رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

الحدّ في الحرم ، فإنّه لم ير للحرم حرمة » (١).

( و ) هو نصّ في جواز أن ( يقتصّ عمّن جنى في الحرم فيه ) الجار متعلّق بـ : يقتصّ ، أي من جنى فيه يقتصّ منه فيه ، ولا يجب أن يقتصّ منه خارجه ، وفي المثل : كما تدين تدان ، مع أنّه أيضاً لا خلاف فيه ، وعموم أدلّة القصاص السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة يقتضيه.

ومقتضاها اختصاص الحكم الأوّل بالحرم ؛ لاختصاص مخصِّصها به ، فيشكل إلحاق مشاهد الأئمة عليهم‌السلام به ، وإن حكي عن الشيخين والقاضي ، ومال إليه في السرائر (٢) ، وكذا التنقيح ، فقال : وهو قريب ، أمّا أوّلاً : فلما ورد منهم أنّ بيوتنا مساجد.

وأمّا ثانياً : فلما تواتر من رفع العذاب الأُخروي عمّن يدفن بها ، فالعذاب الدنيوي أولى.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ ذلك مناسب لوجوب تعظيمها ، واستحباب المجاورة بها والقصد إليها (٣).

ولا ريب أنّ ما قالوه أحوط ، وإن كان في تعيّنه بهذه الوجوه الثلاثة نظر ، والحمد لله أوّلاً وآخراً.

__________________

(١) علل الشرائع : ٤٤٤ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٢٢٧ أبواب مقدمات الطواف ب ١٤ ح ٥.

(٢) المفيد في المقنعة : ٧٤٤ ، الطوسي في النهاية : ٧٥٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥١٦ ، السرائر ٣ : ٣٦٣.

(٣) التنقيح ٤ : ٤٦٠.

٣٤١
٣٤٢

( كتاب الديات )

جمع دية بتخفيف الياء ، وهي : المال الواجب بالجناية على الحرّ في نفس أو ما دونها ، وربما اختصّت بالمقدّر بالأصالة ، وأُطلق على غيره اسم الأرش والحكومة ، والمراد بالعنوان ما يعمّ الأمرين ، وهاؤها عوض من واو فاء الكلمة ، يقال : وديت القتيل : أعطيت ديته ، وربما يسمى الدية لغةً عقلاً (١) ؛ لمنعها من التجرّي على الدماء ، فإنّ من معاني العقل المنع.

والأصل فيها قبل الإجماع الكتاب ، والسنّة ، قال الله سبحانه ( وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (٢).

والسنّة متواترة مضى جملة منها ، وسيأتي إلى جملة أُخرى منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

( والنظر ) في هذا الكتاب يقع ( في أُمور أربعة : )

( الأول : ) في بيان ( أقسام القتل ومقادير الديات )

( و ) اعلم أنّ ( أقسامه ) أي القتل ، بل مطلق الجناية ( ثلاثة : عمد محض ، وخطأ محض ، وشبيه بالعمد فالعمد أن يقصد إلى الفعل والقتل ) به مطلقا ، أو الفعل خاصّة مع‌

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٧٦٩ ، لسان العرب ١١ : ٤٦١ ، المصباح المنير : ٤٢٢ ، القاموس ٤ : ١٩.

(٢) النساء : ٩٢.

٣٤٣

حصول القتل به غالباً ( وقد سلف مثاله ) (١) في أوّل كتاب القصاص.

( والشبيه بالعمد أن يقصد إلى الفعل دون القتل ) بشرط أن لا يكون الفعل مما يحصل به القتل غالباً ( مثل أن يضرب للتأديب ، أو يعالج للإصلاح ) ضرباً وعلاجاً لا يحصل بهما الموت إلاّ نادراً ( فيموت ) المضروب والمعالَج.

( والخطأ المحض أن يخطئ فيهما ) أي في الفعل وقصد القتل ( مثل أن يرمي الصيد فيتخطّاه السهم إلى إنسان فيقتله ) ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده إلاّ ما قدّمنا إليه الإشارة ، ومجموع ما هنا يعلم صحته ممّا سبق ثمّة ، فلا وجه للإعادة.

وموجَب الأوّل القصاص لا الدية ، إلاّ صلحاً كما سبق ، بخلاف الأخيرين ، فإنّ موجَبهما الدية لا غير مطلقاً.

ويفترقان في محلّها وكمّيتها وزمان أدائها ، كما سيأتي ذلك مفصّلاً.

إذا عرفت ذلك ( فـ ) اعلم أنّ ( دية ) قتل ( العمد ) حيث تتعيّن أو يراد الصلح عليها ( مائة من مسانّ الإبل ) وهي الثنايا (٢) فصاعدا ، وفي بعض كلمات الشهيد رحمه‌الله أنّ المسنّة من الثنيّة إلى بازل (٣) عامها (٤).

( أو مائتا بقرة ) وهي ما يطلق عليه اسمها ولو كان غير مسنّة ، على ما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من النصوص والفتاوي.

خلافاً للمحكي عن النهاية والمهذّب والجامع (٥) فمسنّة.

__________________

(١) في المختصر المطبوع : مقاله.

(٢) جمع ثنيّ ، وهي الإبل تدخل في السنة السادسة. المصباح المنير : ٨٥.

(٣) وهو البعير إذا دخل في السنة التاسعة. المصباح المنير : ٤٨.

(٤) حكاه عنه في الروضة ١٠ : ١٧٦.

(٥) النهاية : ٧٣٦ ، المهذّب ٢ : ٤٥٧ ، الجامع للشرائع : ٥٧٢.

٣٤٤

والحجة عليه غير واضحة ، فهو ضعيف ، ومع ذلك شاذّ ، كالمحكي عن الأخير في الأوّل أيضاً ، حيث قيّده بالفحولة.

ولكنّها أحوط ، سيّما الأخير ؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه ، وفيها الصحيح ( والموثّق وغيرهما ) (١) : عن دية العمد؟ فقال : « مائة من فحولة الإبل المسانّ ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم » (٢).

ولكن في صلوحها لتقييد النصوص المطلقة نظر ؛ لاعتضادها دون هذه بفتوى الأكثر ، سيّما مع ورودها في مقام الحاجة ، واشتمال هذه على ما لم يقل به أحد من الطائفة ، ولذا حملها الشيخ على التقية (٣).

( أو مائتا حلّة ) بالضمّ ، على الأشهر الأظهر بين الطائفة ، ونفى عنه الخلاف بعض الأصحاب (٤) ، وعليه الإجماع في الغنية (٥) ، وهو الحجّة ، دون الصحيح : سمعت ابن أبي ليلى يقول : كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة ، وفرض على أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلّة (٦).

لعدم الحجة في نقل ابن أبي ليلى ، سيّما وأنّ الراوي سأل‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ب » : وغيره.

(٢) الفقيه ٤ : ٧٧ / ٢٤١ ، التهذيب ١٠ : ١٥٩ / ٦٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٠ / ٩٧٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٠ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ٢ ؛ وانظر الحديثين ٣ ، ٥ من نفس الباب.

(٣) الإستبصار ٤ : ٢٦١.

(٤) المفاتيح ٢ : ١٤٣.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٦) الكافي ٧ : ٢٨٠ / ١ ، الفقيه ٤ : ٧٨ / ٢٤٥ ، التهذيب ١٠ : ١٦٠ / ٦٤٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٩ / ٩٧٥ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٣ أبواب ديات النفس ب ١ ح ١.

٣٤٥

أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا رواه ، فقال : « كان علي عليه‌السلام يقول : الدية ألف دينار ، وقيمة الدنانير عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم لأهل الأمصار ، ولأهل البوادي الدية مائة من الإبل ، ولأهل السواد مائتا بقرة ، أو ألف شاة ».

ولم يذكر عليه‌السلام أصل الحلّة فضلاً عن عددها ، ومع ذلك فما هنا إنّما هو على نسخة التهذيب ، وأمّا على نسخة : الكافي والفقيه والاستبصار فإنّما هو مائة حلّة ، ولذا قال الصدوق بها في المقنع (١) ، ولكنّه شاذّ ، ومستنده لما عرفت ضعيف.

وأمّا الصحيح : في الدية ، قال : ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل ، ومن أصحاب الإبل الإبل ، ومن أصحاب الغنم الغنم ، ومن أصحاب البقر البقر (٢).

فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلّة دون عددها أنّها مائتان أو مائة.

مع أنّ في بعض نسخ التهذيب « الخيل » ، بدل الحُلل ، وحينئذٍ لا دلالة فيه على الأصل أيضاً ، لكن نسخة الكافي بما نقلناه واحدة ، وهي أرجح من نسخة التهذيب المزبورة ، سيّما مع أنّ بعض نسخه أيضاً له موافقة.

واعلم أنّ ( كل حلّة ثوبان ) على ما نص عليه أكثر أهل اللغة والأصحاب ، من غير خلاف بينهم أجده ، فعن أبي عبيد : الحلل برود اليمن ، والحُلّة إزار ورداء ، لا تسمّى حلّة حتى تكون ثوبين (٣).

__________________

(١) المقنع : ١٨٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٤ ، التهذيب : ١٠ : ١٥٩ / ٦٣٧ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٥ أبواب ديات النفس ب ١ ح ٤.

(٣) حكاه عنه في الصحاح ٤ : ١٦٧٣ ، وهو في غريب الحديث ١ : ١٣٩.

٣٤٦

وابن الأثير : الحلّة واحدة الحلل ، وهي برود اليمن ولا تسمّى حلّة إلاّ أن تكون ثوبين من جنس واحد (١).

والمصباح المنير : الحلّة بالضم لا تكون إلاّ ثوبين من جنس واحد (٢).

والعين : الحلّة إزار ورداء ، برد أو غيره ، لا يقال لها حلّة حتى تكون ثوبين ، وفي الحديث تصديقه (٣).

والقاموس : لا تكون حلّة إلاّ من ثوبين أو ثوب له بطانة (٤).

ويستفاد منهم أن التعدّد له مدخلية في صدق الحلّة وعدمه مع الوحدة ، وعليه فيكون القيد في العبارة توضيحاً لا تقييداً ، وكذلك التقييد بكونهما ( من برود اليمن ) على ما يستفاد من الأوّلين.

وفي السرائر زاد بعد اليمن : أو نجران (٥). ولم أقف على دليله ، نعم ما مرّ عن العين ربما يعضده ، فتدبّر.

ثم إنّ المعتبر من الثياب ما يصدق عليه اسم الثوب عرفاً ، لا مجرّد ما يستر العورة خاصّة ، كما ربما يقال ؛ لفساده قطعاً.

( أو ألف دينار ) أي مثقال ذهب خالص ، كما في صريح الخبر : « دية المسلم عشرة آلاف من الفضة ، أو ألف مثقال من الذهب ، أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً ، ومن الإبل مائة على أسنانها ، ومن البقر مائتين » (٦).

__________________

(١) النهاية الأثيرية ١ : ٤٣٢.

(٢) المصباح المنير ١ : ١٤٨.

(٣) العين ٣ : ٢٨.

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٣٧٠.

(٥) السرائر ٣ : ٣٢٣.

(٦) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٨ / ٩٧٣ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٤ أبواب ديات النفس ب ١ ح ٢.

٣٤٧

وفي باقي النصوص المعتبرة ألف دينار (١).

( أو ألف شاة ) وهي ما يطلق عليه اسمها ولو كان أُنثى.

وأمّا المعتبرة المتقدمة (٢) الدالة على أنّ مكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم ، فقد عرفت جوابه ، مع دعوى الإجماع على خلافها في الغنية (٣) ، وعدم قائل بها هنا على ما أجده ، إلاّ ما ربما يتوهّم من الشيخ في الكتابين (٤) ، حيث حملها على وجهين :

أحدهما : أنّ الإبل يلزم أهل الإبل ، فمن امتنع من بذلها ألزمه الوليّ قيمتها ، وقد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم ، كما في الصحيح : « ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة » (٥).

وثانيهما : اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرّا ، كما في الخبر المتضمّن للسؤال عن قتله له قال : « مائة من الإبل المسانّ ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم » (٦).

ولكن الظاهر أنّ ذلك منه ليس قولاً ، بل إنّما ذكره جمعاً.

( أو عشرة آلاف درهم ) كما مرّ في جملة من المعتبرة ، ويأتي في جملة أُخرى إليه الإشارة.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٩ : ١٩٣ أبواب ديات النفس ب ١ الأحاديث ١ ، ٤ ، ٥ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠.

(٢) في ص ٣٤٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٤) التهذيب ١٠ : ١٦١ ، الاستبصار ٤ : ٢٦١.

(٥) الفقيه ٤ : ٧٧ / ٢٤٠ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٩ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٤ أبواب ديات النفس ب ١ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢٩ : ٢٠١ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ٥.

٣٤٨

وأمّا ما في الصحيح وغيره من أنّه اثنا عشر ألفاً (١) ، فـ مع شذوذه ، وعدم ظهور قائل به ، ودعوى الإجماع في الغنية (٢) على خلافه محمول على التقية ، كما ذكره الشيخ ، قال : لأنّ ذلك مذهب العامّة ، واحتمل أيضاً حملهما على ما ذكره الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى معاً : أنه روى أصحابنا أنّ ذلك من وزن ستّة ، قال : وإذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف درهم (٣).

واعلم أنّ هذه الخصال الستّة وإن لم يشتمل على تمامها رواية فيما أجده ، إلاّ أنّها مستفادة من الجمع بين روايات المسألة بعد ضمّ بعضها إلى بعض ، مع تضمّن جملة منها خمسة ما عدا الحلّة ، كالصحيحة المتضمّنة لنقل ابن أبي ليلى (٤) ، وكذا الصحيحة التي بعدها (٥) على نسخة الخيل بدل الحلل ، وإلاّ فهي شاملة للستّة ، وإن قصرت عن إفادة بيان العدد في الحلّة ، ونحوهما الرواية المتقدّمة في الدينار (٦) بحمل الواو في جملة من أعدادها على « أو » بقرينة الإجماع والروايات الأُخر ؛ فإنّ أخبارهم عليهم‌السلام بعضها يكشف عن بعض ، فما يقال : من عدم وضوح دلالة الأخبار على تمام هذه الخصال لا وجه له ، هذا.

وقد ادّعى في الغنية (٧) الإجماع عليها بعد ما ذكرها بعين ما هنا مخيّراً‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٥٩ / ٦٣٨ ، ٦٣٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٦١ / ٩٨٠ ، ٩٨١ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٦ ، ١٩٧ أبواب ديات النفس ب ١ ح ٩ ، ١٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٣) التهذيب ١٠ : ١٦٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٦١.

(٤) المتقدمة في ص ٣٤٢.

(٥) المتقدمة في ص ٣٤٣.

(٦) راجع ص ٣٤٤.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

٣٤٩

بينها ، ونفى عنه الخلاف بعض أصحابنا (١) أيضاً ، فلا إشكال فيها بحمد الله تعالى.

وإنّما الإشكال في أنّها هل على التخيير ، كما هو ظاهر العبارة وعامة المتأخرين؟ أم على التنويع ، بمعنى أنّه يجب كل صنف منها على أهله ، كما عن الشيخين وغيرهما من القدماء (٢)؟

وللأوّل بعد الأصل ـ : ظاهر « أو » المفيدة للتخيير في جملة من النصوص ، مع ظهور دعوى الإجماع عليه في عبائر كثير ، كالحلّي وغيره (٣).

وللثاني : الاحتياط ، وظواهر كثير من النصوص المتقدمة جملة منها (٤) ، المتضمّنة لأنّ الإبل على أهلها ، والبقر على أهلها ، وهكذا.

وحمل هذه على إرادة التسهيل على القاتل لئلاّ يكلّف تحصيل غيره فتنطبق على أخبار التخيير وإن أمكن ، إلاّ أنّه يمكن الجمع بالعكس ، بحمل « أو » ، على التنويع ، فتنطبق على أخباره ، ولعلّ الترجيح مع الأوّل ؛ لظواهر الإجماعات المحكية ، مضافاً إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.

وتظهر الثمرة فيما لو بذل ربّ كلّ صنف غيره بدون رضاء وليّ المقتول ، فيجوز على المشهور ولا على غيره.

( وتستأدى ) هذه الدية ( في سنة واحدة ) لا يجوز تأخيرها عنها‌

__________________

(١) المفاتيح ٢ : ١٤٣.

(٢) المفيد في المقنعة : ٧٣٥ ، الطوسي في النهاية : ٧٣٦ ؛ وانظر المهذّب ٢ : ٤٥٧.

(٣) الحلي في السرائر ٣ : ٣٢٣ ، كشف اللثام ٢ : ٤٩٤.

(٤) راجع ص ٣٤٢ ، ٣٤٣.

٣٥٠

بغير رضاء المستحق ، ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة ، بلا خلاف بيننا أجده ، إلاّ من ظاهر الخلاف (١) ، فجعلها حالّة ، وعلى خلافه في ظاهر عبائر جماعة (٢) وصريح الغنية والسرائر (٣) إجماع الإمامية ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحيحة الصريحة : قال : « كان علي عليه‌السلام يقول : تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين ، وتستأدى دية العمد في سنة » (٤).

وهي ( من مال الجاني ) لا بيت المال ، ولا العاقلة ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة ، ومنهم السيد ابن زهرة في الغنية (٥) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى أنّ تعلق الدية بغير الجاني خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على الخطأ ؛ لأنّه مورد الفتوى والنصّ ؛ لصريح الخبرين : « لا تضمن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً » (٦) وفي المضمر : « فإن لم يكن له مال يؤدّي ديته يسأل المسلمين حتى يؤدّوا عنه ديته إلى أهله » (٧).

__________________

(١) الخلاف ٥ : ٢٢٠.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٦٧٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٤٦٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٨٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، السرائر ٣ : ٣٢٢.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨٣ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ٨٠ / ٢٥٠ ، التهذيب ١٠ : ١٦٢ / ٦٤٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٥ أبواب ديات النفس ب ٤ ح ١.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٦) الفقيه ٤ : ١٠٧ / ٣٦٠ ، التهذيب ١٠ : ١٧٠ / ٦٧٠ ، ٦٧٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٦١ / ٩٨٣ ، ٩٨٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩٤ أبواب العاقلة ب ٣ ح ١ ، ٢.

(٧) الفقيه ٤ : ٧٠ / ٢١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٦٤ / ٦٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٤ أبواب القصاص في النفس ب ١٠ ح ٥.

٣٥١

( ولا تثبت إلاّ بالتراضي ) بها عن القود حيث يتعيّن على الأصح ، كما مرّ ، وأمّا على غيره فلا يحتاج إليه ، وكذا حيث لا يتعيّن القود كقتل الوالد للولد ، أو تعيّن ولكن فات بمبادرة أحد الأولياء إليه ، أو موت القاتل ، أو كان القاتل عاقلاً والمقتول مجنوناً ، أو نحو ذلك.

واعلم أنّ الخطأ ( وشبيه العمد ) (١) يشاركان العمد في هذه الخصال الستّة ، كما سيأتي إليه الإشارة ، وإنّما يفترقان عنه في أسنان الإبل خاصّة ، فإنّها فيه ما مرّ ، وفيهما دونه سنّاً ، ويفترقان أحدهما عن الآخر بأنّ أسنانها في الخطاء دون أسنانها في شبيهه.

( و ) لكن في تعيين الأسنان في كل منهما خلاف نصّاً وفتوى ، فـ ( في دية شبيه العمد ) منها ( روايتان ).

إحداهما الصحيح : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر ، إنّ دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل ، منها أربعون خَلِفة بين ثنيّة إلى بازل عامها ، وثلاثون حِقّة ، وثلاثون بنت لبون » (٢).

وعمل بها الصدوق والإسكافي على ما حكي (٣) ، واختاره الفاضل في المختلف والتحرير وشيخنا في المسالك والروضة وجمع من المتأخّرين (٤) ، ولا بأس به ؛ لصحة السند ، مع السلامة عما يصلح‌

__________________

(١) في « ن » : والعمدَ شبهَه.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٧٧ / ٢٤٠ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٩ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٩ أبواب القصاص في النفس ب ١١ ح ١١.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٧٨٤.

(٤) المختلف : ٧٨٤ ، التحرير ٢ : ٢٦٨ ، المسالك ٢ : ٤٨٩ ، الروضة ١٠ : ١٧٧ ، وانظر المقتصر : ٤٤٠ ، والمفاتيح ٢ : ١٤٣.

٣٥٢

للمعارضة من النص.

وثانيتهما الخبر : « دية المغلظة التي تشبه العمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل : ثلاث وثلاثون حِقّة ، وثلاث وثلاثون جذعة ، وأربع وثلاثون ثنيّة ، كلّها طروقة الفحل » (١) ونحوه آخر (٢).

وعمل بهما المفيد والتقي والديلمي وغيرهم (٣).

وفي سندهما ضعف على المشهور بعلي بن أبي حمزة ومحمد بن سنان ، فلا يتوجّه العمل بهما ، سيّما وأن يطرح لأجلهما الرواية الاولى مع صحتها.

واعلم أنّ هنا قولاً ثالثاً أشار إليه بقوله : ( أشهرهما : ) أنّها ( ثلاث وثلاثون بنت لبون ) سنّها سنتان فصاعداً ( وثلاث وثلاثون حِقّة ) سنّها ثلاث سنين فصاعداً ( وأربع وثلاثون ثنيّة ) سنّها خمس سنين فصاعداً ( طروقة الفحل ) أي التي بلغت أن يضربها الفحل ، قال به الشيخ في النهاية وعن ابن حمزة في الوسيلة (٤).

ومستند هذا القول غير واضح ، وإن جعله الماتن أشهر الروايتين ، فإنّا لم نقف عليها كما اعترف به جماعة من أصحابنا (٥) ، ويظهر من شيخنا في‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٨ / ٩٧٣ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٠ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٤٧ / ٩٧٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٨ / ٩٧٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٨ أبواب ديات النفس ب ١ ح ١٣.

(٣) المقنعة : ٧٣٥ ، الكافي : ٣٩٢ ، المراسم : ٢٣٩ ، وانظر إصباح الشيعة ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٨٩.

(٤) النهاية : ٧٣٨ ، الوسيلة : ٤٤١.

(٥) منهم الفاضلان : الآبي في كشف الرموز ٢ : ٦٣٢ ، والمقداد في التنقيح ٤ : ٤٦٣ ، وابن فهد في المقتصر : ٤٣٨.

٣٥٣

المسالك وبعض من تبعه (١) أنّها الرواية الثانية المتقدّمة ، وهو غفلة واضحة فإنّه ليس فيها ذكر بنت لبون ، بل فيها بدلها جذعة.

ونحو هذا القول : القول بهذه الأسنان أيضاً لكن مبدلاً فيه الأربع والثلاثين ثنيّة طروقة الفحل بأربع وثلاثين خَلِفة بفتح الخاء وكسر اللام ، أي الحامل ، كما عن الخلاف والمهذّب (٢).

وربما يجمع بين هذين القولين بأن يراد من طروقة الفحل في الأوّل ما طرقها الفحل فحملت بقرينة أنّ الحقّة ما بلغت أن يضربها الفحل.

وعن النهاية والإصباح وفي الغنية (٣) أنّه روي : ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون ، وأربعون خَلِفة ، قال في النهاية : كلّها طروقة الفحل. ولم نقف عليها.

( ويضمن هذه ) الدية أيضاً ( الجاني ) خاصّة ( لا العاقلة ) للأصل المتقدّم إليه الإشارة ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في ظاهر السرائر (٤) بل صريحه ، وصريح التحرير والغنية (٥).

خلافاً للمحكي عن الحلبي (٦) ، فجعلها على العاقلة. وهو شاذّ.

وللنهاية والمهذّب والغنية (٧) فيما لو مات أو هرب ، فيؤخذ بها حينئذٍ‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٨٩ ، وانظر المفاتيح ٢ : ١٤٣.

(٢) الخلاف ٥ : ٢٢١ ، المهذّب ٢ : ٤٥٩.

(٣) النهاية : ٧٣٨ ، إصباح الشيعة ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٨٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٤) السرائر ٣ : ٣٣٥.

(٥) التحرير ٢ : ٢٦٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٦) الكافي : ٣٩٦.

(٧) النهاية : ٧٣٨ ، المهذّب ٢ : ٤٥٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

٣٥٤

أولى الناس به ، وإن لم يكن له أحد ففي بيت المال.

ولعلّه غير بعيد ؛ لثبوت مثله في العمد كما مرّ ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في الغنية.

وأنكره الحلّي (١) ، فقال : إنّه خلاف الإجماع ، فإنّه لا ضمان عليهما إلاّ في الخطأ المحض. وهو معارَض بمثله بل وأجود ، فتأمّل.

( و ) اعلم أنّا لم نقف على رواية تدل على مقدار زمان تأديتها فيه ، إلاّ أنّه ( قال المفيد : تستأدى في سنتين ) (٢) وتبعه أكثر الجماعة ، بل عامّتهم كما في ظاهر الروضة (٣) مشعراً بالإجماع عليه ، كما في ظاهر السرائر (٤) ، حيث قال : عندنا تستأدى في سنتين من مال القاتل خاصّة. ونحوه ظاهر المبسوط (٥) ، ونفى الخلاف عنه في الغنية (٦).

وهو الحجة المؤيّدة بما احتجَّ عليه في المختلف : من أنّه كما ظهر التفاوت بين العمد والخطأ في الأجل لتفاوت الجناية فيهما ، وجب أن يظهر بالنسبة إليهما وإلى شبيه العمد ؛ لوجود المقتضي عملاً بالمناسبة (٧).

فلا وجه للتردّد المستفاد من العبارة وما ضاهاها من عبائر جماعة كالمهذّب والشرائع والنهاية (٨) ، ولا لما يحكى عن ابن حمزة من أنّه‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٣٥.

(٢) المقنعة : ٧٣٩.

(٣) الروضة ١٠ : ١٧٩.

(٤) السرائر ٣ : ٣٢٢.

(٥) المبسوط ٧ : ١١٥.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٧) المختلف : ٧٨٥.

(٨) المهذّب ٢ : ٤٥٨ ، الشرائع ٤ : ٢٤٦ ، النهاية : ٧٣٨.

٣٥٥

تستأدى في سنتين إن كان معسراً ، وإلاّ ففي سنة (١) ، ولا لما عن الخلاف من أنّها تستأدى في سنة ، ودية العمد حالّة (٢).

( وفي دية ) قتل ( الخطأ ) المحض منها ( أيضاً روايتان ) بل روايات وأقوال ( أشهرهما ) (٣) بين المتأخّرين ، بل عليه عامّتهم : أنّها ( عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حِقّة ) (٤) وهي مع ذلك صحيحة.

وفي الثانية أنّها : « خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقّة ، وخمس وعشرون جَذَعة » (٥) وبها أفتى ابن حمزة (٦).

وهذه هي الرواية الثانية في المسألة السابقة ، كما أنّ الاولى هنا هي الأُولى السابقة بعينها ، فليت الماتن وغيره عملوا بها ثمّة كما عملوا بها هنا ؛ لصحتها ، مع ضعف ما قابلها ، وإن حكي عن الخلاف (٧) أنّه ادعى إجماع الفرقتين عليهما ، وتأيّدت الثانية هنا بما عن تفسير العياشي (٨) من نقله‌

__________________

(١) الوسيلة : ٤٤١.

(٢) الخلاف ٥ : ٢٢٠ ، ٢٢١.

(٣) في « ن » و « س » : أشهرها سيّما.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٧٧ / ٢٤٠ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٩ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٩ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٢٨٢ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٨ / ٩٧٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٨ أبواب ديات النفس ب ١ ح ١٣.

(٦) الوسيلة : ٤٤١.

(٧) الخلاف ٥ : ٢٢٦.

(٨) تفسير العياشي ١ : ٢٦٥ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٢ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ١٠.

٣٥٦

رواية بمضمونها.

وفي رواية ثالثة أنّها : « ثلاث وثلاثون حِقّة ، وثلاث وثلاثون جَذَعة ، وأربع وثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها ، كلّها خَلِفة » (١).

وهي وإن كانت صحيحة ، إلاّ أنّي لم أجد عاملاً بها ، ومع ذلك كون ذلك في الخطأ لم يذكر فيها إلاّ بنقل علي بن حديد الذي هو في سندها ، وهو ضعيف جدّاً تضعف به الرواية لولا كون ابن أبي عمير شريكاً له في نقل أصلها.

وعن المبسوط وفي السرائر أنّها عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون حِقّة ، وعشرون جَذَعة (٢). ولم أجد به رواية.

( وتستأدى في ثلاث سنين ) في كل سنة ثلثها ، إجماعاً منّا بل من الأُمّة أيضاً كما عن الخلاف (٣) حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (٤) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى الصحيحة السابقة.

( ويضمنها العاقلة لا الجاني ) إجماعاً ؛ للنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ، يأتي ذكرها في بحث العاقلة إن شاء الله تعالى.

نعم إن فقدت العاقلة أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل إن كان له مال ، وإلاّ فعلى الإمام ، كما يأتي ثمّة.

( ولو قتل في الشهر الحرام ) وهو أحد الأربعة : المحرّم ، ورجب ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨٢ / ٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠١ أبواب ديات النفس ب ٢ ح ٧.

(٢) المبسوط ٧ : ١١٥ ، السرائر ٣ : ٣٢٢.

(٣) الخلاف ٥ : ٢٧٧.

(٤) المهذب البارع ٥ : ٢٤٦ ، كشف اللثام ٢ : ٤٩٥.

٣٥٧

وذو القعدة ، وذو الحجة ( أُلزم دية وثلثاً ) من أيّ الأجناس كان ، لمستحق الأصل ؛ ( تغليظاً ) عليه ، لانتهاكه الحرمة ، بلا خلاف فيه أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (١) ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة (٢) ففي الموثق كالصحيح : « عليه دية وثلث » (٣).

وفي الخبر : عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ، ما ديته؟ قال : « دية وثلث » (٤).

( وهل يلزم مثل ذلك ) لو قتل ( في الحرم ) الشريف المكي زاده الله شرفاً؟ ( قال الشيخان ) (٥) وأكثر الأصحاب : ( نعم ) ومنهم ابن زهرة والحلّي (٦) ، مدّعيين عليه في ظاهر كلامهما إجماع الإمامية ، كما ستعرفه ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الموثّق كالصحيح : في رجل قتل في الحرم ، قال : « عليه دية وثلث » (٧).

وصريح جماعة ومنهم الماتن هنا وفي الشرائع (٨) لقوله : ( ولا أعرف الوجه ) خلوّ فتواهم عن الرواية ، بل مطلق الحجة ، وكأنّهم لم يقفوا على هذه الرواية ، وإلاّ فهي مع اعتبار سندها في المطلوب صريحة ، معتضدة‌

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ٢٢٢ ، والحلّي في السرائر ٣ : ٣٢٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٨٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح : ٢ : ١٤٤.

(٢) في « ح » زيادة : المستفيضة.

(٣) الفقيه ٤ : ٨١ / ٢٥٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٤ أبواب ديات النفس ب ٣ ح ٥.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨١ / ٦ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٣ أبواب ديات النفس ب ٣ ح ١.

(٥) المقنعة : ٧٤٣ ، النهاية : ٧٥٦.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠ ، السرائر ٣ : ٣٢٣.

(٧) التهذيب ١٠ : ٢١٦ / ٨٥١ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٤ أبواب ديات النفس ب ٣ ح ٣.

(٨) الشرائع ٤ : ٢٤٦.

٣٥٨

بما مرّ من الإجماعات المحكية ، وبما علّله المتأخّرون من اشتراكهما في الحرمة وتغليظ قتل الصيد فيه المناسب لتغليظ غيره ، فقولهم في غاية القوة.

وهل يلحق بها حرم المدينة ومشاهد الأئمّة على مشرّفها ألف صلاة وسلام وتحية؟ مقتضى الأصل العدم ، وفي الشرائع والإرشاد والتحرير (١) عن الشيخ الإلحاق ، وعبارته في النهاية لا تساعده ، كما نبّه عليه الحلّي (٢).

قيل : والظاهر اختصاص التغليظ بالعمد (٣) ؛ للأصل ، واختصاص أكثر الفتاوي به من حيث التعليل بالانتهاك.

وفيه نظر ، فإنّ مقتضى الخبرين العموم ، وبه صرّح الحلّي ، فقال : قد ذكرنا أنّ الدية تغلظ في العمد المحض وعمد الخطأ ، وتخفّف في الخطأ المحض أبداً إلاّ في موضعين : المكان والزمان ، فالمكان : الحرم ، والزمان : الأشهر الحرم ، فعندنا أنّها تغلظ بأن توجب دية وثلثاً (٤). وظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه أيضاً.

وقريب منه ابن زهرة ، حيث أطلق الحكم ولم يعلّل بما يوجب التقييد بالعمد ، فقال : ويجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام دية وثلث إلى أن قال ـ : كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (٥).

ومثله في الإطلاق عبارة الفاضل في التحرير والإرشاد (٦) ، ولذا صرّح‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٢٤٦ ، الإرشاد ٢ : ٢٣٣ ، التحرير ٢ : ٢٦٨.

(٢) السرائر ٣ : ٣٦٣ ، انظر النهاية : ٧٥٦.

(٣) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٩٦.

(٤) السرائر ٣ : ٣٢٣.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٠.

(٦) التحرير ٢ : ٢٦٨ ، الإرشاد ٢ : ٢٣٣.

٣٥٩

بالعموم للثلاثة بعض متأخّري الأصحاب (١) مدّعياً عليه النص والإجماع.

ولا تغليظ عندنا في الأطراف ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٢) ، وادّعى بعضهم في ظاهر كلامه الإجماع عليه (٣) ؛ للأصل ، واختصاص الفتوى والنص بالقتل.

ولا في قتل الأقارب ؛ لذلك ، وبه صرّح في المختلف (٤). خلافاً للمبسوط والخلاف (٥) ، فيغلظ. ودليله مع شذوذه غير واضح.

ثم إنّ كل ذا في دية قتل الحرّ المسلم.

( و ) أمّا ( دية ) قتل ( المرأة ) الحرّة المسلمة فـ ( على النصف من الجميع ) أي جميع المقادير الستّة المتقدمة ، فمن الإبل خمسون ، ومن الدنانير خمسمائة ، وهكذا ، إجماعاً محقّقاً ومحكياً في كلام جماعة حدّ الاستفاضة (٦) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة ، فمنها زيادةً على ما مرّ في بحث تساوي الرجل والمرأة في دية الجراحات ما يبلغ الثلث وغيره الصحيح : « دية المرأة نصف دية الرجل » (٧).

__________________

(١) هو الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٤٤.

(٢) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٦٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ١٨٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٤٤.

(٣) كما في السرائر ٣ : ٣٢٣.

(٤) المختلف : ٨٢٤.

(٥) المبسوط ٧ : ١١٦ ، انظر الخلاف ٥ : ٢٢٢.

(٦) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٩٦ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٤٤.

(٧) الكافي ٧ : ٢٩٨ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١٨٠ / ٧٠٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٠٥ أبواب ديات النفس ب ٥ ح ١.

٣٦٠