رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١

وبالجملة : فلا يعترض بمثل الرواية الأُصول المعتضدة بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة ، مضافاً إلى ظاهر الرواية السابقة.

( و ) مع ذلك تضمّنت أنّه ( لو ضربه على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة ، فإن مات قيد به ، وإن بقي ولم يرجع ) إليه ( عقله فعليه الدية ).

وهو أيضاً مخالف للأُصول ، كما يظهر من الفاضلين هنا وفي الشرائع والإرشاد والتحرير (١) ، حيث نسبا هذا الحكم إلى الرواية ، وأشار إليه الشهيد رحمه‌الله في النكت ، فقال : ووجهه أنّ إطلاق القود بعد مضي السنّة لا يتمّ إلاّ بتقدير أن يكون الضربة ممّا يقتل غالباً ، أو قصده وحصل الموت بها ، ولكن الرواية أعمّ من ذلك ، إلاّ أنّه رحمه‌الله قال : ولكن هذا مقيّد بالنص الصحيح (٢) ، فلذا لم يتوقّف فيه غيرهما ، ويمكن تقييده بما يوافق الأُصول جمعاً ، وقرينته الضرب بعمود الفسطاط على الرأس ، فربما كان ذلك مما يقتل غالباً.

( وفي ) إذهاب ( السمع ) من الأُذنين معاً ( الدية ) كاملة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في صريح التحرير وظاهر الغنية (٣) ، وهو الحجة زيادةً على ما مرّ في العقل من النص عموماً وخصوصاً ، ومنه هنا زيادةً على ما يأتي الصحيح : « في ذهاب السمع كلّه ألف دينار » (٤).

( وفي ) إذهاب ( سمع كل اذن نصف الدية ) مطلقاً ، كانت إحداهما أحدّ من الأُخرى أولا ، كانت الأُخرى ذاهبة بسبب من الله تعالى أو بجناية‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٢٧٢ ، الإرشاد ٢ : ٢٤٢ ، التحرير ٢ : ٢٧٥.

(٢) غاية المراد ٤ : ٥٥٠.

(٣) التحرير ٢ : ٢٧٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) الكافي ٧ : ٣١١ / ١ ، الفقيه ٤ : ٥٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٤٥ / ٩٦٨ ، الوسائل ٢٩ : ٢٨٣ أبواب ديات الأعضاء ب ١ ح ١.

٥٠١

أو غيرهما ، بلا خلاف أجده إلاّ من ابن حمزة (١) ، فأوجب الدية كاملة إن كانت الأُخرى ذهبت بسبب من الله سبحانه ، ونصفها إن كانت ذاهبة بغيره مطلقاً. وهو نادر ، ومستنده مع ذلك غير ظاهر عدا القياس بعين الأعور ، وهو فاسد.

( وفي بعض السمع بحسابه من الدية ) بلا خلاف ؛ للقاعدة ؛ مضافاً إلى الرواية (٢) التي استندوا إليها لكيفية استعلام النسبة بين الصحيحة والناقصة ( و ) هي أن ( تقاس الناقصة إلى الأُخرى بأن تسدّ الناقصة ) سدّاً شديداً ( وتطلق الصحيحة ويصاح به ) بصوت لا يختلف كميّته ، كصوت الجرس متباعداً عنه ( حتى يقول : لا أسمع ) ثم يعاد عليه ثانياً من جهة أُخرى ، ولو فعل به ذلك مراراً من أربع جهات كما في الرواية كان أولى.

( و ) على كل حال يجب أن ( تعتبر المسافة من ) جانبيه ، أو ( جوانبه الأربع ) بأن يعلّم مبدأ كل مسافة قال فيها : لا أسمع ، ومنتهاه ، وينسب إلى باقي المسافات مبدءاً ومنتهًى ( ويصدّق مع التساوي ) أي تساوي المسافات قدراً ( ويكذّب مع التفاوت ).

( ثم ) مع التساوي ( تطلق الناقصة وتسدّ الصحيحة ) سدّاً جيّداً ( ويفعل به كذلك ) أي يعتبر بالصوت كما مرّ حتى يقول : لا أسمع ، ثم يكرّر عليه الاعتبار كما مرّ ، وينسب التفاوت بين الصحيحة والناقصة ( ويؤخذ من ديتها بنسبة التفاوت ) بينهما.

والرواية المتضمّنة لهذه الكيفية وإن كانت ضعيفة إلاّ أنّها مجبورة بالاعتبار ، مع عدم خلاف فيها في ظاهر الأصحاب ، ويعضدها ما في كتاب‌

__________________

(١) الوسيلة : ٤٤٥.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٢ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٠٠ / ٣٣٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٥ / ١٠٤٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٢ أبواب ديات المنافع ب ٣ ح ٢.

٥٠٢

ظريف بعد ذكر المقايسة بين العينين من قوله : « وإن أصاب سمعه شي‌ء فعلى نحو ذلك يضرب له بشي‌ء لكي يعلم منتهى سمعه ، ثم يقاس ذلك » (١) ونحوه غيره (٢).

( و ) لا يقاس السمع في يوم ريح ، ولا في المواضع المختلفة في الارتفاع والانخفاض ؛ لعدم الانضباط ، بل ( يتوخّى ) ويختار ( القياس في سكون الهواء ) والمواضع المعتدلة.

( وفي ) إذهاب ( ضوء العينين ) معاً ( الدية ) وفي إحداهما نصفها ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الغنية (٣) ، بل عليه الإجماع كما صرّح به بعض الأجلّة (٤) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسألتين عموماً وخصوصاً.

( ولو ادّعى إذهاب نظره عقيب الجناية وهي ) أي العين وحدقتها ( قائمة ) ولم يعلم بصدقه بالبيّنة أو تصديق الجاني ( حلف ) المجني عليه ( بالله تعالى القسامة ) على الأظهر الأشهر ، كما في المسالك (٥) ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ؛ لما في كتاب ظريف (٦) ، وما عرضه يونس على مولانا الرضا عليه‌السلام المروي في الصحيح وغيره ، وفيهما : أنّ القسامة على ستة أجزاء ، فإن ادّعى ذهاب البصر كلّه حلف ستّاً أو حلف هو وخمسة رجال‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٨.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٤ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٧ / ١٠٥٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٤ أبواب ديات المنافع ب ١٢ ح ١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٥١١.

(٥) المسالك ٢ : ٥٠٤.

(٦) تقدمت الإشارة إليه في الهامش ٢.

٥٠٣

معه ، وإن ادّعى ذهاب سدس بصره حلف هو واحدة ، وإن ادّعى ذهاب ثلثه حلف يمينين ، أو هو وآخر معه (١) ، وهكذا.

( وفي رواية ) ضعيفة أنّه ( يقابل بـ ) عينه ( الشمس فإن بقيتا مفتوحتين صدق ) وإلاّ كذب ، وبها أفتى ابن زهرة والديلمي والحلبي والشيخ في الخلاف (٢) ، مدّعياً عليه الإجماع.

وفيه وهن بمخالفة الأكثر ، والرواية ضعيفة كما عرفته ، مع قصورها كالإجماع المحكي عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة.

فهذا القول ضعيف ، وإن نفى البأس عنه في المختلف (٣) إن أفاد الحاكم ظنّاً ؛ لعدم دليل عليه أيضاً ، مع كونه خارجاً عن إطلاق القولين وأدلّتهما من دون دليل أجده له صالحاً ، عدا ما دلّ على حجّية ظنّ الحاكم ، ولا عموم له يشمل المقام ؛ لاختصاصه بالظنّ الحاصل له في نفس الحكم الشرعي دون موضوعاته إلاّ ما أخرجه الدليل منها ، ولا مخرج هنا ، إلاّ أن يدّعى الاستقراء ، ولم أتبيّنه هنا.

( ولو ادّعى نقصان ) بصر ( إحداهما قيست إلى الأُخرى ، وفعل بالنظر إلى المنظور كما فعل بالسمع ) بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في الغنية (٤) ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : عن الرجل يصاب في عينيه فيذهب بعض بصره ، أيّ شي‌ء يعطى؟ قال : « تربط إحداهما ، ثم توضع له بيضة ثم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٢٤ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٧ / ١٠٥٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٤ أبواب ديات المنافع ب ١٢ ح ١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، المراسم : ٢٤٥ ، الكافي في الفقه : ٣٩٦ ، الخلاف ٥ : ٢٣٥.

(٣) المختلف : ٨١٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

٥٠٤

يقال له : انظر ، فما دام يدّعي أنّه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال : لا أبصر ، قرّبها حتى يبصر ، ثم يعلّم ذلك المكان ، ثم يقاس ذلك القياس من خلفه وعن يمينه وعن شماله ، فإن جاء سواء ، وإلاّ قيل له : كذبت حتى يصدق » إلى أن قال : « ويصنع بالعين الأُخرى مثل ذلك ثم يقاس ذلك على دية العين » (١).

ونحوه صحيح آخر (٢) ، وغيره (٣) ، لكن ليس فيهما ذكر للجهات الأربع ، بل اقتصر فيهما على جهتين خاصّة ، وعليهما العمل ، إلاّ أنّ مراعاة الجهات الأربع أحوط وأوضح.

وما تضمّنته هذه النصوص في كيفية الاعتبار أجود وأشهر.

وعن المفيد (٤) رحمه‌الله الاعتبار بنحو آخر ، ولكنّ الأمر سهل ؛ إذ الظاهر أنّ الضابط هو فعل ما يظهر معه للحاكم صدق المدّعى كما صرّح به في المختلف (٥) ، ولذا قال بعد نقل الأقوال في كيفية الاعتبار ـ : ولا خلاف ولا طائل تحت هذه المسألة.

ولو ادّعى نقصانهما قيستا إلى أبناء سنّه بأن يوقف معه وينظر ما يبلغه نظره ، ثم يعتبر ما يبلغه نظر المجني عليه ، ويعلم نسبة ما بينهما ، فإن‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٢٣ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٥ / ١٠٤٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٨ أبواب ديات المنافع ب ٨ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ١٠٠ / ٣٣١ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٦ / ١٠٤٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٩ أبواب ديات المنافع ب ٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٣٢٣ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٦ / ١٠٤٧ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٨ أبواب ديات المنافع ب ٨ ح ٢.

(٤) المقنعة : ٧٥٨.

(٥) المختلف : ٨٠٢.

٥٠٥

استوت المسافات الأربع صدق وإلاّ كذب ، بلا خلاف أجده ، بل عليه في ظاهر الغنية إجماع الإمامية (١) ، وهو الحجة المعتضدة بالصحيح : « اتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد ضرب رجلاً حتى نقص من بصره ، فدعا برجل من أسنانه فأراهم شيئاً فنظر ما نقص من بصره فأعطاه من ديته ما انتقص من بصره » (٢).

( ولا يقاس في يوم غيم ، ولا في أرض مختلفة ) الجهات ؛ لئلاّ يحصل الاختلاف بالعارض ؛ وللقوي وغيره : « لا تقاس عين في يوم غيم » (٣).

( وفي ) إبطال ( الشم ) من المنخرين معاً ( الدية ) كاملة ، ومن إحداهما خاصّة نصفها ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في المبسوط والخلاف والغنية (٤) ، وهو الحجة ؛ مضافاً إلى ما مرّ في المسائل السابقة من القاعدة.

( ولو ادّعى ذهابه ) عقيب جناية يمكن زواله بها ولم يظهر حاله بالامتحان ( اعتبر بتقريب الحراق ) بضم الحاء وتخفيف الراء ، وهو ما يقع فيه النار عند القدح أي يقرب منه بعد علوق النار به ( فإن دمعت عيناه وحوّل أنفه ) عنه ( فهو كاذب ) وإلاّ فصادق ، كما في الرواية المتقدمة في اعتبار بصر العين المدّعى زواله ، وأفتى بها هنا أيضاً ابن زهرة والشيخ في‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٢) الفقيه ٤ : ٩٧ / ٣٢١ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٨ / ١٠٥٥ ، الوسائل ٢٩ : ٢٦٩ أبواب ديات المنافع ب ٨ ح ٤.

(٣) الفقيه ٤ : ١٠١ / ٣٣٩ ، التهذيب ١٠ : ٢٦٧ ، ٢٦٨ / ١٠٥١ ، ١٠٥٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٦٥ أبواب ديات المنافع ب ٥ ح ١ ، ٢.

(٤) المبسوط ٧ : ١٣١ ، الخلاف ٥ : ٢٣٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

٥٠٦

الخلاف (١) مدّعياً أيضاً عليه الوفاق. وفيهما ما سبق.

والأشهر على الظاهر ، المصرّح به في المسالك (٢) تحليف المجني عليه بالقسامة كما في المسألة السابقة ، عملاً بالقاعدة.

والعجب من الماتن كيف أخذ بها في المسألة السابقة ونحوها ممّا تقدّم إليه الإشارة طارحاً للرواية ، وعكس في المسألة؟! مع أنّ الجميع من باب واحد فتوًى ونصّاً وقاعدةً.

( ولو أُصيب ) أحد بجناية ( فتعذّر ) عليه بها إنزال ( المني كان فيه الدية ) كاملةً ، بلا خلاف أجده ، وربما يستدل له بما مرّ من القاعدة من أنّ كل ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية.

وفي الخبر : « في الظهر إذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة » (٣).

( و ) اعلم أنّه ( قيل : في سلس البول ) وهو نزوله مترشّحاً لضعف القوّة الماسكة له ( الدية ) كاملة ؛ للقاعدة المتقدمة ، وللخبرين ، في أحدهما : « أنّ عليّاً عليه‌السلام قضى في رجل ضرب حتى سلس بوله بالدية كاملة » (٤) ونحوه الثاني المروي عن قرب الإسناد (٥).

وفيهما ضعف سنداً ، وفي القاعدة دلالةً ، ولذا نسبه الماتن هنا وفي الشرائع (٦) إلى القيل مشعراً بتمريضه.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، الخلاف ٥ : ٢٣٨.

(٢) المسالك ٢ : ٥٠٥.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٦٠ / ١٠٢٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٦ أبواب ديات المنافع ب ١٤ ح ١.

(٤) الفقيه ٤ : ١٠٨ / ٣٦٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٥١ / ٩٩٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧١ أبواب ديات المنافع ب ٩ ح ٤.

(٥) قرب الإسناد : ١٤٧ / ٥٣٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٢ أبواب ديات المنافع ب ٩ ح ٥.

(٦) الشرائع ٤ : ٢٧٤.

٥٠٧

نعم عليه أكثر المتأخّرين ، بل في المسالك والروضة أنّه المشهور بين الأصحاب (١) ، وربما أُيّد بما مرّ من النصوص بإثبات الدية بكسر البعصوص فلا يملك استه ، وضرب العجان فلا يستمسك بوله ولا غائطه.

وفيه نظر ؛ لعدم دلالتها على كون الدية لأجل الجناية على المنفعة خاصّة كما هو مفروض المسألة ، والشهرة بنفسها ليست بحجة إلاّ أن تجعل لضعف الخبرين جابرة ، وهو حسن إن لم تعارضه الشهرة القديمة.

والظاهر ثبوتها على الخلاف ( و ) هو العمل بما ( في رواية ) من أنّه ( إن دام ) السلس ( إلى الليل لزمته الدية ) كاملةً ( و ) إن دام ( إلى الزوال ) لزم ( ثلثاها ، و ) إن دام ( إلى الضحوة ) لزم ( ثلث الدية ) (٢) فقد حكي القول به عن السرائر والنزهة والجامع والوسيلة (٣) ، واختاره من المتأخّرين الفاضل المقداد (٤) ، وادّعى المحقّق الثاني فيما حكي عنه (٥) الشهرة وجبر بها ضعف الرواية.

فالمسألة لذلك محل إشكال وريبة ، لكن الأصل يقتضي المصير إلى القول الثاني ؛ فإنّ لزوم كمال الدية على الإطلاق ممّا ينفيه أصالة البراءة ، فينبغي الاقتصار فيه على الصورة المتّفق عليها ، وهي الصورة الأُولى ، وأمّا الصور (٦) الباقية فالأصل عدم لزومه أيضاً.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥٠٥ ، الروضة ١٠ : ٢٦٤.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٥١ / ٩٩٤ ، الفقيه ٤ : ١٠٧ / ٣٦٢ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧١ أبواب ديات المنافع ب ٩ ح ٣.

(٣) السرائر ٣ : ٣٩١ ، النزهة : ١٤٣ ، ١٤٦ ، ١٤٨ ، الجامع : ٥٩٤ ، الوسيلة : ٤٤٢ ، ٤٥٠.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ٥١٢.

(٥) مجمع الفائدة ١٤ : ٤٤٦.

(٦) في غير « ن » : الصورة.

٥٠٨

وإثبات الثلث والثلثين في الصورتين الأخيرتين وإن كان ممّا لا يساعده الأصل حيث يزيدان عن الحكومة إلاّ أنّه جاء من قبل الإجماع وعدم قائل بها مطلقاً ؛ فإنّ كل من نفى كمال الدية على الإطلاق قال بالقول الثاني المفصّل على الإطلاق.

وعليه فليطرح الخبران المطلقان للدية ، مع كونهما قضية في واقعة ، أو يحملا على الصورة الأُولى خاصّة جمعاً ، سيّما مع كونها أظهر أفراد المطلق ؛ لندرة الصورتين الأخيرتين فيما أحسبه.

وحكى الفاضل في الإرشاد والقواعد (١) قولاً ثالثاً مفصّلاً كالثاني ، لكن مبدلاً الثلثين بالنصف. ولم أعرف قائله ولا مستنده ، وبه صرّح جماعة (٢).

واعلم أنّ الظاهر أنّ المراد بالدوام في الصور الثلاث الدوام في كل يوم لا في يوم أو أيّام كما فهمه العلاّمة (٣) وجماعة (٤) ؛ لأنّ المعهود أنّ الدية وبعضها المقدّر إنّما يجب في ذهاب العضو أو المنفعة بالكلية ، وأنّ مع العود الحكومة مع أصالة البراءة.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٣ ، القواعد ٢ : ٣٣٣.

(٢) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٧١١ ، والفاضلان المقداد في التنقيح ٤ : ٥١٣ ، والهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٣.

(٣) القواعد ٢ : ٣٣٣.

(٤) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٧١١ ، والفاضلان المقداد في التنقيح ٤ : ٥١٢ ، والهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٣.

٥٠٩

( المقصد الثالث )

( في ) بيان ديات ( الشجاج والجراح ).

( فالشجاج ) بكسر الشين جمع شجّة بفتحها ، وهي الجرح المختصّ بالرأس كما في مجمع البحرين (١) ، أو الوجه أيضاً كما في كلام جماعة (٢) وعزي إلى نص اللغة ، ويسمّى في غيرهما جرحاً بقول مطلق ( ثمان ) على المشهور ( الحارصة ، والدامية ، والمتلاحمة ، والسمحاق ، والموضحة ، والهاشمة ، والمنقّلة ، والمأمومة ، والجائفة ) فهذه تسعة ، ولكن الأخيرة من الجراح لا الشجاج ؛ إذ لا اختصاص لها بالرأس والوجه ، وعليه فيكون عدد الشجاج المختصّ بهما كما هو معناها لغةً بل وعرفاً ثمانية كما في العبارة وغيرها.

( فالحارصة ) بإهمال الحروف جملة ( هي التي تقشر الجلد ) وتخدشه ( وفيها بعير ) على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ للخبر المعتبر ، بل الصحيح أو القريب منه : « في الحرصة شبه الخدش بعير » (٣).

خلافاً للإسكافي ، فنصف بعير (٤). وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح.

وإطلاق النص وأكثر الفتاوي يقتضي عدم الفرق بين كون المشجوج‌

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٣١٢.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٢٦٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٥٣.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٩٣ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٢ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٤.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٨١١.

٥١٠

ذكراً أو أُنثى ، حرّا أو مملوكاً.

خلافاً للغنية والإصباح والجامع (١) فعبّروا بأنّ فيها عشر عشر الدية ، وعليه يفترق الذكر والأُنثى.

وفيه مع مخالفته إطلاق النص أنّ افتراقهما لا يكون إلاّ بعد بلوغ الثلث أو (٢) التجاوز عنه لا مطلقاً ، كما مضى أيضاً وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ويمكن تنزيل عبائرهم عليه بأن يراد بالدية المضاف إليها عشر عشر دية الذكر التي هي الأصل ، دون دية الأُنثى التي هي نصفها.

ولابن حمزة (٣) ، ففرّق بين الحرّ فما في النص والعبارة ، والمملوك فالأرش على حسب القيمة.

وهو غير بعيد ؛ للشك في دخول مثله في إطلاق الفتوى والنص ، سيّما مع اختلافه مع الحرّ في كثير من الأحكام ، سيّما الديات ، ولكن الحكم بالأرش على الإطلاق مشكل ، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق عشر عشر قيمته كما هو الضابط في دية أعضائه ، من نسبتها إلى دية الحرّ ثم إلى دية مجموعة التي هي قيمته ، ما لم تزد عن دية الحرّ فتردّ إليها ، ( كما مضى ) (٤) ويأتي أيضاً.

ويمكن إرجاع ما في الكتب الثلاثة المتقدمة من إثبات عشر عشر الدية إلى هذا ، بحمل الدية فيها على ما يعمّ نحو قيمة المملوك ، فتأمّل جدّاً.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، الإصباح ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩٥ ، الجامع : ٦٠٠.

(٢) في « س » : و.

(٣) الوسيلة : ٤٤٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ح » و « ب » و « س ».

٥١١

( وهل ) الحارصة ( هي الدامية ) فتكون ديتها ديتها بعيراً ، ويبدل عنها في عدد الثمانية الذي فيه بعيران بالباضعة؟ أم غيرها فتكون ديتها بعيرين ، وتكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة فيها ثلاثة أبعرة؟

( قال الشيخ ) (١) وجماعة (٢) ( نعم ) للخبرين : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدامية بعيراً ، وفي الباضعة بعيرين ، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة » (٣).

وقصور سندهما ولا سيّما الأوّل لضعفه من وجوه يمنع عن العمل بهما ، سيّما مع عدم مكافأتهما لأدلّة المشهور جدّاً.

( و ) لذا صار ( الأكثرون ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير (٤) ، بل في المسالك والروضة وشرح الشرائع للصيمري (٥) المشهور ( على خلافه ) للمعتبرة المستفيضة منها الرواية المتقدّمة ؛ إذ فيها بعد ما مرّ بلا فصل : « وفي الدامية بعيران ، وفي الباضعة وهي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل » الخبر (٦).

ومنها الصحيحان وغيرهما : « وفي الباضعة ثلاث من الإبل » (٧).

__________________

(١) المبسوط ٧ : ١٢٢ ، الخلاف ٥ : ٢٣١.

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٤٤٤ ، وابن سعيد في الجامع : ٦٠٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٥٣.

(٣) أحدهما في : الكافي ٧ : ٣٢٧ / ٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٠ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٨.

والآخر في : الكافي ٧ : ٣٢٦ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٦ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٦.

(٤) الشرائع ٤ : ٢٧٥ ، التحرير ٢ : ٢٧٦.

(٥) المسالك ٢ : ٥٠٥ ، الروضة ١٠ : ٢٦٧ ، غاية المرام ٤ : ٤٦٨.

(٦) راجع ص ٥٠٧.

(٧) أحدهما في : الفقيه ٤ : ١٢٤ / ٤٣٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١.

والآخر في : الكافي ٧ : ٣٢٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٤.

والخبر في : التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨١ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١١.

٥١٢

وهما وإن لم يتضمّنا ذكر الحارصة والدامية إلاّ أنّهما دلاّ على أنّ في الباضعة ثلاثاً من الإبل ، وكل من قال به من المشهور قال بتغايرهما ، كما مضى وسيأتي الإشارة إليه أيضاً.

( فهي ) أي الدامية ( أذن التي ) تقطع الجلد و ( تأخذ في اللحم يسيراً وفيها بعيران والمتلاحمة ) و ( هي التي ) تقطع الجلد و ( تأخذ في اللحم كثيراً )

( وهل هي غير الباضعة ) فيجب فيها ثلاثة أبعرة وفي الباضعة بعيران ، ويكون أوّل الشجاج الدامية والحارصة مترادفتين؟ أم متّحدتان ديتهما ثلاثة أبعرة ، ويكون أوّلها الحارصة فيها بعير ، وثانيها الدامية فيها بعيران؟

اختلاف مبني على الاختلاف السابق ( فمن قال ) ثمّة : أنّ ( الدامية غير الحارصة ) وهم المشهور قال : ( الباضعة هي المتلاحمة ) ديتها ثلاثة أبعرة ، عدا الإسكافي (١) ، وهو نادر.

( ومن قال : الدامية هي الحارصة ) وهو الشيخ ومن تبعه ( فالباضعة ) عنده ( غير المتلاحمة ) فيها بعيران.

وحيث قد عرفت أنّ الأوّل أقرب ( ففي المتلاحمة ) والباضعة ( إذن ثلاثة أبعرة ) ويظهر من هنا عدم الخلاف فتوًى ونصّاً في ثبوتها في‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨١١.

٥١٣

المتلاحمة ، وإنّما هو في ثبوتها في الباضعة ، وقد عرفت من المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة ثبوتها فيها أيضاً.

والخبران المتقدّمان وإن نصّا على الخلاف بإثبات البعيرين فيها ، والثلاثة في المتلاحمة خاصّة ، فارقين بينهما ، إلاّ أنّك قد عرفت الجواب عنهما ، فما عليه الأكثر في المقامين أقوى إن فرض ثمرة معنوية تترتّب على الخلاف ، وإلاّ فيعود النزاع لفظيّاً كما صرّح به في المسالك والروضة (١) شيخنا ، فتأمّل جدّاً.

( والسِّمحاق ) بكسر السين المهملة وإسكان الميم ، و ( هي التي ) تقطع اللحم و ( تقف على السمحاقة ، وهي الجلدة المغشية للعظم ، وفيها أربعة أبعرة ) للصحيحين (٢) وغيرهما من المستفيضة (٣) ، وعليه الإجماع على الظاهر ، المحكي في الغنية وعن الانتصار والناصريات والخلاف (٤).

وعن الإسكافي أنّه روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ فيها حقّة وجذعة وابنة مخاض وابنة لبون (٥).

وعن المقنع أنّ فيها خمسمائة درهم ، قال : وإذا كانت في الوجه‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥٠٥ ، الروضة ١٠ : ٢٦٨.

(٢) أحدهما في : الكافي ٧ : ٣٢٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٤.

والآخر في : التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٤ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨١ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١١.

(٣) الوسائل ٢٩ : أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ الأحاديث ٦ ، ١٠ ، ١٤ ، ١٦.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، الانتصار : ٢٧٦ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٩ ، الخلاف ٥ : ٢٣١.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٨١١.

٥١٤

فالدية على قدر الشين (١). وعليه ينصّ المرسل (٢).

( والموضحة ) و ( هي التي تكشف عن ) وضح ( العظم ) وبياضه وتقشر السمحاقة ( وفيها خمسة أبعرة ) بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في الغنية (٣) ، وحكي عن الخلاف وغيره (٤) ؛ للصحاح (٥) والموثّق القريب منها (٦) وغيرها من المستفيضة (٧). وفي كتاب ظريف : « في موضحة الرأس خمسون ديناراً » (٨) وقريب منه الخبر : فيمن شجّ عبداً موضحة ، قال : « عليه نصف عشر قيمة العبد » (٩).

ويستفاد من الجمع بينهما وبين المستفيضة أنّ ذكر الإبل فيها والنقد فيهما بعنوان المثل ، وأنّ الضابط نصف عشر الدية كما عبّر به في الغنيّة (١٠) وعبائر جماعة (١١) مع نفي الخلاف عنه ، كتعبيرهم بخمسي عشر الدية في‌

__________________

(١) المقنع : ١٨١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٧ / ٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٠ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) الخلاف ٥ : ١٩٢ ، كشف اللثام ٢ : ٥١٥.

(٥) انظر الوسائل ٢٩ : أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ الأحاديث ٤ ، ١٢ ، ١٤.

(٦) التهذيب ١٠ : ٢٩١ / ١١٣١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨١ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٣.

(٧) الوسائل ٢٩ : ٣٧٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ الأحاديث ٥ ، ٦ ، ١٠ ، ١١ ، ١٦.

(٨) الكافي ٧ : ٣٣٢ ، الفقيه ٤ : ٥٨ ، التهذيب ١٠ : ٣٠٠ فيه وفي الفقيه بتفاوت يسير ، الوسائل ٢٩ : ٢٩٥ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٦ ح ١.

(٩) التهذيب ١٠ : ٢٩٣ / ١١٤١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٨ ح ٥.

(١٠) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(١١) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ١٩٢ ، وانظر الكافي في الفقه : ٤٠٠ ، والإصباح ( الينابيع الفقهية ٢٤ ) : ٢٩٥ ، والجامع للشرائع : ٦٠٠.

٥١٥

المسألة السابقة ، ويمكن تنزيل عبائر الأكثر المعبّرة بالإبل خاصّة عليه ، بحمله على المثل في المقامين ، بل فيما يأتي وما مضى مطلقاً (١).

( والهاشمة ) و ( هي التي تهشم العظم ) أي تكسره وإن لم تسبق بجرح ( وفيها عشرة أبعرة ) عشر الدية ، بلا خلاف ، وبه صرّح في الغنية (٢) ، وبالإجماع بعض الأجلّة (٣) ؛ للقوي : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في الهاشمة بعشر من الإبل (٤).

وليس فيه كالعبارة ونحوها ما ذكره جماعة (٥) من اعتبار الأسنان فيها أرباعاً في الخطأ وأثلاثاً في شبهه على نسبة ما يوزّع في الدية الكاملة ، وإن كان أحوط.

( والمنقّلة ) و ( هي ) على تعريف الماتن وجماعة (٦) ( التي تحوج إلى نقل العظم ) من موضع إلى غيره ، وقيل فيها تفاسير أُخر متقاربة ( وفيها خمسة عشر بعيراً ) عشر الدية ونصفه ، بلا خلاف كما عن المبسوط والخلاف وفي الغنية (٧) ؛ للصحيح (٨) والموثّق القريب منه‌

__________________

(١) في « ن » : أيضاً.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٣) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٥.

(٤) الفقيه ٤ : ١٢٥ / ٤٣٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٣ / ١١٣٩ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٢.

(٥) منهم الشيخ في المبسوط ٧ : ١٢١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١٠ : ٢٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٥.

(٦) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٣٣٣ ، والإرشاد ٢ : ٢٤٤ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ١٠ ) : ٢٧٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٥٣.

(٧) المبسوط ٧ : ١٢٢ ، الخلاف ٥ : ١٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٨) الكافي ٧ : ٣٢٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٤.

٥١٦

سنداً (١) وغيرهما من المستفيضة (٢).

وفسّرت في بعضها بالتي قد صارت قرحة ينقل منها العظام (٣) ، وفي بعضها بعد قوله : « وفي المنقّلة خمسة عشر من الإبل » : « عشر ونصف عشر » (٤) وفيه دلالة على الضابط المتقدم ، لكن فيه قطع ، وفي المفسِّر إرسال.

وأوجب العماني هنا عشرين بعيراً (٥). وهو مع ندرته جدّاً على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (٦) لم أر له مستنداً.

( والمأمومة ) و ( هي التي تصل إلى أُمّ الرأس ، وهي الخريطة الجامعة للدماغ ) بكسر الدال ، ولا تفتقها ( وفيها ) ثلث الدّية كما في الغنية وعن الخلاف والمراسم والمقنع والوسيلة (٧) وغيرها (٨) ؛ للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح عن الشجّة المأمومة؟ فقال : « ثلث الدية ، والشجّة الجائفة ثلث الدية » (٩).

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٢٩١ / ١١٣١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨١ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٣.

(٢) الوسائل ٢٩ : ٣٧٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٣٢٧ / ٨ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٠ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٩.

(٤) التهذيب ١٠ : ٢٩٤ / ١١٤٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٣ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٨.

(٥) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٥١٥.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٥٠٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٥٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥١٥.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١ ، الخلاف ٥ : ١٩٢ ، المراسم : ٢٤٧ ، المقنع : ١٨١ ، الوسيلة : ٤٤٥.

(٨) القواعد ٢ : ٣٣٣ ، المفاتيح ٢ : ١٥٣.

(٩) التهذيب ١٠ : ٢٩١ / ١١٣٠ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨١ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٢.

٥١٧

ونحوه الخبر (١) ، لكن بزيادة تفسير الثلث في الجائفة بثلاث وثلاثين من الإبل ، وفيه إيماء إلى وقوع التجوّز في الثلث في الجائفة ، فيحتمل وقوعه فيه أيضاً في المأمومة ، سيّما مع ورود الصحيح (٢) وغيره (٣) بأنّه فيها ( ثلاث وثلاثون بعيراً ) ومثل هذا التجوّز شائع.

ولذا أنّ الفاضلين في الشرائع والتحرير (٤) مع تصريحهما بأنّ فيها ثلث الدية فسّراه بثلاث وثلاثين من الإبل من دون ذكر ثُلث.

ونحوهما الشيخان في المقنعة والنهاية والمرتضى في الناصريات (٥) على ما حكي عنهم ، فقالوا : فيها ثلث الدية : ثلاثة وثلاثون بعيراً ، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء ؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث ولا يتحدّد في الإبل والبقر والغنم على السلامة ، كما في عبارة السيّد وشيخه ، وقريب منها عبارة النهاية ، لكن بزيادة الحلّة وعدم إشارة إلى العلّة.

وذكر الحلّي أنّ فيها ثلث الدية دية النفس وهي ثلاث وثلاثون بعيراً فحسب بلا زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل ، ولم يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمّل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس ؛ لأنّ رواياتهم هكذا مطلقة ، وكذا مصنّفاتهم وقول مشايخهم وفتاويهم ،

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٢٤ / ٤٣٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٩ / ١١٢٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٠ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٠.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٥ ، الوسائل ٢٩ : ٣٧٩ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ٤.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٩٠ / ١١٢٤ ، معاني الأخبار : ٣٢٩ / ١ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨١ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١١.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٧٧ ، التحرير ٢ : ٢٧٦.

(٥) المقنعة : ٧٦٦ ، النهاية : ٧٧٥ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٩.

٥١٨

وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق ، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء ؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث ولا يتحدّد في الإبل والبقر والغنم (١). انتهى.

وهو صريح في دعوى الإجماع على سقوط الثلث من عدد الإبل ، لكن عرفت إطلاق عبائر جماعة بثلث الدية بقول مطلق ، ومقتضاه زيادة الثلث في العدد المتقدم ، وحكي التصريح بها عن المبسوط فقال : فيها ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير (٢).

وبه صرّح في القواعد (٣) ، وشيخنا في المسالك والروضة (٤) ، وبعض من تبعه (٥) ، مختارين التجوّز في العكس بحمل ما دلّ على العدد من دون ذكر الثلث عليه تخفيفاً في اللفظ وتجوّزاً في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة والإيماء إلى إكمال الثلث من إيجابه.

وهو حسن إن وجد مرجّح لهذا التجوّز ، وليس عدا المناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة بل في المسألة أيضاً بالإضافة إلى النقدين والحلّة ، وهي بمجرّدها للترجيح غير صالحة ، سيّما وأنّ الشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة للتجوّز في الأوّل مرجّحة.

ولو سلّم عدمهما لكان التحقيق يقتضي التوقّف في ترجيح أيّهما أو تساقطهما ، ومعه يكون وجوب ثلث البعير زيادة على العدد بالأصل منفيّاً ، فما في العبارة أقوى ، وإن كانت الزيادة أو العدول إلى النقدين وما شاكلهما‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٠٧.

(٢) المبسوط ٧ : ١٢٢.

(٣) القواعد ٢ : ٣٣٣.

(٤) المسالك ٢ : ٥٠٦ ، الروضة ١٠ : ٢٧٣.

(٥) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ١٤ : ٤٥٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٥٣.

٥١٩

أحوط وأولى.

( والجائفة ) و ( هي التي تبلغ الجوف ) من أيّ الجهات كان ولو من ثغرة النحر ( وفيها ثلث الدية ) كما في النصوص المستفيضة (١) ، وفيها الصحيح والقريب منه ، لكن في بعضها بعد الحكم بأنّ فيها الثلث فسّر بالثلاث والثلاثين بعيراً (٢) ، وقد تقدم ، فيأتي فيها احتمال التجوّز المتقدم أيضاً ، سيّما مع ورود الصحيح وغيره بأنّ فيها ثلاثاً وثلاثين من الإبل.

لكن الأصحاب هنا أطلقوا الحكم بالثلث الذي مقتضاه زيادة ثلث بعير على العدد من غير خلاف بينهم يعرف ، وبه صرّح في الغنية (٣) ، وحكي عن المبسوط والخلاف (٤) ، بل صرّح بالاتفاق على زيادته هنا شيخنا في الروضة (٥).

فإن تمّ فهو الحجة ، ولكن في التمامية مناقشة ؛ لأنّ عبارات الأصحاب هنا بالثلث وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّ تعليل جملة منهم سقوط الثلث في المسألة السابقة بأنّه من البعير لا يحدّ كما وقع في عبارة السيّد وشيخه والحلّي (٦) ، أو بلزوم متابعة النص بالعدد كما وقع في عبارة الماتن في الشرائع (٧) ، وقريب منه الفاضل في المختلف (٨) ، جارٍ في المسألة ؛ لعدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ٣٧٨ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢.

(٢) الفقيه ٤ : ١٢٤ / ٤٣٢ ، التهذيب ١٠ : ٢٨٩ / ١١٢٣ ، الوسائل ٢٩ : ٣٨٠ أبواب ديات الشجاج والجراح ب ٢ ح ١٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٤) المبسوط ٧ : ١٢٤ ، الخلاف ٥ : ٢٣٢.

(٥) الروضة ١٠ : ٢٧٥.

(٦) راجع ص ٥١٥.

(٧) الشرائع ٢ : ٢٧٧.

(٨) المختلف : ٨١٢.

٥٢٠