طاعون وقع بأرضهم (وَهُمْ أُلُوفٌ) المراد بألوف هنا كثرة العدد (حَذَرَ الْمَوْتِ) أي من خوف الموت (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) لضرب من العبرة ثم أحياهم الله بدعاء نبيّهم حزقيل (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) لما ذكر النعمة عليهم بما أراهم من الآية العظيمة في أنفسهم ليلتزموا سبيل الهدى ، ويجتنبوا طريق الردى ، ذكر بعده ما له عليهم من الإنعام والإحسان مع ما هم عليه من الكفران وهذه الآية حجة على من أنكر عذاب القبر والرجعة.
٢٤٤ ـ (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) توجّه الخطاب إلى الصحابة بعد ما ذكّرهم بحال من فرّ من الموت فلم ينفعه الفرار ، يحرضهم على الجهاد لئلا يسلكوا في الفرار من الجهاد سبيل أولئك الذين فروا من الديار (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي سميع لما يقول المنافق ، عليم بما يجنه ، فاحذروا حاله.
٢٤٥ ـ لما حث سبحانه على الجهاد وذلك يكون بالنفس والمال ، عقّبه بالتلطف في الإستدعاء إلى أعمال البر والإنفاق في سبيل الخير فقال : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) أي ينفق في سبيل الله وطاعته سمى تعالى الإنفاق قرضا تلطفا للدعاء إلى فعله ، وتأكيدا للجزاء عليه ، فإن القرض يوجب الجزاء (قَرْضاً حَسَناً) والقرض الحسن أن ينفق من حلال ولا يفسده بمنّ ولا أذى (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) أي فيزيده له ، أي يعطيه ما لا يعلمه إلّا الله وهو مثل قوله تعالى : (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) معناه : والله يقبض الرزق عن أقوام بأن يقتره عليهم ، ويبسط الرزق على أقوام بأن يوسعه عليهم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وهذا تأكيد للجزاء.
٢٤٦ ـ (أَلَمْ تَرَ) أي ألم ينته علمك (إِلَى الْمَلَإِ) أي جماعة الأشراف (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) أي من بعد وفاته (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) إسمه أشمويل وهو بالعربية إسماعيل (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) كان سبب سؤالهم ذلك استذلال الجبابرة لهم لما ظهروا على بني إسرائيل ، وغلبوهم على كثير من ديارهم وسبوا كثيرا من ذراريهم فأجابهم نبيهم (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أي لعلكم ان فرض عليكم المحاربة مع ذلك الملك (أَلَّا تُقاتِلُوا) أن لا تفوا بما تقولون وتجبنوا فلا تقاتلوا ، وإنما سألهم عن ذلك ليعرف ما عندهم من الحرص على القتال ، وهذا كأخذ العهد عليهم ، ومعنى عسيتم : قاربتم (قالُوا) يعني قال الملأ : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) معناه : وأي شيء لنا في ترك القتال (وَقَدْ أُخْرِجْنا) لفظه عام ومعناه خاص ، أي قد أخرج بعضنا (مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) بالسبي والقهر على نواحينا أجابوا نبيهم بأن قالوا : إنما كنا لا نرغب في القتال إذ كنا أعزاء ، فأما إذا بلغ الأمر هذا المبلغ فلا بد لنا من الجهاد (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) تقديره : فسأل النبي الله تعالى أن يبعث لهم ملكا يجاهدون معه اعداءهم ، فسمع الله دعوته ، فبعث لهم ملكا وكتب عليهم القتال (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن القيام به ، وضيّعوا أمر الله (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين عبروا النهر على ما نبيّنه من بعد (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) هذا تهديد لمن يتولى عن القتال لأنهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله.
٢٤٧ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) أي جعله ملكا ، وكان طالوت من ولد بنيامين بن يعقوب ، ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة وسمي