أُعيد إليه الثمن لم يحصل العقوبة ، ولتكون الصدقة مكفّرةً للذنب.

وفيه نظر ؛ لأنّ العقوبة بذلك غير متحقق ، بل الظاهر خلافها ؛ لتعليل بيعها في الأخبار في بلد لا يعرف فيه كيلا يعيّر بها ، وعقوبة الفاعل حاصلة بالتعزير ، وتكفير الذنب متوقّف على التوبة ، وهي كافية.

ووجه الثاني : أصالة بقاء الملك على مالكه والبراءة من وجوب الصدقة ، والأخبار خالية عن تعيين ما يصنع به ، وكذا عبارة جماعة من الأصحاب.

( و ) لذا قال الماتن هنا وفي الشرائع (٣) وعامة المتأخرين : إنّ ( الأشبه ) بأُصول المذهب ( أنّه يعاد إليه ) وهذا الأصل في محلّه إن كان‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧٩٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٥.

(٢) الشيخ في النهاية : ٧٠٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٦٩.

(٣) الشرائع ٤ : ١٨٧.

١٧١

الفاعل هو المالك ، وإن كان غيره فالظاهر أنّ تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة ، وإلاّ لبقي الملك بغير مالك ، أو جمع للمالك بين العوض والمعوّض عنه ، وهو غير جائز.

وفي بعض الروايات « ثمنها » (١) كما عبّر به الماتن وكثير (٢) ، وهو عوض المثمن المقتضي لثبوت معاوضة ، والأصل فيها رجوع كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر ، ولعلّه السرّ في تخصيصهم لهذه العبارة.

وفي بعض الروايات « قيمتها » (٣) وهو عوض أيضاً ، وبذلك صرّح الشهيدان في النكت والروضة (٤).

( ويعزّر الواطئ ) بما يراه الحاكم ( على التقديرين ) أي سواء قلنا بالتصدق أو بالردّ على الواطئ ، كما هو ظاهر العبارة ، أو سواء وطئ مأكولة اللحم أو غيرها ، كما هو مقتضى النصوص والفتاوي ، من غير خلاف بينهما في ثبوت العقوبة على الواطئ مطلقاً ، وإن اختلفت في تقديرها بما ذكرناه كما هو ظاهر أكثرهما ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، ومن النصوص عليه زيادةً على ما مضى الخبران ، بل الصحيحان كما قيل (٥) : في رجل يقع على البهيمة ، قال : « ليس عليه حدّ ولكن يضرب‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٦٠ / ٢١٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٢ / ٨٣١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٧ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ١.

(٢) انظر الشرائع ٤ : ١٨٧ ، النهاية : ٧٠٩ ، الوسيلة : ٤١٥.

(٣) الكافي ٧ : ٢٠٤ / ١ ، الفقيه ٤ : ٣٣ / ٩٩ ، التهذيب ١٠ : ٦١ / ٢٢٠ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٣ / ٨٣٣ ، علل الشرائع : ٥٣٨ / ٣ ، المقنع : ١٤٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٨ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٤.

(٤) غاية المراد ٤ : ٢٩٨ ، الروضة ٩ : ٣٠٧.

(٥) لم نعثر عليه.

١٧٢

تعزيراً » (١).

ونحوهما المروي عن قرب الإسناد ، وفيه : « لا رجم عليه ولا حدّ ، ولكن يعاقب عقوبة موجعة » (٢).

أو بخمسة (٣) وعشرين سوطاً ربع حدّ الزاني ، كما في الصحيح المتقدم وتاليه.

أو بتمام حدّ الزاني ، كما في الصحيح (٤) وغيره (٥).

أو بالقتل مطلقا ، كما فيهما (٦).

والأقوى ما ذكرناه ؛ لشهرة ما دلّ عليه نصّاً وفتوى ، وقصور المقابل له من وجوه شتّى ، مع مخالفة بعضها بعضاً.

وجمع الشيخ (٧) بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل‌

__________________

(١) أحدهما في : التهذيب ١٠ : ٦١ / ٢٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٣ / ٨٣٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٨ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٣.

والآخر في : التهذيب ١٠ : ٦١ / ٢٢٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٣ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٩ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٥.

(٢) قرب الإسناد : ١٠٤ / ٣٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦١ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ١١.

(٣) في « ح » و « س » و « ن » ، ونسخة من « ب » : بسبعة ، والظاهر ما أثبتناه كما تقدّم في الصحيح المتقدم وتاليه في ص ١٦٨.

(٤) التهذيب ١٠ : ٦١ / ٢٢٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٤ / ٨٣٨ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٠ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٨.

(٥) التهذيب ١٠ : ٦٢ / ٢٢٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٤ / ٨٤٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٠ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٩.

(٦) الأول في التهذيب ١٠ : ٦١ / ٢٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٤ / ٨٣٦ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٩ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٦.

الثاني في : التهذيب ١٠ : ٦٢ / ٢٢٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٤ / ٨٣٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥٩ أبواب نكاح البهائم ب ١ ح ٧.

(٧) التهذيب ١٠ : ٦٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٢٤ ، ٢٢٥.

١٧٣

دون الإيلاج ، والحدّ إذا أولج حدّ الزاني ، وهو الرجم أو القتل إن كان محصناً ، [ والجلد (١) ] إن لم يكن محصناً.

أو بحمل أخبار القتل على ما إذا تكرّر منه الفعل ثلاثاً مع تخلّل التعزير ؛ لما روي من قتل أصحاب الكبائر مطلقاً إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين (٢). وفيهما بعد.

ويمكن حمل ما تضمن منها على حدّ الزاني على التقية ، كما ذكره أيضاً ، فقال بعد ذكر الوجه الأوّل : ويمكن على هذا الوجه إن كان مراداً بهذه الأخبار أن تكون خرجت مخرج التقية ؛ لأنّ ذلك مذهب العامّة ؛ لأنّهم يراعون في كون الإنسان زانياً إيلاج فرج في فرج ، ولا يفرّقون بين الإنسان وغيره من البهائم (٣).

وأشار بهذه الأخبار إلى الأخبار الأربعة الأخيرة.

( ويثبت ) موجب ( هذا الحكم بشهادة عدلين أو الإقرار ولو مرّة ) وفاقاً للمشهور ؛ عملاً بالعمومات.

خلافاً للحلّي وابن حمزة (٤) ، فاشترطا الإقرار مرّتين ، ويظهر من المختلف الميل إليه (٥).

ولم نعرف له مستنداً ، إلاّ أن يكون الاستقراء ، ولا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً ، ويحتمل مطلقاً ؛ لإيراثه الشبهة الدارئة لا أقلّ منها ، فتأمّل جدّاً.

__________________

(١) في النسخ : والحدّ ، والأنسب ما أثبتناه كما في الاستبصار.

(٢) الكافي ٧ : ١٩١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٥١ / ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ / ٣٦٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٩١ ، الوسائل ٢٨ : ١٩ أبواب مقدّمات الحدود ب ٥ ح ١.

(٣) الاستبصار ٤ : ٢٢٤.

(٤) الحلّي في السرائر ٣ : ٤٦٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٥.

(٥) المختلف : ٧٦٧.

١٧٤

هذا بالنسبة إلى العقوبة ، وأمّا بالنسبة إلى باقي الأحكام فالظاهر ثبوته بالإقرار مرّة إذا كانت الدابة لنفسه ، وإلاّ فلا يثبت بإقراره وإن تكرّر سوى ما يتعلّق به من التعزير دون التحريم والبيع ؛ لأنّه متعلّق بحق الغير ، فلا يسمع ، إلاّ أن يصدِّقه المالك ، فيثبت باقي الأحكام ؛ لزوال المانع من نفوذه حينئذٍ.

( ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات ) للأصل ، والشبهة ( والعمومات ) (١).

( ولو تكرّر الوطء مع التعزير ثلاثاً قتل في الرابعة ) أو الثالثة ، على الخلاف المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة.

( ووطء ) المرأة ( الميتة كوطء الحيّة في الحدّ واعتبار الإحصان ) وغير ذلك ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في ظاهر بعض العبارات (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى كونه زناءً إجماعاً كما في الانتصار والسرائر (٣) ، فيدخل في عموم ما دلّ على أحكامه.

ولأنّ حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً ، كما ورد في النصوص عموماً وخصوصاً ، ومنه الخبر : في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها ، قال : « إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزناء ، إن أُحصن رُجم ، وإن لم يكن أُحصن جُلد مائة » (٤).

__________________

(١) ليست في « ن ».

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤١٠.

(٣) الانتصار : ٢٥٤ ، السرائر ٣ : ٤٦٨.

(٤) الكافي ٧ : ٢٢٨ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٥٢ / ١٨٩ ، التهذيب ١٠ : ٦٢ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦١ أبواب نكاح البهائم ب ٢ ح ١.

١٧٥

وبالجملة : لا فرق بين وطئها حيّةً وميتةً في الحدّ وغيره ( و ) لكن ( يغلظ ) في العقوبة ( هنا ) ( زيادةً على الحدّ ) (١) اتفاقاً ظاهراً ، مصرّحاً به في كلام بعض أصحابنا (٢) ؛ لأنّ الفعل هنا أفحش قطعاً ، وورد به المرسل كالموثّق صريحاً : في الذي يأتي المرأة وهي ميتة ، قال : « وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها وهي حيّة » (٣).

( ولو كانت زوجتـ )ـه أو أمته المحلّلة له ( فلا حدّ ) عليه ( و ) لكن ( يعزّر ) كما قطع به الأكثر ، بل لم أجد خلافاً فيه ؛ لسقوط الحدّ بالشبهة وبقاء علاقة الزوجية.

وعليه يحمل إطلاق الخبر : عن رجل زنى بميتة ، قال : « لا حدّ عليه » (٤).

وربما حُمل على الإنكار ، وعلى ما دون الإيلاج كالتفخيذ ونحوه.

وأمّا ثبوت التعزير فلانتهاكه حرمتها كما قالوا ، وظاهرهم الاتفاق على حرمة وطئها بعد الموت.

( ولا يثبت إلاّ بأربعة شهود ) ذكور عدول ، وفاقاً للمشهور ، بل لعلّه لا خلاف فيه بين المتأخّرين ؛ لأنّه زناء في الجملة ، بل أفحش كما عرفته ، فيتناوله عموم أدلّة توقف ثبوته على الأربعة ؛ لأنّ شهادة الواحد قذف ، ولا يندفع حدّه إلاّ بكمال أربعة شهود.

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « ح ».

(٢) كشف اللثام ٢ : ٤١٠.

(٣) التهذيب ١٠ : ٦٣ / ٢٣٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٥ / ٨٤٣ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٢ أبواب نكاح البهائم ب ٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ١٠ : ٦٣ / ٢٣١ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٥ / ٨٤٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٢ أبواب نكاح البهائم ب ٢ ح ٣.

١٧٦

خلافاً للشيخين وابن حمزة وجماعة (١) ، فقالوا : يثبت بشهادة عدلين ؛ لأنّها شهادة على فعل واحد يوجب حدّا واحداً ، كوطء البهيمة ، بخلاف الزناء بالحيّة ، فإنّه يوجب حدّين ، فاعتبر فيه الأربعة لأنّها شهادة على اثنين.

واستندوا في هذا التعليل إلى رواية إسماعيل بن أبي حنيفة ، عن أبي حنيفة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان ، والزناء لا يجوز فيه إلاّ أربعة شهود ، والقتل أشدّ من الزناء؟ فقال : « لأنّ القتل فعل واحد ، والزناء فعلان ، فمن ثمّ لا يجوز إلاّ أربعة شهود : على الرجل شاهدان ، وعلى المرأة شاهدان » (٢).

ولعلّ هذه الرواية مراد الماتن بقوله : ( وفي رواية ) أنّه ( يكفي اثنان ؛ لأنّها شهادة على ) فعل ( واحد ) وإلاّ فلم نقف على رواية خاصّة تدل على ذلك صريحاً ولا ظاهراً سواها ، وهي قاصرة السند كما ترى ، وإن اعتبرت برواية البزنطي المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن راويها ، مضعَّفة التعليل بانتقاضه بالوطء الإكراهي والزناء بالمجنونة ، فإنّهما كذلك مع اشتراط الأربعة فيهما إجماعاً.

فالمتحقق اعتبار الأربعة من غير تعليل ، بل في كثير من النصوص ما ينافي تعليله وإن توقف الزناء على الأربعة والقتل على اثنين ، مع أنّه أعظم دليل على بطلان القياس.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧٩٠ ، الطوسي في النهاية : ٧٠٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٥ ؛ يحيى بن سعيد في الجامع : ٥٥٦ ، العلاّمة في المختلف : ٧٦٧.

(٢) الكافي ٧ : ٤٠٤ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٧٧ / ٧٦٠ ، الوسائل ٢٩ : ١٣٧ أبواب دعوى القتل ب ١ ح ١.

١٧٧

فالقول الأوّل أقرب إلى الترجيح ، سيّما مع اعتضاده بالشبهة الدارئة للحدّ.

واعلم أنّ الإقرار هنا تابع للشهادة بلا خلاف ، فمن اعتبر فيها أربعاً اعتبره فيه أيضاً ، ومن اكتفى بالاثنين اكتفى بهما في المقامين.

( ومن لاط بميت ) كان ( كمن لاط بحيّ ) سواء في الحدّ ( و ) لكن ( يعزّر ) هنا ( زيادةً على الحدّ ) المقرّر له من القتل أو الجلد ، بلا خلاف ؛ لما مرّ في سابقه ؛ لأنّهما من باب واحد ، بل ثبوت ما فيه هنا أولى كما لا يخفى.

( ومن استمنى ) أي استدعى إخراج المني ( بيده ) أو بشي‌ء من أعضائه أو أعضاء غيره سوى الزوجة والأمة المحلّلة له ( عزّر بما يراه الإمام ) والحاكم ، لفعله المحرّم ؛ إجماعاً ، ولقوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) إلى قوله ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (١) فهذا الفعل ممّا وراء ذلك.

وبه صرّح مولانا الصادق عليه‌السلام حيث سئل عن الخضخضة ، فقال : « اثم عظيم ، وقد نهى الله تعالى عنه في كتابه ، وفاعله كناكح نفسه ، ولو علمت بما يفعله ما أكلت معه » فقال السائل : فبيّن لي يا بن رسول الله من كتاب الله تعالى فيه ، فقال : « قول الله عزَّ وجلَّ ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) وهو ممّا وراء ذلك » الخبر. رواه في الوسائل عن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره ، عن أبيه ، عنه عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ٧.

(٢) هذا الحديث ساقط عن كتاب النوادر المطبوع ، وهو موجود في الحجريّ منه الملحق بكتاب فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٢ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٤ أبواب نكاح البهائم ب ٣ ح ٤.

١٧٨

وفي الصحيح : عن الخضخضة ، فقال : « من الفواحش » (١).

وفي الموثق : عن الرجل ينكح البهيمة أو يدلك ، فقال : « كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا وشبهه زناء » (٢).

والمراد بكونه زناءً أي في التحريم لا الحدّ ، إجماعاً فتوًى ونصّاً ، ففي الخبر : « اتي علي عليه‌السلام برجل عبث بذكره حتى أنزل ، فضرب يده بالدرّة حتى احمرّت » ولا أعلمه إلاّ قال : « وزوجه من بيت مال المسلمين » (٣) وقريب منه آخر (٤).

وفي الصحيح : عن الرجل يعبث بيديه حتى ينزل ، قال : « لا بأس به ولم يبلغ ذلك شيئاً » (٥).

ونحوه الخبر : عن الدلك ، قال : « ناكح نفسه ولا شي‌ء عليه » (٦).

وحُملا على نفي الحدّ ، لا التعزير ؛ جمعاً. وليس في فعل علي عليه‌السلام ما مرّ في الخبرين ما يدل على أنّه تعزيره مطلقاً ، بل يحتمل الاختصاص بالقضية التي فعله فيها ، والفعل ليس عامّاً.

( ويثبت ) هذا الفعل ( بشهادة عدلين ، أو الإقرار مرّتين ) بلا خلاف ؛ لما مرّ في نظائره.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٤٠ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٣٥٣ أبواب النكاح المحرّم ب ٢٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٥ : ٥٤٠ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٥٥ أبواب النكاح المحرّم ب ٣٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ١٠ : ٦٤ / ٢٣٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٦ / ٨٤٦ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٣ أبواب نكاح البهائم ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٢٦٥ / ٢٥ ، التهذيب ١٠ : ٦٣ / ٢٣٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٦ / ٨٤٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٣ أبواب نكاح البهائم ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ٦٤ / ٢٣٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٦ / ٨٤٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٣ أبواب نكاح البهائم ب ٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٥ : ٥٤٠ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٥٣ أبواب النكاح المحرّم ب ٢٨ ح ٦.

١٧٩

( ولو قيل يكفي ) الإقرار ( مرّة ) كما عليه الأكثر ( كان حسناً ) لعموم الخبر ، إلاّ ما أخرجه الدليل من اعتبار العدد ، وهو هنا منفي.

وقال الحلّي : يثبت بالإقرار مرّتين (١). وظاهره أنّه لا يثبت بدونه ، ولا يخلو عن وجه كما مرّ ، سيّما مع حصول الشبهة بالاختلاف ، فيدرأ بها الحدّ ، فتأمّل. والحمد لله تعالى.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٧١.

١٨٠