أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) أي قل يا محمد إن كنتم تحبون الله كما تدعون فأظهروا دلالة صدقكم بطاعة الله وطاعة رسوله فذلك إمارة صدق الدعوى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي فإن أعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) معناه : أنه يبغضهم.
٣٣ ـ ٣٤ ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى) أي إختار واجتبى (آدَمَ وَنُوحاً) لنبوّته (وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) أي على عالمي زمانهم بأن جعل الأنبياء منهم وقيل : إختار دينهم كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ، وقيل : إختيارهم بالتفضيل على غيرهم بالنبوة وغيرها من الأمور الجليلة التي رتبها الله لهم في ذلك من مصالح الخلق. وقوله : وآل إبراهيم وآل عمران : أراد به نفس إبراهيم ونفس عمران كقوله : (بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) ، يعني موسى وهارون (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) فهم موسى وهارون ابنا عمران ، وهو عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب واصطفاه : وهو عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب واصطفاه : اختصه بالتفضيل على غيره. وقوله : (ذُرِّيَّةً) أي أولادا وأعقابا بعضها من بعض في التناصر في الدين وهو الإسلام ، أي دين بعضها من دين بعض (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) معناه : سميع لما تقوله الذرية ، عليم بما يضمرونه ، فلذلك فضلهم على غيرهم لما في معلومه من استقامتهم في أقوالهم وأفعالهم.
٣٥ ـ ٣٦ ـ لمّا ذكر سبحانه أنه اصطفى آل عمران عقبه بذكر مريم بنت عمران فقال : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) اسمها حنّة جدة عيسى (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي) أي أوجبت لك بأن اجعل ما في بطني (مُحَرَّراً) أي خادما للبيعة يخدم في متعبداتنا وقيل : عتيقا خالصا لطاعتك لا استعمله في منافعي ، ولا أصرفه في الحوائج ، عن محمد بن جعفر بن الزبير وكانت حنّة قد أمسك عنها الولد حتى أيست ، فدعت الله أن يرزقها ولدا فحملت بمريم ، فلما حملت بها قالت : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي) أي نذري قبول رضا (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لما أقوله (الْعَلِيمُ) بما أنوي (فَلَمَّا وَضَعَتْها) يعني ولدت مريم وكانت ترجو أن يكون غلاما ، فلما وضعتها خجلت واستحيت و (قالَتْ) منكسة رأسها (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) المراد به الإعتذار من العدول عن النذر لأنها أنثى (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) اخبار منه تعالى بأنه أعلم بوضعها لأنه هو الذي خلقها وصوّرها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) لأنها لا تصلح لما يصلح الذكر له ، وإنما كان يجوز لهم التحرير في الذكور دون الإناث ، لأنها لا تصلح لما يصلح له الذكر من التحرير لخدمة بيت المقدس لما يلحقها من الحيض والنفاس والصيانة عن التبرج للناس (وَإِنِّي سَمَّيْتُها) أي جعلت اسمها (مَرْيَمَ) وهي بلغتهم العابدة (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) خافت عليها ما يغلب على النساء من الآفات فقالت ذلك.
٣٧ ـ (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) معناه : تكفل بها في تربيتها والقيام بشأنها (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) معناه : سلك بها طريق السعداء (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أي جعل نشوءها نشوءا حسنا (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) معناه : ضمها الله إلى زكريا وجعله كفيلها قال محمد بن إسحاق : ضمها إلى خالتها أم يحيى ، حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محرابا في المسجد وجعل بابه في وسطها لا يرقى إليها إلا بسلم ولا يصعد إليها غيره ، وكان يأتيها بطعامها وشرابها كل يوم (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير حينها ، فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، غضا طرّيا (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) يعني قال لها