طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، واشتد عليهم فسألوا عنه فنزلت هذه الآية فالمعنى : يسألونك عن القيام على اليتامى ، أو التصرف في أموال اليتامى ، قل يا محمد (إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) يعني اصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عوض منهم خير وأعظم أجرا (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) أي تشاركوهم في أموالهم ، وتخلطوها بأموالكم فتصيبوا من أموالهم عوضا عن قيامكم بأمورهم (فَإِخْوانُكُمْ) أي فهم إخوانكم ، والاخوان يعين بعضهم بعضا ، ويصيب بعضهم من مال بعض ، وهذا اذن لهم فيما كانوا يتحرّجون منه من مخالطة الأيتام في الأموال من المأكل والمشرب والمسكن ونحو ذلك ، ورخصة لهم في ذلك إذا تحرّوا الصلاح بالتوفير على الأيتام (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) معناه : والله يعلم من كان غرضه من مخالطة اليتامى إفساد مالهم ، أو إصلاح مالهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) أي لضيّق عليكم في أمر اليتامى ومخالطتهم ، وألزمكم ما كنتم تجتنبونه من مشاركتهم ، وقال الزجاج : معناه : لكلفكم ما يشق عليكم فتعنتون ، ولكنه لم يفعل ، وفي هذا دلالة على بطلان قول المجبّرة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) يفعل بعزته ما يحب ، لا يدفعه عنه دافع (حَكِيمٌ) في تدبيره وأفعاله.
٢٢١ ـ لمّا تقدم ذكر المخالطة بيّن تعالى من يجوز مخالطته بالنكاح فقال : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) أي لا تتزوجوا النساء الكافرات (حَتَّى يُؤْمِنَ) أي يصدّقن بالله ورسوله ، وهي عامة عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم وليست بمنسوخة (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) معناه : مملوكة مصدقة مسلمة خير من حرّة مشركة (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ولو أعجبتكم بمالها أو حسبها أو جمالها (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) معناه : ولا تنكحوا النساء المسلمات جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم حتى يؤمنوا ، وهذا يؤيّد قول من يقول : إن قوله : ولا تنكحوا المشركات يتناول جميع الكافرات وقوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) أي عبد مصدق مسلم خير من حرّ مشرك ولو أعجبكم ماله أو حاله أو جماله (أُولئِكَ) يعني المشركين (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يعني إلى الكفر والمعاصي التي هي سبب دخول النار ، وهذا مثل التعليل لأن الغالب أن الزوج يدعو زوجته إلى دينه (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) أي إلى فعل ما يوجب الجنة (وَالْمَغْفِرَةِ) من الإيمان والطاعة (بِإِذْنِهِ) أي بأمره ، يعني بما يأمره ويأذن فيه من الشرائع والأحكام (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ) أي حججه وقيل : أوامره ونواهيه وما يحظره ويبيحه للناس (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي لكي يتذكروا أو يتعظوا.
٢٢٢ ـ ثمّ بيّن سبحانه شريعة أخرى فقال (وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الْمَحِيضِ) أي عن الحيض وأحواله (قُلْ) يا محمد (هُوَ أَذىً) معناه : هو أذى لهن وعليهن لما فيه من المشقة (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أي إجتنبوا مجامعتهن (وَلا تَقْرَبُوهُنَ) بالجماع (حَتَّى يَطْهُرْنَ) معناه : حتى ينقطع الدم عنهن (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) أي اغتسلن (فَأْتُوهُنَ) فجامعوهن (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) معناه : من حيث أمركم الله تجنبه في حال الحيض وهو الفرج (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) من الذنوب (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) معناه : المتطهرين بالماء.
٢٢٣ ـ لمّا بيّن تعالى أحوال النساء في الطهر والحيض عقّب ذلك بقوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) معناه : مزدرع لكم ومحترث لكم ، تحرثون الولد واللذة (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) أي موضع حرثكم ، يعني نساءكم (أَنَّى شِئْتُمْ) معناه : كيف شئتم (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) معناه : قدموا الأعمال الصالحة التي أمرتم بها ، ورغّبتم فيها لتكون ذخرا لكم عند الله (وَاتَّقُوا اللهَ) واتقوا عقاب الله بترك مجاوزة الحد فيما بين لكم (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) أي ملاقو جزاءه يعني : ثوابه إن أطعتموه ، وعقابه إن عصيتموه (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالثواب والجنة.