الخصم أنّ الانسباق المزبور مستند إلى الاستيناس المذكور فلنفرض ذلك في اللفظ الموضوع لمعنى ما قبل أن يتكرّر استعماله فيه فلا محالة أنّ ذلك المعنى ينسبق إلى ذهن العالم بوضع ذلك اللفظ له وإن نطق به ناطق بلا شعور فتحصّل أنّ الألفاظ موضوعة لنفس المعاني بلا تخصّص ولا تحصّص بالإرادة وتبيّن أنّ الدلالة الوضعيّة مع قطع النظر عن القرائن منحصرة في الدلالة التصوّريّة وإن كان الموضوع له هي الحصّة لما عرفت من عدم الملازمة بين كون الموضوع له هو المعنى المقارن لإرادة المتكلم وبين التصديق بكون المتكلّم يريد هذا المعنى في الواقع على خلاف ما ذهب إليه الخصم من انحصارها في الدلالة التصديقيّة. (١)
والحاصل أنّ ما يمكن تحصيله بنفس الوضع هو الدلالة التصوّريّة وأمّا الإرادة التفهيميّة أو الإرادة الجدّيّة فلا تحصلان به بل تتوقّفان على جريان أصالة الحقيقة وأصالة التطابق فلا غناء بالوضع عن غيره من الاصول كما عرفت.
ولذا قال في هداية المسترشدين أنّ الظاهر كون الحاصل من نفس الوضع مجرّد الإحضار ودلالة اللفظ على كون ذلك مرادا للمتكلّم حاصلة بعد ذلك بأمر آخر (ومقصوده من أمر آخر هو ما ذكره قبلا من أنّ التصدّي لاستعمال الألفاظ في مقام البيان مع شعور المكلّف (٢) وعدم شعور غفلته وذهوله شاهد على إرادة معناه ومدلوله فيكون كدلالة الإشارات على مقصود المشير) فيكون الحكم بكونه مرادا للمتكلّم متفرّعا على الوضع من غير أن يكون متعلّقا لوضع الواضع وإن كان الغاية الملحوظة في الألفاظ هو فهم المراد إذ لا يلزم من ذلك أن يكون ترتّبها عليه بلا واسطة. (٣)
__________________
(١) بدائع الأفكار ١ / ٩٢ ـ ٩٤.
(٢) المتكلّم ظ
(٣) هداية المسترشدين / ٣٩.