أرضه ، وخليفة رسول الله ، وخليفة كتابه ، ثم أمر سبحانه بالجماعة ، وترك التفرق فقال سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) في الدين وهم اليهود والنصارى (وَاخْتَلَفُوا) معناه : كالذين تفرقوا بالعداوة ، واختلفوا في الديانة (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) أي الحجج والكتب ، وبيّن لهم الطرق (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) عقوبة لهم على تفرقهم واختلافهم بعد مجيء الآيات والبينات.
١٠٦ ـ ١٠٧ ـ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) أخبر سبحانه بوقت ذلك العذاب ، أي ثبت لهم العذاب في يوم هذه صفته ، وإنما تبيض فيه الوجوه للمؤمنين ثوابا لهم على الإيمان والطاعة ، وتسوّد فيه الوجوه للكافرين عقوبة لهم على الكفر والسيئات ، بدلالة ما بعده وهو قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي يقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم ، واختلفوا فيمن عنوا به على أقوال : (أحدها) انهم الذين كفروا بعد إظهار الإيمان بالنفاق (وثانيها) انهم جميع الكفار لاعراضهم عما وجب عليهم الإقرار به من التوحيد حين أشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى ، فيقول : أكفرتم بعد إيمانكم (وثالثها) هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي (ع) ويروى عن النبي (ص) أنه قال : والذي نفسي بيده ليردن عليّ الحوض ممن صحبني أقوام حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن : أصحابي أصحابي أصحابي فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعد إيمانهم ، إرتدوا على أعقابهم القهقرى ، ذكره الثعلبي في تفسيره (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ومعناه : انظروا ما صار إليه عاقبتكم من عذاب الله بما كنتم تكفرون ، أي بكفركم (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم المؤمنون (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) أي جنة الله (هُمْ فِيها خالِدُونَ) دل على خلودهم فيها.
١٠٨ ـ ١٠٩ ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ) أي تلك التي قد جرى ذكرها حجج الله وعلاماته وبيّناته (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) نقرأها عليك بالحق يا محمد (ص) وعلى أمتك ، ونذكرها لك ، ونعرفك إياها ، ونقصّها عليك (بِالْحَقِ) أي بالحكمة والصواب (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) معناه : لا يظلمهم بأن يحملهم من العقاب ما لم يستحقوه ، أو ينقصهم من الثواب عما استحقوه ثمّ ذكر سبحانه وجه غناه عن الظلم فقال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا وخلقا (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) إن الله تعالى قد ملّك عباده في الدنيا أمورا ، وجعل لهم تصرفا ، ويزول جميع ذلك في الآخرة ويرجع إليه كله كما قال : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ).
١١٠ ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) إنّ كان بمعنى صار ومعناه : صرتم خير أمة خلقت لأمركم بالمعروف ، ونهيكم عن المنكر ، وإيمانكم بالله ، فتصير هذه الخصال على هذا القول شرطا في كونهم خيرا ، ثم ذكر مناقبهم فقال : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالطاعات (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن المعاصي (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي بتوحيده وعدله ودينه (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي لو صدّقوا بالنبي (ص) وبما جاء به (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي لكان ذلك الإيمان خيرا لهم في الدنيا والآخرة ، لأنهم ينجون به في الدنيا من القتل ، وفي الآخرة من العذاب ، ويفوزون بالجنة (مِنْهُمُ) أي من أهل الكتاب (الْمُؤْمِنُونَ) أي المعترفون بما دلّت عليه كتبهم من صفة نبينا ، وبالبشارة به كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود ، والنجاشي وأصحابه من النصارى (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) أي الخارجون.
١١١ ـ ١١٢ ـ (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) وعد الله المؤمنين